بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 0%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
الناشر: فاروس
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 90650
تحميل: 7899

توضيحات:

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90650 / تحميل: 7899
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: هو نائم فسمععليه‌السلام كلامي، فقال: مَن هذا؟ قال ابن عباس يا أمير المؤمنين قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب، جالس كهيئة المهموم فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين الليلة؟ فقال: ويحك يا ابن عباس، وكيف تنام عينا قلب مشغول، يا ابن عباس، ملك جوارحك قلبك، فإذا أرهبه طار النوم عنه، ها أنا ذا كما ترى مذ أوّل اللّيل اعتراني الفكر والسهر لما تقدّم من نقض عهد أول هذه الأمّة المقدّر عليها نقض عهدها.

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر مَن أمر من أصحابه بالسلام عليَّ في حياته بإمرة المؤمنين، فكنت أؤكّد أن أكون بعد وفاته، يا ابن عباس، أنا أولى الناس بالناس بعده، ولكنّ أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها، وصرف قلوب أهلها عنّي.

أقول: وساق كلامهعليه‌السلام في الشكاية عمّن تقدّمه إلى أن قالعليه‌السلام : فالآن يا ابن عباس قرنت بابن آكلة الأكباد، وعمرو، وعتبة، والوليد، ومروان، وأتباعهم، فمتى اختلج في صدري، وألقي في روعي، أن الأمر منقاد إلى دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون، فهم في ذكر أولياء الرّحمان يثلبونهم(١) ويرمونهم بعظائم الأمور، من إفك مختلق وحقد قد سبق.

وقد علم المستحفظون ممّن بقي من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ عامّة أعدائي ممّن أجاب الشيطان عليّ، وزهد الناس فيّ، وأطاع هواه فيما يضرّه في آخرته، وبالله عزّ وجلّ الغنى وهو الموفّق للرشاد والسّداد، يا ابن عباس، ويل لمـَن ظلمني ودفع حقّي وأذهب عظيم منزلتي، أين كانوا أُولئك؟ وأنا أُصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صغيراً، لم يكتب عليَّ صلاة، وهم عبدة الأوثان وعصاة الرّحمان، وبهم توقد النّيران.

____________________

(١) ثلبه: تنقّصه.

١٠١

فلمّا قرب إصعار الخدود(١) وإتعاس الجدود، أسلموا كرهاً، وأبطنوا غير ما أظهروا، طمعاً في أن يطفئوا نور الله، وتربّصوا انقضاء أمر الرّسول، وفناء مدّته، لما أطمعوا أنفسهم في قتله، ومشورتهم في دار ندوتهم قال الله عزّ وجلّ:( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٢) . وقال:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٣) .

يا ابن عباس، ندبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته بوحي من الله يأمرهم بموالاتي، فحمل القوم ما حملهم ممّا حقد على أبينا آدم من حسد اللّعين له، فخرج من روح الله ورضوانه، وألزم اللّعنة لحسده لولّي الله، وما ذاك بضاري إن شاء الله شيئاً، يا ابن عباس، أراد كل امرئٍ أن يكون رأساً مطاعاً يميل إليه الدنيا وإلى أقاربه فحمله هواه، ولذة دنياه، واتباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي، ولولا اتقائي على الثّقل الأصغر أن ينبذ فتنقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل الله المتين، وحصنه الأمين، وولد رسول ربّ العالمين؛ لكان طلب الموت والخروج إلى الله عزّ وجلّ عندي ( أهون ) من شربة ظمآن ونوم وسنان، ولكني صبرت وفي الصدر بلابل، وفي النفس وساوس( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .

ولقديماً ظلم الأنبياء وقتل الأولياء إلى أن قال:( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) وأذّن المؤذّن فقال: الصلاة يا ابن عباس لا تفت، أستغفر الله لي ولك وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، قال ابن عباس: فغمّني انقطاع الليل وتلهّفت على ذهابه(٤) .

____________________

(١) صعّر خده تصعيراً وصاعره وأصعره: أماله عن النظر إلى الناس تهاوناً.

التعس: الهلاك. والجدود جمع الجد بالفتح وهو الحظ.

(٢) آل عمران: ٥٤.

(٣) التوبة: ٣٢.

(٤) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ط القديم ص١٦٢ ( مكالمة ابن عباس مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ).

١٠٢

فصل

إنكار اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار على أبي بكر ما جرى بعده

روى جماعة من أصحابنا في مصنّفاتهم، أنّه لَمّا استتم الأمر لأبي بكر وصعد المنبر، وجلس في مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنكر ذلك على أبي بكر أثنا عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وهم خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أميّة، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي، وستة من الأنصار، وهم: أبو الهيثم ابن التّيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأُبي بن كعب، وأبو أيّوب الأنصاري.

قال: فلمّا صعد أبو بكر المنبر، تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الآخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً لأعنتم على أنفسكم، وقد قال الله عزّ وجلّ:( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) (١) ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لنستشيره ونستطلع رأيه، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بأجمعهم، فقالوا:

____________________

(١) البقرة: ١٩٥.

١٠٣

يا أمير المؤمنين، تركت حقّاً أنت أحق به وأولى به، لأنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

( عليٌ مع الحق والحق مع علي، يميل مع الحق كيف مال )

ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وأيم الله، لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حرباً لهم، ولا كنتم إلاّ كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة، التاركة لقول نبيّها، والكاذبة على ربّها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت لما يعلمون من وغر(١) صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ، ولأهل بيت نبيّه، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهلية، إلى أن قالعليه‌السلام : ولكن ائتوا الرّجل فأخبروه بما سمعتم من نبيّكم، ولا تدعوه في الشبهة من أمره؛ ليكون ذلك أعظم للحجّة عليه، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربّه وقد عصى نبيّه، وخالف أمره، فانطلقوا حتّى حفوا بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة.

فلمّا صعد أبو بكر المنبر، ذكر كلّ واحد منهم كلاماً في حق عليعليه‌السلام وفي فضله، وما قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، طوينا كشحاً عن ذكره روماً للاختصار، وأوّل من بدأهم بالقول خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم بعدهم الأنصار، فروي أنّهم لما فرغوا من مقالتهم، أفحم أبو بكر على المنبر حتّى لم يُحِرْ جواباً ثم قال:

ولِّيتكم ولست بخيركم، أقيلوني أقيلوني، فقال عمر بن الخطاب: انزل عنها يا لكع، إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمتَ نفسك هذا المقام، والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة، قال: فنزل، ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيّام لا يدخلون مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) الوغر: الحقد والعداوة.

١٠٤

فلمّا كان في اليوم الرابع، جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل، وقال لهم: ما جلوسكم؟ فقد طمع فيها والله بنو هاشم، وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتّى وقفوا بمسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر: والله يا صحابة علي، لئن ذهب الرّجل منكم يتكلّم بالذي تكلّم به بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه.

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا ابن صهّاك الحبشية، أبأسيافكم تهدّدوننا، أم بجمعكم تفزعوننا؟ والله إنّ أسيافنا أحدّ من أسيافكم، وإنّا لأكثر منكم وإن كنّا قليلين؛ لأنّ حجّة الله فينا، والله لولا أنّي أعلم أنّ طاعة إمامي أولى به لشهرت سيفي ولجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري(١) ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : اجلس يا خالد، فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك، فجلس.

وقام إليه سلمان الفارسيّ (رضي الله عنه) وقال: الله أكبر الله أكبر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ صمّتا يقول: بينا أخي وابن عمّي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه، إذ يكسبه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل مَن معه، ولست أشكّ، ألا وإنّكم هم، فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بمجامع ثوبه، ثمّ جلد به الأرض، ثم قال: يا ابن صهّاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدّم، لأريتك أيّنا أضعف ناصراً وأقل عدداً، ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فو الله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه:( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) (٢) والله لا أدخل

____________________

(١) أبلاه عذراً: أي أدّاه إليه.

(٢) المائدة: ٢٤.

١٠٥

إلاّ لزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لقضية أقضيها؛ فإنّه لا يجوز لحجّة أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك النّاس في حيرة(١) .

____________________

(١) الاحتجاج: ج١ ص٩٧ بحار الأنوار: ج٢٨ ص١٨٩.

١٠٦

فصل

في ذكر خطبةٍ خطبها للناس(١)

روى الشيخ الكليني في الروضة، بإسناده عن أبي الهيثم بن التّيهان، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو، كان حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، فذكر كلامهعليه‌السلام في التحميد لله، والصلاّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال مخاطباً للناس: أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادّخرتم الخير من موضعه، وأخذتم من الطّريق واضحه، وسلكتم من الحق نهجه لَنَهَجتْ(٢) بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(٣) ، وسُدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذِّكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه، رويداً، عمّا قليل تحصدون

____________________

(١) وتسمّى بالطالوتية؛ قيل سمّيت بذلك لاشتمالها على ذكر طالوت وأصحابه.

(٢) نهج: أي وضح.

(٣) الرُحب بالضم: السعة.

١٠٧

جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم(١) ، وما أجلبتم ( اجتلبْتم - خ ل ).

والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لقد علمتم أنّي صاحبكم، والّذي به أُمرتم، وأنّي عالمكم، والّذي بعلمه نجاتكم، ووصيُّ نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخيرة ربّكم، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم ويسألكم الله عزّ وجلّ عن أئمّتكم، معهم تحضرون، وإلى الله عزّ وجلّ غداً تصيرون.

أما والله لو كان لي عدَّة أصحاب طالوت(٢) أو عدَّة أهل بدر وهم أعدادكم، ( أعداؤكم خ م ) لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحق، وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق، اللّهمّ فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.

قال: ثم خرجعليه‌السلام من المسجد فمرّ بصيرة(٣) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أنّ لي رجالاً ينصحون لله عزّ وجلّ ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد هذه الشياه، لأزلت ابن آكلة الذبان(٤) عن ملكه.

قال: فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً على الموت، فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(٥) محلّقين، وحلق أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما وافى من القوم محلقاً إلاّ أبو ذر، والمقداد،

____________________

(١) أي ما اكتسبتم من خذلانكم لولي الأمر الحق واتباعكم للطاغوت.

(٢) قيل كان عدة أصحاب طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل غير ذلك.

(٣) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة وأغصان الشجر للغنم والبقر.

(٤) الذبّان بالكسر والتشديد: جمع ذباب وكنّى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فإنهم كانوا في الجاهلية يأكلون من كل خبيث نالوه.

(٥) أحجار الزيت: موضع داخل المدينة. ومحلقين: أي لابسين للحلقة وهي السلاح مطلقاً وقيل هي الدروع خاصة.

١٠٨

وحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر، وجاء سلمان في آخر القوم.

فرفععليه‌السلام يديه إلى السماء فقال: اللّهمّ إنّ القوم استضعفوني كما استضعف بنو إسرائيل هارون، اللّهمّ فإنّك تعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين، أما والبيت والمفضي(١) إلى البيت، ( وفي نسخة ): والمزدلفة والخفاف إلى التجمير، لولا عهد عهده إليّ النبيُّ الأُمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأوردت المخالفين خليج المنيّة، ولأرسلت عليهم شآبيب(٢) صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون(٢).

____________________

(١) والمفضي إلى البيت: أي ماسه بيده.

(٢) جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر وغيره، وهو هنا على نحو الاستعارة.

(٣) روضة الكافي لثقة الإسلام الكليني: ص٣٠ ح٥ تعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، ط دار التعارف.

١٠٩

فصل

في روايةٍ رواها ابن أبي الحديد

روى ابن أبي الحديد من كتاب السقيفة بإسناده إلى أبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أنّ عليّاً حمل فاطمة (صلوات الله عليهما) على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به. فقال عليعليه‌السلام : أكنت أترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميّتاً في بيته لا أجهّزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. وقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه(١).

وقال أيضاً:

ومن كلام معاوية المشهور إلى عليعليه‌السلام : وعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنفرتهم(٢) على صاحب رسول الله!!! فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقّاً

____________________

(١) شرح النهج: ج٦ ص١٣، بحار الأنوار: ج٢٨ ص٣٥٢.

(٢) نسخة النهج: واستنصرهم.

١١٠

لأجابوك، ولكنك ادّعيت باطلاً، وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لَمّا حرّكك وهيّجك: لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد(٢) .

____________________

(١) شرح النهج: ج٢ ص٤٧. وإنّما أورد المصنّف (رحمه الله) هذه الرواية ليدلّل على أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يتنازل عن حقّه ولا سكت بداية عنه، وإنّما سكت بعد مدّة؛ لعدم وجود الناصر، وامتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحفظاً للإسلام وحفاظاً على الأُمّة.

١١١

فصل

فيما قاله مالك بن نويرة لأبي بكر وما خدع به خالد

قال بعض المحقّقين، فيما لخّصه من كتاب التهاب نيران الأحزان، ما هذا لفظه: فلمّا بُويع لأبي بكر، دخل مالك بن نويرة المدينة لينظر مَن قام بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يوم الجمعة، فلمّا دخل المسجد أبا بكر يخطب على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا نظر إليه قال: هذا أخو تيم؟! قالوا: نعم، قال: فما فعل وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعه وموالاته، فقال له المغيرة بن شعبة: إنّك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده الأمر، فقال مالك: والله ما حدث شيء ولكنّكم خنتم الله ورسوله.

ثم تقدّم إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر، لماذا رقيت منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس؟ فقال أبو بكر: أخرجوا الأعرابي البوّال على عقبيه من المسجد، فقام إليه عمر وخالد وقنفذ، فلم يزالوا يكزون في ظهره حتّى أخرجوه من المسجد كرهاً بعد إهانة وضرب فركب مالك راحلته وهو ينشد ويقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكرِ

١١٢

إذا مات بكرٌ قام بكرٌ مكانه(١)

فتلك وبيت الله قاصمة الظّهرِ

بدبّ ويغشاه العشار(٢) كأنّما

يجاهد جمّاً(٣) أو يقوم على قبري

فلو قام بالأمر الوصيّ عليهم(٤)

أقمنا ولو كان القيام على الجمرِ

قال الراوي: فلمّا توطّأ الأمر لأبي بكر، بعث خالد بن الوليد في جيش وقال له: وقد علمت ما قال ابن نويرة في المسجد على رؤوس الأشهاد، وما أنشد من شعره، ولسنا نأمن أن ينفتق علينا منه فتق لا يلتئم، والرأي أنّك تخدعه وتقتله وتقتل مَن كان يبارزك دونه، وتسبي حريمهم، فإنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة.

فسار خالد إليهم، فلمّا رأى مالك بن نويرة الجيش قد أقبل نحوه، لبس لامة حربه واستوى على متن جواده، وكان مالك شجاعاً من شجعان العرب يعدّ بمائة فارس، فلمّا رآه خالد قد برز، خاف منه وهابه وأعطاه العهود والمواثيق على الأمان، فلم يركن إليه، فحلف له بالإيمان المغلّظة أنّه لا يغدر به، فرجع مالك ونزع لامة حربه وأضافهم تلك الليلة.

فلمّا نام القوم، دخل خالد بمَن معه على مالك في بيته وقتله غدراً، ودخل بامرأته في ليلته وأخذ رأسه فوضع في قدر فيه لحم جزور لوليمة العرس، وأمر أصحابه بأكله، ثم سباهم وسمّاهم أهل الردّه، افتراءً على الله وعلى رسوله(٥) .

____________________

(١) إذا مات بكر قام عمرو أمامه، في البحار.

(٢) العشار بالكسر: جمع العشراء وهي الناقة التي مضى لحملها عشرةُ أشهر، ولعلّ تشبيه القوم بالعشار لما أكلوا من الأموال المحرّمة وطمعوا من الولايات الباطلة، ونفي كونها جمّاً تهديد بأنّه وقومه كاملوا الإرادة والسلاح. بحار الأنوار.

(٣) والجم جمع الجمّاء وهي الشاة التي لا قرن لها، الأجَمّ الرجل بلا رمح.

(٤) فلو طاف فينا من قريش عصابة ( خ ل ).

(٥) بحار الأنوار: ج٨ ط القديم ص٢٣٠. كما ذكر قصّة مقتل مالك بن نويرة وتزويج خالد لامرأته في نفس الليلة وموقف كل من أبي بكر وعمر من خالد وسكوتهما عنه وعدم إقامة =

١١٣

فلمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل مالك بن نويرة وسبي حريمه، اغتمّ لذلك غماً شديداً وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير

وكلّ أمرٍ له وقتٌ وتقديرُ

وللمهيمن في حالاتنا نظرٌ

وفوق تدبيرنا لله تدبيرُ

( تقدير خ ل ) انتهى(١) .

أقول(٢) : وهذه القصّة ممّا نقلها المخالف والمؤالف، وروي أنّه لما قتل خالد مالكاً ونكح امرأته، كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري، فركب فرسه ولحق بأبي بكر وحلف أن لا يسير في جيش تحت لواء خالد أبداً، فقصّ على أبي بكر القصّة، فقال أبو بكر: لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالدٌ ما أمرته، وإنّ عمر لما سمع ذلك تكلّم فيه عند أبي بكر فأكثر، وقال: إنّ القصاص قد وجب عليه، فلمّا أقبل خالد بن الوليد غافلاً، دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهما، فلمّا أن دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها.

ثم قال: يا عديّ نفسه، أعدوت على امرئٍ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته، والله لنرجمنّك بأحجارك، وخالد لا يكلّمه، ولا يظنّ إلاّ أنّ رأي أبي بكر مثل رأي عمر فيه، حتّى دخل إلى أبي بكر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه، فخرج خالد، وعمر جالس في المسجد، فقال: هلمّ إليّ يا ابن أمّ شملة فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلّمه ودخل بيته.

____________________

= الحد عليه الطبري: ط أوروبا ١ / ١٩٢٧ - ١٩٢٨، والإصابة: ٣ / ٣٣٧، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ١١٠، وكنز العمّال: ط الأُولى: ٣ / ١٣٢، وغيرهم.

(١) علم اليقين: ج٢ ص٦٨٣ إلى ٦٨٥.

(٢) راجع ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٧ / ٢٠٥ وما بعدها، وتاريخ الطبري: ٣ / ٢٧٩ - ٢٨٠.

واعتجر العمامة: لبسها.

١١٤

قال العلاّمة المجلسي (قُدِّس سرّه): إنّ معاتبة عمر وغيظه على خالد في قتل مالك بن نويرة، لم يكن مراقبة للدين ورعاية لشريعة سيد المرسلين، وإنّما تألّم من قتله لأنّه كان حليفاً له في الجاهلية، وقد عفى عن خالد لما علم أنّه هو قاتل سعد بن عبادة(١) .

رُوي عن بعض أصحابنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ عمر استقبل في خلافته خالد بن الوليد يوماً في بعض حيطان المدينة، فقال له: يا خالد، أنت الّذي قتل مالكاً؟ قال يا أمير المؤمنين: إنْ كنت قتلت مالك بن نويرة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهَنَاتٍ كانت بينكم وبينه، فأعجب عمر قوله، وضمّه إلى صدره وقال له: أنت سيف الله وسيف رسوله. انتهى(٢) .

____________________

(١) بحار الأنوار كتاب الفتن والمحن: ص٢٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٨ ص٢٥٧. وقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٧ / ٢٢٤ بعد ذكر مقتل سعد بن عبادة بالشام ما نصّه: وما ذلك من أفعال خالد ببعيد.

١١٥

فصل

في عرضهعليه‌السلام القرآن على الناس وما قالوا في جوابه

روى سليم بن قيس، عن سلمان حديث السقيفة، وساق الكلام إلى أن قال: فلمّا أن رأى عليعليه‌السلام غدرهم وقلّة وفائهم له؛ لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفّه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه، وكان في الصحف والشّظاظ والأكتاف والرقاع، فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده تنزيله وتأويله، والناسخ منه والمنسوخ؛ بعث إليه أبو بكر: اخرج فبايع، فبعث إليه عليّعليه‌السلام : إنّي لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاّة، حتّى أؤلّف القرآن وأجمعه؛ فسكتوا عنه أيّاماً فجمعه في ثوب واحد وختمه(١) .

وروي عن غيره أنّهعليه‌السلام جاء به إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتركه وصلّى ركعتين وسلّم على رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنادى عليعليه‌السلام بأعلى صوته: أيّها الناس، إنّي لم أزل منذ قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله آية

____________________

(١) سليم بن قيس: ص٨١.

١١٦

منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمني تأويلها، ثم قال عليعليه‌السلام : لئلاّ تقولوا غداً إنّا كنّا عن هذا غافلين، ثم قال لهم عليعليه‌السلام : لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعُكم إلى نصرتي، ولم أذكّركم حقّي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه(١) .

وفي رواية أُخرى، فقال عمر: اتركه وامض لشأنك، فقالعليه‌السلام لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أوصاكم فقال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فإن قبلتموه فاقبلوني معه أحكم بينكم بما أنزل الله فيه، فإنّي أعلم منكم بتأويله وبناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه. فقال عمر: فانصرف به معك حتّى لا يفارقك ولا تفارقه، فلا حاجة لنا فيه ولا فيك.

فانصرفعليه‌السلام إلى بيته والقرآن معه، فجلسعليه‌السلام على مصلاّه، ووضع القرآن في حجره وجعل يتلوه، وعيناه تهملان بالدّموع، فدخل عليه أخوه عقيل بن أبي طالب فرآه يبكي، فقال يا أخي: ما لك تبكي؟ لا أبكى الله عينيك، فقالعليه‌السلام : يا أخي، بكائي والله من أمر قريش وتركاضهم في ضلال، وتجاولهم ( تجوالهم خ ل ) في الشقاق وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي(٢)، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن عمّي، ثم انتحب باكياً، ثم استرجع وقال متمثّلاً:

فان تسأليني كيف أنت فإننّي

صبورٌ على ريب الزّمان صليبُ

يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة

فيشمت عادٍ أو يُساء حبيبُ(٣)

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٨ ص٥١ ط. ق.

(٢) فجزت قريش عن الجوازي. خ علم اليقين.

(٣) علم اليقين للمحدّث الكاشاني ( ره ): ص٦٨٦ ج٢.

١١٧

رجعنا إلى رواية سليم، ثم دخل عليعليه‌السلام بيته، وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع، ولو قد بايع أمنّاه، فأرسل إليه أبو بكر: أجب خليفة رسول الله، فأتاه الرّسول، فقال له ذلك، فقال له عليٌّعليه‌السلام : سبحان الله، ما أسرع ما كذبتم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه ليعلم ويعلم الذين حوله، أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيري.

وذهب الرّسول فأخبره بما قال له، فقال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال، فقال عليعليه‌السلام : سبحان الله، ما والله طال العهد فينسى، والله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي، ولقد أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سابع سبعة فسلّموا عليَّ بإمرة المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه من بين سبعة فقالا: أمن الله ورسوله، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( نعم حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغرّ المحجّلين، يقعده الله عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءَه الجنّة وأعداءَه النار ). فانطلق الرسول فأخبره، بما قالعليه‌السلام ، فسكتوا عنه يومهم ذلك.

قال: فلمّا كان الّليل، حمل عليٌّعليه‌السلام فاطمةعليها‌السلام على حمار، وأخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام ، فلم يَدَعْ أحداً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غير أربعة، هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام(١) فإنّا حلَقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنّا بصيرة في نصرته.

____________________

(١) أقول: لعلّ جملة هم: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام بيان من المصنّف ( ره )، وإلاّ فإنّ نسخة المصدر والبحار خالية عنها.

١١٨

فصل

إضرام النار على بيت فاطمةعليها‌السلام

فلمّا أن رأى عليّعليه‌السلام خذلان الناس إيّاه، وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إيّاه؛ لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع غيرَه وغيرَ هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرقّ الرّجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر: مَن نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً فهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعواناً، وانطلق فاستأذن على عليّعليه‌السلام ، فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد، والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن.

فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمةعليها‌السلام أُحَرّجُ عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن. فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنّساء، ثم أمر أناساً حوله بتحصيل الحطب، وحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفيه علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام ، ثم نادى عمر حتّى أسمع عليّاً وفاطمةعليهما‌السلام .

١١٩

والله لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله، وإلاّ أضرمت عليك النّار، فقامت فاطمةعليها‌السلام فقالت: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي. فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنّار فأضرمها في الباب، ثم دفعه(١) فدخل، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.

فوثب عليّعليه‌السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاه به، فقال: والّذي كرّم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة يا ابن صهّاك، لولا كتاب من الله وعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلمت أنّك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج عليعليه‌السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدّته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فإن خرج وإلاّ فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم على فأضرم على بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار عليعليه‌السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً، وحالت بينهم وبينه فاطمةعليها‌السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله.

ثم انطلقوا بعليعليه‌السلام يتلّ(٢) حتى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم

____________________

(١) قال المسعودي في إثبات الوصيّة: ص١٢٣: فهجموا عليه وأحرقوا بابه. وقال الشيخ المفيد في الاختصاص: ص١٨٥ - ١٨٦: فلمّا انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره ...

(٢) في المصدر: يعتل عتلاً يعني يجذب جذباً.

واتلّه: أي أوثقه وجرّه.

١٢٠