المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ١

المهذب البارع في شرح المختصر النافع0%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 568

المهذب البارع في شرح المختصر النافع

مؤلف: العلامة جمال الدين ابي العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي
تصنيف:

الصفحات: 568
المشاهدات: 88099
تحميل: 5212


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88099 / تحميل: 5212
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء 1

مؤلف:
العربية

(ب): الجلوس للقضاء على أحد القولين.

(ج): قراء‌ة القران.

(د): الدعاء. ومحظور. وهو حالة التخلي بالفرجين خاصة، دون الوجه، وفي الاستنجاء نظر. ومكروه.

وهو حالة الجماع، ورمي جمرة العقبة. ومباح. وهو ما عدا ما ذكرناه. اذا عرفت هذا، فنقول: إختلف الناس في القبلة التي يتوجه إليها المصلي على قولين: الاول: أنها الكعبة للمشاهد، وحكمه كالاعمى، وجهتها للبعيد، كما يستقبلها العالي والسافل، كالمصلي على جبل أبي قبيس، أو في سرداب. وهو مذهب أبي علي(١) ، وبه قال المرتضى(٢) ، وابن إدريس(٣) ، واختاره المصنف(٤) ، والعلامة(٥) . والمستند وجوه:

____________________

(١ و ٢) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثاني في القبلة، ص ٧٦، س ٢٦، قال: " وقال السيد المرتضى: القبلة هي الكعبة " إلى ان قال: س ٢٧: " وهو اختيار ابن الجنيد، وأبي الصلاح، وابن إدريس ".

(٣) السرائر: كتاب الصلاة، باب القبلة وكيفية التوجه اليها، ص ٤٢، س ٦، فانه بعد نقل مذهب السيد قال: " وهو الذي يقوى في نفسي وبه أفتي ".

(٤) المعتبر: كتاب الصلاة، المقدمة الثالثة في القبلة، ص ١٤٤، س ٥، قال: " مسألة القبلة هي الكعبة مع الامكان ".

(٥) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثاني في القبلة، ص ٧٦، س ٢٦، قال: " وقال السيد المرتضى: القبلة هي الكعبة " إلى ان قال: س ٢٧: " وهو اختيار ابن الجنيد، وأبي الصلاح، وأبن أدريس، وهو الاقوى عندي ".

٣٠١

(الف): قوله تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس).(١)

(ب): الاحتياط. فان من استقبل الكعبة، استقبل المسجد والحرم، فيخرج عن العهدة بيقين، بخلاف المتوجه إلى المسجد أو الحرم.

(ج): ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: متى صرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر(٢) .

الثاني: إنها الكعبة لمن كان في المسجد، وهو لمن كان في الحرم، وهو لمن نأى عنه. إختاره الشيخان(٣) ، وسلار(٤) ، والقاضي(٥) ، وابن حمزة(٦) ، وابن زهرة(٧) . والدليل وجوه:

(الف): الاجماع.

(ب): لو وجب التوجه إلى عين الكعبة، لزم بطلان الصف الطويل خلف الامام، لصغرها، بخلاف الحرم فانه لطوله يمكن أن يكون كل واحد من

____________________

(١) سورة المائدة: ٩٧.

(٢) التهذيب: ج ٢، ص ٤٣، باب ٥ القبلة، حديث ٣.

(٣) اي المفيد في المقنعة: باب القبلة، ص ١٤، س ٢١، قال: " القبلة هي الكعبة " إلى ان قال: ثم المسجد قبلة من نأى عنه " والطوسي في النهاية، كتاب الصلاة: باب معرفة لقبلة واحكامها ص ٦٢، س ١٨، قال: " واقبلة " هي العكبة، وهي قبلة من كان في المسجد الحرام فمن خرج من المسجد الحرام كان قبلة المسجد إذا كان في الحرم، فان نأى عن الحرم كان فرضه التوجه إلى الحرم ".

(٤) المراسم: كتاب الصلاة، ذكر معرفة القبلة، ص ٦٠.

(٥) المهذب: باب القبلة، ص ٨٤، س ١٢، قال: " فكل من شاهد الكعبة " انتهى.

(٦ و ٧) المختلف: في القبلة: ص ٧٦، س ٢٥، قال: " وهو (أي مذهب الشيخين) اختيار أبن حمزة وابن زهرة ".

٣٠٢

وقيل: يستلقي ويصلي موميا إلى البيت المعمور. ويتوجه أهل كل إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم.

فأهل المشرق يجعلون المشرق إلى المنكب الايسر، والمغرب إلى الايمن، والجدي خلف المنكب الايمن، والشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب الايمن مما يلي الانف. الجماعة متوجه إلى جزء منه.

(ج): ما رواه عبدالله بن محمد الحجال، عن بعض رجاله، عن الصادقعليه‌السلام ان الله جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لاهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لاهل الدنيا(١) . وهي مرسلة، والثاني: مندفع بالاكتفاء بالجهة ومعارض بقصر الحرم عن أهل الدنيا، فانه يلزم خروج أكثرهم عن سمته، وإذا جعل المناط الجهة سقط الالزام، و دعوى الاجماع ممنوع. قال طاب ثراه: وقيل يستلقي ويصلي موميا إلى البيت المعمور. أقول: تكره الفريضة على سطح الكعبة، كما تكره في جوفها، لاستلزام إستدبار القبلة. فلو صلى على سطحها صلى قائما مبرزا بين يديه شيئا يكون مستقبلا له حالة قيامه وسجوده، ولو لم يبرز بين يديه منها شيئا أصلا، كانت صلاته باطلة. وقال الشيخ في النهاية(٢) ، والخلاف(٣) ، والصدوق في كتا ب من لا يحضره الفقيه: يصلى مستلقيا على قفاه متوجها إلى البيت المعمور. ويعرف ب‍ (الضراح)

____________________ ___

(١) التهذيب: ج ٢، ص ٤٤، باب القبلة، حديث ٧، وفيه " مارواه عبيدالله بن محمد ".

(٢) النهاية: كتاب الصلاة، با ب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لا يجوز، ص ١٠١، س ٤، قال: " ومتي اضطر الانسان إلى الصلاة فوق الكعبة، فليسبلق على قفاه " إلى آخره.

(٣) الخلاف: ج ١، ص ١٤٦، كتاب الصلاة، مسألة ١٨٨.

(٤) الفقيه: ج ١، ص ١٧٨، باب ٤٢، القبلة، ذيل حديث ٢، قال: " ومن كان فوق الكعبة وحضرت الصلاة اضطجع وأومئ برأسه. ".

٣٠٣

بالضاد المعجمة المضمومة، وهو في السماء الثالثة، وقيل: في الرابعة بازاء البيت، بحيث لو سقط لوقع على سطحه. وبه قال القاضي(١) إن لم يتمكن من النزول، و إلا فعليه أن ينزل، وقال ابن إدريس(٢) ، والمصنف(٣) ، والعلامة(٤) : بل يصلي قائما. فالحاصل ان في المسألة ثلاثة أقوال: (الف): الاستلقاء مطلقا، موميا إلى الضراح، وهو اختيار الشيخ(٥) ، واستدل بالاجماع، وبرواية عبدالسلام عن الرضاعليه‌السلام في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة؟ فقال: (إن قام لم يكن له قبلة، ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه و يقصد بقلبه إلى القبلة في السماء البيت المعمور ويقرأ، فاذا أراد أن يركع غمض عينيه، واذا أراد ان يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك(٦) . وأجيب: بضعف السند، فلا يعارض الاحكام القطعية الدالة على وجوب القيام والركوع مع المكنة.

____________________

(١) المهذب: ص ٨٥، س ١٦، باب القبلة، قال " ومن كان على سطح الكعبة فعليه أن ينزل و يتوجه أليها، فان لم يتمكن من ذلك لضرورة إستلقى على ظهره ونظر إلى السماء وصلى إليها ".

(٢) السرائر: كتاب الصلاة: ص ٥٨، س ٢٠، قال: " ومن اضطر إلى الصلاة فوق الكعبة، فليقم قائما عليها ويصلي"»

(٣) المعتبر: كتاب الصلاة، المقدمة الثالثة في القبلة، ص ١٤٥، س ٣، قال: " وما ذكره في المبسوط حسن، ويلزم منه وجوب ان يصلي قائما على السطح ".

(٤) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثاني في القبلة ص ٧٧، س ٦، قال بعد نقل قول ابن إدريس: " انه يصلي قائما، وهو الحق عندي ".

(٥) النهاية: ص ١٠١، س ٤.

(٦) الكافي: ج ٣، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الكعبة وفوقها، ص ٣٩٢، حديث ٢١، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.

٣٠٤

وقيل: يستحب التياسر لاهل الشرق عن سمهم قليلا، وهو بناء على أن توجههم إلى الحرم. وإذا فقد العلم بالجهة والظن، صلى القريضة إلى أربع جهات، ومع الضرورة أو ضيق الوقت يصلي إلى أي جهة شاء، ومن ترك الاستقبال عمدا، ولو كان ظانا أو ناسيا وتبين الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق والمغرب، ويعيد الظان ما صلاه إلى المشرق والمغرب في وقته، لا ماخرج وقته.

(ب): القيام وإبراز قليل بين يديه يكون مستقبلا له، وهو اختيار ابن إدريس(١) لقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام)(٢) ، هو عام. ولان القيام شرط في الصلاة وركن فيها، فلا يصح مع عدمه إختيارا. ولان التوجه انما هو إلى جهة الكعبة وهو حاصل لمن صلى فوقها، كما لو صلى على جبل أبي قبيس أو جبل حراء، أو سافلا، كما لو صلى في سرداب.

(ج): التفصيل. وهو الايماء مع الاستلقاء، إذا لم يتمكن من النزول وإلا فعليه أن ينزل ويصلي قائما، وهو إختيار القاضي(٣) ووجهه انه جمع بين القولين. و تضعيفه مامر. قال طاب ثراه: وقيل يستحب التياسر لاهل الشرق عن سمتهم قليلا، وهو بناء على أن توجههم إلى الحرم. أقول: هنا مذهبان.

____________________

(١) نقدم آنفا.

(٢) سورة البقرة: ١٤٤.

(٣) تقدم آنفا.

٣٠٥

(الف): وجوب التياسر، ذهب إليه الشيخ في المبسوط(١) ، والجمل(٢) . وهو الظاهر من عبارة المفيد(٣) ، لما رواه المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن التحريف لاصحابنا ذات اليسار عن القبلة، وعن السبب فيه؟ فقال: إن الحجر الاسود لما أنزله الله سبحانه من الجنة ووضع في موضعه، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور، نور الحجر في يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كلها إثنا عشر ميلا، فاذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة، لقلة أنصار الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد الكعبة(٤) والرواية ضعيفة السند.

(ب): استحبابه، وهو مذهب المصنف، والعلامة. لان الامر بالتوجه انما هو إلى شطر الكعبة، فتحمل الاحاديث الواردة بالانحراف على الاستحباب، جمعا بين الادلة. وكأن فخر المحققين قدس الله سره يختار لزوم السمت ويمنع من الانحراف

____________________

(١) المبسوط: ج ١، كتاب الصلاة، فصل في ذكر القبلة واحكامها، ص ٧٨، س ٦، قال: " ويلزم أهل العراق التياسر قليلا ".

(٢) الجمل: فصل في القبلة واحكامها، ص ٢٢، س ٧، قال: " وعلى أهل العراق التياسر قليلا ".

(٣) المقنعة: باب القبلة، ص ١٤، س ٢٩، قال: " فلذلك أمر أهل العراق " إلى ان قال: " أن يتياسروا في بلادهم ".

(٤) الفقيه: ج ١، ص ١٧٨، باب ٤٢ القبلة، حديث ٢، والتهذيب: ج ٢، ص ٤٤، باب ٤٢ القبلة، حديث ١٠، مع الختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث فراجع.

(٥) المعتبر: كتاب الصلاة، المقدمة الثالثة في القبلة، ١٤٥، س ١٨، قال: " والاقرب إنا لو قلنا بالاستقبال إلى الحرام لقلنا باستحباب التياسر ".

(٦) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثاني في القبلة، ص ٧٧، س ١٦، قال: " والاقرب انه على سبيل الاستحباب".

٣٠٦

يمينا ويسارا(١) ، قال المصنف في المعتبر: وكل من جعل قبلته الحرم امر بالتياسر، ثم قال: والاقرب إنا لو قلنا بالاستقبال إلى الحرم، لقلنا باستحباب التياسر، لعدم الدلالة على الوجوب(٢) . وحمل ما ورد على الندب، لدلالته على الاستظهار. تذنيب. واعلم: انه إتفق حضور العلامة المحقق خواجه نصيرالدين محمد بن محمد الحسن الطوسي قدس الله روحه مجلس المصنف طاب ثراه ودرسه، فكان فيما جرى بحضوره درس القبلة، فأورد إشكالا على التياسر، فأجاب المصنف في الحال بما اقتضاه ذلك الزمان، ثم عمل في المسألة رسالة وبعثها إليه، فاستحسنها المحقق حين وقف عليها. وها أنا موردها بلفظها:

بسم الله الرحمن الرحيم

جرى في أثناء فوائد المولى أفضل علماء الاسلام وأكمل فضلاء الانام نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي أيد الله بهجته العالية قواعد الدين ووطد أركانه، ومهد بمباحثه السامية عقايد الايمان، وشيد بيانه إشكالا على التياسر. وحكايته: الامر بالتياسر لاهل العراق لا يتحقق معناه. لان التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالاضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة، وحينئذ إما أن تكون الجهة

____________________

(١) لم نعثر على ما نقله عن الفخر، ولم ينقل في الايضاح عند قول العلامة " ويستجب لهم التياسر قليلا إلى يسار المصلى " شيئا. لاحظ الايضاح: ج ١، كتاب الصلاة، الفصل الثالث في القبلة، ص ٧٧، س ١٠.

(٢) المعتبر: كتاب الصلاة، ص ١٤٥، س ١٧.

٣٠٧

محصلة، وإما أن لا تكون. ويلزم من الاول التياسر عما وجب التوجه إليه، وهو خلاف مدلول الآية، ومن الثاني عدم إمكان التياسر، إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها. ثم يلزم مع تحقق هذا الاشكال تنزيل التياسر على التأويل، أو التوقف فيه حتى يوضحه الدليل. وهذا الاشكال مما لم يقع عليه الخواطر ولا تنبه له الاوائل والاواخر ولا كشف عن مكنونه الغطا، لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الاعظم من علماء الانام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام، وان يكون قصاراهم إلتقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام، فانها شفاء الانفس وجلاء الافهام. غير انه ظاهر الله جلاله ولا أعدم أولياء‌ه فضله وأفضاله، سوغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي أن اورد ما تخطر في الجواب ما يكون صوابا أو مقارنا للصواب. فأقول: ممتثلا لامره، مشتملا ملابس صفحه وعفوه: انه ينبغي أن تتقدم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين.

البحث الاول

لفقهائنا قولان: أحدهما: ان الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه، والتوجه إليها متعين على التقديرات فعلى هذا لا يتياسر أصلا. والثاني: انها قبلة لمن كان في المسجد، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم، والحرم قبلة لمن خرج عنه. وتوجه هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة، حتى ان إستقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذر، لان عنده جهة كل واحد من المصلين غير جهة الآخر. إذ لو خرج من وجه كل واحد منهم خط مواز للخط الخارج من وجه الآخر

٣٠٨

لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة. فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال، ويعود الاستقبال مختصا بإستقبال ما اتفق من الحرم. لا يقال: هذا باطل لقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام)(١) . و بانه لو كان كذا، لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحل ان يعدل عن الكعبة إلى استقبال بعض الحرم. لانا نجيب عن الاول: بان المسجد قد يطلق على الحرم، كما روي في تأويل قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام))(٢) . وقد روي أنه قد كان في بيت ام هاني بنت أبي طالب(٣) . وهو خارج عن المسجد، ولانا نتكلم على التياسر المبني على قول من يقول بذلك. ونجيب عن الثاني: بأن إستقبال جهة الكعبة متعين لمن تيقينها، وإنما يقتصر على الحرم من تعذر عليه التيقن بجهتها، ثم لو ضويقنا جاز أن يلتزم ذلك، تمسكا بظاهر الرواية.

البحث الثاني

من شاهد الكعبة إستقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه. وكذا من تيقن جهتها على التعيين. أما من فقد القسمين، فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة، لكن محاذاة كل علامة من العلامات بالعضو المختص بها من المصلي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا، إذ قد يتوهم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت إنحرافا خفيا،

____________________

(١) سورة البقرة: ١٥١.

(٢) سورة الاسراء: ٢.

(٣) تفسير التبيان للشيخ الطوسى: ج ٦، ص ٤٤٦ سورة الاسراء، قال: وروت ام هاني بنت أبي طالب. " أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في منزلها ليلة اسري به ".

٣٠٩

خصوصا عند مقابلتة الشئ الصغير. إذا تقرر ذلك رجعنا إلى الاشكال. أما كون التياسر أمرا إضافيا لا يتحقق إلا بالمضاف، فلا ريب. واما كون الجهة إما محصلة أو غير محصلة، فالوجه أنها محصلة، وبيان ذلك: إن الشرع نصب علامات أوجب محاذاة كل واحد منها لشئ من أعضاء المصلي، بحيث تكون الجهة المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة، هي جهة الاستقبال، فالتياسر حينئذ عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلي. فأما أنه إذا كانت محصلة، كانت هي جهة الكعبة، والانحراف عنها يزيل التوجه إليها. فالجواب عنه: إنا قد بينا ان الفرض هو إستقبال الحرم، لا نفس الكعبة، فان العلائم قد يحصل الخلل في مسامتها [مشاهدتها] فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجه إليه في كلي حالتي الاستقبال، والتياسر يكون متوجها إلى القبلة المأمور بها. أما في حال الاستقبال فلانها جهة الاجزاء من حيث هو محاذ جهة من جهات الحرم تقليبا مستندا إلى الشرع. واما في حال التياسر فيلحقه محاذاة جهة الحرم، ولهذا تحقق الاستحباب في طرفه، لحصول الاستظهار به. إن قيل: هنا إيرادات ثلاثة:

الاول: النصوص خالية عن هذا التعيين، فمن أين صرتم إليه؟.

الثاني: ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصبت العلائم إليها؟ فان قلتم: لاجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة و يسارها. قلنا: إن اريد بالتياسر وسط الحرم، فحينئذ يخرج المصلي عن جهة الكعبة يقينا وإن اريد تياسرا لا يخرج به عن سمت الكعبة، فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقة، ثم لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق.

الثالث: الجهة المشار إليها، إن كان إستقبالها واجبا لم يجز العدول عنها، والتياسر

٣١٠

عدول فلا يكون مأمورا به. قلنا: أما الجواب عن الاول، فانه وإن كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا، فانها غير خالية من التنبيه عليها، إذ لم يثبت وجوب إستقبال الجهة التي دلت عليه العلائم وثبت الامر بالتياسر بمعنى انه عن السمت المدلول عليه.

وعن الثاني: بالتفصي عن إبانة الحكمة في التياسر، فانه غير لازم في كل موضع، بل غير ممكن في كل تكليف. ومن شأن الفقيه تلقي الحكم مهما صح المستند. أو نقول: إما أن يكون الامر بالتياسر ثابتا، وإما أن لا يكون. فإن كان لزم الامتثال تلقيا عن صاحب الشرع، وإن لم يعط العلة الموجبة للتشريع. وإن لم يكن ثابتا، فلا حكمة. ويمكن أن نتكلف إبانة الحكمة، بان نقول: لما كانت الحكمة متعلقة باستقبال الحرم، وكان المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج من الاستناد إلى العلامات عن سمته، بأن يكون منحرفا إلى اليمين، وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة، فلو اقتصر على ما يظن انه جهة الاستقبال أمكن أن يكون مائلا إلى جهة اليمين فيخرج عن الحرم، وهو يظن إسثقباله. إذ محاذاة العلائم على الوجه المحرر قد يخفى على المهندس الماهر، فيكون التياسر يسيرا عن سمت العلائم مفضيا إلى سمت المحاذاة، ويشهد لهذا التأويل ما روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار؟ فقال: ان الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال، وعن يمينها أربعة أميال، فاذا انحرف ذات اليمين خرج عن حد القبلة، وإن إنحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة.(١) وهذا الحديث يؤذن بان المقابلة قد يحصل معها إحتمال الانحراف.

____________________

(١) الفقيه ج ١، ص ١٧٨، حديث ٢، باب ٤٢ القبلة. نقلا بالضمون.

٣١١

وكذا لواستد برالقبلة. وقيل: يعيدو إن خرج الوقت. ولا يصلي الفريضة على الراحلة أختيارا. ويرخص في النافلة سفرا، حيث توجهت الراحلة. وأما الجواب عن الثالث: فقد مر في أثناء البحث. وهذا كله مبني على أن إستقبال أهل العراقى إلى الحرم لا إلى الكعبة. وليس ذلك بمعتمد، بل الوجه الاستقبال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب الظن مع عدم الطريق إلى العلم، سواء كان في المسجد أو خارجه فيسقط حينئذ إعتبار التياسر، والتعويل في إستقبال الحرم إنما هو على أخبار آحاد ضعيفة، وبتقدير أن يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر، يكون ورود الاشكال عليه أتم، وبالله العصمة والتوفيق انه ولي الاجابة. هذا آخر رسالة المصنف قدس الله روحه. واعلم: أن غير المصنف أجاب عن هذا الاشكال، بمنع الحصر. لان حاصل السؤال: إن التياسر إما إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبا. وإما عنها فيكون حراما. والجواب: بمنع الحصر، بل نقول: التياسر فيها، وجاز إختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض، أو حصول الاستظهار بالتوسط بسبب الانحراف. قال طاب ثراه: وكذا لو استدبر(١) ، وقيل: يعيد وإن خرج الوقت. أقول: يريد لو تبين صلاته إلى دبر القبلة وقد خرج الوقت، هل يعيد؟ فيه قولان: (الف): الاعادة، قاله الشيخ(٢) ، وهو اختيار العلامة في أكثر كتبه.(٣)

____________________

(١) هكذا في الاصل ولكن في المتن " وكذا لواستد بر القبلة " فراجع.

(٢) النهاية كتاب الصلاة، باب معرفة القبلة واحكامها، ص ٦٤، س ٤، قال: " وقد رويت رواية انه اذا كان لى إلى استدبار القبلة، ثم علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة. وهذا هو الاحوط وعليه العمل ".

(٣) التذكرة: كتاب الصلاة، البحث الثالث في المستقبل، ص ١٠٣، س ١٨، قال: " فان كان قد إستدبر أعاد الصلاة، سواء كان الوقت باقيا اولا ". وفي القواعد: كتاب الصلاة، المطلب الثالث في المستقبل، ص ٢٧٦، س ٦، قال: " ولويان الاستدبار أعاد مطلقا ".

٣١٢

(ب): الصحة، وهو مذهب المرتضى(١) ، وابن إدريس(٢) ، واختاره المصنف(٣) ، والعلامة في المختلف(٤) . احتج الشيخ: بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل صلى إلى غير القبلة، فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب، فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم. وإن كان متوجها إلى دبر القبلة، فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة(٥) . ورد بوجهين:

(الف): ضعف السند.

(ب): كونه غير دال على محل النزاع، لان قوله: (فليقطع، ثم يحول وجهه، إلى القبلة)) تؤذن بكونه في الوقت ولا نزاع فيه. احتج الآخرون: بانه امتثل المأمور به، فيخرج عن العهدة، أما الاولى: فلكونه مخاطبا بما في ظنه، أما الثانية: فلان الامر للاجزاء. فان قيل: تلزمكم مثل هذا في الوقت. قلنا: فرق بين الصورتين فإنه في الوقت إنما تخرج عن العهدة بالظن مع إستمراره،

____________________

(١) الناصريات، ص ١٧، س ٢٨، كتاب الصلاة، مسألة ٨٠ قال: " فان علم بعد مضي وقتها فلا إعادة عليه ".

(٢) السرائر: كتاب الصلاة، باب القبلة وكيفية التوجه اليها، ص ٤٢، س ١٣، قال: " فان كان قد خرج الوقت فلا إعادة عليه على الصحيح من المذهب ".

(٣) المعتبر: في القبلة، ص ١٤٦، س ٢١، قال: " ولا كذا لو خرج وقته ".

(٤) المختلف: في القبلة، ص ٧٨، س ١٣، قال: " وإن كان قد صلى إلى المشرق أوالمغرب او مستدبرا أعاد في الوقت لاخارجه ".

(٥) التهذيب: ج ٢، ص ٤٨، حديث ٢٧، وفيه: " على القبلة ".

٣١٣

الرابعة في لباس المصلي

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ، وكذا ما لا يؤكل لحمه، ولو ذكي ودبغ، ولا في صوفه وشعره ووبره، ولو كان قلنسوة أو تكة، ويجوز استعماله لا في الصلاة. ولو كان مما يؤكل لحمه جاز في الصلاة وغيرها، وإن اخذ من الميته جزا، أقلعا مع غسل موضع الاتصال نتفا. ويجوز في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الارنب والثعالب. وفي فرو السنجاب قولان: أظهرهما الجواز. لا مع ظهور خطأه، فيبقى في العهدة. وأما مع خروج الوقت، فإن الامر يسقط، لانه مقيد بالوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد، ولم يثبت. ولصحيحة سليمابن خالد قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : الرجل يكون في قفر من الارض في يوم غيم، فيصلي إلى غير القبلة، ثم يصحى فيعلم إنه صلى إلى غير القبلة، كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، وان كان مضى الوقت فحسبه إجتهاده(١) . قال طاب ثراه: وفي فرو السنجاب قولان: أظهرهما الجواز. أقول: الجواز مختار ابن حمزة(٢) ، والمصنف(٣) ، وهو الذي ذكره الشيخ في كتاب الصلاة من النهاية(٤) ،

____________________

(١) الكافي: ج ٣، ص ٢٥٨، كتاب الصلاة، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلى لغير القبلة، حديث ٩، وفيه " لغير القبلة ".

(٢) المختلف: في اللباس، ص ٧٩، س ٢٢، قال: " وابن حمزة بالكراهة ".

(٣) المعتبر: في الباس المصلي، ص ١٥٠، س ٧، قال: " والثاني الجواز ".

(٤) النهاية: كتاب الصلاة، باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لا يجوز، ص ٩٧، س ٩، قال: " والابأس بالصلاة في السنجاب والحواصل " إلى آخره.

٣١٤

والمبسوط(١) ، واختاره العلامة في أكثر كتبه(٢) ، للاصل، ولصحيحة علي بن راشد قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام ): ما تقول في الفراء؟ قال: أي الفراء؟، قلت: الفنك والسنجاب والسمور، قال: فصل في الفنك والسنجاب، أما السمور فلا تصل فيه(٢) . وعن مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ فقال: لا خير في ذلك كله ما خلا السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم(٤) . والمنع مختار الشيخ في الخلاف(٥) ، والمرتضى في الجمل(٦) ، وابن زهرة(٧) ، و

____________________

(١) المبسوط: كتاب الصلاة، فصل فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس، ص ٨٢، س ٢٢، قال: فأما السنجاب والحواصل فانه لا خلاف انه يجوز الصلاة فيهما ".

(٢) اختلف فتوى العلامة في كتبه. ففي التحرير، في الفصل الرابع من كتاب الصلاة، ص ٣٠، س ١٢، قال: " لا يجوز الصلاة في شعر كل ما يحرم أكله ولا في صوفه ولا في وبره الا الخز الخالص، والحواصل والسنجاب على قول. وفي التذكرة: كتاب الصلاة، ص ٩٥، س ٢١، قال: مسألة. وفي السنجاب قولان: المنع " إلى ان قال س ٢٢، " والجواز "، ثم قال، س ٢٤، اختار المنع عملا بالمتيقن.

وفي المختلف ايضا قال: والوجه عندي المنع لاحظ كتاب الصلاة من المختلف، ص ٧٩، س ٢٢ "

(٣) التهذيب: ج ٢، ص ٢١٠، باب ١١، في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس حديث ٣٠، وفيه: " في الفراء أي شئ يصلى فيه؟ قال ".

(٤) الكافي: ج ٣، ص ٤٠١، حديث ١٦، وفيه: " والسنجاب والثعلب ".

(٥) الخلاف: ج ١، ص ١٧٧، كتاب الصلاة، مسألة ٢٥٦، قال: " كلما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة في جلدة ولا وبره ولا شعره ذكي اولم يذك ". إلى ان قال: " ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب، والاحوط ما قلناه ".

(٦ - ٧) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثالث في اللباس، ص ٧٩، س ١٨، قال: " وكذا اطلق السيد المرتضى في الجمل فقال: ولايجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، وكذا ابن زهرة ".

٣١٥

ابن إدريس(١) ، وسلار(٢) ، والعلامة في المختلف(٣) . احتج: بان الذمة مشغولة بالصلاة قطعا، فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بيقين، ولم يثبت هنا. وبما رواه ابن بكير في الموثق قال: سأل زرارة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ان الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلي في غيره مما أحل الله أكله. ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحفظ ذلك يا زرارة. فإن كان مما يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت انه ذكي قد ذكاه الذبح. وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله، أو حرم عليك أكله، فالصلاة في كل شئ منه فاسدة، ذكاه الذبح أو لم يذكه(٤) وهو المعتمد. والجواب: عن حجة الاولين. أما عن الاول: فإن الاصل يصار عنه للدليل، وقد بيناه.

____________________

(١) السرائر: كتاب الصلاة، باب القول في لباس المصلي، ص ٥٦، س ١٣، قال: " فعلى هذا لا يجوز الصلاة في السمور والسنجاب والفنك والثعالب والارنب ". إلى آخره.

(٢) المراسم: ذكر احكام مايصلى فيه، ص ٦٣، س ٩، قال: " فاما اللباس فعلى ثلاثة اضرب، إلى ان قال: ومنه ما تحرم الصلاة فيه، فجعل الصلاة في السمور والفنك والسنجاب منه ".

(٣) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثالث في اللباس، ص ٧٩، س ١٨، قال: وكذا اطلق السيد المرتضى في الجمل، فقال: ولايجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، وكذا ابن زهرة " إلى ان قال س ٢٢: " والوجه عندي المنع ".

(٤) التهذيب: ج ٢، ص ٢٠٩، باب ١١، في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس، حديث ٢٦، وفيه " كل شئ منه فاسدة لا تقبل ".

٣١٦

وفي الثعالب والارنب روايتان، أشهرهما، المنع. ولا يجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة، أو في الحرب. وعن الروايتين: بضعف التمسك بهما. أما الاولى: فلاشتمالها على تسويغ الصلاة في الفنك، فتسقط الاحتجاج بها رأسا، لانهم غير قائلين به، ولجواز حملها على حالة الضرورة.

وأما الثانية: فضعفها من وجهين.

(الف): من مقاتل، فانه واقفي خبيث.

(ب): أنهامرسلة، لان أصلها محمد بن يعقوب، عن عبدالله بن إسحاق، عن مقاتل بن مقاتل، الخبر.

قال طاب ثراه: وفي الثعالب والارانب روايتان أشهرهما المنع. أقول: أما رواية الجواز في الثعالب: فهي ما رواه ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟ فقال: إذا كانت ذكية فلا باس(١) . وفي معناها رواية جميل، عن الحسن بن شهاب، عنهعليه‌السلام (٢) . واما في الارانب: فما رواه محمد بن إبراهيم قال: كتبت إليه أسأله عن الصلاة في جلود الارانب؟ فكتب مكروهة(٣) وهي مقطوعة، ومشتملة على المكاتبة، فتحمل على

____________________

(١) التهذيب: ج ٢، ص ٢٠٦، باب ١١، مايجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لايجوز الصلاة فيه من ذلك، حديث ١٧، وليس في طريق الحديث (ابن أبي عمير).

(٢) التهذيب: ج ٢، ص ٣٦٧، باب ١٧، ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز، حديث ٥٩.

(٣) التهذيب: ج ٢، ص ٢٠٥، باب ١١، ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز الصلاة فيه من ذلك، حديث ١٢.

٣١٧

وهل يجوز للنساء من غير ضرورة؟ فيه قولان: أظهر هما الجواز. التقية. مع أنه لا دلالة فيها، لان الحرام مكروه قطعا. وما رواه محمد بن عبدالجبار قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبرما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الارانب؟ فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى(١) . وهي ضعيفة باشتمالها على المكاتبة، فتحمل على التقية، ولا أعلم قائلا من الاصحاب بجواز الارانب والثعالب، بل الاختلاف في الروايات، وقد عرفت المتضمن للجواز، وأما روايات المنع فكثيرة، وقد مربعضها. قال طاب ثراه: وهل يجوز للنساء من غير ضرورة؟ فيه قولان: أظهرهما الجواز. أقول: منع الصدوق من صلاة المرأة في الحرير المحض(٢) ، وأجازه الباقون. احتج الصدوق: بوجوه.

(الف): ورود النهي مطلقا، فيتناول المرأة. كرواية محمد بن عبدالجبار قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض(٣) .

(ب): وروده صريحا. كرواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام انه سمعه ينهى

____________________

(١) التهذيب: ج ٢، ص ٢٠٧، باب ١١، ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز الصلاة فيه من ذلك، حديث ١٨، وليس فيه لفظ " محض ".

(٢) الفقيه: ج ١، ص ١٧١، باب ٣٩، ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع الانواع، قال بعد نقل حديث ٥٨، ما لفظه: " ووردت الرخصة في لبس ذلك (اي الحرير) للنساء ولم يرد بجواز صلاتهن فيه، فالنهي عن الصلاة في الابريسم المحض على العموم للرجال والنساء ".

(٣) التهذيب: ج ٢، ص ٢٠٧، باب ١١، ما يجوز الصلاة فيه، من اللباس والمكان وما لا يجوز الصلاة فيه من ذلك، حديث ٢٠.

٣١٨

وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد، أظهره الجواز مع الكراهية. عن لباس الحرير للرجال والنساء، إلا ماكان من حرير مخلوطا بخز، لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن، وأنما يكر الحرير المحض للرجال والنساء(١) ) ولا يجوز أن يراد بالكراهة هنا مفهومها الحقيقي، ليناولها الرجال. ولا الكراهة والتحريم معا، لمنع إستعمال المشترك في معنييه. فان قيل: ورود الرخصة لهن بلبسه يسوغ صلاتهن فيه. أجاب: بعدم الملازمة، فان أكثر الفراء كذلك.

(ج): طريقة الاحتياط. احتج المسوغون: بأصالة الجواز، وباطلاق الامر بالصلاة، خرج عنه التقييد بالمنع للرجال فيبقى الاطلاق في حق النساء ثابتا. وأجابوا: عما تمسك به الصدوق. أما الرواية الاولى: فظاهرها يقتضي إنصرافه إلى الرجل، لكون السؤال عن القلنسوة، وهي من ملابس الرجال. وأما الثانية: ففي طريقها موسى بن بكر، وهو واقفي، وبجواز إرادة المعنيين معا، و يصار إليه للضرورة. قال طاب ثراه: وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد، اظهره الجواز. أقول: الجواز مختار الشيخ(٢) ، وأبي الصلاح(٣) .

____________________

(١) التهذيب: ج ٢، ص ٣٦٧، باب ١٧، ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان ومالايجوز، حديث ٥٦، وفيه: " من حرير مخطوط ".

(٢) النهاية: كتاب الصلاة، باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لايجوز، ص ٩٨، س ١٧، قال: " ويكره الصلاة فيهما اذا عملا من حرير محض.

(٣) الكافي في الفقيه: ص ١٤٠، كتاب الصلاة، الشرط الثامن طهارة اللباس، س ٨، قال: " ومعفو عن الصلاة في القنسوة والتكة والجوارب إلى ان قال: وان كان نجسا أو حريرا ".

٣١٩

وابن إدريس(١) ، واختاره المصنف(٢) . والمنع: مذهب الصدوق(٣) ، وأبي علي(٤) ، وظاهر المفيد(٥) ، وقواه العلامة في المختلف(٦) ، واختاره فخر المحققين(٧) . احتج الاولون: بوجوه.

(الف): أصالة عدم التحريم.

(ب): إن جواز الصلاة فيهما مع النجاسة وإخراجهما عن حكم الثياب في ذلك، يستلزم إباحة الصلاة فيهما إذا كانا من أبريسم محض، لاشتراكهما في الغاية المطلوبة منهما، وهو الاستعانة بهما في الملابس، وليسا بلباس تام، لعدم جواز الصلاة فيهما على الانفراد، فكان وجودهما كعدمهما.

(ج): روى الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال: كلما لا تجوز الصلاة فيه

____________________

(١) السرائر: كتاب الصلاة، باب القول في لباس المصلي، ص ٥٨، س ٤، قال: " ويكره الصلاة فيما (اي القليسوة والتكة) اذا عملا من حرير محض ".

(٢) المعتبر: كتاب الصلاة، في لباس المصلي، ص ١٥١، س ٨، قال: " وفي النكة والقلنسوة من الحرير تردد، أظهر الجواز مع الكراهية ".

(٣) الفقيه: ك ١، ص ١٧٢، باب ما يصلى فيه ومالا يصلى فيه من الثياب وجميع الانواع، قال بعد حديث ٦١، " ولا تجوز الصلاة في تكة رأسها من ابريسم ".

(٤) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثالث من اللباس، ص ٨٠، س ١٤، قال: " ولم يستئن المفيد ولا ابن بابويه ولا ابن الجنيد شيئا، والظاهر من مذهبهم عموم المنع ".

(٥) المقنعة: باب ما تجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا تجوز الصلاة فيه من ذلك. ص ٢٥، س ٤، قال: " ولا يجوز للرجاب الصلاة في الابريسم المحض مع الاختيار ". وإنما قال المصنف (وظاهر المفيد) الا انه لم يستئن التكة والقلنسوة في ذلك.

(٦) المختلف: كتاب الصلاة، الفصل الثالث في اللباس، ص ٨٠، س ٣٤، قال: " والاقوى الاول: اي عدم جواز الصلاة فيما ".

(٧) لم نعثر على مختاره.

٣٢٠