• البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17537 / تحميل: 3297
الحجم الحجم الحجم
تقريرات ثلاثة

تقريرات ثلاثة

مؤلف:
العربية

كتاب الغصب.. (فصل في اسباب الضمان)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة، والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم أجمعين.

افوض أمري الى الله ان الله بصير بالعباد.

والكلام اما في اسباب الضمان، واما في المال الذي يضمن عند تحقق احد الأسباب، اما الأول فنقول: المشهور بين الفقهاء ان اسباب الضمان ثلاثة (احدها) اليد بمعنى استيلائها على مال الغير مطلقا، فاذا قيد بقيد العدوان صار غصبا، ولذا عرفوه: بأنه الاستيلاء على مال الغير عدوانا - كما عن جماعة - او الاستقلال كذلك - كما عن آخرين - او تبديل المال بـ (الحق) - كما عن بعض - او تبديل لفظة (عدوانا) بقولهم: (على وجه التعدي) - كما عن بعض آخر -.

وسببية اليد للضمان وان كان أمرا بديهيا بل يمكن ان تعد من ضروريات الفقه بحيث لو ادعى احد عدم السببية عد في نظر العرف مستنكرا.

الا ان الاستدلال بالدليل اللفظي لا يخلو من فائدة لمكان الاحتياج اليه في بعض الموارد ولو من حيث الاطلاق، فان البداهة في اصل الحكم لا في خصوصيات الحكم.

فنقول: روى بعض العامة مرسلا، وبعضهم مسندا كالسجستاني(١) والترمذي(٢) وغيره، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن سمرة بن جندب، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: على اليد ما اخذت حتى تؤدي - كما عن بعض - او قرضت - كما عن آخر - او تؤديه - كما عن ثالث -(٣) .

والمراد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : التشريع لا التكوين كما لا يخفى.

كما ان المراد من لفظة (على) العهد، بأحد وجهين (احدهما) ان كلمة (على) اما ان يليها الأفعال كما في قولك عليك ان تفعل كذك فتفيد الالزام (الثاني) ان يليها الذوات وهو على وجوه ثلاثة (الأول) ان يليها الاشياء الخارجية نحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (على اليد ما اخذت الخ) (الثاني) ان يليها امر كلي نحو (على زيد الف درهم) (الثالث) ان يليها ما في ذمة الغير المعبر عنه بالضمان الذي فسره العامة بكونه ضم ذمة الى ذمة، يريدون به ان ذمة المضمون له تتقوى بضمان الضامن بحيث لو لم يؤده الى المضمون له فله المطالبة من الضامن، لا ان للمضمون له مطالبة كليهما وعند الامامية، هو انتقال المضمون به من ذمة المضمون عنه الى الضامن عند تعذر ادائه.

____________________

(١) هو سليمان بن الأشعث ابو داود السجستاني المتولد ٢٠٢ والمتوفى ٢٧٥.

(٢) هو محمد بن عيسى الترمذي ولد ٢٠٩ ومات ٢٧٩.

١٢١

عوالى اللآلي ج١ ص٢٢٤ وص٣٨٩ وج٢ ص٣٤٥ وج٣ ص٢٤٦، وص٢٥١ ولاحظ ذيول هذه المواضيع.

وكيف كان اذا ولي لفظة (على) الذوات فتفيد التعهد في غير الصورة الثانية، فتفيد فيها اشتغال الذمة، وهو مستتبع لاستحقاق المطالبة لصاحب المال المستتبع للحكم التكليفي لصاحب اليد وهو وجوب رد عين المال مادامت باقية، مع التلف بصورتها النوعية وهو المثل ومع التعذر فبصورتها الجنسية وهو مقدار اصل المال فقاعدة اليد دالة على وجوب الرد بمراتبها الثلاثة العين والمثل واصل المال.

والمراد من اليد صاحب اليد والنكتة في التعبير بها، هي ان العهدة تثبت بها باعتبار مباشرتها غالبا للأخذ.

وحاصل الرواية حينئذ هو انه على عهدة الشخص الذي اخذ الشيء بيده المستولية ما اخذته او قبضته على اختلاف النقلين، حتى تؤدي ذلك المأخوذ بعينه او بنوعه او بماليته.

فليس المراد انه عليها عين المأخوذ مطلقا كما توهم، لمنافاته للغاية اعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (حتى تؤدي).

ويمكن ان يكون نكتة التعبير بها ان اليد لما كانت سببا غالبا لأخذ المنقولات عبر بها تنبيها على انها السبب للضمان.

ويمكن تقريب آخر للدلالة على ان مفادها العهدة، وهو ان للمالك بالنسبة الى المال اعتبارين (الأول) انه له عند وجوده (الثاني) انه عليه عند انعدامه فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (على اليد ما اخذت الخ) عليهية المالك تنتقل الى الأخذ.

لكن هذا التقريب بعيد لاقتضائه ضمان الاخذ عند انعدامه.

فيمكن ان يقال: ان وضع كلمة (على) ابتداء كان كذلك، الا ان استعمالها وتبادر غير هذا المعنى الى الذهن في زمان صدوره من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله صيرها حقيقة في الأعم من هذا المعنى وهو ضمان اليد مطلقا سواء كان انعدامه او عند وجوده.

١٢٢

شمول قاعدة اليد للغصب

ثم انها شاملة للأيدي العادية المعبر عنها بالغصب الذي فسروه وعرفوه بتفاسير وتعاريف (منها) انه الاستقلال باثبات اليد على مال الغير.

(منها) انه الاستقلال على حق الغير.

(منها) انه الاستيلاء كذلك عدوانا.

(منها) انه الاستيلاء كذلك على وجه التعدي.

(منها) ان كل ممسك مضمون فهو مغصوب - كما عن الشافعي -.

(منها) الاستقلال المذكور مع زيادة قيد التصرف بمعنى يعتبر فيه امران (احدهما) الاستقلال (ثانيهما) التصرف كما عن الميرزا الشيرازيرحمه‌الله .

اقول: لا دليل على اعتبار التصرف في تحقق مفهوم الغصب كما لا يخفى، فان ما هو السبب في انتزاع هذا المفهوم عند العرف هو صرف الاستيلاء مطلقا تصرف أم لا.

وهل هي شاملة للأيادي الأمينة ايضا كاليد المستأجرة والمستودعة والمستعارة بالنسبة الى غير الذهب والفضة وغير صورة اشتراط الضمان؟ وجهان من ان ظاهرها الاطلاق، ومن ان الأيادي الأمينة هي مثل يد المالك نفسه، فكما ان له مخازن جمادية مثلا يضع ماله فيها كيف شاء، كذلك الأيادي الأمينة كالمخازن المذكورة للمالك، ففي الحقيقة لايصدق الآخذية على مثل المستأجر بل الآخذ نفس المؤجر، غاية الأمر بواسطة يد المستأجر.

والظاهر هو الثاني، وتظهر الثمرة في الموارد المشكوكة في انها يد عادية أم أمينة، فعلى الأول، يحكم بالضمان الا لدليل، وعلى الثاني يحكم بعدم الضمان الا ان يدل دليل على خلافه.

١٢٣

[الاتلاف]

الثاني من اسباب الضمان الاتلاف

بالمباشرة كاتلاف مال الغير بنفسه.

الثالث الاتلاف

بالتسبيب كحفر البئر على طريق الغير فوقع الغير فيه.

هذا كله في اسباب الضمان.

واما المال المضمون فنقول: انه في كل واحد من هذه الموارد الثلاثة على قسمين (احدهما) الحيوانات (ثانيهما) الاموال الصامتة.

وقد قالوا: ان الاول مضمون بالمثل واما الثاني فبعضها مضمون بالمثل وبعضها مضمون بالقيمة.

فمثلية بعض الأموال وقيمية بعضها الآخر مما لاشك ولا ريب تعتريه، والشهرة العظيمة التي كادت تكون اجماعا، ومخالفة عبيد الله بن حسن عنبري فقيه البصرة من العامة، والشيخ ابو علي بن جنيد من الخاصة، غير قادحة بعد كونهما معدودين ومعلومي النسب، وهذا لا كلام فيه.

انما الكلام في تعيين كل منهما مفهوما لينطبق عليه المصاديق فقد عرفوه بتعاريف يمكن ارجاعها الى واحد (فمنها) ان المثلي ما يتساوى اجزائه وزاد آخر (بتقارب الصفات)، وقال آخر: هو ما كان مكيلا او موزونا، وقال آخر ما يجوز فيه السلم، وعن آخر انه ان كان بين شريكين لا يحتاج في تقسيمه الى غير الكيل او الوزن.

وحاصل الجميع يرجع الى شيء واحد فلا يحتاج الى ان يقال كما عن الشيخ الأنصاري (قده): نأخذ بالمتيقن منهما ونرجع في مورد الشك الى الأصل هذا.

وكيف كان فهل هناك دليل على ضمان المثل في المثليات والقيمة في القيميات ام لا؟ يمكن ان يدعى الاجماع دليلا عليه (وفيه) ان حجية الاجماع - كما قرر في الأصول - مشروطة باتصال هذا الاجماع الى زمن المتقدمين وفتواهم بذلك في كتبهم المعدة للفتاوى التي من شأنها ان تتلقى من المعصومعليه‌السلام مع ان هذه المسئلة - أعني ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة - لم يتعرض لها كثير منهم.

نعم يمكن ان يتمسك بدليل آخر فنقول - وعلى الله التكلان -: ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : على اليد ما اخذت(١) يقتضي ان عهدة المأخوذ، عليها بجميع خصوصياتها - أعني الشخصية،

____________________

(١) عوالي اللآلي ج١ ص٢٢٤ وص٣٨٩ وج٢ ص٣٤٥ وج٣ ص٢٤٦ وص٢٥١ ولاحظ ذيول هذه المواضع أيضا.

١٢٤

والنوعية، والمالية، فاذا تلفت العين تعذرت الشخصية فتبقى النوعية فالرواية دالة على ان كل ما اخذته اليد - سواء كان حيوانا - بقسميه او اموالا صامتا - مثله على عهدة الآخذ عند تلف العين.

(لا يقال): ان المالية، من الخصوصيات للمأخوذ.

(فانه يقال): لا نسلم ذلك، بل هي امر خارج عن حقيقة المأخوذ فانها اعتبار عقلائي عند العرف وحيث كان اللازم في المعاملة المعاوضية، اعطاء شيء في مقابل ما اخذه، جعلوا الأثمان لهذا الغرض، فلذا اذا عبروا اموال الغير، عبروه بالأثمان هذا.

ولكن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من اعتق شقص عبد قوم عليه الخ(١) ، وكذا قولهعليه‌السلام : نعم قيمة بغل يوم خالفته(٢) وسائر الموارد التي حكم فيها بضمان القيمة كانت مخصصة لهذا العموم المستفاد من قاعدة اليد ولو كان تخصيصها من باب لزوم العسر والحرج ان الزم بالمثل فيما يتعسر تعيين المثل فيعلم ان كل مال مأخوذ يكون افراده مختلفة الصفات والماهيات اذا تلف يكون ضمانه قيميا.

وقد يستدل للمطلوب بقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية(٣) .

حكي عن الشيخرحمه‌الله في الخلاف، وتبعه العلامةرحمه‌الله وكثير من المتأخرين عنه، والمراد بالاعتداء الثاني، المجازاة استعمل كذلك

____________________

(١) راجع سنن أبي داود ج٤ ص٢٣ باب فيمن أعتق نصيبا له من مملوك والبابين اللذين بعده من كتاب العتق.

(٢) الوسائل باب ١٧ قطعة من حديث ١ من كتاب الاجارة ج١٣ ص٢٥٦.

(٣) البقرة/١٩٤.

١٢٥

للمشاركة، نحو فبشرهم بعذاب أليم(١) ونحو قول الشاعر: (قلت: اطبخوا لنا جبة وقميصا) بعد قول القائل لرجل: ما تميل ان نطبخ لك؟.

وظاهر مثل ما اعتدى عليكم، العموم بقرينة قوله تعالى قبيل ذلك: والحرمات قصاص(٢) ، بعد الغاء خصوصية المورد - أعني حرمة مسجد الحرام، وحرمة الاشهر الحرم بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع بعد السؤال عن المكان والزمان وجوابهم بانه الاشهر الحرم والمسجد الحرام: حرمة دمائكم واموالكم كحرمة شهركم هذا ومكانكم هذا(٣) .

فتدل الآية على ان كل ما كان له احترام شرعا فانتهك، يجوز للمسلمين، القصاص.

وهذا باطلاقه يعم استيلاء الغير على أموال المسلمين على وجه العدوان او الاتلاف بالمباشرة او بالتسبب.

ومحصل ما ذكرنا ان مقتضى الآية الشريفة التي استدل بها الشيخرحمه‌الله بضميمة قوله تعالى قبيله: (والحرمات قصاص) الضمان بالمثل في جميع الأموال المأخوذة.

ومقتضى رواية اعتاق شقص العبد، ورواية تلف البغل، ورواية عائشة في كسر القصعة التي فيها غذاء طبخه صفية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: اناء مثل اناء وطعام مثل طعام(٤) .

____________________

(١) آل عمران /٢١.

(٢) البقرة/١٩٤.

(٣) سنن أبي داود ج٢ باب صفة حج النبي ص٨٥ قطعة من حديث١.

(٤) سنن ابي داود ج٣ باب فيمن افسد شيئا يغرم مثله ص٢٩٧ من كتاب البيوع طبع بمبئي رقم ٣٥٦٨ ومسند احمد بن حنبل، ج٦ ص١٤٨ فيما روت عايشة مع اختلاف في ألفاظه.

١٢٦

تخصص القاعدة المستفادة بالنسبة الى الأموال التي لها افراد متفاوتة صفة وماهية والحكم بلزوم القيمة.

ولازم ذلك، الرجوع في الموارد المشكوكة في انه مثلي او قيمي، الى اطلاق القاعدة.

واما احتمال لزوم القيمة حتى في المثليات وان قال به بعض منهم وبعض منا الا ان ذلك لايعتد به في مقابل المشهور.

كما ان احتمال لزوم المثل في تمام الأموال خلاف الاجماع محققا ولا قائل به.

فانقدح ان الأقوى لزوم ضمان المثل في المثليات عند العرف ولزوم القيمة في القيميات عندهم، هذا غاية تقريب التفصيل، والله الموفق.

(مسئلة - ١ -) قد عرفت ضمان القيمي بالقيمة، اعلم انهم اختلفوا في زمان ضمان القيمي وبلغت الأقوال خمسة:

(الأول) قيمة يوم الرد نسب الى جمع من متأخري المتأخرين.

(الثاني) قيمة يوم التلف، نسب الى المشهور، وهذان يجريان في المغصوبات وغيرها من المضمونات.

(الثالث) قيمة يوم الغصب.

(الرابع) أعلى القيم من يوم الغصب الى يوم الرد.

(الخامس) اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف.

وجه الأول ان مقتضى قاعدة على اليد ان عين المأخوذ على عهدة الآخذ الى حين الأداء، فحينه ينتقل الى القيمة ولا وجه لقيمة يوم التلف.

وجه الثاني اما بأن يقال بانتقاله الى القيمة يوم التلف وقبله كان يجب اداء العين فاذا تعذرت العين وجب قيمة يوم الانتقال، واما بأن يقال: ان العين الشخصية لا قيمة لها بما هي هي بعد تلفها، لعدم اعتبار العقلاء قيمة، للمنعدم، وعلى تقدير الاعتبار فهو لنظائره وامثاله لا لهما.

ويؤيده المشهور القائلون بلزوم قيمة يوم التلف في القيميات قالوا بلزوم قيمة يوم الرد في المثليات عند تعذرها، لامكان اعتبار القيمة في المثلي بما هو هو، لأنه كلي، فبانعدامه من حيث الافراد لا يعدم.

١٢٧

ووجه القول بلزوم قيمة يوم الغصب كما نسب الى أبي حنيفة، توهم ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : على اليد ما اخذت الخ ناظر الى لزوم بدل المأخوذ على عهدته عند أخذه، فان كان مثليا فبالمثل وان قيميا فبالقيمة.

ووجه القول بلزوم اعلى القيم، لزوم قيمة كل واحد من ايام الأخذ الى زمان التلف على القول به او الى يوم الرد على القول الآخر، على الآخذ فاذا اتى اعلاها فقد اتى كلها والا لم يخرج عن العهدة، وعلى تقدير عدم دلالة (على اليد) فلا اقل من الشك في الخروج عن العهدة باداء الأدنى، فيرجع حينئذ الى قاعدة الاشتغال.

هذا مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة.

واما بالنظر اليها فنقول: روى محمد بن يعقوب الكلينيرضي‌الله‌عنه ، عن عدة من اصابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب عن حفص بن سليم - الملقب بأبي ولاد الحناط - قال: اكتريت بغلا الى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا، وخرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي توجه الى النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت ان صاحبي توجه الى بغداد فاتبعته وظفرت به وفرغت بيني وبينه ورجعنا الى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري واردت ان اتحلل منه مما صنعت وارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى ان يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة واخبره الرجل فقال لي: ما صنعت بالبغل؟ فقلت: قد دفعته اليه سليما؟ قال: نعم بعد خمسة عشر يوما، قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: اريد كراء بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما، فقال: ما ارى لك حقا، لانه اكتراه الى قصر ابن هبيرة فخالف وركبه الى النيل، والى بغداد، فضمن قيمة البغل وسقط الكراء، فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما افتى به ابو حنيفة، فأعطيته شيئا وتحللت منه وحججت تلك السنة فأخبرت ابا عبد اللهعليه‌السلام فيما افتى به ابو حنيفة فقالعليه‌السلام : في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الارض بركتها، قال: فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : فما ترى انت؟ فقال: ارى له عليك مثل كراء بغل ذاهبا من الكوفة الى النيل ومثل كراء بغل راكبا من النيل الى بغداد، ومثل كراء بغل من بغداد الى الكوفة توفيه اياه، قال: فقلت: جعلت فداك: قد علفته بدراهم، فلي عليه علفه؟ فقالعليه‌السلام : لا لأنك غاصب،

١٢٨

قال: فقلت له: أرأيت لو عطب البغل ونفق اليس كان يلزمني؟ فقالعليه‌السلام : نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فان أصاب البغل كسر او دبر او غمز؟ فقالعليه‌السلام : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده، فقلت: من يعرف ذلك؟ قالعليه‌السلام : أنت وهو اما ان يحلف هو على القيمة فيلزمك، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك او يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا فيلزمك، فقلت: اني كنت اعطيته دراهم ورضي بها وحللني؟ فقالعليه‌السلام : ولكن ارجع اليه فأخبره بما افتيتك به، فان جعلك في حل بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك، قال ابو ولاد: فلما انصرفت من وجهي ذلك، لقيت المكاري فأخبرته بما افتاني به ابو عبد اللهعليه‌السلام فقلت له: قل ما شئت حتى اعطيكه، فقال: قد حببت الي

جعفر بن محمد ووقع في قلبي له التفضيل وانت في حل وان احببت ان ارد عليك الذي اخذت منك، فعلت(١) .

وقد استدل القائلون بلزوم قيمة يوم الغصب بقولهعليه‌السلام في هذه الرواية: نعم قيمة بغل يوم خالفته.

توضيحه ان (لفظة) (اليوم) اما ان يتعلق بـ (نعم) او بـ (يلزمك) مقدورا او بـ (كانت) مقدرا، وعلى التقادير اما ان يكون المراد من قولهعليه‌السلام : (خالفته) حدوث المخالفة او وجودها.

فعلى الأول تدل على المدعى، واما على الثاني فلا.

واما احتمال كون (قيمة) مضافة الى (يوم) أيضا او اضافة مجموع المضاف والمضاف اليه اعني لفظة (قيمة بغل) الى (يوم) او القول بتتابع الاضافات، فكل هذه الاحتمالات خارجة عن مقتضى قواعد الأدبية والعربية.

اما الأولان فواضح، واما الاخيران فلأن اضافة اسم الذات الى

____________________

(١) فروع الكافي باب الرجل يكتري الدابة فيجاوز بها الحد الخ حديث ٦ من كتاب المعيشة.

١٢٩

اسم الزمان غير جائز بل يشترط في مثل هذه الاضافة كون المضاف اسم المعنى فلا يقال: غلام يوم الجمعة او زيد يوم الجمعة، بخلاف ضرب يوم الجمعة او غسل يوم الجمعة.

ويؤيد عدم دلالة الفقرة على المدعى قولهعليه‌السلام - في جواب السائل حين سئله أرأيت ان اصاب البغل كسر او دبر او غمز -: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده الخ فانه من البعيد ان يقال بلزوم الارش الذي هو من صفات التالف يوم الرد ولزوم نفس التالف بقيمة يوم الغصب، مع ان ضمان نفس التالف عبارة عن ضمان الاجزاء والصفات بخصوصيتها.

واما حكمهعليه‌السلام بتوجه اليمين على صاحب البغل مع انه مدع ولايمين عليه بمقتضى قواعد القضاوة المستفادة من قولهمعليهم‌السلام : البينة على المدعي واليمين على من ادعي عليه(١) ، فلابد من حمله على اختلاف الموارد - بعد القطع بتخصيص قواعد الفصل والقضاء عند الخصومة والترافع، هذا.

ونسب الى الشهيد الثاني رضوان الله عليه في الروضة - بعد نقل القول عن المحققرحمه‌الله انه نقل عن الاكثر، القول بقيمة يوم الغصب انه قال: وفي صحيح ابي ولاد عن ابي عبد اللهعليه‌السلام والصلاة في اكتراء البغل ومخالفة الشرط ما يدل على هذا القول، ويمكن ان يستفاد منه اعتبار الاكثر منه الى يوم التلف وهو قوي عملا بالخبر الصحيح (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

اقول: يمكن ان يكون نظره رضوان الله عليه من استفادة اعلى القيم

____________________

(١) راجع باب ٣ من كتاب القضاء من الوسائل ج١٨. ص١٧٠.

١٣٠

من الصحيحة الى ما ذكرنا في توجيه بعض الاقوال من امكان ارادة يوم وجود المخالفة من قولهعليه‌السلام : (قيمة بغل يوم خالفته) وجودا استمراريا من اول زمان الغصب الى يوم التلف (وبعبارة اوضح) ان الغاصب ضامن في جميع آفات وجود المخالفة فإن رد اعلاها فقد رد جميع القيم بعد تداخل بعضها

مع بعض، واذا ادى غير اعلاها لم يصدق انه رد قيمة يوم وجود المخالفة على الاطلاق، بل رد قيمة بعض آنات وجود المخالفة.

(فان قلت): يوم المخالفة صادق على الأنقص والأعلى لصدق الطبيعة على كل فرد فرد (قلت): ان الأوامر المتعلقة بالطبائع مختلفة باعتبار اختلاف الموارد، فلو قال: أكرم العالم كان ظاهرا في وجوب اكرام جميع الافراد بخلاف مثل قوله تعالى: اقيموا الصلاة كما لايخفى، هذا.

ويمكن ان يقال بعدم دلالة الصحيحة على شيء من الأقوال، لانهعليه‌السلام لايكون بصدد بيان كيفية ضمان القيمة، بل لما سئله الراوي واستفهم استفهاما انكاريا بقوله: ارأيت لو عطب البغل ونفق اليس كان يلزمني؟ فأجابعليه‌السلام بقوله: (نعم يلزمك قيمة بغل، يوم المخالفة) لا قبلها ردا لتوهم السائل بكونه ضامنا قبل يوم المخالفة.

ويمكن ان يوجه سؤال الراوي عن الضمان مع علمه به وكونه ارتكازيا لكل احد، بأنه لما اجابعليه‌السلام بلزوم تمام الكراء على الراوي بأحد وجهين اما عدم كونه ضامنا على تقدير التلف او عدم كون الضمان تابعا للانتفاع والمنفعة كما هو رأي أبي حنيفة استنادا الى ما رووه عن عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الخراج بالضمان(١) ، فلما كان الاحتمال

____________________

(١) عوالي الآلي ج١ ص٢١٩ ولاحظ ذيله.

١٣١

الأول أقوى عند الراوي سئلهعليه‌السلام بقوله: أرأيت لو عطب البغل ونفق اليس كان يلزمني؟.

وحاصل ما ذكرناه ان هذه الرواية محمولة على احد وجوه ثلاثة (احدها) دلالتها على قيمة يوم التلف بالتقريب الذي ذكرناه (ثانيها) دلالتها على اعلى القيم كما عن الروضة (ثالثها) عدم دلالتها على شيء من الاقوال لكونها في مقام بيان اصل الضمان.

لايبعد ارجحية الثالث، وعلى تقدير عدم صحة هذا التوجيه فدلالتها على قيمة يوم التلف كما نقل عن الأكثر ليس بأظهر من دلالتها على اعلى القيم كما نقلنا عن الروضة(١) .

وكيف كان فيشكل الاستدلال بها على تعيين كيفية الضمان.

اما الاستدلال بالروايات الواردة في باب الرهن الدالة على التراد بالنسبة الى الفضل عند تفاوت الدين مع العين، مثل رواية اسحاق بن عمار قال: سألت ابا ابراهيمعليه‌السلام عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم وهو يساوي ثلاثمأة درهم فيهلك، اعلى الرجل ان يرد على صاحبه مأتي درهم؟ قالعليه‌السلام : نعم لانه اخذ رهنا فيه فضل وضيعة، قلت: فهلك نصف الرهن، قالعليه‌السلام : على حساب ذلك، قلت: فيترادان الفضل؟ قال: نعم(٢) ، وفي الوسائل: ورواه الشيخ باسناده، عن احمد بن محمد الى قوله: حساب ذلك، وغيرها من الروايات، من اراد فليراجع الى الوسائل فقد عقد فيه بابا لذلك.فلا دلالة فيها على شيء من الأقوال المشار اليها، لان الاصحاب

____________________

(١) الناقل هو الشهيد الثاني في الروضة.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من كتاب الرهن، ج١٣ ص١٢٩.

١٣٢

مجمعون على ان المرتهن لا يضمن الا مع التعدي او التفريط، فيمكن حملها على التقية، لموافقتها لجماعة من العامة.

مضافا الى انها ليست بصدد بيان كيفية الضمان كما ذكرنا في دلالة صحيحة ابي ولاد.

فاذا لم يثبت شيء من الأقوال بالأخبار الخاصة فلابد من الرجوع الى قاعدة اليد فلنبحث فيها وانها دالة على أي قول من الأقوال؟.

فنقول: ان القول بلزوم قيمة يوم الرد مستندا الى انها لازمة بعد تعذر ادائها بشخصها ونوعها مدفوع بما ذكرنا سابقا من عدم اعتبار القيمة عند العرف لها بعد انعدامها وتلفها.

وكذا(١) القول بلزوم اعلى القيم من حين الغصب الى يوم الرد استنادا الى انه قيمة ماضمنه لاستيلاء يده عليها عدوانا.

فان(٢) لزوم القيمة من يوم الغصب الى يوم التلف مسلم باعتبار ان العين موجودة فبعد انعدامها لاقيمة لها بما هي عين شخصية فهذان القولان اضعف الأقوال.

اما لزوم قيمة يوم التلف استنادا الى انه يوم انتقال قيمة العين الى الذمة (فمدفوع) ايضا بما مر من ان مقتضى القاعدة.

والمفهوم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (على اليد الخ) بقرينة ذكر الذات تلو كلمة (على) تعهد الغاصب والآخذ مال المغصوب منه من يوم الغصب الى يوم الرد، ولا فرق على هذا بين بقاء العين وتلفها في ذلك(٣) .

____________________

(١) يعني مدفوع.

(٢) بيان الدفع.

(٣) يعني في التعهد المذكور.

١٣٣

نعم بعد تلف العين لا يعقل قيمة للتالف فيستحق المغصوب مطالبة ماله فيجب على الغاصب، الخروج عن العهدة بالنسبة الى مالية العين من يوم الغصب الى يوم التلف، ولزوم الخروج عنها امر ممتد في جميع ازمنة بقاء العين وتعيين خصوص يوم التلف او خصوص يوم الغصب ترجيح بلا مرجح، فيمكن بلزوم اعلى القيم، لذلك(١) .

لا لما نقله الجواهر عن بعض من لزوم اداء قيمة العين بأجزائها وصفاتها ومن جملة تلك الصفات كون العين بحيث تقابل بكذا وكذا مثلا فيلزم أدائه.

فان(٢) الأوصاف التي يلزم على الغاصب قيمتها هي التي لها وجود في الخارج كالسمن والكتابة وغيرهما من الصنائع والحرف، وضمان هذه الأوصاف لا يختص بصورة تلف العين، بل الآخذ ضامن ولو بقيت العين وانعدمت الصفات عند ردها.

فانقدح من هذا كله ان اقوى الوجوه هو القول بأعلى القيم من حين الغصب الى آن قبل آن التلف.

ثم القول بقيمة يوم التلف قوي ان قلنا باشتغال الذمة حين تلف العين وظهر ضعف بقيمة الأقوال.

هذا كله في الاختلاف من حيث الاختلاف في الأزمنة، واما اختلاف قيمته حسب اختلاف الأمكنة فقد حكي عن التذكرة، القول بلزوم اعلى القيم من مكان الغصب الى مكان التلف.

ولا يبعد الالتزام به، لما ذكرنا من دلالة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) لأجل عدم لزوم الترجيح بلا مرجح.

(٢) تعليل للنفي.

١٣٤

(على اليد ما اخذت حتى تؤدي)(١) على كون المأخوذ في ذمة الآخذ حتى يؤدي بماليته، غاية الأمر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : على اليد الخ، مشتملة على القضية التعليقية، وهي انه اذا تلف وجب على الآخذ، الخروج عن عهدة الضمان، وهو يقتضي اداء جميع ماليته ولايتحقق اداء الجميع الا بأداء أعلى القيم.

ولو كان اختلاف القيمة باختلاف الأثمان من حيث الرواج في البلاد المختلفة فعن التذكرة لزوم قيمة يوم التلف، وفيه تأمل.

(مسئلة ٢) لو كان التالف مثليا يجب على الضامن أداء المثل عند تمكنه، وعند تعذر المثل يجب اداء القيمة، فهل يجب اداء قيمة يوم الغصب، او يوم اعواز المثل، او يوم التأدية، او أعلى القيم للأربعة منها او للثلاثة او الاثنين؟ وجوه واقوال لايهمنا ذكرها بتمامها.

انما المهم بيان ان الآخذ ضامن لأعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف، او منه الى يوم الرد، او خصوص قيمة يوم الرد؟ المشهور على الأخير وان عبر كثير منهم بيوم المطالبة الا ان المالك يطالب بحسب العرف والعادة زمان تمكنه من الأداء فيكون يوم المطالبة ويوم التلف متحدا.

وكيف كان فالمهم بيان الوجه الذي استند المشهور اليه، فنقول: يمكن ان يستدل لهم بما مر سابقا من ان العين مادامت باقية يكون الغاصب ضامنا بمقتضى على اليد وعند تلفها ضامن لمثلها، وبعد تعذر المثل، يعتبر له قيمة ايضا عند العقلاء باعتبار انه كلي لا ينعدم كي لايكون له قيمة، فيقوم حين الاداء قيمة يوم الأداء.

____________________

(١) تقدم تعيين موضع الحديث، فراجع.

١٣٥

ووجه القول باعتبار قيمة يوم التلف ما ذكرنا سابقا من ان العين تنتقل بماليتها الى ذمة الغاصب مترتبا على تعذر اداء المثل، فاذا تعذر يجب ادائه بقيمة يوم الغصب.

ويمكن اعتبار اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف، بناء على دلالة على اليد على التعهد كما ذكرنا في القيمي، بل يمكن استفادة هذا من صحيحة ابي ولاد من قوله: أرأيت ان عطب البغل ونفق اليس كان يلزمني؟ بناء على ان يكون المراد من قوله: (يلزمني) لزوم المالية لا لزوم مثل التالف على الغاصب.

(مسئلة٣) هل مقتضى القاعدة اختصاص حق المطالبة بالمالك ام يعم غيره؟ الظاهر هو الثاني، لان ملاك جوازها هو ان من له الحق، له التسلط على المال وهو موجود في كل من له حق بالنسبة

الى العين، سواء كان مضافا الى كونه ذا حق مالكا ايضا لمالك الغير الممنوع شرعا من التصرف في ملكه ام لم يكن مالكا، بل له حق في العين كالمرتهن(١) والموقوف عليهم، بناء على عدم كونهم مالكين - كما ذهب اليه ابو الصلاح الحلبي(٢) - وان الملك غير باق على ملك الواقف - كما ذهب اليه المشهور - فان للموقوف عليهم مطالبة الغاصب على تقدير الغصب.

وكالغريم بالنسبة الى مديون استغرق الدين تركته، وكالوصي والموصى له بالنسبة الى الثلث الموصى به وغيرها من الموارد التي ثبت حق بالنسبة الى الملك فلذي الحق المطالبة بملاك تسلطه على المال.

(مسئلة - ٤ -) هل يمكن تعدد الضمانات بالنسبة الى مال

____________________

(١) هذه أمثلة لمن كان له حق مع عدم كونه مالكا فلا تغفل.

(٢) الكافي لأبي الصلاح.

١٣٦

واحد لمالك واحد في زمان واحد، ويدل عليه القاعدة أيضا أم لا؟ الظاهر عدم المانع عنه، بناء على ما قوينا سابقا من ان مدخول كلمة (على) معها اذا كانت خبرا للذوات يدل على التعهد كقول القائل: علي ما لك علي زيد بشرط ان يكون ما جعل مبتدءا للجار والمجرور غير متحصل مطلقا لا في الخارج ولا في الذمة وان كان الأظهر دلالتها على التعهد في صورة تحصله في الذمة كما مثلنا.

وعلى هذا، فكما يمكن تعدد الضمانات في باب الضمان الذي سبق انه ضم ذمة الى ذمة اخرى عند العامة، وتعهد الضامن ما في ذمة المضمون عندنا.

فكذا يمكن تعدده في باب الغصب كما اذا ترتب الأيادي على مال واحد، فان كل واحد من الغاصبين متعهد لما اخذه من الآخر حتى يؤديه اليه.

واما ان قلنا بدلالة (على اليد) على اشتغال الذمة كما هو متداول في ألسنة جمع من المتأخرين فيشكل شمول القاعدة لترتب الأيادي وتعدد الضمانات واشتغال ذممهم بالنسبة الى شيء واحد في زمان واحد.

مضافا الى ان هذا الاحتمال خلاف ظاهر القاعدة للاحتياج الى التقدير الكثير، فانه حينئذ يصير معناه، على آخذ المال مثل ما اخذت يده، ان كان مثليا وقيمته ان كان قيميا على تقدير التلف.

لكن يمكن شمولها له كما نسب هذا الى الميرزا الرشتي ويستفاد من كلمات الشيخ الأنصاري (قده) بتقريب ان يقال: انه لا يكون المراد من الاشتغال كون الآخذين كلهم مشتغلين ذممهم بحيث يكون المغصوب منه مالكا للأشياء المتعددة بعدد الذمم ولا في كونه عليهم بنحو الاشاعة، ولا كون ذمة المطالب به مشغولا بعد المطالبة، بل المال الواحد لايكون له الا بدل واحد، لاعتبار الاتحاد من جميع الجهات بين المبدل والمبدل منه حتى في الصفات.

١٣٧

او بتقريب ان يقال(١) : ان ذممهم مشغولة بعنوان كلي اعني الطبيعة الغير المقيدة بكونها من شخص معين، فاذا تحققت سقطت عن الباقي لاتعبدا، بل لأن المتدارك لايتدارك عقلا ولايمكن تداركه ثانيا كما لايخفى.

اذا عرفت امكان تعدد الضمانات اما لما قلنا او لما قيل.

فاعلم ان كل من تعرض للمسئلة اعترف بأنه اذا ترتب الأيادي وتلف المال عند اللاحق، فان رجع المالك الى اللاحق، فلا رجوع له الى السابق، وان رجع الى السابق فله الرجوع الى اللاحق ان لم يكن السابق غارا للاحق، والا فيستقر الضمان على الغار.

والحاصل ان للمالك الرجوع الى كل الغاصبين، غاية الأمر، استقرار الضمان، على من تلف المال عنده وان لم يكن مغرورا من السابق.

اما وجه رجوع المالك الى كل واحد منهم فعموم على اليد، اذ لا يكون للأخذ من المالك، ولا لأداء الغاصب المالك في جواز رجوعه الى الغاصب وبرائة ذمته دخل، بل يحصل ويصدق الأخذ ولو من غير المالك كما يحصل الأداء بوصول المال الى المغصوب منه ولو بتوسط غير الغاصب، هذا كله لا اشكال فيه.

____________________

(١) هذا منسوب الى الشيخ المحقق شيخ المتأخرين الشيخ مرتضى الانصاريرحمه‌الله قربه.

١٣٨

وانما الاشكال في جواز رجوع السابق الى اللاحق وقد وجه بوجوه:

(منها) ما عن الجواهررحمه‌الله من ان قاعدة على اليد تدل على ان من تلف المال عنده ضامن للمالك ومشتغل ذمته لماله دون غيره وان وجب تكليفا على كل من استولى عليه ان يؤدي مال المالك مع مطالبته، لكن كان اداء غير من تلف المال بدلا عنه فيحصل المعاوضة الشرعية القهرية، فله الرجوع الى اللاحق بمطالبة بدل ما أداه عنه.

وقد يشكل(١) عليه (اولا) بأن ظاهر قاعدة على اليد عدم الفرق بين الأيدي المترتبة ودلالتها على ضمان الآخذ على حد سواء.

(وثانيا) بأن التفكيك بين اللاحق والسابق غير معقول على القول بانتزاع الأحكام التكليفية من الوضعية.

(وثالثا) يعامل مع هذا الغاصب معاملة المديون في الغرامات وتقسيم امواله بين الغرماء وتقديم هذا الضمان على الوصايا والورثة وغيرها من احكام المديون.

(ورابعا) حصول المعارضة القهرية الشرعية ممنوع.

(وخامسا) ان مقتضاه جواز رجوع السابق الى من تلف المال عنده ولو كان في المرتبة المتأخرة عنه بمراتب وهم يقولون بجواز رجوع السابق الى لاحقه وهو الى لاحقه وهكذا الى ان يصل الى من تلف المال عنده.

(منها) ما عن الشيخ الأنصاريرحمه‌الله من ان السابق ضامن لبدل العين فقط، واللاحق ضامن لعين لها البدل (وبعبارة اخرى) الغاصب الثاني ضامن لبدل بدل العين والسابق مشترك مع اللاحق في كونه

____________________

(١) المستشكل الشيخ الأنصاري (قده).

١٣٩

ضامنا لبدل العين الا ان اللاحق، في المتأخرة عن ضمان السابق، ضامن لما ضمنه السابق ايضا، فاذا ادى السابق ما ضمنه يرجع الى اللاحق، فان المفروض انه ضامن اما لبدل العين للمالك، واما بدل بدله للسابق على سبيل منع الخلو، غاية الامر، ضمانه لبدل العين غير مشروط بشيء غير تلف العين.

واما ضمانه لبدل بدل العين بأداء السابق، فاذا رجع اليه عمل بمقتضى البدلية، والا خرج البدل عن كونه بدلا وهو غير معقول.

وقد اشكل عليه (أولا) بأنا لا نسلم ضمان اللاحق، عينا لها البدل، بل هو ضامن لنفس العين مع قطع النظر عن هذا الوصف.

(وثانيا) لا دليل على هذا الضمان.

(وثالثا) كون السابق ضامنا للبدل قبل تلف العين، ممنوع، بل مادامت باقية لا ضمان اصلا، فاذا تلفت ضمن كلهم في عرض واحد شيئا واحدا من دون تفاوت أصلا.

(ورابعا) ان دليل الضمان قاعدة اليد، ولايد للاحق بالنسبة الى ما ضمنه السابق، بل يده ثابتة على نفي المبدل (فان قلت): ثبوت يده على المبدل ثبوت على البدل ايضا كالمنافع بالنسبة الى العين (قلنا): هذا ممنوع، فان المنافع مضمونة بتبع اخذ العين، بخلاف البدل، فانه مستقر في ذمة السابق لا مأخوذ بيد اللاحق كما لا يخفى.

(وخامسا) النقض بضمان الضامن في باب الضمانات، فانهم لا يقولون بأن الضامن عن الضامن الأول يرجع اليه عند تلف الضمون به او عند اداء الأول ما يضمنه للمضمون له.

(وسادسا) النقض برجوع العين من اللاحق الى السابق ثانيا وتلفها عنده فانه لا يقول احد برجوع اللاحق الى السابق في هذه الصورة مع ان مقتضى ما ذكر ذلك.

١٤٠