اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية21%

اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 272

اللمعة الدمشقية
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81023 / تحميل: 7950
الحجم الحجم الحجم
اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

(٣) كتاب الزكاة

وفصوله أربعة، الاول: تجب زكاة المال على البالغ العاقل الحر المتمكن من التصرف في الانعام الثلاثة والغلات الاربع والنقدين، وتستحب فيما تنبت الارض من المكيل والموزون، وفي مال التجارة وأوجبها ابن بابويه فيه.

وفي إناث الخيل السائمة ديناران عن العتيق ودينار عن غيره، ولا تستحب في الرقيق والبغال والحمير.

فنصب الابل اثناعشر: خمسة كل واحد خمس، في كل واحد شاة، ثم ست وعشرون بنت مخاض، ثم ست وثلاثون بنت لبون، ثم ست وأربعون حقة، ثم إحدى وستون فجذعة، ثم ست وسبعون بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون حقتان، ثم كل خمسين حقة وكل أربعين بنت لبون.

وفي البقر نصابان: ثلاثون فتبيع أو تبيعة، وأربعون فمسنة.

وللغنم خمسة: أربعون فشاة، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثم مائتان وواحدة فثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع على الاقوى، ثم في كل مائة شاة.

وكلما نقص عن النصاب فعفو،

٤١

ويشترط فيها السوم والحول بمضي أحد عشر شهرا هلالية، وللسخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي، ولو ثلم النصاب في الحول فلا شئ ولو قربه، ويجزئ الجذع من الضأن والثني من المعز، ولا تؤخذ الربى ولا ذات العور ولا المريضة ولا الهرمة، ولا تعد الاكولة ولا فحل الضراب، وتجزئ القيمة ومن العين أفضل، ولو كانت النعم مرضى فمنها، ولا يجمع بين مفترق في الملك، ولا يفرق بين مجتمع فيه.

وأما النقدان فيشترط فيهما النصاب والسكة والحول، فنصاب الذهب عشرون دينارا ثم أربعة دنانير، ونصاب الفضة مائتا درهم ثم أربعون درهما، والمخرج ربع العشر من العين وتجزئ القيمة.

وأما الغلات فيشترط فيها التملك بالزراعة أو الانتقال قبل انعقاد الثمرة والحب، ونصابها ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي، ويجب في الزائد مطلقا، والمخرج العشر إن سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ونصف العشر بغيره، ولو سقي بهما فالاغلب، ومع التساوي ثلاثة أرباع العشر.

الفصل الثاني: إنما تستحب زكاة التجارة مع الحول وقيام رأس المال فصاعدا ونصاب المالية، فتخرج ربع عشر القيمة، وحكم باقي أجناس الزرع حكم الواجب، ولا يجوز تأخير الدفع عن وقت الوجوب مع الامكان فيضمن ويأثم، ولا تقدم على وقت الوجوب إلا قرضا فتحتسب عند الوجوب بشرط بقاء القابض على الصفة، ولا يجوز نقلها عن بلد

٤٢

المال إلا مع إعواز المستحق فيضمن لا معه، وفي الاثم قولان، ويجزئ.

الفصل الثالث، في المستحق: وهو الفقراء والمساكين ويشملهما من لا يملك مؤونة سنة، والمروي أن المسكين أسوأ حالا، والدار والخادم من المؤنة، ويمنع ذو الصنعة والضيعة إذا نهضت بحاجته وإلا تناول التتمة لا غير، والعاملون وهم السعاة في تحصيلها، والمؤلفة قلوبهم وهم كفار يستمالون إلى الجهاد، قيل ومسلمون أيضا، وفي الرقاب وهم المكاتبون والعبيد تحت الشدة، والغارمون وهم المدينون في غير معصية، والمروي أنه لا يعطى مجهول الحال، ويقاص الفقير بها وإن مات أو كان واجب النفقة، وفي سبيل الله وهو القرب كلها، وابن السبيل وهو المنقطع به ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه، ومنه الضيف.

وتشترط العدالة فيمن عدا المؤلفة، ولو كان السفر معصية منع، ويعطى الطفل ولو كان أبواه فاسقين، وقيل المعتبر تجنب الكبائر.

ويعيد المخالف الزكاة لو أعطاها مثله ولا يعيد باقي العبادات، ويشترط أن لا يكون واجب النفقة على المعطي ولا هاشميا إلا من قبيلة أو تعذر الخمس.

ويجب دفعها إلى الامام مع الطلب بنفسه أو بساعيه، قيل والفقيه في الغيبة، ودفعها إليهم إبتداء أفضل، وقيل يجب.

ويصدق المالك في الاخراج بغير يمين.

٤٣

وتستحب قسمتها على الاصناف وإعطاء جماعة من كل صنف، ويجوز للواحد والاغناء إذا كان دفعة، وأقل مايعطى استحبابا مايجب في أول النقدين، ويستحب دعاء الامام أو نائبه للمالك، ومع الغيبة لا ساعي ولا مؤلف إلا لمن يحتاج إليه، وليخص بزكاة النعم المتجمل وإيصالها إلى المستحيين من قبولها هدية.

الفصل الرابع: في الزكاة الفطرة: وتجب على البالغ العاقل الحر المالك قوت سنته عنه وعن عياله ولو تبرعا، وتجب على الكافر ولا تصح منه، والاعتبار بالشرط عند الهلال، ويستحب لو تجدد السبب ما بين الهلال إلى الزوال، وقدرها صاع من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الارز أو الاقط أو اللبن، وأفضلها التمر ثم الزبيب ثم ما يغلب على قوته، والصاع تسعة أرطال، ولو من اللبن في الاقوى، ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت.

وتجب النية فيها وفي المالية، ومن عزل احداهما لعذر ثم تلفت لم يضمن، ومصرفها مصرف المالية، ويستحب أن لا يقصر العطاء عن صاع إلا مع الاجتماع وضيق المال، ويستحب أن يخص بها المستحق من القرابة والجار، ولو بان الآخذ غير مستحق ارتجعت، ومع التعذر تجزئ إن اجتهد إلا أن يكون عبده.

٤٤

(٤) كتاب الخمس

ويجب في الغنيمة بعد إخراج المؤن، والمعدن، والغوص، وأرباح المكاسب، والحلال المختلط بالحرام ولا يتميز ولا يعلم صاحبه، والكنز إذا بلغ عشرين دينارا، قيل والمعدن كذلك.

وقال الشيخ في الخلاف لا نصاب له، واعتبر أبوالصلاح فيه دينارا، كالغوص، وأرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ولم يذكرها كثير، وأوجبه أبو الصلاح في الميراث والصدقة والهبة، وأنكره ابن إدريس والاول أحسن، واعتبر المفيد في الغنيمة والغوص والعنبر عشرين دينارا عينا أو قيمة، والمشهور أنه لا نصاب للغنيمة، ويعتبر في الارباح مؤونته ومؤونة عياله مقتصدا.

ويقسم ستة أقسام: ثلاثة للامامعليه‌السلام تصرف إليه حاضرا وإلى نوابه غائبا أو تحفظ، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين بالاب، وقال المرتضى وبالام.

ويشترط فقر شركاء الامام، ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولا يعتبر العدالة ويعتبر الايمان.

ونفل الامام أرض انجلى عنها أو تسلمت طوعا أو باد أهلها،

٤٥

والآجام، ورؤوس الجبال، وبطون الاودية وما يكون بها، وصوافي ملوك الحرب، وميراث فاقد الوارث، والغنيمة بغير إذنه.

أما المعادن فالناس فيها شرع.

٤٦

(٥) كتاب الصوم

وهو الكف عن الاكل والشرب مطلقا، والجماع كله والاستمناء وإيصال الغبار المتعدي والبقاء على الجنابة، ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين فيكفر، ويقضي لوتعمد الاخلال، ويقضي لو عاد بعد انتباهة أو احتقن بالمائع أو ارتمس متعمدا، أو تناول من دون مراعاة ممكنة فأخطأ سواء كان مستصحب الليل أو النهار، وقيل لو أفطر لظلمة موهمة ظانا فلا قضاء، أو تعمد القئ أو أخبر بدخول الليل فأفطر أو ببقائه فتناول وظهر الخلاف، أو نظر إلى امرأة أو غلام فأمنى، ولو قصد فالاقرب الكفارة وخصوصا مع الاعتياد إذ لا ينقص عن الاستمناء بيد أو ملاعبة.

وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء أو تغاير الجنس أو تخلل التكفير أو اختلاف الايام وإلا فواحدة، ويتحمل عن الزوجة المكرهة الكفارة، والتعزير بخمسة وعشرين سوطا فيعزر خمسين، ولو طاوعته فعليها.

القول في شروطه: ويعتبر في الوجوب البلوغ والعقل والخلو من الحيض

٤٧

والنفاس والسفر، وفي الصحة التمييز والخلو منها ومن الكفر، ويصح من المستحاضة إذا فعلت الواجب من الغسل، ومن المسافر في دم المتعة وبدل البدنة والنذر المقيد به، قيل وجزاء الصيد.

ويمرن الصبي لسبع وقال ابنا بابويه والشيخ في النهاية لتسع.

والمريض يتبع ظنه فلو تكلفه مع ظن الضرر قضي.

وتجب فيه النية المشتملة على الوجه والقربة لكل ليلة والمقارنة مجزئة، والناسي يجددها إلى الزوال، والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر، وادعى المرتضى في الوسيلة فيه الاجماع، والاول أولى، ويشترط فيما عدا رمضان التعيين.

ويعلم برؤية الهلال أو شهادة عدلين أو شياع أو مضي ثلاثين من شعبان لا الواحد في أوله، ولا تشترط الخمسون مع الصحو، ولا عبرة بالجدول والعدد والعلو والانتفاخ والتطوق والخفاء ليلتين.

والمحبوس يتوخى فإن ظهر التقدم أعاده.

والكف من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب المشرقية، ولو قدم المسافر أو برأ المريض قبل الزوال ولم يتناولا أجزأهما الصوم بخلاف الصبي والكافر والحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه فإنه يعتبر زوال العذر قبل الفجر ويقضيه كل تارك له عمدا أوسهوا أو لعذر إلا الصبي والمجنون والمغمى عليه والكافر الاصلي، وتستحب المتابعة في القضاء، ورواية عمار عن الصادقعليه‌السلام تتضمن استحباب التفريق.

مسائل: من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في

٤٨

الاشهر، ويتخير قاضي رمضان ما بينه وبين الزوال، فإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

الثانية: الكفارة في شهر رمضان والنذر المعين والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، ولو أفطر على محرم مطلقا فثلاث.

الثالثة: لو استمر المريض إلى رمضان آخر فلاقضاء، ويفدى عن كل يوم بمد، ولو برأ وتهاون فدى وقضى، ولو لم يتهاون قضى لا غير.

الرابعة: إذا تمكن من القضاء ثم القضاء ثم مات قضى عنه أكبر ولده الذكور، وقيل الولي مطلقا.

وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء، ويقضى عن المرأة والعبد، والانثى لا تقضي وتتصدق من التركة عن اليوم بمد، ويجوز في الشهرين المتتابعين صوم شهر والصدقة عن آخر.

الخامسة: لو صام المسافر عالما أعاد، ولو كان جاهلا فلا، والناسي يلحق بالعامد، وكلما قصرت الصلاة قصر الصوم، إلا أنه يشترط الخروج قبل الزوال.

السادسة: الشيخان إذا عجزا فديا بمد ولا قضاء، وذو العطاش المأيوس من برئه كذلك ولو برئ قضى.

السابعة: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يفطران ويفديان، ولا يجب صوم النافلة بشروعه فيه، نعم يكره نقضه بعد الزوال إلا لمن يدعى إلى طعام.

٤٩

الثامنة: يجب تتابع الصوم إلا أربعة: النذر المطلق وما في معناه وقضاء الواجب، وجزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي.

وكلما أخل بالمتابعة لعذر بنى ولا له يستأنف إلا في الشهرين المتتابعين بعد شهر ويوم من الثاني، وفي الشهر بعد خمسة عشر يوما، وفي ثلاثة المتعة بعد يومين ثالثهما العيد.

التاسعة: لا يفسد الصيام بمص الخاتم وزق الطائر ومضغ الطعام.

ويكره مباشرة النساء والاكتحال بما فيه مسك وإخراج الدم المضعف ودخول الحمام وشم الرياحين وخصوصا النرجس والاحتقان بالجامد وجلوس المرأة والخنثى في الماء والظاهر أن الخصي الممسوح كذلك، وبل الثوب على الجسد والهذر.

العاشرة: يستحب من الصوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه، وأول أربعة من العشر الاوسط، وأيام البيض ومولد النبيعليه‌السلام ، ومبعثه ويوم الغدير، والدحو، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع تحقق الهلال، والمباهلة والخميس، والجمعة، وستة أيام بعد عيد الفطر، وأول ذي الحجة ورجب كله، وشعبان.

الحادية عشرة: يستحب الامساك في المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول أو بعد الزوال، ومن سلف من ذوي الاعذار التي تزول في أثناء النهار.

الثانية عشرة: لا يصوم الضيف بدون إذن مضيفه، وقيل بالعكس أيضا، ولا المرأة والعبد بدون إذن الزوج والمالك، ولا الولد

٥٠

بدون إذن الوالد، والاولى عدم انعقاده مع النهي.

الثالثة عشرة: يحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى، وقيده بعض الاصحاب بالناسك، وصوم يوم الشك بنية الفرض ولو صامه بنية النفل أجزأ إن ظهر كونه من رمضان، ولو ردد فقولان أقربها الاجزاء.

ويحرم نذر المعصية وصومه، والصمت، والوصال، وصوم الواجب سفرا سوى مامر.

الرابعة عشرة: يعزر من أفطر في شهر رمضان عامدا عالما لا لعذر، فإن عاد عزر، فإن عاد قتل، ولو كان مستحلا قتل إن كان ولد على الفطرة، واستتيب إن كان عن غيرها.

الخامسة عشرة: البلوغ الذي يجب معه العبادة الاحتلام أو الانبات أو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الانثى، وقال في المبسوط وتبعه ابن حمزة بلوغها بعشر، وقال ابن إدريس الاجماع على التسع.

٥١

كتاب الاعتكاف

ويلحق بذلك الاعتكاف وهو مستحب خصوصا في العشر الاواخر من شهر رمضان.

ويشترط الصوم، فلا يصح إلا من مكلف يصح منه الصوم في زمان يصح صومه وأقله ثلاثة أيام، والمسجد الجامع، والحصر في الاربعة أو الخمسة ضعيف، والاقامة بمعتكفه فيبطل بخروجه إلا لضرورة أو طاعة كعيادة مريض أو شهادة أو تشييع مؤمن، ثم لا يجلس لو خرج ولا يمشي تحت ظل اختيارا، ولا يصلي إلا بمعتكفه إلا في مكة، ويجب بالنذر وشبهه وبمضي يومين على الاشهر، وفي المبسوط يجب بالشروع.

ويستحب الاشتراط كالمحرم فإن شرط وخرج فلا قضاء، ولو لم يشترط ومضى يومان أتم، ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم، وليلا ونهارا الجماع وشم الطيب والاستمتاع بالنساء، ويفسده ما يفسد الصوم، ويكفر إن فسد الثالث أو كان واجبا، ويجب بالجماع في الواجب نهارا كفارتان إن كان في شهر رمضان، وقيل مطلقا، وليلا واحدة فإن أكره المعتكفة فأربع على الاقوى.

٥٢

(٦) كتاب الحج

وفيه فصول، الاول: يجب الحج على المستطيع من الرجال والنساء والخناثي على الفور مرة بأصل الشرع، وقد يجب بالنذر وشبهه والاستئجار والافساد، ويستحب تكراره، ولفاقد الشرائط ولا يجزئ كالفقير والعبد بإذن مولاه.

وشرط وجوبه البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة والتمكن من المسير، وشرط صحته الاسلام، وشرط مباشرته مع الاسلام التمييز.

ويحرم الولي عن غير المميز ندبا، ويشترط صحته من العبد إذن المولى، وشرط صحة الندب من المرأة إذن الزوج، ولو أعتق العبد أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون قبل أحد الموقفين صح وأجزأه عن حجة الاسلام، ويكفي البذل في تحقق الوجوب ولا يشترط صيغة خاصة.

ولو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض، ويشترط وجود ما يمون به عياله الواجبي النفقة إلى حين رجوعه، وفي استنابة الممنوع بكبر أو مرض أو عدو قولان، والمروي عن عليعليه‌السلام ذلك، ولو زال العذر حج ثانيا.

ولا يشترط الرجوع إلى كفاية على

٥٣

الاقوى، ولا في المرأة المحرم، ويكفي ظن السلامة، والمستطيع يجزئه الحج متسكعا.

والحج ما شيا أفضل إلا مع الضعف عن العبادة فالركوب أفضل، فقد حج الحسنعليه‌السلام ما شيا مرارا، وقيل إنها خمسة وعشرين حجة، والمحامل تساق بين يديه.

ومن مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه، ولو مات قبل ذلك وكان قد استقر في ذمته قضي عنه من بلده في ظاهر الرواية، فلو ضاقت التركة فمن حيث بلغت ولو من الميقات.

ولو حج ثم ارتد ثم عاد لم يعد على الاقرب، فلو حج مخالفا ثم استبصر لم يعد إلا أن يخل بركن، نعم يستحب الاعادة.

القول في حج الاسباب: لو نذر الحج وأطلق كفت المرة ولا تجزئ عن حجة الاسلام، وقيل إن نوى حجة النذر أجزأت وإلا فلا.

ولو قيد نذره بحجة الاسلام فهي واحدة ولو قيد غيرها فهما اثنتان، وكذا العهد واليمين، ولو نذر الحج ما شيا وجب ويقوم في المعبر، فلو ركب طريقة أو بعضه قضى ماشيا، ولو عجز عن المشي ركب وساق بدنة.

ويشترط في النائب البلوغ والعقل والخلو من حج واجب مع التمكن منه ولو مشيا والاسلام وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحق إلا أن يكون أبا النائب.

ويشترط نية النيابة منه وتعين المنوب عنه قصدا، ويستحب لفظا عند الافعال، وتبرأ ذمته لو مات محرما بعد دخول الحرم وإن

٥٤

خرج منه بعد، ولو مات قبل ذلك استعيد من الاجرة بالنسبة، ويجب الاتيان بما شرط عليه حتى الطريق مع الفرض، وليس له الاستنابة إلا مع الاذن صريحا أو إيقاع العقد مقيدا بالاطلاق، ولا يحج عن اثنين في عام، ولو استأجراه لعام فسبق أحدهما صح وإن اقترنا بطلا، وتجوز النيابة في أبعاض الحج، كالطواف والسعي والرمي مع العجز، ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب ويحتسب لهما.

وكفارة الاحرام في مال الاجير، ولو أفسد حجه قضى في القابل، والاقرب الاجزاء ويملك الاجرة.

ويستحب إعادة فاضل الاجرة، والاتمام له لو أعوز وترك نيابة المرأة الصرورة والخنثى الصرورة.

ويشترط علم الاجير بالمناسك وقدرته عليها وعدالته، فلا يستأجر فاسق ولو حج أجزأه.

والوصية بالحج تنصرف إلى أجرة المثل، ويكفي المرة إلا مع إرادة التكرار.

ولو عين القدر والنائب تعينا، ولو عين لكل سنة قدرا وقصر كمل من الثانية فالثالثة، ولو زاد حج في عام مرتين من اثنين.

والودعي العالم بامتناع الوارث يستأجر عنه من يحج أو بنفسه، ولو كان عليه حجتان إحداهما نذر فكذلك إذ الاصح أنهما من الاصل، ولو تعددوا وزعت، وقيل يفتقر إلى إذن الحاكم، وهو بعيد.

الفصل الثاني: في أنواع الحج: وهي ثلاثة : تمتع: وهو فرض من بعد عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الاصح، ويقدم عمرته على حجه ناويا بها التمتع.

٥٥

وقران، وإفراد: وهو فرض من نقص عن ذلك، ولو أطلق الناذر تخير في الثلاثة وكذا يتخير من حج ندبا، وليس لمن تعين عليه نوع العدول إلى غيره على الاصح إلا لضرورة، ولا يقع الاحرام بالحج.

وعمرة التمتع إلا في شوال وذي القعدة وذي الحجة.

ويشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد، والاحرام بالحج له من مكة وأفضلها المسجد، ثم المقام أو تحت الميزاب، ولو أحرم بغيرها لم يجز إلا مع التعذر، ولو ضاق الوقت عن إتمام العمرة بحيض أو نفاس أو عذر أو عدو عدل إلى الافراد وأتى بالعمرة من بعد.

ويشترط في الافراد النية وإحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إن كانت أقرب إلى عرفات، وفي القران ذلك وعقده بسياق الهدي وإشعاره إن كان بدنة، ويقلده إن كان غيرها بأن يعلق في رقبته نعلا قد صلى فيه ولو نافلة، ولو قلد الابل جاز.

مسائل: يجوز لمن حج ندبا مفردا العدول إلى التمتع لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه، فلو لبى بطلت متعته، وبقى على حجه، وقيل لا اعتبار إلا بالنية.

ولا يجوز العدول للقارن، وقيل يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا، كما أمربه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يسق من الصحابة، وهو قوي.

الثانية: يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي إما الواجب أو الندب لكن يجددان التلبية عقيب صلاة الطواف، فلو تركاها احلا على الاشهر.

٥٦

الثالثة: لو بعد المكي ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا، ولو غلبت إقامته في الآفاق تمتع، ولو تساويا تخير، والمجاور بمكة ينتقل في الثالثة إلى الافراد والقران وقبلها يتمتع، ولا يجب الهدي على غير المتمتع وهو نسك لا جبران.

الرابعة: لا يجوز الجمع بين النسكين بينة واحدة فيبطل، ولا إدخال أحدهما على الآخر قبل تحلله من الاول فيبطل الثاني إن كان عمرة أو حجا قبل السعي، ولو كان قبل التقصير وتعمد ذلك فالمروي أنه يبقى على حجة مفردة.

ولو كان ناسيا صح إحرامه الثاني ويستحب جبره بشاة.

الفصل الثالث، في المواقيت : لا يصح الاحرام قبل الميقات، إلا بالنذر وشبهه إذا وقع الاحرام في أشهر الحج، ولو كان عمرة مفردة لم يشترط، ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضيه جاز له الاحرام قبل الميقات ولا يجب إعادته فيه.

ولا يتجاوز الميقات بغير إحرام، فيجب الرجوع إليه فلو تعذر بطل ان تعمده والا أحرم من حيث امكن ولو دخل مكة خرج إلى ادنى الحل فان تعذر فمن موضعه، ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب.

والمواقيت ستة: ذو الحليفة للمدينة، والجحفة للشام، ويلملم لليمن، وقرن المنازل للطائف، والعقيق للعراقي وأفضله المسلخ، ثم

٥٧

غمرة ثم ذات عرق.

وميقات حج التمتع مكة، وحج الافراد منزله كما سبق، وكل من حج على ميقات فهو له، ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة، ولو لم يحاذ أحرم من قدر تشترك فيه المواقيت.

الفصل الرابع، في أفعال العمرة : وهي الاحرام والطواف والسعي والتقصير.

ويزيد في عمرة الافراد بعد التقصير طواف النساء ويجوز فيها الحلق لا في عمرة التمتع.

القول في الاحرام: يستحب توفير شعر الرأس لمن أراد الحج من أول ذي القعدة وآكد منه هلال ذي الحجة، واستكمال التنظيف بقص الاظفار وأخذ الشارب والاطلاء، ولو سبق أجزأ مالم يمض خمسة عشر يوما.

والغسل، وصلاة سنة الاحرام، والاحرام عقيب الظهر أو فريضة وتكفي النافلة عند عدم وقت الفريضة.

وتجب فبه النية المشتملة على مشخصاته مع القربة، ويقارن بها: لبيك اللهم لبيك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك. ولبس ثوبي الاحرام من جنس ما يصلي فيه.

والقارن يعقد إحرامه بالتلبية أو بالاشعار والتقليد، ويجوز الحرير والمخيط للنساء، ويجزئ القباء مقلوبا لو فقد الرداء،

٥٨

والسراويل لو فقد الازار.

ويستحب للرجل رفع الصوت بالتلبية، ولتجدد عند مختلف الاحوال ويضاف إليها التلبيات المستحبة ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة، والحاج إلى زوال عرفة، والمعتمر منفردا إذا دخل الحرم والاشتراط ويكره الاحرام في السود والمعصفرة وشبههما، والنوم عليها، والوسخة، والمعلمة، ودخول الحمام، وتلبية المنادي.

وأما التروك المحرمة فثلاثون: صيد البر ولو دلالة وإشارة، ولا يحرم صيد البحر وهو مايبيض ويفرخ فيه، والنساء بكل استمتاع حتى العقد، والاستمناء، ولبس المخيط، وشبهه وعقد الرداء، ومطلق الطيب، والقبض من كريه الرائحة، والاكتحال بالسواد والمطيب، والادهان ويجوز أكل الدهن غير المطيب، والجدال وهو قول لا والله وبلى والله، والفسوق وهو الكذب، والسباب، والنظر في المرآة، وإخراج الدم اختيارا، وقلع الضرس وقص الظفر وإزالة الشعر، وتغطية الرأس للرجل والوجه للمرأة ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها بغير إصابة وجهها، والنقاب، والحناء للزينة والتختم للزينة ولبس المرأة مالم تعتده من الحلي، وإظهار المعتاد للزوج، ولبس الخفين للرجل وما يستر ظهر قدميه، والتظليل للرجل الصحيح سائرا، ولبس السلاح اختيارا، وقطع شجر الحرم وحشيشه إلا الاذخر، وما ينبت في ملكه، وعودي المحالة، وشجر الفواكه، وقتل هوام الجسد، ويجوز نقله.

٥٩

القول في الطواف: ويشترط فيه رفع الحدث والخبث، والختيان في الرجل، وستر العورة.

وواجبه: النية، والبدأة بالحجر الاسود، والختم به، وجعل البيت على اليساره والطواف بينه وبين المقام، وإدخال الحجر، وخروجه بجميع بدنه عن البيت، وإكمال السبع، وعدم الزيادة عليها فيبطل إن تعمده، والركعتان خلف المقام، وتواصل أربعة أشواط فلو قطع لدونها بطل وإن كان لضرورة أو دخول البيت، ولو ذكر في أثناء السعي ترتب صحته وبطلانه على الطواف، ولو شك في العدد بعده لم يلتفت وفي الاثناء يبطل ان شك في النقيصة، ويبني على الاقل إن شك في الزيادة على السبع، وأما نفل الطواف فيبني على الاقل مطلقا.

وسننه: الغسل من بئر ميمون أو فخ أو غيرهما، ومضغ الاذخر، ودخول مكة من أعلاها حافيا بسكينة ووقار، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء بالمأثور، والوقوف عند الحجر، والدعاء فيه وفي حالات الطواف، وقراء‌ة القرآن، وذكر الله تعالى، والسكينة في المشي، والرمل ثلاثا والمشي أربعا على قول، واستلام الحجر، وتقبيله أو الاشارة إليه، واستلام الاركان والمستجار في السابع، وإلصاق البطن والخد به، والدعاء وعد ذنوبه عنده والتداني من البيت، ويكره الكلام في أثنائه بغير الذكر والقرآن.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272