اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية21%

اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 272

اللمعة الدمشقية
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81016 / تحميل: 7950
الحجم الحجم الحجم
اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مسائل: كل طواف ركن إلا طواف النساء، فيعود وجوبا مع المكنة ومع التعذر يستنيب، ولو نسي طواف النساء جازت الاستنابة اختيارا.

الثانية: يجوز تقديم طواف الحج وسعيه للمفرد على الوقوف، وللمتمتع عند الضرورة، وطواف النساء لا يقدم لهما إلا لضرورة، وهو واجب في كل نسك على كل فاعل إلا في عمرة التمتع، وأوجبه فيها بعض الاصحاب، وهو متأخر عن السعي.

الثالثة: يحرم لبس البر طلة في الطواف، وقيل يختص بموضع تحريم ستر الرأس.

الرابعة: روي عن عليعليه‌السلام في امرأة نذرت الطواف على أربع أن عليها طوافين، وقيل يقتصر على المرأة ويبطل في الرجل، وقيل يبطل فيهما، والاقرب الصحة فيهما.

الخامسة: يستحب إكثار الطواف ما استطاع، وهو أفضل من الصلاة للوارد، وليكن ثلاثمأة وستين طوافا، فإن عجز جعلها أشواطا.

السادسة: القران مبطل في طواف الفريضة، ولا بأس به في النافلة وإن كان تركه أفضل.

القول في السعي والتقصير: ومقدماته: استلام الحجر، والشرب من زمزم وصب مائها عليه،

٦١

والطهارة والخروج من باب الصفا مستقبل الكعبة، والدعاء والذكر.

وواجبه: النية، والبدأة بالصفا، والختم بالمروة فهذا شوط وعوده آخر، فالسابع على المروة.

وترك الزيادة على السبع فيبطل عمدا، والنقيصة فيأتي بها، ولو زاد سهوا تخير بين الاهدار وتكميل أسبوعين كالطواف، ولم يشرع استحباب السعي إلا هنا، وهو ركن يبطل بتعمد تركه، ولو ظن فعله فواقع أو قلم فتبين الخطأ أتمه وكفر ببقرة، ويجوز قطعه لحاجة وغيرها، والاستراحة في أثنائه.

ويجب التقصير بعده بمسماه إذا كان سعي العمرة من الشعر أو الظفر وبه يتحلل من إحرامها، ولو حلق فشاة، ولو جامع قبل التقصير عمدا فبدنة للموسر وبقرة للمتوسط وشاة للمعسر.

ويستحب التشبه بالمحرمين بعده، وكذا لاهل مكة في الموسم.

الفصل الخامس، في أفعال الحج : وهي الاحرام، والوقوفان، ومناسك منى، وطواف الحج وسعيه، وطواف النساء، ورمي الجمرات، والمبيت بمنى.

القول في الاحرام والوقوفين: يجب بعد التقصير الاحرام بالحج على المتمتع، ويستحب يوم التروية بعد صلاة الظهر، وصفته كما مر، ثم الوقوف بعرفة من زوال التاسع إلى غروب الشمس مقر ونا بالنية، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى الاراك إلى ذي المجاز، ولو أفاض قبل الغروب عامدا

٦٢

ولم يعد فبدنة، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما.

ويكره الوقوف على الجبل وقاعدا وراكبا، والمستحب المبيت بمنى ليلة التاسع إلى الفجر، ولا يقطع محسرا حتى تطلع الشمس، والامام يخرج إلى منى قبل الصلاتين وكذا ذو العذر، والدعاء عند الخروج إليها ومنها وفيها، والدعاء بعرفة، وإكثار الذكر وليذكر إخوانه بالدعاء وأقلهم أربعون.

ثم يفيض بعد غروب الشمس إلى المشعر مقتصدا في سيره داعيا إذا بلغ الكثيب الاحمر، ثم يقف به ليلا إلى طلوع الشمس، والواجب الكون بالنية.

ويستحب إحياء تلك الليلة، والدعاء والذكر والقراء‌ة، ووطء الصرورة المشعر برجله والصعود على قزح وذكر الله عليه.

مسائل: كل من الموقفين ركن يبطل الحج بتركه عمدا ولا يبطل سهوا، نعم لوسها عنهما بطل.

واضطراري عرفة ليلة النحر، واضطراري المشعر إلى زواله، وكل أقسامه يجزئ إلا الاضطراري الواحد، ولو أفاض قبل الفجر عامدا فشاة.

ويجوز للمرأة والخائف من غير جبر.

وحد المشعر مابين الحائط والمأزمين ووادي محسر، ويستحب التقاط حصى الجمار منه وهي سبعون،.

والهرولة في وادي محسر داعيا بالمرسوم.

٦٣

القول في مناسك منى يوم النحر: وهي رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق، فلو عكس عمدا أثم وأجزأه.

وتجب النية في الرمي وإكمال سبع مصيبة للجمرة بفعله، بما يسمى رميا بما يسمى حجرا حرميا بكرا.

ويستحب البرش الملتقطة بقدر الانملة، والطهارة والدعاء والتكبير مع كل حصاة، وتباعد نحو خمسة عشر ذراعا ورميها خذفا، واستقبال الجمرة هنا، وفي الجمرتين الاخيرتين يستقبل القبلة، والرمي ماشيا.

وتجب في الذبح جذع من الضأن أو ثني من غيره تام الخلقة غير مهزول، ويكفي فيه الظن بخلاف ما لو ظهر ناقصا فانها لا تجزي ويستحب ان يكون مما عرف به سمينا ينظر ويمشي ويبرك في سواد، إناثا من الابل والبقر، ذكرانا من الغنم، وتجب النية ويتولاها الذابح، ويستحب جعل يده معه، وقسمته بين الاهداء والصدقة والاكل.

ويستحب النحر الابل قائمة قد ربطت بين الخف والركبة، وطعنها من الايمن، والدعاء عنده، ولو عجز عن السمين فالاقرب إجزاء المهزول وكذا الناقص، ولو وجد الثمن دونه خلفه عند من يشتريه ويهديه طول ذي الحجة، ولو عجز عن الثمن صام ثلاثة في الحج متوالية بعد التلبس بالحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويتخير مولى المأذون بين الاهداء عنه وبين أمره بالصوم.

٦٤

ولا يجزئ الواحد إلا عن واحد ولو عند الضرورة، ولو مات أخرج من صلب المال، ولو مات قبل الصوم صام الولي عنه العشرة على قول، وتقوى مراعاة تمكنه منها، ومحل الذبح والحلق منى، وحدها من العقبة إلى وادي محسر.

ويجب ذبح الهدي القران متى ساقه وعقد به إحرامه، ولو هلك لم يجب بدله له، ولو عجز ذبحه وأعلمه علامه الصدقة، ويجوز بيعه لو انكسر والصدقة بثمنه، ولو ضل فذبحه الواجد أجزأ، ولا يجزئ ذبح هدي التمتع لعدم التعين، ومحله مكة إن قرنه بالعمرة ومنى إن قرنه بالحج، ويجزئ الهدي الواجب عن الاضحية والجمع أفضل.

ويستحب التضحية بما يشتريه، ويكره بما يربيه.

وأيامها بمنى أربعة أولها النحر، وبالامصار ثلاثة، ولو تعذرت تصدق بثمنها، فإن اختلفت فثمن موزع عليها، ويكره أخذ شئ من جلودها واعطاؤها الجزاربل يتصدق بها.

وأما الحلق فيتخير بينه وبين التقصير، والحلق أفضل وخصوصا للملبد والصرورة، ويتعين على المرأة التقصير.

ولو تعذر في منى فعل بغيرها وبعث بالشعر إليها ليدفن مستحبا، ويمر فاقد الشعر الموسى على رأسه.

ويجب تقديم مناسك منى على طواف الحج فلو أخرها عامدا فشاة، ولا شئ على الناسي ويعيد الطواف، وبالحلق يتحلل إلا من النساء والطيب والصيد، فإذا طاف وسعى حل الطيب، فإذا طاف للنساء حللن له، ويكره لبس المخيط قبل طواف الزيارة، والطيب

٦٥

حتى يطوف للنساء.

القول في العود إلى مكة للطوافين والسعي: يستحب تعجيل العودمن يوم النحر إلى مكة ويجوز تأخيره إلى الغد، ثم يأثم المتمتع بعده، وقيل لا إثم، ويجزئ طول ذي الحجة.

وكيفية الجميع كما مر غير أنه ينوي بها الحج.

القول في العود إلى منى: ويجب بعد قضاء مناسكه بمنى العود إليها للمبيت بها ليلا، ورمي الجمرات الثلاث نهارا، فلوبات بغيرها فعن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة، ويكفي أن يتجاوز نصف الليل.

ويجب في الرمي الترتيب يبدأ بالاولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، ولو نكس عامدا أو ناسيا بطل، ويحصل الترتيب بأربع حصيات، ولو نسي جمرة أعاد على الجميع إن لم يتعين، ولو نسي حصاة رماها على الجميع، ويستحب رمي الاولى عن يمينه والدعاء والوقوف عندها وكذا الثانية ولا يقف عند الثالثة، وإذا بات ليلتين بمنى جاز له النفر في الثاني عشر بعد الزوال إن كان قد اتقى الصيد والنساء ولم تغرب عليه الشمس ليلة الثالث عشر بمنى، وإلا وجب المبيت ليلة الثالث عشر ورمي الجمرات فيه، ثم ينفر في الثالث عشر، ويجوز قبل الزوال بعد الرمي، ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها، ويرمي المعذور ليلا ويقضي الرمي لو فات مقدما على الاداء،

٦٦

ولو رحل قبله رجع له، فإن تعذر استناب فيه في القابل.

ويستحب النفر في الآخر، والعود إلى مكة لطواف الوداع، ودخول الكعبة وخصوصا الصرورة، والصلوة بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء وفي زواياها واستلامها، والدعاء عند الحطيم وهو أشرف البقاع ما بين الباب والحجر الاسود، واستلام الاركان والمستجار، وإتيان زمزم والشرب منها، والخروج من باب الحناطين، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم، والعزم على العود.

ويستحب الاكثار من الصلاة بمسجد الخيف وخصوصا عند المنارة وفوقها إلى القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا.

ويحرم إخراج من التجأ إلى الحرم بعد الجناية، نعم يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج، ولو جنى في الحرم قوبل فيه.

الفصل السادس، في كفارات الاحرام : وفيه بحثان: الاول، في الصيد: ففي النعامة بدنة، ثم الفض على البر، وإطعام ستين، والفاضل له، ولا يلزم الاتمام لو أعوز، ثم صيام ستين يوما، ثم صيام ثمانية عشر يوما.

والمدفوع إلى المسكين نصف صاع.

وفي بقرة الوحش وحماره بقرة أهلية، ثم الفض، ونصف ما مضى.

وفي الظبي والثعلب والارنب شاة، ثم الفض، وسدس ما مضى.

٦٧

وفي كسر بيض النعام لكل بيضة بكرة من الابل إن تحرك الفرخ وإلا أرسل فحولة الابل في إناث بعدد البيض فالناتج هدي، فإن عجز فشاة عن البيضة، ثم إطعام عشرة مساكين ثم صيام ثلاثة.

وفي كسر كل بيضة من القطا والقبج والدراج من صغار الغنم إن تحرك الفرخ، وإلا أرسل في الغنم بالعدد، فإن عجز فكبيض النعام.

وفي الحمامة وهي المطوقة أو مايعب الماء شاة على المحرم في الحل ودرهم على المحل في الحرم، ويجتمعان على المحرم في الحرم، وفي فرخها حمل ونصف درهم عليه، ويتوزعان على أحدهما، وفي بيضها درهم وربع ويتوزعان على أحدهما.

وفي كل واحد من القطا والحجل والدراج حمل مفطوم يرعى.

وفي كل من القنفذ والضب واليربوع جدي.

وفي كل من القنبرة والصعوة والعصفور مد طعام.

وفي الجرادة تمرة، وقيل كف من طعام.

وفي كثير الجراد شاة، ولو لم يتمكن التحرز فلاشئ.

وفي القملة كف طعام.

ولو نفر حمام الحرم وعاد فشاة، وإلا فعن كل واحدة شاة، ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالاتلاف مع جهل الحال أو علم التلف، ولو باشر الاتلاف جماعة أو تسببوا فعلى كل فداء.

وفي كسر قرني الغزال نصف قيمته، وفي عينيه أو يديه أو رجليه القيمة، والواحد بالحساب، ولا يدخل الصيد في ملك المحرم بحيازة ولا عقد ولا إرث.

ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة بتلك اليد.

٦٨

وجزاؤه بمنى إحرام الحج وبمكة في إحرام العمرة.

البحث الثاني، في باقي المحرمات: في الوطء قبلا أودبرا قبل المشعر وإن وقف بعرفة بدنة، ويتم حجه ويأتي به من قابل، وإن كان الحج نفلا وعليها مطاوعة مثله، ويفترقان إذا بلغا موضع الخطيئة بمصاحبة ثالث في القضاء، وقيل في الفاسد أيضا، ولو كان مكرها لها تحمل البدنة لا غير.

ويجب البدنة بعد المشعر إلى أربعة أشواط من طواف النساء والاولى بعد خمسة، ولكن لو كان قبل طواف الزيارة وعجز عن البدنة تخير بينها وبين بقرة أوشاة، ولو جامع أمته المحرمة بإذنه محلا فعليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة أو صيام ثلاثة، ولو نظر إلى أجنبية فأمنى فبدنة للموسر وبقرة للمتوسط وشاة للمعسر، ولو نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى فبدنة، ولو مسها فشاة إن كان بشهوة وإن لم يمن، وبغير شهوة لاشي ء، وفي تقبيلها بشهوة جزور وبغيرها شاة، ولو أمنى بالاستمناء أو بغيره من الاسباب التي تصدر عنه فبدنة.

ولو عقد المحرم أو المحل لمحرم على امرأة فدخل فعلى كل منهما بدنة.

والعمرة المفردة إذاأفسدها قضاها في الشهر الداخل بناء على أنه الزمان بين العمرتين، وفي لبس المخيط شاة وكذا لبس الخفين

٦٩

أو الشمشك أو الطيب أو حلق الشعر أو قلم الاظفار في مجلس أو يديه أو رجليه، وإلا ففي كل ظفر مد، أو قطع شجرة من الحرم صغيرة أو ادهن بمطيب أو قلع ضرسه أو نتف إبطيه، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، أو أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي، والظاهر أنه لا يشترط كون المفتي محرما، أو جادل ثلاثا صادقا أو واحدة كاذبا، وفي اثنين كذبا بقرة وفي الثلاث بدنة، وفي الشجرة الكبيرة بقرة، ولو عجز عن شاة في كفارة الصيد فعليه إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، ويتخير بين شاة الحلق لاذى أو غيره وبين إطعام عشرة لكل واحد مد أو صيام ثلاثة، وفي الشعر يسقط من لحيته أو رأسه بمسه كف طعام، ولو كان في الوضوء فلا شئ.

وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد عمدا أو سهوا، وبتكرر اللبس في مجالس والحلق في أوقات وإلا فلا، ولا كفارة على الجاهل والناسي في غير الصيد، ويجوز تخلية الابل للرعي في الحرم.

الفصل السابع، في الاحصار والصد : متى أحصر بالمرض عن الموفقين أو مكة بعث ما ساقه أو هديا أو ثمنه، فإذا بلغ محله وهي منى إن كان حاجا ومكة إن كان معتمرا حلق أو قصر، وتحلل إلا من النساء حتس يحج إن كان واجبا، أو يطاف عنه للنساء إن كان ندبا.

ولا يسقط الهدي بالاشتراط، نعم له تعجيل التحلل ولا يبطل تحلله لو ظهر عدن ذبح الهدي ويبعثه في القابل، ولا

٧٠

يجب الامساك عند بعثه على الاقوى، ولو زال عذره التحق، فإن أدرك وإلا تحلل بعمرة.

ومن صد بالعدو عما ذكرناه ولا طريق غيره أو لا نفقة ذبح هديه وقصر أو حلق وتحلل حيث صد حتى من النساء، ولو أحصر عن عمرة التمتع فتحلل فالظاهر حل النساء أيضا.

خاتمة: تجب العمرة بشروط الحج ويؤخرها القارن والمفرد، ولا تتعين بزمان مخصوص وهي مستحبة مع قضاء الفريضة في كل شهر، وقيل لا حد، وهو حسن.

٧١

(٧) كتاب الجهاد

ويجب على الكفاية بحسب الحاجة، وأقله مرة في كل عام بشرط الامام أو نائبه أو هجوم عدو يخشى منه على بيضة الاسلام.

ويشترط البلوغ والعقل والحرية والبصر والسلامة من المرض والعرج والفقر.

ويحرم المقام في بلد الشرك لمن لا يتمكن من إظهار شعائر الاسلام.

ولابويه منع الولد مع عدم التعين، والمدين يمنع الموسر مع الحلول.

والرباط مستحب دائما وأقله ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما، ولو أعان بفرسه أو غلامه أثيب، ولو نذرها أو نذر صرف مال إلى أهلها وجب وإن كان الامام غائبا.

وهنا فصول، الاول: يجب قتال الحربي بعد الدعاء إلى الاسلام وامتاعه حتى يسلم أو يقتل، والكتابي كذلك إلا أن يلتزم بشرائط الذمة وهي بذل الجزية والتزام أحكامنا، وترك التعرض للمسلمات بالنكاح، وللمسلمين بالفتنة وقطع الطريق، وإيواء عين المشركين والدلالة على عورة المسلمين، وإظهار المنكرات في دار الاسلام.

وتقدير الجزية إلى

٧٢

الامام، وليكن يوم الجباية، ويؤخذ منه صاغرا.

ويبدأ بقتال الاقرب إلا مع الخطر.

ولا يجوز الفرار إذا كان العدو ضعفا أو أقل إلا لمتحرف لقتال أو متحيز إلى فئة، وتجوز المحاربة بطرق الفتح كهدم الحصون والمنجنيق وقطع الشجر وإن كره، وكذا يكره بإرسال الماء والنار، وإلقاء السم، ولا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء وإن عاونواإلا مع الضرورة، ولا الشيخ الفاني والخنثى المشكل، ويقتل الراهب والكبير إن كان ذا رأي أو قتال ويجوز قتل الترس ممن لا يقتل، ولو تترسوا بالمسلمين اجتنب ما أمكن، ومع التعذر فلا قود ولا دية، نعم تجب الكفارة.

ويكره التبييت، والقتال قبل الزوال، وأن تعرقب الدابة، والمبارزة من دون إذن الامام ويحرم إن منع ويجب لو ألزم، وتجب مواراة المسلم فلو اشتبه فليوار كميش الذكر.

الفصل الثاني، في ترك القتال، ويترك لامور : أحدها: الامان ولو من آحاد المسلمين لآحاد الكفار، أو من الامام أو نائبه للبلد.

وشرطه ان يكون قبل الاسروعدم المفسدة كما لو أمن الجاسوس فإنه لا ينفذ وثانيها: النزول على حكم الامام ومن يختاره فينفذ حكمه ما لم يخاف الشرع.

الثالث والرابع: الاسلام وبذل الجزية.

٧٣

الخامس: المهادنة على ترك الحرب مدة معينة أكثرها عشر سنين، وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين.

الفصل الثالث، في الغنيمة : وتملك النساء والاطفال بالسبي، والذكور البالغون يقتلون حتما إن أخدوا والحرب قائمة إلا أن يسلموا، وإن أخذوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها لم يقتلوا، وتخير الامام فيهم بين المن والفداء والاسترقاق فيدخل ذلك في الغنيمة، ولو عجز الاسير عن المشي لم يجز قتله، ويعتبر البلوغ بالانبات.

وما لا ينقل ولا يحول لجميع المسلمين، والمنقول بعد الجعائل والرضخ والخمس والنقل وما يصطفيه الامام يقسم بين المقاتلة ومن حضر حتى الطفل المولود بعد الحيازة قبل القسمة، وكذا المدد الواصل إليهم حينئذ، للفارس سهمان وللراجل سهم ولذوي الافراس ثلاثة ولو قاتلوا في السفن، ولا يسهم للمخذل والمرجف ولا للقحم والضرع والحطم والرازح من الخيل.

الفصل الرابع، في أحكام البغاة : من خرج على المعصوم من الائمةعليهم‌السلام فهو باغ ويجب قتاله حتى يفئ أو يقتل كقتال الكفار، فذو الفئة يجهز عليهم ويتبع مدبرهم ويقتل أسيرهم وغيرهم يفرقون، والاصح عدم قسمة أموالهم مطلقا.

٧٤

الفصل الخامس، في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر : وهما واجبان عقلا ونقلا على الكفاية، ويستحب الامر بالمندوب والنهي عن المكروه، وإنما يجبان مع علم المعروف والمنكر، وإصرار الفاعل أو التارك، والامن من الضرر، وتجويز التأثير، ثم يتدرج في الانكار بإظهار الكراهية، ثم القول اللين، ثم الغليظ، ثم الضرب، وفي الجرح والقتل قولان، ويجب الانكار بالقلب على كل حال، ويجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود مع الامن، والحكم بين الناس مع اتصافهم بصفات المفتي وهي: الايمان والعدالة ومعرفة الاحكام بالدليل والقدرة على رد الفروع إلى الاصول، ويجب الترافع إليهم ويأثم الراد عليهم.

ويجوز للزوج إقامة الحد على زوجته والوالد على ولده والسيد على عبده، ولو اضطره السلطان إلى إقامة حد أو قصاص ظلما أو الحكم جاز إلا القتل فلا تقيه فيه.

٧٥

(٨) كتاب الكفارات

فالمرتبة: الظهار وقتل الخطأ، وخصالها خصال كفارة الافطار في رمضان، العتق فالشهران فالستون، وكفارة من أفطر في قضاء رمضان بعد الزوال وهي إطعام عشرة مساكين ثم صيام ثلاثة أيام.

والمخيرة: كفارة شهر رمضان وخلف النذر والعهد، وفي كفارة جزاء الصيد خلاف، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام، وكفارة الجمع لقتل المؤمن عمدا ظلما، وهي عتق رقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكينا.

والحالف بالبراء‌ة من الله ورسوله والائمةعليهم‌السلام يأثم ويكفر كفارة ظهار، فإن عجز فكفارة يمين على قول، وفي توقيع العسكريعليه‌السلام (يطعم عشرة مساكين ويستغفر الله تعالى).

وفي جز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار، وقيل مخيرة.

وفي نتفه أو خدش وجهها أو شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين على قول.

وقيل من تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصواع

٧٦

دقيقا، ومن نام عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما.

وكفارة ضرب العبد فوق الحد عتقه مستحبا، وكفارة الايلاء كفارة اليمين.

ويتعين العتق في المرتبة بوجدان الرقبة ملكا أو تسبيبا، ويشترط فيها الاسلام والسلامة من العمى والاقعاد والجذام والتنكيل، والخلو عن العوض.

وتجب النية والتعيين ومع العجز يصوم شهرين متتابعين، ومع العجز يطعم ستين مسكينا إما إشباعا أو تسليم مد إلى كل واحد، وإذا كسا الفقير فثوب ولو غسيلا إذا لم ينخرق، وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد، فإن عجز استغفر الله.

٧٧

(٩) كتاب النذر وتوابعه

وشرط الناذر: الكمال، والاختيار، والقصد، والاسلام، والحرية إلا أن يجيز المالك أو تزول الرقية.

وإذن الزوج كإذن السيد.

والصيغة: إن كان كذا فلله علي كذا.

وضابطه، أن يكون طاعة أو مباحا راجحا مقدورا للناذر، والاقرب احتياجه إلى اللفظ وانعقاد التبرع.

ولا بد من كون الجزاء طاعة والشرط سائغا إن قصد الشكر، وإن قصد الزجر اشترط كونه معصية أو مباحا راجحا فيه المنع.

والعهد كالنذر وصورته: عاهدت الله، أو علي عهد الله.

واليمين هي الحلف بالله كقوله: ومقلب القلوب والابصار، والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، أو باسمه كقوله: والله، وبالله، وتالله، وأيمن الله، وأقسم بالله، وبالقديم، أو الازلي، أو الذي لا أول لوجوده.

ولا ينعقد بالموجود والقادر والعالم، ولا بأسماء المخلوقات الشريفة.

وإتباع مشيئة الله تمنع الانعقاد، والتعليق على مشيئة الغير يحسبها، ومتعلق اليمين كمتعلق النذر.

٧٨

(١٠) كتاب القضاء

وهو وظيفة الامام أو نائبه، وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الافتاء، فمن عدل عنه إلى قضاة الجور كان عاصيا، وتثبت ولاية القاضي بالشياع وبشهادة عدلين، ولا بد من الكمال والعدالة وأهلية الافتاء والذكورة والكتابة والبصر، إلا في قاضي التحكيم، ويجوز ارتزاق القاضي من بيت المال مع الحاجة، ولا يجوز الجعل من الخصم.

والمرتزقة: والمؤذن والقاسم والكاتب ومعلم القرآن والآداب وصاحب الديوان ووالي بيت المال.

ويجب على القاضي التسوية بين الخصمين في الكلام والسلام والنظر وأنواع الاكرام والانصات والانصاف.

وله أن يرفع المسلم على الكافر المجلس وأن يجلس المسلم مع قيام الكافر، ولا تجب التسوية في الميل القلبي.

وإذا بدر أحد الخصمين بالدعوى سمع منه، ولو ابتدرا سمع من الذي عن يمين صاحبه، وإذا سكتا فليقل ليتكلم المدعي منكما، أو تكلما، ويكره تخصيص أحدهما بالخطاب.

٧٩

وتحرم الرشوة فتجب إعادتها، وتلقين أحد الخصمين حجته، فإن وضح الحكم لزم القضاء إذا التمسه المقضي له، ويستحب ترغيبهما في الصلح، ويكره أن يشفع في إسقاط أو إبطال، أو يتخذ حاجبا وقت القضاء، أو يقضي مع اشتغال القلب بنعاس أو جوع أو هم أو غضب.

القول في كيفية الحكم: المدعي هو الذي يترك لو ترك، والمنكر مقابله، وجواب المدعى عليه إما إقرار أو إنكار أو سكوت.

فالاقرار يمضى مع الكمال، ولو التمس كتابة إقراره كتب وأشهد مع معرفته أو شهادة عدلين بمعرفته أو قناعته بحليته، فإن ادعى الاعسار وثبت صدقه ببينة مطلعة على باطن أمره أو بتصديق خصمه، أو كان أصل الدعوى بغير مال وحلف ترك، وإلا حبس حتى يعلم حاله.

وأما الانكار فإن كان الحاكم عالما قضى بعلمه وإلا طلب البينة، فإن قال لا بينة لي، عرفه أن له إحلافه، فإن طلبه أحلفه الحاكم، ولا يتبرع بإحلافه ولا يستقل به الغريم من دون إذن الحاكم، فإن حلف سقطت الدعوى عنه وحرمت مقاصته، ولا تسمع البينة بعده.

وان رد اليمين حلف المدعي، فإن امتنع سقطت دعواه، فإن نكل ردت اليمين أيضا، وقيل يقضى بنكوله والاول أقرب.

وإن قال لي بينة، عرفه أن له إحضارها، وليقل أحضرها إن شئت، وإن

٨٠

يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلّي حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام إنّ الفجر قد طلع؟ إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حُوّل لي ).

وهكذا كان الإمام سيّد المتقين، وإمام المنيبين قد طبع على قلبه حب الله تعالى، وهام بعبادته وطاعته.

ولمّا رأى عبد الله الفضل للإمام حذّره من أن يستجيب لهارون باغتياله قائلاً له: ( اتق الله، ولا تحدث في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد سوء إلاّ كانت نعمته زائلة ).

فانبرى الفضل يؤيّد ما قاله عبد الله.

( قد أرسلوا إليّ غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك )(1) .

لقد خاف الفضل من نقمة الله وعذابه في الدنيا والآخرة إن اغتال الإمام، أو تعرّض له بمكروه.

نصّه على إمامة الرضا:

ونصب الإمام موسىعليه‌السلام ولده الإمام الرضاعليه‌السلام علماً لشيعته ومرجعاً لأمّته وقد خرجت من السجن عدّة ألواح كتب فيها ( عهدي إلى ولدي الأكبر )(2) .

وقد أهتم الإمام موسى بتعيين ولده إماماً من بعده، وعهد بذلك إلى جمهرة كبيرة من أعلام شيعته كان من بينهم ما يلي:

1 - محمد بن إسماعيل:

روى محمد بن إسماعيل الهاشمي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر، وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له: ( أسأل الله أن لا يريناه - أي فقدك - فإلى مَن؟ ).

قالعليه‌السلام :

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 469 - 471.

(2) نفس المصدر.

٨١

( إلى ابني علي، فكتابه كتابي، وهو وصيي، وخليفتي من بعدي )(1) .

2 - علي بن يقطين:

روى علي بن يقطين، قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعنده علي ابنه، فقال: يا علي هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، وكان في المجلس هشام بن سالم فضرب على جبهته، وقال: إنّا لله نعى والله إليك نفسه(2) .

3 - نعيم بن قابوس:

روى نعيم بن قابوس، قال: قال أبو الحسنعليه‌السلام : علي ابني أكبر ولدي، واسمعهم لقولي: وأطوعهم لأمري، ينظر في كتاب الجفر والجامعة، ولا ينظر فيهما إلاّ نبي أو وصي نبي(3) .

4 - داود بن كثير:

روى داود بن كثير الرقي، قال: قلت لموسى الكاظم: جُعلت فداك، إنّي قد كبرت، وكبر سنّي، فخذ بيدي، وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟

فأشارعليه‌السلام إلى ابنه أبي الحسن الرضا، وقال: هذا صاحبكم بعدي(4) .

5 - سليمان بن حفص:

روى سليمان بن حفص المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر وأنا أريد أن أسأله عن الحجّة على الناس بعده، فلمّا نظر إليّ ابتداني، وقال: يا سليمان إنّ عليّاً ابني ووصيي، والحجّة على الناس بعدي، وهو أفضل ولدي، فإن بقيت بعدي فاشهد له بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي، المستخبرين عن خليفتي بعدي(5) .

____________________

(1) كشف الغمّة 3 / 88.

(2) كشف الغمّة 3 / 88.

(3) كشف الغمّة 3 / 88.

(4) الفصول المهمّة (ص 225).

(5) عيون أخبار الرضا 1 / 26.

٨٢

6 - عبد الله الهاشمي:

قال عبد الله الهاشمي: كنّا عند القبر - أي قبر النبي (ص) - نحو ستين رجلاً منا ومن موالينا، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ويد علي ابنه في يده فقال: أتدرون من أنا!

قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا؟ - وأشار إلى ابنه - قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي، ووصيي بعد موتي(1).

7 - عبد الله بن مرحوم:

روى عبد الله بن مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة، فلمّا صرت في بعض الطريق لقيت أبا إبراهيم، وهو يذهب به إلى البصرة، فأرسل إليّ فدخلت عليه فدفع إلي كتباً، وأمرني أن أوصلها إلى المدينة، فقلت: إلى مَن ادفعها جُعلت فداك؟ قال: إلى علي ابني، فإنّه وصيي، والقيّم بأمري، وخير بنيّ(2).

8 - عبد الله بن الحرث:

روى عبد الله بن الحرث، قال: بعث إلينا أبو إبراهيم فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم!

قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، مَن كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومَن كانت له عندي عدّة فليستنجزها منه، ومَن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه(3)

9 - حيدر بن أيوب:

روى حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ - أي ما أخّرك عن المجيء - قال: دعانا أبو إبراهيم اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وإنّ أمره جايز - أي نافذ - عليه، وله، ثم قال محمد: والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم، وليقولن الشيعة به من بعده، قلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 1 / 26 - 27.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا.

٨٣

بل يبقيه الله، وأي شيء هذا؟

يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له بالإمامة(1).

10 - الحسين بن بشير:

قال الحسين بن بشير: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه عليّاً، كما أقام رسول الله (ص)، عليّاً يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو قال: يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي(2) .

11 - جعفر بن خلف:

روى جعفر بن خلف قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر يقول: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلف، وقد أراني الله من ابني هذا خلفا وأشار إليه - يعني الرضا -(3).

12 - نصر بن قابوس:

روى نصر بن قابوس قال: قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفرعليه‌السلام ، إنّي سألت أباك مَن الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنّك أنت هو، فلمّا توفّي أبو عبد الله ذهب الناس يميناً وشمالاً، وقلت: أنا وأصحابي بك، فأخبرني مَن الذي يكون بعدك؟ قال: ابني علي(4) .

13 - محمد بن سنان:

روى محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلي ابنه بين يديه، فقال لي: يا محمد، فقلت: لبّيك، قال: إنّه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع منها، ثم أطرق، ونكت بيده في الأرض، ورفع رأسه إليّ وهو يقول: ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء، قلت: وما ذاك؟

قال: مَن ظلم ابني هذا حقّه، وجحد إمامته من بعدي، كان كمَن ظلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام حقّه، وجحد إمامته من بعد محمد (صلي الله عليه وآله). فعلمت أنّه قد نعى إلى نفسه، ودلّ على ابنه، فقلت:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا.

(2) عيون أخبار الرضا.

(3) عيون أخبار الرضا 1 / 30.

(4) عيون أخبار الرضا 1 / 31.

٨٤

والله لئن مدّ الله في عمري لأسلمن إليه حقه، ولأقرن له بالإمامة، وأشهد أنّه من بعدك حجّة الله تعالى على خلقه، والداعي إلى دينه، فقال لي: يا محمد يمد الله في عمرك، وتدعو إلى إمامته، وإمامة مَن يقوم مقامه من بعده، فقلت: مَن ذاك جُعلت فداك؟ قال: محمد ابنه، قال: قلت: فالرضا والتسليم، قال: نعم كذلك وجدتك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء، ثم قال: يا محمد إنّ المفضل كان أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما(1) حرام على النار أن تمسّك أبداً(2) .

هذه بعض النصوص التي أُثرت عن الإمام موسىعليه‌السلام على إمامة ولده الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد حفلت باهتمام الإمام موسى في هذا الموضوع، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى تفنيد القائلين بالوقف على إمامته، وإبطال شبههم، وتحذير المسلمين منهم.

وصيّة الإمام:

وأقام الإمام موسىعليه‌السلام ولده الرضا وصيّاً من بعده، وقد أوصاه بوصيّتين، وهما يتضمّنان ولايته على صدقاته، ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة، وإلزام أبنائه باتباعه، والانصياع لأوامره، كما عهد إلى السيدات من بناته أن يكون زواجهن بيد الإمام الرضا؛ لأنّه اعرف بالكفؤ من غيره، فينبغي أن لا يتزوجن إلاّ بمؤمن تقي يعرف مكانتهن ومنزلتهن.

أمّا الوصية الثانية فقد ذكرناها في كتابنا حياة الإمام موسىعليه‌السلام فلا حاجة لذكرها فإنّي لا أحب أن أذكر شيئاً قد كتبته.

سجن السندي:

وأمر الرشيد بسجن الإمام في سجن السندي بن شاهك وهو شرّير لم تدخل الرحمة إلى قلبه، وقد تنكّر لجميع القيم، لا يؤمن بالآخرة ولا يرجو لله وقاراً، فقابل الإمام بكل قسوة وجفاء فضيق عليه في مأكله ومشربه، وكبّله بالقيود، ويقول الرواة إنّه قيّده بثلاثين رطلاً من الحديد.

____________________

(1) الضمير يرجع إلى الإمام الرضا وابنه محمد الجواد.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 32 - 33.

٨٥

وأقبل الإمام على عادته على العبادة فكان في أغلب أوقاته يصلّي لربّه، ويقرأ كتاب الله، ويمجّده ويحمده على أن فرّغه لعبادته.

كتابه إلى هارون:

وأرسل الإمام رسالة إلى هارون أعرب فيها عن نقمته عليه وهذا نصّها: ( إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس فيه انقضاء، وهناك يخسر المبطلون )(1) .

وحكت هذه الرسالة ما ألمّ بالإمام من الجزع والأسى من السجن وأنّه سيحاكم الطاغية أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون.

اغتيال الإمام:

وعهد الطاغية إلى السندي أو إلى غيره من رجال دولته باغتيال الإمام، فدسّ له سمّاً فاتكاً في رطب، وأجبره السندي على تناوله، فأكل منه رطبات يسيرة، فقال له السندي: ( زد على ذلك... )..

فرمقه الإمام بطرفه، وقال له: ( حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه... ).(2) .

وتفاعل السم في بدن الإمام، وأخذ يعاني الآلام القاسية وقد حفّت به الشرطة القساة، ولازمه السندي، فكان يسمعه مرّ الكلام وأقساه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة.

لقد عانى الإمام في تلك الفترة الرهيبة أقسى ألوان المحن والخطوب، فقد تقطّعت أوصاله من السم، وكان أشق عليه ما يسمعه من انتهاك لحرمته وكرامته من السندي وجلاوزته.

إلى الرفيق الأعلى:

وسرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام ، وأخذ يعاني أقسى ألوان الأوجاع والآلام، واستدعى الإمام السندي فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولى

____________________

(1) البداية والنهاية 10 / 183.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 499 - 500.

٨٦

له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولّى تجهيزه، وسأله السندي أن يأذن له في تجهيزه فأبى، وقال: إنّا أهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني(1) واحضر له السندي مولاه فعهد له بتجهيزه.

ولمّا ثقل حال الإمام، وأشرف على النهاية المحتومة استدعى المسيب بن زهرة، وقال له: ( إنّي على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت، واصفرّ لوني واحمرّ، واخضرّ، وأتلوّن ألواناً، فأخبر الطاغية بوفاتي... ).

قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده، حتى دعاعليه‌السلام بشربة فشربها، ثم استدعاني فقال: ( يا مسيب إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي، ودفني، وهيهات، هيهات أن يكون ذلك أبداً فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإنّ كل تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي فإنّ الله عزّ وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا... ).

قال المسيب: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه، وكان عهدي بسيّدي الرضاعليه‌السلام وهو غلام فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسى وقال: أليس قد نهيتك، ثم إنّه غاب ذلك الشخص، وجئت إلى الإمام فإذا به جثّة هامدة قد فارق الحياة، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد(2) .

لقد سمت روح الإمام إلى خالقها العظيم تحفّها ملائكة الرحمن بطاقات من زهور الجنّة، وتستقبلها أرواح الأنبياء والأوصياء والمصطفين الأخيار.

سيّدي أبا الرضا: لقد مضيت إلى دار الخلود بعد أن أدّيت رسالتك، ورفعت كلمة الله عالية في الأرض، ونافحت عن حقوق المظلومين، والمضطهدين، وقاومت الطغيان والاستبداد، فما أعظم عائدتك على الإسلام والمسلمين.

سيّدي أبا الرضا:

____________________

(1) مقاتل الطالبيين (ص 504).

(2) حياة الإمام موسى 2 / 514 - 515.

٨٧

لقد تجرّعت أنواع المحن والغصص والخطوب من طاغية زمانك فأودعك في سجونه، وضيّق عليك في كل شيء، وحال بينك وبين شيعتك وأبنائك وعائلتك؛ لأنّك لم تسايره ولم تبرّر منكره، فقد تزعّمت الجبهة المعارضة للظلم والطغيان، ورحت تندد بسياسته الهوجاء التي بنيت على سرقة أموال المسلمين، وإنفاقها في ملذّاته، ولياليه الحمراء، فسلام الله عليك غادية ورائحة، وسلام الله عليك يوم ولدت ويوم متّ ويوم تُبعث حيّاً.

تحقيق الشرطة في الحادث:

وقامت الشرطة بدورها في التحقيق في سبب وفاة الإمام، وقد بذلت قصارى جهودها في أنّ الإمام مات حتف أنفه؛ لتبرئ ساحة الطاغية هارون، وقد قام بذلك السندي ابن شاهك، وكان ذلك في مواضع منها ما رواه عمرو بن واقد، قال: أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فخشيت أن يكون لسوء يريده لي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه، وقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثم ركبت إليه، فلمّا رآني مقبلاً قال: ( يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأزعجناك؟... ).

( نعم )...

( ليس هنا إلاّ الخير... ).

( فرسول تبعثه إلى منزلي ليخبرهم خبري... ).

( نعم )... ولمّا هدأ روعه، وذهب عنه الخوف، قال له السندي: ( يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟... )..

( لا ).

( أتعرف موسى بن جعفر؟... ).

( أي والله أعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر... ).

هل ببغداد ممّن يقبل قوله تعرفه أنّه يعرفه؟... ).

( نعم ).

ثم إنّه سمّى له أشخاصاً ممّن يعرفون الإمام، فبعث خلفهم فقال لهم: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر؟

فسمّوا له قوماً فأحضرهم، وقد استوعب الليل فعله حتى انبلج نور الصبح، ولمّا كمل عنده من الشهود نيّف وخمسون رجلاً،

٨٨

أمر بإحضار كاتبه، ويعرف اليوم بكاتب الضبط، فأخذ في تسجيل أسمائهم ومنازلهم وأعمالهم وصفاتهم وبعد انتهائه من الضبط أخبر السندي بذلك فخرج من محلّه، والتفت إلى عمرو فقال له: قم يا أبا حفص فاكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشف عمرو الثوب عن وجه الإمام، والتفت السندي إلى الجماعة، فقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد منهم بعد واحد، فنظروا إليه جميعاً، ثم قال لهم:

( تشهدون كلّكم أنّ هذا موسى بن جعفر؟... ).

( نعم ).

ثم أمر غلامه بتجريد الإمام من ملابسه، ففعل الغلام ذلك، ثم التفت إلى القوم فقال لهم: ( أترون به أثراً تنكرونه؟... ) فقالوا: ( لا ). ثم سجّل شهادتهم وانصرفوا(1) .

كما استدعى فقهاء بغداد ووجوهها، وفيهم الهيثم بن عدي فسجّل شهادتهم بإنّ الإمام مات حتف أنفه(2). وفعل هارون مثل ذلك من الإجراءات والسبب في ذلك تنزيهه من اقتراف الجريمة، ونفي المسؤولية عنه.

وضعه على الجسر:

ووضع جثمان الإمام سليل النبوّة على جسر الرصافة ينظر إليه القريب والبعيد، وتتفرّج عليه المارّة، وقد احتفت به الشرطة، وكشفت وجهه للناس، وقد حاول الطاغية بذلك إذلال الشيعة والاستهانة بمقدّساتها وكان هذا الإجراء من أقسى ألوان المحن التي عانتها الشيعة؛ فقد كوى بذلك قلوبهم وعواطفهم، يقول الشيخ محمد ملة:

مَن مبلغ الإسلام أنّ زعيمه

قد مات في سجن الرشيد سميما

فالغيّ بات بموته طرب الحشا

وغدا لمأتمه الرشاد مقيما

ملقىً على جسر الرصافة نعشه

فيه الملائك أحدقوا تعظيما

وقال الخطيب المفوّه الشيخ محمد علي اليعقوبي:

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيّعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه هزيج

له الأهاضيب تنهد(3)

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 519.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفر 2 / 521.

٨٩

النداء الفظيع:

يا لهول المصاب، يا لروعة الخطب، لقد انتهك السندي جميع حرمات الإسلام، فقد أمر الجلادين أن ينادوا على الجثمان المقدس بنداء مؤلم، فبدل أن ينادوا بالحضور لجنازة الطيب ابن الطيب أمرهم أن ينادوا بعكس ذلك، وانطلق العبيد والأنذال يجوبون في شوارع بغداد رافعين أصواتهم بذلك النداء القذر، وأمرهم ثانياً أن ينادوا بنداء آخر: ( هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت فانظروا إليه ميتاً... )(1) .

قيام سليمان بتجهيز الإمام:

وكان سليمان مطلاًّ على نهر دجلة في قصره، فرأى الشرطة وقطعات من الجيش تجوب في الشوارع، والناس مضطربة، فزعة، فهاله ذلك، فالتفت إلى ولده وغلمانه قائلاً: ( ما الخبر؟ ).

فقالوا له: ( هذا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر... ).

وأخبروه بندائه الفظيع، فخاف سليمان من حدث الفتنة وانفجار الوضع بما لا تحمد عقباه، وصاح بولده:

( انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد - وهو لباس الشرطة والجيش - )(2) .

وانطلق أبناء سليمان مسرعين ومعهم غلمانهم وحرّاسهم إلى الشرطة، فأخذوا الجثمان المقدس من أيديهم، ولم تبد الشرطة أيّة مقاومة معهم، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الأسرة العباسية.

وحمل جثمان الإمام إلى سليمان فأمر أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي، وانطلق المنادون رافعين أصواتهم بهذا النداء:

( ألا مَن أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر ).

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفر.

(2) حياة الإمام موسى بن جعفر.

٩٠

وخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين وسيد المتقين والعابدين، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع وخرجت السيدات من نسائهم، وهن يندبن الإمام، ويرفعن أصواتهن بالنياحة عليه. وسارت مواكب التشييع وهي تجوب شوارع بغداد، وتردد أهازيج اللوعة والحزن، وأمام النعش المقدس مجامير العطور، وانتهى به إلى موضع في سوق سُمّي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس لئلاّ تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له(1) ، وانبرى شاعر ملهم فأبّن الإمام بهذه الأبيات الرائعة:

قد قلت للرجل المولّى غسله

هلاّ أطعت وكنت من نصائحه

جنبه ماءك ثم غسّله بما

أذرت عيون المجد عند بكائه

وأزل أفاويه الحنوط ونحّها

عنه وحنّطه بطيب ثنائه

ومر الملائكة الكرام بحمله

كرماً ألست تراهم بإزائه

لا توه أعناق الرجال بحمله

يكفي الذي حملوه من نعمائه(2)

وسارت المواكب متجهة إلى محلّة باب التبن، وقد ساد عليها الوجوم والحزن، حتى انتهت إلى مقابر قريش فحفر للجثمان العظيم قبر، وأنزله فيه سليمان بن أبي جعفر، وهو مذهول اللب، فواراه فيه، وارى فيه الحلم والكرم والعلم، والإباء.

وانصرف المشيعون، وهم يعددون فضائل الإمام، ويذكرون بمزيد من اللوعة الخسارة التي منّي بها المسلمون، فتحيّات من الله على تلك الروح العظيمة التي ملأت الدنيا بفضائلها وآثارها ومآثرها.

تقلّد الإمام الرضا للزعامة الكبرى:

وتقلّد الإمام الرضاعليه‌السلام بعد وفاة أبيه الزعامة الدينية الكبرى، والمرجعية العامة للمسلمين، وقد احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم.

____________________

(1) الأنوار البهية (ص 99).

(2) الإتحاف بحب الأشراف (ص 57).

٩١

سفره إلى البصرة:

وبعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام سافر الإمام الرضاعليه‌السلام إلى البصرة للتدليل على إمامته، وإبطال شبه المنحرفين عن الحق، وقد نزل ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضمّ جمعاً من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب، وهو من المنحرفين عن آل البيتعليهم‌السلام والمعادين لهم، كما دعا فيه جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، والتفت إليهم الإمام فقال لهم:

( إنّي إنّما جمعتكم لتسألوني عمّا شيءتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلاّ عندنا أهل البيت، فهلموا أسألكم... ).

وبادر عمرو بن هداب فقال له: ( إنّ محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله، وانك تعرف كل لسان ولغة... ).

وانبرى الإمامعليه‌السلام فصدّق مقالة محمد بن الفضل في حقّه قائلاً: ( صدق محمد بن الفضل أنا أخبرته بذلك... ).

سارع عمرو قائلاً: ( إنّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن، واللغات، هذا رومي، وهذا هندي، وهذا فارسي، وهذا تركي، قد أحضرناهم... ).

فقالعليه‌السلام : ( فليتكلّموا بما أحبوا، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله... ).

وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجابعليه‌السلام عنها بلغته، وبهر القوم وعجبوا، والتفت الإمام إلى عمرو فقال له: ( إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقاً لي؟... ).

( لا، فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله تعالى... ).

وردّ الإمام عليه مقالته: ( أو ليس الله تعالى يقول:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رسُولٍ ) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك

٩٢

الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة. وإنّ الذي أخبرتك به يا بن هداب لكائن إلى خمسة أيام وإن لم يصح في هذه المدة فإنّي.. وإن صحّ فتعلم أنّك راد على الله ورسوله.

وأضاف الإمام قائلاً: ( أما إنّك ستصاب ببصرك، وتصير مكفوفاً، فلا تبصر سهلاً، ولا جبلاً وهذا كائن بعد أيام، ولك عندي دلالة أخرى، إنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص... ).

وأقسم محمد بن الفضل بالله بأنّ ما أخبر به الإمام قد تحقّق، وقيل لابن هداب: ( هل صدق الرضا بما أخبر به؟... ).

فقال: والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن، ولكنّي كنت أتجلّد.

والتفت الإمام إلى الجاثليق فقال له: ( هل دلّ الإنجيل عل نبوّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( لو دلّ الإنجيل على ذلك ما جحدناه... ).

ووجّه الإمام له السؤال التالي: ( اخبرني عن السكنة التي لكم في السفر الثالث؟... ). وأجاب الجاثليق: ( إنّها اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره... ).

وردّ عليه الإمام قائلاً: ( فان قربه ربّك أنّه اسم محمد، وأقر عيسى به، وأنّه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقربه، ولا تنكره؟... ).

ولم يجد الجاثليق بُدّاً من الموافقة على ذلك قائلاً: ( إن فعلت أقررت، فإنّي لا أرد الإنجيل ولا أجحده... ).

وأخذ الإمام يقيم عليه الحجّة قائلاً: ( خذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشارة عيسى

٩٣

بمحمد؟... ).

وسارع الجاثليق قائلا: ( هات ما قلته... ).

فأخذ الإمامعليه‌السلام يتلو عليه السفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال للجاثليق: ( من هذا الموصوف؟... ).

قال الجاثليق: ( صفه ).

وأخذ الإمامعليه‌السلام في وصفه قائلاً: ( لا أصفه إلاّ بما وصفه الله، وهو صاحب الناقة، والعصا، والكساء، النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم. سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله، وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ).

وأطرق الجاثليق مليّاً برأسه إلى الأرض، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فقد سدّ عليه الإمام كل نافذة يسلك منها، ولم يسعه أن يجحد الإنجيل، فأجاب الإمام قائلاً: نعم هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنّه صاحبكم ).

وانبرى الإمام يقيم عليه الحجّة، ويبطل أوهامه قائلاً: ( أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخذ على السفر الثاني، فإنّه قد ذكره وذكر وصيّه، وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين... ).

وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أنّ الإمامعليه‌السلام عالم بالتوراة والإنجيل، وأنّه واقف على جميع ما جاء فيهما، وفكّرا في التخلص من حجج الإمام فأبديا الشك في أن الذي بشر به موسى والسيد المسيح هو النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطفقا قائلين:

٩٤

( لقد بشر به موسى وعيسى جميعاً، ولكن لم يتقرّر عندنا أنّه محمد هذا، فأمّا كون اسمه محمد، فلا يجوز أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنّه محمّدكم أو غيره... ).

وانبرى الإمام ففنّد شبهتهم قائلاً: ( احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمد أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد؟... ).

وأحجما عن الجواب، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها، وأصرّا على العناد والجحود قائلين: ( لا يجوز لنا أن نقر لك بأنّ محمّداً هو محمّدكم، فإنّا إن أقررنا لك بمحمد ووصيّه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرهاً... ).

وانبرى الإمام قائلاً: ( أنت يا جاثليق آمن في ذمّة الله، وذمّة رسوله أنّه لا يبدؤك منّا شيء تكرهه... ).

وسارع الجاثليق قائلاً: ( إذ قد آمنتني، فان هذا النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور، وطفق الإمام قائلاً: ( هل هذا صدق وعدل؟... ).

( بل صدق وعدل... ).

وسكت الجاثليق، واعترف بالحق، والتفت الإمام إلى رأس الجالوت فقال له: ( اسمع يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود... ).

قال رأس الجالوت: ( بارك الله فيك وفيمَن ولدك: هات ما عندك... ).

وأخذ الإمام يتلو عليه السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين، ووجه الإمام له السؤال التالي: ( سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟... ).

( نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم... ).

٩٥

وانبرى الإمام قائلاً: ( بحق عشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ ).

ولم يسع رأس الجالوت إلاّ الإقرار والاعتراف بذلك، وأخذ الإمام يتلو في سفر آخر من التوراة، وقد بهر رأس الجالوت من اطلاع الإمام ومن فصاحته وبلاغته، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين، فقال رأس الجالوت: ( والله يا بن محمد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك، فو الله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ما رأيت اقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحسن تفسيراً وفصاحة لهذه الكتب منك ).

وقد استغرقت مناظرة الإمام معهم وقتاً كثيراً حتى صار وقت صلاة الظهر فقامعليه‌السلام فصلّى بالناس صلاة الظهر، وانصرف إلى شؤونه الخاصة، وفي الغد عاد إلى مجلسه، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمامعليه‌السلام ، فكلّمها الإمام بلغتها، والجاثليق حاضر، وكان عارفاً بلغتها، فقال الإمام للجارية: ( أيّما أحب إليك محمد أم عيسى؟... ).

فقالت الجارية: ( كان فيما مضى عيسى أحب إليّ؛ لأنّي لم أكن أعرف محمداً، وبعد أن عرفت محمداً فهو أحب إليّ من عيسى... ).

والتفت لها الجاثليق فقال لها: ( إذا كنت دخلت في دين محمد فهل تبغضين عيسى؟... ).

وأنكرت الجارية كلامه فقالت: ( معاذ الله بل أحب عيسى، وأومن به، ولكن محمداً أحب إلي... ).

والتفت الإمام إلى الجاثليق فطلب منه أن يترجم للجماعة كلام الجارية، فترجمه لهم، وطلب الجاثليق من الإمام أن يحاجج مسيحيّاً من السند له معرفة بالمسيحية، وصاحب جدل، فحاججه الإمام بلغته، فآمن السندي بالإسلام، وأقرّ للإمامعليه‌السلام بالإمامة، وطلبعليه‌السلام من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل، ويطهر بدنه من درن الشرك، فأخذه محمد إلى الحمّام، وكساه بثياب نظيفة، وأمر الإمام بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه، ثم ودّع الإمام أصحابه

٩٦

ومضى إلى المدينة المنوّرة(1) .

سفره إلى الكوفة:

وغادر الإمامعليه‌السلام يثرب متوجّهاً إلى الكوفة، فلمّا انتهى إليها استقبل فيها استقبالاً حاشداً، وقد نزل ضيفاً في دار حفص بن عمير اليشكري، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل، وهو يجيبهم عنها، وقد عقد مؤتمراً عامّاً ضمّ بعض علماء النصارى واليهود، وجرت بينه وبينهم مناظرات أدت إلى انتصاره وعجزهم عن مجاراته، والتفت الإمامعليه‌السلام إلى الحاضرين، فقال لهم: ( يا معاشر الناس، أليس أنصف الناس مَن حاجّ خصمه بملّته وبكتابه، وشريعته؟... ).

فقالوا جميعاً: ( نعم ).

فقالعليه‌السلام : ( اعلموا أنّه ليس بإمام بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ مَن قام بما قام به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين يفضي له الأمر، ولا يصلح للإمامة إلاّ مَن حاج الأمم بالبراهين للإمامة... ).

وانبرى عالم يهودي فقال له: ( ما الدليل على الإمام؟... )

فقالعليه‌السلام :

( أن يكون عالماً بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم، وأن يكون عالماً بجميع اللغات حتى لا يخفي عليه لسان واحد، فيحاج كل قوم بلغتهم، ثم يكون مع هذه الخصال تقياً، نقياً من كل دنس، طاهراً من كل عيب، عادلاً، منصفاً، حكيماً، رؤوفاً، رحيماً، غفوراً، عطوفاً، صادقاً، مشفقاً، بارّاً، أميناً، مأموناً... )(2) .

وجرت بينه وبين بعض الحاضرين مناظرات أدّت إلى تمسّك الشيعة بالإمام

____________________

(1) البحار 12 / 21 - 23، بتصرف نقلنا الخبر.

(2) البحار 12 / 23، نقلنا الحديث بتصرف.

٩٧

عليه‌السلام ، وزيادة إيمانهم بقدراته العلمية الهائلة كما أدّت إلى إفحام القوى المعارضة للإمام، وعجزهم عن مجاراته وبهذا نطوي الحديث عن دور الإمام في ظلال أبيه، وبعد وفاته.

٩٨

٩٩

مناظراته واحتجاجاته

واتسم عصر الإمام الرضاعليه‌السلام بشيوع المناظرات والاحتجاجات بين زعماء الأديان والمذاهب الإسلامية وغيرها، وقد احتدم الجدال بينهم في كثير من البحوث الكلامية خصوصاً فيما يتعلّق بأصول الدين، وقد حفلت الكتب الكلامية وغيرها بألوان من ذلك الصراع العقائدي مشفوعة بالأدلة التي أقامها المتكلمون على ما يذهبون إليه.

ومن بين المسائل التي عظم فيها النزاع، واحتدم فيها الجدال بين الشيعة والسنّة: ( الإمامة )، فالشيعة تصر على أنّ الإمامة كالنبوّة غير خاضعة لاختيار الأمّة وانتخابها، وإنّما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها مَن يشاء من صلحاء عباده ممّن امتحن قلوبهم للإيمان كما يشترطون في الإمام أن يكون معصوماً عن الخطأ، وأن يكون أعلم الأمّة، وأدراها لا في شؤون الشريعة الإسلامية فحسب وإنما في جميع علوم الحياة، وأنكر جمهور أهل السنّة ذلك جملةً وتفصيلاً، ومن الجدير بالذكر أنّ أروقة الملوك والوزراء في عصر الإمام قد عقدت فيها مجالس للمناظرة بين زعماء المذاهب الإسلامية فقد عقدت البرامكة مجالس ضمت المتكلمين من علماء السنة، فناظروا العالم الكبير هشام بن الحكم، وحاججوه في أمر الإمامة، فتغلّب عليهم ببالغ الحجّة، وقوّة البرهان، وممّا لا ريب فيه أنّ عقد البرامكة للخوض في هذه البحوث الحساسة لم تكن بواعثه علمية فقط، وإنّما كانت للاطلاع على ما تملكه الشيعة من الأدلة الحاسمة لإثبات معتقداتها في الإمامة.

ولمّا جعل المأمون ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام التي لم تكن عن إخلاص، ولا عن إيمان بأنّ الإمام أحق وأولى بالخلافة منه، وإنّما كانت لأسباب سياسية سوف نتحدث عنها في غضون هذا الكتاب، وقد أوعز إلى ولاته في جميع

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272