أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية

أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية0%

أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 419

أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 107733
تحميل: 7740

توضيحات:

أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107733 / تحميل: 7740
الحجم الحجم الحجم
أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية

أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من اعتقد منهم خطأه، ومن اعتقد منهم صوابه، ما لم يتغيّر الحاكم بظروفٍ أخرى؛ وذلك لأنّ معنى الحاكمية والولاية هو إنفاذ تقديره للأمور، وكون تقديره للأمور هو التقدير المحكم على الأُمّة من دون أن يسمح لكلّ فردٍ من أفراد الأُمّة أن يعمل بتقديره، ويتصرّف حسب تقديره للموقف.

وأمّا الحالة الثالثة وهي: أن يكون الحاكم قائماً على أساس قاعدةٍ هي الإسلام ولكن شخص الحاكم منحرف، كما هو الحال في الخلفاء الذين اغتصبوا الخلافة من الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وإلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ فإنّ الحكم الذي كان هؤلاء يمارسونه كان حكماً قائماً على أساس قاعدةٍ إسلامية، إلاّ أنّ هؤلاء الأشخاص الممارسين لهذا الحكم كانوا متحدِّين بوصفهم، بوجودهم في أكثر الحكم لمقاييس تلك القاعدة ولاعتبارتها في تعيين الحاكم.

فهنا الانحراف في شخص الحاكم ولا انحراف في القاعدة.

ظروف انحراف الحاكم:

وفي هذه الحالة يوجد ظرفان:

الظرف الأوّل : أن يشكّل هذا الانحراف الموجود عند الحاكم خطراً على القاعدة، وأنّها بالرغم من أنّ الحكم قائم على أساس القاعدة إلاّ أنّ بعض ألوان الانحراف وأشكاله وبعض مؤامرات المنحرفين تشكّل خطراً على كيان القاعدة ذاتها.

وأخرى : يفرض أنّ هذا الانحراف بالرغم من كونه خروجاً جزئياً على القاعدة إلاّ أنّه لا يشكّل خطراً على القاعدة وعلى المعالم الرئيسية للمجتمع الإسلامي.

٣٠١

فإن كان هذا الانحراف الذي يمارسه الحاكم ممّا لا يشكّل خطراً رئيسياً على القاعدة ومعالم المجتمع الإسلامي ففي مثل ذلك يتحقّق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بدّ للأمّة أن تمارس حقّها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه، وأيضاً من ناحيةٍ أخرى تمارس حقّها في الدفاع عن حقوقها، لو افترضنا أنّ انحراف الحاكم كان يمسّ حقوق الأُمّة حينئذٍ من حقّ الأُمّة ككلٍّ أن تمارس حقّها الشرعي في الدفاع عن حقوقها، كما أنّ أيّ شخصٍ يتعرّض لظلمٍ من شخصٍ آخر، محاولة سرقة من شخص آخر مثلاً فمن حقّه أن يدافع عن نفسه وعن ماله وعن كرامته في مقابل ذلك، في حدود هذين الحكمين: الحكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحكم بجواز دفع الظلم عن الإنسان.

أمّا إذا افترضنا أنّ هذا الانحراف كان يشكّل خطراً على القاعدة ذاتها وعلى المعالم الرئيسية للشخصية الإسلامية للمجتمع ففي مثل ذلك يصبح الحكم حكماً جهادياً؛ لأنّ الرسالة - في ظلّ انحرافٍ من هذا القبيل - افترضنا أنّها في خطر، وكونها في خطر يعني لزوم الحفاظ عليها مهما كلّف الأمر، فلا بدّ في مثل هذه الحالة من مقاومة انحراف هذا الحاكم في الحدود التي لا بدّ لإيقافه ولتخليص القاعدة الإسلامية من خطر هذا الانحراف.

هذه هي أحكام الحالات الثلاثة التي صنّفها إليها القسم الأوّل.

الإسلام في ضوء الحكم الكافر:

وأمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان الحكم قائماً على أساس قاعدةٍ كافرةٍ، من البدء لم يكن الحاكم يمارس حكمه على أساس الإسلام سواء كان محقّاً أو

٣٠٢

مبطلاً، بل كان يمارس الحكم على أساس نظريةٍ من نظريات الجاهلية البشرية التي وضعها إنسان الأرض، في مثل ذلك يصبح الحكم كافراً، ويصبح الخطر على الإسلام مخيفاً حتماً، ولا يمكن في مثل هذه الحالة أن نفترض ظرفين: أن نفترض ظرفاً يكون الانحراف مهدّداً للإسلام. وظرفاً آخر يكون الإسلام في منجىً من الانحراف. هذا غير ممكنٍ هنا؛ لأنّ معنى أنّ الحكم يقوم على أساس قاعدةٍ من قواعد الجاهلية البشرية، معنى هذا الحكم: أنّه يتبنى هذه القاعدة، ويدافع عن مفاهيمها وأفكارها، ويبشّر بأطروحتها وصيغتها في الحياة، وهذا تعبير آخر عن أنّ هذا الحكم يجنّد كلّ طاقاته وإمكانياته كحكمٍ لإبعاد الأُمّة عن رسالتها الحقيقية، والفصل بينها وبين مفاهيم دينها، وهذا هو الخطر الماحق الذي يهدّد الإسلام، ففي مثل هذا القسم يكون الحكم دائماً مشابهاً للظرف الثاني الذي وجدناه في الحالة الثالثة من القسم السابق.

انسحاب خطّ الإمام عليّعليه‌السلام مؤقّتاً عن الميدان:

على ضوء هذا الفهرست العامّ للأحكام لا بدّ أن نعيش الآن لحظاتٍ مع سيرة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، وقد تركنا في المحاضرات السابقة خطّ الحسن وخطّ عليٍّعليه‌السلام ، وقد انسحب عن الميدان وعن المعترك السياسي مؤقّتاً في هدنةٍ أعلنها الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية، وقد تبيّنا في المحاضرات السابقة أنّه هذه الهدنة كانت نتيجة عجزٍ كاملٍ من قيادة خطّ الإمام عليعليه‌السلام على مواصلة تجربتها وأطروحتها نتيجةً لأسباب متعدّدة، ولتفاقم وتضاعف الشكّ، الشكّ الذاتي لدى الأُمّة الإسلامية والقواعد الشعبية التي كانت تعتمد عليها تجربة الإمام

٣٠٣

عليعليه‌السلام ، هذه القواعد تضاعف باستمرارٍ - ووفق ظروفٍ شرحناها - تضاعف شكّها في هذه القيادة، حتّى أصبحت هذه القيادة غير قادرةٍ على مواصلة خطّ جهادها قبل أن تكشف أعداءها.

ولهذا كان من المحتوم أن يتوقّف العمل السياسي والعسكري الواضح الصريح مدّةً من الزمن لكي تسترجع قيادة الإمام عليعليه‌السلام ثقة الجماهير بها وإيمانها، وأنّها تدافع عن أُطروحة الله في الأرض، تدافع عن رسالة السماء، كان لا بدّ لكي تعبّأ الجماهير، هذه الجماهير التي لم تكن تُعبّأ إلاّ على مستوى الحبّ كان لا بدّ أن تعيش على مستوى الحسّ الأُطروحة المقابلة.

وهكذا كان، وخلال المدّة التي حكم فيها معاوية تكشّفت فيها أُطروحة معاوية، تكشّف فيها أُطروحة هذه الجاهلية التي تزعّمها معاوية بن أبي سفيان، حتّى أنّه في يوم مات فيه معاوية، حينما صعد الضحّاك على المنبر لينعى للمسلمين خليفتهم، وكان يزيد مسافراً، وحينما صعد يزيد نفسه على المنبر ليعلن نبأ وفاة أبيه لم يستطع لا الضحّاك - ولا يزيد بنفسه - أن يمدح معاوية بكلمة واحدة، قال: إنّ معاوية قد مات قد مات ذهب هو وعمله(١) ، يزيد بن معاوية يقول هذا الكلام.

خطّة معاوية لتثبيت حكمه:

معاوية بن أبي سفيان فقد كلّ رصيده الروحي وكلّ المبرّرات الاصطناعية التي كان يحاول تزييفها في نفوس المسلمين، حتّى أنّ وليّ عهده لم يستطع أن

____________________

(١) وقعة الطفّ: ٧٠.

٣٠٤

يترحّم عليه أو أن يشايع عهده بكلمة ثناءٍ واحدة.

معاوية حينما سيطر على العالم الإسلامي نتيجةً للهدنة التي شرحناها، بدأ يعمل من أجل تثبيت أطروحته وخطّه وقيادته؛ قام بعملين:

أحدهما : على مستوى النظرية لطمس معالم النظرية الإسلامية الحقيقية.

وبعملٍ آخر : على مستوى الأُمّة لتمييع الأُمّة وجعلها تتعوّد على التنازل عن وجودها وكرامتها وإراداتها في مقابل الحاكم.

أمّا العمل على المستوى الأوّل ، على مستوى النظريّة، والقضاء على النظرية الإسلامية الحقّة التي كان يمثّلها جناح الإمام عليعليه‌السلام والقواعد الواعية من أبنائه النسبيّين أو الروحيين في الأُمّة الإسلامية، كان يحاول أن يقضي على هذه النظرية عن طريق شراء الأكاذيب من الأشخاص الذين كانوا على استعداد للكذب في الحديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ناحية أخرى: بممارسة ضغطٍ على الآخرين ليسكتوا عن المفاهيم والأفكار التي هي تعبير عن شعار هذه النظرية في الحكم، وعن أسلوبها في القيادة. بعث معاوية إلى ولاته وحكّامه في مختلف أقطار العالم الإسلامي: أنّه برئت الذمّة ممّن يتكلّم بشيء عن خطّ الإمام عليعليه‌السلام (١) .

ومن ناحيةٍ أخرى وضع كلّ وسائل الإغراء والترغيب في سبيل أن يتبارى الكذبة في النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تبريكات رسول الله للوضع المنحرف وللسقيفة ولتبعات السقيفة ولمضاعفات هذه السقيفة، كلّ هذا كان يحاول فيه أن يطمس النظرية ذاتها، لا أن يكون حاكماً فقط، بل أن يشلّ من الأُمّة الإسلامية

____________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣: ١٥ عن كتاب الأحداث للمؤرّخ المدائني.

٣٠٥

آخر أملٍ في أن ترتبط بأُطروحة صحيحةٍ عن الإسلام، في أن يجعلها تعيش الإسلام في هذا الثوب أو البرقع الذي برقع فيه معاوية جاهليّته والراسب الجاهلي. هذا على مستوى النظريّة.

وأمّا على مستوى الأُمّة فإنّه أيضاً مارس ألواناً كثيرةً من الإذلال للأمّة وتمييع شخصيّتها وصناعة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والقبلية في داخل العالم الإسلامي، فأشغل هذه الأُمّة القائدة الرائدة التي من المفروض أن تحمل هموم البشرية على وجه الأرض، هذه الأُمّة أشغلها بأرخص الهموم وأتفه الهموم، بأضيق النزاعات والخلافات فيما بينها لكي يواصل حكمه، ولكي يعيش على النحو الذي يحلو له.

وإذا بابن الأُمّة الإسلامية الذي كان يزحف إلى طاغوت كسرى ليقول له: نحن لم نأتِ إليك طمعاً في غنمك ولا في دراهمك ودنانيرك، وإنّما جئنا لأنّ مظلوماً في بلادك نريد أن نخلّصه من الظالم، ولأنّ انحرافاً في بلادك نريد أن نعيده إلى طبيعة التوحيد.

ابن الأُمّة الإسلامية الذي كان يعيش هموم المظلوم في أقصى بلدٍ لم يعرفه ولم يره بعينه هذا ينقلب بين عشيّة وضحاها بفعل هذه المؤامرة إلى شخصٍ لا تهمّه إلاّ الدراهم التي يقبضها في نهاية الشهر أو في السنة ثلاث مرّات، تحوّل رؤساء العشائر في الكوفة ذاتها إلى عيونٍ ورقباء على خطّ الإمام عليعليه‌السلام ، كانوا يشون بشبابهم وأولادهم الذين ينفتحون على خطّ الإمام عليعليه‌السلام فيقادون قسراً إلى القتل والسجن.

هذه هي مؤامرة معاوية بن أبي سفيان على مستوى النظرية وعلى مستوى الأُمّة.

٣٠٦

وكان لا بدّ للإمام الحسينعليه‌السلام أن يتّخذ موقفاً تجاه هاتين المؤامرتين.

موقف الإمام الحسينعليه‌السلام تجاه تآمر معاوية:

موقفهعليه‌السلام على مستوى النظريّة:

أمّا الموقف الذي اتّخذه تجاه المؤامرة الأولى على النظرية: فقد جمع الإمام الحسينعليه‌السلام في أحرج اللحظات وأشدّ الظروف من تبقّى من المهاجرين والأنصار في موقف عرفات، في ذلك الموقف الذي يتورّع فيه أيّ إنسانٍ مسلمٍ اعتياديٍّ عن أن يكذب على الله أو على رسوله، أو أن لا يؤدّي الأمانة كما هي، جمع البقيّة الباقية من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم من حملة تراث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووقف فيهم خطيباً، وقال ما مضمونه: إنّ تراث النبيّ وإنّ مفهوم الإمام عليّ يعيش الآن في خطر، وعليكم أن تنقذوا هذا التراث وهذا المفهوم من الخطر، وإنقاذهم ذلك بأن تشهدوا بكلّ ما سمعتم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الخطّ، ولو تحمّلتم في هذا السبيل كلّ ما تحمّلتم من وسائل الإخافة والتهديد والحرمان من قبل طاغوت هذا الزمان(١) .

هؤلاء البقية الباقية من المهاجرين والأنصار الذين استجابوا لدعوة الإمام الحسينعليه‌السلام هدّدهم الإمام الحسينعليه‌السلام وحدّثهم عن هذه المظلومية التي يعيشها خطّ الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهزّهم في موقف عرفات ويوم عرفة الزمان والمكان والشخص، فثار هؤلاء، وانطلقت ألسنتهم بالحديث مع المسلمين، فكان يقف كلّ واحدٍ منهم تلو الآخر وينقل ما يتذكّره وقتئذٍ من أحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) الاحتجاج ٢: ٨٧ - ٨٨.

٣٠٧

وكلّ حديثٍ من هذه الأحاديث كانت قيمته الواقعية والنفسية وقيمته الموضوعية أكير بكثيرٍ من مئاتٍ من الروايات التي تنقل في الحالة الاعتيادية؛ لأنّ هذا حديث يتحدّث به إنسان وأمامه جبروت معاوية وسيف معاوية وسيف معاوية وظلم معاوية بن أبي سفيان، بهذا استطاع الإمام الحسينعليه‌السلام أن يثبت معالم النظرية، وأن يرسّخ في أذهان الأُمّة الإسلامية أنّه لا يزال هناك بقية من تراث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله . يعبّرون عن الخطّ الصالح، ويتحدّون بذلك سيف الحاكم وجبروت هذا الحاكم. هذا على مستوى النظرية.

موقفهعليه‌السلام على مستوى الأُمّة:

موقفه على مستوى الأُمّة: هذه الأُمّة التي شفيت من مرضها الأوّل، أو بدأت تشفى، ولكنّها مُنيت بمرضٍ آخر، مرض الشكّ شفيت منه أو كادت أن تشفى، استطاع الإمام الحسنعليه‌السلام بذلك المعترك السياسي مؤقّتاً أن يعطيها فرصةً لتجد بأمّ أعينها أبعاد المؤامرة وحدودها، وواقع معاوية وما يمثّله معاوية من أفكارٍ ومفاهيم، استطاعت أن تعرف ذلك، فأصبحت الأُمّة الإسلامية تلعن معاوية، وأصبحت تعيش علي بن أبي طالب، ثبت من أعلى(١) كأملٍ، كحكمٍ، كرجلٍ قد مرّ في تأريخ هذه الأُمّة، ثمّ وقعت بعده في أشدّ المصائب والنكبات والويلات، أصبحت تعيش هذه الأزمة تجاه واقعها، وهذه العاطفة تجاه ماضيها، هذا شفيت منه، لم يبق هناك إلاّ أغبياء ممّن في ظنّه أنّ عليّ بن أبي طالب كان يعمل لنفسه، كان يعمل لزعامته، كان يعمل لقبيلته، فأصبح واضحاً أنّ

____________________

(١) كذا في الأصل.

٣٠٨

معركة عليعليه‌السلام مع معاوية كانت معركة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الجاهلية التي اضطرّت أن تلبس الإسلام ثوباً لها لكي تبرز من جديد على المعترك السياسي. هذا أصبح واضحاً.

إلاّ أنّ الأُمّة نتيجة لمؤامرة ابن أبي سفيان - بعد أن نجحت هذه المؤامرة وبعد أن تنازلت الأُمّة عبر هذه المؤامرة عن وجودها وعن شخصيّتها - مُنيت بمرضٍ آخر، وهذا المرض الذي هو أدهى وأمرّ، هو أنّها فقدت إرادتها وفقدت بذلك أن تقول كلمتها، أصبحت تدرك لكنّها لا تستطيع أن تتخلّص، أصبحت تتألّم لكنّها لا تستطيع أن تنبثق؛ لأنّ هذه الأُمّة رخص عندها كلّ شيء إلاّ حياتها المحسوسة، إلاّ هذه الأنفاس التي تعلو وتهبط، في ذلٍّ وفي عبوديةٍ وفي حرمان، غاية همّ إنسانٍ من هؤلاء أن يحافظ على هذه الأنفاس لكي يصل إلى نهاية الشهر ثمّ يقبض عطاءً عن يدٍ وهو صاغر من عاملٍ من عمّال بني أميّة، ماتت الأُمّة، وماتت الإرادة، وماتت تلك الأُمّة الشامخة التي أعدّها لكي تمثّل خلافة الله في الأرض.

مظاهر موت الضمير وفقدان الإرادة:

وسير وقعة سيّد الشهداء، وسير قصّة الشهداء فيه مئات الشواهد على هذا الموت، على فقدان الأُمّة بفقدان الإرادة، فسيّد الشهداء يعتزم أن يتحرّك، يعتزم أن يسافر من المدينة إلى مكّة، ثمّ يعتزم بعد هذا أن يسافر من مكّة إلى العراق فيتبارى الأشخاص يأتون إليه من كلّ جانب، يأتي إليه عبد الله بن عبّاس(١) ،

____________________

(١) وقعة الطفّ: ١٤٨ - ١٥٠.

٣٠٩

يأتي إليه عبد الله بن جعفر(١) ، يأتي إليه عبد الله بن عمر(٢) ، يأتي إليه نساء بني هاشم(٣) ، يأتي إليه عبد الله بن الزبير(٤) ، يأتي إليه مختلف الأشخاص من مختلف الطبقات يقولون له: الله الله في دمك لا تخرج إنّك تقتل، أصبح القتل شيئاً مخيفاً مرعباً مذهلاً لا يمكن التصوّر فيه.

عبد الله بن جعفر ابن عمّ الحسين من قبيلة الحسين يبعث برسالةٍ إلى الإمام الحسينعليه‌السلام مع ولديه: أرجوك أن تمسك عن الحركة حتّى آتيك، فإنّي آتيك قريباً.

يأتي عبد الله بن جعفر بكتاب أمانٍ من والي يزيد على مكّة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام يستأمنه، يقول للإمام: ما دمت في أمانٍ هنا فلماذا تسافر ؟ !

أصبح الشخص لا يفكّر إلاّ في أن يكون في أمان، أن يكون دمه في أمان وأن يكون ماله المحدود في أمان، ثمّ ماذا عليه ؟! ماذا عليه من الأُمّة ؟! من الإسلام ؟! من الأهداف الكبيرة ؟! من الهموم العظيمة ؟! ما دام هو في أمان، ما دام يعيش في أمانها في ظلّ السلاطين، وهؤلاء الطغاة الجبابرة.

قالعليه‌السلام : أنا لا أعيش في أمانٍ من أمر هذه الأمّة يا عبد الله، فقال: يا سيّدي، أخاف أن تقتل إذا خرجت، قالعليه‌السلام : وإنّي أعلم سوف أُقتل. سكت عبد الله بن جعفر(٥) .

____________________

(١) وقعة الطفّ: ١٥٤.

(٢) أمالي الصدوق، المجلس ٣٠، والملهوف على قتلى الطفوف: ١٧.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ١٥٢.

(٤) وقعة الطفّ: ١٤٧.

(٥) راجع: وقعة الطفّ: ١٥٤ - ١٥٥.

٣١٠

قصّة مسلم شاهد آخر لموت إرادة الأُمّة. مسلم بن عقيل حينما اضطّر إلى مراجعة الأحداث، حينما يجيء عبيد الله بن زياد ويخطّط للاشتباك في معركةٍ مع مسلم ويقضي على مسلم، مسلم خرج إلى الجامع يريد أن يصلّي مع شيعته، تقول الرواية: بأنّ واحداً تلو الآخر من هؤلاء كان ينسحب، يأتي إليه أخوه أو أبوه أو أُمّه أو أُخته تقول: أنت ما عليك وشغل السلاطين ؟! هذا شغل السلاطين، أنت ذاهب إلى عملك، إلى شغلك، إلى كسبك، إلى متجرك، هؤلاء - مسلم وعبيد الله بن زياد - سلاطين فيما بينهم يتعاركون ويتخالفون، أنت ذاهب إلى حظّك(١) .

أصبح الإنسان لا يعيش إلاّ هذا الوضع المحدود، لا يعيش الإنسان إلاّ مصالحه الخاصّة، فكان لا بدّ في وضع من هذا القبيل، ماتت فيه الإرادة، كان لا بدّ فيه من هزّ ضمير الأُمّة وإحياء هذه الإرادة وإعادتها من جديد.

هزّ الضمير وإحياء الإرادة:

وهكذا قرّر الإمام الحسينعليه‌السلام أن يخرج لمواجهة هذه المؤامرة على شخصيّة الأُمّة محاولاً بذلك، لا أن يقضي على السلطان السياسي لبني أُميّة، فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان يحتمل أن يوفّق للقضاء على السلطان السياسي لبني أُميّة على ما يبدو من الروايات لمجرّد احتمالٍ بدا لا أكثر، وإلاّ كانت الأخبار العامّة توضّح له بأنّه سوف يقتل، والظروف الموضوعية كانت كلّها توضّح له أنّه سوف يقتل، وكيف يمكنه أن يتغلّب على السلطان السياسي لبني أُميّة وهو يعيش

____________________

(١) وقعة الطفّ: ١٢٥.

٣١١

في أمّة ميّتة ؟

كان لا بدّ لشخصٍ هو أبعد هؤلاء الناس عن الظلم وعن الغبن في مصالحه الشخصيّة، كان لشخصٍ من هذا القبيل أن يثأر لظلم المظلومين؛ لكي يحسّ هؤلاء المظلومين بأنّ هناك هدفاً أكبر من هذه الحدود الصغيرة، الحسينعليه‌السلام لم يعش هذا الظلم الفردي الذي عاشه كلّ مسلمٍ ومسلمة؛ لأنّ الحسينعليه‌السلام كان أعزّ الناس جاهاً وأمنعهم جانباً، ومن أكثرهم مالاً وأوسعهم حياةً، كلّ الدنيا كانت متوفّرةً للحسينعليه‌السلام وكلّ المسلمين كانوا يحوطون الحسينعليه‌السلام بكلّ تجليلٍ وتقديسٍ وتكريم، لم يكن بحاجةٍ إلى جاه وإلى مالٍ وإلى تكريم، لم يكن يعيش أيّ ظلمٍ من بني أُميّة، كان خلفاء بني أُميّة يجاملونه ويدارونه ويخشونه ويخافونه. لكنّه بالرغم من هذا تحرّك ولم يتحرّك أولئك الذين التهبت السياط فوق ظهورهم، تحرّك لكي يحسّ أولئك الذين التهبت السياط فوق ظهورهم أنّهم لا بدّ أن يتحرّكوا.

وقد استطاع الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحاول أن يُشعر الأُمّة باستمرارٍ أنّه يتحرّك وهو يعلم أنّه مقتول، يتحرّك وهو يعلم أنّه يستشهد، في المدينة قال للمحتجّين عليه بأنّه سوف يقتل في مكّة، وقف خطيباً يودّع بيت الله الحرام وقال بأنّه سوف يقتل؛ لكي يجعل الأُمّة تعيش هذه الأسطورة، أسطورة أنّ شخصاً يتقدّم نحو الموت وهو ثابت الجأش، قوي القلب، واضح اليقين في أنّ هذه الطريق يريدها الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذن فالموت ليس خطراً إذا كان هذا الموت هو طريق إنقاذ المسلمين، هو طريق تخليص الأُمّة من مؤامرة الجبابرة والطواغيت، كان يشيع في نفوس المسلمين أنّ الموت شيء هيّن في سبيل هذه الأهداف الكبيرة، نعم

٣١٢

أنا سوف أموت، نعم أنا سوف اُقتل على أيّ حال، سوف اُقتل لأنّ هذا طريق واجب، لا بدّ لي أن أسلك هذا الطريق لكي أستطيع بذلك أن أُؤدّي الأمانة. هذا من ناحية.

ومن ناحيةٍ أحكم كلّ ظروف حركته بشكلٍ لا يبعث في ذهن هذه الأُمّة المسلمة المائعة أي نقدٍ في أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام استعجل الظروف، أو أنّه استبق أوانه، تحرّك بحركةٍ ابتدائية بدون مبرّر، حشّد كلّ المبرّرات المنطقية والمعقولة لحركته، لم يكن هناك إنسان يمكنه أن يقول: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف.

كيف يقال: إنّه استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف وقد بقي في مكّة طويلاً والكتب تأتي ولا يجب عليها، إلى أن اجتمعت عنده آلاف من الكتب، وبعد هذا أيضاً لا يجيب جواباً قاطعاً، يبعث ابن عمّه مسلم بن عقيل، لا يوصيه بقتالٍ، ولا بحرب، وإنّما يوصيه أن يذهب إلى الكوفة ليرى أنّ أهل الكوفة هل هم مزمعون حقيقةً على أن يبايعوا خطّ الإمام عليّعليه‌السلام ، وعلى أي يضحّوا في سبيل خطّ الإمامعليه‌السلام ؟

يذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة، يبقى الإمام الحسينعليه‌السلام في مكّة، حتّى يبعث إليه مسلم بن عقيل مؤكّداً أنّ جميع أهل الكوفة وشيوخ أهل الكوفة قد اتّفقوا على زعامتك وإمامتك وقيادتك وهم لك منتظرون(١) ، كلّ هذه الظروف هيّأها الإمام الحسينعليه‌السلام وصبر حتّى يتهيّأ؛ لكي لا يبقى هناك نقد لمنتقدٍ، لكي لا يقول شخص يريد أن يخلق المبرّرات بأنّ الحسينعليه‌السلام استعجل.

____________________

(١) وقعة الطفّ: ١١٣.

٣١٣

الحسين لم يستعجل.

من ناحية ثالثة: أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام حشّد كلّ الظروف العاطفيّة في حركته أيضاً؛ كي يستعين بهذه الظروف العاطفيّة في سبيل أن يهزّ ضمير الأُمّة. لعلّ ذاك الشخص لم يفهم، لعلّ عبد الله بن عمر(١) لم يفهم حينما قال له الإمام الحسينعليه‌السلام : إنّي أعلم سوف اُقتل. قال له عبد الله بن عمر يا سيّدي ما بال النسوة ؟ لماذا تأخذ معك حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: لأنّ الله أراد أن يراهنّ سبايا(٢) .

ولم تكن هذه الإرادة إرادةً تكوينيّة، وإنّما كانت إرادةً تشريعية، يعني أراد أن يصحب معه النسوة من حريم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يشاركن في المحنة، ويشاركن في اعتداء طواغيت بني أُميّة؛ لكي يكون هذا عاملاً مساعداً في هزّ ضمير الأُمّة، هذه الظروف العاطفيّة أيضاً حشّدها باستمرار، وكان يحاول باستمرار أن يستثير كلّ من يجده، حتّى عبد الله بن عمر، حتّى أعداءه وخصومه بعد أن قال:

يا عبد الله بن عمر لا تترك نصرتي(٣) ، يعني: ليست نصرتي بأن تقبّلني(٤) وأن تكرمني، وإنّما نصرتي بأن تمشي في خطّي، بأن تبذل دمك في الخطّ الذي أبذل فيه دمي، أمّا التقبيل، أمّا هذا النوع من التكريم الرخيص هذا ليس له قيمة عند

____________________

(١) الظاهر أنّ هذا الحوار جرى بين الإمام ومحمّد بن الحنفيّة، لا عبد الله بن عمر.

(٢) بحار الأنوار ٤٤: ٣٦٤، تاريخ الحسين بن عليّعليه‌السلام ، الباب ٣٧، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس الناس ليزيد.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس: ١٧، وفيه: يا أبا عبد الرحمن اتّقِ الله ولا تدعنّ نصرتي !

(٤) أمالي الصدوق، المجلس ٣٠.

٣١٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يحاول أن يهزّ ضمير الأُمّة، يهزّ ضمير كلّ فردٍ من أفراد الأُمّة، لكنّ الأُمّة كانت في سبات، هذه الأُمّة التي ماتت إرادتها.

عبيد الله بن الحرّ الجعفي الذي وصل إلى منزلٍ من المنازل وكان الإمام الحسينعليه‌السلام في ذلك المنزل، واطّلع الإمام الحسينعليه‌السلام على أنّ عبيد الله بن الحرّ الجعفي، وعبيد الله بن الحرّ الجعفي له سوء سابقة في تأريخ جهاد الإمام عليعليه‌السلام ، لكنّ الإمام الحسينعليه‌السلام حاول أن يهزّ ضميره، بعث إليه برسول. ذهب رسول الإمام الحسينعليه‌السلام إلى عبيد الله بن الحرّ الجعفي قال له: جئتك بالكرامة، جئتك بكرامة لا يوجد فوقها كرامة بأن تستشهد بين يدي ابن رسول الله، إنّ الحسين يدعوك لنصرته، والاستشهاد بين يديه فظهر الغضب في وجه عبيد الله ابن الحرّ الجعفي والضيق وقال: إنّي خرجت من الكوفة خوفاً من أن يأتي الحسين وأن تقوم المعركة، ويتأزّم حينئذٍ موقعي، خرجت فراراً من أن أعيش هذه اللحظة التي جعلتني أعيشها الآن، ثمّ اعتذر من الاستجابة للإمام الحسينعليه‌السلام .

الإمام الحسينعليه‌السلام لم يكتفِ بهذا، قام بنفسه وجاء إلى عبيد الله بن الحرّ الجعفي يستصرخه ويطلب منه، ويحاول أن ينفذ إلى أعماقه، أن يحرّك ضميره ووجدانه، أن ينبّهه إلى الأخطار التي تكتنف الرسالة والإسلام، يقول الناقل: ما رقّ قلبي كما رقّ يومئذٍ والحسينعليه‌السلام حوله الصبية من أطفاله يطوفون به، ويمشي إلى عبيد الله بن الحرّ الجعفي يستصرخه ويناديه، فيعتذر عبيد الله بن الحرّ يقول له: هذه فرسي خذها بدلاً عنّي.

يقولعليه‌السلام إنّي لست بحاجةٍ إلى فرسك، إن كنت قد بخلت بدمك على الإسلام فلا حاجة في فرسك، لكن عندي وصيّة قال: وما الوصيّة ؟

٣١٥

قال: إن قدرت على أن لا تسمع واعيتنا فافعل؛ لأنّه ما سمع واعيتنا شخص ثمّ لم ينصرنا إلاّ أكبّه الله على وجهه يوم القيامة في جنّهم(١) .

وهذه الواعية واعية الإمام الحسين، واعية الإسلام، لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام استشهد في سبيل الإسلام، ولم يكن يعيش تلك اللحظة إلاّ للإسلام، فواعية الإمام الحسينعليه‌السلام هي واعية الإسلام، والأخطار التي كان من أجلها يضحّي الإمام الحسينعليه‌السلام وقتئذٍ هي الأخطار التي تعيشها الأُمّة الإسلامية عبر كلّ هذه القرون إلى يومنا هذا.

قتل الإمام الحسينعليه‌السلام واستشهد في سبيل الحيلولة دون الأخطار التي عاشها المسلمون ويعيشونها إلى يومنا هذا.

إنّ واعية الحسينعليه‌السلام لم تنقطع يوم عاشوراء، إنّ واعية الحسينعليه‌السلام حيث إنّها واعية رسالية، وليست واعية شيخ عشيرةٍ أو قبيلة، فواعية الرسالة لا تنقطع ما دامت الأخطار تكتنف هذه الرسالة، وقد قال هذا الإمام الشهيد الصادق: إنّه ما سمع واعيتنا شخص ولم ينصرنا إلاّ أكبّه الله على وجهه يوم القيامة.

نحن يجب علينا أن نعرف أنّ هذه الواعية نواجهها اليوم كما واجهها عبيد الله بن الحرّ الجعفي. إن لم نواجهها من فم الحسينعليه‌السلام فنواجهها من دم الحسين، ومن تأريخ الحسين ومن بطولة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء ومواقفه المتعدّدة. نواجه هذه الواعية من كلّ الأخطار التي تكتنف الرسالة، وتكتنف الإسلام، وتكتنف الأُمّة الإسلامية من كلّ صوبٍ وحدب، كلّ هذا

____________________

(١) وقعة الطفّ: ١٧٦.

٣١٦

الضياع في القيم والأخلاق في المبادئ والمثل، كلّ هذا التمييع كلّ هذا هو واعية الإسلام.

نحن نواجه هذه الواعية في كلّ مكان، في كلّ زمانٍ من كلّ صوب وحدب.

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام حينما ثار حينما بدأ يبذل دمه في سبيل الإسلام لأن يواجه بداية خطٍّ من الانحراف، هذا الخطّ نحن الآن نعيش قمّته، نعيش أمّته، نعيش كلّ تصوّراته، كلّ أبعاده.

إذن فواعية الإسلام اليوم أوسع وأكبر، ونحن وأيّ فردٍ من المسلمين لا يزال اليوم مدعوّاً كما كان عبيد الله بن الحرّ الجعفي مدعوّاً أنّ يغضّ النظر عن مصالحه عن وجوده، عن كيانه، عن شهواته، عن رغباته الشخصية في سبيل أن يساهم في إنقاذ الإسلام، في إنقاذ المسلمين، في إعادة الإسلام إلى الحياة، في رفع هذا الوهن عن وجود المسلمين وعن كرامات المسلمين.

إنّ كلّ مسلمٍ قادر على أن يساهم في هذه العلمية بقليلٍ أو كثيرٍ في حدود إمكانيّاته وقابلياته.. المساهمة ليس شكلها الوحيد حمل السيف، وحمل السيف لا يمكن أن يكون إلاّ بعد مساهمات طويلة الأمد.

إذن فهناك نوع من المساهمة قبل حمل السيف، ولو أنّ كلّ واحد منّا يقول بأنّي لا أستطيع أن أحمل السيف إذن فأنا لا تكليف عليَّ، ولا مسئولية عليّ، فمعنى هذا أنّه سوف لن يمكن حمل السيف في يوم من الأيام، إنّ حمل السيف هو شكل من أشكال المساهمة، وهو شكل أعلى من أشكال المساهمة، ولا يمكن أن يوجد هذا الشكل فجأة، لا بدّ لكلّ واحد مسلم أو مسلمة أن يساهم بقدر إمكانه وظروفه الفكرية العلمية والاجتماعية في جواب هذه الواعية، في الردّ على هذه الواعية، في إنقاذ هذا الجرح الذي يضرب في كلّ يوم

٣١٧

ويستهزأ منه في كلّ يوم، وتتحدّى أحكامه في كلّ يوم وتضرب تشريعاته عرض الحائط في كلّ يوم.

اللهمّ اجعلنا من شيعة الإمام الحسين والسائرين في خطّه والمجيبين لواعيته.

٣١٨

التخطيط الحسيني

لتغيير أخلاقيّة الهزيمة

٣١٩

٣٢٠