عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم23%

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 321

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 321 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127737 / تحميل: 8588
الحجم الحجم الحجم
عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وأدركوه بمشاعرهم وعقولهم مثل سائر الظنون التي تحدق بالقلوب البشرية وتنقدح فيها.

مع أنّ المراد غير ذلك، بل المراد أنّ الظروف التي حاقت بالرسل بلغت من الشدّة والقسوة إلى حد صارت تحكي بلسانها التكويني عن أنّ النصر الموعود كأنّه نصر غير صادق، لا أنّ هذا الظن كان يراود قلوب الرسل، وأفئدتهم، وكم فرق بين كونهم ظانّين بكون الوعد الإلهي بالنصر وعداً مكذوباً، وبين كون الظروف والشرائط المحيطة بهم من المحنة والشدّة كانت كأنّها تشهد في بادئ النظر على أنّه ليس لوعده سبحانه خبر ولا أثر.

فحكاية وضعهم والملابسات التي كانت تحدق بهم عن كون الوعد كذباً أمر، وكون الأنبياء قد وقعوا فريسة ذلك الظن غير الصالح أمر آخر، والمخالف للعصمة هو الثاني لا الأوّل، ولذلك نظائر في الذكر الحكيم.

منها قوله سبحانه:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ ) (١) ، فإنّ يونس النبي بن متى كان مبعوثاً إلى أهل نينوى، فدعاهم فلم يؤمنوا، فسأل الله أن يعذّبهم، فلمّا أشرف عليهم العذاب تابوا وآمنوا، فكشفه الله عنهم وفارقهم يونس قبل نزول العذاب مغاضباً لقومه ظانّاً بأنّه سبحانه لن يضيق عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وتأديبه، لأجل مفارقته قومه مع إمكان رجوعهم إلى الله سبحانه وإيمانهم به وتوبتهم عن أعمالهم.

فما هذا الظن الذي ينسبه سبحانه إلى يونس، هل كان ظنّاً قائماً بمشاعره، فنحن نجلّه ونجلّ ساحة جميع الأنبياء عن هذا الظن الذي لا يتردّد في ذهن غيرهم، فكيف الأنبياء ؟! بل المراد أنّ عمله هذا ( أي ذهابه ومفارقة قومه ) كان

_____________________

١ - الأنبياء: ٨٧.

٨١

ممثّلاً بأنّه يظن أنّ مولاه لا يقدر عليه وهو يفوته بالابتعاد عنه فلا يقوى على سياسته، فكم فرق بين ورود هذا الظن على مشاعر يونس، وبين كون عمله مجسّماً وممثّلاً لهذا الظن في كل مَن رآه وشاهده ؟ فما يخالف العصمة هو الأوّل لا الثاني.

ومنها: قوله سبحانه في سورة الحشر حاكياً عن بني النضير إحدى الفرق اليهودية الثلاث التي كانت تعيش في المدينة، وتعاقدوا مع النبي على أن لا يخونوا ويتعاونوا في المصالح العامة، ولمّا خدعوا المسلمين وقتلوا بعض المؤمنين في مرأى من الناس ومسمع منهم، ضيّق عليهم النبي، فلجأوا إلى حصونهم، وفي ذلك يقول سبحانه:( هُوَ الذي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) (١) .

فما هذا الظن الذي ينسبه سبحانه إلى تلك الفرقة ؟ هل كانوا يظنّون بقلوبهم أنّ حصونهم مانعتهم من الله ؟ فإنّ ذلك بعيد جداً، فإنّهم كانوا موحّدين ومعترفين بقدرته سبحانه غير أنّ علمهم والتجاءهم إلى حصونهم في مقابل النبي الذي تبيّن لهم صدق نبوّته كان يحكى عن أنّهم مصدر هذا الظن وصاحبه.

ولذلك نظائر في المحاورات العرفية، فإنّا نصف المتهالكين في الدنيا والغارقين في زخارفها، والبانين للقصور المشيّدة والأبراج العاجية بأنّهم يعتقدون بخلود العيش ودوام الحياة، وأنّ الموت كأنّه كتب على غيرهم، ولا شك أنّ هذه النسبة نسبة صادقة لكنّ بالمعنى الذي عرفت: أي أنّ عملهم مبدأ انتزاع هذا الظن، ومصدر هذه النسبة.

وعلى ذلك فالآية تهدف إلى أنّ البلايا والشدائد كانت تحدق بالأنبياء طيلة

_____________________

١ - الحشر: ٢.

٨٢

حياتهم وتشتد عليهم الأزمة والمحنة من جانب المخالفين، فكانوا يعيشون بين أقوام كأنّهم أعداء ألدّاء، وكان المؤمنون بهم في قلّة، فصارت حياتهم المشحونة بالبلايا والنوازل، والبأساء والضرّاء، مظنّة لأن يتخيّل كل مَن وقف عليها من نبي وغيره، أنّ ما وعدوا به وعد غير صادق، ولكن لم يبرح الوضع على هذا المنوال حتى يفاجئهم نصره سبحانه، للمؤمنين، وإهلاكه وإبادته للمخالفين كما يقول:( فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ ولا يُردُّ بأسُنا عنِ القومِ المُجْرمين ) (١) .

ويشعر بما ذكرناه قوله سبحانه:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (٢) .

فالمراد من الرسول هو غير النبي الأكرم من الرسل السابقين، فعندما كانت البأساء والضرّاء تحدق بالمؤمنين ونفس الرسول، وكانت المحن تزلزل المؤمنين حتى أنّ-ها كانت تحبس الأنفاس، فعند ذلك كانت تكاد تلك الأنفاس المحبوسة والآلام المكنونة تتفجّر في شكل ضراعة إلى الله، فيقول الرسول والذين آمنوا معه( متى نصر الله ) ؟ فإنّ كلمة( متى نصر الله ) مقرونة بالضراعة والالتماس، تقع مظنّة تصوّر استيلاء اليأس والقنوط عليهم لا بمعنى وجودهما في أرواحهم وقلوبهم، بل بالمعنى الذي عرفت من كونه ظاهراً من أحوالهم لا من أقوالهم.

وما برح الوضع على هذا إلى أن كان النصر ينزل عليهم وتنقشع عنهم سحب اليأس والقنوط المنتزع من تلك الحالة.

هذا ما وصلنا إليه في تفسير الآية، ولعلّ القارئ يجد تفسيراً أوقع في النفس ممّا ذكرناه.

_____________________

١ - يوسف: ١١٠.

٢ - البقرة: ٢١٤.

٨٣

الآية الثانية:

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

( لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمينَ لَفي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (٢) .

( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّكَ فَيُؤمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ) (٣) .

وهذه الآية أو الآيات من أوثق الأدلة في نظر القائل بعدم عصمة الأنبياء، وقد استغلّها المستشرقون في مجال التشكيك في الوحي النازل على النبي على وجه سيوافيك بيانه.

وكأنّ المستدل بهذه الآية يفسّر إلقاء الشيطان في أُمنية الرسول أو النبي بالتدخّل في الوحي النازل عليه فيغيّره إلى غير ما نزل به.

ثم إنّه سبحانه يمحو ما يُلقي الشيطان ويصحّح ما أُنزل على رسوله من الآيات، فلو كان هذا مفاد الآية، فهو دليل على عدم عصمة الأنبياء في مجال التحفّظ على الوحي أو إبلاغه الذي اتفقت كلمة المتكلّمين على المصونية في هذا المجال.

وربّما يؤيّد هذا التفسير بما رواه الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية، وسيوافيك نصّه وما فيه من الإشكال.

_____________________

١ - الحج: ٥٢.

٢ - الحج: ٥٣.

٣ - الحج: ٥٤.

٨٤

فالأولى تناول الآية بالبحث والتفسير حتى يتبيّن أنّها تهدف إلى غير ما فسّره المستدلّ، فنقول: يجب توضيح نقاطٍ في الآيات.

الأُولى : ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟ وإلى مَ يهدف قوله سبحانه:( إذا تمنّى ) ؟

الثانية : ما معنى مداخلة الشيطان في أُمنية النبي الذي يفيده قول الله سبحانه:( ألقى الشيطان في أُمنيّته ) ؟

الثالثة : ما معنى نسخ الله سبحانه ما يلقيه الشيطان ؟

الرابعة : ماذا يريد سبحانه من قوله:( ثمّ يحكم الله آياته ) وهل المراد منه الآيات القرآنية؟

الخامسة : كيف يكون ما يلقيه الشيطان فتنة لمرضى القلوب وقاسيتها ؟ وكيف يكون سبباً لإيمان المؤمنين، وإخبات قلوبهم له ؟

وبتفسير هذه النقاط الخمس يرتفع الإبهام الذي نسجته الأوهام حول الآية ومفادها فنقول:

١ - ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟

أمّا الأُمنية قال ابن فارس: فهي من المنى، بمعنى تقدير شيء ونفاذ القضاء به، منه قولهم: مني له الماني أي قدر المقدر قال الهذلي:

لا تأمننّ وإن أمسيت في حرمٍ

حتى تلاقي ما يمني لك الماني

والمنا: القدر، وماء الإنسان: منيّ، أي يُقدّر منه خلقته والمنيّة: الموت؛ لأنّها مقدّرة على كل أحد، وتمنّى الإنسان: أمل يقدّره، ومنى مكّة: قال قوم: سمّي به لما قُدّر أن يُذبح فيه، من قولك مناه الله(١) .

_____________________

١ - المقاييس: ٥/٢٧٦.

٨٥

وعلى ذلك فيجب علينا أن نقف على أُمنية الرسل والأنبياء من طريق الكتاب العزيز، ولا يشك مَن سبر الذكر الحكيم أنّه لم يكن للرسل والأنبياء، أُمنية سوى نشر الهداية الإلهية بين أقوامهم وإرشادهم إلى طريق الخير والسعادة، وكانوا يدأبون في تنفيذ هذا المقصد السامي، والهدف الرفيع ولا يألون في ذلك جهداً، وكانوا يخطّطون لهذا الأمر، ويفكّرون في الخطّة بعد الخطّة، ويمهّدون له قدر مستطاعهم، ويدل على ذلك جمع من الآيات نكتفي بذكر بعضها:

يقول سبحانه في حق النبي الأكرم:( وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤمِنين َ) (١) .

ويقول أيضاً:( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ ) (٢) .

ويقول أيضاً:( إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرينَ ) (٣) .

ويقول سبحانه:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٤) .

ويقول سبحانه:( فَذَكّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّر* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بُمُصَيْطِرٍ ) (٥) .

هذا كلّه في حق النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويقول سبحانه حاكياً عن استقامة نوح في طريق دعوته:( وَإِنّي كُلَّما

_____________________

١ - يوسف: ١٠٣.

٢ - فاطر: ٨.

٣ - النحل: ٣٧.

٤ - القصص: ٥٦.

٥ - الغاشية: ٢١ - ٢٢.

٨٦

دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً * ثُمَّ إِنّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً * ثُمَّ إِنّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ) (١) .

ويقول سبحانه بعد عدّةٍ من الآيات:( قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْني وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاّ خَساراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبّاراً * وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلاّ ضَلالاً ) (٢) .

فهذه الآيات ونظائرها تنبئ بوضوح عن أنّ أُمنية الأنبياء الوحيدة في حياتهم، وسبيل دعوتهم هو هداية الناس إلى الله، وتوسيع رقعة الدعوة إلى أبعد حد ممكن، وإن منعتهم من تحقيق هذا الهدف عراقيل وموانع؛ فهم يسعون إلى ذلك بعزيمة راسخة ورجاء واثق.

إلى هنا تبيّن الجواب عن السؤال الأوّل، وهلمّ معي الآن لنقف على جواب السؤال الثاني، أعني:

٢ - ما معنى إلقاء الشيطان في أُمنية الرسل ؟

وهذا السؤال هو النقطة الحاسمة في استدلال المخالف، وبالإجابة عليها يظهر وهن الاستدلال بوضوح، فنقول: إنّ إلقاء الشيطان في أُمنيتهم يتحقّق بإحدى صورتين:

١ - أن يوسوس في قلوب الأنبياء ويوهن عزائمهم الراسخة، ويقنعهم بعدم جدوى دعوتهم وإرشادهم، وأنّ هذه الأُمّة أُمّة غير قابلة للهداية، فتظهر بسبب

_____________________

١ - نوح: ٧ - ٩.

٢ - نوح: ٢١ - ٢٤.

٨٧

ذلك سحائب اليأس في قلوبهم ويكفّوا عن دعوة الناس وينصرفوا عن هدايتهم.

ولا شك أنّ هذا المعنى لا يناسب ساحة الأنبياء بنصّ القرآن الكريم؛ لأنّه يستلزم أن يكون للشيطان سلطان على قلوب الأنبياء وضمائرهم، حتى يوهن عزائمهم في طريق الدعوة والإرشاد، والقرآن الكريم ينفي تسلّل الشيطان إلى ضمائر المخلصين الذين هم الأنبياء ومن دونهم، ويقول سبحانه:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (١) .

ويقول أيضاً ناقلاً عن نفس الشيطان:( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَّنَهُمْ أَجْمَعينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) .

وليس إيجاد الوهن في عزائم الأنبياء من جانب الشيطان إلاّ إغواءهم المنفيّ بنص الآيات.

٢ - أن يكون المراد من إلقاء الشيطان في أُمنية النبي هو إغراء الناس ودعوتهم إلى مخالفة الأنبياءعليهم‌السلام والصمود في وجوههم حتى تصبح جهودهم ومخطّطاتهم عقيمة غير مفيدة.

وهذا المعنى هو الظاهر من القرآن الكريم حيث يحكي في غير مورد أنّ الشيطان كان يحضّ أقوام الأنبياءعليهم‌السلام على المخالفة ويعدهم بالأماني، حتى يخالفوهم.

قال سبحانه:( يَعِدُهُمْ ويُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيطانُ إلاّ غُرُوراً ) (٣) .

_____________________

١ - الحجر: ٤٢، الإسراء: ٦٥.

٢ - ص: ٨٢ - ٨٣.

٣ - النساء: ١٢٠.

٨٨

وقال سبحانه:( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِىَ الأمرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ وَوعَدتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلومُوني وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) .

وهذه الآيات ونظائرها تشهد بوضوح على أنّ الشيطان وجنوده كانوا يسعون بشدّة وحماس في حضّ الناس على مخالفة الأنبياء والرسل، وكانوا يخدعونهم بالعدة والأماني، وعند ذلك يتضح مفاد الآية، قال سبحانه:( وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ) أي إذا فكّر في هداية أُمّته وخطّط لذلك الخطط، وهيّأ لذلك المقدّمات( ألقى الشيطان في أُمنيّته ) (بحضّ الناس على المخالفة والمعاكسة وإفشال خطط الأنبياء حتى تصبح المقدّمات عقيمة غير منتجة ).

٣ - ما معنى نسخه سبحانه ما يلقيه الشيطان ؟

إذا عرفت هذا المقطع من الآية يجب أن نقف على مفاد المقطع الآخر منها وهو قوله سبحانه: ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) وما معنى هذا النسخ ؟

والمراد من ذاك النسخ ما وعد الله سبحانه رسله بالنصر، والعون والإنجاح، قال سبحانه:( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا ) (٢) ، وقال سبحانه:( كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِىّ عَزِيزٌ ) (٣) ، وقال سبحانه:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) (٤) .

_____________________

١ - إبراهيم: ٢٢.

٢ - غافر: ٥١.

٣ - المجادلة: ٢١.

٤ - الأنبياء: ١٨.

٨٩

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) (١) .

وقال في حق النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُها عباديَ الصّالِحُونَ ) (٣) .

إلى غير ذلك من الآيات الساطعة التي تحكي عن انتصار الحق الممثّل في الرسالات الإلهية في صراعها مع الباطل وأتباعه.

٤ - ما معنى إحكامه سبحانه آياته ؟

إذا تبيّن معنى نسخه سبحانه ما يلقيه الشيطان، يتبيّن المراد من قوله سبحانه:( ثمّ يحكم الله آياته ) .

فالمراد من الآيات هي الدلائل الناصعة الهادية إلى الله سبحانه وإلى مرضاته وشرائعه.

وإن شئت قلت: إذا نسخ ما يلقيه الشيطان، يخلفه ما يلقيه سبحانه إلى أنبيائه من الآيات الهادية إلى رضاه أوّلاً، وسعادة الناس ثانياً.

ومن أسخف القول: إنّ المراد من الآيات، الآيات القرآنية التي نزلت على النبي الأكرم؛ وذلك لأنّ موضوع البحث فيها ليس خصوص النبي الأكرم، بل الرسل والأنبياء على وجه الإطلاق أضف إليه أنّه ليس كل نبيٍّ ذا كتاب وآيات ،

_____________________

١ - الصافات: ١٧١ - ١٧٣.

٢ - التوبة: ٣٣.

٣ - الأنبياء: ١٠٥.

٩٠

فكيف يمكن أن يكون ذا قرآن مثله ؟

ويعود مفاد الجملة إلى أنّ الله سبحانه يحكم دينه وشرائعه وما أنزله الله إلى أنبيائه وسفرائه من الكتاب والحكمة.

والحاصل: إنّ في مجال الصراع بين أنصار الحق وجنود الباطل يكون الانتصار والظفر للأوّل، والاندحار والهزيمة للثاني، فتضمحل الخطط الشيطانية وتنهزم أذنابه بإرادة الله سبحانه، فتخلفها البرامج الحيوية الإلهية وآياته الناصعة، فيصبح الحق قائماً وثابتاً، والباطل داثراً وزاهقاً، قال سبحانه:( وَقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) (١) .

٥ - ما هي النتيجة من هذا الصراع ؟

قد عرفت أنّ الآية تعلّل الهدف من هذا الصراع بأنّ ما يلقيه الشيطان يكون فتنة لطوائف ثلاث:

١ - الذين في قلوبهم مرض.

٢ - ذات القلوب القاسية.

٣ - الذين أُوتوا العلم.

إنّ نتيجة هذا الصراع تعود إلى اختبار الناس وامتحانهم حتى يظهروا ما في مكامن نفوسهم وضمائر قلوبهم من الكفر والنفاق أو من الإخلاص والإيمان.

فالنفوس المريضة التي لم تنلها التزكية والتربية الإلهية، والقلوب القاسية التي أسّرتها الشهوات، وأعمتها زبارج الحياة الدنيا، تتسابق إلى دعوة الشيطان

_____________________

١ - الإسراء: ٨١.

٩١

وتتبعه فيظهر ما في مكامنها من الكفر والقسوة، فيثبت نفاقها ويظهر كفرها.

وأمّا النفوس المؤمنة الواقفة على أنّ ما جاء به الرسل حق من جانب الله سبحانه، فلا يزيدها ذلك إلاّ إيماناً وثباتاً وهداية وصموداً.

وهذه النتيجة حاكمة في عامّة اختبارات الله سبحانه لعباده، فإنّ اختباراته سبحانه ليس لأجل العلم بواقع النفوس ومكامنها، فإنّه يعلم بها قبل اختبارها( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ ) (١) ، وإنّما الهدف من الاختبار هو إخراج تلك القوى والقابليات الكامنة في النفوس والقلوب، إلى عالم التحقّق والفعلية وبالتالي تمكين الاستعدادات من الظهور والوجود.

وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين علىعليه‌السلام في معنى الاختبار بالأموال والأولاد الوارد في قوله:( وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٢) : ( ليتبيّن الساخط لرزقه، والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب)(٣) .

وقد وقفت بعد ما حرّرت هذا على كلام لفقيد العلم والتفسير الشيخ محمد جواد البلاغي - قدّس الله سرّه - وهو قريب ممّا ذكرناه: قال: المراد من الأُمنية هو الشيء المتمنّى كما هو الاستعمال الشائع في الشعر والنثر، كما أنّ الظاهر من التمنّي المنسوب إلى الرسول والنبي، ويشهد به سوق الآيات، هو أن يكون ما يناسب وظيفتهما، وهو تمنّي ظهور الهدى في الناس وانطماس الغواية والهوى، وتأييد شريعة الحق، ونحو ذلك، فيلقي الشيطان بغوايته بين الناس في هذا المتمّنى

_____________________

١ - الملك: ١٤.

٢ - الأنفال: ٢٨.

٣ - نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم: ٩٣.

٩٢

الصالح ما يشوّشه، ويكون فتنة للذين في قلوبهم مرض، كما ألقى بين أُمّة موسى من الضلال والغواية ما ألقى، وألقى بين أتباع المسيح ما أوجب ارتداد كثير منهم، وشك خواصهم فيه واضطرابهم في التعاليم، وأحكام الشريعة بعده، وألقى بين قوم رسول الله ما أهاجهم على تكذيبه وحربه، وبين أُمّته ما أوجب الخلاف وظهور البدع فينسخ الله بنور الهدى غياهب الضلال وغواية الشيطان، فيسفر للعقول السليمة صبح الحق، ثم يحكم الله آياته ويؤيّد حججه بإرسال الرسل، أو تسديد جامعة الدين القيم(١) .

وما ذكره - قدّس الله سرّه - كلام لا غبار عليه، وقد شيّدنا أساسه فيما سبق.

إلى هنا تبيّن مفاد جميع مقاطع الآية بوضوح وبقي الكلام في التفسير السخيف الذي تمسّك به بعض القساوسة الطاعنين في الإسلام، ومَن حذا حذوهم من البسطاء.

التفسير الباطل للآية

ثمّ إنّ بعض القساوسة الذين أرادوا الطعن في الإسلام والتنقيص من شأن القرآن، تمسّكوا بهذه الآية وقالوا: بأنّ المراد من الآية هو أنّ ( ما من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنّى وتلا الآيات النازلة عليه تدخّل الشيطان في قراءته فأدخل فيها ما ليس منها ) واستشهدوا لذلك التفسير بما رواه الطبري عن محمد بن كعب القرضي، ومحمد بن قيس، قالا: جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذٍ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) (٢) فقرأهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا بلغ:( أفَرأيتُمُ اللاَّتَ والعُزّى * ومَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرى ) (٣) ألقى عليه الشيطان كلمتين: ( تلك

_____________________

١ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٤.

٢ - النجم: ١ - ٢.

٣ - النجم: ١٩ - ٢٠.

٩٣

الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ) فتكلّم بها ثم مضى فقرأ السورة كلّها، فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلّم به وقالوا قد عرفنا: إنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده إذ جعلت لها نصيباً فنحن معك، قالا: فلمّا أمسى أتاه جبرائيلعليه‌السلام فعرض عليه السورة، فلمّا بلغ الكلمتين اللّتين ألقى الشيطان عليه، قال ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه:( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ ) إلى قوله:

( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) (١) ، فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت عليه:( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ ما يلقِي الشَّيطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ واللهُ عَليِمٌ حَكِيمٌ ) قال فسمع مَن كان من المهاجرين بأرض الحبشة أنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا فوجدوا قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان(٢) .

ولا يخفى ما في هذا التفسير وشأن النزول من الإشكالات التي تسقطه عن صحّة الاستناد إليه.

أمّا أوّلاً: فلأنّه مبني على أنّ قوله ( تمنّى ) بمعنى تلا، وأنّ لفظة ( أُمنيته ) بمعنى تلاوته، وهذا الاستعمال ليس مأنوساً في لغة القرآن والحديث، ولو صحّ فإنّما هو استعمال شاذ يجب تنزيه القرآن عنه.

_____________________

١ - الإسراء: ٧٣، ٧٥.

٢ - تفسير الطبري: ١٧/١٣١، ونقله السيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية.

٩٤

نعم استدلّ بعضهم بقول حسّان على ذاك الاستعمال:

تمنّى كتاب الله أوّل ليلةٍ

وآخره لاقى حمام المقادر

وقول الآخر:

تمنّى كتاب الله آخر ليلة

تمنّي داود الزبور على رسل

وهذان البيتان لو صحّ إسنادهما إلى عربي صميم كحسّان لا يحسن حمل القرآن على لغة شاذّة.

أضف إلى ذلك أنّ البيت غير موجود في ديوان حسّان، وإنّما نقله عنه المفسّرون في تفاسيرهم، وقد نقله أبو حيان في تفسيره (ج٦ ص٣٨٢) واستشهد به صاحب المقاييس (ج٥ ص٢٧٧).

ولو صحّ الاستدلال به فرضاً فإنّما يتم في اللفظ الأوّل دون الأُمنية لعدم ورودها فيه.

وثانياً: أنّ الرواية لا يمكن أن يحتج بها لجهات كثيرة أقلّها أنّها لا تتجاوز في طرقها عن التابعين ومن هو دونهم إلاّ إلى ابن عباس مع أنّه لم يكن مولوداً في الوقت المجعول للقصّة.

أضف إلى ذلك، الاضطراب الموجود في متنها فقد نقل بصور مختلفة يبلغ عدد الاختلاف إلى أربع وعشرين صورة، وقد جمع تلك الصور المختلفة العلاّمة البلاغي في أثره النفيس، فلاحظ(١) .

وثالثاً: أنّ القصة تكذّب نفسها؛ لأنّها تتضمّن أنّ النبي بعد ما أدخل الجملتين الزائدتين في ثنايا الآيات، استرسل في تلاوة بقيّة السورة إلى آخرها

_____________________

١ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٠.

٩٥

وسجد النبي والمشركون الحاضرون معه، فرحاً بما جاء في تينك الجملتين من الثناء على آلهتهم.

ولكنّ الآيات التي وقعت بعدهما، واسترسل النبي في تلاوتها عبارة عن قوله سبحانه:( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباوَكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) (١) إلى آخر الآيات.

وعندئذ يطرح هذا السؤال، وهو أنّه كيف رضي متكلّم العرب ومنطيقهم وحكيمهم وشاعرهم: الوليد بن المغيرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الثناء القصير، وغفل عن الآيات اللاحقة التي تندّد بآلهتهم بشدّة وعنف، ويعدّها معبودات خرافية لا تملك من الإلوهية إلاّ الاسم والعنوان ؟!

أو ليس ذلك دليلاً على أنّ جاعل القصّة من الوضّاعين الكذّابين الذي افتعل القصّة في موضع غفل عن أنّه ليس محلاًّ لها، وقد قيل: لا ذاكرة لكذوب.

ورابعاً: أنّ الله سبحانه يصف في صدر السورة نبيّه الأكرم بقوله:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْىٌ يُوحى ) (٢) ، وعندئذ كيف يصح له سبحانه أن يصف نبيّه في أوّل السورة بهذا الوصف، ثم يبدر من نبيّه ما ينافي هذا التوصيف أشدّ المنافاة، وفي وسعه سبحانه صون نبيّه عن الانزلاق إلى مثل هذا المنزلق الخطير ؟!

وخامساً: أنّ الجملتين الزائدتين اللّتين أُلصقتا بالآيات، تكذّبهما سائر الآيات الدالة على صيانة النبي الأكرم في مقام تلقّي الوحي والتحفّظ عليه وإبلاغه كما مرّ في تفسير قوله سبحانه:( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (٣) .

_____________________

١ - النجم: ٢٢ - ٢٣.

٢ - النجم: ٣ - ٤.

٣ - الجن: ٢٧.

٩٦

وقوله تعالى:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاويل * لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (١) .

وسادساً: أنّ علماء الإسلام، وأهل العلم والدراية من المسلمين، قد واجهوا هذه الحكاية بالرد، فوصفها المرتضى بالخرافة التي وضعوها(٢) .

وقال النسفي: إنّ القول بها غير مَرْضيّ وقال الخازن في تفسيره: إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متصل، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها، وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها(٣) .

هذه هي أهم الإشكالات التي ترد على القصّة وتجعلها في موضع من البطلان قد ذكرها المحقّقون في الرد على هذه القصّة وقد ذكرنا قسماً منها في كتابنا ( فروغ أبديت )(٤) ، ولا نطيل المقام بذكرها.

_____________________

١ - الحاقة: ٤٤ - ٤٦.

٢ - تنزيه الأنبياء: ١٠٩.

٣ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٠.

٤ - كتاب أُلّف في بيان سيرة النبي الأكرم من ولادته إلى وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد طُبع في جزأين.

٩٧

الطائفة الثانية

ما يمسّ عصمة عدّة خاصّة من الأنبياء

فهذه الطائفة عبارة عن الآيات التي تمسّ بظاهرها عصمة بعض الأنبياء بصورة جزئية وها نحن نذكرها واحدة بعد أُخرى.

- ١ -

عصمة آدمعليه‌السلام والشجرة المنهي عنها

وجعل الشريك لله

وقد طرحنا في هذه الطائفة أبرز الآيات التي وقعت ذريعة بأيدي المخطّئة في مجال نفي العصمة عن عدّة معيّنة من الأنبياء، وراعينا الترتيب التاريخي لهم، فنقدّم البحث عن عصمة آدمعليه‌السلام على البحث عن عصمة نوحعليه‌السلام وهكذا.

إنّ حديث الشجرة المنهيّ عنها هو أقوى ما تمسّك به المخالفون للعصمة المجوّزون صدور المعصية من الرسل والأنبياء، ويعدّ ذلك في منطقهم ( كبيت القصيد ) في ذلك المجال، ولأجل ذلك ينبغي التوسّع في البحث واستقصاء ما يمكن أن يقع ذريعة في يد المخالف فنقول:

٩٨

إنّ حديث الشجرة ورد على وجه التفصيل في سور ثلاث، نذكر منها ما يتعلّق بمورد البحث قال سبحانه:( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الْشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرضِ مُسْتَقَرّ وَمَتاعٌ إِلَى حِين * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) .

ويقول سبحانه:( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُرِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِما وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هِذِهِ الشَّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحينَ * فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُما رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوّ مُبينٌ * قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (٢) .

فأنت ترى أنّه سبحانه يتوسّع في بيان القصّة في هذه السورة، بينما هو يختصر في بيانها في السورة السابقة، ووجه ذلك أنّ سورة الأعراف مكّيّة وسورة البقرة مدنية، ولمّا توسّع في البيان في السورة المتقدّمة أوجز في السورة اللاحقة ولم يفصّل.

____________________

١ - البقرة: ٣٥ - ٣٧.

٢ - الأعراف: ١٩ - ٢٤.

٩٩

ويقول سبحانه:( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وَأنَّكَ لا تَظْمَؤا فِيَها ولا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوءاتُهُما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) (١) .

هذه السور الثلاث قد احتوت على مهمّات هذه القصّة، فينبغي علينا توضيح ما ورد فيها من الجمل والكلمات التي تعتبر مثاراً للتساؤلات الآتية:

التساؤلات حول الآيات

إنّ التساؤلات المطروحة حول الآيات عبارة عن:

١ - ما هي نوعية النهي في قوله تعالى:( لا تقربا ) ؟

٢ - ما هو المراد من وسوسة الشيطان لآدم وزوجته ؟

٣ - ماذا يراد من قوله:( فأزلّهما الشيطان ) ؟

٤ - ماذا يراد من قوله:( فعصى آدم ربّه فغوى ) وهل العصيان والغواية يلازمان المعصية المصطلحة ؟

٥ - ما معنى اعتراف آدم بظلمه لنفسه في قوله:( ربّنا ظلمنا أنفسنا ) ؟

____________________

١ - طه: ١١٥ - ١٢٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

- ٥ -

عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي ومشاجرته أخاه

إنّ الكليم موسى بن عمران أحد الأنبياء العظام، وصفه سبحانه بأتم الأوصاف وأكملها، قال عزّ من قائل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ) (١) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) .

ووصف كتابه بقوله:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٣) .

ومع ذلك كلّه: فقد استدلّ المخالف بعدم عصمته بأمرين:

أحدهما: قتله القبطي وتوصيفه بأنّه من عمل الشيطان.

ثانيهما: مشاجرته أخاه مع عدم كونه مقصّ-راً، وإليك البحث عن كل واحد منهما.

____________________

١ - مريم: ٥١ - ٥٣.

٢ - الأنبياء: ٤٨.

٣ - الأحقاف: ١٢.

١٦١

ألف: عصمة موسىعليه‌السلام وقتل القبطي

قال عزّ من قائل:( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُليْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّه فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِر لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (١) .

ويذكر القرآن تلك القصّة في سورة الشعراء بصورة موجزة ويقول سبحانه:( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُركَ سِنينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) (٢) .

وتدلّ الآيات على أنّ موسىعليه‌السلام ورد المدينة عندما كان أهلها غافلين عنه، إمّا لأنّه ورد نصف النهار والناس قائلون، أو ورد في أوائل الليل، وإمّا لغير ذلك، فوجد فيها رجلين كان أحدهما إسرائيلياً والآخر قبطياً يقتتلان، فاستنصره الذي من شيعته على الآخر، فنصره، فضربه بجمع كفه في صدره فقتله، وبعدما فرغ من أمره ندم ووصف عمله بما يلي:

١ -( هذا من عمل الشيطان ) .

٢ -( ربّ إنّي ظلمت نفسي ) .

٣ -( فاغفر لي فغفر له ) .

٤ -( فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين ) .

____________________

١ - القصص: ١٤ - ١٧.

٢ - الشعراء: ١٨ - ٢٠.

١٦٢

وهذه الجمل الأربع تعرب عن كون القتل أمراً غير مشروع؛ ولأجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان، وأُخرى بأنّه كان ظالماً لنفسه، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين ثالثاً، وطلب المغفرة رابعاً.

أقول: قبل توضيح هذه النقاط الأربع نلفت نظر القارئ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الأعمال الإجرامية، ويكفي في ذلك قوله سبحانه:( إِنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الأرضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ ) (١) ، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الأعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده وأنصاره، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً، فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه:( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢) ولمّا قال فرعون لموسى:( ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ) (٣) واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ أن ولد إلى أن كبر أجابه موسى بأنّه هل تمن عليّ بهذا وقد عبدت بني إسرائيل ؟

وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة الأثيمة التي ذبحت مئات بل آلاف الأطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم، لا يعد في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول كان بصدد قتل الإسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله:( يقتتلان ) ، ولو قتله القبطي لم يكن لفعله أيّ ردّ فعل؛ لأنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين، فكان قتله في نظره من قبيل قتل الإنسان الشريف أحد عبيده لأجل تخلّفه عن أمره.

إذا وقفت على ذلك، فلنرجع إلى توضيح الجمل التي توهم المستدل بها

____________________

١ - القصص: ٤.

٢ - الشعراء: ٢٢.

٣ - الشعراء: ١٨.

١٦٣

دلالتها على عدم العصمة فنقول:

١ - إن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) يحتمل وجهين:

الأوّل: أن يكون لفظ ( هذا ) إشارة إلى المناقشة التي دارت بين القبطي والإسرائيلي وانتهت إلى قتل الأوّل، وعلى هذا الوجه ليست فيه أيّة دلالة على شيء ممّا يتوخّاه المستدل وقد رواه ابن الجهم عن الإمام الرضاعليه‌السلام عندما سأله المأمون عن قوله:( هذا من عمل الشيطان ) فقال: الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى من قتله(١) .

الثاني: إنّ لفظ ( هذا ) إشارة إلى قتله القبطي، وإنّما وصفه بأنّه من عمل الشيطان، لوجهين:

ألف: إنّ العمل كان عملاً خطأً محضاً ساقه إلى عاقبة وخيمة، فاضطر إلى ترك الدار والوطن بعد ما انتشر سرّه ووقف بلاط فرعون على أنّ موسى قتل أحد أنصار الفراعنة، وأتمروا عليه ليقتلوه، ولولا أنّ مؤمن آل فرعون أوقفه على حقيقة الحال، لأخذته الجلاوزة وقضوا على حياته، كما قال سبحانه:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (٢) ، فلم تكن لهذا العمل أيّة فائدة فردية أو اجتماعية سوى إلجائه إلى ترك الديار وإلقاء الرحل في دار الغربة ( مدين )، والاشتغال برعي الغنم أجيراً لشعيبعليه‌السلام .

فكما أنّ المعاصي تنسب إلى الشيطان، قال سبحانه:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) ،

____________________

١ - البرهان: ٣/٢٢٤؛ عيون أخبار الرضا: ١/١٩٩.

٢ - القصص: ٢٠.

٣ - المائدة: ٩٠.

١٦٤

فكذلك الأعمال الخاطئة الناجمة من سوء التدبير وضلال السعي، السائقة للإنسان إلى العواقب المرّة، تنسب إليه أيضاً.

فالمعاصي والأعمال الخاطئة كلاهما تصح نسبتهما إلى الشيطان بملاك أنّه عدو مضل للإنسان، والعدو لا يرضى بصلاحه وفلاحه بل يدفعه إلى ما فيه ضرره في الآجل والعاجل، ولأجل ذلك قال بعدما قضى عليه:( هذا من عمل الشيطان أنّه عدو مضل مبين ) .

ب - إنّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه:( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ ) (١) .

٢ - وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله:( ربِّ إنّي ظلمت نفسي ) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى، بل هو كما صرّح به أئمّة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه، وخاطئاً من جهتين: من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة، حيث اضطر إلى ترك الأهل والدار والديار، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب، ولأجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محلّه، فصحّ أن يوصف العمل بالظلم، والعامل بالظالم، والذي يعرب عن ذلك أنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدّياً على حقوقه، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم للمولى وتعدّ

____________________

١ - القصص: ٤٠.

١٦٥

عليه، قال سبحانه:( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (١) .

٣ - وأمّا الجملة الثالثة، أعني قوله:( فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم ) ، فليس طلب المغفرة دليلاً على صدور المعصية؛ لأنّه بمعنى الستر، والمراد منه إلغاء تبعة فعله وإنجاؤه من الغم وتخليصه من شر فرعون وملئه، وقد عبّر عنه سبحانه:( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) (٢) ، وقد نجّاه سبحانه بإخبار رجل من آل فرعون عن المؤامرة عليه، فخرج من مصر خائفاً يترقّب إلى أن وصل أرض مدين، فنزل دار شعيب، وقصّ عليه القصص، وقال له شعيب:( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِمِين ) (٣) .

وبذلك غفر وستر عمله ونجّاه سبحانه من أعين الفراعنة، ومكّن له الورود إلى ماء مدين والنزول في دار أحد أنبيائهعليهم‌السلام .

أضف إلى ذلك: أنّ قتل القبطي وإن لم يكن معصية ولكن كان المترقّب من موسى تركه وعدم اقترافه، فصدور مثله من موسى يناسب طلب المغفرة، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، إذ ربّ عمل مباح لا يؤاخذ به الإنسان العادي ولكنّه يؤاخذ به الإنسان العارف، فضلاً عن شخصية إلهيّة سوف تبعث لمناضلة طاغية العصر، فكان المناسب لساحتها هو الصبر والاستقامة في حوادث الحياة، حلوها ومرّها، والفصل بين المتخاصمين بكلام ليّ-ن، وقد أمر به عندما بعث إلى فرعون فأمره سبحانه أن يقول له قولاً ليّناً(٤) ، وقد أوضحنا مفاد هذه الكلمة عند

____________________

١ - لقمان: ١٣.

٢ - طه: ٤٠.

٣ - القصص: ٢٥.

٤ - طه: ٤٤.

١٦٦

البحث عن آدم وحواء إذ:( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرينَ ) (١) .

٤ - وأمّا قوله سبحانه:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، فالمراد من الضلال هو الغفلة عمّا يترتّب على العمل من العاقبة الوخيمة، ونسيانها، وليس ذلك أمراً غريباً، فقد استعمل في هذين المعنيين في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى ) (٢) ، فالمراد نسيان أحد الشاهدين وغفلته عمّا شهد به، وقال سبحانه:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٣) أي إذا غبنا فيها.

قال في لسان العرب: الضلال: النسيان وفي التنزيل:( مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخرى ) أي يغيب عن حفظها، ومنه قوله تعالى:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) وضللت الشيء: أنسيته وأصل الضلال: الغيبوبة يقال ضلّ الماء في اللبن إذا غاب، ومنه قوله تعالى:( ءَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض ءَإِنَّا لفي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٤) .

وعلى الجملة: إنّ كليم الله يعترف بتلك الجملة عندما اعترض عليه فرعون بقوله:( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ويعتذر عنها بقوله:( فعلتها إذاً وأنا من الضالين ) ، والمناسب لمقام الاعتذار هو تفسير الضلال بالغفلة عمّا يترتّب على العمل من النتائج ونسيانها.

____________________

١ - الأعراف: ٢٣.

٢ - البقرة: ٢٨٢.

٣ - السجدة: ١٠.

٤ - لسان العرب: ١١/٣٩٢- ٣٩٣، مادة ( ضل ).

١٦٧

وحاصله: أنّه قد استولت علىّ الغفلة حين الاقتراف، وغاب عنّي ما يترتّب عليه من ردّ فعل ومر العاقبة، ففعلت ما فعلت.

ومن اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية، كيف وإنّ الله سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله:( آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، كما أنّ نفس موسى بعد ما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه قال:( رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، أفيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا و لا.

هذا كلّه حول المستمسك الأوّل، أعني: قتل القبطي، فهلمّ معي ندرس المستمسك الثاني للخصم من اتهام كليم الله الأعظم - عليه وعلى جميع رسل الله آلاف الثناء والتحيّة - بعدم العصمة.

ب - مشاجرته أخاه هارونعليه‌السلام

إنّ الله سبحانه واعد موسى - بعد أن أغرق فرعون - بأن يأتي جانب الطور الأيمن فيوفيه التوراة التي فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاج إليه، وكانت المواعدة على أن يوافي الميعاد مع جماعة من وجوه قومه، فتعجّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربّه وسبقهم على أن يلحقوا به، ولمّا خاطبه سبحانه بقوله:( وما أعجلك عن قومك يا موسى ) أجابه بأنّهم( على أثري ) وورائي يدركونني عن قريب، وعند ذلك أخبره سبحانه بأنّه امتحن قومه بعد فراقه( وأضلّهم السامري ) ، فرجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل حزيناً مغضباً، فرأى أنّ السامري

____________________

١ - القصص: ١٤.

٢ - القصص: ١٧.

١٦٨

( أخرج لهم عجلاً ) جسداً له صوت، وقال: إنّه إله بني إسرائيل عامة، وتبعه السفلة والعوام، واستقبل موسى هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون ويناقشه، وهذا ما يحكيه سبحانه في سورتين ويقول:( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .

ويقول سبحانه:( فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ فَأَخَلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٢) .

فهاهنا يطرح سؤالان:

١- لماذا ألقى الألواح ؟

٢- لماذا ناقش أخاه وقد قام بوظيفته ؟

وإليك تحليل السؤالين بعد بيان مقدّمة وهي:

إنّ موسى قد خلف هارون عندما ذهب إلى الميقات، وقد حكاه سبحانه بقوله:( وَقَالَ مُوسَى لأخيه هَارُونَ اخُلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) وقام هارون بوظيفته في قومه، فعندما أضلّهم السامري ناظرهم بقوله:( يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (٤) واكتفى في ذلك بالبيان واللوم ولم يقم في وجههم بالضرب والتأديب وقد بيّنه

____________________

١ - الأعراف: ١٥٠.

٢ - طه: ٨٦، ٩٢ - ٩٤.

٣ - الأعراف: ١٤٢.

٤ - طه: ٩٠.

١٦٩

لأخيه بقوله:( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .

هذا ما يخصّ هارون، وأمّا ما يرجع إلى موسى، فقد أخبره سبحانه عن إضلال السامري قومه بقوله:( فَإنَّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ) (١) ، ورجع إلى قومه غضبان أسفاً وخاطبهم بقوله:( بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكمْ ) وقال أيضاً :( أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ ) وفي هذا الظرف العصيب أظهر كليم الله غضبه بإنجاز عملين:

١- إلقاء الألواح جانباً.

٢- مناقشته أخاه بقوله:( مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) ، فعند ذلك يطرح السؤالان نفسهما :

لماذا ألقى الألواح أوّلاً ؟ ولماذا ناقش أخاه وناظره وقد قام بوظيفته ثانياً ؟ فنقول:

لا شك أنّ ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من أقبح الأعمال وأفظعها كيف ؟! وقد أهلك الله عدوهم وأورثهم أرضهم، فكان المترقّب منهم هو الثبات على طريق التوحيد ومكافحة ألوان الشرك - ومع الأسف - فإنّهم كفروا بعظيم النعمة، وتركوا عبادته سبحانه، وانخرطوا في سلك الثنوية مع الجهل بقبح عملهم وفظاعة فعلهم.

إنّ أُمّة الكليم، وإن كانت غافلة عن مدى قبح عملهم، لكنّ سيّدهم ورسولهم كان واقفاً على خطورة الموقف وتعدّي الأُمّة، فاستشعر بأنّه لو لم يكافحهم بالعنف والشدّة ولم يقم في وجههم بالاستنكار مع إبراز التأسّف

____________________

١ - طه: ٨٥.

١٧٠

والغضب، فربّما تمادى القوم في غيّهم وضلالهم وحسبوا أنّهم لم يقترفوا إلاّ ذنباً خفيفاً أو مخالفة صغيرة ولم يعلموا أنّهم حتى ولو رجعوا إلى الطريق المهيع، واتّبعوا جادة التوحيد ربّما بقيت رواسب الشرك في أغوار أذهانهم، فلأجل إيقافهم على فظاعة العمل، قام في مجال الإصلاح مثل المدير الذي يواجه الفساد فجأة في مديريته ولا يعلم من أين تسرّب إليها.

فأوّل ما يبادر إليه هو مواجهة القائم مقامه الذي خلفه في مكانه، وأدلى إليه مفاتيح الأُمور، فإذا ثبتت براءته ونزاهته وأنّه قام بوظيفته خير قيام حسب تشخيصه ومدى طاقته، تركه حتى يقف على جذور الأمر والأسباب الواقعية التي أدّت إلى الفساد والانهيار.

وهكذا قام الكليم بمعالجة القضية، وعالج الواقعة المدهشة التي لو بقيت على حالها، لانتهت إلى تسرّب الشرك إلى عامّة بني إسرائيل وذهب جهده طوال السنين سدى، فأوّل رد فعل أبداه، أنّه واجه أخاه القائم مقامه في غيبته، بالشدّة والعنف حتى يقف الباقون على خطورة الموقف، فأخذ بلحيته ورأسه مهيمناً عليه متسائلاً بأنّه لماذا تسرّب الشرك إلى قومه مع كونه فيهم ؟! ولمّا تبيّنت براءته وأنّه أدّى وظيفته كما يحكيه عنه سبحانه بقوله:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بيَ الأعداءَ وَلا تجعلني مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) اندفع إليه بعطف وحنان ودعا له فقال:( رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١) إنّ طلب المغفرة لنفسه وأخيه لا يدل على صدور أيّ خلاف منهما، فإنّ الأنبياء والأولياء لاستشعارهم بخطورة الموقف وعظمة المسؤولية، ما زالوا يطلبون غفران الله ورحمته لعلوّ درجاتهم، كما هو واضح لمَن تتبّع أحوالهم، وسيوافيك بيانه عند البحث عن عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ - الأعراف: ١٥١.

١٧١

وبعدما تبيّن أنّ السبب الواقعي لتسرّب الشرك إلى قومه هو السامري وتبعه السفلة والعوام، أخذ بتنبيههم بقوارع الخطاب وعواصف الكلام بما هو مذكور في سورتي الأعراف وطه، نكتفي ببعضها حيث خاطب عَبَدَة العجل بقوله:

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (١) .

ولمّا واجه السامري خاطبه بقوله:( فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرىُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الْرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فِإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفَاً * إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلْماً ) (٢) .

وبما ذكرنا يعلم أنّه لماذا ألقى الألواح وتركها جانباً ؟ فلم يكن ذاك العمل إلاّ كردّ فعلٍ على عملهم القبيح وفعلهم الفظيع إلى حد استولى الغضب على موسى فألقى الألواح، التي ظل أربعين يوماً في الميقات لتلقّيها، حتى يحاسب القوم حسابهم ويقفوا على أنّهم أتوا بأعظم الجرائم وأكبر المعاصي.

____________________

١ - الأعراف: ١٥٢.

٢ - طه: ٩٥ - ٩٨.

١٧٢

- ٦ -

عصمة داودعليه‌السلام وقضاؤه في النعجة

قد وصف سبحانه داود النبيعليه‌السلام بأسمى ما توصف به الشخصية المثالية، قال سبحانه:( واذكر عَبدنا داود ذا الأيدِ إنّه أوّاب ) .

وقد ذكر ملكه وسلطنته على الجبال والطيور على وجه يمثّل أقوى طاقة نالها البشر طيلة استخلافه على الأرض.

قال سبحانه:( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيّ وَ الإشراقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (١) .

فقد أخبر في الآية الأخيرة بأنّه أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، الذي يعد القضاء الصحيح بين المتخاصمين من فروعه وجزئياته.

ثمّ إنّه سبحانه ينقل بعده قضاءه في ( نبأ الخصم ) ويقول:

( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوْا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ

____________________

١ - ص: ١٨ - ٢٠.

١٧٣

نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَليلٌ مَا هُمْ وَظَّنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيَفَةً فِي الأرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيِلِ اللهِ ) (١) .

لقد تمسكت المخطّئة لعصمة الاَنبياء بقوله تعالى:( فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرَنَا لَهُ ذَلِكَ ) حيث إنّ الاستغفار وغفرانه سبحانه له، آية صدور الذنب.

والإجابة عن هذا الاستدلال تحتاج إلى بيان مفردات الآية وإيضاح القصة فنقول:

إنّ تفسير الآية يتم ببيان عدّة أُمور:

١- توضيح مفرداتها.

٢- إيضاح القصة.

٣- هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

٤- لماذا استغفر داود، وهل كان استغفاره للذنب أو لأجل ترك الأولى ؟

وإليك بيان هذه الأمور:

١- توضيح المفردات

( الخصم ): مصدر ( الخصومة )، أُريد به الشخصان.

____________________

١ - ص: ٢١ - ٢٦.

١٧٤

( التسوّر ): الارتقاء إلى أعلى السور، وهو ما كان حائطاً، ( كالتسنّم ) بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير، و ( التذرّي ) بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبال، والمراد من المحراب في الآية الغرفة.

( الفزع ): انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع.

( الشطط ): الجور.

( النعجة ): الأُنثى من الضأن.

والمراد من قوله: ( اكفلنيها ): اجعلها في كفالتى وتحت سلطتى، ومن قوله ( عزّني في الخطاب): أنّه غلبنى فيه.

هذا كله راجع إلى توضيح مفردات الآية.

٢- إيضاح القصّة

كان داودعليه‌السلام جالساً في غرفته إذ دخل عليه شخصان بغير إذنه، وكانا أخوين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة ويملك الآخر نعجة واحدة، وطلب الأوّل من أخيه أن يعطيه النعجة التي تحت يده، مدّعياً كونه محقّاً فيما يقترحه على أخيه، وقد ألقى صاحب النعجة الواحدة كلامه على وجهٍ هيّج رحمة النبي داود وعطفه.

فقضىعليه‌السلام طبقاً لكلام المدّعي من دون الاستماع إلى كلام المدّعى عليه، وقال:( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) .

ولما تنبّه أنّ ما صدر منه كان غير لائق بساحته، وأنّ رفع الشكوى إليه كان فتنة وامتحاناً منه سبحانه بالنسبة إليه( فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) .

١٧٥

٣ - هل الخصمان كانا من جنس البشر ؟

إنّ القرائن الحافّة بالآية تشعر بأنّ الخصمين لم يكونا من جنس البشر، وهذه القرائن عبارة عن:

١ - تسوّرهم المحراب ودخولهم عليه دخولاً غير عادي، مع أنّ طبع الحال يقتضي أن يكون محرابه محفوفاً بالحرس، ولا أقل بمَن يطلعه على الأمر، فلو كان الدخول بإذنهم كان داودعليه‌السلام مطّلعاً عليه ولم يكن هناك أيّ فزع.

٢- خطاب الخصمين لداودعليه‌السلام بقولهم:( لا تخف ) مع أنّ هذا الخطاب لا يصح أن تخاطب به الرعية الراعي، وطبيعة الحال تقتضي أن يخاطب به الراعي الرعيّة.

٣ - إنّ خطابهما لداود بما جاء في الآية، أشبه بخطاب ضيف إبراهيم لهعليه‌السلام ، يقول سبحانه:( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (١) ، ويقول سبحانه:( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) (٢) .

٤ - تنبّههعليه‌السلام بأنّه كان فتنة من الله له وامتحاناً منه، وهي تشعر بأنّ الواقعة لم تكن عادية، وهذا يناسب كون الدعوى مطروحة من جانبه سبحانه عن طريق الملائكة.

٥ - إنّ الهدف من طرح تلك الواقعة كان لغاية تسديده في خلافته وحكمه بين الناس؛ حتى يمارس القضاء بالنحو اللائق بساحته، ولا يغفل عن التثبت

____________________

١ - الحجر: ٥١ - ٥٣.

٢ - الذاريات: ٢٨.

١٧٦

ولأجل ذلك خاطبه سبحانه بعد قضائه في ذلك المورد بقوله:( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرضِ فاحكم بين الناس بالحق ) كل ذلك يؤيّد كون الخصمين من الملائكة تمثّلوا له بصورة رجلين من الإنس.

نعم كانت القصّة وطرح الشكوى عنده أمراً حقيقياً كقصّة ضيف إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) لا بصورة الرؤيا وما أشبهها.

٤ - كون الاستغفار لأجل ترك الأولى

استدلت المخطّئة باستغفاره وإنابته إلى الله، على صدور ذنب منه ولكنّه لا يدل على ذلك:

أمّا أوّلاً : إنّ قضاءه لم يكن قضاء باتّاً خاتماً للشكوى، بل كان قضاءً على فرض السؤال، وإنّ مَن يملك تسعاً وتسعين نعجة ولا يقتنع بها ويريد ضمّ نعجة أخيه إليها، ظالم لأخيه، وكان المجال بعد ذلك بالنسبة إلى المعترض مفتوحاً وإن كان الأولى والأليق بساحته هو أنّه إذا سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يتسرّع في القضاء ولو بالنحو التقديري.

وإنّما بادر إليه لأنّهعليه‌السلام فوجئ بالقضية ودخل عليه المتخاصمان بصورة غير عادية فلم يظهر منه التثبّت اللائق به.

ولمّا تنبّه إلى ذلك وعرف أنّ ما وقع، كان فتنة وامتحاناً من الله بالنسبة إليه( استغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب ) تداركاً لما صدر منه ممّا كان الأولى تركه أوّلاً، وشكراً وتعظيماً لنعمة التنبّه الذي نال به فوراً بعد الزلّة ثانياً.

وثانياً : إنّ من الممكن أن يكون قضاؤه قبل سماع كلام المدّعى عليه؛ لأجل انكشاف الواقع له بطريق من الطرق وأنّ الحق مع المدّعي، فقضى بلا استماع

١٧٧

لكلام المدّعى عليه، نعم الأولى له حتى في هذه الصورة ترك التسرّع في إصدار الحكم، والقضاء بعد الاستماع، ولمّا ترك ما هو الأولى بحاله استغفر لذلك، وقد تكرّر منّا، أنّ ترك الأولى من الأنبياء ذنب نسبي وإن لم يكن ذنباً على وجه الإطلاق.

وثالثاً: لمّا كانت الشكوى مرفوعة إليه من قبل الملائكة، ولم يكن ذلك الظرف ظرف التكليف، كانت خطيئة داود في ظرف لا تكليف هناك، كما أنّ خطيئة آدمعليه‌السلام كانت في الجنّة ولم تكن الجنّة دار تكليف، ومع ذلك كلّه لمّا كان التسرّع في القضاء بهذا الوجه أمراً مرغوباً عنه استغفر داود وأناب إلى الله استشعاراً بخطر المسؤولية بحيث يعد ترك الأولى منه ذنباً يحتاج إلى الاستغفار.

نعم قد وردت في التفاسير أحاديث في تفسير الآية - لا يشك ذو مسكة من العقل - أنّها إسرائيليات تسرّبت إلى الأُمّة الإسلامية عن طريق أحبار اليهود ورهبان المسيحية، فالأولى الضرب عنها صفحاً، وسياق الآيات يكشف عن أنّ زلّته لم تكن إلاّ في أمر القضاء فقط لا ما تدّعيه جهلة الأحبار من ابتلائه بما يخجل القلم عن ذكره؛ ولأجله يقول الإمام عليعليه‌السلام في حق مَن وضع هذه الترّهات أو نسبها إلى النبي داودعليه‌السلام : ( لا أُوتى برجل يزعم أنّ داود تزوج امرأة ( أُوريا ) إلاّ جلدته حدّين: حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام )(١) .

____________________

١ - مجمع البيان: ٤/٤٧٢ ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

١٧٨

- ٧ -

عصمة سليمانعليه‌السلام

ومسألة عرض الصافنات الجياد وطلب الملك

إنّ سليمان النبيعليه‌السلام أحد الأنبياء وقد ملك من القدرة أروعها ومن السيطرة والسطوة أطولها، وآتاه الله الحكم والحلم والعلم، قال سبحانه:( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ) (١) ، وقال عز من قائل:( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمَاً وَعِلْمَاً ) (٢) ، وعلّمه منطق الطير قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ) (٣) ، ووصف الله قدرته بقوله:( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإنسِ وَالطَّيْرِ ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في توصيف قدرته وسعة علمه وعلوّ درجاته.

روى أصحاب السِيَر: كان سليمان صلّى الصلاة الأُولى، وقعد على كرسيّه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس فقال:( آثرت حبَّ الخيل على ذكر ربّي، وأنّ هذه الخيل شغلتني عن صلاة العصر ) فأمر بردّ الخيل فأخذ يضرب سوقها وأعناقها؛ لأنّها كانت سبب فوت صلاته(٥) .

____________________

١ - النمل: ١٥.

٢ - الأنبياء: ٧٩.

٣ - النمل: ١٦.

٤ - النمل: ١٧.

٥ - تفسير الطبري: ٢٣/٩٩ - ١٠٠؛ الدر المنثور: ٥/٣٠٩.

١٧٩

وفي بعض التفاسير أنّ المراد من ( ردّوها ) هو طلب ردّ الشمس عليه، فردّت فصلّى العصر(١) .

ويدّعي بعض هؤلاء أنّ ما ساقوه من القصّة تدل عليه الآيات التالية، أعني قوله سبحانه:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحَاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) (٢) .

فهل لما ذكروه مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، أو أنّ الآيات تهدف إلى أمرٍ آخر خفيٍّ على هؤلاء، وأنّهم أخذوا ما ذكروه من علماء أهل الكتاب، كما سيوافيك بيانه ؟

ونقد هذه القصّة المزعومة يتوقّف على توضيح مفاد الآيات حتى يقف القارئ على أنّ-ها من قبيل التفسير بالرأي، الممنوع، ومن تلفيقات علماء أهل الكتاب التي حمّلت على القرآن وهو بريء منها.

أقول:

١ -( الصافنات ) : جمع ( الصافنة )، وهي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم، الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض حتى يكون على طرف الحافر.

٢ -( الجياد ) : جمع ( الجواد ) ،وهي السراع من الخيل، كأنّها تجود بالركض.

٣ -( الخير ) : ضد ( الشر )، وقد يُطلق على المال كما في قوله سبحانه:( إنْ تَرَكَ خَيراً ) (٣) ، والمراد منه هنا هي ( الخيل )، والعرب تسمّي الخيل خيراً، وسمّى

____________________

١ - مجمع البيان ناسباً إلى ( القيل ) : ٤/٤٧٥.

٢ - ص: ٣٠ - ٣٣.

٣ - البقرة: ١٨٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321