عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم17%

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 321

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 321 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127665 / تحميل: 8584
الحجم الحجم الحجم
عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

عصمة الأنبياء في القرآن الكريم

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

النبيُّ زيد الخيل ب- ( زيد الخير ) وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة ) وكيف لا يكون خيراً، وهو لم يزل يعد وسيلة الحياة في عامة الحضارات.

٤ -( الحب ) : ضد البغض، قال في اللسان: أحببته وحببته بمعنى واحد.

٥ -( حب الخير ) : بدل عن المفعول المحذوف، وتقديره إنّي أحببت الخيل حبَّ الخير، ويريد أنّ حبّي للخيل نفس الحب للخير؛ لأنّ الخيل كما عرفت وسيلة نجاح الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية، خصوصاً عند الجهاد مع العدو والهجوم عليه، ويحتمل أن يكون ( حب الخير) مفعولاً لا بدلاً عن المفعول.

٦ -( عن ذكر ربّي ) : بيان لمنشأ حبّه للخير وسببه، وأنّ حبه له ناشٍ عن ذكر ربّه.

وتقدير الجملة: أحببت الخير حبّاً ناشئاً عن ذكر الله سبحانه وأمره، حيث أمر عباده المخلصين بالإعداد للجهاد ومكافحة الشرك وقلع الفساد بالسيف والخيل؛ ولأجل ذلك قمت بعرض الخيل، كل ذلك امتثالاً لأمره سبحانه لا إجابة لدعوة الغرائز التي لا يخلو منها إنسان كما أشار إليه سبحانه بقوله:( زُيّنَ للِنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنعامِ والْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ ) (١) .

____________________

١ - آل عمران: ١٤.

١٨١

ويجد نظير تلك الدعوة في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (١)

٧ - فاعل الفعل في قوله:( حتى توارت بالحجاب ) أي الصافنات الجياد، والمقصود: إنّ الخيل أخذت بالركض حتى غابت عن بصره.

٨ - إنّ الضمير في قوله:( ردّوها ) يرجع إلى الخيل التي تدل عليها الصافنات الجياد، والمقصود أنّه أمر بردّها عليه بعدما غابت عن بصره.

٩ - وعند ذلك يطرح السؤال، وهو: أنّه لماذا أمر بالرد، وما كان الهدف منه ؟ فبيّنه بقوله:( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) أي شرع بمسح أعراف خيله وعراقيبها بيده تقديراً لركّابها ومربّيها الذين قاموا بواجبهم بإعداد وسائل الجهاد.

إلى هنا اتضح مفاد مفردات الآية وجملها، وعلى هذا تكون الآيات هادفة إلى تصوير عرض عسكري قام به أحد الأنبياء ذوي السلطة والقدرة في أيّام ملكه وقدرته.

وحاصله: إنّ سليمان النبي ( الذي أشار القرآن إلى ملكه وقدرته وسطوته وسيطرته على جنوده من الإنس والجن، وتعرّفه على منطق الطير، إلى غير ذلك من صنوف قدرته وعظمته التي خصّها به بين الأنبياء ) قام في عشيّة يوم بعرض عسكري، وقد ركب جنوده من الخيل السراع، فأخذت تركض من بين يديه إلى أنْ غابت عن بصره، فأمر أصحابه بردّها عليه، حتّى إذا ما وصلت إليه قام تقديراً لجهودهم بمسح أعناق الخيل وعراقيبها.

____________________

١ - الأنفال: ٦٠.

١٨٢

ولم يكن قيامه بهذا العمل صادراً عنه لجهة إظهار القدرة والسطوة أو للبطر والشهوة، بل إطاعة لأمره سبحانه وذكره حتى يقف الموحّدون على وظائفهم، ويستعدّوا للكفاح والنضال ما تمكّنوا، ويهيّئوا الأدوات اللازمة في هذا المجال(١) .

وهذا هو الذي تهدف إليه الآيات وينطبق عليها انطباقاً واضحاً، فهلّم معي ندرس المعنى الذي فُرض على الآيات، وهي بعيدة عن تحمّله وبريئة منه.

نقد التفسير المفروض على القرآن

إنّ في نفس الآيات قرائن وشواهد تدل على بطلان القصة التي اتخذت تفسيراً للآيات، وإليك بيانها:

١ - إنّ الذكر الحكيم يذكر القصة بالثناء على سليمان ويقول:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدِ إِنَّهُ أوَّابٌ ) فأُسلوب البلاغة يقتضي أن لا يذكر بعده ما يناقضه ويضادّه، فأين وصفه بحسن العبودية والرجوع إلى الله في أُمور دينه ودنياه، من انشغاله بعرض الخيل وغفلته عن الصلاة المفروضة عليه ؟!

ولو فُرضت صحّة الواقعة، فلازم البلاغة ذكرها في محل آخر، لا ذكرها بعد المدح والثناء المذكورين في الآية.

٢ - إنّما يصح حمل قوله:( أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي ) على ما جاء في القصة إذا تضمّن الفعل( أحببت ) معنى الترجيح والاختيار، والتقدير أي أحببت حب الخير مقدّماً إيّاه على ذكر ربّي ومختاراً إيّاه عليه، وهو يحتاج إلى

____________________

١ - وقد اختار هذا التفسير السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء: ٩٥ - ٩٧، والرازي في مفاتيح الغيب: ٧/١٣٦، والمجلسي في البحار: ١٤/١٠٣ - ١٠٤ من الطبعة الحديثة.

١٨٣

الدليل.

٣ - ولو قلنا بالتضمين، فيجب أن يقال مكان( عن ذكر ربّي ) ( على ذكر ربّي أي أحببت حب الخير واخترته على ذكر الله، كما في قوله سبحانه:( فَاسْتَحَبُّوا العَمَى على الهُدَى ) (١) ، وقوله تعالى:( إنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإيمان ) (٢) .

٤ - إنّ ضمير الفعل في قوله تعالى:( توارت ) يرجع إلى الصافنات المذكورة في الآية، وعلى التفسير المفروض يرجع إلى الشمس، وليست مذكورة في الآية، ودلالة لفظ( بالعشي ) عليها ضعيفة جداً.

٥ - الضمير في قوله:( ردّوها ) على المختار - يرجع إلى الصافنات، وعلى التفسير المفروض يرجع إلى الشمس، وهي غير مذكورة.

٦ - إنّ الخطاب في قوله:( ردّوها ) على المختار متوجه إلى رؤساء الجنود وهو واقع موقعه، وعلى التفسير المنقول عن بعضهم(٣) يكون متوجّهاً إلى الملائكة، وهو لا يناسب، إلاّ كونه منه سبحانه لعلوّه واستعلائه، لا من مثل سليمان بالنسبة إليهم.

٧ - لا شك أنّ للصفوة من عباده سبحانه ولاية تكوينية ومقدرة موهوبة على التصرّف في الكون بإذنه سبحانه، لغايات مقدّسة لإثبات نبوّتهم وكونهم مبعوثين من الله سبحانه لهداية عباده، وتدلّ عليها آيات كثيرة قدّمنا بعضها في ما سبق من هذه الموسوعة(٤) ولم يكن المقام هنا مناسباً للتحدّي حتى يتوصّل إلى

____________________

١ - فصلت: ١٧.

٢ - التوبة: ٢٣.

٣ - نسبه الطبرسي إلى ( القيل ) كما مرَّ.

٤ - لاحظ الجزء الأوّل: ٤٤٤ - ٤٤٦.

١٨٤

الإعجاز والتصرّف في الكون بالأمر برد الشمس، فإنّ الصلاة الفائتة لو كانت مفروضة فجبرانها بقضائها، ولو كانت مسنونة فلا إشكال في فوتها، فلم يكن هناك لزوم للتصرّف في الكون وأمر ملائكة الله بردّها حتى يأتي بالصلاة المسنونة.

٨ - لو كان المراد من( ردّوها ) طلب ردّ الشمس من ملائكته سبحانه، فاللازم أن يذكر الغاية من ردّها بأن يقول: حتى أتوضّأ وأُصلي، وليس لهذا ذكر في الآية، بل المذكور قوله:( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) ، وهذا يعرب عن أنّ الغاية المترتّبة على الرد هي مسح السوق والأعناق، لا التوضّؤ والصلاة.

٩ - إنّ تفسير المسح بالقطع، تفسير بلا دليل، إذ المتبادر من المسح هو إمرار اليد عليها لا قطعها واجتثاثها، ولو كان هذا هو المراد ممّا ورد في القصة فالأنسب أن يقول: فطفق ضرباً بالسوق، لا مسحاً.

١٠ - إنّ التفسير المذكور ينتهي إلى كذّاب الأحبار، وهو كعب الذي لم يزل يدسّ في القصص والأخبار بنزعاته اليهودية، ومَن أراد أن يقف على دوره في الوضع والكذب وغير ذلك في هذا المجال فعليه أن يرجع إلى أبحاثنا في الملل والنحل.

١١ - إنّ بعض المفسّرين قاموا بتفسير قوله:( فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) بمسحها بالماء كناية عن الوضوء وهو في ضعفه كما ترى، إذ لو كان المراد ما ذكره ذلك البعض، فلماذا بدل الغسل بالمسح، والساقين بالسوق والعنق بالأعناق، مع أنّه لم يكن لسليمان إلاّ ساقان وعنق واحد ؟

١٢ - إنّ قتل الخيل التي عبّر عنها نفس سليمان( بالخير ) بحجّة أنّ الاشتغال بعرضها صار سبباً لفوت الصلاة أشبه بعمل إنسان لا يملك من العقل شيئاً، وحاشا سليمان الذي آتاه الله الحكم والعلم وسلّطه على الأرض من الإنس

١٨٥

والجن والسماء، من هذا العمل الذي لا يقترفه السفلة من الناس إلاّ المجانين منهم، ولا العاديّون من السوقة، فضلاً عن أنبياء الله وأوليائه المنزّهين.

وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى ما ذكره ( سيّد قطب ) في تفسير هذه الآيات في تفسيره، قال:

أمّا قصة الخيل: إنّ سليمانعليه‌السلام استعرض خيلاً له بالعشيّ، ففاتته صلاة كان يصلّيها قبل الغروب، فقال: ردّوها علىّ، فردّوها عليه، فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربّه.

وفي رواية: روي أنّه جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها؛ لأنّها كانت خيلاً في سبيل الله.

ثم قال: وكلتا الروايتين لا دليل عليها، ويصعب الجزم بشيءٍ منها(١) .

والعجب من السيد أنّه أعطى الروايتين مكانة واحدة مع أنّ الأُولى تضاد حكم العقل، وسيرة الأنبياء والعلماء؛ لذلك يسهل الجزم ببطلانها، وأمّا الثانية فهي تنطبق على ظاهر الآيات كمال الانطباق، وهو المروي عن حَبْر الأُمّة ابن عباس.

وقد نقل الرواية الأُولى عن أُناس كانوا لا يتحرّزون من الأخذ عن الأحبار المستسلمين، فنقلها الطبري في تفسيره، عن السدّي وقتادة، حتى أنّ الطبري مع نقله أُولى الروايتين اختار قول ابن عباس واستوجهه، وقال: إنّ نبي الله لم يكن ليعذّب حيواناً بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب، سوى أنّه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها(٢) .

____________________

١ - في ظلال القرآن الكريم: ٢٣/١٠٠.

٢ - تفسير الطبري: ٣/١٠٠.

١٨٦

ولا يقصر عنه ما نقله السيوطي في ( الدر المنثور ) من الأساطير حول هذه الخيول، فروي عن إبراهيم التميمي أنّه قال: كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة، فعقرها؛ وفي الوقت نفسه نقل قول ابن عباس في تفسير المسح: ظلّ سليمان يمسح أعراف الخيل وعراقيبها(١) .

هذا حال التفسير المفروض على الآية، وهناك مستمسك آخر في مورد سليمان للمخطّئة نأتي به.

الفتنة التي امتحن بها سليمان

قال سبحانه:( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لاَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) (٢) .

وتوضيح مفاد الآيات يترتّب على البحث عن الأُمور التالية:

١ - ما هي الفتنة التي امتحن بها سليمان ؟

٢ - ما معنى طلب المغفرة مع التمسّك بحبل العصمة ؟

٣ - لماذا يطلب لنفسه الملك ؟

٤ - لماذا يطلب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ؟

أمّا السؤال الأوّل: فليس في الآيات الواردة في المقام ما يكشف عن حقيقتها.

وأمّا الروايات فقد نقل أهل الحديث حول تبيين الفتنة روايات يلوح منها

____________________

١ - الدر المنثور: ٥/٣٠٩.

٢ - ص: ٣٤ - ٣٥.

١٨٧

أنّها إسرائيليات، بثّها أحبار اليهود بين المسلمين، وقد ابتلي بها المسلمون في كثير من المجالات التفسيرية والتاريخية والعقائدية و... فالرجاء من الله سبحانه أن يقيّض جماعة من المثقّفين والمحقّقين ويوفّقهم لتهذيب الكتب الإسلامية منها وتنقيحها عن مرويّاتهم.

ولكن من بين هذه الروايات ما يمكن أن يعتمد عليه، وهو ما قيل: كان لسليمان ولد شاب ذكي كان يحبّه حبّاً شديداً، فأماته الله على بساطه فجأة بلا مرض، اختباراً من الله تعالى لسليمان وابتلاءً لصبره في إماتة ولده، وألقى جسمه على كرسيّه(١) .

ولا شك أنّ الابتلاء بموت الولد الشاب من أعظم الابتلاءات، والصبر في هذا المجال، وتفويض الأمر إلى الله سبحانه آية كمال النفس، فلم يكن الهدف من الابتلاء إلاّ أن يتفتّح الكمال المركوز في ذاته، حتى يخرج من القوّة إلى الفعل، وسنوضح فلسفة الابتلاء عند البحث عن ابتلاء إبراهيم بالكلمات، فانتظر.

والعجب أن سيّد قطب قد اعتمد في تفسير الفتنة على رواية يبدو أنّها من الإسرائيليات التي أخذها أبو هريرة عن كعب الأحبار، قال: ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسير ( الجسد الذي أُلقي على كرسي سليمان ) سوى حديث صحيح، في ذاته، ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة وهذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً، ونصّه: ( قال سليمان: لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل ( إن شاء الله ) ، فطاف سليمان عليهنّ، فلم تحمل إلاّ امرأة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده: لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل

____________________

١ - تنزيه الأنبياء: ٩٩ الطبعة القديمة.

١٨٨

الله فرساناً أجمعون ).

ثم قال السيد: وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق، ولكن هذا مجرد احتمال(١) .

نحن لا نعلّق على هذا الحديث شيئاً وإنّما نترك القضاء فيه إلى القارئ لكي يقضي فيه، وكفى في ضعفه أنّه من مرويات أبي هريرة، وقد وصفها سيّد قطب بأنّها مجرّد احتمال، كما عرفت.

وبذلك يعلم الجواب عن السؤال الثاني، فالظاهر أنّه كان لهعليه‌السلام فيه رجاء أو أُمنية، فأماته وألقاه على كرسيّه، حتى يوقفه على أنّ حق العبودية تفويض الأمر إلى الله والتسليم إليه، ولعلّ هذا المقدار من الرجاء وعقد الأُمنية على الولد يعد نحو انقطاع من الله إلى الولد.

وهو وإن لم يكن معصية، ولكن الأليق بحال الأولياء غيره، ولأجل ذلك لمّا استشعر بوظيفته التي يوجبها مقامه، أناب إلى الله ورجع إليه وطلب المغفرة كما يقول سبحانه:( ثمّ أناب * قال ربّ اغفر لي ) .

وقد تكرّر منّا أنّ طلب المغفرة ليس دليلاً على العصيان وصدور الذنب، بل كل فعل أو ترك صدر من الرجال العارفين بحقيقة الربوبية وعمق العبودية، وكان الأولى والأليق خلافه، استوجب طلب الغفران، وإن لم يكن معصية وخلافاً في منطق الشرع؛ ولأجل ذلك: إنّ أولياء الله لم يزالوا مستغفرين كل يوم وليلة لسعة استشعارهم بعظمة الوظيفة في مقابل عظمة الخالق.

وأمّا السؤال الثالث: أعني طلب الملك من الله سبحانه، فلم يكن الملك

____________________

١ - في ظلال القرآن الكريم: ٢٣/٩٩.

١٨٩

مقصوداً لذاته؛ لأنّ مثل هذا الملك لا ينفك عن الظلم والتعدّي وهضم الحقوق إلى غير ذلك ممّا أُشير إليه في قوله تعالى:( إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَريةً أفْسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُون ) (١) وفي قوله عزّ اسمه:( أمّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فَأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينةٍ غَصْباً ) (٢) .

هكذا كانت طبيعة الملوكية في الأعصار الغابرة والحاضرة، فهي مع الاستبداد والاستعباد وغصب الأموال وقتل النفوس المحترمة متلازمة، كما هو واضح لمَن لاحظ تاريخ السلاطين في الأدوار الماضية والحاضرة.

وإنّم-ا طلب سليمان ما وراء ذلك، فقد طلب من الله سبحانه الملك الذي يقوده إنسان أُوتي العلم والحكم وتشرّف بالنبوّة والوحي، ومَن هذا حاله، لا يكون الملك مطلوباً له بالذات، وإنّما يكون في طريق إحقاق الحق وإبطال الباطل والخدمة للخلق.

ولأجل أنّ المتبادر من الملك - في أذهان العامّة - هو السلطة الجائرة نجد الذكر الحكيم عندما يصف الله ب-( الملك ) يتابعه ب-( القدّوس ) مشيراً إلى أنّ ملكه وسلطته تفارق سائر السلطان، فهو في عين كونه ملكاً للعالم، قدّوس منزّه من كل عيب وشين، ومن كل تعدٍّ وظلمٍ، فهو:( المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيْمِن ) (٣) .

نقل أهل السِيَر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: ( لست بملك ) مع أنّه كان حاكماً

____________________

١ - النمل: ٣٤.

٢ - الكهف: ٧٩.

٣ - الحشر: ٢٣.

١٩٠

إلهيّاً، ورئيس دولة إسلامية أسّسها منذ بدء وروده المدينة، ومراده هو إبعاد نفسه عمّا يتبادر إلى أذهان العامّة من سماع ذلك اللفظ، وأنّه ليس من أُولئك الزمرة، بل حاكم إلهيّ يسعى لصالح الأُمّة حسب القوانين الإلهيّة.

وبالجملة: فرق بين السلطة التي تستخدمها الغرائز المادية، والسلطة التي تراقبها النبوّة، ويكبح جماحها الخوف من الله، والعشق لرضوانه، والذي طلبه سليمان في الآية إنّما هو الثاني، وهو عمل إلهيّ وخدمة للدين وعمل مقرّب، دون الأوّل.

ولأجل أن لا تذهب أذهان الصحابة إلى المعنى المتبادر من لفظ ( الملك ) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوضيح ما طلب سليمان لنفسه من الله سبحانه وقال: ( أرأيتم ما أُعطي سليمان بن داود من ملكه ؟ فإنّ ذلك لم يزده إلاّ تخشّعاً، ما كان يرفع بصره إلى السماء تخشعاً لربّه )(١) .

وقد أوضحنا حقيقة السلطة الإسلامية التي دعا إلى استقرارها الكتاب والسنّة، وملامحها وأهدافها، فلاحظ(٢) .

ومن هنا يعلم جواب السؤال الرابع: وأنّه لماذا قال:( لا ينبغي لأحدٍ من بعدي ) ؟ فإنّه لم يقل ذلك ضنّاً وبخلاً على الغير، وإنّما قال ذلك؛ لأنّه طلب الملك الذي لا يصلح في منطق العقل والشرع أن يمارسه غيره، أو مَن هو نظيره في العلم والإيمان؛ وذلك لأنّه سبحانه يبيّ-ن ملامح هذا الحكم في آيات أُخر ويقول:( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ

____________________

١ - روح البيان: ٨/٣٩.

٢ - لاحظ الجزء الثاني من هذه الموسوعة: الفصل الاَوّل: ١١ - ٧٢.

١٩١

حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) (١) فالآيات بحكم ( الفاء ) في قوله( فسخّرنا له ) تدل على أنّه لم يطلب مطلق الحكم، وهو السلطة التي يصح أن يمارسها المتعارف من الناس، خصوصاً إذا كانوا من الصلحاء، وإنّما طلب من القدرة ما يصل بها إلى تسخير الريح والجن والشياطين ومثل هذه القدرة لا تصح في منطق العقل أن تقع في متناول المتعارف من الناس؛ لاَنّ وجود تلك السلطة في متناول غير المعصوم يؤدّي إلى الطغيان وهدم الحدود وادّعاء الربوبية، إلى غير ذلك من عظيم الفساد، وإنّما تكون مقرونة بالصلاح والفلاح إذا مارسها نبي عارف بعظمة المسؤولية أمام الله أوّلاً، وأمام العقل والوجدان ثانياً، وأمام الخلق ثالثاً.

ولأجل ذلك يقول:( لا ينبغي لأحدٍ من بعدي ) ويريد منه الإنسان المتعارف غير المتمسّك بحبل العصمة، وغير المتحلّي بالنبوّة، فإنّ هذا الملك - لما عرفت - لا ينبغي لأحد، وإنّما ينبغي لسليمان ومَن يكون بمنزلته من الصيانة والعصمة.

وإلى ما ذكرنا يشير المرتضى ويقول: إنّما التمس أن يكون ملكه آية لنبوّته، ليتبيّن بها عن غيره ممّن ليس بنبي وقوله:( لا ينبغي لأحدٍ من بعدي ) أراد به لا ينبغي لأحدٍ غيري ممّن أنا مبعوث إليه، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيّين(٢) .

____________________

١ - ص: ٣٦ - ٤٠.

٢ - تنزيه الأنبياء: ١٠٠.

١٩٢

- ٨ -

عصمة أيّوبعليه‌السلام ومسّ الشيطان له بعذاب

قد وصف سبحانه نبيّه العظيم ( أيّوب ) بأوصاف كبار وقال:( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (١) ، ومع ذلك كلّه فقد استدلّت المخطِّئة على عدم عصمته بظواهر بعض الآيات، وهي لا تدل على ما يرتؤون وإليك تلكم الآيات:

قال سبحانه:( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّني الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدَنَا وَذِكْرى لِلعَابِدِين ) (٢) .

وقال سبحانه:( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضِ بِرِجلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكرى لأُولي الألباب * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنّا وَجَدْنَاه صَابِراً نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ) (٣) .

استدلّت المخطّئة على تجويز صدور الذنب من الأنبياء بما ورد في هذه

____________________

١ - ص: ٤٤.

٢ - الأنبياء:٨٣ - ٨٤.

٣ - ص: ٤١ - ٤٤.

١٩٣

الآيات ممّا يوهم ذلك، أعني قوله:

١ -( مسّني الشيطان ) .

٢ -( بنصبٍ وعذابٍ ) .

وقد ظنّوا أنّ مسّ الشيطان يستلزم صدور الذنب منه، غافلين عن أنّ هذه الجملة عبارة أُخرى عمّا ورد في سورة الأنبياء بقوله:( مسّني الضر ) .

كما ظنّوا أنّ العذاب عبارة عن العقوبة الإلهيّة غافلين عن أنّ العذاب عبارة عن كل ما شقّ على الإنسان، وهو المراد من التعب، والنصب، والوجع، والألم.

وبالجملة: لا دلالة للآية على صدور الذنب أبداً، إنّما الكلام في بيان ما هي علّة ابتلاء أيوب بهذا الوجع والألم ؟ يتضح هذا باستعراض الآيات وتفسير مفرداتها فنقول:

قال الراغب: ( الضر ): سوء الحال، إمّا في نفسه لقلّة العلم والفضل والعفّة، وإمّا في بدنه لعدم جارحة ونقص، وإمّا في حالة ظاهرة من قلّة مال وجاه، وقوله:( فكشفنا ما به من ضر ) محتمل لثلاثتها.

غير أنّه يحتمل أن يكون الضر هنا بمعنى يساوق المرض، وهو غير المعنى الثاني الذي أشار إليه الراغب؛ ولأجل ذلك يقول العلاّمة الطباطبائي: الضرّ خصوص ما يمس النفس من الضرر كالمرض والهزال ونحوهما، وذيل الآيات يؤيّد هذا المعنى.

وأمّا ( النصب ): فهو التعب، وربّما يفتح كما قال الله سبحانه:( لا يمسّنا فيها نصب ) (١) ، يقال أنصبني كذا أي أتعبني وأزعجني.

____________________

١ - فاطر: ٣٥.

١٩٤

وأمّا ( الركض ): فهو الضرب بالرجل.

هذه هي اللغات الواردة في الآية، فإذا عرفنا معانيها فلنرجع إلى تفسير الآية، وستعرف أنّه لا يُستشمّ منها صدور أيّ معصية من النبي أيّوب مظهر الصبر والمقاومة.

تفسير قوله:( مسّني الضر )

أمّا ما ورد في سورة الأنبياء، فلا يدل على أزيد من أنّه مسّه الضر وشملته البليّة، فابتهل إليه سبحانه قائلاً:( أنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ) ، وعندئذٍ شملته العناية الإلهية، فكشف الله عنه ما به من ضر، ومن المحتمل جداً أنّ المراد هو المرض وشافاه الله من ذلك المرض الذي ابتُلي به سنين، ولم يكتف بذلك بل وآتاه أهله بإحيائهم، مضافاً إلى مثلهم، كل ذلك رحمة من عنده، ولم يكن ذلك العمل إلاّ امتحاناً منه سبحانه لأيّوب وغيره من العابدين، حتى يتذكّروا ويعلموا أنّ الله تعالى يبتلي أولياءه ثم يؤتيهم أجرهم، ولا يضيع أجر المحسنين، وليس الامتحان إلاّ لأجل تفتّح الكمالات المكنونة في ذات الممتَحن، ولا تظهر تلك الكمالات إلاّ إذا وقع الإنسان في بوتقة الامتحان فتظهر حينئذ بواطنه من الكمالات والمواهب، وقد أوضحنا ذلك في بعض مسطوراتنا، يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا المجال:

( ومعنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب )(١)

____________________

١ - نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم ٩٣.

١٩٥

تفسير قوله:( مسّني الشيطان )

وأمّا الآيات الواردة في سورة ( ص ) فهي التي وقعت ذريعة لبعض المخطِّئة من أنّه سبحانه ابتلى أيّوب ببعض الأمراض المنفِّرة، مع أنّه ليست في الآية إشارة ولا تلويح إلى ذلك إلاّ في بعض الأحاديث التي تشبه الإسرائيليات، قال سبحانه في سورة ( ص ):( واذكر عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ ) وقد عرفت معنى النصب، وأمّا العذاب فلا يتجاوز معناه ما يؤذي الروح من سوء الحال فقوله:( مسّني الشيطان ) عبارة عمّا ذكره في سورة الأنبياء بقوله:( مسّني الضر ) ، فنسب نزول النصب والعذاب في هذه الآية إلى الشيطان ولكنّه سكت عن فاعله في سورة الأنبياء، وعندئذٍ يجب إمعان النظر في معنى هذه الجملة فنقول: إنّه يحتمل أحد معنيين:

١ - أن يكون ما مسّه من الضرّ والمرض مستنداً إلى الشيطان بنحو من السببية والتأثير مكان استناده إلى الأسباب العادية الطبيعية، فكما أنّ الإنسان يصيبه التعب بواسطة العلل المادية، يصيبه التعب بنحو من مسّ الشيطان، كل ذلك بإذن منه سبحانه، وهذا المعنى هو الذي يستفاد من الروايات، وهو وإن لم يكن له مؤيّد في ظاهر الآية، غير أنّه ليس من الأمور المستحيلة، فإنّه إذا كان للعلل الطبيعية سلطان على الأنبياء في أمراضهم، فلا مانع من أن تكون للشيطان سلطة في خصوص هذا المجال لا في إضلالهم والتصرّف في قلوبهم وعقيدتهم، كل ذلك بإذن الله سبحانه، خصوصاً إذا كان ذلك لأجل الامتحان.

نعم، أنكر الزمخشري هذا السلطان قائلاً: بأنّه لا يجوز أن يسلّط الله الشيطان على أنبيائه ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره، فلو قدر على ذلك لم يدع صالحاً

١٩٦

إلاّ وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرّر في القرآن أنّه لا سلطان له إلاّ الوسوسة فحسب(١) .

أقول : إنّما يصحّ ما ذكره إذا كانت للشيطان مقدرة مطلقة وعامة على كل الصالحين والمؤمنين، وعند ذلك لم يدع صالحاً إلاّ وقد نكبه وأهلكه، وهو غير القول بتسلّطه على مورد خاص، وهو أيّوب بإذن منه سبحانه، ولا دليل على امتناع القضية الجزئية، كيف ؟ وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي قوله:( فَإِنّي نَسِيتُ الْحُوتَ وما أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) (٢) .

٢ - أن يكون المراد من ( مس الشيطان بالنصب والعذاب ) هو وسوسة الشيطان إلى الناس عندما اشتدّ مرض أيوب، حيث حثّهم على أن يجتنبوه ويهجروه، فكان التعيير من الناس والتكلّم منهم لكن بوسوسة من الشيطان، ونفس هذا التعيير كان نصباً وعذاباً على أيّوب، فالمراد من النصب والعذاب هو التعيير المستند إلى وسوسة الشيطان، وعلى كل تقدير فلا دلالة لكلمة العذاب بعد كلمة النصب على أنّه كان عقاباً منه سبحانه له، يقول الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الله ابتلى أيوب بلا ذنبٍ فصبر حتى عُيّ-ر، وإنّ الأنبياء لا يصبرون على التعيير )(٣) .

وأمّا الأحاديث الواردة حول قصّة أيّوب من أنّه أصابه الجذام حتى تساقطت أعضاؤه، فيقول الإمام الباقرعليه‌السلام في حقّها: ( إنّ أيوب ابتُلي من غير ذنب، وإنّ الأنبياء لا يذنبون؛ لأنّهم معصومون، مطهّرون، لا يذنبون ولا يزيغون ،

____________________

١ - الكشاف: ٣/١٦.

٢ - الكهف: ٦٣.

٣ - بحار الأنوار: ١٢/٣٤٧ نقلاً عن أنوار التنزيل.

١٩٧

ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ).

وقال: ( إنّ أيّوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدوّد شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ بجميع مَن يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرّمين عليه، وإنّما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربّه تعالى ذكره، من التأييد والفرج، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أعظم الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) وإنّما ابتلاه الله عزّ وجلّ بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلاّ يدّعوا له الربوبية، إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، ليستدلوا بذلك على أنّ الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلاّ يحتقروا ضعيفاً لضعفه، ولا فقيراً لفقره، وليعلموا أنّه يسقم مَن يشاء ويشفي مَن يشاء متى شاء كيف شاء، بأيّ سببٍ شاء، ويجعل ذلك عبرةً لمَن شاء وشفاء لمَن شاء وسعادة لمَن شاء، وهو عزّ وجلّ في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلاّ الأصلح لهم، ولا قوّة لهم إلاّ به )(١) .

وهذه الرواية - الصادرة من بيت الوحي والنبوّة - تعرب عن عقيدة الأئمّة في حق الأنبياء عامة، وفي حق النبي أيّوب خاصة، وأنّ الأنبياء لا يبتلون بالأمراض المنفِّرة؛ لأنّها لا تجتمع مع هدف البعثة، وأنّ ابتلاء أيّوب كان لأهداف تربوية أُشير إليها في الرواية.

قال السيد المرتضى: أفتصحّحون ما رُوي من أنّ الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه ؟

____________________

١ - الخصال: ٢/٤٠٠، ط الغفاري.

١٩٨

قلنا: أمّا العلل المستقذرة التي تنفّر مَن رآها وتوحشه كالبرص والجذام، فلا يجوز شيء منها على الأنبياء؛ لما تقدّم ذكره(١) .

وقال العلاّمة المجلسي بعد نقل الخبر المتقدّم عن الإمام الباقرعليه‌السلام : هذا الخبر أوفق بأُصول متكلّمي الإمامية من كونهم منزّهين عمّا يوجب تنفّر الطباع عنهم، فتكون الأخبار الأُخر محمولة على محامل أُخر(٢) .

إلى هنا استطعنا أن نخرج بهذه النتائج في مورد هذه الروايات المرتبطة بقصّة أيّوب:

١ - إنّ الألفاظ الواردة في الآية من قوله:( مسّني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ ) لا دلالة لها على صدور الذنب.

٢ - إنّ الروايات الواردة في بعض الكتب من إصابته بأمراض منفِّرة، يخالفها العقل، وتردّها النصوص المرويّة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

١ - تنزيه الأنبياء: ٦٤.

٢ - البحار: ١٢/٣٤٩.

١٩٩

- ٩ -

عصمة يونسعليه‌السلام وذهابه مغضباً

إنّ المخطِّئة لعصمة الأنبياء استدلّوا على مقصودهم بما ورد حول قصّة يونس من الآيات، ونحن نذكر عامّة ما ورد في ذلك المجال، ثمّ نستوضح مقاصدها.

فنقول: قد وردت قصّته على نحو التفصيل والإجمال في سور أربع: يونس، الأنبياء، الصافّات، والقلم.

وإليك الآيات:

١ -( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين ) (١) .

٢ -( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٢) .

٣ -( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤمِنِينَ ) (٣) .

٤ -( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ

____________________

١ - يونس: ٩٨.

٢ - الأنبياء: ٨٧.

٣ - الأنبياء: ٨٨.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لمخالفته(١) النذر.

ولو فاته الجميع لغير عذر ، وجب عليه القضاء متتابعاً - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٢) - لأنّه صرّح في نذره بالتتابع ، فيكون مقصوداً له بالذات.

والثاني للشافعية : أنّه لا يلزمه الاستئناف لو أفسد آخره ، ولا تتابع القضاء لو أهمل الجميع ؛ لأنّ التتابع واقع من ضروراته ، فلا أثر للفظه وتصريحه(٣) . وهو ممنوع.

وإن لم يقيّد بالتتابع ، لم يجب الاستئناف لو أفسد آخره ولا تتابع القضاء لو أهمله ، بل يجب القضاء مطلقاً ؛ لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت وضروراته ، لا أنّه وقع مقصوداً ، فأشبه التتابع في صوم رمضان.

مسألة ٢٠٢ : لو نذر اعتكاف شهر ، لزمه شهر بالأهلّة أو ثلاثون يوماً‌. وهل يلزمه التتابع؟ الأقرب : العدم ، بل له أن يفرّقه ثلاثة ثلاثة ، أو يوماً ويضيف إليه آخرَيْن مندوبين على الإِشكال السابق.

وقال الشافعي : لا يلزمه التتابع ؛ لأنّه معنى يصحّ فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : يلزمه التتابع. وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) .

فإن اعتكف شهراً بين هلالين ، أجزأه وإن كان ناقصاً. وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين ، جاز.

ويدخل فيه الليالي ؛ لأنّ الشهر عبارة عنهما ، ولا يجزئه أقلّ من ذلك - وبه قال الشافعي(٥) - إلاّ أن يقول : أيّام شهر أو نهار هذا الشهر ؛ فلا يلزمه‌

____________________

(١) في « ط ، ن » لمخالفة.

(٢و٣) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٢ ، المجموع ٦ : ٤٩٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المغني ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٣٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١١.

(٥) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ =

٢٨١

الليالي.

ولو قال : ليالي هذا الشهر ؛ لم ينعقد عندنا ؛ لأنّ من شرط الاعتكاف الصوم ، والليل ليس محلاً للصوم.

وقال الشافعي : ينعقد ويلزم الاعتكاف ليلاً ، ولا يلزمه الأيّام(١) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، قال الشافعي : لا يلزم ضمّ الليلة إلّا أن ينوي ، فحينئذٍ يلزم ؛ لأنّ اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته(٢) .

وللشافعي قول آخر : إنّه تدخل الليلة إلّا أن ينوي يوماً بلا ليلة(٣) .

ولو نذر اعتكاف يومين ، وجب عليه ضمّ ثالث إليهما عندنا ، وعند العامّة لا يلزم.

فعلى قولهم هل تلزمه الليلة بينهما؟ للشافعية ثلاثة أوجه :

أحدها : لا تلزم إلّا إذا نواها ؛ لما سبق من أنّ اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

والثاني : تلزم إلّا أن يريد بياض النهار ؛ لأنّها ليلة تتخلّل نهار الاعتكاف ، فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر.

والثالث : إن نوى التتابع أو قيّد به لفظاً ، لزمت ليحصل التواصل ، وإلّا فلا(٤) .

ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلّل بينهما هذا الخلاف.

ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو ثلاثين يوماً ، ففي لزوم الليالي المتخلّلة ، الوجوه الثلاثة(٥) .

____________________

= ٤٩٣.

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦ - ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٤.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٧.

٢٨٢

وقال بعض الشافعية : إن نذر اليومين لا يستتبع شيئاً من الليالي ، والخلاف في الثلاثة فصاعداً ؛ لأنّ العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرّد النهار ، وإذا أطلقت الأيّام عنت بلياليها(١) .

مسألة ٢٠٣ : لا خلاف بين الشافعية في أنّ الليالي لا تلزم بعدد الأيّام‌ ، فإذا نذر يومين لم تلزم(٢) ليلتان بحال ، وبه قال مالك وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : تلزم(٤) ليلتان(٥) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، لم يجز تفريقه ، ويلزمه أن يدخل معتكفة قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.

وقال مالك : يدخل معتكفة قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم ، كما لو نذر اعتكاف شهر ؛ لأنّ الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعاً(٦) .

والوجه : ما قلناه من أنّ الليلة ليست من اليوم ، وهي من الشهر.

ولو نذر اعتكاف ليلة ، لزمه دخول معتكفة قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة(٧) . وليس له تفريق الاعتكاف عند أحمد(٨) .

وقال الشافعي : له التفريق(٩) .

مسألة ٢٠٤ : لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور ، دخل فيه الأيّام والليالي‌ ، وتكون الليالي هنا بعدد الأيّام ، كما في نذر الشهر ، وقد تقدّم.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) في « ط ، ف ، ن » لم تلزمه.

(٣) المجموع ٦ : ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٤) في « ف ، ن » : تلزمه.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٢ - ١٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٦) المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٤ - ٣١٥.

(٧ - ٩ ) المغني ٣ : ١٥٩ - ١٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠.

٢٨٣

ويخرج عن العهدة إذا استهلّ الهلال ، كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ؛ لأنّ الاسم يقع على ما بين العشرين إلى آخر الشهر.

ولو نذر أن يعتكف عشرة أيّام من آخر الشهر ودخل المسجد اليوم العشرين ، أو قُبَيْل الحادي والعشرين فنقص الشهر ، لزمه قضاء يوم ؛ لأنّه حدّد القصد إلى العشرة.

تذنيب : إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فيه ، لم ينعقد‌ ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يلزمه شي‌ء ، وإن قدم نهاراً ، لم ينعقد ؛ لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف.

ومَنْ لا شَرَط(١) الصوم أوجب عليه اعتكاف بقية النهار(٢) .

وللشافعي في قضاء ما مضى من النهار قولان :

أصحّهما عندهم : العدم ؛ لأنّ الوجوب ثبت من حين القدوم.

والثاني : الوجوب ؛ لأنّا نتبيّن بقدومه أنّ ذلك يوم القدوم ، فيجب أن يعتكف بقية اليوم ، ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر(٣) .

وقال بعضهم : يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولاً(٤) .

ولو كان الناذر وقت القدوم ممنوعاً من الاعتكاف بمرض أو حبس ، قضاه عند زوال العذر.

وقال بعضهم : لا شي‌ء عليه ؛ لعجزه وقت الوجوب ، كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه(٥) .

____________________

(١) أي : لم يشترط ، والدليل عليه قوله تعالى :( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى ) [ القيامة : ٣١ ]. والمغني : لم يصدّق ولم يصلّ.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ ، المجموع ٦ : ٥٤٠.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ - ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤٠ - ٥٤١.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤١ ، مختصر المزني : ٦١.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٨.

٢٨٤

المطلب الخامس :

في الرجوع من الاعتكاف ، وأحكام الخروج من المسجد‌

مسألة ٢٠٥ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب إليه غير واجب بدون النذر وشبهه‌ ، فإذا تبرّع به كان ندباً إجماعاً ، فإذا شرع في الاعتكاف ، فلعلمائنا في صيرورته واجباً حينئذٍ أقوال ثلاثة :

أحدها : قال الشيخ -رحمه‌الله - في بعض مصنّفاته : إنّه يصير واجباً بالنيّة والدخول فيه(١) - وبه قال أبو الصلاح(٢) من علمائنا ، وهو قول مالك وأبي حنيفة(٣) - لأنّ الأخبار دلّت على وجوب الكفّارة بإفساد الاعتكاف بجماع وغيره على الإِطلاق ، ولو لم ينقلب واجباً لم تجب الكفّارة ، وبالقياس على الحج والعمرة.

والأخبار محمولة على الاعتكاف الواجب. وأيضاً لا استبعاد في وجوب الكفّارة في هتك الاعتكاف المستحب. والفرق : احتياج الحجّ والعمرة إلى إنفاق مال كثير ففي إبطلاهما تضييع للمال وهو منهي عنه.

الثاني : أنّه إن اعتكف يومين وجب الثالث ، وإن اعتكف أقلّ لم يجب الإِكمال - وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٤) ومذهب ابن الجنيد(٥) وابن البرّاج(٦) - لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٣) المدونّة الكبرى ١ : ٢٣٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٨ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٤) النهاية : ١٧١ ، وحكاه عنه في ظاهر النهاية أيضاً المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٦) المهذب لابن البراج ١ : ٢٠٤.

٢٨٥

يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(١) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، وفيه ضعف.

الثالث : أنّ له إبطالَه مطلقاً ، وفسخه متى شاء ، سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث ، اختاره السيد المرتضى(٢) رضي‌الله‌عنه ، وابن إدريس(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) ، وهو الأقوى ؛ لأصالة بقاء ما كان على ما كان ، وبراءة الذمة.

مسألة ٢٠٦ : لا يجب الاعتكاف بمجرّد النيّة‌ - وهو قول عامّة أهل العلم - للأصل.

وقال مَنْ لا يُعتدّ به : إنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه ؛ لأنّ عائشة رَوَتْ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمَرَتْ ببنائها(٥) فضُرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعلَتْ فأمرَتْ ببنائها فضُرب ، فلمـّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمَرَتْ ببنائها فضُرب.

قالت : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا صلّى الصبح دخل معتكفة ، فلمـّا صلّى الصبح انصرف فبصر بالأبنية ، فقال : ( ما هذا؟ ) فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٣) السرائر : ٩٧.

(٤) المجموع ٦ : ٤٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٥) البناء واحد الأبنية ، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، فمنها : الطراف والخباء والقبّة والمضرب. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٥٧ - ١٥٨.

٢٨٦

( ألبرّ أردتنّ؟ ما أنا بمعتكف ) فرجع ، فلمـّا أفطر اعتكف عشراً من شوّال(١) .

ولأنّها عبادة تتعلّق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها ، كالحجّ(٢) .

والرواية تدلّ على النقيض ؛ لأنّ تركه دليل على عدم الوجوب بالعزم.

والفرق بينه وبين الحجّ قد سبق.

مسألة ٢٠٧ : لو اعتكف ثلاثة أيّام ، كان بالخيار‌ إن شاء زاد عليها وإن شاء لم يزد ، وإن زاد يوماً جاز له عدم الزيادة على الأربعة.

فإن زاد على الثلاثة يومين ، قال الشيخ : يجب الإِكمال ستة(٣) ؛ فأوجب السادس - وبه قال ابن الجنيد(٤) وأبو الصلاح(٥) - لقول الباقرعليه‌السلام : « من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أيّاماً اُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة اُخر »(٦) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، والأصل براءة الذمة.

مسألة ٢٠٨ : لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلّا لضرورة‌ بإجماع العلماء كافة ؛ لما رواه العامة عن عائشة أنّها قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لا بدّ له منه(٧) .

وعنها : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف يُدني إليَّ‌

____________________

(١) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٣١ - ٣٣٢ / ٢٤٦٤ نحوها.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٣) النهاية : ١٧١ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٠.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٠.

٢٨٧

رأسه فاُرجّله ، وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة »(٢) .

ولأنّ الاعتكاف هو اللبث ، فإذا خرج بطل الاسم.

والممنوع إنّما هو الخروج بجميع بدنه ، فلو أخرج يده أو رأسه ، لم يبطل اعتكافه ؛ لما تقدّم في رواية عائشة.

ولو أخرج إحدى رجليه أو كلتيهما وهو قاعد مادٌّ لهما ، فكذلك ، وإن اعتمد عليهما فهو خارج.

والممنوع منه الخروج عن كلّ المسجد.

فلو صعد على المنارة ، فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رحبته وهي تُعدّ من المسجد ، جاز سواء كان الصعود للأذان أو لغيره ، كما يصعد على سطح المسجد ودخول بيت منه.

وإن كان الباب خارج المسجد ، لم يجز ؛ لأنّها لا تُعدّ حينئذٍ من المسجد ، ولا يصح الاعتكاف فيها.

وهل للمؤذّن صعودها للأذان؟ الأقرب : المنع - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّه لا ضرورة إليه ، لإِمكان الأذان على سطح المسجد ، فصار كما لو صعدها لغير الأذان ، أو خرج لغير ضرورة ، أو خرج إلى الأمير ليُعْلمه الصلاة.

والثاني : الجواز ؛ لأنّها مبنيّة للمسجد معدودة من توابعه.

ولأنّه قد اعتاد صعودها للأذان وقد استأنس الناس بصوته ، فيعذر فيه.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥ ، مسند أحمد ٦ : ١٨١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

٢٨٨

ويجعل زمان الأذان مستثنى عن اعتكافه(١) .

مسألة ٢٠٩ : يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة‌ بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفة للغائط والبول(٢) .

ولأنّ هذا ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه ، لم يصح لأحد أن يعتكف.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف ، ومن المعلوم أنّه كان يخرج لقضاء الحاجة.

ولما رواه العامة عن عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت للصادقعليه‌السلام : إنّي اُريد أن أعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك »(٤) .

وفي معناه الخروج للاغتسال من الاحتلام.

ولو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها ولا يجوز التجاوز ، إلّا أن يجد غضاضةً بأن يكون من أهل الاحتشام(٥) ، فيحصل له مشقّة بدخولها ، فيجوز له العدول إلى منزله وإن كان أبعد.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٢.

(٣) تقدّمت الاشارة إلى مصادرها في الصفحة السابقة ، الهامش (١).

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٥) أي : الاستحياء. الصحاح ٥ : ١٩٠٠.

٢٨٩

ولو بذل له صديق منزله - وهو قريب من المسجد - لقضاء الحاجة ، لم تلزمه الإِجابة ؛ لما فيه من المشقّة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزل نفسه ، سواء كان منزله قريباً أو بعيداً بُعْداً متفاحشاً أو غير متفاحش ، إلّا أن يخرج بالبُعْد عن مسمّى الاعتكاف.

ولو كان له منزلان أحدهما أقرب ، تعيّن عليه القصد إليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث سوّغ له المضيّ إلى الأبعد(١) .

ولو احتلم ، وجب عليه المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل ؛ لأنّ الاستيطان حرام.

مسألة ٢١٠ : يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول والمشروب‌ إذا لم يكن له مَنْ يأتيه به بالإِجماع ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه ، والضرورة ثابتة فيه ، فجاز كغيره من الضروريات.

وهل يجوز الخروج للأكل خارج المسجد؟ إشكال ، أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة ويكون من أهل الاحتشام ، وإلّا فلا.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ؛ لأنّه قد يستحيي منه ويشقّ عليه.

والثاني : أنّه لا يجوز - وهو قول الشافعي في الاُمّ(٢) - لأنّ الأكل في المسجد ممكن(٣) .

ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد ، فهو معذور في الخروج.

ولو وجده فالأقرب منعه من الخروج للشرب - وهو أصحّ وجهي الشافعية - لأنّ فعله في المسجد ممكن ، ولا يستحي منه ، ولا يُعدّ تركه من المروة ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

(٢) قال الشافعي في الاُم ٢ : ١٠٥ : وإن أكل المعتكف في بيته فلا شي‌ء عليه. وكذلك حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٥٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

٢٩٠

بخلاف الأكل فيه(١) .

ولو فجأه القي‌ء خرج من المسجد ليتقيّأ خارجه صيانةً للمسجد وأهله عن الاستقذار.

وكلّ ما لا بدّ منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ، ولا يفسد اعتكافه ، وهو على اعتكافه ما لم يطل المكث ويخرج به عن اسم المعتكف.

مسألة ٢١١ : لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة واُقيمت الجمعة في غيره‌ لضرورة ، أو اعتكف في غيرها عند مَنْ سوَّغه ، خرج لأدائها ، ولم يبطل اعتكافه عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّه خرج لأداء واجب عليه ، فلا يبطل به اعتكافه ، كما لو خرج لأداء الشهادة ، أو لإِنقاذ غريق ، أو إطفاء حريق.

وقال الشافعي : يجب أن يخرج لصلاة الجمعة.

وفي بطلان اعتكافه قولان ، أحدهما : لا يبطل ، كما اخترناه. والثاني: أنّه يبطل - وبه قال مالك(٣) - لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع.

وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقلّ من أسبوع ، ابتدأ من أول الاُسبوع أين شاء من المساجد وفي الجامع متى شاء ، وإن كان أكثر من اُسبوع ، فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة.

فإن كان قد عيّن غير الجامع وقلنا بالتعيين ، فلا يخرج عن نذره إلّا بأن‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣ ، المجموع ٦ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

٢٩١

يمرض فتسقط عنه الجمعة ، أو بأن يتركها عاصياً ويدوم على اعتكافه(١) .

وهذا يستلزم الجمع بين الضدّين في الحكمين.

واحتجّ على بطلان الاعتكاف : بأنّه أمكنه أداء فرضه بحيث لا يخرج منه ، فبطل بالخروج ، كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة.

وليس بجيّد ؛ لأنّه إذا نذر أيّاماً معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه.

ويبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها.

مسألة ٢١٢ : يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المرضى وشهادة الجنائز‌ عند علمائنا أجمع ، سواء اشترط ذلك في اعتكافه أو لا - وبه قال عليعليه‌السلام ، وسعيد بن جبير والنخعي والحسن(٢) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم »(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٤) .

ولأنّه مؤكّد الاستحباب ، والاعتكاف للعبادة ، فلا يناسب منعها من مؤكّداتها.

وقال عطاء وعروة ومجاهد والزهري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي :

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥١٣ - ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ ، المجموع ٦ : ٥١٢.

(٣) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٧ - ٨٨ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

٢٩٢

ليس له الخروج في ذلك - وعن أحمد روايتان(١) - لما روته عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٢) .

وعنها : أنّها قالت : السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازةً ولا يمسّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه(٣) .

ولأنّه ليس بواجب ، فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله(٤) .

والحديث نقول بموجبه ، ولا دلالة فيه على موضع النزاع.

والحديث الثاني ليس مسنداً إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يكون حجّةً.

وكونه ليس بواجب لا يمنع الاعتكاف من فعله ، كقضاء الحاجة.

مسألة ٢١٣ : لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة‌ وأمكنه فعلها في المسجد ، لم يجز له الخروج إليها ، فإن لم يمكنه ذلك ، فله الخروج إليها.

وإن تعيّن عليه دفن الميت أو تغسيله ، جاز له الخروج لأجله ، لأنّه واجب متعيّن ، فيقدّم على الاعتكاف ، كصلاة الجمعة.

والشافعي لمـّا منع من عيادة المريض وصلاة الجنازة قال : لو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضاً ، فإن لم يقف ولا ازْوَرَّ(٥) عن الطريق ، بل اقتصر على السلام والسؤال ، فلا بأس ، وإن وقف وأطال ، بطل اعتكافه ، وإن لم يُطل فوجهان ، والأصحّ : أنّه لا بأس به.

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢١.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المجموع ٦ : ٥١٢ ، المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٥) ازْوَرَّ : عدل وانحرف. لسان العرب ٤ : ٣٣٥.

٢٩٣

ولو ازْوَرَّ عن الطريق قليلاً فعاده ، فقد جعلوه على هذين الوجهين. والأصحّ عندهم : المنع ؛ لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء حاجة.

وقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان لا يسأل عن المريض إلّا مارّاً في اعتكافه ولا يعرّج عليه(١) (٢) .

ولو كان المريض في بيت الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة ، فالعدول لعيادته قليل ، وإن كان في دار اُخرى فكثير.

ولو خرج لقضاء حاجة فعثر في الطريق على جنازة ، فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا يزْوَرّ عن الطريق.

وفيه وجه آخر : أنّه لا يجوز ؛ لأنّ في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة(٣) .

مسألة ٢١٤ : يجوز الخروج للمعتكف لإِقامة الشهادة عند الحاكم‌ ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وسواء كان متتابعاً أو غير متتابع ، تعيّن عليه التحمّل والأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دُعي إليها ؛ لأنّ إقامة الشهادة أمر واجب لا بدّ منه ، فصار ضرورة ، كقضاء الحاجة ، فلا يكون مبطلا ، وإذا دعي إليها مع عدم التعيين ، تجب الإِجابة ، فلا يمنع منه الاعتكاف.

وقال الشافعي : إن تعيّن عليه التحمّل والأداء ، خرج ، ولا يبطل اعتكافه المتتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء ، فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان ؛ لأنّه خرج لغير حاجة ، فأبطل التتابع(٤) .

والمقدّمة الاُولى ممنوعة.

____________________

(١) لا يعرّج عليه ، أي : لم يُقم ولم يحتبس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٠٣.

(٢) أوردها الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ / ٢٤٧٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٢١ بتفاوت في اللفظ.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، والمجموع ٦ : ٥١١ - ٥١٢.

(٤) المجموع ٦ : ٥١٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٨.

٢٩٤

مسألة ٢١٥ : يجوز للمعتكف أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن‌ ؛ لأنّه طاعة فلا يمنع الاعتكاف منه.

ولما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالساً عند الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فأتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله إنّ فلاناً له عليَّ مال ويريد أن يحبسني ؛ فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » قال : فكلّمه فلبسعليه‌السلام نعله ، فقلت له : يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال : « لم أنس ولكني سمعت أبي يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : مَنْ سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عَبَدَ الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله»(١) .

مسألة ٢١٦ : قال الشيخرحمه‌الله : يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن المسجد‌

وإن كان بينه وبين المسجد فضاء(٢) ، ولا يكون مبطلاً لاعتكافه ؛ لأنّ هذه المنارة بُنيت للمسجد وأذانه ، فصارت كالمتّصلة به.

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد وقد عرف الجيران صوته ووثقوا بمعرفته بالأوقات ، فجاز ذلك.

وقال الشافعي : إن لم يكن بابها في المسجد ولا في رحبته المتّصلة به ، ففي بطلان اعتكاف المؤذّن الراتب بصعودها للأذان وجهان.

ولو خرج إليها غير المؤذّن الراتب للأذان ، فإن أبطلنا اعتكاف الراتب فإبطال هذا أولى ، وإلّا فقولان مبنيّان على أنّها مبنيّة للمسجد ، فتكون معدودةً من توابعه ، فلا يبطل اعتكافه ، أو أنّ الراتب قد اعتاد صعودها للأذان ، واستأنس الناس بصوته ، فيبطل هذا(٣) ؛ لفقد هذا المعنى فيه(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٣٥ ، المسألة ١٠٦ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٣) أي : اعتكاف المؤذّن غير الراتب.

(٤) المجموع ٦ : ٥٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٢٩٥

قال الشيخرحمه‌الله : لو خرج المؤذّن إلى دار الوالي وقال : حيَّ على الصلاة أيّها الأمير ، أو قال: الصلاة أيّها الأمير ، بطل اعتكافه(١) .

وهو حسن ؛ لأنّه خرج من معتكفة لغير ضرورة.

وللشافعي قول بالجواز ؛ لأنّ بلالاً جاء فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله(٢) .

ونمنع كون بلال قاله حال اعتكافه ، أو أنّه خرج من المسجد فجاز أن يكون وقف على بابه.

سلّمنا ، لكن فعله ليس حجّةً.

ويجوز للمعتكف الصعود على سطح المسجد ؛ لأنّه من جملته ، وبه قال الفقهاء الأربعة(٣) . وكذا يجوز أن يبيت فيه.

ولو كان إلى جنب المسجد رحبة وليست منه ، لم يجز الخروج إليها إلّا لضرورة ؛ لأنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : الجواز ؛ لأنّها تابعة له ومعه ، فكانت بمنزلته(٤) .

والمقدّمتان ممنوعتان. ولا فرق بين أن يكون عليها حائط وباب أو لم يكن.

مسألة ٢١٧ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، حرم عليه المشي تحت الظلال والوقوف فيه‌ - إلّا لضرورة - إلى أن يعود إلى المسجد. وكذا لا يقف تحت غير الظلال ؛ لأنّه مُنافٍ للاعتكاف الذي هو اللبث في المسجد خاصة ، ولأنّ في المشي تحت الظلال نوعَ ترفّه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

(٤) المغني ٣ : ١٣٨ - ١٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

٢٩٦

مجلسك »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٢) .

وبه قال الثوري(٣) .

وحكى عنه الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه(٤) . وباقي العامّة يجيزون له الاستظلال بالسقف(٥) .

و [ السيد المرتضى ](٦) رحمه‌الله ، احتجّ عليهم : بإجماع الطائفة والاحتياط.

مسألة ٢١٨ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، لم يجز له أن يصلّي إلّا في المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة خاصة‌ ، فإنّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء ؛ لأنّها حرم ، فلها حرمة ليست لغيرها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها » ثم قالعليه‌السلام بعد كلام. « ولا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

(٣ - ٥ ) كما في الانتصار للسيد المرتضى : ٧٤.

(٦) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : الشيخ ، بدل السيد المرتضى. والظاهر كونه من سهو النسّاخ. وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لمنتهى المطلب [ ٢ : ٦٣٥ ] للمصنّف ، والانتصار [ : ٧٤ ] للسيد المرتضى ، مضافاً إلى عدم ورود أصل المسألة في الخلاف للشيخ الطوسي.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

٢٩٧

شاء ، والمعتكف في غيرها لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه »(١) .

ولو اعتكف في غير مكّة فخرج لضرورة فضاق وقت الصلاة عن عوده ، صلّى أين شاء ، ولا يبطل اعتكافه ؛ لأنّه صار ضرورياً ، فيكون معذوراً ، كالمضيّ إلى الجمعة.

مسألة ٢١٩ : أوقات الخروج للضرورة لا يجب تداركها‌ ، ولا يخرج المعتكف فيها عن اعتكافه إذا لم يَطُل الزمان ، بل يكون الاعتكاف مستمرّاً في أوقات الخروج لقضاء الحاجة وشبهها ، ولهذا لو جامع في هذا الوقت ، بطل اعتكافه. وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه لا يستمرّ ، بل يكون زمان الخروج لقضاء الحاجة كالمستثنى لفظاً عن المدّة المنذورة؛ لأنّه لا بدّ منه ، فإن جعلناه كقضاء الحاجة ، لم يحتج إلى تجديد النيّة ، وإن جعلناه كالمستثنى ، فلأنّ اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوى تلك الأوقات(٣) .

وقال بعض الشافعية : إن طال الزمان ، ففي لزوم التجديد وجهان(٤) .

والحقّ : أنّ مع طول الزمان بحيث يخرج عن الاسم يبطل الاعتكاف.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يكلّف الإِسراع ، بل يمشي على سجيّته المعهودة ؛ لأنّ عليه مشقّةً في إلزامه غير ذلك.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يجز له أن يجامع في مروره بأن يكون في هودج ، أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ، فإن فعل بطل الاعتكاف.

وللشافعية في إبطال الاعتكاف وجهان : أصحهما : البطلان.

أمّا على تقدير القول باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ - ٢٩٤ / ٨٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٧.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

٢٩٨

الحاجة : فظاهر ؛ لأنّ الجماع يكون قد صادف الاعتكاف.

وأمّا على تقدير القول بعدم استمراره : فلأنّ الجماع عظيم الوقع ، فالاشتغال به أشدّ إعراضاً عن العبادة.

والثاني : أنّه لا يبطل ؛ لأنّه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زماناً(١) .

وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى ، لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد ، بل يقع ذلك تابعاً ، بخلاف ما إذا احتاج إلى الوضوء بمعنى غير قضاء الحاجة ، كما لو قام من النوم ، فإنّه لا يجوز له الخروج ليتوضّأ في أظهر وجهي الشافعية إذا أمكن الوضوء في المسجد(٢) .

وإذا منعنا من الأكل خارج المسجد أو مشى إلى منزله لقضاء الحاجة ، جاز له أن يأكل لقمة أو لقمتين ، وليس له أن يأكل جميع أكله ؛ لأنّ القليل لا اعتداد به.

مسألة ٢٢٠ : إذا حاضت المرأة أو نفست وهي معتكفة ، لزمها الخروج من المسجد‌ بلا خلاف ؛ لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد ، فهو كالجنابة وآكد منه وقد قالعليه‌السلام : ( لا اُحلّ المسجد لحائض ولا جنب )(٣) .

وإذا خرجت لعذر الحيض ، مضت إلى بيتها. وبه قال الشافعي ومالك وربيعة والزهري وعمرو بن دينار(٤) .

أمّا خروجها من المسجد : فلما تقدّم من الإِجماع والحديث.

وأمّا رجوعها إلى منزلها : فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد وبطل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ - ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٤.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢.

(٤) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٥.

٢٩٩

اعتكافها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّها ترجع إلى بيتها »(١) .

وقال أحمد : إن لم يكن في المسجد رحبة ، رجعت إلى منزلها ، وإن كان له رحبة خارجه يمكن أن تضرب فيها خباءها ، ضربت خباءها فيها مدّة حيضها(٢) .

وقال النخعي : تضرب فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت ، قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتاً أو سقفاً استأنفت(٣) .

لأنّ عائشة قالت : كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراجهنّ من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكونعليه‌السلام أمر بذلك ليعرف الناس أنّ رحبة المسجد ليست منه ، أو لأنّ الاعتكاف قد كان واجباً عليهنّ وعلمعليه‌السلام من حالهنّ توهّم سقوطه بخروجهنّ من المسجد.

إذا عرفت هذا ، فإن كان اعتكافها ثلاثة أيّام لا غير ، فإذا حاضت في أثنائه بطل ، ولم يجز لها البناء على ما فعلته ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا.

ثم إن كان واجباً ، وجب عليها بعد الطهر الاستئناف ، وإلّا فلا.

وإن كان أكثر ، فإن حاضت بعد الثلاثة ، جاز لها البناء على ما فعلته بعد الطهر ، لأنّه عذر كقضاء الحاجة.

ولا يُعدّ أيّام الحيض من الاعتكاف إجماعاً. ومَنْ لا يشترط الصوم من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٦.

(٢) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦.

(٣) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٥٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321