المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء ٣

المهذب البارع في شرح المختصر النافع0%

المهذب البارع في شرح المختصر النافع مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 584

المهذب البارع في شرح المختصر النافع

مؤلف: العلامة جمال الدين ابي العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي
تصنيف:

الصفحات: 584
المشاهدات: 108706
تحميل: 4613


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 584 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108706 / تحميل: 4613
الحجم الحجم الحجم
المهذب البارع في شرح المختصر النافع

المهذب البارع في شرح المختصر النافع الجزء 3

مؤلف:
العربية

وزعفران(١) .

وعنه في حديث: أما علمتم أنى أباهي بكم الامم يوم القيامة حتى بالسقط، بظل محبنطئا(٢) ، (أي ممتلى غيضا وغضبا) على باب الجنة، فيقول الله عزوجل: ادخل الجنة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي قبلى، فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة إيتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتى لك(٣) .

وروى الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذونهم بشجر في الجنة، لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درة، فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيبو واهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم وهو قول الله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنابهم ذريتهم)(٤) (٥) (٦) .

وفي خبر آخر: أن الاطفال يجمعون في موقف القيامة عند عرض الخلايق

____________________

(١) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر ص ٣٣٤ الحديث ٤ وفيه (سليمان بن جعفر).

(٢) المحبنطى بالحاء والطاء المهملتين وتقديم الباء الموحدة على النون، يهمز ولا يهمز، هو المتغضب الممتلى غيظا المستبطئ للشئ، وقيل: هو الممتنع امتناع طلبة لا امتناع اباء (الوافي: باب ٣ كراهة العروبة والحض على النكاح) ص ١١.

(٣) الكافي: ج ٥ باب فضل الابكار، ص ٣٣٤ قطعة من حديث ١.

(٤) سوره الطور / ٢١.

(٥) أى والحال انهم في دار الدنيا تابعون لآبائهم في الايمان، وعلى النسخة الاخرى والقراء‌ة الاخرى، أي والحال أنا أتبعنا الاولاد بالاباء تفضلا مني عليهم، كذلك تفضلنا عليهم في الآخرة و (الحقنا بهم ذريتهم) لتكون معهم وتقر أعينهم بهم وان لم يكن للاولاد عمل يستحقون به اللحوق، ولكن كان بالتفضل، أو بسبب إيمان الآباء (روضة المتقين ج ٨ ص ٦٣٢).

(٦) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٥٠) باب حال من يموت من اطفال المؤمنين، ص ٣١٦ الحديث ٢.

١٦١

للحساب، فيقال للملائكة: إذهبوا بهؤلاء إلى الجنة، فيقفون على باب الجنة، فيقال بهم: مرحبا بذراري المسلمين، أدخلوا لاحساب عليكم، فيقولون: أين آباؤنا وأمهاتنا؟ فتقول الخزنة: إن آباء‌كم وأمهاتكم ليسوا مثلكم، إنهم كانت لهم ذنوب وسيئات، فهم يجلسون ويطالبون بها، قال: فتصايحون ويضجون على باب الجنة صحية واحدة، فيقول الله سبحانه وتعالى: وهو أعلم، ما هذه الضجة؟ فيقولون أطفال المسلمين قالوا: لاندخل الجنة إلا مع الآباء، فيقول الله تعالى: تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم الجنة(١) .

ومن جملة المعاني التي فسر بها قوله تعالى (فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم)(٢) تقديم الاطفال (ه‍) كونه سببا لذكر الله.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مايمنع المؤمن أن يتخذ أهلا، لعل الله يرزقه نسمة يثقل الارض ب‍ (لا اله إلا الله)(٣) .

وقال يوسف لاخيه: كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي؟ ! فقال: إن أبي أمرنى وقال: إن استطعت أن يكون لك ذرية تثقل الارض بالتسبيح، فافعل(٤) .

أما الاول من الوجوه، وهو (موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لبقاء نوع الانسان) فهو أدق الوجوه، وأبعدها عن أفهام العوام، وأقواها عند ذوى البصائر والافهام، وأرباب الفكر في عجائب صنعة العلام، لان الله سبحانه خلق الزوجين الذكر والانثى، وخلق النطفة، وهيأ لها في الانثيين عروقا ومجاري، وخلق الرحم

____________________

(١) المستدرك: (الطبعة الحديثة) ج ٢ باب استحباب احتساب موت الاولاد، ص ٣٨٩ الحديث ٩ نقلا عن البحار.

(٢) سورة البقرد / ٢٢٣.

(٣) من لايحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج ص ٢٤١ الحديث ١.

(٤) الكافي: ج ٥، باب كراهة الغربة، ص ٣٢٩ الحديث ٤.

١٦٢

قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضى الشهوة على كل من الذكر والانثى.

فهذه الافعال تشهد بلسان ذلق في الاعراب عن مراد خالقها وبانيها، وينادي أرباب الآلباب بتعريف ماأعدت له، فالتارك للنكاح المتعلل نبوع ما، من الاعذار، داحض الحجة، محجوج القول، خاسر الصفقة، وإنما مثله في ذلك كالسيد إذا أسلم إلى عبده البذر وآلات الحرث، وهيأ له ارضا للحراثة، وكان العبد قادرا على الحراثة، ووكل به من يتقاضاه، فانه إن ترك ما امر به، وتكاسل، وعطل آلة الحرث، وترك البذر ضائعا حتى فسد، ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة، كان مستحقا للغضب والعقوبة من سيده.

هذا لو لم يصرح سبحانه وتعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمراد، حيث يقول: مامن شئ أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح، وما من شئ أبغض إلى الله عزوجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة، يعني الطلاق(١) .

وقالعليه‌السلام : تناكحوا تناسلوا(٢) .

ولهذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوجوا سوداء ولودا، ولا تزوجها حسناء عاقرا(٣) .

وقالعليه‌السلام : حصير ملفوف في زاوية البيت خير من إمرأة لاتلد(٤) .

____________________

(١) الكافي: ج ٥، باب في الحض على النكاح، ص ٣٢٨ قطعة من حديث ١.

(٢) المستدرك: ج ٢ كتاب النكاح ص ٣٥١ الحديث ١٧ نقلا عن عوالى اللئالى، وتمامه (أباهي بكم الامم يوم القيامة).

(٣) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر، ص ٣٣٤ قطعة من حديث ٤.

(٤) التذكرة: ج ص ٥٦٩ رواه في المقدمة السادسة من مقدمات النكاح نقلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورواه في كنز العمال: ج ١٦ حرف النون، الحديث ٤٥٥٨٩ ولفظه (عن ابن عمر، ان عمر تزوج امرأة فاصابها شمطاء وقال: حصير في بيت خير من امرأة لاتلد) وفي الفقيه: ج ٣(١٧٨) باب النوادر ص ٣٥٨ س ١٨ ولفظه (ولحصير في ناحية البيت الخ).

١٦٣

وكل ذلك يدل على أن المقصود من النكاح إنما هو الولد وبقاء النسل، فالناكح ساع في إتمام ماأحب الله إتمامه، والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه، وقاطع نسلا أدام الله وجوده من آدمعليه‌السلام إليه عقبا بعد عقب حتى انتهى إليه، وختم الوجود المستدام على نفسه، فمات أبتر لا عقب له ولا ذكر.

أما الوجه الثانى والثالث: أعني تكثير الامة وطلب التبرك بدعاء الولد، فمعلوم مما قدمناه من الاحاديث، وفي معناها كثيرة لا حاجة بنا إلى إيراده كيلا يطول الكتاب.

وأما الرابع: وهو أن يموت الولد الصغير فيكون شفيعا له، فظاهر من نصوصهعليه‌السلام وهي كثيرة قدمنا منها ما يكفي الاستشهاد.

ومثله قولهعليه‌السلام : إعلموا أن احدكم يلقى سقطه محبنطئا على باب الجنة، حتى اذا رآه أخذ بيده حتى يدخله الجنة، وإن ولد أحدكم إذا مات اوجر فيه، وإن بقي له، إستغفر له بعد موته(١) .

وعنهعليه‌السلام : من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته وآبائهم، قيل: يارسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واثنان؟ قال: واثنان(٢) .

(الفائدة الثانية) التحصين عن الشيطان، وكسر الشوقان، و...

دفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج

وإليه الاشارة بقوله: (من تزوج فقد أحرز نصف

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد ص ٣١١ الحديث ١٥.

(٢) ثواب الاعمال: ثواب من قدم اولادا بحتسبهم عند الله ص ٢٣٣، الحديث ٣ إلى قوله (بفضل رحمته) وفي المستدرك كتاب الطهارة باب ٦٠ من ابواب الدفن، حديث ٦ وفيه (فقيل: يا رسول الله واثنان؟ قال: واثنان).

١٦٤

دينه فليتق الله في النصف الباقي(١) .

وقالعليه‌السلام : معاشر الشباب من استطاع منكم الباء‌ة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فان الصوم له وجاء(٢) .

والوجاء رض الخصيتين.

وكسر الشهوة أمر مهم في نظر الشرع، فإن الشهوة إن لم يغلبها قاهر الدين والحياء، أوقعت في المحرم، وإن قهرها فغايته قهر الظاهر، أما القلب فلا سبيل عليه، فربما يشوش عليه عبادته، حتى ربما توسوس في الصلاة، فيخطر في خاطره مالو أظهره بين يدى مخلوق مثله، لا استحيا منه، وقلبه بالنسبة إلى البارى تعالى كظاهره بالنسبة إلى المخلوق، فلا يكاد يسلم قلبه من وجود الشهوة.

ولهذا روى أن بعض الصحابة كان يفطر عليه قبل الاكل.

وقال ابن عباس: لايتم نسك الناسك حتى يتزوج(٣) .

فقال بعضهم: لا يفرق قلبه عن شهوة النكاح إلا بالتزويج، ولا يتم النسك إلا بفراغ القلب.

والظاهر أن مراده: لايكمل نسك الناسك حتى يتزوج، لان التزوج أفضل السنن، ولا يكون نسك الناسك كاملا مع إهماله أعظم السنن.

وعن علي صلوات الله وسلامه عليه، لم يكن أحد من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوج إلا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كمل دينه(٤) .

فالزوجة على التحقيق، قوة وسبب لطهارة النفس، ولذلك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) من لايحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج ص ٢٤١ الحديث ٣ و ٤).

(٢) صحيح مسلم: كتاب النكاح(١) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه، الحديث ٣.

(٣) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٠ الحديث ٤٥.

(٤) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح، ص ١٩٠ الحديث ٦٨٧.

١٦٥

كل من وقع نظره إلى امرأة فتاقت نفسه اليها أن يجامع أهله(١) . ولان ذلك يدفع الوسواس.

وعن عليعليه‌السلام : إذا نظر أحدكم إلى إمرأة فليلمس أهله، فإنما هى إمرأة كإمراة(٢) .

وروى مسمع عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك، فقام رجل وقال يا رسول الله: فان لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال: فليرفع بصره إلى السماء وليراقبه، وليسأله من فضله(٣)(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : من نظر إلى إمرأة فرفع بصره إلى السماء، وغمض بصره، لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين(٥) .

وفي خبر اخر: لم يرتد إليه بصره حتى يعقبه الله إيمانا يجد طعمه(٦) .

(الفائدة الثالثة) تدبير المنزل

وفي التزويج تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس، والفرش، وتنظيف الاواني، وتهيئة أسباب المعيشة، فإن الانسان لو لم يكن له شهوة الوقاع، لتعذر أو تعسر عليه العيش في منزله وحده، إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم

____________________

(١) سيأتي عن قريب.

(٢) نهج البلاغة: القسم الثاني في غريب كلامه المحتاج إلى التفسير، تحت الرقم ٤٢٠ وفيه فليلامس أهله).

(٣) قوله (فليراقبه) أي فيتذكر عذاب الله تعالى واطلاعه على أحواله ليصير سببا للاحتراز عن الحرام، ويحتمل أن يكون المراد التضرع والمسألة، فيكون ما بعده تفسيرا له، والنظر إلى السماء إما للتوجه بالدعاء، أو لرفع النظر عن المرأة (مرآة العقول ج ٢٠ ص ٣٠٢).

(٤) الكافي: ج ٥، باب أن النساء أشباه ص ٤٩٤ الحديث ٢.

(٥) و(٦) من لايحضره الفقيه: ج ٣، باب النوادر في النكاح، ص ٣٠٤ الحديث ٤١ ٤٢.

١٦٦

والعمل. فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين، وإحتيال هذه الاسباب شواغل ومشوشات للقلب، ومنغصات للعيش.

وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسة من السعادة، وعد منها الزوجة الصالحة(١) .

وجاء إليه رجل وقال: يارسول الله، إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموما، قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك، فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك، فزادك الله هما، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان لله عمالا، وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد(٢) .

وهي مع هذه الفائدة العاجلة، من الفوائد الآجلة المؤذنة بتضاعف الحسنات مالايوجد في غيره من أصناف الطاعات والعبادات.

وكان عثمان بن مظعونرضي‌الله‌عنه من زهاد الصحابة وأعيانها، حتى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بوضع جنازته عن أكتاف المشيعين وقبله مرارا، ونزل إلى قبره وألحده بيده، ثم سوى قبره بيده، فجاء يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يارسول الله قد غلبنى حديث النفس، ولم احدث شيئا حتى أستأمرك؟ قال: بم حدثتك نفسك ياعثمان؟ قال: هممت أن أسيح في الارض، قال: فلا تسح فيها، فإن سياحة امتي في المساجد، قال: وهممت أن احرم اللحم على نفسي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تفعل فإنى أشتهيه وآكله، ولو

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١٢ ذكر من يستحب ان ينكح ص ١٩٥ الحديث ٧٠٦ وتمام الحديث (والبنون الابرار، والخلطاء الصالحون، ورزق المرء في بلده، والحب لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١١٠) باب مايستحب ويحمد من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٦ الحديث ٨.

١٦٧

سألت الله أن يطعمنيه كل يوم، لفعل، فقال: وهممت ان أحب(١) نفسي؟ قال: ياعثمان من فعل ذلك فليس منا، أعنى بنفسه أحد(٢) لاتفعل إن وجاء امتي الصيام، قال: وهممت أن أحرم خولة على نفسي؟ (يعنى إمرأته) قال: لاتفعل، فإن العبد المؤمن إذا أخذ بيد زوجته كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، فإن قبلها كتب الله له مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة، فإن ألم بها كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة وحضرتهما الملائكة، فإن إغتسلا لم يمر الماء على شعرة من كل واحد منهما إلا كتب الله لهما حسنة ومحا عنهما سيئة، فإن كان ذلك في ليلة باردة قال الله عزوجل لملائكته: انظروا إلى عبدى هذين اغتسلا في هذه الليلة الباردة علما منهما اني ربهما، اشهدكم أني قد غفرت لهما، فإن كان لهما في مواقعتهما تلك ولد، كان لهما وصيفا في الجنة، ثم ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده على صدر عثمان، وقال: يا عثمان، لاترغب عن سنتى فإن من رغب عن سنتى عرضت له الملائكة يوم القيامة فصرفت وجهه عن حوضي(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أقبل الرجل المؤمن على امرأته المؤمنة، إكتنفه ملكان، وكان كالشهار سيفه في سبيل الله، فاذا فرغ منها تحاتت عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر(٤) ، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب، فقالت إمرأة: بأبي انت وامي يارسول الله، هذا للرجال فما للسناء؟ قال: هي اذا حملت كتب الله لها أجر الصائم القائم، فاذا أخذها الطلق لم يدر مالها من الاجر الا الله تعالى، فاذا

____________________

(١) الجب قطع الذكر، أوما لا يبقى منه قدر الحشفة، ومنه خصى مجبوب، مقطوع (مجمع البحرين لغة جب).

(٢) وفي المصدر (قال: يا عثمان ليس منا من فعل ذلك بنفسه ولا بأحد إن وجأ الخ).

(٣) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح ص ١٩٠ الحديث ٦٨٨.

(٤) وزاد في المصدر (أوان سقوطه).

١٦٨

وضعت كتب الله لها بكل مصة (يعنى من الرضاع) حسنة، ومحا عنها سيئة.

وقال: النفساء اذا ماتت من نفاسها، فجاء‌ت(١) يوم القيامة بغير حساب، لانها تموت بغمها(٢) .

(الفائدة الرابعة) كثرة العشيرة

وهو أمر مطلوب في نظر العقلاء، ألا تنظر إلى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيمعليه‌السلام (رب هب لي حكما والحقنى بالصالحين واجعل لى لسان صدق في الآخرين(٣)(٤) وقال تعالى (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(٥) وقال موسى: (واجعل لي وزيرا من أهلي)(٦) وقال زكريا: (رب هب لي من لدنك وليا يرثني)(٧) وقال: (هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)(٨) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسة من السعادة، الزوجة الصالحة، والبنون الابرار، والخلطاء الصالحون، ورزق المرء في بلده، والحب لآل محمد(٩) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (تزوجوا فإنى مكاثر بكم الامم غدا في القيامة(١٠) وخير النساء الولود الودود(١١) ولا تنكحوا الحمقاء فإن في صحبتها بلاء، وولدها

____________________

(١) في المصدر (قامت يوم القيامة).

(٢) دعائم الاسلام: ج ٢، فصل ١ ذكر الرغائب في النكاح ص ١٩١ الحديث ٦٩٠.

(٣) سورة الشعراء / ٨٣ ٨٤.

(٤) قيل: ان معناه: واجعل لي ولد صدق في آخر الامم يدعوا إلى الله ويقوم بالحق، وهو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (مجمع البيان): ج ٧ ص ١٩٤.

(٥) الزخرف: ٢٨.

(٦) طه: ٢٩.

(٧) مريم ٥.

(٨) آل عمران: ٣٨.

(٩) تقدم آنفا.

(١٠) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب فضل التزويج، ص ٢٤٢ قطعة من حديث ٦.

(١١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٠١) باب ما يستحب ويحمدمن أخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٦ قطعة من حديث ٦ وفيه (ان من خير نساء‌كم الخ).

١٦٩

ضياع(١) .

وروى محمد بن سنان عن بعض رجاله قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : خير نساء‌كم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، ألتي إن انفقت، أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمال الله، وعامل الله لا يخيب ولا يندم(٢) .

(الفائدة الخامسة) مجاهدة النفس ورياضتها

في القيام بحق العيال، والصبر على أخلاق النساء، وإحتمال الاذى منهن، والسعي في إصلاحهن، والاجتهاد في كسب الحلال، والقيام بتربية الاولاد.

كل هذه الاعمال عظيمة الفضل. وإذا كانت الراحة من الدنيا مستحيلة، وكانت هي دار الفناء على ما ورد به الاثر عن الصادقينعليهم‌السلام ، وكذا ماروي أن المعونة تنزل على قدر المؤنة(٣) .

فأحق ما صرف العنان اليه (ظ)، الاهتمام في إقامة سنن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع ما فيه من طيبته العيش العاجل، والتكثير بالعشيرة والاولاد والفضل العظيم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من غال بيتا من المسلمين فله الجنة(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من بات كالا في طلب الحلال غفر له(٥) .

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب كراهية تزويج الحمقاء والمجنونة ص ٣٥٤ الحديث ١ والحديث عن امير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢) الكافي: ج ٥، باب خير النساء، ص ٣٢٥ الحديث ٦.

(٣) نهج البلاغة: (شرح محمد عبده) ج ٢ ص ١١٨ تحت الرقم ١٣٩.

(٤) الجامع الصغير للسيوطى: حرف العين المهملة، ولفظ الحديث (من عال اهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه).

(٥) الوسائل: ج ١٢، كتاب التجارة، باب ٤ من ابواب مقدماتها، حديث ١٦ نقلا عن الامالي، ولفظ الحديث (من بات كالا في طلب الحلال بات مغفورا له).

١٧٠

وقالعليه‌السلام : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يارسول الله وإثنتين؟ فقال وإثنتين، فقيل يارسول الله فواحدة؟ قال: وواحدة(١)(٢) .

وروى حمزة بن حمران باسناده قال: أتى رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنده رجل، فأخبره بمولود له، فتغير لون الرجل، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مالك؟ قال: خير، قال: قل: قال: خرجت والمرأة تمخض، فاخبرت أنها ولدت جارية، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الارض تقلها، والسماء تظلها، والله يرزقها، وهي ريحانة تشمها، ثم أقبل على أصحابه، فقال: من كانت له إبنة واحدة، فهو مقروح، ومن كانت له إبنتان، فياغوثاه بالله، ومن كانت له ثلاثة، وضع عنه الجهاد وكل مكروه، ومن كانت له أربع، فياعباد الله أعينوه، ياعباد الله أقرضوه، ياعباد الله إرحموه(٣)(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : من عال إبنتين، أو اختين، أو عمتين، أو خالتين، حجبتاه من النار(٥) .

وقالعليه‌السلام : إذا صار للرجل إبنة بعث الله عزوجل إليها ملكا، فأمر

____________________

(١) يحتمل ان يكون ذكر الثلاث اولا للفرد الكامل من وجوب الجنة، ويحتمل بتجدد الوحى، فيكون كالنسخ (مرآة العقول: ج ٢١ ص ١٤).

(٢) الكافي: ج ٦، باب فضل البنات، ص ٦ الحديث ١٠.

(٣) (تقلها) أي تحملها، (تطلها) أي ألقت ظلها عليها، أي ليس مؤنتها عليك، بل الله تعالى جعل الارض والسماء كافلتين لرزقها.

(مقروح) أي مجروح، (أو مقدوح) أي حمله ثقيل (روضة المتقين: ج ٨ ص ٥٩٤).

(٤) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١٠ الحديث ١١.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١١ الحديث ١٣.

١٧١

جناحه على راسها وصدرها، وقال: ضعيفة خلقت من ضعيف، المنفق عليها معان(١) .

(الفائدة السادسة) ترويح النفس وإيناسها

بالمجالسة والنظر والملاعبة، وفي ذلك راحة للقلب، وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول، وهى عن الحق نفور، لانه على خلاف طبعها، فإذا كلفت المداومة بالاكراه على ما يخالفها حجت وماتت.

قال امير المؤمنينعليه‌السلام : إن للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها، على النوافل واذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض(٢)(٣) فإن القلب إذا اكره عمى(٤) . واذا روحت باللذات في بعض الاوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب، قال تعالى (وجعل منها زوجها ليسكن اليها)(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ماتلذذ الناس في الدنيا ولا في الجنة بشئ أشهى عندهم من النساء، لا طعام ولا شراب(٦) .

وعنهعليه‌السلام : ثلاثة للمؤمن فيها راحة، دار واسعة توارى عورته وسوء حاله من الناس، وإمرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا، وإبنة تخرجها إما بموت أو تزوج(٧) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٨) باب فضل الاولاد، ص ٣١١ الحديث ١٤.

(٢) نهج البلاغة: باب المختار من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام ج ٢ ص ١٦٦ (عبده)، تحت الرقم ٣١٢.

(٣) اقبال القلوب رغبتها في العمل، وادبارها مللها عنه (من شرح محمد عبده).

(٤) تلك الجملة ليست في هذه الحكمة، بل من حكمة أخرى، لاحظ الرقم ١٩٣.

(٥) الاعراف: ١٨٩.

(٦) الكافي: ج ٥، باب حب النساء ص ٣٢١ قطعة من حديث ١٠ وفيه (وان اهل الجنة مايتلذذون آه).

(٧) الكافي: ج ٥، باب من وفق له الزوجة الصالحة، ص ٣٢٧ الحديث ٦.

١٧٢

وعن عليعليه‌السلام روحوا القلوب فإنها إذا اكرهت عميت(١) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث، تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم(٢) .

وعنهعليه‌السلام : وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجي ربه فيها، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها لمطعمه ومشربه، وهذه عون على تلك الساعتين(٣) .

وقالعليه‌السلام : لكل عامل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى(٤) .

والشرة بالشين المعجمة والراء المهملة المشددة، الجد والمكايدة بجدة وقوة، وذلك في إبتداء الارادة، والفترة الوقوف للاستراحة.

وقالعليه‌السلام : حبب إلي من دنياكم هذه، الثلاث، الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة(٥) .

وقال بعض العلماء: وذلك لترويح القلب، ويعرف ذلك من جرب اتعاب نفسه في الافكار والاذكار، وصنوف الاعمال. ولعمرى في الشهوة حكمة سوى مايبعث عليه من الفوائد التى عددناها، وهو ما في قضائها من اللذة التى لايوازيها لذة لودامت، فهى مشبهة على اللذات الموعودة في

____________________

(١) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٦ الحديث ٧٠.

(٢) من لايحضره الفقيه: ج ٢(٦٧) باب ماجاء في السفر إلى الحج وغيره من الطاعات ص ١٧٣ الحديث ١.

(٣) الوسائل: ج ١١ كتاب الجهاد، الباب ٩٦ من ابواب جهاد النفس، قطعة من حديث ٤.

(٤) عوالى اللئالى: ج ٣ ص ٢٩٦ الحديث ٧٣.

(٥) كتاب الخصال: باب الثلاثة، ص ١٦٥ الحديث ٢١٧ ولاحط ماعلق عليه في المصدر.

١٧٣

الجنان، إذا الترغيب في لذة لم يحركها ذواق، لا ينتفع، فلو رغب العنين في لذة الجماع والصبى في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب، لعدم شعورهما باللذتين، فأحد فوائد لذات الدنيا، الرغبة في دوامها في الجنة، ليكون باعثا على عبادة الله، فانظر إلى الحكمة، ثم إلى الرحمة، ثم إلى التعبية الالهية، كيف عينت تحت شهوة واحدة، حياتان، حياة ظاهرة وحياة باطنة، فالظاهرة حياة المرء ببقاء نسله، فإنه نوع من دوام الوجود، والحياة الباطنة هي حياة الآخرة، فإن هذه اللذة الناقصة بسبب الانصرام والتفصى، تحرك رغبة في الكاملة ذات الدوام، فيستحث على العبادة الموصلة إليها، فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها بعد المواظبة على ما توصله إلى نعيم الجنان، وما من ذرة من ذرات بدن الانسان ظاهرا وباطنا، بل من ذرات ملكوت السماوات والارضين، إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ماتحار فيه العقول.

المقدمة الخامسة في خطب النكاح

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: ألنكاح بغير خطبة كاليد الجذماء(١) .

وعن علي بن الحسينعليهما‌السلام : إذا حمد الله فقد خطب(٢) .

وروى معاوية بن حكيم قال: خطب الرضاعليه‌السلام بهذه الخطبة: (ألحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه، وافتتح بالحمد كتابه، وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته(٣) واخر دعوى أهل جنته، وأشهد أن لااله إلا الله وحده

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢ فصل ٣ ذكر اختطاب النساء، ص ٢٠٣ ذيل حديث ٧٤٣(٢) الكافي: ج ٥ باب التزويج بغير خطبة ص ٣٦٨ ذيل حديث ٢.

(٣) قوله (محل نعمته) الظاهران يكون مصدرا ميميا بمعنى النزول، أى جعله أول جزاء من العباد لنعمه، ثم بعد ذلك ماأمرهم به من الطاعات، ويحتمل أن يكون المراد به أن ماحمد به تعالى نفسه جعله جزاء لنعم العباد، لعلمه بعجزهم عما يستحقه تعالى من ذلك، كما ورد في بعض الاخبار، وقال الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان.

(ودعواهم فيها) أي دعاء المؤمنين وذكرهم في الجنة أن يقولوا (سبحانك اللهم) يقولون ذلك لا على وجه العبادة، بل يتلذذون بالتسبيح، وقيل: إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه (قالوا سبحانك اللهم) فيأتيهم الطير ويقع مشويا بين أيديهم، وإذا قضوا منه الشهوة، قالوا: (الحمد لله رب العالمين) فيطير الطير حيا كما كان، (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشئ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ماذكروه.

١٧٤

لاشريك له، شهادة اخلصها له وأدخرها عنده، وصلى الله على محمد خاتم النبوة وخير البرية وعلى آله آل الرحمة(١) وشجرة النعمة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة والحمد لله الذي كان في علمه السابق، وكتابه الناطق، وبيانه الصادق، أن أحق الاسباب بالصلة والاثرة وأولى الامور بالرغبة فيه، سبب أوجب سببا(٢) وأمر أعقب غنى، فقال عزوجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا)(٣) وقال: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)(٤) ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة، ولا سنة متبعة، ولا أثر مستفيض، لكان فيما جعل الله من بر القريب(٥) وتقريب البعيد، وتأليف القلوب، وتشبيك الحقوق(٦)

____________________

(١) (آل الرحمة) أى أهل رحمة الله الكاملة الجامعة ومستحقها، أوهم رحمة الله والشفقة عليهم.

وقال الفيروزابادي: رجل يستأثر على أصحابه، أي يختار لنفسه أشياء حسنة، والاسم: الاثرة محركة، والاثرة بالضم والكسر (مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٦).

(٢) قوله: (اوجب سببا) أي من الالفة والانساب والمعونات، وفي بعض النسخ (نسبا) وهو الاظهر، فيكون اشارة إلى الآية الاولى، كما أن ما بعدها إشارة إلى الآية الثانية.

(٣) الفرقان: ٥٦.

(٤) النور: ٣٢.

(٥) قوله (من بر القريب) أي إذا كانت المواصلة مع الاقرباء.

(٦) قوله (وتشبيك الحقوق) اى تحصل به أنواع الحقوق من الطرفين، من حق الزوجية، والوالدية، والمولودية وغير ذلك، ورعاية كل واحد منها موجبة لتحصيل المثوبات، وفي كل منها منافع نيوية وآخرويه

١٧٥

وتكثير العدد، وتوفير الولد، لنوائب الدهر، وحوادث الامور مايرغب في دونه(١) العاقل اللبيت، ويسارع إليه الموفق المصيب، ويحرص عليه الاديب الاريب، فأولى الناس بالله(٢) من اتبع أمره، وأنفذ حكمه، وأمضى قضاء‌ه، ورجى جزاء‌ه.

وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله، دعاه رضا نفسه، وأتاكم إيثارا لكم وإختيارا لخطبة(٣) فلانة بنت فلان كريمتكم(٤) وبذل لها من الصداق كذا وكذا، فتلقوه بالاجابة، وأجيبوه بالرغبة، واستخيروا الله في اموركم، يعزم لكم(٥) على رشدكم إن شاء الله، نسأل الله أن يلحم(٦) مابينكم بالبر والتقوى، ويؤلفه بالمحبة والهوى، ويختمه بالموافقة والرضا، إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء(٧) .

محمد بن يعقوب: يرفعه إلى عبدالرحمان بن كثير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوج خديجة بنت خويلد، أقبل أبوطالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة(٨) ، فابتدأ أبوطالب بالكلام فقال: ألحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا

____________________

(١) قوله (في دونه) أي الاقل منه، والاريب: العاقل، ذكره الجوهري.

(٢) قوله (فأولى الناس بالله) أى بفضله ورحمته.

(٣) قوله (واختيارا لخطبة) قال في القاموس: خطب المرأة خطبا وخطبة وخطيبى بكسرهما، واختطبها وهى خطبة وخطبته وخطيباه وخطيبة، وهو خطبها بكسرهن ويضم الثاني.

(٤) قوله (كريمتكم) اى من يكرم عليكم.

(٥) قوله (يعزم لكم) اى يقدر لكم ماهو خيره لكم.

(٦) قوله (أن يلحم) قال الفيروز آبادي: لحم الصائغ الفضة، كنصر، لامسها، والتحم الجرح للبرء: إلتأم، ويقال: وألحم مااسديت اى تمم مابديت (مقتبسات من مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٦ ٩٨).

(٧) الكافي: باب خطب النكاح ص ٣٧٣ الحديث ٧.

(٨) قوله (عم خديجة) المشهور أنه ابن عمها، قال الفيروز آبادي: ورقة بن نوفل اسد بن عبدالعزى، وهو ابن عم خديجة، اختلف في اسلامها، وقال: الزرع: الولد.

١٧٦

من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وانزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخى هذا يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن لايوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولايقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار(١) وظل زائل، وله في خديجة رغبة، ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر على في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله، ورب هذا البيت حظ عظيم(٢) ودين شائع ورأي كامل، ثم سكت أبوطالب وتكلم عمها، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين، فقالت خديجة مبتدئة: ياعماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود، فلست أولى بى من نفسي(٣) قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي، فأمر عمك فلينحر ناقة فليؤلم بها وأدخل على أهلك، قال أبوطالب: إشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها، فقال بعض قريش: يا عجباه المهر على النساء للرجال، فغضب أبوطالب غضبا شديدا، وقام على قدميه، وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه، فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلا الاثمان وأعظم المهر،

____________________

(١) قوله (رفد جار) أي يجريه الله تعالى على عباده بقدر الضرورة والمصلحة، وفي الفقيه وغيره (رزق حائل) اى متغير، وهو اظهر.

(٢) قوله (حظ) أي من الخير والكمال، وفي الفقيه (خطر) وفي القاموس البهر بالضم إنقطاع النفس من الاعياء، وقال: القس بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس.

(٣) قولهارضي‌الله‌عنه ا (وإن كنت أولى) أى إن كنت أولى بنفسى منى في الشهود، أى محضر الناس عرفا، فلست أولى بي واقعا، أو إن كنت أولى في الحضور والتظلم بمحضر الناس، فلست أولى في أصل الرضا والاختيار، أو إن كنت قادرا على إهلاكى لكننى أولى بما اختار لنفسى، والحاصل: أنى أمكنك في إهلاكى ولا أمكنك في ترك هذا الامر، والاوسط اظهر.

(مرآة العقول: ج ٢٠ ص ٩٨ و ٩٩).

١٧٧

وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي، ونحر أبوطالب ناقة، ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهله(١) .

المقدمة السادسة، في النساء

ومنهن من رغب في نكاحه، ومنهن من رغب عنه فهنا قسمان: (الاول) المرغب فيه: روى يحيى بن عمران عن الصادقعليه‌السلام قال: الشجاعة لاهل خراسان، والباه في أهل بربر، والسخاء والحسد في العرب، فتخيروا لنطفكم(٢) . وينقسم إلى ضروب:

(أ) المقصود للاولاد والذرية.

روى إسماعيل بن عبدالخالق، عن حمدويه قال: شكوت إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قلة ولدي، وأنه لا ولدي؟ فقال لي: إذا أتيت العراق، فتزوج إمرأة، ولا عليك أن تكون سواء قلت: جعلت فداك مالسواء؟ قال: المرأة فيها قبح، فإنهن أكثر أولادا(٣) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إن المرأة إذا كانت سوداء ولودا، أحب إلي من الحسناء العاقر(٤) .

(ب) المقصود للشهوة، فمنهن البربريات، ومنها البيض.

روى بكر بن صالح عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : من

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب خطب النكاح ص ٣٧٤ الحديث ٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣(١٤٤) باب النوادر ص ٣٠٣ الحديث ٣٣.

(٣) الكافي: ج ٥، باب كراهية تزويج العاقر، ص ٣٣٣ الحديث ٣.

(٤) الفقيه: ج ٣(١١١) باب المذموم من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٨ الحديث ٩.

١٧٨

سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن إمرأة بيضاء(١) . وفهن السمراء، إذا كانت عيناء عجزاء.

روى مالك بن أشيم عن بعض أصحابه عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : تزوجها عيناء سمراء مربوعة عجزاء، فإن كرهتها فعلي الصداق(٢) .

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد نكاح إمرأة، بعث إليها من ينظرها، وقال لها: شمي ليتها(٣) فان طاب ليتها طاب عرفها، وانظرى إلى كعبها، فان درم كعبها عظم كعثبها(٤) (٥) .

(ج) المقصودة لليمن والرزق، وهن الزرق.

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تزوجوا الزرق، فإن فيهن اليمن(٦) .

(د) المقصودة لازالة البلغم.

قال الصادقعليه‌السلام : المرأة الجميلة تقطع البلغم(٧) .

(ه‍) المقصودة للنجابة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لاخيل أنقى من الدهم، ولا إمرأة كإبنة

____________________

(١) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٧.

(٢) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٨.

(٣) و(٤) قال في الفقيه: (الليت) صفحة العنق، و (العرف) الريح الطيبة، وقولهعليه‌السلام (درم كعبها) آي كثر لحم. كعبها، ويقال: (امرأة درماء) اذا كانت كثيرة لحم القدم والكعب، و (الكعبث) الفرج (الوافي كتاب النكاح ص ١٤).

(٥) الفقيه: ج ٣(١١٠) باب ما يستحب ويحمد من اخلاق النساء وصفاتهن ص ٢٤٥ الحديث ٢.

(٦) الكافي: ج ٥ باب مايستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٥ الحديث ٦.

(٧) الكافي: ج ٥ باب نادر ص ٣٣٦ الحديث ١.

١٧٩

العم(١) .

وروى عبدالله بن المغيرة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سمعته يقول: عليكم بذوات الاوراك فإنهن أنجب(٢) .

(القسم الثاني) المرغب عنه: ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجملة عن نكاح يريد به غير وجه الله والعفة، ونهى عن النكاح للرياء والسمعة، وعن التزويج للمال والجمال.

وروى هشام بن الحكم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها، وكل إلى ذلك، وإن تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال(٣) .

وروى إسحاق بن عمار عنهعليه‌السلام : من تزوج إمرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال(٤) .

وقال سيد العابدين: من تزوج لله عزوجل ولصلة الرحم توجه الله بتاج الملك(٥) .

وينقسمن إلى ضروب:

(أ) العقيم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : حصير ملفوف في زاوية البيت خير من إمرأة

____________________

(١) دعائم الاسلام: ج ٢، فصل ١٢ ذكر من يستحب أن ينكح ومن يرغب عن نكاحه ص ١٩٥ الحديث ٧١١.

(٢) الكافي: ج ٥ باب ما يستدل به من المرأة على المحمدة ص ٣٣٤ الحديث ١.

(٣) الكافي: ج ٥ باب فضل من تزوج ذات دين وكراهة من تزوج للمال ص ٣٣٣ الحديث ٣.

(٤) الكافي: ج ٥ باب فصل من تزوج ذات دين وكراهة من تزوج للمال ص ٣٣٣ الحديث ٢.

(٥) الفقيه: ج ٣(١٠٦) باب من تزوج لله عزوجل ولصلة الرحم ص ٢٤٣ الحديث ١.

١٨٠