اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية28%

اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 272

اللمعة الدمشقية
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81019 / تحميل: 7950
الحجم الحجم الحجم
اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ذكر غيبتها خيرة بين إحلاف الغريم والصبر، وليس له إلزامه بكفيل ولا ملازمته، وإن أحضرها وعرف الحاكم العدالة حكم، وإن عرف الفسق ترك، وإن جهل استزكى، ثم سأل الخصم عن الجرح، فإن استنظر أمهله ثلاثة أيام، فإن لم يأت بالجارح حكم عليه بعد الالتماس.

وإن ارتاب الحاكم بالشهود فرقهم وسألهم عن مشخصات القضية، فإن اختلفت أقوالهم سقطت، ويكره له أن يعنت الشهود إذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق، ويحرم أن يتمتع الشاهد وهو أن يداخله في الشهادة أو يتعقبه أو يرغبه في الاقامة أو يزهده لو توقف، ولا يقف عزم الغريم عن الاقرار إلا في حقه تعالى لقضية ما عز بن مالك عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما السكوت إن كان لآفة توصل إلى الجواب، وإن كان عنادا حبس حتى يجيب، أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه.

القول في اليمين: لا تنعقد اليمين الموجبة للحق ولا المسقطة للدعوى إلا بالله تعالى مسلما كان الحالف أو كافرا، ولو أضاف مع الجلالة خالق كل شئ في المجوسي كان حسنا، ولو رأى الحاكم ردع الذمي بيمينهم فعل، إلا أن يشتمل على محرم، وينبغي التغليظ بالقول والزمان

٨١

والمكان في الحقوق كلها إلا أن ينقص المال عن نصاب القطع، ويستحب للحاكم وعظ الحالف قبله، ويكفي نفي الاستحقاق وإن أجاب بالاخص، ويحلف على القطع في فعل نفسه وتركه وفعل غيره، وعلى نفي العلم في نفي فعل غيره.

القول في الشاهد واليمين كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين، وهو كل ما كان مالا أو المقصود منه المال كالدين والقرض والغصب، وعقود المعاوضات كالبيع، والصلح والجناية الموجبة للدية كالخطأ وعمد الخطأ وقتل الوالد ولده والعبد، وكسر العظام والجائفة والمأمومة.

ولا تثبت عيوب النساء ولا الخلع والطلاق والرجعة والعتق على قول، والكتابة والتدبير والنسب والوكالة والوصية إليه بالشاهد واليمين، وفي النكاح قولان ولو كان المدعون جماعة فعلى كل واحد يمين، ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله، ثم الحكم يتم بهما لا بأحدهما، ولو رجع الشاهد غرم النصف، والمدعي لو رجع غرم الجميع، ويقضى على الغائب عن المجلس الحكم، ويجب اليمين مع البينة على بقاء الحق، وكذا تجب في الشهادة على الميت والطفل والمجنون.

القول في التعارض لو تداعيا ما في أيديهما حلفا واقتسماه وكذا إن أقاما بينة، ويقضي لكل منهما بما في يد صاحبه، ولو خرجا فهي لذي البينة، ولو

٨٢

أقاماها رجع الاعدل، فالاكثر، فالقرعة، ولو تشبث أحدهما فاليمين عليها ولا تكفي بينته عنها.

ولو أقاما بينة ففي الحكم لايهما خلاف، ولو تشبثا وادعى أحدهما الجميع والآخر النصف ولا بينة اقتسماها بعد يمين مدعي النصف.

ولو أقاما بينة فهي للخارج على القول بترجيح بينته وهو مدعي الكل، وعلى الآخر بينهما.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما صار صاحب اليد وللآخر إحلافهما، ولو كان تاريخ احدى البينتين أقدم قدمت.

القول في القسمة وهي تمييز أحد النصيبين عن الآخر وليست بيعا وإن كان فيها رد ويجبر الشريك لو شريكه لو التمس ولاضرر، ولو تضمنت ردا لو يجبر، وكذا لو كان فيها ضرر كالجواهر والعضائد الضيقة والسيف، فلو طلب المهاياة جاز ولم يجب، وإذا عدلت السهام واتفقا على اختصاص كل واحد بسهم لذم، وإلا أقرع، ولو ظهر غلط بطلت، ولو ادعاه أحدهما ولا بينة حلف الآخر فإن حلف تمت، وإن نكل حلف المدعي ونقضت، ولو ظهر استحقاق بعض معين بالسوية فلا نقض وإلا نقضت، وكذا لو كان مشاعا.

٨٣

(١١) كتاب الشهادات

وفصوله أربعة: الاول، الشاهد وشرطه البلوغ إلا في الجراح بشرط بلوغ العشر وأن يجتمعوا على مباح وأن لا يفترقوا، والعقل، والاسلام ولو كان المشهود عليه كافرا على الاصح إلا في الوصية عند عدم المسلمين، والايمان، والعدالة وتزول بالكبيرة والاصرار على الصغيرة وترك المروء‌ة، وطهارة المولد، وعدم التهمة فلا يقبل شهادة الشريك لشريكه في المشترك بينهما والوصي في متعلق وصيته، والغرماء للمفلس، والسيد لعبده، والعاقلة بجرح شهود الجناية.

والمعتبر في الشروط وقت الاداء لا وقت التحمل، وتمنع العداوة الدنيوية بأن يعلم منه السرور بالمساء‌ة وبالعكس، ولو شهد لعدوه قبل إذا كانت العداوة لا تتضمن فسقا، ولا تقبل شهادة كثير السهو بحيث لا يضبط المشهود به ولا المتبرع بإقامتها إلا أن يكون في حق الله تعالى، ولو ظهر للحاكم سبق القادح في الشهادة على حكمه نقض.

٨٤

ومستند الشهادة العلم القطعي أو رؤيته فيما يكفي فيه، أو سماعا في نحوالعقود مع الرؤية أيضا ولا يشهد إلا على من يعرفه ويكفي معرفان عدلان، وتسفر المرأة عن وجهها.

ويثبت بالاستفاضة سبعة: النسب والموت والملك المطلق والوقف والنكاح والعتق وولاية القاضي.

ويكفي متاخمة العلم على قول، ويجب التحمل على من له أهليه الشهادة على الكفاية فلو فقد سواه تعين، ويصح تحمل الاخرس وأداء‌ه بعد القطع بمراده، وكذا يجب الاداء على الكفاية إلا مع خوف ضررغير مستحق، ولا يقيمها إلا مع العلم، ولا يكفي الخط وإن شهد معه ثقة، ومن نقل عن الشيعة جواز الشهادة بقول المدعي إذا كان أخا في الله معهود الصدق فقد أخطأ في نقله، نعم هو مذهب العزاقري من الغلاة.

الفصل الثاني، في تفصيل الحقوق : فمنها بأربعة رجال وهو الزنا واللواط والسحق.

ويكفي في الموجب للرجم ثلاثة رجال وامرأتان، وللجلد رجلان وأربع نسوة.

ومنها برجلين وهي: الردة والقذف والشرب وحد السرقة والزكاة والخمس والنذر والكفارة والاسلام والبلوغ والولاء والتعديل والجرح والعفو عن القصاص والطلاق والخلع والوكالة والوصية إليه والهلال.

ومنها ما يثبت برجلين ورجل وامرأتين وشاهد ويمين وهو الديون والاموال والجناية الموجبة للدية.

٨٥

ومنها بالرجال والنساء ولو منفردات كالولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة والرضاع والوصية له.

ومنها بالنساء منضمات خاصة وهو الديون والاموال.

الفصل الثالث، في الشهادة على الشهادة : ومحلها حقوق الناس كافة، سواء كانت عقوبة كالقصاص، أو غير عقوبة كالطلاق والنسب والعتق، أو مالا كالقرض وعقود المعارضات وعيوب النساء والولادة والاستهلال والوكالة والوصية بقسميها.

ولا تثبت في حق الله تعالى مختصا كالزنا واللواط والسحق، أو مشتركا كالسرقة والقذف على خلاف.

ولو اشتمل الحق على الامرين ثبت حق الناس خاصة فيثبت بالشهادة على إقراره بالزنا نشر الحرمة لا الحد.

ويجب أن يشهد على واحد عدلان ولو شهد على الشاهدين فما زاد جاز.

ويشترط تعذر شاهد الاصل بموت أو مرض أو سفر وضابطه المشقة في حضوره، ولا تقبل الشهادة الثالثة فصاعدا.

الفصل الرابع، في الرجوع : إذا رجعا قبل الحكم امتنع الحكم، وإن كان بعده لم ينتقض الحكم ويضمن الشاهدان، سواء كانت العين باقية أو تالفة، ولو كانت الشهادة على قتل أو رجم أو قطع ثم رجعوا واعترفوا بالتعمد اقتص منهم، أو من بعضهم ويرد الباقون نصيبهم، وإن قالوا أخطأنا

٨٦

فالدية عليهم.

ولو شهدا بطلاق ثم رجعا قال في النهاية: ترد إلى الاول ويغرمان المهر للثاني وتبعه أبو الصلاح، وفي الخلاف إن كان بعد الدخول فلا غرم وهي زوجة الثاني، وإن كان قبل الدخول غرما للاول نصف المهر.

ولو ثبت تزوير الشهود نقض الحكم واستعيد المال فإن تعذر أغرموا وعزرواعلى كل حال وشهروا.

٨٧

(١٢) كتاب الوقف

وهو تحبيس الاصل وإطلاق المنفعة، ولفظه الصريح وقفت، وأما حبست وسبلت وحرمت وتصدقت فمفتقر إلى القرينة ولا يلزم بدون القبض بإذن الواقف فلومات قبله بطل.

ويدخل في وقف الحيوان لبنه وصوفه الموجودان حال العقد مالم يستثنهما.

وإذاتم لم يجز الرجوع فيه.

وشرط التنجيز والدوام والاقبا ض وإخراجه عن نفسه.

وشرط الموقوف أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها ويمكن إقباضها، ولو وقف مالا يملكه وقف على إجازة المالك، ووقف المشاع جائز كالمقسوم.

وشرط الواقف الكمال، ويجوز أن يجعل النظر لنفسه ولغيره، فإن أطلق فالنطر في الوقف العام إلى الحاكم، وفي غيره إلى الموقوف عليهم.

وشرط الموقوف عليه وجوده وصحة تملكه وإباحة الوقف عليه، فلا يصح على المعدوم ابتداء ويصح تبعا، ولا على العبد وجبرئيل.

والوقف على المساجد والقناطر في الحقيقة على المسلمين إذ

٨٨

هو مصروف إلى مصالحهم، ولا على الزناة والعصاة.

والمسلمون من صلى إلى القبلة إلا الخوارج والغلاة، والشيعة من بايع عليا وقدمه، والامامية الاثني عشرية، والهاشمية من ولده هاشم بأبيه، وكذا كل قبيلة.

وإطلاق الوقف يقتضي التسويد ولو فضل لزم.

وهنا مسائل: نفقة العبد الموقوف والحيوان على الموقوف عليهم ولو عمي العبد أو جذم انعتق وبطل الوقف وسقطت النفقة.

الثانية: لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل قربة، وكذا سبيل الخير وسبيل الثواب.

الثالثة: إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات بالسوية إلا أن يفضل، ولو قال على من انتسب إلي، لم يدخل أولاد البنات.

الرابعة: إذا وقف مسجدا لم ينفك وقفه بخراب القرية، وإذا وقف على الفقراء والعلوية انصرف إلى من في بلد الواقف منهم ومن حضرهم.

الخامسة: إذا آجر البطن الاول الوقف ثم انقرضوا تبين بطلان الاجارة في المدة الباقية فيرجع المستأجر على ورثة الآجر إن كان قد قبض الاجرة وخلف تركة.

٨٩

(١٣) كتاب العطية

وهي أربعة: الاول: الصدقة، وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض بإذن الموجب، ومن شرطها القربة فلا يجوز الرجوع فيها بعد القبض، ومفروضها محرم على بنى هاشم من غيرهم إلا مع قصور خمسهم، وتجوز الصدقة على الذمي لا الحربي، وصدقة السر أفضل إلا أن يتهم بالترك.

الثاني: الهبة، وتسمى نحلة وعطية، وتفتقر إلى الايجاب والقبول والقبض بإذن الواهب، ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد ولا إذن ولا مضي زمان، وكذاإذا وهب الولي الصبي ما في يد الولي كفى الايجاب والقبول.

ولا يشترط في الابراء القبول ولا في الهبة القربة، ويكره تفضيل بعض الولد على بعض.

ويصح الرجوع في الهبة بعد الاقباض ما لم يتصرف أو يعوض أو يكون رحما، ولو عابت لم يرجع بالارش على الموهوب، ولو زادت زيادة متصلة فللواهب والمنفصلة للموهوب له.

ولو وهب أو وقف أو تصدق في مرض موته فهي من الثلث إلا أن يجيز الوارث.

٩٠

الثالث، السكنى، ولا فيها من إيجاب وقبول وقبض.

فإن اقتت بأمد أو عمر أحدهما لزمت وإلا جاز له الرجوع فيها، وإن مات أحدهما بطلت، ويعبر عنها بالعمرى والرقبى.

وكلما صح وقفه صح إعماره، وإطلاق السكنى تقتضي سكناه ومن جرت عادته به، وليس أن يؤجرها ولا أن يسكن غيره إلا بإذن المسكن.

الرابع، التحبيس وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد والقبض والتقييد بمدة.

وإذا حبس عبده أو فرسه في سبيل الله أو على زيد لزم ذلك ما دامت العين باقية، وكذا حبس عبده أو أمته على خدمة الكعبة أو مشهد أو مسجد، ولو حبس على رجل ولم يعين وقتا ومات الحابس كان ميراثا.

٩١

(١٤) كتاب المتاجر

وفيه فصول، الاول: ينقسم موضوع التجارة إلى محرم ومكروه ومباح: فالمحرم: الاعيان النجسة، كالخمر والنبيذ والفقاع والمائع النجس غير القابل للطهارة إلا الدهن للوضوء تحت السماء، والميتة والدم وأوراث وأبوال غير المأكول والخنزير والكلب إلا كلب الصيد والماشية والزرع والحائط، وآلات اللهو والصنم والصليب، وآلات القمار كالنرد والشطرنج والبقيرى، وبيع السلاح لاعداء الدين، وإجارة المساكن والحمولة للمحرم، وبيع العنب والتمر ليعمل مسكرا والخشب ليعمل صنما، ويكره بيعه لمن يعمله.

ويحرم عمل الصور المجسمة والغناء ومعونة الظالمين بالظلم والنوح بالباطل وهجاء المؤمنين والغيبة وحفظ كتب الضلال ونسخها ودرسها لغير نقص أو الحجة أو التقية، وتعلم السحر والكهانة والقيافة والشعبذة وتعليمها، والقمار والغش الخفي، وتدليس الماشطة وتزيين كل من الرجل والمرأة بما يحرم عليه، والاجرة على تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم والصلاة عليهم، والاجرة على الافعال الخالية

٩٢

من غرض حكمي كالعبث، والاجرة على الزنا ورشا القاضي، والاجرة على الاذان والاقامة والقضاء، ويجوز الرزق من بيت المال والاجرة على تعليم الواجب من التكاليف.

وأما المكروه، فكالصرف وبيع الاكفان والرقيق واحتكار الطعام والذباحة والنساجة والحجامة وضراب الفحل، وكسب الصبيان ومن لا يجتنب المحرم.

والمباح: ما خلا عن وجه رجحان.

ثم التجارة تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة.

الفصل الثاني، في عقد البيع وآدابه : وهو الايجاب والقبول الدالان على نقل الملك بعوض معلوم فلا تكفي المعاطاة، نعم يباح التصرف ويجوز الرجوع مع بقاء العين، ويشترط وقوعهما بلفظ الماضي كبعت واشتريت وملكت، ويكفي الاشارة مع العجز.

ولا يشترط تقديم الايجاب على القبول وإن كان أحسن.

ويشترط في المتعاقدين الكمال والاختيار إلا أن يرضى المكره بعد زوال الكراهة، والقصد فلو أوقعه الغافل أو النائم أو الهازل لغى، ويشترط في اللزوم الملك أو إجازة المالك وهي كاشفة عن صحة العقد فالنماء المتخلل للمشتري ونماء الثمن المعين للبائع.

ولا يكفي في الاجازة السكوت عند العقد أو عند عرضها عليه، ويكفي أجزت أو أنفذت أو أمضيت أو رضيت وشبهه، فإن لم يجز انتزعه من المشتري، ولو تصرف فيه بماله أجرة رجع بها عليه،

٩٣

ولو نما كان لمالكه، ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان باقيا، عالما كان أو جاهلا، وإن تلف قيل لا رجوع مع العلم، وهو بعيد مع توقع الاجازة، ويرجع بما اغترم إن كان جاهلا.

ولو باع المملوك مع ملكه ولم يجز المالك صح في ملكه وتخير المشتري مع جهله، فإن رضي صح في المملوك بحصته من الثمن بعد تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما، وكذا لو باع ما يملك وما لا يملك كالعبد مع الحر والخنزير مع الشاة ويقوم الحر لوكان عبدا، والخنزير عند مستحليه.

وكما يصح العقد من المالك يصح من القائم مقامه وهم ستة: الاب والجد والوصي والوكيل والحاكم وأمينه، وبحكم الحاكم المقاص ويجوز للجميع تولي طرفي العقد إلا الوكيل والمقاص، ولو استأذن الوكيل جاز، ويشترط كون المشتري مسلما إذا ابتاع مصحفا أو مسلما الا فيمن ينعتق عليه.

وهنا مسائل: يشترط كون المبيع مما يملكه، فلا يصح بيع الحر ومالا نفع فيه غالبا كالحشرات وفضلات الانسان إلا لبن المرأة والمباحات قبل الحيازة، ولا الارض المفتوحة عنوة إلا تبعا لآثار المتصرف، والاقرب عدم جواز بيع رباع مكة زادها الله شرفا لنقل الشيخ في الخلاف الاجماع، إن قلنا إنها فتحت عنوة.

الثانية: يشترط أن يكون مقدورا على تسليمه، فلو باع الحمام الطائر لم يصح إلا أن تقضي العادة بعوده، ولو باع الآبق صح مع الضميمة، فإن وجده وإلا كان الثمن بإزاء الضميمة، ولا خيار للمشتري مع

٩٤

العلم بإباقه، ولو قدر المشتري على تحصيله فالاقرب عدم اشتراط الضميمة وعدم لحوق أحكامها لو ضم.

أما الضال والمجحود فيصح البيع ويراعى بإمكان التسليم فإن تعذر فسخ المشتري إن شاء، وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال ولعله الاقرب وحينئذ يجوز أن يكون أحدهما ثمنا والآخر مثمنا مع الضميمتين، ولا يكفي ضم آبق آخر إليه، ولو تعددت العبيد كفت ضميمة واحدة.

الثالثة: يشترط أن يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف ولو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه فالمشهور الجواز، ولا بيع المستولدة مادام الولد حيا إلا في ثمانية مواضع: أحدها في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها سواء كان حيا أو ميتا، وثانيها إذا جنت على غير المولى، وثالثها إذا عجز عن نفقتها، ورابعها إذا مات قريبها ولا وارث له سواها، وخامسها إذا كان علوقها بعد الارتهان، وسادسها إذا كان علوقها بعد الافلاس، وسابعها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وإن لم يكن ثمنا لها، وثامنها بيعها على من تنعتق عليه فإنه في قوة العتق، وفي جواز بيعها بشرط العتق نظر أقربه الجواز.

الرابعة: لو جنى العبد خطأ لم يمنع من بيعه، ولو جنى عمدا فالاقرب أنه موقوف على رضى المجني عليه أو وليه.

الخامسة: يشترط علم الثمن قدرا وجنسا ووصفا، فلا يصح البيع بحكم أحد المتعاقدين أو أجنبي، ولا بثمن مجهول القدر وإن

٩٥

شوهد، ولا مجهول الصفة، ولا مجهول الجنس وإن علم قدره، فإن قبض المشتري المبيع والحالة هذه كان مضمونا عليه إن تلف.

السادسة: إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون أو المعدود فلا بد من اعتبارهما بالمعتاد، ولو باع المعدود وزنا صح، ولو باع الموزون كيلا أو بالعكس أمكن الصحة فيهما وتحتمل صحة العكس لا الطرد، لان الوزن أصل الكيل، ولو شق العد اعتبر مكيال ونسب الباقي إليه.

السابعة: يجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا تساوت أجزاؤه أو اختلفت إذا كان الاصل معلوما، فيصح بيع نصف الصبرة المعلومة والشياه المعلومة، ولو باع شاة غير معلومة من قطيع بطل، ولو باع قفيزا من صبرة صح، وإن لم يعلم كمية الصبرة فإن نقصت تخير المشتري بين الاخذ بالحصة وبين الفسخ.

الثامنة: تكفي المشاهدة عن الوصف، ولو غاب وقت الابتياع فإن الظهر المخالفة تخير المغبون، ولو اختلفا في التغير قدم قول المشترط بيمينه.

التاسعة: يعتبر ما يراد طعمه وريحه ولو اشتراه بناء على الاصل جاز، فإن خرج معيبا تخير المشتري بين الرد والارش، ويتعين الارش لو تصرف فيه، وإن كان أعمى وأبلغ في الجواز ما يفسد باختباره كالبطيخ والجوز والبيض فإن ظهر فاسدا رجع بأرشه، ولو لم يكن لمكسوره قيمة رجع بالثمن.

وهل يكون العقد مفسوخا من أصله أو يطرأ عليه الفسخ نظر، فالفائدة في مؤونة نقله عن الموضع.

٩٦

العاشرة: يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق، وفتقه بأن يدخل فيه خيط ويشم أحوط.

الحادية عشرة: لا يجوز بيع سمك الآجام مع ضميمة القصب أو غيره، ولا اللبن في الضرع كذلك، ولا الجلود والاصواف على الانعام إلا أن يكون الصوف مستجزا أو يشترط جزه فالاقرب الصحة.

الثانية عشرة: يجوز بيع دود القز ونفس القز وإن كان الدود فيه، لانه كالنوى في التمر.

الثالثة عشرة: إذاكان المبيع في ظرف أسقط ما جرت العادة به للظرف، ولو باعه مع الظرف فالاقرب الجواز.

القول في الآداب، وهي أربعة وعشرون: ا: النفقة فيما يتولاه ويكفي التقليد.

ب: التسوية بين المعاملين في الانصاف.

ج: إقالة النادم إذا تفرقا من المجلس أو شرط عدم الخيار، وهل تشرع الاقالة في زمان الخيار الاقرب نعم، ولا تكاد تتحقق الفائدة إلا إذا قلنا هي بيع، أو قلنا أن الاقالة من ذي الخيار إسقاط الخيار.

ويحتمل سقوط خياره بنفس طلبها علمه بالحكم.

د: عدم تزيين المتاع.

ه‍: ذكر العيب إن كان.

٩٧

و: ترك الحلف على البيع والشنراء.

ز: المسامحة فيهما وخصوصا في شراء آلات الطاعات.

ح: تكبير المشتري وتشهده الشهادتين بعد الشراء.

ط: أن يقبض ناقصا ويدفع راجحا نقصانا ورجحانا لا يؤدي إلى الجهالة.

ي: أن لا يمدح سلعته ولا يذم سلعة صاحبه، ولو ذم سلعة نفسه بما لايشتمل على الكذب فلا بأس.

يا: ترك الربح على المؤمنين إلا مع الحاجة فيأخذ منهم نفقة يوم موزعة على المعاملين.

يب: ترك الربح على الموعود بالاحسان.

يج: ترك السبق إلى السوق، والتأخر فيه.

يد: ترك معاملة الادنين والمحارفين والمؤوفين والاكراد وأهل الذمة وذوي الشبهة في المال.

يه: ترك التعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن.

يو: ترك الزيادة في السلعة وقت النداء.

يز: ترك السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

يح: ترك دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء بعد التراضي أو قربه، ولو كان السوم بين اثنين لم يجعل نفسه بدلا من أحدهما، ولا كراهية فيها يكون في الدلالة، وفي كراهية طلب المشتري من بعض الطالبين الترك له نظر، ولا كراهية في ترك الملتمس منه.

يط: ترك توكل حاضر لباد.

٩٨

كي: ترك التلقي، وحدة أربعة فراسخ إذا قصد مع جهل البائع أو المشتري بالسعر، وترك شراء ما يتلقى، ولا خيار إلا مع الغبن.

كا: ترك الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت والملح، ولو لم يوجد غيره وجب البيع وسعر عليه إن أجحف، وإلا فلا.

كب: ترك الربا في المعدود على الاقوى، وكذا في النسيئة مع اختلاف الجنس.

كج: ترك نسبة الربح والوضيعة إلى رأس المال.

كه: ترك بيع مالم يقبض مما يكال أو يوزن.

الفصل الثالث، في بيع الحيوان : والاناسي تملك بالسبي مع الكفر الاصلي ويسري الرق وإن أسلموا بعد مالم يعرض سبب محرر، والملقوط في دار الحرب رق إذا لم يكن فيها مسلم، بخلاف دار الاسلام، إلا أن يبلغ ويقر على نفسه بالرق، والمسبي حال الغيبة يجوز تملكه ولا خمس فيه رخصة.

ولا يستقر للرجل ملك الاصول والفروع والاناث المحرمات نسبا ورضاعا، ولا للمرأة ملك العمودين، ولا تمنع الزوجية من الشراء، فتبطل، والحمل يدخل مع الشرط ولو شرط فسقط قبل القبض رجع بنسبته بأن تقوم حاملا ومجهضا.

ويجوز ابتياع جزء مشاع من الحيوان لا معين، ويجوز النظر

٩٩

إلى وجه المملوكة إذا أراد شراء‌ها وإلى محاسنها، ويستحب تغيير اسم المملوك عند شرائه والصدقة عنه بأربعة دراهم وإطعامه حلوا، ويكره وطء المولودة من الزنا بالملك أو بالعقد.

والعبد لا يملك فلو اشتراه ومعه مال فللبائع إلا بالشرط فيراعى فيه شروط المبيع، ولو جعل العبد جعلا على شرائه لم يلزم.

ويجب استبراء الامة قبل بيعها بحيضة أو مضي خمسة وأربعين يوما ممن لا تحيض وهي في سن الحيض، ويجب على المشتري أيضا استبراؤها إلا أن يخبره الثقة بالاستبراء، أو تكون لا مرأة او تكون يائسة، واستبراء الحامل بوضع الحمل فلا يحرم في مدة الاستبراء غير الوطء، ويكره التفرقة بين الطفل والام قبل سبع سنين، والتحريم أحوط.

وهنا مسائل: لو حدث في الحيوان عيب قبل القبض فللمشتري الرد والارش، وكذا في زمن الخيار، وكذا غير الحيوان.

الثانية: لو حدث عيب من غير جهة المشتري في زمن الخيار فله الرد بأصل الخيار، والاقرب جواز الرد بالعيب أيضا، وتظهر الفائدة لو أسقط الخيار الاصلي والمشترط، وقال الفاضل نجم الدين أبوالقاسم في الدرس: لا يرد إلا بالخيار، وهو ينافي حكمه في الشرائع بأن الحدث في الثلاثة من المال البائع مع حكمه بعدم الارش فيه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272