بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 0%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
الناشر: فاروس
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 89636
تحميل: 7761

توضيحات:

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89636 / تحميل: 7761
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح(١) .

احتجاج فاطمةعليها‌السلام مع أبي بكر

وفي رواية العياشي: فخرجت فاطمةعليها‌السلام فقالت: يا أبا بكر، أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنَّ جيبي ولآتينّ قبر أبي ولأصيحنّ إلى ربّي، فأخذت بيد الحسن والحسين وخرجت تريد قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليعليه‌السلام لسلمان: أدرك ابنة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّي أرى جنبتي المدينة تُكفئان(٢) ، والله إن نشرت شعرها، وشقّت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربّها، لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمَن فيها، فأدركها سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمد، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان، يريدون قتل عليعليه‌السلام وما عليَّ صبر، فدعني حتّى آتي قبر أبي، فأنشر شعري وأشقّ جيبي وأصيح إلى ربيّ، فقال سلمان: إنّي أخاف أن يخسف بالمدينة، وعليٌّ بعثني إليك يأمرك أن ترجعي له إلى بيتك وتنصرفي، فقالتعليها‌السلام : إذاً أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع(٣) .

الاحتجاج: روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: لما استُخْرجَ أمير المؤمنينعليه‌السلام من منزله، خرجت فاطمةعليها‌السلام فما بقيت هاشمية إلاّ خرجت معها، حتى انتهت قريباً من القبر، فقالت لهم: خلّوا عن ابن عمّي، فو الذي بعث محمداً بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري ولأضعنّ

____________________

(١) كتاب سليم بن قيس: ص٨٣ - ٨٤، بحار الأنوار: ج٢٨ ص٢٦٩.

(٢) قوله تكفئان: أي تضطربان وتنقلبان.

(٣) العيّاشي: ج٢ ص٦٧، وبحار الأنوار: ج٢٨ ص٢٢٧.

١٢١

قميص رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رأسي، ولأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرمَ على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم منّي، ولا الفصيل بأكرمَ على الله من ولديّ، قال سلمان (رضي الله عنه): كنت قريباً منها، فرأيت والله أساس حيطان المسجد، مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقلعت من أسفلها، حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها، فقلت: يا سيّدتي ومولاتي، إنّ الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت، ورجعت الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا(١) .

وروى الشيخ الكليني (قُدِّس سرّه) عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قالا: إنّ فاطمةعليها‌السلام لما أن كان من أمرهم ما كان، أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب، لولا أنّي أكره أن يصيب البلاء مَن لا ذنب له، لعلمت أنّي سأقسم على الله، ثم أجده سريع الإجابة(٢) .

وروي أيضاً أنّه: لما أخرج بعليعليه‌السلام ، خرجت فاطمة (صلوات الله عليها) واضعة قميص رسول الله على رأسها، آخذة بيدي ابنيها، فقالت: مالي وما لك يا أبا بكر؟ تريد أن تؤتم ابنيَّ وترمّلني من زوجي؟ والله لولا أن تكون سيئة، لنشرت شعري، ولصرخت إلى ربّي، فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا؟ ثم أخذت بيده فانطلقت به(٣) .

وفي رواية أخرى، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: والله لو نشرت شعرها ماتوا طرّاً(٤) .

____________________

(١) الاحتجاج: ج١ ص١١٣.

(٢) أُصول الكافي: ج١ ص٥٣٢. تحقيق وتعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين. ط دار التعارف.

(٣) روضة الكافي: ص١٩١. تحقيق وتعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين. ط دار التعارف.

(٤) روضة الكافي: ن. م ص١٩٢. طرّاً: أي جميعاً.

١٢٢

في أنَّ عمر وخالداً أتيا بعلي (ع) والزبير للبيعة عنوة

روى ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة للجوهري، بإسناده عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال هو هذا، فقال: انطلقا إليهما يعني: عليّاً والزبير، فأتياني بهما، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال أعددته لأبايع عليّاً، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه، ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد وكان في خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر رِداءاً لهما، ثم دخل عمر فقال لعليعليه‌السلام : قم فبايع، فتلكّأ واحتبس، فأخذه بيده فقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومَن معه سوقاً عنيفاً، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوراع المدينة بالرّجال.

ورأت فاطمةعليها‌السلام ما صنع عمر، فصرخت وولوت، واجتمعت معها نسوة كثيرة من الهاشميات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلّمه حتى ألقى الله، قال: فلمّا بايع عليّعليه‌السلام والزّبير، وهدأت تلك الفورة، مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه.

قال ابن أبي الحديد: والصحيح عندي، أنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنّها أوصت أن لا يصلّيا عليها، وذلك عند أصحابنا من الصغائر(١) المغفورة لهما، وكان الأولى بهما إكرامها واحترام منزلتها، لكنّهما خافا الفرقة وأشفقا من الفتنة، ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنّهما،

____________________

(١) من الأمور - خ م.

١٢٣

وكان ( كانا - ل ) من الدِّين وقوّة اليقين بمكان مكين، ومثل هذا لو ثبت كونه خطأ لم تكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لا تقتضي التبرِّي، ولا توجب التولّي. انتهى كلام ابن أبي الحديد عليه ما يستحقّه ويريد(١) .

____________________

(١) شرح النهج: ج٦ ص٤٩ - ٥٠. والذي يدل على كذب الجوهري فيما نقله عنه ابن أبي الحديد في كتاب السقيفة من أنّها رضيت عنهما قبل موتها ما رواه المؤرّخون من أنّها عليها‌السلام صرّحت بغضبها عليهما في حضورهما، وأنّها خاطبت أبا بكر بقولها: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصلّيها؛ فخرج باكياً. فراجع كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ١٤، ومنتخب كنز العمّال ٤ / ٣٦١، والطبري ٢، وكنز العمّال أيضاً / ٥.

١٢٤

فصل

قصّة اقتحام بيت فاطمةعليها‌السلام وضربها وإلقاء جنينها

قال العلاّمة المجلسي في البحار: وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي برواية أبان ابن أبي عيّاش عن سلمان وعبد الله بن العبّاس، قالا: وتوفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم توفّي، فلم يوضع في حفرته حتّى نكث الناس وارتدُّوا، واجتمعوا على الخلاف، واشتغل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته.

ثم أقبلعليه‌السلام على تأليف القرآن، وشُغل عنهم بوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إنّ النّاس أجمعين قد بايعوك، ما خلا هذا الرّجل وأهل بيته، وهؤلاء النفر، فابعث إليه، فبعث إليه ابن عمّ لعمر يقال له قنفذ وأبى عليعليه‌السلام أن يأتيهم، فوثب عمر غضبان، ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثم أقبل حتّى انتهى إلى باب علي وفاطمةعليهما‌السلام وفاطمةعليها‌السلام قاعدة خلف الباب: قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب افتح الباب، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا عمر، ما لنا ولك، ألا تدعنا وما نحن فيه؟ قال

١٢٥

افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله عزّ وجلّ، تدخل عليّ بيتي وتهجم عليّ داري؟ فأبى أن ينصرف، ثم دعى عمر بالنّار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمةعليها‌السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه، فوثب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فأخذ بتلابيب عمر، ثم هزّه فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوصاه به من الصبر والطّاعة.

فقال: والّذي كرّم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة، يا ابن صهّاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمتَ أنّك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتّى دخلوا الدّار فكاثروه، وألقوا في عنقه حبلاً، فحالت بينهم وبينه فاطمةعليها‌السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت، وإنّ في عضدها كمثل الدّملج من ضربته لعنه الله، فألجألها إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت (صلوات الله عليها) من ذلك شهيدة(١) .

أقول: ورُوي أيضاً عن كتاب سليم، أنّه أغرم عمر بن الخطاب في بعض سنين جميع عمّاله أنصاف أموالهم سوى قنفذ. قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان، وأبي ذر، والمقداد، ومحمّد ابن أبي بكر، وعمر ابن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، فقال العباس لعليّعليه‌السلام : ما ترى عمر منعه أن يغرم قنفذاً كما غرم جميع عمّاله؟ فنظر عليعليه‌السلام إلى مَن حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال:

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٢٨ ص٢٩٧ - ٢٩٩، وأيضاً ٢٧٠. وكذا رواه بألفاظ مختلفة في الوافي بالوفيات ٥ / ٥٤٧، والملل والنحل للشهرستاني: ١/ ٥٧، وميزان الاعتدال للذهبي الشافعي: ١ /١٣٩، ولسان الميزان لابن حجر: ١/ ٢٦٨، والمسعودي في إثبات الوصية: ١٢٣، وغيرهم.

١٢٦

شكر له ضربة ضربها فاطمةعليها‌السلام بالسوط فماتت وإنّ في عضدها أثره كأنّه الدّملج(١) .

وروى في الاحتجاج: احتجاجَ الحسن بن عليعليه‌السلام على معاوية وأصحابه في حديث طويل، أنّه قال للمغيرة بن شعبة في جواب افترائه على أمير المؤمنينعليه‌السلام ووقوعه فيه (سلام الله عليه): وأمّا أنت يا مغيرة بن شعبة، فإنّك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذّب، إلى أن قال له: وأنت ضربت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومخالفة منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا فاطمة أنت سيّدة نساءِ أهل الجنّة ) والله مصيَّرُك إلى النّار وجاعل وبال ما نطقت به عليك(٢) .

____________________

(١) كتاب سليم: ص١٣٤.

(٢) الاحتجاج: ج١ ص٤١٤. وقد ذكر الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي: ٣ / ١٥٦ فقال: والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة أنّ عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت فسمّى السقط محسناً. والرواية بذلك مشهورة عندهم.

أقول: والظاهر أنّ الضرب لم يقتصر على عمر وحده، وراجع أيضاً الاختصاص للشيخ المفيد: ص١٨٥.

١٢٧

فصل

إقبال فاطمةعليها‌السلام إلى قبر أبيها وما قالت

قال صاحب كتاب علم اليقين، نقلاً عن كتاب التهاب نيران الأحزان ما هذا لفظه: ثم إنّ عمر جمع جماعةً من الطلقاء والمنافقين، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فوافوا بابه مغلقاً، فصاحوا به: أخرج يا علي فإنّ خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب.

فأتوه بحطب فوضعوه على الباب، وجاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر وقال: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار، فلمّا عرفت فاطمةعليها‌السلام أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت فاطمةعليها‌السلام وراء الباب، فدفعها عمر حتّى ضغطها بين الباب والحايط(١) ، ثم إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتّى أخرجوه سحباً من داره ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد، فحالت فاطمةعليها‌السلام بينهم وبين بعلها، وقالت: والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم، ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم

____________________

(١) ويقول المسعودي في إثبات الوصيّة: ص١٢٣: فهجموا عليه وأحرقوا بابه وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.

١٢٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا، فقال الله تعالى:( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) . قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذاً ابن عمه أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّاه محسناً، وجعلوا يقودون أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى المسجد حتّى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمةعليها‌السلام إلى المسجد لتخلّصه فلم تتمكّن من ذلك، فعدلت إلى قبر أبيها، فأشارت إليه(٢) بحرقة ونحيب وهي تقول:

نفسي على زفراتها محبوسة

يا ليتها خرجت مع الزّفراتِ

لا خير بعدك في الحياة، وإنّما

أبكي، مخافة أن تطول حياتي

ثم قالت: وا أسفاه عليك يا أبتاه، وا ثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومَن ربيّته صغيراً وواخيته كبيراً، وأجلّ أحبّائك لديك، وأحبّ أصحابك إليك، أوّلهم سبقاً إلى الإسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.

ثم إنّها أنّت أنّة، وقالت: وا محمّداه، وا حبيباه، وا أباه، وا أبا القاسماه، وا أحمداه، وا قلّة ناصراه، وا غوثاه، وا طول كربتاه، وا حزناه، وا مصيبتاه وا سوء صباحاه، وخرّت مغشيّة عليها، فضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً، ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بين يدي أبي بكر وقالوا له: مدّ يدك فبايع!!! فقال: والله لا أبايع، والبيعة لي في رقابكم.

فروي عن عدي بن حاتم، أنّه قال: والله ما رحمت أحداً قط رحمتي على علي بن أبي طالبعليه‌السلام حين أتى به ملبّباً بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر، وقالوا: بايع!! قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك، قال: فرفع

____________________

(١) الشورى: ٢٣.

(٢) أي إلى القبر الشريف.

١٢٩

رأسه إلى السماء، وقال: اللّهمّ إنّي أُشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني، فإنّي عبد الله وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا له: مدّ يدك فبايع!!! فأبى عليهم، فمدوا يده كرها فقبضعليه‌السلام على أنامله، فراموا بأجمعها فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، وهوعليه‌السلام يقول وينظر إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا ابن عم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ).

قال الراوي: إنّ علياًعليه‌السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين:

فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أُمورَهم

فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ

وإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمَهم

فغيرُك أولى بالنبيّ وأقربُ

وكانعليه‌السلام كثيراً ما يقول: ( وا عجباً، تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة ) انتهى(١) .

____________________

(١) علم اليقين: ج٢ ص ٦٨٦ - ٦٨٨.

١٣٠

فصل

ما قاله عمر في كتاب عهده إلى معاوية

في كتاب عهد عمر إلى معاوية: فأتيت داره مستشيراً لإخراجه منها، فقالت الأمَةُ فِضّة، وقد قلت لها: قولي لعليّ يخرج إلى بيعة أبي بكر، فقد اجتمع عليه المسلمون، فقالت: إنّ أمير المؤمنين عليّاً مشغول، فقلت: خلّي عنك هذا وقولي له يخرج وإلاّ دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً، فخرجت فاطمة فوقفت من وراءِ الباب فقالت: أيّها الضالّون المكذِّبون ماذا تقولون؟ وأيّ شيءٍ تريدون؟ فقلت: يا فاطمة، فقالت: ما تشاء يا عمر؟ فقلت: ما بال ابن عمّك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟

فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني، وألزمك الحجّة وكلّ ضالّ غويّ، فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعليّ يخرج، فقالت: لا حبّ ولا كرامة، أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟ وكان حزب الشيطان ضعيفاً، فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت، وأحرق مَن فيه، أو يقاد عليّ إلى البيعة، وأخذت سوط قنفذ فضربتها وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلمّوا في جمع الحطب فقلت: إنّي مضرمها، فقالت: يا عدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ أمير المؤمنين، فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته، فتصعّب عليّ،

١٣١

فضربت كفيها بالسوط فآلمها، فسمعت لها زفيراً وبكاء فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب.

فذكرت أحقاد علي، وولوغه في دماء صناديد العرب، وكيد محمّد وسحره، فركلت الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها وقالت: يا أبتاه يا رسول الله، هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضّة إليك فَخُذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل، وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب ودخلت، فأقبلت إليّ بوجه أغشى بصري، فصفقتُ صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها، وتناثرت إلى الأرض، الخبر بطوله(١) .

وعن إرشاد القلوب، عنهاعليها‌السلام قالت: فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار، ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفّوا عنّا وينصرونا، فأخذ عمر السّوط من يد قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتّى صار كالدّملج، وركل الباب برجله، فردّه عليَّ وأنا حامل فسقطت لوجهي، والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتّى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم.

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٨ ط القديمة ص٢٢٢ بحار الأنوار: ج٨ ط القديم ص٢٣١. وقد قال الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص: ص١٨٥: عندما كتب الأوّل لها كتاباً بفدك فلقيها الثاني خارجة وعندما عرف ما في الكتاب نازعها إيّاه بعدما أبت أن تعطيه له فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسّن فأسقطه من بطنها، ثم أخذ الكتاب فحرقه فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر.

ويذكر الشهرستاني في الملل والنحل: ١ / ٥٧ وهو يعيب على النظام أنّه كان يقول: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها. كما يراجع ميزان الاعتدال للذهبي: ١ /١٣٩، ولسان الميزان لابن حجر.

١٣٢

فصل

ما أخبر الله تعالى ليلة المعراج نبيّه بظلم ابنته وأخذ حقّها

وكان ممّا أخبر الله تعالى نبيّه ليلة المعراج أن قال: وأمّا ابنتك فتُظلم وتُحرم، ويُؤخذ غصباً حقّها الذي تجعله لها، وتُضرب وهي حامل، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسّها هوان وذلّ، ثم لا تجد مانعاً، وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قبلت يا ربّ وسلّمت ومنك التوفيق والصبر(١) .

وروي أنّ أول ما يحكم فيه محسن بن عليعليه‌السلام في قاتله ثم في قنفذ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتّى تصير رماداً فيضربان بها(٢) .

وروى المفضل بن عمر، عن الصادقعليه‌السلام في خبر طويل: ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنينعليه‌السلام

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٢٨ ص٦٢.

(٢) بحار الأنوار: ج٢٨ ص٦٤.

١٣٣

وهنّ صارخات وأمّه فاطمة (صلوات الله عليها) تقول:( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) (١) الـ ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ) الآية(٢) . قال فبكى الصادقعليه‌السلام حتّى أخضلّت لحيته بالدّموع، ثم قال: لا قرّت عين لا تبكي عند هذا الذكر(٣) .

قال الشيخ الصدوق في معنى قول النبيّ لعليّعليه‌السلام : إنّ لك كنزاً في الجنّة أنت ذو قرنيها، سمعت بعض المشايخ يذكر أنّ هذا الكنز هو ولده المحسن وهو السقط الذي ألقته فاطمة (صلوات الله عليها) لما ضغطت بين البابين واحتجّ على ذلك بما روي في السقط أنّه يكون محبنطاً على باب الجنّة، يُقال له: ادخل الجنّة، فيقول: لا، حتّى يدخل أبواي قبلي، الخ(٤) .

ذكر السيّد الأجلّ مولانا المير حامد حسين الهندي (عطّر الله مرقده) في عبقات الأنوار، عن الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي، أنّه ذكر في ترجمة النظّام أُستاذ الجاحظ أنّه قال النظّام: نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ الإمام عليّعليه‌السلام ، وعيّنه، وعرفت الصحابة ذلك، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر (رضي الله عنهما) وقال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها. انتهى(٥) .

مقولة ابن أبي الحديد في شرح النهج

وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج خبر هبار بن الأسود: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دمه يوم فتح مكّة؛ لأنّه روّعَ زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرّمح وهي في الهودج وكانت حاملاً، فرأت دماً وطرحت ذا بطنها، قال:

____________________

(١) الأنبياء: ١٠٣.

(٢) آل عمران: ٣٠.

(٣) بحار الأنوار: ج٥٣ ص٢٣.

(٤) معاني الأخبار: ص١٩٨.

(٥) الوافي بالوفيات: ج ٦ ص١٧.

١٣٤

قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر، فقال: إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دم هبار؛ لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها، فظاهر الحال أنّه لو كان حيّاً لأباح دم مَن روّع فاطمة حتّى ألقت ذا بطنها، فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: أنّ فاطمة رُوّعت فألقت المحسن؟ فقال: لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه، فإنّي متوقّف في هذا الموضع لبعض الأخبار عندي فيه(١) .

قلت: ولنعم ما قال السيد الجزوعي:

جرّعاها من بعد والدها الغيظ

مراراً فبئس ما جرّعاها

أغضباها وأغضبا عند ذاك

الله ربّ السّماءِ إذ أغضباها

بنتُ مَن أُمُّ مَن حليلة مَن

ويلٌ لمـَن سنّ ظلمها وأذاها

ذكر ما تأسّفوا وتأثّرواعليهم‌السلام على مصيبة فاطمةعليها‌السلام

روي عن دلائل الطبري، بسنده عن زكريا بن آدم عليه الرحمة قال: إنّي لعند الرضاعليه‌السلام إذ جيء بأبي جعفرعليه‌السلام وسنّه أقل من أربع سنين، فضرب بيده الأرض ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضاعليه‌السلام : بنفسي فلم طال فكرك؟ فقالعليه‌السلام : فيما صُنع بأُمّي فاطمةعليها‌السلام ، أما والله لأخرجنّهما، ثم لأحرقنهما، ثم لأذرّينّهما، ثم لأنسفنّهما في اليمّ نسفاً، فاستَدْناه وقبّل عينيه ثم قال: بأبي أنت وأُمّي، أنت لها، يعني الإمامة(٢) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه إذا وُعِكَ(٣) استعان بالماءِ البارد، ثم ينادي حتّى يسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

____________________

(١) شرح النهج: ج١٤ ص١٩٢.

(٢) دلائل الإمامة: ص٢١٢.

(٣) الوعك: الحمّى، وقيل: ألم الحمّى.

(٤) بحار الأنوار: ج٦٢ ص١٠٢، وروضة الكافي للكليني: ح٨٧.

١٣٥

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): لعلّ النداء كان استشفاعاً بها (صلوات الله عليها) للشفاء.

أقول: إنّي أحتمل قويّاً كما أنّه أثرّت الحمّى في جسده اللطيف، كذلك أثّر كتمان حزنه على أُمّه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنّه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وَجْده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفّس الصعداء، فإنّ تأثير مصيبتها (صلوات الله عليها) على قلوب أولادها الأئمّة الأطهار آلم من حزّ الشفار، وأحرّ من جمرة النار، فإنّهم (صلوات الله عليهم) من باب التقيّة لما كانوا بانين على كتمانها غير قادرين على إظهارها، فإذا ذكرت فاطمة (صلوات الله عليها) يبدو منهم (سلام الله عليهم) ممّا كتموه ما يستدلّ به الأريب الفطن بما في قلوبهم الشريفة من الحزن والمحن.

كما رُوي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال للسكوني - وكان قد رزقه الله تعالى بنتاً -: ما سمّيتها؟ قال قلت: فاطمة، قال: آه آه، ثم وضع يده على جبهته الخ(١) .

وذكرت سابقاً أنّ العباس لما قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما منع عمر من أن يغرم قنفذاً كما غرّم جميع عماله؟ فنظر عليعليه‌السلام إلى مَن حوله، ثم أغرورقت عيناه، ثم قال: شكر له ضربةً ضربها فاطمةعليها‌السلام بالسوط فماتت، وإنّ في عضدها أثره كأنّه الدُّمْلج(٢) .

____________________

(١) الكافي: ج٦ باب حق الأولاد. ح٦. ترتيب وتعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، ط دار التعارف، وفي آخره: أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها.

(٢) سليم بن قيس: ص١٣٤.

والدُّمْلج كقنفذ: شيء يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها.

١٣٦

ومَن تأمّل فيما حكي عنهم من شفقتهم ورأفتهم ورقّة قلوبهم الشريفة ورحمتها؛ يصدّق ما ذكرت.

انظر إلى ما رواه المشايخ عن بشّار المكاري، أنّه قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بالكوفة وقد قُدِّم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل، فقال لي: يا بشّار ادن فكل، قلت: هنّأك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي وبلغ منّي، فقال لي: بحقي، لما دنوت فأكلت، قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثَك، قلت، رأيت جلوازاً(١) يضرب رأس امرأة يسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها: المستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد، قالعليه‌السلام : ولم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنّها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يا فاطمة، فارتكب منها ما ارتكب، قال: فقطععليه‌السلام الأكل، ولم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله ولحيته وصدره بالدّموع، ثم قال: يا بشّار، قم بنا إلى مسجد السّهلة فندعو الله ونسأله خلاص هذه المرأة، الخ(٢) .

فإذا كان حال الصادقعليه‌السلام كذلك عند استماع واقعة، جرت على امرأة من شيعة فاطمةعليها‌السلام ، فكيف يكون حالهعليه‌السلام إذا حكى هو ما جرى على أمّه فاطمةعليها‌السلام ؟ ويقول: ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرطٍ في أُذنها حين نقف أي كسر من اللطّم.

وممّا ذكرنا، ظهر شدّة مصيبة أمير المؤمنينعليه‌السلام وعظم صبره، بل يمكن أن يقال: إنّ بعض مصائبه أعظم ممّا يقابله من مصيبة ولده الحسينعليه‌السلام الذي تصغر عند مصيبته المصائب.

فقد ذكرت في كتابي المترجم بنفس المهموم في وقايع عاشوراء عن

____________________

(١) الجلواز: الشرطي.

(٢) بحار الأنوار: ج١٠٠ ص٤٤١.

١٣٧

الطيري: أنّه حمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام برمحه، ونادى عَليَّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله، قال: فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، فصاح به الحسينعليه‌السلام : يا ابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي؟ أحرقك الله بالنار.

قال أبو مخنف: حدّثني سليمان ابن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله إنّ هذا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين؟ تُعذِّب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء، والله إنّ في قتلك الرّجال لما ترضي به أميرك، قال: فقال مَن أنت؟ قلت لا أخبرك مَن أنا، قال: وخشيت والله لو أن عرفني أن يضرّني عند السلطان، قال: فجاء رجل كان أطوع له منّي شبث بن ربعي، فقال: ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمُرعباً للنساء صرت؟ قال: فأشهد أنّه استحيى فذهب لينصرف(١).

أقول: هذا شمر، مع أنّه كان جلفاً جافّاً قليل الحياء استحيى من قول شبث ثم انصرف!! وأمّا الذي جاء إلى باب أمير المؤمنين وأهل بيتهعليهم‌السلام وهدّده بتحريقهم، وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّه على مَن فيه، فقيل له: إنّ فيه فاطمة بنت رسول الله، وولد رسول الله، وآثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ؛ فأشهد أنّه لم يستح ولم ينصرف بل فعل ما فعل.

ولم يكن لأمير المؤمنينعليه‌السلام مَن ينصره ويذبّ عنه إلاّ ما رُوي عن الزبير، أنّه لما رأى القوم أخرجوا عليّاًعليه‌السلام من منزله ملبّباً، أقبل مخترطاً سيفه وهو يقول: يا معشر بني عبد المطلب، أيفعل هذا بعلي وأنتم أحياء، وشدّ على عمر ليضربه بالسيف، فرماه خالد بن الوليد بصخرة، فأصابت قفاه وسقط السيف من يده، فأخذه عمر وضربه على صخرة فانكسر(٣) .

____________________

(١) مقتل أبي مخنف: ص١٤١.

(٢) الاحتجاج: ج١ ص ١٠٥.

(٣) البحار: ج٢٨ ص٢٢٩.

١٣٨

وروى الشيخ الكليني، عن سدير قال: كنّا عند أبي جعفرعليه‌السلام ، فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم، واستذلالهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: أصلحك الله، فأين كان عِزُّ بني هاشم، وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ومَن كان بقي من بني هاشم؟ إنّما كان جعفر وحمزة فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهدٍ بالإسلام، عباس وعقيل، وكانا من الطلقاء، أما والله لو أنّ حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما، ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهداها لأتلفا نفسيهما(١) ؛ فلذلك رُوي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه لم يقم مرّة على المنبر إلاّ قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: ( ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيّه )(٢) .

وقال مسيب بن نجية قال: بينما عليّعليه‌السلام يخطب وأعرابي يقول: وا مظلمتاه، فقال عليعليه‌السلام : ادن فدنا، فقالعليه‌السلام : لقد ظُلمت عدد المدر والوبر(٣) .

وجاء أعرابي يتخطّى، فنادى: يا أمير المؤمنين، مظلوم، قال عليعليه‌السلام : ويحك، وأنا مظلوم ظُلمت عدد المدر والوبر(٤) .

وكان أبو ذر يعبّر عنهعليه‌السلام بالشيخ المظلوم المضطهد حقّه(٥).

وروى الكليني فيما يقال عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام قال: يقول: ( السلام عليك يا ولي الله، أنت أوّل مظلوم وأوّل مَن غُصب حقّه، صبرت واحتسبت حتّى أتاك اليقين، فأشهد أنّك لقيت الله وأنت شهيد، عذّب الله قاتلك بأنواع العذاب وجدّد عليه العذاب )(٦).

____________________

(١) الكافي: ج٨ ص١٨٩.

(٢) البحار: ج٨ ط القديم ص٧٠.

(٣) وأيضاً: ص٧٠.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) الكافي: ج٤ باب ما عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ح١، تصحيح وتعليق سماحة الشيخ =

١٣٩

أقول: وهذه نفثة مصدور، ونبذ من الرزايا التي تذوب منها الصّخور، ولنختم الكلام بأشعار الشيخ صالح الحلّي (رحمه الله):

أشعار الشيخ صالح الحلّي ( ره )

الواثبين لظلمِ آل محمّدٍ

ومحمّدٌ ملقىً بلا تكفينِ

والقائلين لفاطمٍ آذيتِنا

في طول نَوْحٍ دائمٍ وحنينِ

والقاطعين أراكةً كَيْما تقيل

بظلّ أوراقٍ لها وغصونِ

ومجمّعي حطبٍ على البيت الذي

لم يجتمع لولاه شملُ الدينِ

والهاجمين على البتول ببيتها

والمسقّطين لها أعزّ جنينِ

والقائدين إمامهم بنجاده

والطّهر تدعو خلفه برنينِ

خلّوا ابن عمّي أو لأكشف للدعا

رأسي وأشكو للإله شجوني

ما كان ناقة صالحٍ وفصيلها

بالفضل عند الله إلاّ دوني

ورنت إلى القبر الشريف بمقلةٍ

عبرى وقلبٍ مكمَدٍ محزونِ

قالت وأظفار المصاب بقلبها

غوثاه قلَّ على العداة معيني

أبَتاه هذا السامريُّ وعِجْلُهُ

تُبعا وَمَالَ الناسُ عن هارونِ

أيّ الرّزايا أتّقي بتجلّدي

هو في النوائب مذ حييت قريني

فقدي أبي أم غصب بَعْلَيَ حقّه

أم كسر ضلعي أم سقوط جنيني

أم أخذهم إرثي وفاضل نِحْلتي

أم جهلهم حقّي وقد عرفوني

قهروا يتيميك الحسين وصنوه

وسألتهم حقّي وقد نهروني

____________________

= محمد جعفر شمس الدين. ط دار التعارف. كما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب: ٦، باب زيارتهعليه‌السلام ح٢، والصدوق في مَن لا يحضره الفقيه: ٢، باب موضع قبرهعليه‌السلام ، تصحيح وتعليق سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين، ط دار التعارف.

١٤٠