قضاء الاشتياني

قضاء الاشتياني0%

قضاء الاشتياني مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 486

  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 4266 / تحميل: 4165
الحجم الحجم الحجم
قضاء الاشتياني

قضاء الاشتياني

مؤلف:
العربية

قضاء الاشتياني

الحاج ميرزا محمد الاشتياني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

قضاء الاشتياني (كتاب القضاء)

بسم الله الرحمن الرحيم

من مؤلفات الاستاذ الاكبر العلامة المحقق شيخ الفقهاء والمجتهدينالحاج ميرزا محمد حسن الاشتياني قدس‌سره الشريف بسمه تعالى شأنه هذه النسخة الشريفة النفيسة اعني " كتاب القضاء والشهادات " المحتوية لمهمات احكام التقاص المتضمنة لمباحث القسمة والافراز من جملة مؤلفات النحرير المدقق والعلامة المحقق حجة الاسلام وآية الله الملك العلام المستغرق في بحار رحمة الباري المولى الحاج ميرزا محمد حسن الاشتياني طاب الله ثراه هي الدرة الثمينة التي اشتاقت اليها نفوس طلاب العلم والكوكبة الدرية التي انتظرت عيون اهل التحقيق والفقاهة طلوعها على سطوح الحلم وطالما تذاكر في امر انتشارها جمع من الافاضل والاشراف حتى سبق إلى هذا الخير ونال ذلك الشرف السابق إلى الخيرات والمقدم في نشر اسفار العلم وكتب الادعية والزيارات نجله المعظم والقبلة المكرم ناصر الملة والدين ظهير الاسلام وركن المسلمين حضرة الحاج ميرزا هاشم الاشتياني ادام الله ظله العالي ولا يخفى انه لما كانت نسخة الاصل متشتتة والنسخ الخطية المستنسخة منها مختلفة مغلوطة قد بذل غاية الجهد في تصحيحها ومقابلتها كرة بعد مرة العالم الفاضل والحبر الكامل حجة الاسلام الاقا ميرزا محمود نجل آية الله الحاج شيخ مرتضى الغروي الاشتيانيقدس‌سره الشريف فانه دامت بركاته قد سعى وافيا وجد كافيا مستغرق الاوقات في تنقيحها وتصحيحها إلى ان تمت النعمة وكملت الدولة ثم اعلموا أيها الاخوان وان صنف في هذا الباب قبل الزمان تصانيف كثيرة الا ان غالبها حجما رهين جمع الاقوال ونقل القضايا والاخبار ولكن هذا السفر الكبير والقطر المنور لعين الضرير لما جمعت اوراقه من بساتين الاساطين الاخيار وشيدت اركانه بالاساس الذي بناه الاستاد العلامة المحقق الشيخ المرتضى من بيت الانصار ورويت اثماره من تلك العروق والاشجار يكون محتويا لتحقيقات وافية وتدقيقات كافية لا يصل اليها الا من كان حاويا لاس الاصول وفارغا عن المعقول والمنقول والحق بالحق اقول لا يألفه الا جم من العلماء الفحول.

٣

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين إلى يوم الدين كتاب القضاء بالمد والقصر وهو لغة لمعان كثيرة منها الخلق ومنه قوله تعالى فقضيهن سبع سماوات اي خلقهن ومنها الحكم ومنه قوله تعالى والله يقضي بالحق اي يحكم ومنها الاتمام ومنه قوله تعالى فاذا قضيتم مناسككم اي اتممتم ومنها الامر كقوله عزوجل وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي أمر إلى غير ذلك وفي المسالك انه سمى القضاء قضاء لان القاضي يتم الامر بالفصل ويمضيه ويفرغ عنه وسمى كما لما فيه من منع الظالم عن ظلمه انتهى وعرفا على ما في الدروس ولاية شرعية على الحكم في المصالح العامة من قبل الامامعليه‌السلام وعن جماعة منهم الشهيد في المسالك انه ولاية الحكم شرعا لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البرية باثبات الحقوق واستيفائها للمستحق ولا يبعد كون الاول أولى من الثاني لاعمية مورده من خصوص اثبات الحقوق كالحكم بالهلال ونحوه وكيف كان أصل ثبوته وتشريعه في الجملة مما لا إشكال فيه بل الادلة الثلاثة من الكتاب والسنة والاجماع دالة عليه بل ربما قيل كما هو الحق بدلالة العقل عليه أيضا من حيث توقف النظام عليه بل لا يبعد دعوى الضرورة عليه فأصل ثبوته مما لا ينبغى أن يرتاب فيه إلا انا نذكر جملة من الآيات والاخبار تيمنا.

فنقول أما الآيات الواردة في باب الحكومة فكثيرة قال الله تبارك وتعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وقال تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى وقال تعالى إنا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وقال تعالى فإذا تنازعتم في شئ فروده إلى الله ورسوله إلى غير ذلك.

٤

وأما الروايات فقد تجاوزت حد الاستفاضة بل التواتر مثل قول الصادقعليه‌السلام في خبر أبي خديجة إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه الخ وقولهعليه‌السلام القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة رجل قضى بجوز وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجوز وهو لا يعلم انه قضى بجور فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة وقول أمير المؤمنين وإمام المتقينعليه‌السلام لشريح يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي وقول الصادقعليه‌السلام اتقوا الحكومة نما هي للامام العالم بالقضاء العادل بين المسلمين كنبي أو وصي إلى غير ذلك من الروايات الواردة في ذلك ثم ان دلالة جملة من تلك الروايات على كون القضاء من مناصب النبي واوصيائهعليهم‌السلام مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في دلالة الآيات على ذلك وأظهر منها دلالة حسب ما صرح به جماعة أيضا قوله تعالى يا داود إنا جعلناك الآية وقد استشهد بها على كون القضاء منصبا من مناصب النبوة والامامة وغصنا من شجرة الرياسة العامة وجه الدلالة انه فرع عزوجل جواز الحكومة على كونه خليفة فينتفي بانتفائها وهو المطلوب وفيه أولا نمنع من تفريعه تعالى الجواز على كونه خليفة بل إنما فرع وجوبها على الخلافة حسبما هو قضية ظاهر الامر فلا يدل على انتفاء الجواز لغيرها وثانيا نمنع من دلالتها على وجوبه عليهما فضلا عن دلالتها على انتفاء الجواز للغير لاحتمال أن يكون المتفرع على الخلافة وجوب الحكومة بالحق فيكون المتفرع عليها وجوب الحكومة باعتبار القيد أي بمعنى انك انما (لما خ) جعلناك خليفة فيجب عليك الحكم بالحق فيكون في سياق قوله تعالى إن الله يامركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فيكون الحكم في الآية ناظرا إلى القيد لا القيد والمقيد معا فلا دلالة للآية على أصل وجوبه على الخليفة لكونه واردة في مقام بيان حكم آخر هذا ولكن يمكن أن يجاب عنه بان هنا معنا ثالثا دقيقا يتم بملاحظته الاستدلال وهو أن يكون المتفرع على الخلافة الجواز نظرا إلى ورود الامر مقام رفع الحظر فلا يدل إلا على الجواز على ما هو المحقق في مثله لان الحكم بمعنى إلزام الناس سلطنة عليهم فالاصل عدم جوازه فتدل الاية بمقتضى قضية التفريع المتضمن لمعنى الشرطية في المقام على انتفاء الرخصة في حق غير الخليفة والحاصل ان في الآية احتمالات ثلاثة احدها أن يكون المتفرع على الخلافة وجوب الحكم بالحق أعني القيد والمقيد فلا دلالة لها على هذا التقدير على انتفاء الرخصة لغير الخليفة ثانيها أن يكون المراد منها تفريع وجوب الحكم بالحق باعتبار القيد فلا دلالة لها على هذا التقدير أيضا على المطلوب ثالثها أن يكون المراد تفريع الجواز على الخلافة بملاحظة كون الاصل في الحكم الحرمة وورود الامر في مقام رفع الحظر فيدل على انتفاء الجواز في حق غير الخليفة إذا عرفت ان في الآية احتمالات ثلاثة فإن لم يكن احدها ظاهرا أو كان ولكن الاحتمالين الاولين فلا دلالة لها على ما رامه الجماعة من دلالتها على اختصاص القضاء بالنبي ووصيه وكونه من مناصبهما وإن كان الثالث أظهر فيدل على المطلوب والانصاف انه اظهر من الاولين فالآية بذلك البيان من الادلة على اختصاص الحكم بالخليفة نبيا كان أو وصيا هذا ويمكن أن يستفاد كون الحكم من مناصب الخليفة من لفظها من غير احتياج إلى البيان المذكور بأن يقال ان مقتضى جعل الله شخصا خليفة هو ثبوت جميع ما يجوز له لهذا الشخص فتدل الآية بالنظر إلى لفظة الخليفة بمعونة الاصل المتقدم على كون الحكم من مناصب الخليفة فافهم. قوله وكذا لا ينعقد لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء الخ.

أقول إنك بعدما عرفت من دلالة جملة من الروايات بل بعض من الآيات أيضا حسبما مر على كون القضاء

٥

من مناصب النبي والامام فاعلم ان الاذن عن الائمة في القضاء لمن جامع شرايط الافتاء معلوم بحيث لا يعتريه ريب ويدل عليه مضافا إلى الاخبار الكثيرة المتقدمة إلى بعض منها الاشارة الاجماع بقسميه محققا منقولا فهذا مما لا اشكال فيه إنما الكلام فيما قد نقل عن بعض أفاضل المتأخرين ومال إليه بعض مشايخنا من جواز القضاء للمقلد فنقول ان الكلام في قضاء المقلد في ثلاث مقامات أحدها فيما لو استقل بالحكم والقضاء ثانيها فيما لو صار منصوبا من المجتهد وبعبارة أخرى في جواز نصب المجتهد كما ينصب الامام ثالثها فيما لو صار وكيلا عن المجتهد والفرق بين هذا المعنى وسابقه مما لا يكاد إن يخفى ثم ان كلامنا في تلك المقامات إنما هو في زمان غيبة الامامعليه‌السلام وأما زمان حضوره فنصب القضاة منه وكلما فعله فهو حق لانه معصوم عن الخطأ فلا ثمرة مهمه(١) لنا في البحث عنه.

أما المقام الاول فالحق فيه عدم الجواز لنا مضافا إلى الاجماع المدعى في كلام جماعة منهم ثاني الشهيدين في المسالك البالغ حد الاستفاضة المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة الاصل وتقريره ان القضاء وهو الالزام بغير ما يقتضيه التكليف سلطنة على الملزم غير مجوزة إلا بدليل توضيح ذلك ان الزام المكلف يكون تارة بما يقتضيه تكليفه كما في موارد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرى يكون بما لا يقتضيه تكليفه إن صار تكليفه بعد اثبات وجوب التزامه بالالزام المذكور.

أما الاول فلا إشكال في جوازه لكل من يتأتى عنه مجتهدا كان أو مقلدا وإن كان مقتضى الاصل الاولي عدم جوازه لكن قد دل العقل والنقل على حسنه كذلك وإن خالف فيه بعضه فذهب إلى اختصاصه بالامام وعدم جوازه لغيره حتى المجتهد لكنه موهون جدا حسبما قرر في محله فلا نزاع لنا فيه فما يظهر من بعض الاعلام من التمسك في المقام بما دل على جواز الالزام بالمعروف والحق لكل آحاد الانام خروج عن محل الكلام.

وأما الثاني فلما لم يعتبر فيه جهة اقتضاء التكليف فيحتاج في الخروج عن مقتضى الاصل فيه إلى دليل غير ما دل على جواز الالزام بالمعروف.

فنقول مايمكن أن يصير دليلا للخصم في المقام ومخرجا عن الاصل المزبور ليس إلا أحد أمور ثلاثة على سبيل منع (مانعة خ) الخلو احدها الآيات الدالة على أصل تشريع الحكم وفصل الخصومة كقوله تعالى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الخ وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله (اه) وغيرهما فإنها باطلاقها شاملة للمجتهد والمقلد كليهما ثانيها ما دل بظاهره على انحصار رفع الخصومة والقضاء بين الناس إذا كانت الشبهة موضوعية بالبينة والايمان لانه باطلاقه أيضا شامل للمجتهد والمقلد كليهما ثالثها ما دل على نصب القضاة عموما أو خصوصا أما الامر الاول فالحق عدم دلالته على المطلب أصلا أما قولك انها بمقتضى الاطلاق شاملة للمجتهد والمقلد ففيه أولا انا نمنع من شمولها للمجتهد والمقلد وكونها مسوقة لبيان حال الحاكم من انه أي صنف من الاصناف لما قد عرفت من ان جل تلك الآيات بل كلها مسوقة لبيان وجوب كون الحكم حقا لا لبيان أصل أصل وجوب الحكم فالاطلاق وارد لبيان حكم القيد أي وجوب كون الحكم حقا وعدلا وبما أنزل الله لا لبيان حكم القيد وقد تقرر في محله ان الشرط في التمسك بالاطلاق عدم وروده لبيان حكم آخر وكون المتكلم في مقام البيان فافهم وثانيا نسلم كون الآيات دالة على جواز الحكم بالحق لكل من عرف الحق من المجتهد والمقلد لكن نقول

____________________

(١) أي في جواز نصب المقلد وعدمه لانه تكليف الامامعليه‌السلام وأما الكلام في انه هل اذن ونصب خصوص المجتهد أو الاعم فربما ينفعنا (منهقدس‌سره )

٦

المراد من الحق هنا هو الحق الواقعي الذي كان معلوما حقيقته عند الحاكم والمحكوم عليه معا وبعبارة أخرى كان الطريق إليه اعتقاد الحاكم والمحكوم عليه لا ما كان حقا عند الحاكم باطلا عند المحكوم عليه الدليل على ما قلنا مع ان مقتضى القاعدة هو مراعات اعتقاد الحاكم فقط حيث ان الطريق إلى متعلق الخطاب هو اعتقاد من خوطب به أما انصراف الآيات إلى ذلك وظهورها فيما إذا كانت حقيقة المحكوم به معلومة محققة معروفة عند الحاكم والمحكوم عليه فتامل أو انه لو لم يكن المراد ذلك بل كان المراد ظاهره أي الحق عند الحاكم لما وجب قبوله على المحكوم عليه حيث انه مخاطب أيضا بعدم قبول الحكم الباطل وحكم الجاهلية والشيطان والمفروض انه بعدما كان اعتقاده مخالفا لاعتقاد الحاكم يعتقد كون حكمه باطلا يجب رده فلا بد من أن يكون المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيته عند الطرفين أي ما كان مقتضى تكليف المحكوم عليه أيضا فان شئت قلت انه كما يجب على الحكام الحكم بالحق ويكون الطريق لهم إليه اعتقادهم كذلك يجب على غيرهم الالتزام بالحكم بالحق وعدم قبول ما كان باطلا ومن المعلوم ان الطريق إلى احراز الحق في هذا الخطاب اعتقاد المترافعين فإنهم مأمورون بالرجوع إلى من كان عارفا بأحكام الله وعالما بها ولا يتنجز هذا الخطاب في حقهم إلا بعد علمهم بكون المرجع حقا.

فان قلت انه لا داعي إلى صرف الآيات عن ظاهرها بعدما كانت قضية ظاهرها هي كفاية الحقية عند الحاكم نظرا إلى القاعدة المذكورة وما ذكر من ان الداعي اليه هو لزوم التعارض فممنوع فانه بعدما وجب على الحاكم الحكم بالحق عنده لزم قبوله على المحكوم عليه وإلا لزم لغويته وهذا باب واسع يدخلونه في كثير من المقامات كما ذكروه في آية الكتمان والنفر وغيرهما.

قلت ما ذكر من انه لو وجب على شخص بيان شئ للغير لوجب على الغير قبوله وإلا لزم اللغوية فإنما هو فيما لم يجب على هذا الغير عدم قبول ما لم يكن حقا عنده وإلا لوقع التعارض فكما أنت تقول إن وجوب الالزام بالحق علي يدل على وجوب الالتزام لما ذكر من اللغوية فنحن نقول أيضا ان وجوب رد الباطل أيضا علينا الذي طريق ثبوته اعتقادنا يدل على قبول قولنا وإلا لزم اللغوية فتأمل. فان قلت هب ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيقته لكل من الحاكم والمحكوم لكنا نثبت حقية المحكوم به بأدلة البينة والايمان. قلت أولا إن ظاهر الآيات هو الحق في الحكم الكلي لا الموضوع الخارجي وبعبارة أخرى المراد من الآيات الالزام بحكم الله في مقابل حكم الجاهلية فادلة البينة غريبة (عرية خ) عن المقام حيث ان الحكم بالبينة والايمان إنما هو في الموضوعات الخارجية دون الاحكام الكلية والمراد من الآيات هو الحكم بالحق في الشبهة الحكمية أي الحكم بما أنزل الله وجاء به ومعلوم ان ملكية زيد وعدمها التي هي مدلول البينة لم يكن مما أنزل الله ه. فان قلت: ان وجوب الحكم بمقتضى البينة أيضا حكم كلي قد ثبتت حقيته بادلة حجيتها والحكم بخلاف مقتضاها حكم باطل فكيف يقال بعدم تصور الحقية في الحكم الكلي بالنظر إلى البينة.

قلت قد التبس عليك الامر فانه فرق واضح بين كون الحكم في الواقعة حقا الذي هو المحكوم به للحاكم وبين كون أصل حكمه بمقتضى البينة الذي هو فعل الحاكم حقا والذي ينفع في المقام إنما هو الاول دون لثاني كما لا يخفى وثانيا ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيته مع قطع النظر عن حكم الحاكم وأما ما ثبت حقيته بملاحظة حكم الحاكم من جهة قيام البينة فليس مشمولا للآيات كما لا يخفى فالاستدلال بما دل على حجية البينة في مقام القضاء موهون جدا مضافا إلى ما سيجئ من عدم عموم وإطلاق له بحيث يشمل المجتهد والمقلد.

٧

فان قلت سلمنا ان المراد من الآيات الآمرة بالحكم بالحق هو ما ثبت حقيته عند كل من الحاكم والمحكوم عليه لكن هذا المقدار أيضا يكفينا لانا نفرض الكلام فيما لو كان الحاكم والمحكوم مقلدين لمجتهد واحد فيجوز له من الحكم بالحق كما يجوز للمجتهد.

قلت بعد تسليم كون المراد من الآيات المعنى المذكور يكون مساقها مساق أدلة الامر بالمعروف فقد عرفت انه يجوز لكل من يتأتى عنه ذلك مجتهدا كان أو مقلدا وهذا مما لا إشكال فيه بل يمكن دعوى لاجماع عليه إنما الكلام في تأثير الزام المقلد في وجوب الالتزام على الملتزم من غير أن يقتضي تكليفه ذلك كما في المجتهد والحاصل انه قد يجب الزام الشخص على شئ من جهة اقتضاء تكليفه الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام فيكون وجوب الالزام حينئذ متفرعا على وجوب الالتزام وهذا مما يشترك فيه المجتهد والمقلد بل يجب على كل أحد من باب الامر بالمعروف والالزام بالحق وقد يجب الزامه بشئ من غير ملاحظة اقتضاء تكليفه ذلك فيكون وجوب التزامه متفرعا على وجوب الالزام المذكور وهذا هو محل النزاع في المقلد فكل من يقول بجواز حكم المقلد فلا بد من أن يثبث وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) ومعلوم انه لا يكفيه تلك الآيات لان مفادها وجوب الالزام فيما اقتضى تكليف الملتزم الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام المذكور حسبما رفت من كون المراد بالحق منها هو ما كان حقا عند المحكوم عليه أيضا.

نعم لو صدر هذا الالزام عن التزام (الالزام خ) بماثبت حقيته عند المحكوم عليه من المجتهد كان حكما أي لا بد من أن يترتب عليه آثار الحكم لما قد دل من جوب الالتزام بإلزامه مطلقا سواء اقتضاه تكليف الملتزم أم لا فالالتزام بالالزام المذكور وان اقتضاه نفس تكليف الملتزم أيضا إلا ان هذه الجهة غير ملحوظة إذا كان الملزم هو المجتهد لما قد دل على وجوب الالتزام بالزامه مطلقا فالحيثيتان وإن اجتمعتا في محل واحد إلا ان المناط فيهما مختلف وأما لو صدر من المقلد فلا يكون حكما بمعنى ان يجب عليه ترتيب آثار الحكم لعدم دليل يدل على وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف وإن شئت قلت ان هنا شيئين أحدهما جواز الالزام والحكم للمقلد ثانيهما وجوب ترتيب الاثر عليه وصحته ونفوذه أما الاول فلا يجوز له إلا إذا كان الملتزم به حقا أي اقتضاه تكليف الملتزم مع قطع النظر عن الزامه ولا يجوز في غيره وأما الثاني فيتوقف على اثبات كون الزام المقلد بمجرده وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) مؤثرا في وجوب الالتزام وقد عرفت ان الآيات قاصرة عن إفادة ذلك حيث ان قضية ظاهرها كما عرفت هو وجوب الالزام فيما لو كان الملزم به حقا عند المحكوم عليه وما نحن بصدد اثباته ونفيه في المقام هو الثاني وأما الاول فيدل على جوازه للمقلد فيما لو كان الملزم به حقا عند الملتزم كل ما دل على حسن الامر بالمعروف من الادلة الاربعة هذا وثالثا نسلم دلالتها على وجوب الالزام بالحق وإن لم يكن ثابتا عند المحكوم عليه لكن نقول بلزوم تقييدها بما دل من الآيات والاخبار التي قد تقدم إلى شطر منها الاشارة على كون القضاء من مناصب الخليفة وغصنا من شجرة رياستها العامة وبعبارة إخرى مقتضى التمسك بتلك الآيات هو كون القضاء حكما شرعيا واجبا على كل أحد ومقتضى غيرها من الآيات والاخبار هو كونه من المناصب العامة للامامعليه‌السلام محتاجا إلى الاذن منه فبينهما تناف فلا بد من ان يرجع إذا إلى ما دل على الاذن في زمان الغيبة من قبل الامامعليه‌السلام وانه هل يشمل المقلد أو يختص بالمجتهد فيرجع إلى الامر الثالث وسيجئ ما عليه من الكلام فلا مناص للاستدلال بالآيات أصلا كما لا يخفى ثم انه يظهر بما ذكرنا في الآيات حال التمسك بالاخبار الواردة بهذا المضمون فلا نحتاج إلى تطويل في

____________________

(١) حيث انه لا يجري في الشبهة الحكمية إلا ان يتمسك بالاجماع المركب (منهقدس‌سره )

٨

المقال وأما الامر الثاني ففيه مضافا إلى أخصية تلك الادلة من المدعى كما لا يخفى عدم كونها في مقام بيان الحاكم وانه من أي صنف من الاصناف بل غاية ما دلت عليه هو انه لا بد من الحكم والفصل بالبينة والايمان وأما الحاكم من أي صنف من الاصناف فتلك الادلة غير ناظرة إلى بيانه ومهملة بالنسبة إليه فلا إطلاق لها من تلك الجهة حتى يتمسك بها (به خ) وقد يتمسك أيضا بأدلة وجوب العمل بالبينة كقولهعليه‌السلام لابنه اسماعيل إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم إلى غير ذلك فإنها بعمومها شاملة للمقلد أيضا وفيه ان تلك الادلة وإن تشمل المقلد أيضا إلا انها في مقام التمسك بالبينة في عمل نفس الشخص واما إلزام الغير بمقتضاها كما هو محل الكلام فلا دلالة فيها على ذلك أصلا كما لا يخفى فلم يبق في المقام ما ينفعنا إلا الامر الثالث وهو ادعاء شمول الاذن الواصل من ائمة الانام لمثل هذا العوام فبالحري أن نذكر جملة من الاخبار الموهمة (المتوهمه خ) دلالتها على الاذن للمقلد حتى يتضح لك الحال ويرتفع الغبار. فنقول منها قول الصادقعليه‌السلام في خبر أبي خديجة إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم (قاضيا خ) فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه. ومنها مقبولة عمر بن حنظلة قال سئلت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقالعليه‌السلام من تحاكم اليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا (حقا ثابتا له خ) لانه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله الخبر ومنها ما رواه الحلبي قال قلت لابي عبداللهعليه‌السلام ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشئ فيتراضيان برجل منا فقال ليس هو ذاك إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط الخبر إلى غير ذلك ثم ان جل المستدلين بالروايات إنما استدلوا برواية أبي خديجة وبعضهم تمسك برواية الحلبي أيضا ولكن لم أر أحدا تمسك بمقبولة عمر بن حنظلة إلا الفاضل القميرحمه‌الله والحق عدم إمكان التمسك بها بل ي من وجوه الرد عليهم كما سنشير اليه وكيف كان وجه الاستدلال انه أمر في رواية أبي خديجة بالتحاكم إلى من علم شيئا من قضاياهم ومن المعلوم إن المراد من العلم ليس هو خصوص الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع وإلا لزم عدم جواز التحاكم إلى المجتهد أيضا لكون أكثر أحكامه ظنية نظرا إلى ظنية مباديها ومداركها فلا بد أن يكون المراد منه هو الاعتقاد الاعم من الجازم وما ثبت اعتباره بالدليل وإن لم يكن جازما وهذا نظير ما ذكروه في تعريف الفقه بأنه العلم بالاحكام الشرعية الخ من ان المراد منه الاعتقاد الاعم من العلم والظن ومعلوم ان هذه القضية صادقة في حق المقلد فإنه بعدما قلد مجتهده في كون عشر رضعات محرما وحصل له الظن بالتحريم يكون هذا الاعتقاد معتبرا في حقه فيجب على الغير التحاكم إليه بمقتضى الرواية وكذا قوله في رواية الحلبي فيتراضيان برجل منا غاية الامر خروج من لم يعرف الاحكام أصلا لا باجتهاده ولا بالتقليد منه بقيام الاجماع على اشتراط المعرفة في الجملة فبقى المجتهد والمقلد داخلين فيه هذا غاية ما يمكن أن يوجه به الروايتان للدلالة على المقصود لكن الحق عدم دلالتهما على ذلك أما أولا فلان إطلاقهما وارد في مورد حكم آخر أي في مقام عدم جواز التحاكم إلى الطاغوت كما هو صريح الثانية بل الاولى أيضا فالمقصود منهما انه لا بد من المرافعة من ان يرجع إلى الشيعة دون الطاغوت واما ان المرجع من الشيعة هو كل من يعرف الحكم أو خصوص المجتهد فهما ساكتتان عنه غير واردتين لبيانه.

٩

فان قلت اليس شيوخكم تمسكوا برواية أبي خديجة في اشتراط الفقاهة والاجتهاد في القاضي وهذا الذي ذكرته مناف لما فهموه من الرواية. قلت نمنع من تمسك الشيوخ بالرواية على اشتراط الاجتهاد في القاضي وإنما تمسكوا بها لاثبات أصل الاذن من الامام لشيعتهم في زمان الغيبة وأما اشتراط الاجتهاد فإنما جاؤا به من مقبولة عمر بن حنظلة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم.

نعم ربما يتمسك بها بعض المتأخرين لاثبات اشتراط الاجتهاد أيضا وأما ثانيا فلان المراد من المعتقد بحكم الله حسبما هو المراد من العالم على ما بنى عليه المستدل هو من يعتقد بحكم الله باعتقاد الناظرين على ما عرفت من أن مقتضى القاعدة كون الطريق إلى الموضوع في القضية المأمور بها هو اعتقاد المأمور والمخاطب لا من اعتقد بكون معتقده حكم الله وإن لم يكن حكم الله باعتقاد الناظرين إلا إذا كانا شريكين في الاعتقاد. نعم هو في اعتقاد الناظر معتقده حكم الله لا كون معتقده حكم الله لانه لا يكون معتقدا بحكم الله عند الناظر إلا إذا اعتقد بكون معتقده حكم الله ولهذا قد فرض بعض المحققين القائل بالجواز الحكومة للمقلد فيما لو كان المتداعيان والمقلد الحاكم مقلدين لمجتهد واحد وقال في بعض كلام له بعد استدلاله برواية أبي خديجة حسبما عرفته من كون المراد من العلم فيها الاعم من الاعتقاد الجازم وما ثبت اعتباره من الاعتقاد الغير الجازم ما حاصله انه كما يجوز للمترافعين والمتداعيين كالزوج والزوجة في ان عشر رضعات محرم مثلا الالتزام بالحرمة فيما إذا كانا مقلدين لمجتهد يعتقد ذلك من دون أن يتحاكما إلى أحد كذا يجوز تحاكمهما إلى مقلد كان شريكا معهما في التقليد أي مقلدا لمن يقلدانه فيحكم بينهما بما قلده من المجتهد من نفوذه للحرمة فالرواية تدل إذا على جواز الرجوع إليه لكونه أيضا عالما بشئ من قضاياهم بالمعنى المتقدم انتهى ملخص كلامه وحاصل مرادهقدس‌سره ولقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد ولكن يرد عليه بعد تسليم دلالة الرواية على جواز الرجوع إلى المقلد في الفرض المزبور انه لا دلالة لها على كون الرجوع في تلك الصورة من جهة كون الزامه مؤثرا في وجوب الالتزام بالملتزم به مع قطع النظر عن كون مقتضى تكليف المحكوم عليه الالتزام بالملتزم به كما هو محل النزاع فلعله كان من اقتضاء تكليفه ذلك مع قطع النظر عن الالزام المذكور فيكون التكليف بالرجوع إليه من جهة وجوب اتباع الحق والمعروف وهو خارج عن الفرض.

فإن قلت انا نثبت وجوب الالتزام بالالزام المذكور مع قطع النظر عن شئ آخر في هذا الفرض ويتم القول في الباقي بالاجماع المركب وطريق اثبات المدعى هنا ان مقتضى جعل الامام شخصا قاضيا على ما هو مقتضى الرواية هو وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء تكليف الملتزم وإلا لما احتاج إلى جعله قاضيا حيث ن الالزام بالمعروف غير محتاج إلى جعل من الامام فيكون قولهعليه‌السلام في الرواية فإني قد جعلته قاضيا دليلا على وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملتزم وهذا نظير التوقيع الشريف عن الامام عجل الله فرجه وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله فإن التعليل بأنهم حجته يدل على وجوب قبول قولهم مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف ذلك كما لا يخفى.

قلت الظاهر من التعليل بالجعل والحجة وان كان ما ذكر ابتداء الا انه بملاحظة كون المعهود عند اهل الزمان والمركوز في اذهانهم انه لا بد من كون القاضى منصوبا من جانب السلطان وانه لا يسمع بمقالته من دون النصب وان قال حقا يصير الظاهر من التعليل ان السلطان العالم العادل بين المسلمين قد اوجب الرجوع إلى

١٠

هؤلاء وجعلهم منصوبين منه فلا بد من ان يسمع مقالتهم لان الجعل قد حصل فلا دلالة للتعليل المذكور على كون وجوب الالتزام بالزامهم من جهة تأثير الالزام مع قطع النظر عن حقية الملتزم به عند المحكوم عليه فتأمل واما ثالثا فلان جعل العلم بمعنى مطلق الاعتقاد الشامل للظن خلاف الظاهر فلا داعي إلى ارتكابه بل قد يمكن أن يدعى دم استعماله فيه ابدا واوهن منه ما ذكره الفاضل القمي من ان المراد من العلم الظن بعلاقة وجوب العمل فان استعمال العلم في خصوص الظن مما لم يعهد بينهم (منهم خ) هذا واما رابعا فلانه بعد تسليم صحة الاستعمال المذكور لا يكفي المستدل ذلك ولا يغنيه من جوع لعدم اشتراط حصول الظن من فتوى المجتهد ظنا شخصيا للمقلد بالاجماع بل لا بد من ان يرجع اليه وان لم يحصل له ظن بل وان حصل الظن على الخلاف فلا بد من ان يقولوا بتعميم اخر وهو كون المراد من العلم الاعم من الاحتمال الواجب العمل وفساده غني عن البيان واما ما تخليه من انه لو أبقى العلم على ظاهره لخرج المجتهد ايضا منه فخيال فاسد لانا نقول ان المراد من العلم في مثل هذه القضايا هو العلم العرفي ولا ريب في صدقه على من علم وعرف كثيرا من الاحكام وان كان ظانا في الباقي بعدما كان مقصوده الاولى حصيل العلم بالواقعة ومعلوم ان المجتهد ليس جميع مستنبطاته ظنية بل كثير منها قطعية علمية يعلم بموافقة جملة منها للواقع وان لم يعرفها بعينها فقوله (ع) يعلم شيئا من قضايانا صادق في حقه قطعا بخلاف المقلد فانه لا يطلق عليه العالم عند العرف فصدق العالم على المجتهد لا يتوقف على حصول العلم بمعنى الاعتقاد او خصوص الظن بعد ما عرفت من أن المراد من العالم هو العالم العرفي وهذا امر ظاهر بعد المراجعة إلى العرف الا ترى انهم يقولون فلان عالم بالنحو او الصرف او غيرهما مع انه لم يكن جازما باكثر مسائله (مسائلها خ) فان شئت قلت ان التصرف انما وقع في النسبة لا في الكلمة فبعد ما كان هذا النحو من الاطلاق شايعا عند العرف لا احتياج لنا إلى صرف الكلمة عن ظاهرها فادعاء كون المراد من العلم هو الظن الواجب العمل ضعيف جدا نعم لو قال احد بان المراد من الحكم الاعم من الظاهري والواقعي والمقلد وان لم يكن عالما بالحكم الواقعي لكنه عالم بالحكم الظاهري كالمجتهد في مظنوناته لم يكن في الضعف كسابقه وان كان هو ايضا ضعيفا فافهم واما خامسا فلانه بعد تسليم ذلك كله و كون الرواية شاملة باطلاقها للمقلد والمجتهد كليهما نقول انه لا بد من تقييد اطلاقها بمقبولة عمر بن حنظلة لكونها اخص منها لان الظاهر من فقراتها الثلاث وهو قوله روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا هو اعتبار العلم كما لا يخفى فادعاء كونها اعم ايضا نظرا إلى صدق المعرفة والنظر في حق المقلد كما صدر عن بعض الافاضل مما لا يصغى اليه بعد ماعرفت من الظهور على خلافه. فان قلت بعد تسليم كون المقبولة ظاهرة في اعتبار العلم وعدم كفاية التقليد نمنع من دلالتها على اعتبار الاجتهاد حيث انه اعم منه والعام لا يدل على الخاص مضافا إلىحصول العلم الضروري لكل احد بان المنصوبين من قبل الائمة (ع) في زمان حضورهم الذاهبين إلى البلدان البعيدة والقريبة بل الموجودين في بلدهم (ع) لم يكونوا كلهم مجتهدين عالمين بالاحكام باعتبار ملكة الاستنباط بل انما كانوا سئلوا الامام من الاحكام و علموا بها من جهة جوابه (ع) وهذا مما لا يحتاج فيه إلى قوة الاستنباط بل لا مدخل لها فيه فالقول باعتبار الاجتهاد كما هو المطلوب مما يدل عليه المقبولة بل تدل على عدمه سيما بملاحظة ما ذكرنا اخيرا. قلت لسنا قائلين بدلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد في الحاكم وانما نقول بدلالتها على اعتبار العلم فيه ولكنا نقول أنه لا يمكن تحصيل العلم بالاحكام الشرعية في زماننا هذا الا بملكة الاجتهاد فاعتبار الاجتهاد ليس من جهة دلالة المقبولة عليه بل من جهة عدم حصول العلم في زماننا هذا واشباهه الا به فاعتبار الملكة انما هو من

١١

جهة عدم تحقق الموضوع في هذه الازمنة الا به واين هذا من اعتبار الاجتهاد في القاضي مطلقا فنصب الائمة (ع) من لا يعلم بالحكم الا من قولهم لا ينافي مانقول به في زماننا ومن هنا يعلم فساد ما تمسك به بعض الذاهبين إلى كفاية التقليد في الحاكم من انا نعلم ضرورة بعدم الاجتهاد لكل من نصبه الامام (ع) في زمان حضوره فيدل على كفاية التقليد وعدم اعتبار الاجتهاد هذا كله مضافا إلى ربما يدعى من دلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد لمكان قوله (ع) نظر في حلالنا وحرامنا لان الظاهر منه اعتبار النظر والاجتهاد في الحلال والحرام مضافا إلى ان العالمين بالاحكام من قول الامامعليه‌السلام كان لهم عام وخاص ومطلق ومقيد ومعارض وسليم عن المعارض وامر ونهي ومجمل مبين و محكم ومتشابه إلى غير ذلك كزماننا هذا فالقول بعدم الاجتهاد لهم فاسد جدا غاية الامر سهولة الخطب في ذلك الزمان وصعوبته في زماننا هذا لكنك خبير بفساد هذه الدعوى حيث ان استنباط الحكم من الطرق المتعارفة عند اهل اللسان بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمجمل على المبين إلى غير ذلك لا يكون اجتهادا قطعا نعم انكار وجود الاجتهاد في زمان الائمةعليهم‌السلام مطلقا حتى للغائبين عن حضورهعليه‌السلام خلاف الانصاف مضافا إلى دلالة بعض الروايات عليه فالاولى في الجواب ما ذكرنا من ان اعتبار الاجتهاد في زماننا من جهة عدم امكان تحصيل العلم بدونه واما دعوى دلالة لفظ نظر عليه فضعيفة جدا للمنع عن كونه بمعنى الاجتهاد كما لا يخفى.

فان قلت ان المراد من الاحكام ان كان هو الكل كما هو مقتضى الجمع المضاف حيث لا عهد فيخرج المجتهد ايضا لعدم وجود مجتهد كان عالما بجميع الاحكام بل ظانا بها. ولازمه عدم جواز الحكم له وهو مخالف للاجماع بل الضرورة فلا بد من طرح الرواية وان كان البعض فيشمل اطلاقها المقلد ايضا فانا نفرض حصول العلم للمقلد في بعض المسائل من قول مجتهده. قلت بعد تسليم كون الجمع المضاف مفيدا للعموم اما اولا فلا بد من ان يخرج عن هذا الظاهر و صرفه إلى غيره بقرينة فهم الاصحاب فنقول ان المراد منه ليس الجميع ولا البعض بل الجنس ولا شك في عدم صدقه في حق المقلد وصدقه في حق المجتهد واما ثانيا فبان نقول ان العموم بحاله الا ان المراد منه العموم العرفي لا الحقيقي ولا ريب في صدقه في حق من علم كثيرا من الاحكام وان لم يعلم كلها. فان قلت ان ما ذكرته في رواية ابي خديجة في مقام الرد على المستدل بها لجواز الحكومة من ان الامر بالرجوع إلى العالم بالحكم يقتضي اعتبار اعتقاد المخاطب في ذلك فلا يدل على وجوب الرجوع الا بالنسبة إلى من علم المخاطب بكونه عالما بحكم الله فيخرج عن محل الفرض يجئ بعينه فيما نحن فيه ايضا فنقول ان الامر بالرجوع إلى من جمع فيه الصفات المذكورة في المقبولة انما يقضي بوجوب الرجوع إلى من جمع فيه الصفات باعتقاد المأمور لقضية ما ذكر في المشهورة فيخرج عن محل الفرض لكونها داخلة حينئذ في عداد لامر بالمعروف.

قلت بعد الغض عما ذكرنا اخيرا في المشهورة من ان المراد من العلم فيها هو العلم العرفي ولا ريب في صدقه في حق المجتهد ان في مقام قرينة على كون المراد من العلم والمعرفة هو العلم باعتقاد الحاكم دون المحكوم عليه وهي فرض الراوي تعارض الحكمين (الحاكمين خ) في الحكم لان التعارض لا يمكن الا بان يكون المراد من المعرفة هي المعرفة باعتقادهما والا فلا يمكن تعارض الحاكمين العارفين بالحكم في نظر المحكوم عليه لانه مسلتزم للتناقض في اعتقاده وكذا جواب الامامعليه‌السلام بالرجوع إلى الافقه والاعدل مطلقا من غير تقييد له بصورة التوافق في الاعتقاد يصير قرينة على كون المراد من العارف في المقام من كان عارفا بالحق باعتقاد نفسه فافهم وتأمل.

١٢

فان قلت ان ظاهر الرواية حسبما هو قضية العطف بالواو هو اعتبار جميع الاوصاف الثلاثة فلا بد بناء عليه بناء عليه ان نقول باشتراط كون الحاكم راويا ايضا وهذا الشرط خلاف الاجماع في زماننا واشباهه فلا بد من ان نقول بكونها واردة في حق الرواة فلا تدل على جواز حكومة المجتهد ايضا.

قلت اولا ان المراد من راوي الحديث كونه محتملا له وان لم ينقله لغيره ومعلوم ان المجتهدين في زماننا ايضا متحملون للاحاديث وثانيا ان ذكر وصف الرواية (روى خ) ليس من جهة اعتباره في الحاكم بل من جهة عدم تحقق العالم بالحكم في تلك الازمنة الا بهذا الوصف فاعتباره من جهة عدم الانفكاك بينه وبين العالم دائما او غالبا فيكون القيد واردا مورد الغالب.

فان قلت هب ان المراد بالعارف بالحكم في المقبولة هو من عرفه بالاجتهاد لكنه لا يدل على نفيه من غيره لعدم المفهوم للقيد واللقب فيكون المقبولة مع المشهورة من قبيل المطلق والمقيد المثبتين فلا داعي لحمل المشهورة على المقبولة والقول بان المراد منها هو المجتهد لما تقرر في مسألة المطلق والمقيد من ان الشرط في حمل المطلق على المقيد هو ثبوت التنافي بينهما ولا تنافي في المثبتين كما لا يخفى فبقى المشهورة باطلاقها شاملة للمجتهد والمقلد فتعين الرجوع اليها.

قلت ما ذكرته من ان القيد لا مفهوم له كلام متين لكنه من المقرر في محله ايضا انه لو كان القيد واللقب في مقام التحديد يكون له مفهوم قطعا لان القيود في التحديدات لا بد ان تكون احترازية والا لما صح الطرد والمنع فوقوعه في مقام التحديد قرينة على كون المراد منه المفهوم والا لاختل الغرض المسوق له القيد ومعلوم ان الامامعليه‌السلام في مقام تحديد من يجب الرجوع اليه من الشيعة فلا يمكن ان يق بان ما يذكره من القيد لا مفهوم له بل لا بد من ان يق ما ان ما يذكره من القيود احترازية فظهر بما ذكرنا فساد ما توهمه بعض من ان المقبولة مع المشهورة من المثبتين فلا قاضي بحمل احديهما على الاخرى وان كانتا من المطلق والمقيد وجه الفساد انه قد تقرر في محله وجوب حمل المطلق على المقيد فيما ثبت فيه اتحاد المكلف به وقد عرفت مما ذكرنا من كون الامامعليه‌السلام في مقام تحديد المرجع ان المرجع اما مطلق العالم على ما هو مدلول المشهورة او خصوص المجتهد كما هو مدلول المقبولة ولا يمكن ان يكون المعين للمرجعية هو مطلق العالم باطلاقه وخصوص فرد منه بخصوصه فلا بد من حمل المطلق على المقيد حسبما هو المقرر في محله فكما انه لو علم باتحاد التكليف في قوله اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة لا بد من حمل المطلق على المقيد لان وجوب عتق الرقبة المؤمنة تعيينا حسبما هو ظاهر الامر به ينافي وجوب عتق الرقبة مطلقا فكذا في ما نحن فيه بعد العلم بان الامامعليه‌السلام في مقام تحديد المرجع فبعد العلم باتحاد المرجع لا بد من حمل المطلق في المشهورة على المقيد في المقبولة كما لا يخفى.

ثم ان في المقبولة دلالة واضحة على ما انعقد عليه الاجماع من عدم جواز نقض حكم الحاكم ووجوب الامضاء عليه من جهات عديدة احديها ايجاب الرجوع إلى من كان جامعا للصفات المذكورة في الرواية فانه يدل على حكومة الزام الحاكم على ما هو مقتضى تكليف المحكوم عليه ثانيتها قولهعليه‌السلام بعد ذلك فليرضوا به حاكما فاني قد جعلته عليكم حاكما وفيه دلالة ظاهرة على عدم جواز النقض سيما بملاحظة التعليل ولفظة عليكم ثالثتها تصريح الامامعليه‌السلام بعد حكمه بعم جواز النقض بان الراد على الخ هذا.

وهنا دقيقة يجب التنبيه عليها وهي ان مقتضى نفس القضاء والحكم بعدما جعله الامامعليه‌السلام حاكما مع قطع النظر عن شئ آخر هو عدم جواز نقضه لانه بعدما انفصل الامر بفصل الحاكم كيف يجوز الوصل بل لا

١٣

يعقل الوصل بعده وهذا نظير ما ذكرنا في قوله اوفوا بالعقود من ان بعدما انعقد العقد لا يعقل حله فاذا كان مقتضى القضاء والحكم فصل الشئ والفراغ منه لا يعقل وصله ومما يؤيد ما ذكرنا من كون عدم النقض من مقتضيات نفس الحكم والقضاء بل يدل عليه تفريع الامامعليه‌السلام على الرد لحكمه الاستخفاف بحكم الله والرد عليهمعليهم‌السلام ففيه اقوى دلالة على كون حرمة النقض من مقتضى اصل الحكم هذا ولكن فيه احتمال اخر لا يتم معه لاستشهاد المذكور وهو تفريع الامرين المذكورين على الجعل لا المجعول اي لما كان مجعولا من قبلنا وكان حكمه بامضائنا فعدم قبوله استخفاف بحكم الله ورد علينا ايضا يؤيد ما ذكرنا لكنه مع ذلك كله الاول اظهر.

ثم ان دلالة المقبولة بعدم جواز النقض في الاحكام الكلية اي فيما اذا كان نزاع المتحاكمين راجعا إلى الحكم الشرعي الكلي كثبوت حق الشفعة في اكثر من الشريكين مثلا مما لا اشكال فيه انما الا اشكال في انها هل تدل على عدم جواز نقض حكم الحاكم في الموضوعات الخارجية كما ثبت بالاجماع بل الضرورة عدم جواز نقض حكمه فيها ايضا ام لا قد يق بدلالتها على ذلك نظرا إلى لفظة في دين فان الظاهر منه كون النزاع فيه راجعا إلى النزاع في الموضوع ولفظة وان كان حقه ثابتا في صدر الرواية فانها ايضا ظاهرة في الموضوع الخارجي فتكون المقبولة شاملة للحكم في الاحكام الكلية والموضوعات الخارجية لكن الانصاف ان التأمل في الرواية يعطى عدم شمولها للموضوعات الخارجية واما ظهور الدين فيما ذكر فممنوع بل الظاهر من قوله او ميراث الفراغ عن اصل وجودالدين وانما النزاع في حكمه ببعض الوجوه ومنه يظهر منع الظهور في الفقرة الاولى ايضا هذا لكن المصلحة الملحوظة في اصل تشريع القضاء وهي رفع الخصومة بين الناس تاتي الاجماع في المقام ايضا هذا تمام الكلام في المقام الاول وهو جواز حكم المقلد مستقلا عن فتوى مجتهده وعدمه واما المقام الثاني وهو جواز نصب المجتهد له وحكمه بعد نصبه فتقول ان الحق فيه ايضا عدم الجواز.

لنا مضافا إلى الاصل اي اصالة عدم تأثير نصب المجتهد والاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة المحققة بين الاصحاب ما عرفته من دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد في القاضي ولهم على الجواز عموم ادلة ولاية المجتهد كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله علماء امتي كانبياء بني اسرائيل وقولهعليه‌السلام العلماء ورثة الانبياء وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلثا اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك يا رسول الله قال الذين ياتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي وقول - الامام عجل الله فرجه في التوقيع الشريف واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله وقولهعليه‌السلام مجاري الامور بيد العلماء إلى غير ذلك من الاخبار الواردة في باب ولاية المجتهد المذكورة في محله فانها بعمومها تدل على ثبوت كل ماللامام للمجتهد ايضا وفيه ان الاستدلال بالمعلومات لا يتم الا بعد اثبات صغرى وهي قولك ان نصب الامامعليه‌السلام للمقلد كان جايز او كبرى وهي قولك كلما يجوز للامام يجوز للمجتهد وكلتاهما ممنوعتان اما الصغرى فللمنع من جوازه للامام بعد ما عرفت من كون الاجتهاد شرطا مشروطا فبعد اثبات كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما الهيا نقول بعدم جواز تغييره للامام نعم لو فعل لكشف عن جوازه وفيما لم يثبت فعله نقول بعدم جوازه فالصغرى غير ثابتة.

فان قلت ان غاية ما تدل عليه المقبولة هو عدم الاذن من الامامعليه‌السلام الا في حق المجتهد لاعدم جوازه الا في حقه وشتان ما بينهما وبعبارة أخرى ان دلت على كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما الهيا لدلت على عدم جواز نصب الامام للمقلد لما قد تقرر من عدم جواز تغييره لاحكام الله لكن المقبولة لا تدل على ذلك

١٤

بل انما دلت على ان الاذن الحاصل من الامام (عليه الاسلام) انما هو مقصور في حق المجتهد ولا يكون في حق المقلد واين هذا من عدم جواز الاذن للمقلد والحاصل ان هناك شيئين احدهما جواز نصبه للمقلد واذنه للقضاء بين الناس وعدمه ثانيهما ان الاذن ونصبه الواصل الينا الحاصل في الخارج هل يشمل المقلد ام لا وما ينفع في المقام هو الاول وما يدل عليه المقبولة على فرض تسسليمه هو الثاني. قلت بعد الغض عن دلالة المقبولة على كون اشتراط الاجتهاد حكما الهيا وتسليم عدم دلالتها على ما ذكر من اختصاص الاذن من الامام على المجتهد نتمسك في منع الصفرى حينئذ بالاصل لان الاصل الاولى فيما شك كونه حكما شرعيا الهيا عدم جواز تبديله للامامعليه‌السلام وفيه تأمل واما الكبرى فاولا نمنع عموم ادلة الولاية حتى تدل على ان كل ما يجوز للامامعليه‌السلام يجوز للمجتهد لان المنصف بعد التأمل في سياقها وصدرها وذيلها يقطع بانها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الاحكام الشرعية والقضاء بين الناس واما كونهم كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام في ونهم اولى بالناس في اموالهم وانفسهم فيجوز لهم التصرف بنصب مسلط عليهم فلا دلالة لها على ذلك اصلا وثانيا نسلم ان فيها عموما يدل على ثبوت جميع ما للامام للمجتهد لكن نقول انه يجب حملها على ارادة العموم من الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفة من حيث كونه رسولا وواسطة بين الله وبين الناس وحجة عليهم وهي ما ذكرنا من بيان - الاحكام الشرعية للناس والقضاء بينهم والالزام تخصيص اكثر افراد العام لعدم ثبوت اكثر ما للنبي والامام من التصرف في الناس نفسا ومالا للمجتهد.

وان شئت قلت ان العام اذا خرج منه اكثر افراده يصير موهونا لا يجوز التمسك به في مورد الشك الا بملاحظة تمسك جماعة معتد بها من الاصحاب به بحيث يرتفع الوهن المذكور حسبما ذكرناه في عمومات نفي العسر والحرج ونفي الضرر والضرار في الاسلام وغيرهما من انها عمومات قد دخل فيها الوهن بملاحظة خروج اكثر افرادها لا يجوز التمسك بها الا بعد انجبارها بتمسك جماعة من الاصحاب ففيما نحن فيه ايضا نقول انه بعد ما لم يثبت اكثر ما للنبي والامام للمجتهد فلا يجوز التمسك بعمومات ادلة الولاية الا بعد تمسك جماعة معتد بها من الاصحاب ومعلوم انه لم يتمسك بتلك العمومات في المقام الا بعض متاخري المتاخرين من اصحابنا رضوان الله عليهم ولا يبعد كونهم مسوقين بتقدم الاجماع على خلافهم كما عرفت من الاصحاب مثل ثاني الشهيدين في مسالك الافهام هذا غاية ما يمكن ان يقال في المقام الثاني. واما المقام الثالث وهو جواز القضاء للمقلد فيما لو صار وكيلا عن المجتهد فالحق فيه ايضا عدم الجواز ومرجع النزاع في المقام إلى انه هل يوجد في عمومات الوكالة ما يمكن التمسك به في المقام ام لا فبالحري قبل الخوض في المقصود ان نذكر مقدمة ربما تنفعنا في المقام وهي انه لا شك ولا ريب في ان ما لا يدخله الاستنابة لعدم قابليته لها من حيث عدم ترتب الاثر على الفعل الا من حيث قيامه بفاعل خاص ومباشر معين لا تأتي فيه ادلة الوكالة وعموماتها لعدم تحقق موضوعها حيث انها مختصة بما يقبل النيابة وغير جارية فيما لا يقبل فقابلية الفعل للاستنابة فيه مأخوذة في موضوع ادلة الوكالة بحيث لو لم يكن هناك قابلية لم يتحقق مفهوم الوكالة ومعناها فعدم الحكم بالوكالة فيما كان مختصا بمباشر خاص ليس تخصيصا في عموماتها بل هي بنفسها مختصة بصورة عدم الاختصاص بالمباشر الخاص فيلزمه انه فرض الشك في اختصاص الفعل بمباشر خاص او أنه يقبل النيابة ان لا يجوز التمسك بالعموم للشك في تحقق الموضوع حيث ان التمسك بالعموم انما هو فيما شك في التخصيص بعد القطع بتحقق الموضوع فيه واما لو شك في كون زيد عالما او جاهلا فلا يجوز التمسك باكرم العلماء في

١٥

وجوب اكرامه حيث ان جريانه يتوقف على تحقق الموضوع فكيف يمكن اثبات الموضوع به فعدم الاكرام في مشكوك العلم ليس تخصيصا في قوله اكرم العلماء لعدم العلم بتحقق موضوعه هو العلم (هو العالم خ) فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهات الموضوعية والمصداقية الا فيما اذا فرض الشك في اندراجه في العام او المخصص المفروغ عن كونه مخصصا كما لو ورد دليل بوجوب اكرام العلما ثم دليل اخر بعدم وجوب اكرام فساقهم فشك في زيد العالم انه فاسق او ليس بفاسق فانه لا يبعد حينئذ اختيار التمسك بالعام مطلقا او اذا كان هناك اصل موضوعي يتمسك به في رفع المانعية كاصالة عدم الفسق فيما نحن فيه او فيما اذا لم يكن العام مخصصا بتخصيص متصل كقوله اكرم العلماء العدول وفرض الشك في كون زيد العالم عادلا وان كان الحق هو الاوسط ثم الاخير لرجوع الشك في المخصص المتصل حقيقة إلى الشك في المقتضي فكيف كان اذا عرفت هذه فنقول ان الحق عدم جواز التمسك بادلة الوكالة فيما نحن فيه اما اولا فلما قد عرفت من دلالة الاخبار من الائمة الاطهار والاجماعات المنقولة من العلماء الاخيار على كون القضاء في زمان الغيبة من خصائص المجتهد ومناصبه بحيث لا يترتب عليه الاثر الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص ومباشر معين و المجتهد فقابلية النيابة غير محرزة حتى نتمسك بعمومات الوكالة بل مقتضى الدليل حسبما عرفت عدم القابلية واما ثانيا فلانا لو لم نقل بدلالة الدليل على الاختصاص فيما نحن فيه فلا اقل من الشك في الاختصاص بمباشر معين هو المجتهد من حيث ملاحظة الخلاف وذهاب المعظم إلى الاختصاص فقد عرفت ان الشك فيه راجع إلى الشك في تحقق الموضوع وان العمومات غير جارية فيه.

توضيح المقام على وجه يتضح المطلوب ويرتفع الغبار عن وجه المقصود ان من الافعال ما لا يترتب عليه الاثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص فالمباشرة لشخص معين مأخوذة في الفعل من حيث رتب الاثر عليه ومنها ما يترتب عليه الاثر المقصود منه بملاحظة اصل وجوده في الخارج من غير خصوصية للفاعل اصلا بل من اي فاعل صدر يترتب عليه الاثر ومنها ما لا يترتب عليه الاثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص او اذن منه تسبيبا او نيابة ومنها ما يشك كونه مما يختص بمباشر خاص او لا بل يكون من احد الامرين بمعنى انه مردد امره بين كونه من القسم الاول او احد القسمين الاخيرين فان كان من القسم الاول فلا يتحقق فيه الوكالة حسبما عرفت سابقا من كون قابلية النيابة مأخوذة في اصل تحقق مفهوم الوكالة فكل فعل علم كونه من هذا القبيل كالمضاجعة والطلاق على القول بعدم تحقق الوكالة فيه واليمين والنذر وغيرها لم ينفع فيه عمومات الوكالة قطعا وان كان من القسم الثاني كالاحتشاش والاحتطاب والالتقاط وغيرها مما يكون اثر الفعل مترتبا عليه من اي فاعل صدر فلا يتحقق فيه الوكالة ايضا لعدم قابليته لان يقع نيابة عن الغير حتى يجري فيه لوكالة لان المفروض ترتب الاثر المقصود منه عليه بمجرد وجوده من اي شخص كان فيختص به فالعمومات غير مثمرة في تلك الصورة ايضا وان كان من القسم الثالث فلا اشكال في جريان الوكالة فيه في الجملة لفرض احراز قابليته للنيابة فان حصل الاذن منه على وجه التسبيب لحقه ما يلحقه من الاحكام وان حصل على وجه النيابة لحقه ما يلحقه من الاحكام ايضا فان بينهما فرقا من حيث الحكم قطعا حيث ان في الاول لا يعتبر اجتماع شروط الفعل في السبب فيحصل ممن لا يقع عنه الفعل مستقلا كالصبي والمجنون وغيرهما بل المناط فيه هو اجتماع الشروط في المسبب بالمبنى للفاعل ومن نا حكموا بان من يوضئو العاجز لا يشترط اجتماع شروط التكليف فيه من البلوغ والعقل وغيرهما وهذا بخلاف الثاني حيث ان اجتماع الشروط معتبر في النائب دون المنوب عنه هذا فيما يقع على كل من الوجهين واما ما يختص باحدهما فيختص به فيلحقه حكمه

١٦

كيف كان ففي هذا القسم لا اشكال في لتمسك بالعمومات لدفع ما شك في شرطيته كما هو الشأن في جميع موارد التمسك بالعموم وان كان من القسم الرابع فقد عرفت ان الحق عدم صحة التوكيل فيه وفساد التمسك بالعمومات للشك في تحقق الموضوع وهذا كله لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه انما الكلام في انه هل هنا اصل يرجع اليه لاحراز القابلية للنيابة في كل فعل شك في قابليته لها او لا فنقول ان الظاهر من كلمات الاعلام عدم اصل في المقام حتى يرجع اليه لاحراز القابلية في الافعال بل قضية ظاهر كلماتهم ان الاصل عندهم في كلما شك في قابليته هو البناء على عدم القابلية حتى تعلم القابلية لكن يظهر من كلمات بعض مشايخنا اعلى الله مقامه ان الاصل في المقام حسب ما يستفاد من التأمل في كلام الاصحاب ايضا هو لبناء على القابلية حتى يعلم عدمها والمستفاد من كلامه في مستند هذا الاصل امران احدهما ان مرجع الشك في صحة الوكالة وعدمها فيما كان مسببا عن الشك في قابلية الفعل للنيابة إلى الشك في اشتراط المباشرة وعدمه والاصل عدمه ثانيهما ان مقتضى العمومات هو صحة الوكالة والنيابة في كل شئ حتى يعلم اشتراط المباشرة.

وانت خبير بضعف كلا الامرين ووهن كل من المستندين اما الاول فلان اجراء الاصل المذكور اي اصالة عدم اشتراط المباشرة اما ان يكون فيما كان هناك امر لفظي بالفعل كقوله إغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه أو فيما لا يكون هناك أمر لفظي بالفعل بل انما ثبت مطلوبيته ومشروعيته من اللب فأن كان في - الصورة الولى فلا ريب ان الاصل هو المباشرة لقضية ظاهر الامر حيث ان الظاهر من طلب شئ عن شخص حسب ما ذكرنا مفصلا في الاصول موافقا لجماعة من الفحول هو قيامه به بنفسه وعدم كفاية غيره وان كان في الصورة الثانية فالاصل ايضا عدم ترتب الاثر عليه حتى يقوم المكلف به بنفسه فصار الاصل المباشرة في تلك الصورة ايضا حتى قوم دليل من الخارج على الاكتفاء بقيام غيره غاية الامر عدم اصل من الطرفين فاين اصالة عدم اشتراط المباشرة حتى يرجع اليها في مقام الشك واما الثاني فلان ما يتصور من العمومات في المقام لا يخلو عن ثلاثة احدها ان يدل دليل على ان كل فعل من الافعال قابل للنيابة والوكالة ثانيها أن يدل دليل على المضي في كل نيابة وصحة كل وكالة ثالثها ان يدل دليل على ان كل وكالة صحيحة يجب المضي عليها حتى يعلم رافعها نظير ادلة الاستصحاب وهذه العمومات متدرجة بحسب المرتبة بحيث لا يمكن تعلق سابقها بلاحقها وبالعكس لكونها مختلفة المفاد تعرض كل منها لغير ما تعرض له الآخر فلا يمكن التمسك بالاول لنفي ما شك في شرطيته في صحة الوكالة من اللفظ والعربية وغيرهما لكونه مسوقا لبيان اصل القابلية وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات وجوب المضي على الوكالة حتى يعلم العزل مثلا كما هو مفاد الثالث لما عرفت من الوجه وهكذا لا يمكن التمسك بالثاني لاثبات أصل القابلية فيما ك في كونه قابلا للنيابة لعدم كونه مسوقا إلا لاثبات الصحة والمضي فيما كان قابلا للنيابة فالقابلية مأخوذة في موضوعها نعم يصح التمسك به لنفي ما شك في اشتراط الصحة به وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات ما تعرض له الثالث لعدم كونه ناظرا إليه اصلا وكذا الامر في الثالث فلا يمكن التمسك به لاثبات اصل القابلية والصحة فيما شك في شرطيته لما قد عرفت في اخويه. اذا عرفت هذا فاعلم ان العام الذي يريد المستدل التمسك به لاثبات الاصل المذكور ان كان يريد به الاول فحسن متين الا انه يرد عليه انه ما ورد في باب الوكالة نص كذلك اي يدل بعمومه على كل فعل قابل للنيابة حتى يصير مستندا للاصل المذكور وان كان يريد به الثاني او الثالث فقد علمت انه لا يمكن التمسك بهما لاحراز اصل القابلية لكونهما متفرعين عليها فلا يعقل احرازها بهما والاجاء الدور كما لا يخفى فما تمسك به لشيخ المتقدم ذكره مستندا للاصل المذكور من الاخبار الواردة في ثبوت الوكالة حتى يعلم الوكيل بالعزل مثل

١٧

قول الصادقعليه‌السلام في صحيحة ابن سالم ان الوكيل اذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل فمما لا دلالة له على الاصل المذكور ابدا حسبما عرفت تفصيل القول فيه.

فتلخص مما ذكرنا ان الاصل الاولى في المقام هو ما يستفاد من كلام جمع من الاعلام من البناء على عدم القابلية حتى يعلم بها وعدم جواز التمسك بالعمومات الواردة في باب الوكالة للشك في موضوعها ومن هنا يعرف النظر فيما ذكره جماعة في باب الصلح من انه اذا شك في كون شئ حكما أو حقا الاصل جواز صلحه للعمومات توضيح النظر ان الشك المذكور مستلزم للشك في موضوع الصلح لكون الحق ماخوذا في موضوعه كما لا يخفى فلا يعقل احرازه بالعمومات الدالة على صحة الصلح حسب ما عرفت من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية الا ان يقال ان قولهعليه‌السلام ان الصلح جايز بين المسلمين ناظر إلى اثبات جريان الصلح في كل شئ اية الامر انه خرج منه ما علم بكونه حكما فالاصل بقائه على عمومه في مشكوك الحكم والحق هذا مثل ما ذكرنا في قوله اكرم العلماء ولا تكرم فساقهم فيما شك في فرد من العلماء انه فاسق او عادل لكن فيه نظر من وجوه تعلم بالتأمل في النبوي فتامل هذا فقد تحقق مما ذكرنا في المقامات الثلاثة ان الحق ما ذهب اليه المعظم من عدم جواز حكومة المقلد هذا كله فيما اذا كان الترافع والتحاكم إلى المجتهد ممكنا. واما اذا لم يمكن الترافع اليه فهل يجوز القضاء للمقلد ام لا وبعبارة اخرى ان الذي ذكرنا كله في حال الاختيار واما في حال الاضطرار فهل يحكم بجواز القضاء للمقلد ام لا يحكم بجوازه له كما ي حالة - الاختيار ومرجع الكلام فيه إلى ان الاجتهاد هل هو شرط اختياري حتى يحكم باسقاطه في صورة الاضطرار كما في الطهارة الخبثية بالنسبة إلى الصلوة او شرط مطلقا حتى يحكم باسقاط المشروط في حال الاضطرار وعدم امكان تحصيل الشرط كما في الطهارة الحدثية بالنسبة اليها حسبما عليه المشهور بل المدعى عليه الاجماع من عدم وجوب الصلوة على فاقد الطهورين ظاهر جماعة منهم ثاني الشهيدين في مسالك الافهام عدم الفرق بين الحالتين وكون الاجتهاد شرطا مطلقا بل قد يستفاد من كلامه دعوى الاجماع على ذلك لكن التحقيق ان يقال ان ترافع المترافعين اما ان يكون في الشبهات الموضوعية كملكية الدار المعينة مثلا او يكون في الشبهات الحكمية كثبوت حق الشفعة في الاكثر (لاكثر خ) من الشريكين مثلا وعلى كل من التقديرين اما يكون الرجوع في نصب المقلد إلى المجتهد ممكنا او لا يمكن ذلك وفي حكم صورة عدم امكان النصب عدم وجود مجتهد اصلا. فان كان في الشبهات الموضوعية مع امكان نصب المجتهد للمقلد فالحق جواز حكمه بعد نصب المجتهد اياه ولا يجوز نصب الناس له في تلك الصورة للقضاء من دون ان يرجعوا في ذلك إلى المجتهد فلنا في المقام دعويان احديهما جواز قضاء المقلد في تلك الصورة ثانيتهما عدم جواز نصب الناس له للقضاء اي دم جواز رجوعهم اليه الا بعد نصب المجتهد له للقضاء بينهم.

لنا على اوليهما انه لولا ذلك للزم الالتزام بامور (باحد امور خ) كلها باطلة بالادلة الثلاثة بل الاربعة احدها ان يقال بلزوم اتفاق الناس على منعهما عن المخاصمة فيلزم ابطال الحقوق وهو باطل ثانيها ان يقال بلزوم بقائهما على المخاصمة حتى يقبل احدهما فيلزم اختلال النظام وهو باطل ثالثها ان يقال بلزوم الرجوع إلى الطاغوت واهل الظلم وحكام العرف حتى يحكموا بينهم وهو ايضا باطل رابعها ان يقال بلزوم رفع الامر إلى الحاكم الشرعي البعيد المتعسر الوصول اليه للمترافعين فيلزم العسر الشديد والحرج الاكيد لعدم فصل الامر بذهابهما

١٨

اليه ايضا بل يحتاج إلى ذهاب الشهود والجارح والمعدل والمعدل لهم وهكذا فيلزم الحرج بحد يقرب حكم العقل مضافا إلى حكم - الشرع بنفيه وهذه الامور كلها باطلة فتعين ما ذكرنا والحاصل انه كما ان من الواجب في الحكمة الالهية والمصلحة الربانية تبليغ النبي ونصب الوصي لارشادهما الناس إلى الحق وحكمهما بينهم بالقسط والحق لئلا يلزم اختلال نظامهم وسد باب معاشهم واذا غاب الولي نصب المجتهد للقضاء للعلة المذكورة كذا يجب عليه بحكم العقل من جهة هذه العلة ان يوجب على المقلد القضاء بين الناس في صورة عدم امكان رفع الامر إلى المجتهد او عسره بحيث لا يتحمل عادة وان يوجب على الناس الترافع اليه والالتزام بالزامه لئلا يلزم اختلال نظامهم فينتفي لغرض من الخلقة فالعقل الحاكم بوجوب قضاء المجتهد في حالة الامكان والاختيار من حيث توقف النظام عليه يحكم بوجوبه على المقلد في حالة الاضطرار بملاحظة العلة المذكورة وهذا مما لا اشكال فيه بعد ملاحظة حكم العقل بمطلوبية بقاء النظام في كل زمان وتوقفه على قضاء المقلد.

لنا على الثانية انها القدر المتيقن فلا يستقل العقل باستقلال المقلد للقضاء بعد احتماله تعيين نصب المجتهد ومدخليته وامكانه لانه المفروض وبعبارة اخرى ان حكم العقل بجواز قضاء المقلد في الصورة المفروضة جواز رجوع الناس اليه انما كان بملاحظة توقف النظام عليه والمفروض انه لا يختلف الامر في ذلك بين ان ينصبه - المجتهد لذلك او يقضي من قبل نفسه لحصول الغرض وهو حفظ النظام بكل منهما فبعد احتمال مدخلية نصب المجتهد لا يحكم العقل بجواز قضائه من دون النصب مضافا إلى احتمال كونه من الحوادث الواقعة إلى امر الامام عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه بوجوب الرجوع فيها إلى المجتهد فافهم هذا كله فيما اذا امكن الرجوع إلى المجتهد في نصب المقلد واما اذا لم يمكن الرجوع اليه في نصبه اما لفقده او لعدم امكان الوصول اليه فيجب على الناس الترافع إلى المقلد والالتزام بحكمه لما ذكرناه من لزوم اختلال النظام لولاه هذا كله في الشبهات الموضوعية. اما في الشبهات الحكمية فالحق عدم جواز القضاء للمقلد في كلتا الصورتين وعدم وجوب رجوع الناس اليه لعدم لزوم احد المحاذير السابقة لولاه اما في صورة تمكن الوصول إلى المجتهد ولو بعد مدة مديدة فظاهر لانه يجب على الناس حينئذ منع المدعى عن الادعاء والخصومة إلى اوان امكان رفع الامر إلى المجتهد ولو بان كتبوا اليه صورة الواقعة فيبين لهم حكمه ويلزم على الناس الزام المتخاصمين به لو لم يلتزموا به من قبل انفسهم ولا يلزم من ذلك عسر ولا حرج كما كان يلزم في الشبهات الموضوعية للاكتفاء في رفع المخاصمة هنا ببيان الحكم وهو يحصل بالمكاتبة والمراسلة وبذهاب المدعي إلى المجتهد وحده كما لا يخفى وهذا بخلاف الشبهات الموضوعية لانك قد عرفت لزوم الحرج فيه غايته ولا يلزم ايضا ابطال الحقوق في زمان التلبث (التربص خ) والانتظار لعدم العلم بثبوت الحق للمدعي ولو اجمالا في الوقايع. والحاصل انه لا يلزم من منعهما عن المرافعة ابطال حق في البين لان منعهما عن المرافعة مع حكم المجتهد بثبوت الحق للمدعي او بعدمه كلها سواء من حيث ابطال الحق وعدمه لعدم كشف نفس الامر للمجتهد ايضا.

واما في صورة عدم امكان الوصول إلى المجتهد اما لتعسره او لتعذره مع وجود المجتهد او من جهة عدم وجوده فيلزم على الناس منعهما عن المخاصمة والزامهما بما ذكرنا في باب التقليد في صورة عدم وجود المجتهد الحي من الرجوع إلى الشهرة ان كانت اوالى اعلم الاموات ان كان والى الاورع منهم ان تساووا في العلم والى التخيير ان تساووا في الورع ايضا فتامل حتى لا يختلط عليك الامر.

وينبغي التنبيه على امور الاول ان ما ذكرنا من جواز القضاء للمقلد بنصب المجتهد في ما يلزم العسر

١٩

والحرج من الرجوع اليه هل المدار فيه على العسر الاغلبي بمعنى انه يكتفى بلزوم العسر غالبا في الحكم بجواز الرجوع إلى المقلد ولو في مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد فيه عسر حسبما هو ظاهر قضية كلماتهم في غير المقام من - الموارد التي يحكمون فيها بنفي الحكم بملاحظة الحرج والعسر او العسر الشخصي بمعنى ان في كل مورد شخصي يلزم من الرجوع فيه إلى المجتهد عسر يرجع إلى المقلد المنصوب وفي كل مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد فيه عسر ولو لزم في اغلب الموارد لم يرجع إلى المقلد وجهان اوجههما الثاني نظرا إلى ما ذكرنا غير رة من ان ادلة نفي العسر والحرج لا تنفي الا العسر والحرج الشخصيين الا ان يدعى ان في تشخيص ما يلزم منه العسر عن غيره ايضا عسرا منفيا بادلة نفي الحرج فيلزم الحكم باطراد جواز الرجوع إلى المقلد وعليه لا ضير في التزام هذا المعنى الا ان الشان في ثبوته فتامل الثاني انه هل يجب مراعات ساير شرايط القاضي في المقلد فيما يجوز الرجوع اليه من تقديم الافضل والاورع فيما كان متعدد او غيرهما ام لا وجهان من عدم الدليل على اعتبارها الا في المجتهد ومن كونها القدر المتيقن فيتعين بحكم العقل اوجههما ثانيهما الثالث ان ما ذكرنا من جواز الحكم للمقلد في بعض صور الاضطرار ووجوب الالتزام بالزامه انما هو بالنسبة إلى بعض آثار الحكم وهو وجوب الاطاعة وحرمة المخالفة لحكمه ما داموا ملتزمين به واما حرمة تقضه فيما حصل التمكن من الرجوع إلى المجتهد المطلق وتجديد - المرافعة اليه فليس عليها دليل اصلا الا ما قد يتخيل من استصحاب الحرمة الثانية في صورة عدم الامكان وفيه ما لا يخفى من الفساد من وجوه تظهر بالتامل بل قد يقال بوجوب النقض وبطلان حكم المقلد بمجرد وجود المجتهد وان تراضى الخصمان ببقائه نظير انتقاض التيمم بوجدان الماء ولكن فيه نظر يظهر وجهه بتامل فتامل ثم انه يمكن بملاحظة ما ذكرنا في هذا الامر توجيه الاجماع الظاهر من بعض على عدم الفرق في عدم جواز القضاء للمقلد بين حالة الاختيار والاضطرار وكون التفصيل بينهما من العامة بحمله على القضاء المصطلح اي الذي لا يجوز نقضه ابدا فافهم.

فان قلت ان ما ذكرت في عدم جواز نقض حكم المجتهد من كونه مقتضى القاعدة بعد تحقق القضاء والحكم لان الوصل بعد تحقق الفصل محال ياتي بعينه في قضاء المقلد ايضا فلا وجه للتفرقة بينهما في - الحكم المذكور.

قلت ما ذكرنا من ان الوصل بعد الفصل محال انما كان بملاحظة ما ورد من الاخبار المتضمنة للفظ القضاء والحكم كقولهعليه‌السلام فاني قد جعلته قاضيا كما في بعض الروايات او حاكما كما في بعضها الاخر واما حكم المقلد في الصورة المفروضة فليس الا من جهة حكم العقل لئلا يلزم اختلال نظام العالم واساس عيش بني آدم ومعلوم ان هذا لا يقتضي الا وجوب اطاعة حكمه ما لم يحصل التمكن من الترافع إلى المجتهد وليس هنا لفظ حتى يقال ان مقتضى ظاهره الفراق والفصل فلا يمكن الوصل بعد تحققه حسبما ذكرنا في قضاء المجتهد وهذا نظير ما ذكروا في باب التيمم من انه لمحض الدخول في المشروط بالطهارة واما رفع الحدث به فلا فلهذا ينتقض بوجود الماء بخلاف ما لو قيل بكونه رافعا للحدث كالوضوء فانه لا يعقل حينئذ انتقاضه بوجدان الماء فافهم الرابع انه هل يجب على المقلد المنصوب من قبل المجتهد فيما قلنا بجوازه الحكم على طبق تقليد هذا المجتهد الناصب ام جوز له تقليد غيره في ذلك وبعبارة اخرى ان الرجوع إلى المجتهد في نصب المقلد فيما قلنا بجوازه انما هو في اصل النصب وان كان المنصوب مقلدا لغيره او في النصب لان يحكم على مقتضى تقليده وجهان اوجههما عدم جواز حكمه الا بتقليد هذا المجتهد الناصب ووجهه بعد التامل ظاهر الخامس انه بعدما قلنا

٢٠