• البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17531 / تحميل: 3292
الحجم الحجم الحجم
تقريرات ثلاثة

تقريرات ثلاثة

مؤلف:
العربية

لم يقبل كما هو ظاهر ذيل بعض تلك الروايات وهو قولهعليه‌السلام : (وان اوصى اليه وهو في البلد فذاك اليه ان شاء قبل وان شاء لم يقبل).

لكنها واردة في مقام لزوم اصل الوصية وعدم لزومها، وساكتة من حيث سائر الموارد اللهم الا ان يقال: انها تشمل الامور المتعارفة وحينئذ يدخل التجهيزات ايضا ان كان متعارفا كالامور المذكورة.

واما مثل ان يوصي بأن يقرأ شخص القرآن في كل يوم كذا سورة او كذا آية مثلا، فشمولها لمثله مشكل.

وكيف كان فمن استظهر من هذه الروايات تعميم الحكم لكل وصية فله ان يفتي بذلك الا ما خرج بالدليل، ومن لم يستظهر ذلك يتوقف في الموارد المشكوكة والمتيقن ما ذكرناه، فتأمل.

ثم لايخفى ان تفصيل القوم بين الموت وغيره استنادا الى هذه الروايات التي لم يذكر فيها الموت، لا يستقيم الا بالغاء الخصوصية او بالفحوى بأن يقال: مثلا لو كانت الوصية ثابتة على الغائب مع كون الموصى حيا فعند موته اولى، او يقال: ان المناط عدم امكان تعيين الموصي وصيا آخر سواء كان بموت الموصي او بغيبة الوصي مع عدم وصول الرد اليه، او وصل اليه ولم يمكن له تجديد الوصية وتعيين وصي آخر، كما ربما يشعر قولهعليه‌السلام غيره(١) ، وقوله في رواية الفضيل: وان كان في مصر يوجد فيه غيره وقولهعليه‌السلام في رواية المنصور: (لأنه لو كان شاهدا فأبى ان يقبلها طلب غيره)(٢) فتدبر جيدا.

(الثالثة) لو اوصى بكون ماله مضاربة بينه وبين صغاره من الورثة، فهل يلزم على الموصى اليه القبول ام لا؟ لا دليل عليه الا اطلاق الروايات

____________________

(١) و (٢) الوسائل باب ٢٣ حديث ٢و٣ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٣٩٨.

٢١

السابقة، نعم ان قبل وضارب وتلف المال من غير تفريط لم يضمن.

كما يدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن خالد: (ابن بكير خ ل الوسائل) الطويل، قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال اخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح واعطهم النصف وليس عليك ضمان فقد متني ام ولد ابي بعد وفاة ابي الى ابن ابي ليلى، فقالت: ان هذا يأكل اموال ولدي قال: فاقتصصت عليه ما امرني به ابي، فقال ابن ابي ليلى: ان كان ابوك امرك بالباطل لم أجزه، ثم اشهد علي ابن ابي ليلى ان انا حركته فأنا له ضامن فدخلت على ابي عبد اللهعليه‌السلام فقصصت عليه قصتي ثم قلت له: ما ترى فقالعليه‌السلام : اما قول ابن ابي ليلى فلا استطيع رده واما فيما بينك وبين الله عز وجل فليس عليك ضمان(١) .

____________________

(١) الوسائل باب ٩٢ حديث ٢ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٤٧٨.

٢٢

يشترط في الموصى به امور

(الأول) سلطنة الموصي عليه اما بالملك او المنفعة او الحق، كحق التحجير ولا يشترط وجوده الفعلي، بل يصح الوصية بما سيوجد اذا كان له مولد (وبعبارة اخرى) اذا كان له اصل كالوصية بحمل الدابة والثمرة مدة معينة او دائما.

وهل يحكم بنفوذها اذا لم يكن للموصي مال اصلاً أيضا كالوصية بما سيملكه بالهبة او بالارث او غيرهما من اسباب حصول الملك ام لا؟ الظاهر انه لامانع لحكمهم من غير نكير بجواز الوصية بالثلث، وقالوا: ان المناط في الثلث حين الموت لا حين الوصية مع انه ربما لايكون له عند الوصية مال اصلا، ومع ذا يحكمون بصحتها ولزوم العمل بمقتضاها.

ولايشترط المعلومية ايضا، فلو اوصى بصبرة مجهولة جاز، ولا المقدورية على التسليم، فلو اوصى بالدابة الشاردة او العبد الآبق جاز ايضا.

الثاني هل يعتبر التعيين ام لا؟ وجهان بل قولان بين العامة والخاصة فلو اوصى باحد العبدين او الشيئين مثلا (فتارة) يوصي باعطاء احدهما، وحينئذ فلا مانع منها والتعيين بيد الوصي لا الموصى له، لان الموصى له هو احدهما وهو مستحق له فقط، واما خصوصية احدهما فهو بيد الوصى.

(واخرى) يوصي بكون احدهما ملكا له بعد موته حكى عن العلامة في التذكرة قولين (أحدهما) الصحة، لان الوصية تستلزم استحقاق الموصى له لما يوصى به، والمفروض انه اوصى بذلك فيستحق ما اوصى له (والثاني العدم) لان كل واحد من خصوصية احدهما ليس بموصى به على الفرض، والفرد المردد ليس له وجود في الخارج، والكلي ليس ملحوظا حين الوصية فلا يمكن تعلق حق الوصية بشيء.

واقرب الوجهين هو الأول، لما ذكرنا من استلزام الوصية استحقاق المطالبة من الوصي، غاية الأمر تعيينه بيده، وليس التشخص للخارجي شرطا في تحقق الوصية.

(الشرط الثالث) ان لايكون زائدا على الثلث، فلو كان زائدا عليه يحتاج الى اجازة الورثة فهنا مسائل ثلاث (الأولى) جواز الوصية بالثلث (الثانية) عدم نفوذ الزائد عليه (الثالثة) نفوذ اجازة الورثة في الزائد.

٢٣

(اما الاولى) فيدل عليها روايات (منها) رواية شعيب بن يعقوب، عن ابي بصير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال: ثلث ماله، وللمرأة ايضا(١) .

(ومنها) مرسلة مرازم، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يعطي الشيء ماله في مرضه؟ قالعليه‌السلام : ان ابان به فهو جائز وان اوصى به فهو من الثلث(٢) .

(ومنها) رواية ابن ابي عمير، عن ابن سنان(٣) عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قالعليه‌السلام : للرجل عند موته ثلث ماله، وان لم يوص فليس على الورثة امضاؤه(٤) .

ورواية علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام : ما للرجل من ماله عند موته قالعليه‌السلام : الثلث، والثلث كثير(٥) .

(ومنها) رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام (في حديث): من اعتق وعليه دين، قال: قلت لهعليه‌السلام : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قالعليه‌السلام : بلى(٦) وغيرها مما يجده المتتبع.

(واما الثانية) اعني عدم نفوذ الزائد على الثلث فلا خلاف بينهم الا عند والد الصدوق فقال: بنفوذها في ماله كله استنادا الى رواية عمار الساباطي، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: الرجل احق بماله مادام فيه

____________________

(١) و (٢) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ ٤ ٧ ٨ ٩ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٣٦٢ ٣٦٣.

(٣) يعني عبد الله الوسائل.

٢٤

الروح اذا اوصى به كله فهو جائز(١) .

وهذه الرواية مضافا الى كونها شاذة رواية وفتوى، معارضة برواية عمار نفسه، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام ، قالعليه‌السلام : الميت احق بماله مادام فيه الروح يبين به، فان قال: بعدي فليس له الا الثلث(٢) .

وبمرسلة مرازم، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يعطي الشيء من ماله في مرضه؟ قالعليه‌السلام : ان ابان به فهو جائز، وان اوصى به فهو من الثلث(٣) .

مع انها قابلة للحمل على كونه مديونا قبل موته وكانت وصيته لاداء الدين او الاقرار بأن ماله ماله او الوصية بهبة الورثة مالهم له، وان كان في هذه المحامل كلها نظر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وكيف كان، يدل على فتوى المشهور من عدم نفوذ اكثر من الثلث، روايات (منها) ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: كان امير المؤمنينعليه‌السلام يقول: لئن اوصي بخمس مالي احب الي من اوصي بالربع، ولئن اوصي بالربع احب الي من (أن) اوصي بالثلث ومن اوصى بالثلث فلم يترك وقد بالغ الحديث(٤) .

(ومنها) ما رواه حماد بن عثمان، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال من اوصى بالثلث فقد ضر بالورثة والوصية بالربع والخمس افضل من الوصية بالثلث، ومن اوصى بالثلث فلم يترك(٥) .

____________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١٩ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٣٧٠.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ١٢ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٣٧٠.

(٣) الوسائل باب ١٠’ حديث ٤ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٣٦٢.

(٤) و (٥) الوسائل باب ٩ حديث ١ ٢ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٣٦٠.

٢٥

(ومنها) ما وراه مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن ابيهعليهما‌السلام قال: لئن اوصي بالخمس احب الي من ان اوصي بالثلث، ومن اوصى بالثلث فلم يترك شيئا(١) .

وهذه الروايات وان أمكن ان يخدش فيها بانها لا تدل على حرمة الوصية بالزائد عن الثلث باحتمال ارادة الكراهة منها الا انه خلاف الظاهر ولا سيما بالنسبة الى بعضها حيث انهعليه‌السلام سئل عن كمية ما اوصى الرجل فأجاب بالثلث.

(وبعبارة اخرى) قد يكون الخبر سؤالا وجوابا في مقام تحديد موضوع الوصية، مثل ما رواه سماعة، عن ابي بصير، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل، له الولد، يسعه ان يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء الى ان يأتيه الموت، قال: فان اوصى به فليس له الا الثلث(٢) فانه في مقام بيان ان مازاد عليه لايكون نافذا، بناء على ماتقدم من لفظة (ليس له الخ) حكم وضعي لاتكليفي وهذا واضح.

(واما الثالثة) وهي ان الورثة ان اجازوا في الزائد نفذت الوصية فيدل عليه روايات (منها) ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، قال: كتب احمد بن اسحاق الى ابي الحسنعليه‌السلام ان درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة اشقاصا في مواضع واوصت لسيدنا في اشقاصها بما يبلغ اكثر من الثلث ونحن اوصياؤها واحببنا انهاء ذلك الى سيدنا، فان امرنا بامضاء الوصية على وجهها امضيناها، وان امرنا بغير ذلك انتهينا الى امره

في جميع ما

____________________

(١) الوسائل باب٩حديث ٣من كتاب الوصايا ج ١٣ص٣٦١.

(٢) الوسائل باب١٠ حديث ٦من كتاب الوصايا، ج ١٣ص٣٦٣.

٢٦

يأمر به ان شاء الله؟ قال: فكتبعليه‌السلام بخطه: ليس يجب لها في تركتها الا الثلث وان تفضلتم وكنت انتم الورثة كان جائزا لكم ان شاء الله(١) .

(ومنها) ما رواه علي بن عقبة، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة ان يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال: ما يعتق منه الا ثلثه وسائر ذلك، الورثة احق بذلك، ولهم ما بقي(٢) .

(ومنها) ما رواه حريز، عن محمد بن مسلم، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام في رجل اوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم ان يردوا ما اقروا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، والوصية جائزة عليهم اذا اقروا بها في حياته(٣) .

بتقريب ان قول الراوي: (فأجازوا ذلك) بضميمة سكوت الامامعليه‌السلام ما يدل على كون الوصية ازيد من الثلث، والا فالوصية بالثلث غير محتاجة الى اجازتهم كما لايخفى.

ويظهر هذا المعنى مما رواه منصور بن حازم، قال: سألت ابا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل اوصى بوصية اكثر من الثلث وورثته شهود فأجازوا ذلك له؟ قال: جائز(٤) .

____________________

(١) و (٢) الوسائل باب ١١ حديث ١ ٤ من كتاب الوصايا، ص ٣٦٤ و٣٦٥.

(٣) و (٤) الوسائل باب ١٣ حديث ١ ٢ من كتاب الوصايا ج١٣ ص ٣٧١ و٣٧٢، وفي الوسائل بعد نقل الثاني قال: قال ابن رباط: وهذا عندي على انهم رضوا بذلك في حياته واقروا به (انتهى) يعني بابن رباط: علي بن الحسن بن رباط الراوي عن منصور بن حازم.

٢٧

فرع

لو اوصى بجميع ماله، فهل يحمل على ان الميت كان مديونا للموصى له او كان ابتداء وصية للورثة بان يهبوا مالهم للموصى له فيحكم حينئذ بنفوذها ام لا، بل يحكم ببطلانها بالنسبة الى الزائد على الثلث مع عدم اجازة الورثة؟ وجهان.

ظاهر(١) الرياض بقرينة حمله كلام والد الصدوق القائل بنفوذ الوصية بجميع المال وكذا حمل ما عن الفقه الرضوي الآتي، على امكان ان لا يريد الموصي الوصية، ذلك.

قال في الرياض بعد نقل الفقه الرضوي: (فان اوصى بماله كله فهو اعلم بما فعله) ويلزم الوصي انفاذ وصيته على ما اوصى عليه ما هذا لفظه: (ويحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء بان يكون المراد به يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصى به من حيث وجوب العمل بالوصية وحرمة تبديلها بنص الكتاب والسنة، وانما جاز تغيرها اذا علم ان فيها جوازا ولو بالوصية بزيادة عن الثلث، وهو بمجرد احتماله غير كاف، فلعل الزيادة عنه وقعت الوصية بها من دون حيف اصلا كان وجبت عليه في ماله باحد الاسباب الموجبة له والموصى اعلم به، وهذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرعا، وحاصله انه يجب على الوصي انفاذ الوصية مطلقا ولو زادت عن الثلث لاحتمال وجوبها في ماله الا ان يعلم بكون الوصية تبرعا فلا يمضي منها الا الثلث كما عليه العلماء، وهذا التوجيه ان لم نقل بكونه ظاهرا من عبارته فلا اقل من

____________________

(١) هذا مبتدأ خبره قوله: ذلك.

٢٨

تساوي احتماله لما فهموه منها فنسبتهم المخالفة اليه ليس في محله (انتهى كلامه رفع مقامه).

ولكن يرد عليه انه خلاف اليد وخلاف الأصل، لان الاصل عدم كون الموصي مديونا والأصل عدم استحقاقه، والاصل عدم وجوب رد تمام المال على الوصي، فيشكل حينئذ الحكم بلزوم العمل على الورثة باعطاء جميع المال للموصى له، فتأمل.

(مسئلة ١) يقدم الكفن على الديون، وهي على الوصية، وهي على الارث، ويدل عليه ما رواه محمد بن يعقوبرحمه‌الله ، عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: اول شيء يبدأ به من المال، الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث(١) .

وما رواه محمد بن قيس، عن ابي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية، فان اول (اولى خ ل) القضاء كتاب الله(٢) وغيرهما من الروايات كرواية الفضل بن الحسين الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان عن امير المؤمنينعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى: (من بعد وصية توصون بها او دين): انكم لتقرأون في هذه الوصية قبل الدين وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) الوسائل باب٢٨ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٠٦.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ٢ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٠٦ وسنده هكذا: علي بن ابراهيم، عن ابيه، وعدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس.

٢٩

قضى بالدين قبل الوصية(١) .

ثم اعلم ان التقديم انما هو حق الميت لا حق الغرماء في الدين، فحق الكفن او الدين يخرج من الأصل.

ثم الضابط في كون شيء دينا اعتباره في الأدلة نحو اعتبار الدين ولو كان من فرائض الله عز وجل كالحج، فان اعتباره في لسان الآية اعتبار الدين، قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا(٢) وقال تعالى: انما الصدقات للفقراء والمساكين الآية(٣) وقال عز وجل: واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى(٤) ، هذا في الواجبات المالية.

واما الواجبات البدنية، كالصلاة والصوم والحج المندوب، فهل هي من الأصل او من الثلث؟ فيه خلاف.

وقد استدل على كونها من الاصول بوجوه (الأول) الاجماع المنقول والشهرة المحققة (ثانيها) ما رواه الخثعمية من أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اياها بالحج عن ابيه، وقال لها: فدين الله احق ان يقضى(٥) .

ورواية معاوية بن عمار، قال: أوصت الي امرأة من اهل بيتي

____________________

(١) الوسائل باب ٢٨حديث ٥ من كتاب الوصايا ج١٣ ص٤٠٧، والآية في النساء ١٢.

(٢) آل عمران/ ٩٧.

(٣) التوبة/٦٠.

(٤) الأنفال/٤١.

(٥) المستدرك باب ١٨ حديث ٣ من ابواب وجوب الحج ج٢ط قديم ص٥ وليس فيه: (أن يقضى).

٣٠

بثلث(١) مالها وامرت ان يعتق عنها ويحج ويتصدق فلم يبلغ ذلك فسألت أبا حنيفة فقال: يجعل ذلك اثلاثا، ثلثا في الحج، وثلثا في العتق، وثلثا في الصدقة، فدخلت على ابي عبد اللهعليه‌السلام فقلت له: ان امرأة من اهل بيتي ماتت وأوصت الي بثلث مالها وأمرت أن يعتق عنها ويحج ويتصدق فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال: ابدأ بالحج فانه فريضة من فرائض الله عز وجل، واجعل ما بقي طائفة في العتق وطائفة في الصدقة فأخبرت أبا حنيفة قول أبي عبد اللهعليه‌السلام فرجع عن قوله وقال بقول أبي عبد اللهعليه‌السلام (٢) .

وبهذا المضمون عدة روايات اخر وفي بعضها: (ابدأ بالحج فانه مفروض)(٣) .

(الرابع) من أدلة تقديم الواجبات البدنية من الأصل الاعتبار، وهو ان كون الوارث وارثا للتركة لكونه كالميت وقائما مقامه، فهو ما دام الاحتياج (يعني احتياج الميت) ممنوع من التصرفات في التركة والمفروض ان الواجبات البدنية مما يحتاج اليه الميت، فبعد رفع الاحتياج ينتقل ما بقي من المال الى الورثة فتأمل، فكما يكون الواجب المالي مقدما على

____________________

(١) في بعض النسخ (بمالها) وما نقلناه هو أصح النسختين على ما أفاده سيدنا الأستاذ الأكبر (قده) استنادا الى انه هو الموجود في كتب المتقدمين التي هي المناط في ترجيح النسخ.

(٢) الوسائل باب ٦٥ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٥.

(٣) الوسائل باب ٦٥ حديث ٢ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٦، أقول: وفي بعضها: ان كان عليها حجة مفروضة فان ينفق ما اوصت به في الحج احب الي من ان يقسم في غير ذلك، المصدر حديث٤.

٣١

الارث فكذا الواجب البدني لاشتراكهما في كونهما مما يحتاج اليه الميت.

هذا ملخص ومحصل ما استدل به للقول بأنها من الأصل.

(وفيه) ان الاجماع المنقول المدعى ممنوع فانه توهم من عبارة الغنية، وهي هذه: قال في الغنية: والواجب منها البداية بالاقرار على جهة الجملة بما أوجب الله (الى ان قال): ثم الوصية بقضاء ما عليه من حق واجب دين ديني او دنيوي ويخرج ذلك من اصل التركة ان اطلق ولم يقيد بالثلث (الى ان قال): والوصية المستحبة والمتبرع فيها محسوبة من الثلث (الى ان قال): ومن اوصى بوصايا من ثلثه وعين فيها الحج وكان عليه حجة الاسلام قدم الحجة، لأن الحج واجب الخ، ثم ادعى الاجامع في أواخر عبارته، ولا يعلم ان هذا الادعاء هل يرجع الى جميع ما ذكره من اول احكام الوصية او يرجع الى الحكم الأخير منها.

مضافا الى انه لم يعلم ان المراد من قولهرحمه‌الله : (دين ديني او دنيوي الخ) مطلق الواجبات البدنية والمالية أم خصوص المالية، فيحتمل ان يكون قولهرحمه‌الله : (ديني) اشارة الى الحج والزكاة والخمس التي امر بها الشارع، ومع ذلك هي دين على المكلفين كما مر من ان اعتبارها في ادلتها على نحو الدينية.

واما رواية الخثعمية ونحوها مما اطلق فيه الدين وانه بقول مطلق مقدم على الوصية والارث، فيمكن ان يقال: ان سؤال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منها بأنك هل تقضي عن ابيك ما يكون دينا عليه، مشعر بأن، الحج ليس دينا حقيقيا فاحتيج الى التنظير بالدين والا فلا وجه لتفريعهعليه‌السلام لزوم الحج من الأصل بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (فدين الله احق ان يقضى) كما لا يخفى على المتأمل.

٣٢

ويؤيد عدم كون الحج دينا حقيقيا قولهعليه‌السلام في بعض الأخبار: (ان الحج بمنزلة الدين)(١) سلمنا كونه دينا، لكن لايلزم منه ان يكون مطلق الواجبات كذلك.

واما راوية معاوية بن عمار، فموردها الثلث أولا، والوصية بالحج ثانيا(٢) والكلام انما هو في تقديم الواجب بما هو واجب لا بما هو وصية، والتعليل انما يفيد لعدم كون الغير الواجب مقدما على الواجب فيما اذا اوصى بأمور متعددة كما سيأتي ان شاء الله تعالى(٣) .

(مسئلة ٢) قد تقدم ان التقدم في بعض الامور حق للميت، واما الاجازة، فهل هي تنفيذ للوصية او انها هبة ابتدائية من الورثة كما ذهب اليه جماعة من العامة ويتفرع عليها على ما نقل عن العلامة ان الوارث ان كان محجورا ولو من الحاكم لم يكن له الاجازة على الثاني دون الأول.

وفيه انه قد مر ان تحقق الوصية في الفرض يحتاج الى أمرين (احدهما) انشاء الموصي (ثانيهما) اجازة الوارث فحينئذ يكون للوارث سلطان على هذا المال، والمفروض ان الحاكم قد حجره بالنسبة الى اعمال السلطنة في هذا المال، فيمكن ان يقال: ان ادلة الحجر تعم ذلك فلا يجوز له الاجازة مطلقا حتى على القول بأنها تنفيذ، وكيف كان ففي هذا الفرع مطلقا وجهان.

____________________

(١) راجع باب ٢٩ حديث ١ من أبواب وجوب الحج ج٨ ص٥٢ وفيه: (انما هو يعني الحج مثل دين عليه).

(٢) والتعبير بان الحج احب الي الخ الدال على عدم تعين الحج ايضا كما تقدم في بعض الأخبار ثالثا.

(٣) في المسئلة التالية اللاحقة.

٣٣

(مسئلة ٣) لو اوصى بأمور متعددة (فاما) ان يكون كلها واجبة (أو) يكون كلها مندوبة (أو) يكون بعضها واجبا وبعضها مندوبا.

فان كانت واجبة (فاما) ان يكون واجبات مالية او بدنية او مختلفة، فان كانت مالية تخرج من الأصل، وان كانت بدنية تخرج من الثلث على الأقوى، كما مر بيانه، وان كانت مختلفة، فالمالية من الأصل، والبدنية من الثلث.

وان كانت مندوبة يقدم ما ذكره أولا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع وهكذا، حتى يتم الثلث والنقص وارد على الأخير.

ويدل عليه ما رواه الصدوقرحمه‌الله باسناده، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة، عن حمران، عن أبي جعفرعليه‌السلام في رجل أوصى عند موته، وقال: اعتق فلانا وفلانا وفلانا حتى ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلاثة أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: ينظر الى الذين سماهم وبدا بعتقهم فيقومون وينظر الى ثلثه فيعتق منه اول شيء ذكر ثم الثاني والثالث ثم الرابع ثم الخامس، فان عجز الثلث كان في الذين سمى أ’خيرا لانه اعتق بعد مبلغ الثلث مالايملك فلا يجوز له ذلك(١) .

وان كان بعضها واجبا وبعضها مندوبا يخرج الواجب من الأصل ان كان ماليا، والمندوب من الثلث.

ولو كان الواجب بدنيا ففي تقديم الواجب ولو كان متأخرا في الوصية

____________________

(١) الوسائل باب ٦٦ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٧، ورواه الكلينيرحمه‌الله أيضا بسندين، وكذا الشيخ بسندين كل واحد منهما ينتهي الى ابن محبوب فهو خبر مصحح.

٣٤

أو يقدم ما بدأ في الموصى فيها ولو كان مندوبا؟ وجهان ينشآن (من) قولهعليه‌السلام في رواية معاوية بن عمار: ابدأ بالحج فانه فريضة من فرائض الله(٢) وهو ظاهر في ان الواجب بما هو واجب مقدم على غيره مطلقا، وتقييد بالواجب المالي خلاف ظاهر التعليل (ومن) ظاهر قولهعليه‌السلام في هذه الرواية، لانه اعتق بعد مبلغ الثلث مالايملك فلا يجوز له ذلك، فانه ظاهر في ان الواجب اذا كان متأخرا بحيث لايكفيه الثلث لايكون مشمولا لأدلة وجوب العمل بالوصية فلا تكون نافذة.

لكن تقديم الواجب هو المتعين، لانه هو المشهور كما نقل عن الشيخرحمه‌الله في المبسوط وابن ادريس في السرائر، والعلامة في القواعد، والتحرير، والارشاد، والمحقق في الشرايع والنافع، ثم نقل عن الشيخرحمه‌الله في النهاية، والمفيدرحمه‌الله في المقنعة، والصدوقرحمه‌الله في المقنع انهم عبروا عن هذه المسئلة بمورد رواية معاوية بن عمار، والمسئلة تحتاج الى استقراء تام فتأمل جيدا.

(مسئلة ٤) في ان منجزات المريض هل هي من الثلث او من الأصل قولان، لابد أولا من بيان محل النزاع ثم ذكر ادلة الطرفين واختيار احدهما ثانيا، فنقول:

(بعون الله الملك العلام): مقتضى الأصل في التصرفات الراجعة الى ما بعد الموت عدم النفوذ مطلقا الا ما خرج لانتقال التركة الى الورثة بمجرد زهوق الروح فلا يجوز تصرف شخص في ملك آخر الا بالدليل، فلذا عبر في بعض الأخبار بالتصدق حتى بالنسبة الى الثلث في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) الوسائل باب ٦٥ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٥.

٣٥

ان الله تصدق عليكم بثلث اموالكم في آخر أعماركم الخبر(١) .

كما ان مقتضى الأصل في التصرفات قبل الموت، النفوذ، لأنه تصرف من اهله في محله فيمضي على القاعدة ما لم يقم دليل على عدم النفوذ.

نعم لو قيل: بأن الانسان يحدث لورثته في مرضه حق بالنسبة الى هذا المال مانع عن التصرف وهذا الحق يوجب حجب المالك عن التصرف يمكن ان يقال بعدم نفوذ تصرفاته الا من الثلث.

اذا عرفت هذا فنقول: لا اشكال في نفوذ تصرفاته من ثلثه بالنسبة الى ما بعد الموت، كما لااشكال في جوازها ايضا من الاصل بالنسبة الى التصرفات التي لايعقل ان تكون نافذة تارة وغير نافذة اخرى كالأكل والتداوي وامثال ذلك، ولا اشكال ايضا في التصرفات التي لها ما بحذاء في الخارج كالبيع بثمن المثل والاجارة بأجرة المثل والصلح بمثل مال المصالحة ونحو ذاك، ولا اشكال ايضا فيما اذا تصرف بالهبة والوقف والمحاباة مثلا في مرضه ثم برىء منه، وان امثال هذه التصرفات نافذة ايضا عوضها دون مثلها كالموقف والهبة والبيع المحاباتي بالنسبة الى المقدار الزائد مثلا، ولم يبرأ منه حتى اتصل موته به، نعم قد نقل عن العلامة في التذكرة قولان بالنسبة الى أصل المرض في انه هل يكون مطلق المرض المتصل بالموت، او المرض المخوف المتصل به؟ حكى عن الشافعي، التصريح بأن المراد، الثاني واختار العلامة في التذكرة الأول.

وكيف كان ففي أصل المسئلة خلاف بين العامة والخاصة فذهب

____________________

(١) المستدرك باب ٩ حديث ٤ من كتاب الوصايا، نقلا عن درر اللآلي عن معاذ بن جبل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم، ج٢ طبع قديم ص٥١٩.

٣٦

العامة كلهم الا عن المسروق وهو ممن لا يعبأون بخلافه الى ان منجزات المريض بالمعنى الذي ذكرناه من الثلث ففي الخلاف بعد الحكم بأنه اذا لم يكن منجزا فمن الثلث قال: وان كان منجزا مثل العتاق والهبة والمحاباة فلأصحابنا فيه روايتان (احديهما) انه يصح، والأخرى انه لايصح وبه قال الشافعي وجميع الفقهاء(١) ولم يذكروا فيه خلافا دليلنا على الأول، الأخبار المروية من طرق اصحابنا ذكرناها في كتابنا الكبير(٢) (انتهى).

وفي الرياض نقلا من السرائر العتق في المرض المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في الأصل، وعند الباقين، في الثلث، وهو مذهب المخالفين (انتهى موضع الحاجة من كلامهرحمه‌الله .

واستدلوا عليه بما في سنن أبي داود والشافعي في كتابه الأم بما رواه ابو قلابة عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، ان رجلا أعتق ست أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فبلع ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاهم فجزءهم ثلاثة أجزاء فاعتق اثنين وأرق أربعة(٣) .

____________________

(١) يعني بهم فقهاء العامة.

(٢) الخلاف ج٢ ص٣٨ من الطبع الحجري، ومراده من الأول انه اذا لم يكن منجزا فلا تغفل، ومراده بالكتاب الكبير، التهذيب وهو احد الكتب الأربعة وليس فيه استثناء المسروق من العام، ولعل الوجه ما اشار اليه سيدنا الأستاذ (قده) من عدم الاعتناء بخلافه، والله العالم.

(٣) سنن أبي داود ج٤ باب فيمن اعتق عبيدا لهم لم يبلغهم الثلث تحت رقم ٣٩٦١ طبع مصر والام: ج٤ ص١١٩.

٣٧

وهذه الرواية وان كانت واحدة لكنهم رووها بطرق متعددة، وفي بعضها بعد قوله: وارق اربعة: وقال له قولاً شديداً(١) ، وفي بعضها وقال يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو شهدته قبل ان يدفن، لم يدفن في مقابر المسلمين(٢) ، ويمكن ان يراد بقول: (وقال له قولا شديدا) ما في النقل الأخير.

وكيف كان يدل الرواية بظاهرها على ان المنجز، يخرج من الثلث بعد الغاء خصوصية المورد وهو العتق فلا فرق بينه وبين غيره كالهبة او المحاباة وهو المطلوب.

وفيه مواقع للنظر كما لايخفى (اما أولا) فانه لم يعلم ان عمران بن حصين موثق أم لا؟(٣) ، بل نقل انه اسلم في اواخر عمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) سنن أبي داود ج٤ باب فيمن أعتق عبيدا لهم لم يبلغهم الثلث، تحت رقم ٣٩٥٩.

(٢) سنن أبي داود ج٤ باب فيمن أعِتق عبيدا لهم لم يبلغهم الثلث، تحت رقم ٣٩٥٨.

(٣) لكن تنقيح المقال للمحقق المتتبع ج١ ص ١٩٧قال الكشي: قال الفضل بن شاذان: ان من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ابو الهيثم بن التيهان (الى ان قال): وعمران بن الحصين الخ وفي ج٢ منه ص٣٥٠ نقلا عن جامع الاصول انه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم (الى ان قال): وعن الذهبي عمران بن حصين بن نحيد أسلم مع أبي هريرة، وكانت الملائكة تسلم عليه مات سنة اثنتين وخمسين (انتهى) فالرجل من الحسان بلا شبهة (انتهى ما في ج٢ من التنقيح) وفي معجم الرجال للسيد الآية الخوئي مدّ ظله ج١٣ ص١٣٩ ما يدل على كونه حسن الحال حسن العقيدة، فراجع.

٣٨

وقد احتاط في اعانة الأميرعليه‌السلام في حرب معاوية، ونقل ايضا ان ابا قلابة(١) فيه نصب يسير.

(واما ثانيا) فلم يعرف ولم يعلم كون عمران بن حصين في هذا النقل عارفا بخصوصية الواقعة كي يحكيها كما هي، ولم ينقلها عند معصومعليه‌السلام كي يكون النقل عند المعصوم وسكوته تقريرا فتكون حجة لنا ولهم.

(واما ثالثا) فلأنه متفرد في نقله هذه الرواية ولم توجد في الصحاح الستة عن غيره فيكشف عن عدم اعتبارها.

(واما رابعا) كما يمكن ان تكون لفظة (عند) في قوله: (عند موته) قيداً لاعتاقه الانشائي بمعنى ان انشائه الاعتاق كان عند موته، غاية الأمر لما لم يكن ايجاد الانشاء قرب الموت حقيقة فلابد ان يحمل على القرب المجازي، كذا يمكن ان تكون قيدا للانعتاق بمعنى ان انشائه وان كان في حال الموت، فاذا احتمل الأمران لم يجز الاستدلال سيما ظهوره في الثاني بقرينة استعمال لفظة (عند الموت) في غير واحد من الموارد في الوصية:

مثل رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ان اعتق رجل عند موته خادما له ثم اوصى بوصية اخرى اعتقت الخادم من ثلثه والغيت الوصية الا ان يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية(٢) .

وصحيحة عبد الرحن بن الحجاج، قال: سئلني ابو عبد اللهعليه‌السلام : هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت: بلغني انه مات

____________________

(١) الراوي عن أبي المهلب عن عمران.

(٢) الوسائل باب ٦٧ حديث ٣ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٨.

٣٩

مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم، فأعتقهم عند الموت فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك فقال ابن شبرمة: أرى ان تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها الى الغرماء، فانه قد اعتقهم عند موته فقال ابن أبي ليلى: أرى أن أبيعهم وادفع اثمانهم الى الغرماء فانه ليس له ان يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم الخبر(١) .

الا ترى انه قد عبر في هذا الخبر بلفظة (عند موته) او (عند الموت) في ثلاثة مواضع مع ان الامامعليه‌السلام قد عبر في آخر هذا الخبر بقولهعليه‌السلام : اذا استوى مال الغرماء ومال الورثة او كان مال الورثة اكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته واجيزت وصيته على وجهها الخبر فيكشف ان استعماله لفظة (أعتق عند موته) في الوصية كان شايعا وتحقيق ذلك ان الانعتاق حيث يكون مسببا عن الانشاء، والقيد اذا ذكر في اللفظ يكون في الحقيقة قيدا للمسبب، لان القيودات في الكلام يكون دائما راجعا بحسب الحقيقة الى ما هو منشأ للآثار والأسباب بما لا تكون كذلك فيكون قوله: (عند موته في الحقيقة) قيدا لنفس العتق الخارجي، لكن حيث يكون حقيقة الاعتاق عند موته جيء هذا القيد على الظاهر للسبب وان كان في الواقع قيدا للمسبب وهذا نظير ما اذا رمى قبل طلوع الشمس فأصاب السهم عند طلوعها فقتله فيقال حينئذ قتل زيدا مثلا عند طلوع الشمس مع ان سببه قبل الطلوع، فتأمل.

(وأما خامسا) فلازم ذلك عدم جواز التصرفات مطلقا، سواء كانت باتلاف أو شراء أدوية او هبة او عتق وأمثال ذلك، لأن المفروض انه اذا مرض الشخص يوجد للورثة حق بالنسبة الى مال الميت مانع عن تصرفاته فلا فرق في انواع التصرف مع ان الاجماع قام على جواز التصرفات

____________________ــــ

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ٥ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٢٣ .

٤٠