• البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17534 / تحميل: 3294
الحجم الحجم الحجم
تقريرات ثلاثة

تقريرات ثلاثة

مؤلف:
العربية

وباسناده، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه سئل عن رجل يوصي بسهم من ماله، فقال: السهم واحد من ثمانية لقول الله تعالى: انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل(١) .

وقيل: له السدس عملا برواية روت العامة، عن عليعليه‌السلام وعبد الله بن مسعود ان له السدس(٢) ، ولان العرف يقسمون الاشياء سهاما ستة يسمون كل قسم منه سهما.

والعمل على الأول والثاني موافق للعامة.

(مسئلة ٩) لو اوصى بشيء من ماله، يعمل بما رواه الكلينيرحمه‌الله ، عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن ابي عبد الله عن محمد بن عمرو، عن جميل، عن ابان عن علي بن الحسينعليهما‌السلام انه سئل عن رجل اوصى بشيء من ماله، فقال: الشيء في كتاب علي واحد من ستة(٣) .

(مسئلة ١٠) لو اوصى بدراهم كثيرة، فعن الشيخرحمه‌الله انه

____________________

(١) الوسائل باب ٥٥ حديث ٣ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٤٩.

(٢) هذا المضمون قد رواه في الوسائل في الباب حديث ٥ بقولهرحمه‌الله : وقد روي ان السهم واحد من ستة، ثم قال: قال مصنف هذا الكتابرحمه‌الله : متى اوصى بسهم من سهام الزكاة كان السهم واحدا من ثمانية، ومتى اوصى بسهم من سهام المواريث فالسهم واحد من ستة، وهذان الحديثان متفقان غير مختلفين فتمضى الوصية على ما يظهر نم مراد الموصي (الفقيه ج٤ ص٢٠٥) طبع الغفاري.

(٣) الوسائل باب ٥٦ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٠.

٨١

يحمل على ثمانين، استنادا الى قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين(١) وكانت المواطن ثمانين وفيه مالا يخفى.

والى ما رواه الكلينيرحمه‌الله ، عن علي بن ابراهيم، عن بعض اصحابه ذكره، قال: لما سمى المتوكل نذر ان عوفي، ان يتصدق بمال كثير، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مأة الف، وقال بعضهم عشرة آلاف، فقالوا فيه أقاويل مختلفة فاشتبه عليه الأمر، فقال رجل من ندمائه يقال له: صفوان: ألا تبعث الى هذا الأسود فتسأله عنه؟ فقال له المتوكل: من تعني ويحك، فقال: ابن الرضاعليه‌السلام (٢) ، فقال له وهو يحسن من هذا شيئا؟ فقال: ان اخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا، والا فاضربني مأة مقرعة(٣) فقال (له خ) المتوكل: قد رضيت يا جعفر بن محمود، صر اليه وسله عن حد المال الكثير، (الى ان قال) فقال له: الكثير ثمانون، فقال جعفر: يا سيدي انه يسئلني عن العلة فيه، فقال ابو الحسنعليه‌السلام : ان الله يقول: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين(٤) .

وغيرها من الروايات الواردة في باب ٣ من كتاب النذر، وقد اورد عليه ابن ادريس بأن استفادة حكم الوصية منه قياس لا نقول به، وقد أجاب

____________________

(١) التوبة: ٢٥.

(٢) يعني الهاديعليه‌السلام .

(٣) قرعته بالمقرعة ضربته بها، والمقرعة بالكسر والسكون ما يقربه الدابة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب النذر ج١٦ ص٢٣٣، ولاحظ باقي احاديث الباب.

٨٢

العلامةرحمه‌الله بأن الشيخرحمه‌الله اعرف بمواقع الروايات.

وكيف كان لا دليل على هذا الحكم فيحكم بمقتضى القاعدة بلزوم اقل ما يصدق عليه ذلك العنوان، وكذا كل عنوان غير ما ذكرنا كالحصة والبعض والقسمة، فيعمل بمقتضى القواعد من الاكتفاء بأقل ما يسمى.

(مسئلة ١١) لو نسي الوصي مصارف الموصى به كلا او بعضا، ففي رجوعه الى الميراث، او كونه مختارا في صرفه في أي موضع شاء او صرفه في وجوه البر معينا؟ وجوه، بل جود القول في الأول والثالث فقد نسب الأول الى الشيخ.

ويمكن ان يقال انه مقتضى القاعدة، فان الوصي اذا لم يعلم المصرف، ففي كل موضع يريد ان يصرفه يحتمل ان يكون حراما ان كان المصرف غيره من باب حرمة التبديل المستفادة من قوله تعالى: فمن بدله بعد ما سمعه، فانما اثمه على الذين يبدلونه(١) الآية، ويحتمل ان يكون واجبا ان كان هو المصرف واقعا، فأمره دائما يدور بين المحذورين ومقتضى القاعدة البرائة.

كما ان في صورة الشك في تعيين التكليف ايضا المرجع البرائة، والجامع بينهما عدم تنجز التكليف، غاية الأمر ان في الأول احتمال التكليف غير منجز، وفي الثاني عدم القدرة على العمل على وفق التكليف قطعا، ولايمكن المخالفة القطعية ايضا.

(ان قلت): يمكن المخالفة القطعية هنا بان يرده الى الورثة (قلت): كون الرد الى الورثة مخالفة موقوف على صحة الوصية، والمفروض عدم احراز صحتها بعد.

____________________

(١) البقرة/١٨١.

٨٣

(وفيه) انه يمكن العمل على طبق الوصية على احتمال ان يكون احد الاحتمالات هو المصرف، فالموافقة الاحتمالية ممكنة وهي مقدمة على المخالفة القطعية ومقتضى ذلك جواز صرفه في كل مورد يحتمل ان يكون هو المصرف، وهو الوجه في الاحتمال الثاني الذي اشرنا اليه.

وذهب المشهور الى الثلث استنادا الى رواية سهل بن زياد، عن محمد بن الريان، قال: كتبت الى أبي الحسنعليه‌السلام أسأله عن انسان اوصى بوصية فلم يحفظ الوصي الا بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقععليه‌السلام : الأبواب الباقية اجعلها في البر(١) .

وفي اعتبارها وان كان تأمل لوجود سهل بن زياد، وكون محمد بن الريان غير معلوم الحال عندنا، الا ان المشهور قد عملوا بها فتكون منجزة.

وقد أيده في الجواهر بالروايات الواردة في الوصية بالحج بمال لا يكفي له حتى من الميقات(٢) ، والواردة في اللقطة(٣) ، والواردة في المال المجهول مالكه(٤) ، والواردة في المبيع المنكشف كونه وقفا(٥) فانه قد حكم في غير الأخيرة منها بالتصدق بها وفي الأخيرة بالتصدق بغلتها، بلحكم في الجواهر بأن وجوه البر في هذا الخبر ايضا من افراد التصدق بناء على تعميمها لهذا المورد.

____________________

(١) الوسائل باب ٦١ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٥٣.

(٢) راجع الوسائل باب ٨٧ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٧٣.

(٣) راجع الوسائل باب ٧ من كتاب اللقطة ج١٧ ص٣٥٧.

(٤) راجع الوسائل باب ١٨ من كتاب اللقطة، ج١٧ ص٣٦٨.

(٥) راجع الوسائل باب ١٧ من كتاب التجارةج١٢ ص٢٧٠.

٨٤

بيان ذلك ان جميع تلك الموارد مشتركة في كون مالكه غير ممكن الوصول الى ماله في الدنيا، فمع الغاء الخصوصيات، من كونه وصية بالحج أو غيره او نذرا أو وقفا او مجهول المالك ويمكن ان يقال بكون وجوه البر يكون معناه عاما لجميع المراد ويظهر ثمرته في قصد القربة. (مسئلة ١٢) اذا اوصى من له ابن لزيد بمثل نصيب ابنه، فعن المالك ان المال بتمامه يكون للموصى له وغيره من العامة والخاصة على ان له نصيب المال، وهذه المسئلة من المسائل التي يدخل فيها الدور ومرادهم من الدور، المعي لا المضمر المحال، وذلك لان تعيين نصيب الابن موقوف على تعيين نصيب الموصى له الذي يتعين مع تعينه فتعيينهما يقتضي المماثلة فينتصف. والدليل على ان الوصية تحمل على ما ذكره المشهور ان الظاهر منها كون الابن فعلا مالكا لشيء فيجب التقسيم على نحو يصدق عرفا بعده ان نصيب الموصى له نصيب ابنه. (مسئلة ١٣) لو اوصى بمحرومية بعض الورثة من الارث تبطل الوصية بالنسبة الى مقدار الثلثين قطعا، لان مراده منها ان ما حكم به الشارع من الميراث كأنه لم يكن فبطلانه حينئذ واضح، لان رفع الحكم ووضعه لم يكن بيده، وان كان المراد الايصاء بالمنع ولو كان مستحقا فهي وصية، ومن احكامها عدم وجوب بل جواز انفاذها فيما تخالف المشروع فلا تمضى، واما بالنسبة الى الثلث، فعن الجواهررحمه‌الله نقلا من العلامة ذهاب بعضهم الى الصحة مائلا بانه نظير ما لو اوصى بتمام ماله لزيد بالالتزام فيحتاج الى امضاء الورثة في حقه، ثم ردهرحمه‌الله بعدم احدى الدلالات الثلاث اما المطابقة والتضمن، فواضح، واما الالتزام فشرطه اللزوم الذهني المنتفي في المقام. (وفيه) ان الدلالة التصديقية لا يشترط فيها اللزوم، بل يثبت بثبوت الملزوم اللوازم الواقعية. نعم يمكن ان يقال: ان الدلالة الواقعية ايضا ممنوعة، لان لازم انشاء الوصية المذكورة انشاء الشارع يكون المال لباقي الورثة لان انشاء الموصي (وبعبارة اخرى) ليس هنا انشائين (احدهما) انشاء الملزوم (والآخر) انشاء اللازم، بل انشاء من الموصي اللازم منه انشاء الشارع. واستدل في الجواهر(١) بأن نفي هذه الوصية صحيح بالنسبة

____________________

(١) هكذا في بالي في مجلس البحث، ولننقل عبارة الجواهر بتمامها، وكأن سيدنا الاستاذ (قده) نقلها بالمعنى ملخصا، والعبارة هكذا: لكن قد يقال: ان الوصية بالاخراج وان لم تكن وصية بالباقي للباقي، لكنها نفسها وصية، ضرورة عدم الفرق بين الامر والنهي، والاعطاء وعدمه في نفوذ جميع ما اوصى به من الثلث، فانه لااشكال في اختصاص غيره من الورثة به لا للوصية به لهم، بل لاخراج الولد مثلا منه، فيبقى ارثا لغيره، ولا يعتبر في الوصية قصد الوصية، كما لا يعتبر فيها سوى العهد بما اراده الشارع (و ظ) لم يقطع سلطنته عن الثلث، بل ابقاها، فهو مسلط عليه دفعا ومنعا، فاذا اخرج بعض الورثة عن المال كله نفذ في مقدار الثلث الذي له تسلط عليه ولم ينفذ في غيره كما لو اعطى المال كله لبعضهم فانه ينفذ بمقدار الثلث دون غيره كما هو واضح ومن هنا يقوى ما سمعته من الفاضل (٢) وان لم يكن ما سمعته من الحكم بالوصية بالباقي كي يرد عليه ما عرفت، بل لان الاخراج نفسه وصية يمكن امتثالها فيستحق غير المخرج الثلث بالارث (انتهى كلامه رفع مقامه).

(٢) وهو انه يجري مجرى من اوصى بجميع ماله لمن عدى الولد (الى ان قال): وهو خيرة الفاضل في المختلف وعن الخراساني انه استظهره (انتهى). من الحكم بالوصية بالباقي كي يرد عليه ما عرفت، بل لان الاخراج نفسه وصية يمكن امتثالها فيستحق غير المخرج الثلث بالارث (انتهى كلامه رفع مقامه).

٨٥

الى بعض الورثة فتمضى في الثلث (وبعبارة اخرى) كما ان متعلق الوصية يكون وجوديا فقد يكون عدميا.

(وفيه) ان ادلة الوصية لو لم نقل بعدم شمولها لهذه الصورة اطلاقا فلا اقل من انصرافها عنها، لان جعل الوصية من الشارع لايصال الخير بعد وفاته الى نفسه، ففي الارث ليس ايصالا له اليه، والرواية المتضمنة لحكم ابي الحسن الأولعليه‌السلام ، بنفوذ الوصية التي اوصى علي بن السري الى وصيه باخراج ابنه جعفر بن علي بن السري من الميراث فأنفذهعليه‌السلام وحكم باخراجه منه(١) غير معمولة عليها فلا يشمله ادلة حجية خبر الواحد التي عهدتها بناء العقلاء فافهم جيدا.

____________________

(١) الوسائل باب ٩٠ حديث ٢ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٧٦ قال في الوسائل عقيب نقله: قال الصدوق: ومتى اوصى الرجل باخراج ابنه من الميراث ولم يكن احدث هذا الحدث لم يجز للوصي انفاذ وصيته في ذلك ثم استدل بالحديث الأول (يعني من الباب) وقال الشيخ: هذا الحكم مقصور على هذه القضية لا يتعدى الى غيرها، لانه لا يجوز ان يخرج الرجل من الميراث المستحق بنسب شائع بقول الموصي وامره ان يخرج من الميراث اذا كان نسبه ثابتا، واستدل بالحديث الأول (انتهى كلامهرحمه‌الله ).

٨٦

الكلام في شروط الوصي

(مسئلة ١) قد تقدم ان حيثية اصل الوصية وكونها مشروعة في الاسلام كما ثبت بالادلة النقلية بضرورة فقه الاسلام من غير نكير من احد كذلك جواز تعيين الموصي الوصي بعد موته ثابت في الجملة بضرورة الفقه الاسلامي فيترتب عليه آثاره واحكامه كأداء واجباته واخذ ما يطلب من الناس، وجواز الترافع الى الحاكم وغيرها من الأحكام المترتبة على الوصي.

وانما الكلام في شرائط الوصي، وهي بين وفاقية وخلافية، وايضا يحتمل ان يكون اعتبار الشروط الآتية من حيث التكليف، او من حيث الوضع، ولكن الظاهر من تعبير الفقهاء قدس ‌سرهم بقولهم: (ويعتبر فيه امور) اعتبارها من حيث الوضع لا التكليف بمعنى انه ان كان فاقدا لها او لأحدها لايصير وصيا ولا ينفذ تصرفاته.

فلو اوصى الى فاسق بناء على اعتبار العدالة لا يصير الفاسق وصيا له ويكون تصرفاته محرمة عليه غير نافذة لنا.

وعلى تقدير اعتبار العدالة يكون المعتبر العدالة الواقعية لا المحرزة بحيث لو علم بفسقه بنفسه وكان عند الموصي عادلا فلا يجوز له ان يتصرف، ولو تصرف كان تصرفه باطلا.

واما لو اوصى الى من كان فاسقا بنظر الموصي وكان عادلا يصير وصيا.

وبالجملة، على تقدير وجود الشروط، يترتب عليه آثار الوصي واحكامه ولو مع فرض عدم علم الموصي، وعلى تقدير عدمها يكون كالأجنبي ولو مع فرض كونه واجدا لها عند الموصي.

وهل الاصل عند الشك في اعتبار بعض ما قيل باعتباره، عدم صيرورته وصيا الا فيما هو المعلوم من اجتماع جميع الشروط المعلومة والمحتملة، او الاصل البرائة عن الشرط المشكوك؟ وجهان.

٨٧

فان قلنا: ان الوصية كسائر المعاملات العقلائية الممضاة بعدم ردع الشارع، فالقدر المتيقن من اعتبارها ما علم من الشرع اعتباره، وان قلنا: ان الوصية من الامور التعبدية التي شروطها وقيودها بيده فاللازم هو العمل على ما علم اجتماعه لجميع ما يحتمل ان يكون شرطا.

والظاهر الأول، لانها كانت معمولة قبل الاسلام ولاتكون من مخترعات الشارع كما هو المعلوم الآن من معهوديتها بين اهل غير الاسلام ايضا.

وكيف كان فقد ذكر الفقهاء رضوان الله عليهم اجمعين، انه يعتبر فيها امور، البلوغ والعقل، والاسلام ان كان الوصي مسلما، والعدالة على قول.

اما البلوغ فلم نجد لاعتباره دليلا خاصا، لا تصريحا ولا تلويحا الا الرواية الآتية الواردة فيمن اوصى الى امرأة وصغير او الى ولدانه الكبار والصغار الدالة على عدم نفوذ تصرف الصبي حال صباوته الكاشف عن كونه وصيا شرعيا الا بعد بلوغه.

ولكن دلالتها التزامية لا مطابقية ولا تضمنية، لكونها واردة في بيان حكم آخر كما ستعرف، نعم الظاهر صحة التمسك بالعمومات الدالة على ان امر الصبي لا يجوز حتى يحتلم(١) وهو شامل للمورد.

واماالعقل فلأن الوصية من الأمور العقلانية التي عليها بناء العقلاء، وهم يقبحون من اوصى الى غير عاقل مضافا الى ما ورد في

____________________

(١) راجع الوسائل باب ٣ ص ٢٧ ج١ ويؤيده ما دل على اعتبار بلوغ الصبي فانه احد طرفي عقد الوصية كما ان الوصي طرف الآخر، لاحظ الوسائل باب ٤٤ من كتاب الوصاياج١٣ ص٤٢٨.

٨٨

العقل من قولهعليه‌السلام : إياك اعاقب واياك اثيب (أو) اياك آمر واياك اثيب ونحوهما فلا اشكال فيه أصلا، واما الاسلام، فيمكن ان يستدل له بالآيات الدالة على عدم جواز اتخاذ الكفار اولياء، مثل قوله تعالى: لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء(١) ، وقوله تعالى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء(٢) ، وقوله تعالى: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم والكفار اولياء(٣) وقوله تعالى: لاتتخذوا الكافرين أولياء(٤) .

والآيات الدالة على عدم جواز جعلهم بطانة(٥) .

والدالة على عدم جواز الركون الى الظالمين الموجب لمس النار اياهم(٦) .

فانه يستفاد من مجموعها وغيرها من الاخبار ان الكافر لا يليق ان يجعله المسلم وليا على امر ما من الامور ولا الركون اليه.

مضافا الى استلزامه للسبيل المنفي ان كان المولى عليه صغارا او كان غرماء الميت مسلمين او كان الجهة الموصى بها جهة عامة مثل ذوي العقول المسلمين كالعلماء والفقراء، والجيران وامثالهم بضميمة عدم الفرق بين هذه الموارد وغيرها من الموارد التي لاتكون كذلك.

____________________

(١) المائدة/٥١.

(٢) الممتحنة/١.

(٣) المائد/٥٧.

(٤) النساء/١٤٤.

(٥) مثل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم آل عمران/١١٨.

(٦) مثل قوله تعالى: ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار هود/١١٣.

٨٩

نعم قد يشكل في بعض الموارد كما اذا اوصى بثلثه الى كافر يصرفه في تجهيزاته مثلا أو اوصى اليه بان يصرفه في مصرف خاص ونظائرهما.

وكيف كان فالمسئلة مضافا الى ما ذكر اجماعية ومضافا الى كونها مودعة في الكتب المعدة لنقل فتاوى الأئمةعليهم‌السلام ، كالمفيد، والشيخ في المقنعة والنهاية الا ان الأول قيد بالذمي فكأن الحربي كان مفروغا منه عنده، والثاني اطلق(١) .

واما العدالة، فذهب الى اشتراطها الشيخرحمه‌الله في المبسوط، وابن حمزة في الوسيلة، وابن زهرة في الغنية، وقد حكي عن المفيدرحمه‌الله وسلار وابن البراج.

والى عدم اشتراطها ابن ادريس في السرائر، والعلامة في المختلف، وحكى القولين المحقق في الشرايع من غير ترجيح وصرح بالتردد في النافع، ونقل التردد ايضا عن الشهيد في غاية المراد.

والذي يمكن ان يستدل للأول امور (الأول) ارتكاز المسلمين بما هم مسلمون في عدم استيمانهم من لاخوف له من الله تعالى يمنعه من الخيانة في حقوق المسلمين، سيما اذا كان متجاهرا بفسقه غير مبال في دينه كما يشير اليه خبر اسماعيل بن الصادقعليه‌السلام حيث قال له الصادقعليه‌السلام زاجرا له عن استيمان الفاسق في اعطاء المال: اما بلغك انه يشرب الخمر(٢) .

(الثاني) ذيل آية النبأ الدالة على عدم جواز الاقدام على أمر يوجب الندامة بضميمة مقدمة خارجية، وهي ان الاقدام على فعل يوجب

____________________

(١) هكذا نقله سيدنا الاستاذ الاكبر (قده) عنهما.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من كتاب الوديعة، ج١٣ ص٢٣٠.

٩٠

ذلك، كالاقدام على قول في انه يوجب الندامة، وكلاهما مبغوضان للشارع.

(الثالث) استقلال العقل بقبح الاستيمان لمن لا أمانة له (وبعبارة اخرى) انشاء الوصاية والولاية لمن ليس أَهلا له، قبيح عقلا فيستكشف قبح تنفيذ الشارع ايضا، ويؤيده آية النبأ بالتقريب المتقدم، وهي وان كانت دالة على عدم الجواز من حيث التكليف الا انه يمكن ان يقال: منشأه عدم الاطمينان بوقوع ما أخبر به وضعا.

(الرابع) ما رواه الكلينيرحمه‌الله ، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، قال: سمعت ابا الحسنعليه‌السلام يقول: كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول: لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن(١) .

فانهعليه‌السلام وبخ من ائتمن الخائن سيما اذا لم يكن المستأمن حين عمل الأمين حاضرا عنده كما في المقام، حيث ان الولاية ثابتة للوصي بعد موت الموصي.

(الخامس) ان يقال: ان جعل الولاية للوصي على الصغار من تصرفات الموصي في حقهم وهي ان لم يكن مشروطة بالمصلحة فلا اقل من اشتراطها بعدم المفسدة واستيمان الفاسق يكون منشأ للمفسدة فلا ينفذ.

وقد يستأنس ايضا من الرواية الواردة فيمن لا وصي له، انه يعين الحاكم العدل وان كان متعذرا، قام به الثقة، بتقريب انه قائم مقام الوصي في اعتبار الوثاقة، فكذا يعتبر في هذ الوثاقة بالنص، فكذا الوصي.

____________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من كتاب الوديعة ج١٣ ص٢٣٤.

٩١

وان كان قد يخدش فيه بالفرق بينهما، بأن الوصي يعينه الموصي بنفسه، فله الخيار، بخلاف تعيين الحاكم المنوط بالمصلحة.

وقد يجاب عنه بأن جعل الوصي لا ينحصر في كونه للأمور الراجعة الى نفسه، بل قد يكون للولاية على الصغار وغيرهم من القصر الذين لايجوز لهم التصرف ولايصح منهم على خلاف مصلحتهم.

ولكنها كما قلنا مشعرة بذلك لا ان تكون دليلا، فغاية ما يمكن ان يستدل للقول باعتبار العدالة في الوصي.

واما الدليل على عدم اعتبارها فقد يقال: بأن المسلم أهل للأمانة وان الوصاية تابعة لجعل الموصي، وانه لم يرد ردع، من الشارع فيحكم بالصحة بمقتضى عمومات ادلة الوصية، هذا.

مضافا الى ان المسئلة مع كونها عامة البلوى وانها كثيرة الوقوع لم يرد بها نص بالخصوص مع بناء السائلين والمسئولين سؤالا وجوابا بيان الأحكام سيما المحتاج اليها، فيمكن دعوى القطع بعدم اعتبارها بمعنى وجود الملكة الرادعة عن مخالفة الله تبارك وتعالى.

نعم يمكن ان يقال: ان من كان غير مبال للدين معروفا بالفسق وتظاهره لايجوز جعله وصيا.

فتحصل من مجموع الأدلة من الطرفين، اعتبار الوثاقة، بل يمكن دعوى اعتبار العقلاء بما هم عقلاء كذلك، فلعل الى هذا اشار استدلال بعضهم بانها تابعة لجعل الموصي كما تقدم بمعنى انهم لايجعلون الفاسق المعلن نفسه وصيا وامينا على الأفعال والأموال فلو فعل شخص ذلك لذمه العقلاء على ذلك، فتأمل.

(مسئلة ٢) حكى في المختلف عن الشيخ في الخلاف والمبسوط، وعن ابن حمزة وابن ادريس وعمن هو قبلهم، الشيخ علي بن بابويه القمي، وعن معاصر الشيخ الطوسي، أبي الصلاح الحلبي، انه اذا اوصى الى شخصين مع شرط الاجتماع على التصرف وعدم تفرد احدهما به او اطلق، لم يكن لأحدهما، التفرد بشيء من العمل بالوصية وان شرط التفرد جاز.

وعن الشيخ في النهاية، جواز التصرف.

٩٢

واختار هو، الأول مستدلا بانه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد وبما رواه الشيخرحمه‌الله وباسناده، عن محمد بن الحسن الصفار(١) ، قال: كتبت الى ابي محمدعليه‌السلام رجل كان اوصى الى رجلين أيجوز لأحدهما ان ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقععليه‌السلام : لا ينبغي لهما ان يخالفا الميت، وان يعملا على حسب ما امرهما به ان شاء الله، ورواه الصدوقرحمه‌الله باسناده عن الصفار مثله، وذكر ان التوقيع عندي بخط العسكريعليه‌السلام (٢) .

(والتحقيق) ان يقال: ان هنا مقامين (احدهما) مقام الثبوت (ثانيهما) مقام الاثبات اما الأول، فهل يكون معنى الايصاء الى الغير هو جعل الوصي الواحد المتقوم بهما، او يكون معناه جعل الوصيين بحيث يصدق على كل واحد منهما انه وصي، فان كان الأول فالمتجه هو قول النهاية، وان كان الثاني فالمتجه هو المبسوط والخلاف وغيرهما ممن تقدم.

واما الثاني أعني مقام الاثبات فالظاهر من قول الموصي

____________________

(١) في الصحيح كما في المختلف.

(٢) الوسائل باب ٥١ حديث ١ من كتاب الوصايا، ج١٣ ص٤٤٠.

٩٣

مثلا: أوصيت الى زيد وعمرو او جعلت زيدا وعمروا وصيين، او زيد وعمرو، وصياي، هو كونهما وصيين بحيث يكون نسبة الوصاية الى زيد وعمرو مستقلة، غاية الأمر تعدد الوصي لابد له من غرض هو اما تقوي الرأيين، او لسرعة تحقق العمل الموصى به.

فعلى الاول لا يجوز انفراد أحدهما بالتصرف، وعلى الثاني يجوز.

وحيث ان اللفظ غير دال على الغرض، ولو كان المتكلم في مقام البيان، فالقدر المتيقن، هو صورة الاجتماع.

هذا اذا كانا حيين باقيين على العدالة.

اما لو مات احدهما او فسق ففي الشرائع: لم يضم الى الحاكم وجاز له الانفراد وحكى في الجواهررحمه‌الله ، عن الشيخ مفلح الصيمري في شرح الشرائع انه نسب هذا القول الى الأكثر، وكذا عن المحقق السبزواري في الكفاية، وعلل فيه بأنه لا ولاية للحاكم مع وجود الوصي، ولكن قد تردد في آخر كلامه، مما سمعت، ومن ان ظاهر الشرطية عدم رضى الموصي برأي أحدهما منفردا او الوصي، بل انما هما معا لا احدهما منفردا فلابد ان ينضم اليه امين.

ونسب في الجواهررحمه‌الله هذا القول الى القواعد، ومحكي الارشاد والتحرير، والشهيدين وفاضل الرياض، وفخر الدين، وجماعة الا انه استشكل على الوجه الثاني المذكور، بأن لازم ذلك انتفاء وصاية الآخر ايضا ضرورة كونها مشروطة بشرط منتف، فيستقل الحاكم بالوصاية.

(وفيه) ان مقتضاه ذلك اذا كان معنى جعل الاثنين، كونهما معا وصيا واحدا مستقلا في مقام اعمال الوصاية ولا كلام فيه، انما الكلام في جواز الضميمة للحاكم ففيه تردد، اللهم الا ان يقال: ان جعل الوصيين يقتضي مزاحمة رأي كل واحد لرأي الآخر ماداما حيين عادلين، فاذا خرج احدهما من قابلية الوصاية بالموت او الفسق فلا مزاحمة فيستقل حينئذ في التصرف.

ولكن مقتضى ما ذكرنا من كون تصرف احدهما لم يكن منظورا في نـظر الموصي، هو العمل على المتيقن كما اذا شرط الاجتماع، فكما يجوز للحاكم ضم آخر اليه عند فقد الآخر، كذا في صورة الاطلاق، لأن المفروض انه مثله في الحمل على الاجتماع.

الى هنا افاد استاذنا الأعظم المرجع الديني العلامة الطباطبائي آية الله العظمى الحاج حسين البروجردي مد ظله العالي.

وانا الاقل علي بناه الاشتهاردي، اللهم اغفر لي ولوالدي ولاساتيذي بحق النبي وآله ١٣٦٧الهجري القمري.

٩٤

ميراث الازواج

لا خلاف بين المسلمين مضافا الى الكتاب والسنة أيضا في ان الزوجة ترث من الزوج، بل هو من ضروريات الاسلام، وقد نطق به الكتاب اجمالا (تارة) مثل قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا(١) .

(واخرى) تفصيلا مثل قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد، فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها او دين الآية(٢) .

وهذه الآيات الشريفة دالة على ارث النساء من ازواجهن في الجملة، بل دالة بظاهرها على ارث الزوجة من كل ما ترثه الزوج منها بلا استثناء، لان (ما) في قوله تعالى (مما تركتم) موصولة والموصولات حيث انها تفتقر الى الصلة، فان كانت الصلة معهودة فيما بين المتكلم والمخاطب فلا عموم فيها، بل تنصرف الى خصوص المعهود، والا فلا محالة تكون عامة لان تعيين بعض افراد ما يمكن ان تكون صلة، للصلة دون بعض ترجيح بلا مرجح، وعدم تعيين مخالف لوضع الموصولات التي ذكرنا

____________________

(١) النساء/٧.

(٢) النساء/١٢.

٩٥

افتقارها الى الصلة لانها موضوعة لنفس الاشياء، بما هي لا لمفهومها، بل لايجادها، وهي من الامور الاضافية لابد لها من مشار اليه باعتبار انها هيئة امتدادية من المشير الى المشار اليه، فاذا لم يمكن كون بعض الافراد صلة تعين كونها تمام ما يصدق عليه الصلة.

فحينئذ كل ما يصدق هذا مما تركه الزوج فالآية الشريفة تعمه، فالآية بظاهرها تدل على ارثها من المنقولات وغيرها ارضا كان أو غيرها، كانت الزوجة ذات ولد أم لا؟.

الا ان مذهب الامامية قد استقر على حرمانها في الجملة من بعض متروكات الزوج بل هو من متفردات الامامية، بناء على اصولها كما هو الحق من حجية اقوال الأئمةعليهم‌السلام وكونهمعليهم‌السلام منصوبين للامامة من قبل الله تعالى ومن رسوله الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وانهمعليهم‌السلام مضافا الى كونهم سلاطين على الناس بالنسبة الى الامور الدنيوية ائمة لهم بالنسبة الى الامور الاخروية وانهم واجبو الاطاعة بالاعتبارين، فمن خالف هذه الطريقة، فيمكن ان يخدش في اصل مذهبه.

وكيف كان فلا مخالف بين الامامية الا ما يحكى عن ابن جنيد الذي لا يضر مخالفته.

نعم قد وقع الخلاف في موضعين (احدهما) ان ما تحرم منه الزوجة ما هو؟ (ثانيهما) ان الزوجة التي تحرم في الجملة من هي؟ هل هي ذات الولد فقط ام مطلقا.

والمخالف كما ذكرنا محمد بن احمد بن جنيد وهو من اصل اسكاف (من قرى بغداد) ولذا سمي بالاسكافي وكان مشتغلا بالتحصيل وكان من شيوخ المفيدرحمه‌الله وكان معاصرا للصدوقرحمه‌الله وصنف كتابين في الفقه (احدهما) يسمى بالتهذيب، وهذا الكتاب استدلالي مدحه الشيخ ابو جعفر الطوسيرحمه‌الله ولم يكن عند المحقق والعلامة (ثانيهما) المختصر الأحمدي في فقه المحمدي، وهذا الكتاب كان عند العلامة عليه الرحمة الذي كان في اوائل القرن الثامن.

وقد نقل الشيخ احمد بن علي بن نباش الملقب بـ (النجاشي)، وكذا الشيخ الطوسيرحمه‌الله ، ان ابن جنيد كان يعمل بالقياس، ولذا ترك كتبه ورواياته.

ويسمى هذا مع حسن بن ابي عقيل - الذي صنف كتابا سماه بالتمسك بحبل آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويروي عنه الشيخ ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه - بالقديمين.

وكيف كان فقد ذهب المفيدرحمه‌الله الى ان ما تحرم منه الزوجة هو خصوص اراضي المساكن عينا وقيمة لاغير، ونسب ذلك الى ابن ادريس، وتبعه المحقق في المختصر النافع الذي صنفه بعد الشرائع، وتبعه الفاضل الآبي في كشف الرموز، وهو من تلامذة المحقق.

٩٦

وقد حكى في المسئلة اقوال اربعة (احدها) ما ذهب اليه ابن الجنيد، من ارثها من كل شيء (ثانيها) ما نسب الى المفيدرحمه‌الله من انها ترث من كل شيء الا من الرباع والمساكن، قال: وهو اقتصار على المتيقن (ثالثها) ما نسب الى الشيخ من انها تمنع من مطلق الاراضي عينا قيمة وتبعه القاضي وابن حمزة، والتقى ابو الصلاح الحلبي قدس‌ سرهم (رابعها) ما خرجه السيد علم الهدى وجمع به بين الأخبار من انها تمنع من الارض عينا لا قيمة جمعا بين الأخبار.

قال الشيخ في النهاية: والمرأة لا ترث من زوجها من الارضين والرباع من الدور، والمساكن، والمنازل، ويقوم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصتها منها ولا تعطى منها، وقال بعض اصحابنا: ان هذا مخصوص بالدور والمنازل دون الارضين والبساتين والاول اكثر في الروايات واظهر في الامامية، وهذا انما هو اذا لم يكن لها منه ولد والا اعطيت من جميع ما ذكرنا من الضياع والدور والمساكن.

وقال في الاستبصار - بعد ذكر اخبار الفضلاء (كما سيأتي ان شاء الله تعالى) وبعد نقل رواية محمد بن مسلم وزرارة وطربال وغيرها مما هو دال على مذهبه -: وهذه الاخبار عامة في انه ليس للمرأة شيء من القرى والارضين والرباع، ولهن قيمته، وما يتضمن بعض هذه من انهن لا يرثن من هذه، معناه انهن لا يرثن من تراب، وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان: يخصص حرمان الزوجة بالمنازل والدارات، والاخبار عامة.

وقال المحقق في المسئلة الخامسة من الشرائع من كتاب الفرائض: اذا كانت للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك، ولو لم يكن لها ولد لم ترث من الارض شيئا واعطيت من قيمة الآلات والابنية وقيل: لا تمنع الا من الدور والمساكن، وخرج المرتضىرحمه‌الله قولا ثالثا وهو تقويم الارض وتسليم حصتها من القيمة، والقول الاول اظهر.

وعن ابن ادريس انه نسب الى روايات اصحابنا واجماعهم: ان الزوجة التي... ولا ترث من المساكن ونسب الى بعض اصحابنا انه الحق بها جميع الارضين من البساتين وغيرها، وقال: هذا اختيار ابي جعفررحمه‌الله (١) والاول، المفيد، وهو الموافق للمذهب.

____________________

(١) اراد به الشيخ الطوسيرحمه‌الله .

٩٧

وهذا الكلام يدل على اختياره قول المفيد.

وقال المحقق في النافع - الذي صنفه بعد الشرائع، وآخر ما صنفه المحقق، المعتبر وهو شرح النافع -: وترث الزوج من جميع تركة المرأة، وكذا المرئة عدا العقار وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في ارض المزارع والقرى، وعلم الهدى يمنعها من العين دون القيمة (انتهى) هذا في الاقوال.

واما الروايات فهي كثيرة واكثرها مروية عن ابي جعفر وابي عبد اللهعليهما‌السلام ، نعم روى محمد بن سنان في علله انه روي هذا الحكم عن الرضاعليه‌السلام ايضا، ومحمد بن سنان كان من الطبقة السادسة(١) ، وذكر العلماء (رهم) انه زعم انه سمعه عنهعليه‌السلام .

والرواة الذين رووا في هذ المسئلة احد عشرة (١) زرارة(٢) محمد بن مسلم(٣) بكير بن اعين(٤) فضيل بن يسار البصري(٥) بريد بن معاوية(٦) عبد الملك بن اعين(٧) ميسر بن عبد العزيز بياع الزطي(٨) يزيد الصائغ(٩) محمد بن النعمان الأحول(١٠) محمد بن سنان(١١) عبد الله بن ابي يعفور.

وحين روي عن بعضهم ثلاث روايات او اكثر صارت الروايات بتعدد الرواة كما روي عن عبد الملك ويزيد الصائغ من كل واحد منهما اثنان،

____________________

(١) هذا اصطلاح خاص لسيدنا الاستاذ الاكبر (قده) حيث انه قد الف كتاب طبقات الرجال ورتبه على ثلاث طبقات كل طبقة مشتملة على اثنتي عشرة مرتبة، من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى زمن الباقرعليه‌السلام اثنا عشر ومن زمانه الى محمد بن الحسن الطوسي اثنا عشر من زمانه الى زمان نفسه (قده) اثنا عشر.

٩٨

وروى عن كل واحد من محمد بن مسلم وزرارة اربعة فصارت ثمانية روايات.

كما ان ما رواه حماد بن عثمان مرسلا يمكن انطباقه مع احدى الروايات المسندة.

ونحن ننقل هذه الروايات ونبتدىء بالروايات التي رواتها من الطبقة الرابعة او الخامسة او السادسة على حسب الترتيب الذي رتبناه.

فقبل نقلها ننقل كلمات الفقهاء الذين استفادوا من الاخبار ما استفادوه، فنقول بعون الله الملك العلام:

قال المفيد عليه الرحمة في المقنعة: لا ترث الزوجة ما تركه الزوج من الرباع وتعطى قيمة الخشب، والطوب، والآلات، والبناء، وهذا منصوص عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الائمة من عترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والرباع هو الدور والمساكن.

وهذا يدل على انه وصل اليه رواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم دالة على ما ذهب اليه، ولكنا لم نعثر عليها.

وعن الفقيه - بعد نقل روايات الفضلاء الخمسة الآتية - قال: وهذا اذا كان لها منه ولد، فاذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الاصول الا قيمتها، ثم استشهد بخبر ابن اذينة الآتي.

وعن ابي الصلاح في الكافي: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والارضين شيئا وترث من قيمة الرباع والارضين كسائر الآلات.

وعن الموصليات(١) الثانية في المسئلة الثالثة والتسعين: ان

____________________

(١) الموصل بلد معروف مشهور، وكان للسيد علم الهدىرحمه‌الله الموصليات الاولى والموصليات الثانية زمن مرجعيته للشيعة، وقد سئله اهل الموصل.

٩٩

المرأة لا ترث شيئا، ولكن تعطى حصتها بالقيمة من البناء والآلات.

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف، والقاضي في التهذيب: والمرأة لا ترث من زوجها من الارضين والرباع والقرى والمساكن والمنازل بل يقوم الطوب والخشب وغير ذلك من الالات وتعطى حصتها منها، وقال بعض اصحابنا: ان هذا اكثر في الاخبار واظهر في المذهب، وهذا انما هو اذا لم يكن لها منه ولد والا اعطيت من جميع ما ذكرنا من الديار وغيرها.

وعن الغنية - في مسئلة الحبوة بعد ذكر ما وجهه السيد المرتضى علم الهدىرحمه‌الله - قال: وكذا فيما رواه اصحابنا من ان الزوجة لا ترث من الرباع والارضين شيئا.

وعن ابن حمزة في الوسيلة - وهو كان من الطبقة الخامسة عشر - قال: فان كانت ذات ولد منه لزم ميراثها من جميع تركته والا لم يكن لها حق في الارضين والقرى والدور والرباع، وروى روايات مختلفات غير ذلك.

وعن الشيخرحمه‌الله في الاستبصار - بعد بيان ان الاخبار عامة والعمل بعمومها اولى - قال: واختصاص بعضها بها - أي ارض المساكن - لا يدل على نفيه الا بدليل الخطاب وذلك يترك لدليل، ثم نقل خبر ابن ابي يعفور والفضل وحملهما على التقية وهو مخصص ثم حكى ما حكينا، عن ابن بابويه في الفقيه وسكت - هذا كله في الأقوال.

واما الاخبار فنقول بعون الله الملك الوهاب: روى جعفر بن بشير - كان معاصرا للرضاعليه‌السلام ، وكان من فقهاء الشيعة ذكر الشيخ والنجاشي انه كان قحطة(١) العلم - عن الحسين بن ابي مخلد، عن عبد الملك بن اعين - اخ زرارة - قال: دعا ابو جعفرعليه‌السلام بكتاب عليعليه‌السلام فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويا، فاذا فيه: ان النساء ليس لهن من عقار الرجل اذا توفي عنهن شيء، فقال ابو جعفرعليه‌السلام : هذا والله خط عليعليه‌السلام واملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وهذه الرواية تدل بظاهرها على حرمان الزوجة عن خصوص ارض المسكن.

وروى جعفر بن سماعة كان من الشيعة -عن المثنى عن عبد الملك بن اعين، عن احدهماعليهما‌السلام ، قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء(٣) .

وروى حسن بن محبوب - وكان من الطبقة السادسة عن الأحول

____________________

(١) هكذا في النسخة التي ضبطتها في مجلس بحثهقدس‌سره ، ولكن يستفاد من تنقيح الرجال للعلامة المتتبع الحاج الشيخ عبد الله المامقاني: انه كان يلقب قفحة العلم ونهم ذكروه على انحاء (احدها) كونه فقحة العلم بالفاء والقاف والحاء بمعنى زهر العلم (ثانيها) نفحة العلم بالنون والحاء المهملة بمعنى ان العلم ينفح من فيه من نفح الطين اذا فاح (ثالثها) قفة العلم بالقاف المضمومة والفاء المشددة المفتوحة بمعنى الوعاء وكونه وعاء للعلم بكثرة العلم - فراجع تنقيح المقال ج١ ص٢١٤ الطبع الحجري.

(٢) الوسائل باب٦ حديث ١٧ من ابواب ميراث الازواج، ج١٧ ص٥٢٢.

(٣) المصدر حديث ١٠ منها.

١٠٠