بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) 0%

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مؤلف:
الناشر: فاروس
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 207

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
الناشر: فاروس
تصنيف: الصفحات: 207
المشاهدات: 90871
تحميل: 7929

توضيحات:

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 207 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90871 / تحميل: 7929
الحجم الحجم الحجم
بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

بيت الأحزان في مصائب فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

مؤلف:
الناشر: فاروس
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومصغراً لأمرهم، وأظهر ما كان يكتمه في نفسه ويستره من بغضهم في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبلغ ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فدخل المسجد وصعد المنبر، وذكر فضل الأنصار وما أنزله الله تعالى فيهم من القرآن، وما يجب على المسلمين من إكرامهم، ومعرفة حقوقهم، فقالوا لحسّان بن ثابت: يجب أن تذكر فضل عليعليه‌السلام وسبقته، وندموا على ما كان منهم يوم السقيفة، فقال حسان:

جزى الله خيراً والجزاء بكفّه

أبا حسنٍ عنّا، ومَن كأبي حسن

سبقت قريشاً بالذي أنت أهله

فصدرك مشروح، وقلبك ممتحن

تمنّت رجال من قريشٍ أعزّة

مكانك، هيهات الهزال من السّمن

وأنتَ من الإسلام في كلِّ موطنٍ

بمنزلة الدّلو البطين من الرسن

غضبت لنا إذ قام عمرو بخصلةٍ

أمات بها التقوى، وأحيى بها الإحن

وكنت المرجّى من لؤيّ بن غالبٍ

لما كان فيه، والّذي بعد لم يكن

حفظت رسول الله فينا وعهده

إليك، ومن أولى بها منك من ومَن

ألست أخاه في الهدى، ووصيّه

وأعلم فهراً بالكتاب، وبالسنن

ثم ساق صاحب المقنع الكلام إلى أن قال: وروى أصحاب السير عن أبي الأسود الدؤلي، أنّه قال: حدثني مَن سمع أم أيمن (رضي الله عنها)، تقول: سمعت في الليلة التي بُويع فيها أبو بكر هاتفاً يقول ولا أرى شخصه:

لقد ضعضع الإسلام فقدان أحمدٍ

وأبكى عليه فيكم كلَّ مسلمِ

وأحزنه حزناً تمالؤ صحبه

الغواة، على الهادي الرضي المكرّمِ

وصيّ رسول الله أوّل مسلمٍ

وأعلم مَن صلّى وزكّى بدرهمِ

أخي المصطفى دون الذين تأمّروا

عليه، وأن بزوه فضل التقدّمِ

قد أوردنا نظماً ونثراً ما يستدل به العاقل على أنّ القوم عاملوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بما عمل بنو إسرائيل بهارون أخي موسى حذو النعل بالنعل؛ فصار حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام وحكم هارون واحداً.

٨١

وما أحسن قول محمد بن نصر بن بسام الكاتب:

إنّ عليّا لم يزل محنة

لرابح الدين ومغبونِ

أنزله من نفسه المصطفى

منزلة علم تلت(١) بالدونِ

صيّره هارون في قومه

لعاجل الدنيّا وللدّينِ

فارجع إلى الأعراف حتى ترى

ما فعل القوم بهارونِ

____________________

(١) لم تك - خ.

٨٢

فصل

فيما كتب أبو بكر إلى أُسامة بن زيد وجوابه

وممّا يدل على صحّة دعوى مَن يقول: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مغصوب حقّه من إمامته، رسالةُ أبي بكر إلى أُسامة بن زيد، لَمّا نزل من السقيفة: من عبد الله أبي بكر خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أُسامة بن زيد: أمّا بعد، فإنّ المسلمين فزعوا إليّ واستخلفوني وأمّروني عليهم بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! في كلامٍ طويل، فإذا قرأت كتابي هذا فادخل فيما دخل فيه المسلمون، وأذنْ لعمر بن الخطاب في خلفه ( تخلفه خ ) عنك، فإنّه لا غنى بي عنه، وتوجّه إلى الوجه الذي وجّهك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فكتب إليه أُسامة: من أُسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي بكر ابن أبي قحافة، أمّا بعد، فقد أتاني كتاب منك ينقص آخره أوّله، ذكرت في أوّل كتابك أنّك خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قلت: إنّ المسلمين استخلفوك، وفزعوا إليك وأمّروك عليهم، ولو كان ذاك كذلك لكانت بيعتهم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا في سقيفة بني ساعدة!!!

وسألت أن آذن لعمر بن الخطاب في تخلّفه عنّي لحاجتك إليه، فقد أذن لنفسه قبل أن آذن له، ولا لأحدٍ أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشخوص معي إلى مَن أشخصني إليه، وما أمرك في تخلّفك، وأمر عمر في تخلّفة إلاّ واحد، وليس بينك وبينه فرق، ومَن عصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته فهو بمنزلة مَن

٨٣

عصاه في حياته، وقد علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرك وأمر عمر بالمسير معي، ورأيه لكما خير من رأيكما لأنفسكما، وما خفي عليه موضعكما، وقد ولاّني عليكما، ولم يولّكما عليَّ، وعصيانه نفاق.

في كلامٍ أضربت عنه هاهنا، وأوردته مستوفى في كتابي الموسم بعيون البلاغة في أنس الحاضر ونقلة المسافر، انتهى(١) .

____________________

(١) نقل تمامه السيد هبة الدين في المجموع الرائق في الباب الخامس منه: ص١٠٤ - ١٠٧ والنسخة مخطوطة راجع مكتبة آية الله النجفي (ره).

٨٤

فصل

في عدم حضور أكثر الناس دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال ابن عبد البّر في محكي الاستيعاب: بويع لأبي بكر بالخلافة في اليوم الذي قُبض فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سقيفة بني ساعدة، ثم بُويع البيعة العامّة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم، وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة، وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش، انتهى.

وقال شيخنا المفيد في الإرشاد: ولم يحضر دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر الناس؛ لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التّشاجر في أمر الخلافة، وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمةعليها‌السلام تنادي: وا سوء صباحاه، فسمعها أبو بكر فقال لها: إنّ صباحك لصباح سوء، انتهى(١) .

وقال السيد ابن طاووس في كشف المحجّة لولده: ومن أعجب ما رأيته في كتاب المخالفين، وقد ذكره الطبري في تاريخه وما معناه، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي يوم الاثنين، وما دفن إلى ليلة الأربعاء

وفي رواية: أنّه بقي ثلاثة حتّى دُفن.

____________________

(١) الإرشاد: ص١٠١.

٨٥

وذكر إبراهيم الثقفي في كتاب المعرفة في الجزء الرابع: تحقيقاً: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي ثلاثة أيّام حتّى دُفن لاشتغالهم بولاية أبي بكر والمنازعات فيها، وما كان يقدر أبوك عليعليه‌السلام أن يفارقه ولا أن يدفنه قبل صلاتهم عليه، ولا كان يؤمن أن يقتلوه إن فعل ذلك، أو ينبشوا النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخرجوه ويذكروا أنّه دفنه في غير وقت دفنه، أو في غير الموضع الذي يُدفن فيه، فأبعد الله جلّ جلاله من رحمته وعنايته نفوساً تركته على فراش منيّته، واشتغلت بولايةٍ كان هو أصلها بنبوّته ورسالته، لتخرجها من أهل بيته وعترته، والله يا ولدي ما أدري كيف سمحت عقولهم ومروّتهم ونفوسهم وصحبتهم - مع شفقته عليهم وإحسانه إليهم - بهذا التهوين.

ولقد قال زيد ابن مولانا زين العابدينعليه‌السلام (١) : والله لو تمكّن القوم إن طلبوا الملك بغير التعلّق باسم رسالته كانوا قد عدلوا عن نبوّته، وبالله المستعان.

وقال السيد أيضاً: وكان من جملة حقوقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته وخاصة يوم الممات، أن يجلس المسلمون كلّهم على التّراب، بل على الرّماد، ويلبسوا أفضل ما يلبسه أهل المصاب من السّواد، ويشتغلوا ذلك اليوم خاصّة عن الطّعام والشراب، ويشترك في النياحة والبكاء والمصائب، الرجال والنساء، ويكون يوماً ما كان يوم مثله في الدنيا، ولا يكون، انتهى(٢) .

____________________

(١) ولقد قال مولانا زين العابدينعليه‌السلام في المصدر.

(٢) كشف المحجّة لابن طاووس: ص٧١ - ٧٢.

٨٦

فصل

فيما أخذ عمر من بيعة الناس لأبي بكر

روى ابن أبي الحديد وسليم بن قيس عن البراء بن عازب، قال: لم أزل لبني هاشم محبّاً، فلمّا قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحُزن لوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبيّ في الحجرة، وأتفقّد وجوه قريش، فإنّي لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، وإذا قائل آخر يقول: وقد بُويع أبو بكر، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأُزر الصنعانيّة، لا يمرُّون بأحدٍ إلاّ خبطوه وقدّموه، فمدُّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عقلي وخرجت أشتدُّ حتّى أتيت بني هاشم(١) والباب مغلق عنهم، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر ابن أبي قحافة، فقال العباس: تَرِبَتْ أيديكم إلى آخر الدهر(٢) .

قال صاحب الاحتجاج، وابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة، وغيرهما: فلمّا فرغ أمير المؤمنينعليه‌السلام من أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلس في

____________________

(١) حتى انتهيت إلى بني هاشم خ م.

(٢) شرح ابن أبي الحديد: ج١ ص٢١٩. تربت أيديكم: أي افتقرت ولا أصابت خيراً.

٨٧

المسجد حزيناً كئيباً من فراق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاجتمع إليه بنو هاشم ومعه الزبير بن العوام، واجتمعت بنو أميّة إلى عثمان بن عفان، وبنو زهرة إلى عبد الرحمان بن عوف، فكانوا في المسجد مجتمعين، إذ أقبل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجرّاح، فقالوا ما لنا نراكم حلقاً شتّى، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعه الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمان بن عوف ومَن معهم فبايعوا، وانصرف عليعليه‌السلام وبنو هاشم إلى منزل عليّعليه‌السلام ومعهم الزبير، قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممّن بايع، فيهم: أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة، فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال: عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شرّه، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر، فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمَن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلمّا حضروا، قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف، فلمّا رأى ذلك بنو هاشم، أقبل رجل رجل فجعل يبايع الخ(١) .

وروى صاحب الاحتجاج عن عبد الله بن عبد الرّحمان أنّه قال: ثمّ إنّ عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا إنّ أبا بكر قد بُويع له، فهلمّوا إلى البيعة، فينثال(٢) الناس فيبايعون، فعرف أنّ جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع فيكبسهم ويحضرهم في المسجد فيبايعون، حتّى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي ابن أبي طالبعليه‌السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار، وقال: والّذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّه على ما فيه.

فقيل له: إنّ فيه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) الاحتجاج: ج١ ص٩٤.

(٢) انثال الناس: انصبوا واجتمعوا.

٨٨

وآثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه، فأنكر الناس ذلك من قوله، فلمّا عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك، إنّما أردت التهويل، فراسلهم عليعليه‌السلام : أن ليس إلى خروجي حيلة؛ لأنّي في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي، حتّى أجمع القرآن.

قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليهما وآلهما) إليهم، فوقفت على الباب(١) ، ثم قالت: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم، فلم تؤامرونا(٢) ولم تروا لنا حقنا؟(٣) كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذٍ اللواء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة(٤) .

____________________

(١) فوقفت خلف الباب: ح م.

(٢) ولم تؤمرونا: خ المصدر.

(٣) ولم تروا لنا حقاً، في المصدر.

(٤) الاحتجاج: ج١ ص١٠٥.

٨٩

فصل

في امتناع عليعليه‌السلام عن بيعة أبي بكر

قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري - وهو من أعاظم علماء الجمهور - وكان في الغيبة الصغرى وتوفّي سنة اثنتين وعشرين بعد ثلاثمائة، في كتاب الإمامة والسياسة ما هذا لفظه: إباء علي (كرّم الله وجهه) عن بيعة أبي بكر (رضي الله عنهما)، ثم إنّ عليّاً (كرّم الله وجهه) أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، لِمكان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة، فأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار:

نحن أولى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّاً وميتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلاّ فبوؤا بالظّلم وأنتم تعلمون.

فقال له عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له عليعليه‌السلام : احلب حلباً لك شطره واشدد له اليوم يردّه عليك غداً، ثم قال

٩٠

والله يا عمر لا أقبل قولك، ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فإنْ لم تبايع فلا أكرهك، فقال أبو عبيدة بن الجرّاح لعليعليه‌السلام : يا ابن عم إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك، وأشدّ احتمالاً واستطلاعاً(١) فسلِّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنّك تعيش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك وسابقتك، ونسبك وصهرك، فقال عليّ (كرّم الله وجهه): الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرب عن داره، وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه(٢) .

فو الله يا معشر المهاجرين: لنحن أحق الناس به لأنّا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم. وساق الكلام إلى أن قال: وخرج عليّ (كرّم الله وجهه) يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار، تسألهم النصرة فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به.

فيقول عليّ (كرّم الله وجهه): أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته، لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه، فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي به، وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.

ثم قال ابن قتيبة: كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) قال: وإنّ أبا بكر (رضي الله عنه)، تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي (كرّم الله وجهه)، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليعليه‌السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب.

____________________

(١) واضطلاعاً به خ المصدر.

(٢) ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه. خ المصدر.

٩١

وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على مَن فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إنَّ فيها فاطمة، فقال: وإنْ، فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً فإنّه زعم أنّه قال: حلفت أن لا أخرج، ولا أضع ثوبي على عاتقي، حتّى أجمع القرآن، فوقفت فاطمةعليها‌السلام على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً، فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولىً له: اذهب فادع لي عليّاً، قال: فذهب إلى علي، فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!!

فقال عليعليه‌السلام : لسريع ما كذبتم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرجع، فأبلغ الرسالة قال: فبكى أبو بكر طويلاً!!! فقال عمر الثانية: أن لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر (رضي الله عنه) لقنفذ: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين(١) يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ، فأدّى ما أُمر به، فرفع عليٌّ صوته فقال: سبحان الله، لقد ادّعى ما ليس له، فرجع قنفذ فأدّى الرسالة(٢)، فبكى أبو بكر طويلاً!!! ثم قام عمر فمشى مع جماعة حتّى أتوا باب فاطمة، فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبتِ يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من أبن الخطاب وابن أبي قحافة.

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تتصدّع وأكبادهم تتفطّر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فَمَهْ، قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، قال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر، أمّا عبد الله فنعم!! وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال عمر:

____________________

(١) خليفة رسول الله خ المصدر.

(٢) فأبلغ الرسالة. خ المصدر.

٩٢

ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليعليه‌السلام بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي: ( يا ابن أُم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمةعليها‌السلام فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاًعليه‌السلام فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السلام، فتكلّم أبو بكر فقال:

يا حبيبة رسول الله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إليّ من قرابتي، وإنّك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أنّي متّ ولا أبقى بعده!! أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقّك وميراثك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّي سمعت أباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا نورث!!! ما تركناه فهو صدقة.

فقالت: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعرفانه وتفعلان به. قالا: نعم، قالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمَن أحبّ فاطمة ابنتي أحبّني، ومَن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا: نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت: فإنّي أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أُصلّيها، ثم خرج باكياً!!

فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي، قالوا يا خليفة رسول الله إنّ هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا

٩٣

بذلك!!! إنّه إن كان هذا لم يقم لله دين، فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بتّ ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة، قال: فلمّا يبايع علي (كرّم الله وجهه) حتى ماتت فاطمة (رضي اله عنها)، ولم تمكث بعد أبيها إلاّ خمساً وسبعين ليلة. انتهى موضع الحاجة من كلام ابن قتيبة(١) .

وقال أبو عمرو أحمد بن محمد القرطبي المرواني المالكي المشهور بابن عبد ربه الأندلسي، المتوفّى سنة ثمانية وعشرين بعد ثلاثمائة، وهو من أكابر علماء السنّة، في المجلّد الثاني من كتاب العقد الفريد - وهو من الكتب الممتعة - ما هذا لفظه: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، فأمّا علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمةعليها‌السلام حتى بعث إليهم أبو بكر عمر ابن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمةعليها‌السلام ، فقال له: إنْ أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمةعليها‌السلام فقالت: يا ابن الخطاب: أجئت لتحرق دارنا؟ قال نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة، فخرج عليعليه‌السلام حتى دخل على أبي بكر فبايعه. انتهى(٢).

وذكر المسعودي في مروج الذّهب في أخبار عبد الله بن الزبير: أنّه عمد إلى مَن بمكّة من بني هاشم، فحصرهم في الشِّعب وجمع لهم حطباً عظيماً، لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد، وفي القوم محمد ابن الحنفية، ثم ذكر مجيء أبي عبد الله الجدلي في أربعة آلاف من الكوفة من قبل المختار، واستخراجهم بني هاشم من الشّعب.

قال المسعودي: وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إيّاهم في الشِّعب، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول: إنّما

____________________

(١) الإمامة والسياسة: ص١٢ - ١٣ - ١٤ - ط - ١٣٨٨.

(٢) العقد الفريد: ج٣ ص٦٤ ط - مصر.

٩٤

أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما أرهب بني هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم؛ إذ هم أبوا البيعة فيما سلف، وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان. انتهى(١) .

قال سيّدنا المرتضى علم الهدى (قُدِّس سرِّه) في الشّافي في رد كلام قاضي القضاة في خبر الإحراق ما هذا لفظه عليه الرحمة: خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة ممّن لا يتهم على القوم، وإنّ دفع الروايات من غير حجّة لا يجدي شيئاً(٢) .

فروى البلاذري وحاله في الثقة عند العامّة عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروفة عن المدائني، عن سلمة بن محارب، عن سلمان الليثي(٣) ، عن ابن عون: أنّ أبا بكر أرسل إلى عليعليه‌السلام ، يريده الجبر على البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قَبَس، فلقيته فاطمة على الباب فقالت: يا ابن الخطّاب، أتراك محرقاً عليَّ داري؟ قال: نعم. وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء عليّ فبايع(٤) .

وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة، وإنّما الطّريف أن يرويه شيوخ محدّثي العامّة.

وروى إبراهيم بن سعيد الثقفي بإسناده، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: والله ما بايع عليعليه‌السلام حتّى رأى الدخان قد دخل بيته(٥) .

____________________

(١) مروج الذهب: ج٢ ص١٠٠ ط - مصر. وقد قال المسعودي في إثبات الوصية ص / ١٢٣: وهو يتحدّث عن ذلك الحدث: فهجموا عليه واحرقوا بابه.

(٢) الشافي: ص٢٤٠ ط القديم ط الجديد: ج٤ ص١١٢.

(٣) عن سليمان التّيمي - في البحار.

(٤) البحار: ج٢٨ ص٤١١.

(٥) المصدر السابق.

٩٥

وقال السيد ابن طاووس في كشف المحجّة في ذكر أبي بكر وتخلّفه عن جيش أُسامة: وغصبه الخلافة يوم السّقيفة، وأقول: وما كفاه ذلك حتّى بعث عمر إلى باب أبيك علي وأمّك فاطمةعليها‌السلام ، وعندهما العباس وجماعة من بني هاشم وهم مشغولون بموت جدّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمآتم والمصائب العظام فأمر أن يحرقوا بالنار إن لم يخرجوا للبيعة على ما ذكره صاحب كتاب العقد الفريد في الجزء الرابع منه، وجماعة ممّن لا يتّهم في روايتهم، وهو شيء لم يبلغ إليه أحد فيما أعلم قبله ولا بعده، من الأنبياء والأوصياء ولا الملوك المعروفين بالقوّة، والجفاء ولا ملوك الكفّار، أنّهم بعثوا مَن يحرقوا الذين تأخّروا عن بيعتهم بحريق النار، مضافاً إلى تهديد القتل والضرب.

أقول: ولا بلغنا أنّ أحداً من الملوك كان لهم نبي أو ملك كان لهم سلطان قد أغناهم بعد الفقر، وخلّصهم من الذل والضرّ، ودلّهم على سعادة الدنيا والآخرة، وفتح عليهم بنبوّته بلاد الجبابرة، ثم مات وخلّف فيهم بنتاً واحدة من ظهرة، وقال لهم: إنّها سيّدة نساء العالمين، وطفلين معها منها لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك، فتكون مجازاة ذلك النبيّ أو الملك من رعيته، أنّهم ينفذون ناراً ليحرقوا ولديه ونفس ابنته وهما في مقام روحه ومهجته. انتهى(١) .

روى صاحب الاحتجاج عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة ابن الصّامت في ولاية أبي بكر، فقلت يا أبا عمارة(٢) ، كان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فأسكتوا ولا تبحثوا(٣) ، فو الله لَعليّ بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق بالنبوّة من أبي جهل، قال: وأزيدك، إنّا كنّا ذات يوم

____________________

(١) كشف المحجّة: ص٦٧.

(٢) يا عبادة. خ الاحتجاج.

(٣) ولا تبحثونا - خ م.

٩٦

عند رسول الله، فجاء علي وأبو بكر وعمر إلى باب رسول الله، فدخل أبو بكر، ثم دخل عمر، ثم دخل عليعليه‌السلام على أثرهما فكأنّما سفي(١) على وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرّماد، ثم قال: يا علي أيتقدّمانك هذان وقد أمّرك الله عليهما، قال أبو بكر: نسيت يا رسول الله، وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد استلبتما ملكه وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار بعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف على الدنيا.

ولكأنّي بأهل بيتي، وهم المقهورون المتشتّتون في أقطارها وذلك لأمر قد قُضي، ثم بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى سالت دموعه، ثم قال: يا علي، الصبر الصبر حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر، فالسيف السيف، فالقتل القتل، حتّى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحق، ومَن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيتك من بعدك إلى يوم القيامة(٢).

____________________

(١) سفت الريح التراب: إذا ذرته.

(٢) الاحتجاج: ج١ ص٢٩١.

٩٧

فصل

في كلامٍ قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام لابن عبّاس (رضي الله عنه)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس، فقال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: والله لقد تقمّصها أخو تيم، الخطبة ونحن نوردها بما في نهج البلاغة:

قال عليعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها فلان، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى، ينحدر عنّي السّيل ولا يرقى إليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيدٍ جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه.

فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده(١) ، ثم تمثّل بقول الأعشى:

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابرِ

____________________

(١) هكذا في النسختين من الكتاب لكن في نهج البلاغة المطبوع: إلى ابن الخطاب بعده.

٩٨

فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء، يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلوُّنٍ واعتراض، فصبرت على طول المدّة، وشدّة المحنة.

حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعةٍ زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم، حتّى صرت أُقرن إلى هذه النظائر، لكنّي أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا، فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هَنٍ وهَن.

إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.

فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضّبع إليّ، ينثالون عليّ من كلِّ جانب حتّى لقد وطئ الحسنان، وشقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه حيث يقول:( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.

أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

____________________

(١) القصص: ٨٣.

٩٩

قالوا: وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا فرغ من قراءته، قال له ابن عباس (رحمه الله): يا أمير المؤمنين لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت، قال: هيهات يا ابن عباس، تلك شقشقة هدرت ثم قرّت، قال ابن عباس: فو الله ما أسفت على كلامٍ قطّ كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام بلغ منه حيث أراد(١) .

قال ابن أبي الحديد: وأمّا قول ابن عباس: ما أسفت على كلام الخ، فحدّثني شيخي أبو الخير مصدّق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب هذه الخطبة، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا، لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمّك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسّف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد، والله ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين(٢) .

وفي البحار، عن كشف اليقين، عن ابن عباس، قال: كنت أتتبّع غضب أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا ذكر شيئاً، أو هاجه خبرٌ، فلمّا كان ذات يوم، كتب إليه بعض شيعته من الشام يذكر في كتابه أنّ معاوية، وعمرو بن العاص، وعتبة ابن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، ومروان، اجتمعوا عند معاوية فذكروا أمير المؤمنينعليه‌السلام فعابوه، وألقوا في أفواه الناس أنّه ينتقص أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويذكر كل واحد منهم بما هو أهله، وذلك لَمّا أمرعليه‌السلام أصحابه بالانتظار له بالنخيلة فدخلوا وتركوه، فغلظ ذلك عليه.

وجاء هذا الخبر فأتيت بابه في الليل، فقلت: يا قنبر، أيّ شيء خبر

____________________

(١) نهج البلاغة: ص٣٧ - ٤٤ ج١. نهج البلاغة صبحي الصالح: ص٤٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد: ج ص٢٠٥.

١٠٠