فرائد السمطين الجزء ٢

فرائد السمطين21%

فرائد السمطين مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 369

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 369 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98062 / تحميل: 9605
الحجم الحجم الحجم
فرائد السمطين

فرائد السمطين الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الباب السابع والعشرون(١)

[في فضل سيرة الحسن، ووصف خُلقه الحَسَن (صلوات الله عليه) و [على] جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه (عليهم السلام)].

٤٢٢ - نقل الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصفهاني (رحمه الله)، في كتاب حلية الأولياء من تصنيفه، وقد أخبرني به الشيخ الإمام صدر الدين روزبهان بن أحمد بن الشيخ الولي السعيد روزبهان (رحمهم الله) كتابة [إليّ] من شيراز - في رجب سنة سبع وستّين وستّمئة - قال: أخبرني الشيخ الثقة الصدوق أبو سعد ابن أحمد بن سهل السرآبادي بجميع كتاب: حلية الأولياء بروايته عن القاضي مختص الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أبي الفرج المعدل سبط نعمان بن عبد السلام (رحمه الله)، عن الشيخ المقرئ أبي علي الحسن بن أحمد الحدّاد، عن الحافظ أبي نعيم المصنّف (رحمه الله)(٢) قال:

نقل عن الحسن (رضي الله عنه) أنّه قال:(إنّي لأستحيي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته) فمشي عشرين مرّة من المدينة على رجليه.

____________________

(١) هذا العنوان كان في صدر الحديث التالي، والظاهر أنّ محلّه هاهنا لشدّة الاتّصال بين هذا الحديث وما بعده، وكان هاهنا هكذا: (فصل: في فضل سيرة الحسن...).

وحيث قدّمنا العنوان: (الباب السابع والعشرون) حذفنا لفظة: (فصل) لعدم الحاجة إليها.

(٢) ورواه أيضاً في ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، من حلية الأولياء: ج١، ص...

ورواه عنه ابن عساكر في الحديث: (٢٢٤) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج.. ص...

ورواه أيضاً في آخر الفصل السادس من المستطرف ص١٢، وفيه: فمشى من المدينة إلى مكّة أربعين مرّة.

وذكر فيه قبله حديث آخر في دعاء الإمام الحسن (عليه السلام) وطوافه فراجع.

١٢١

ونُقل أنّه خرج من ماله مرّتين، وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرّات، حتى كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً.

ونُقل أنّه تزوّج بامرأة فأرسل إلهيا بمئة جارية مع كلّ جاريةٍ ألف درهم، ومتّع امرأتين بعشرين ألف درهم وزقاق من عسل، فقالت إحداهما: متاع قليل من حبيبٍ مفارق(١) .

وقال بعضهم: دخلت عليه لمّا سُقي السمّ وهو يجود بنفسه، والحسين (رضي الله عنهما) عند رأسه، فقال:يا أخي مَن تتّهم؟ قال:لِمَ؟ لتقتله؟ قال:نعم . قال:إن يكن الذي أظنّ فالله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، وأ [ن] لا يكن فما أُحبّ أن يقتل فيّ بريء . ثمّ قضى (رضوان الله عليه).

فضيلة(٢)

[في أنّ الإمام الحسن حجَّ خمس عشرة حجّة ماشياً ونجائبه تُقاد معه، وأنّه خرج لله من ماله مرّتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات].

٤٢٣ - أخبرني الشيخ الإمام مجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر البغدادي (رحمه الله) إجازةً، قال: أخبرني الحافظ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان بن عليّ الجوزي (رحمه الله) إجازةً، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا [الحسن بن عليّ أبو] محمد الجوهري، قال: حدثنا ابن حيويه، قال: حدّثنا ابن معروف، قال: أخبرنا [الحسين] بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد(٣) قال: أنبأنا عليّ بن محمد، عن خلاّد بن عبيدة، عن عليّ بن زيد [بن

____________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي، ومثلها في الحديث: (١٠٨) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من الطبقات الكبرى: ج٨ ص...، وفي نسخة طهران: (من خليل مفارق).

(٢) وكان في أصلي قبل هذه اللفظة: (الباب السابع والعشرون) وقدّمناه إلى صدر الحديث السالف كي لا يتخلَّل بين هذا الحديث وما سبقه أجنبيّ؛ لما بين الحديث وما سلفه من شدة الاتّصال والإتحاد.

(٣) رواه في الحديث: (١٠٦) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من الطبقات الكبرى: ج٨

=

١٢٢

عبد الله بن جدعان] قال:

حجّ الحسن بن عليّ خمس عشرة حجّة ماشياً وإنّ النجائب لتقاد معه. وخرج من ماله لله مرّتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات، حتى أن كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً [ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً].

[في جواب الإمام الحسن (عليه السلام) لمَن لامه على مسالمته مع معاوية، وأنّ الذي فعلهُ كان خيراً ممّا طلعت عليه الشمس]:

٤٢٤ - أنبأني السيّد جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي الحلّي، عن والده فخار بن معد الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمد الدورستي، قال: أنبأنا أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (رحمه الله)(١) قال: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العمري العلوي السمرقندي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، قال: حدثنا جبرئيل بن أحمد

____________________

=

وما وضعناه بين المعقوفات في التوالي مأخوذ منه.

ورواه بسنده عنه وعن غيره ابن عساكر في الحديث: (٢٢٨) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج١٢، ص٤٠، وفي ط١: ج.. ص..

ورواه أيضاً البلاذري في الحديث السادس من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من أنساب الأشراف: ج١ / الورق ٢١٩ / أ / وفي ط١: ج٣ ص٩ عن المدائني، عن خلاد بن عبيدة...

ورواه أيضاً الحاكم في الحديث: (٥) من باب مناقب الإمام الحسن (عليه السلام) من المستدرك: ج٣ ص١٦٩، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا يعلى بن عبيد الله بن الوليد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: لقد حجّ الحسن بن عليّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً وإنّ النجائب لتقاد معه.

ورواه عنه وعن غيره في ملحقات إحقاق الحقّ: ج١١، ص١٢٣.

(١) رواه في الباب: (٢٩) من كتاب إكمال الدين ص٣٠٨ ط٢.

١٢٣

عن موسى بن جعفر البغدادي(١) قال: حدثني الحسن بن محمد الصيرفي(٢) عن حنّان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه:

عن أبي سعيد عقيص، قال: لمّا صالح الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته!! فقال (عليه السلام):ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت.

ألا تعلمون أنّي إمامكم ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّ؟ قالوا: بلى. قال:

أما علمتم أن الخضر (عليه السلام) لمّا خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام) إذ خفيَ عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواب.

أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله عزّ وجلّ يخفي ولاده ويغيب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج [و] ذلك التاسع من ولد أخي الحسين [و] ابن سيّدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته ثمّ يظهر [ه] بقدرته في صورة شابّ دون أربعين سنة وذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير .

____________________

(١) كذا في مخطوطة طهران وإكمال الدين، وفي نسخة السيد علي نقي: (جبرئيل بن أحمد بن موسى بن جعفر...).

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي والطبعة الثالثة من إكمال الدين، وفي مخطوطة طهران من فرائد السميطن: (الحسين بن محمد الصيرفي).

١٢٤

الباب الثامن والعشرون

[فيما روي عن المقدام بن معديكرب من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: حسن منّي وحسين من عليّ].

٤٢٥ - أنبأنا الشيخ عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر البغدادي، أخبرنا الشيخ جمال الدين ابن الدبيثي الوساطي إجازة، أنبأنا البرهان ابن أبي المكارم المطرّزي إجازة، قال: أنبأنا أبو المؤيّد الموفّق بنن أحم الخطيب إجازة، أخبرني الشيخ الإمام أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إليَّ من همدان، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو تميم كامل بن إبراهيم بن أحمد الخندقي، قال: حدثنا أبو نصر عبد الله بن أحمد بن عبدان الشيرازي، قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن عبدان الحافظ، قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، قال: حدثنا محمد بن موسى المصفى(١) قال: حدّثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان(٢) :

عن المقدام بن معديكرب: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: حسن منّي وحسين من عليّ (عليهم السلام).

____________________

(١) لعلَّ هذا هو الصواب، وفي نسخة السيد عليه نقي: (محمد بن موسى الصفي)، وفي نسخة طهران وترجمة رجل من أهل قنسرين من تاريخ دمشق: ج٦٤ ص١٨٩: (محمد بن موسى المصطفى) غير أنّ لفظة: (موسى) غير موجودة في نسختي من تاريخ دمشق.

(٢) هذا هو الصواب الموافق لما رويناه بأسانيد عن مصادر وعلّقناه على الحديث: (١٤٨٣) من ترجمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج٣ ص٣٣٦ ط١.

وفي أصليّ كليهما: (عن يحيى بن سعيد، عن خلف بن معدان، عن المقدام...).

ومثلهما في الحديث: (١٦٥) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج.. ص.. ولكن في تاليه: (بحير بن سعد).

وانظر مسند المقدام بن معديكرب من مسند أحمد: ج٤ ص١٢٢ ط١.

وانظر أيضاً فضائل الخمسة: ج٣ ص٢٤٠.

١٢٥

[حديث أبي هريرة: لا أزال أحبّ الحسن بن علي بعدما رأيت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يصنع به ما يصنع، رأيت الحسن في حجره وهو يدخل أصابعه في لحية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويدخل النبي لسانه في فمه ويقول:اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ مَن يحبّه ].

٤٢٦ - أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن محمد بن شيدة بقراءتي عليه، قال: أنبأنا غانم بن محمد بن عبد الواحد، قال: أنبأنا والدي، قال: أنبأنا أحمد بن محمد ابن موسى المجبر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا الحسن بن عليّ بن عفّان(١) قال: حدثنا [يحيى بن] عبد الحميد الحماني عن سفيان، عن نعيم، عن محمد بن سيرين(٢) :

عن أبي هريرة قال: لا أزال أحبّ هذا الرجل - يعني الحسن(٣) بن عليّ (عليه السلام) - بعدما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يصنع به ما يصنع، رأيت [رسول الله و] الحسن في حجره وهو يدخل أصابعه في لحية النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فبارك النبيّ ويدخل النبيّ لسانه(٤) في فمه [أ] و لسان الحسن في فيه(٥) ثم قال:اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ مَن يحبّه (٦) .

____________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي والحديث: (٨٤) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق، وفي نسخة طهران: (الحسن بن عليّ بن عقان).

(٢) هذا هو الظاهر الموافق لما في ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ دمشق، وفي الأصل: (عن نعيم بن محمد بن سيرين...).

(٣) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (الحسين).

(٤) كذا كتبته بيدي من الأصل ولا أرى الآن له معنى منسجماً، ولا يحضرني الآن الأصل كي أراجعه.

ورواه الحاكم في المستدرك: ج٣ ص١٦٩، وفيه: (وهو يدخل أصابعه في لحية النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، والنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يدخل لسانه في فمه ثم قال: اللَّهمَّ...).

(٥) هذا هو الظاهر الموافق لما نذكر في التعليق التالي، وفي الأصل: (ولسان الحسن في فيه).

(٦) والحديث رواه أيضاً ابن عساكر تحت الرقم: (٨٣) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ

=

١٢٦

[في استيجاب عليّ الجنّة بإيجاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له في يوم أُحد لمّا أبطأ عليه خبر عمّه حمزة فقال: مَن يأتيني بخبر عمّي حمزة فله الجنّة. فخرج الحارث بن الصمة فوجد حمزة مقتولاً وقد شقَّ بطنه واستخرج كبده فوقف عليه يبكي فأبطأ على النبيّ خبره، فقال: مَن يأتيني بخبر الحارث فله الجنّة. فخرج عليّ (عليه السلام) فوجد الحارث واقفاً يبكي على الحمزة فجاء حتى وقف معه يبكي ثم رجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبراه الخبر].

٤٢٧ - أخبرني الشريف أبو محمد حمزة بن العباس العلوي بقراءتي عليه، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن صنجر(١) كتابة، قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن عليّ بن الحسين(٢) بن عمرو إملاء، قال: أنبأنا أحمد بن موسى بن إسحاق الأنصاري وما سمعناه إلاّ منه، قال: حدّثتني جدّتي أسماء بنت الحارث بن سعد بن الصلت بن الحارث بن الصمّة، قالت: حدثني أبي عن جدي، عن أبيه، قال:

____________________

= دمشق: ج.. ص... قال:

أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء، أنبأنا منصور بن الحسين بن عليّ، وأحمد بن محمود، قالا: أنبأنا أبو بكر ابن المقرئ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن الحسن الدستوائي البزاز التستري الحافظ بتستر، أنبأنا الحسن بن علي بن عفّان، أنبأنا عبد الحميد بن عبد الرحمان، أنبأنا سفيان الثوري.

وأخبرنا أبو طالب عليّ بن عبد الرحمان بن أبي عقيل، أنبأنا أبو الحسن عليّ بن عفان العامري، أنبأنا عبد الحميد بن عبد الرحمان أبو يحيى الحماني، عن سفيان، عن نعيم:

عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: لا أزال أحبّ هذا الرجل - يعني الحسن بن عليّ - بعدما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يصنع به ما صنع قال: رأيت الحسن بن علي في حجر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وهو يدخل أصابعه في لحية النبي (صلّى الله عليه وسلّم) والنبي (صلّى الله عليه وسلّم) يدخل لسانه في فمه - أو لسان الحسن في فمه - ثم قال:اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبَّه وأحبّ مَن يحبَّه .

(١) كذا في مخطوطة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (محمد بن صحر؟).

(٢) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (الحسن بن عمرو).

١٢٧

لمّا كان يوم أُحُد أبطأ على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) خبر عمّه حمزة رضي الله عنه، فقال:مَن يأتيني بخبر عمّي حمزة وجبت له الجنّة . فخرج الحارث بن الصمّة وأنشأ يقول:

إنّ نبيّي أشهده = في مضجع لن يرقده

فقد لحمزة أسده = أرسلني إذ فقده

يا ليتني أن أجده = حيّاً لكيما أعضده

قال: فوجد حمزة قتل وشقّ بطنه واستخرج كبده فوقف عليه يبكي، وأبطأ على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) خبره وجعل لا يأخذه النوم، فقال:مَن يأتني بخبر الحارث بن الصمّة وجبت له الجنة . فخرج عليّ بن أبي طالب وجعل يقول:

يا ربّ إنّ الحارث بن صمّة = كان وفياً وبنا ذو ذمّة

قد غاب في مهامة مهمّة = في ليلة سوداء مدلهمّة

يا ربّ فاردد حارثاً بذمّة(١) = وجلّ عنّا يا إلهي الغمّة

قال: فجاء فوجد الحارث واقفاً على حمزة وهو مقتول، فوقفا يبكيان، ورجعا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فأخبراه الخبر.

____________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران: (فاردد جارنا).

١٢٨

الباب التاسع والعشرون

[في تقريض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سبطيه وقوله في عظمة شأنهم: حسين منّي وأنا منه، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً. الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة].

٤٢٨ - أنبأني الشيخ فخر الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي بروايته عن أبي بكر محمد بن حامد بن محمد بن أبي نصر المقرئ الضرير إجازة، ومحي الدين عمر بن محمد بن عبد الله ابن أبي عصرون، بروايته عن ستّ الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن علي بن الطراح إجازة، قال: أخبرنا زاهر بن طاهر بن محمد بن أحمد بن يوسف بن عبد الرحمان الصابوني، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الخيري وأبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد البحيري، قالوا: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع سماعاً عليه رحمه الله، قال: أخبرني خلف بن محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثنا أبو عمران موسى بن أفلح البخاري، قال: حدثنا سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم، حدثني جعفر بن الأزهر بن قريظ بن(١) معد بن رفاعة - ومعد هو أبو رمثة صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وسلم)(٢) - قال: سمعت أبا الأزهر أبي لاهز بن قريط [قال:] أخبرني قريط، عن أبيه أبي رمثة، [قال]:

إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال:حسين منّي وأنا منه، و [هو] سبط من الأسباط، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة .

____________________

(١) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (عن معد بن رفاعة).

(٢) قال في ترجمته من كتاب الاستيعاب بهامش الإصابة: ج٤ ص٧٠:

واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً... [و] عداده في الكوفيين، روى عنه أياد بن لقيط.

وقريباً منه ذكره ابن حجر في ترجمة الرجل من الإصابة: ج٤ ص٧٠، ولم يذكر ابن عبد البرِّ، ولا ابن حجر في تعداد أسماء الرجل: (معدي) أو (معد).

وقال في كنز العمّال: ج٦ ص٢٢١، وأخرج ابن عساكر عن أبي رمثة [عن] النبيّ صلّى الله عليه:حسين منّي وأنا منه، هو سبط من الأسباط، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة .

ورواه عنه في فضائل الخمسة: ج٣ ص٢٦٣ ط بيروت.

أقول: إنّ الحديث لم أجده في ترجمة السبطين الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) من تاريخ دمشق.

١٢٩

الباب الثلاثون

فضيلة

[وخصيصة] فضفاضة المحاسد، ومنقبة عذبة الموارد.

[في كشف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عظمة ابنه الحسين وفخامة أمره وأنّه كبضعة منه بقوله: حسين منّي وأنا من حسين أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط].

٤٢٩ - أخبرني الإمام علاء الدين عبد اللطيف بن عبد الرشيد بن محمد بن عبد الرشيد الإصبهاني كتابة إليَّ منه، قال: أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني سماعاً في سنة سبع وتسعين وخمسمائة.

وأخبرني العدل عماد الدين عبد الغني بن عبد الرحمان بن مكّي البغدادي إجازة بروايتهم عن الإمام موفّق الدين أبي الفتوح داوود بن معمر القرشي، حدثنا أحمد(١)

____________________

(١) رواه أحمد في الحديث: (١٤) من باب فضائل الحسن والحسين (عليهما السلام) من كتاب الفضائل، الورق ١٤٦ / ب /.

ورواه أيضاً في مسند يعلى بن مرة العامري من كتاب المسند: ج٤ ص١٧٢، ط١.

ورواه أيضاً ابن عساكر بسنده عن أحمد، وغيره في الحديث: (١١٢) من ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من تاريخ دمشق ص٨٠ ط١.

ورواه أيضاً الطبراني في الحديث: (٦٢) من المعجم الكبير من ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) ج٣ ص...

ورواه أيضاً ابن ماجة في الحديث: (١٤٤) من سننه: ج١، ص١٠، عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم...

ورواه أيضاً الترمذي في باب مناقب الإمام الحسن والحسين من صحيحه: ج٢ ص٣٠٧.

كما رواه أيضاً ابن الأثير في أسد الغابة: ج٢ و٥ ص١٩، و١٣٠.

١٣٠

قال: حدثنا عفذان، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم(١) عن سعيد بن أبي راشد:

عن يعلى [بن مرة] العامري أنّه خرج مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى طعام دُعُوا له، قال: فاستمثل(٢) رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يأخذه فطفق الصبيّ يفرّ هاهنا مرة وهاهنا مرة، فجعل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يضاحكه حتى أخذه، قال:

فوضع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ووضع فاه على فيه فقبّله وقال:حسين منّي وأنا من حسي، أحب الله مَن أحبّ حسيناً (٣) حسين سبط من الأسباط.

قوله: سبط من الأسباط: أي أُمّة من الأُمم في الخير، يوضحه قوله تعالى:( أَسْبَاطاً أُمَماً ) [١٦ / الأعراف: ٧] ترجم عن الأسباط بالأُمم.

____________________

(١) كذا في الأصل، ومثله تقدم تحت الرقم: (٤٠٠) في الباب: (١٧) ص٧٩. وفي كتاب الفضائل وسنن ابن ماجة والمستدرك والطبقات الكبرى ذكره بتقديم المثلثة على المثناة.

(٢) ومثله في مسند أحمد، ولكن قال: قال عفان: قال وهيب: (فاستقبل).

وفي الحديث: (١٤) من كتاب الفضائل: (فاشتمل رسول الله).

(٣) كذا في الأصل ومثله في مستدرك الحاكم، وفي كتاب الفضائل:(اللّهمَّ أحبّ مَن أحبَّ حسيناً...) .

١٣١

الباب الحادي والثلاثون(١)

[في عصمة الأئمّة من آل محمد صلّى الله عليهم أجمعين، وخطبة رسول الله في نعت الله تعالى وأجوبته (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أسئلة نعثل اليهودي عن وحدانية الله تعالى وأوصياء رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين].

٤٣٠ - ٤٣١ - أنبأني الإمام بدر الدين محمد بن أبي الكرم(٢) عبد الرزاق بن أبي بكر بن حيدر، أخبرني القاضي فخر الدين محمد بن خالد الحنيفي الأبهري كتابة، قال: أنبأنا السيد الإمام ضياء الدين فضل الله بن عليّ أبو الرضا الراوندي إجازة، أخبرنا السيد أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد بن معد الحسني، أنبأنا الشيخ أبو جعفر الطوسي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله، وأبو الحسين جعفر بن الحسين ابن حسكة القمّي، وأبو زكريا محمد بن سليمان الحرّاني، قالوا كلّهم: أنبأنا الشيخ أبو عفر محمد بن عليّ بن بابويه القمّي(٣) قال: أخبرنا علي بن [محمد بن] عبد الله الوراق الرازي، قال: أخبرنا سعد بن

____________________

(١) ومن المؤسف جداً ضياع مبيضّتي المحقّقة من هاهنا إلى الحديث: (٤٤٢) الآتي في الباب: (٣٣) في ص١٤٥٥، ولم أتمكّن ثانياً أن أعلِّق على هذه الأحاديث الضائعة لوهن القوّة وعدم المساعد والمعاون في هذا المجال وإلى الله المشتكى.

(٢) كذا في نسخة طهران، ومثلها تقدّم في الحديث: (٣٢٨) في الباب: (٧٠) من السمط الأول في: ج١، ص٣٩١ ط١.

وهكذا تقدّم مثل ما في نسخة طهران تحت الرقم: (٣٦٩) في الباب: (٦) من هذا السمط في هذا المجلد، ص٢٤ من خط يدي وفي طبعتنا هذه ص٣١.

وتقدّم أيضاً في الباب: (١٢) تحت الرقم: (٣٨٤) ص٤٩، غير أنّ في الموارد المذكورة لم يوجد لفظت: (أبي الكرم).

وهاهنا في نسخة السيد علي نقي: (صدر الدين محمد بن أبي الكرام).

(٣) رواه في أواخر الباب: (٢٤) من كتاب إكمال الدين: ج١، ص١٦٣، ط١، وما بين المعقوفين مأخوذ منه. والحديث بعينة يجيء أيضاً تحت الرقم: (٥٦٤) في أحاديث المهديّ (عليه السلام).

١٣٢

عبد الله، قال: أنبأنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي عن الحسين بن علوان، عمرو بن خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة:

عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول:أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون (١) .

وقال أبو جعفر [محمد بن] عليّ بن بابويه(٢) : أخبرني أبو المفضّل محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب الشيباني عن أحمد بن مطرف بن سوار بن الحسين القاضي الحسني بمكّة، أنبأنا أبو حاتم المهلّبي المغيرة بن محمد(٣) قال: أنبأنا عبد الغفّار ابن كثر الكوفي، عن هيثم بن حميد، عن أبي هاشم، عن مجاهد:

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قدم يهودي على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقال له: نعثل، فقال له: يا محمد إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يدك. قال:سل يا أبا عمارة . قال: يا محمد صف لي ربّك. فقال (عليه السلام):إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي يعجز الأوصاف أن يدركه، والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه، والأبصار الإحاطة به، جلّ عمّا يصفه الواصفون.

نأى في قربه، وقرب في نأيه. كيّف الكيف فلا يقال له كيف، وأيّن الأين فلا يقال له أين، هو منقطع الكيفوفيّة والأينونيّة.

فهو الواحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

قال: صدقت يا محمد فأخبرني عن قولك:(إنّه واحد لا شبيه له) أليس الله تعالى واحداً والإنسان واحد؟ فوحدانيّته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟!.

____________________

(١) والحديث بعينه يجيء أيضاً تحت الرقم: (٥٦٤) في ص٣١١.

(٢) رواه في كتاب النصوص كما روى عنه قطعة منه في الحديث: (٤٠) من الباب: (١٣) وهو باب نفي الجسم والصورة من بحار الأنوار: ج٣ ص٣٠٣ ط٢، وفي ط١: ج١، ص٩٤.

ورواه أيضاً في الحديث: (١٠٦) من الباب: (٤١) من بحار الأنوار: ج٩ ص١٣٩، ط١، وفي ط٢: ج٣٦ ص٢٨٣.

ورواه أيضاً الخزاز: عليّ بن محمد رحمه الله في الباب الأول من كفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج ص٢٨٩.

ورواه أيضاً عن كتاب النصوص في الحديث: (٣٦) من الباب: (١١) من كتاب غاية المرام ص٣٩.

(٣) وانظر ترجمته تحت الرقم: (٧١٧٣) من تاريخ بغداد: ج١٣، ص١٩٥.

١٣٣

فقال (عليه السلام):الله تعالى واحد أحديّ المعنى والإنسان واحد ثنائي المعنى: جسم وعرض وبدن وروح وإنّما التشبيه في المعاني لا غير.

قال: صدقت يا محمد فأخبرني عن وصيّك مَن هو؟ فما من نبيّ إلاّ وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.

فقال:نعم إنّ وصيّي والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وبعده سبطاي: الحسن ثم الحسين يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار.

قال: يا محمد فسمّهم لي. قال:نعم إذا مضى الحسين فابنه عليّ فإذا مضى عليّ فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد ثم ابنه علي ثم ابنه الحسن ثمّ الحجّة بن الحسن، فهذه اثنا عشر أئمّة عدد نقباء بني إسرائيل.

قال: فأين مكانهم من الجنّة؟ قال:معي في درجتي. قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله، وأشهد أنّهم الأوصياء من بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدّمة، وفيما عهد إلينا موسى بن عمران أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له: أحمد خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده، فيخرج من صلبه أئمّة أبرار عدد الأسباط.

قال: فقال:يا أبا عمارة أتعرف الأسباط؟ قال: نعم يا رسول الله إنّهم كانوا اثني عشر أوّلهم لاوي بن برخيا وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة طويلة ثمّ عاد فأظهر الله [به] شريعته بعد دراستها وقاتل قرشطيا(١) الملك حتى قتله.

فقال (عليه السلام):كائن في أُمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، وأنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أُمّتي زمن لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه و [لا] من القرآن إلاّ رسمه فحينئذ يأذن الله تعالى [له] بالخروج فيظهر الإسلام ويجدّد الدين . ثم قال (عليه السلام):طوبى لمَن أحبّهم والويل لمبغضهم، وطوبى لمَن تمسّك بهم.

فانتفض نعثل وقام بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأنشأ يقول:

صلّى العليّ ذو العلى = عليك يا خير البشرْ

أنتَ النبيّ المصطفى = والهاشميّ المفتخرْ

____________________

(١) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (قريطبا).

١٣٤

بكم هدانا ربُّنا = وفيك نرجو ما أمرْ

ومعشر سمّيتهم = أئمةً اثني عشرْ

حباهمُ ربُّ العُلى = ثمّ صفاهم مِن كدرْ

قد فاز مَن والاهمُ = وخاب مَن عادى الزُهَرْ

آخرهم يشفي الظما = وهو الإمام المنتظَرْ

عترتك الأخيار لي = والتابعون ما أمرْ

مَن كان عنهم معرضاً = فسوف يُصلى بالسقرْ(٢)

____________________

(١) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (فسوف تصلاه سقر).

١٣٥

الباب الثاني والثلاثون

[في حديث اللوح الذي كتب الله فيه - أو أمر بعض كرام الكاتبين بأن يكتب فيه - أسماء أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثمّ أهداه إلى نبيّه فأهداه النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أُمّ الأوصياء فاطمة (صلوات الله عليها)].

٤٣٢ - ٤٣٥ - أنبأني المشايخ الكرام السيد الإمام جمال الدين رضي الإسلام أحمد بن طاووس الحسني، والسيّد الإمام النسّابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي، وعلاّمة زمانه نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّيّون (رحمهم الله) كتابةً عن السيّد الإمام شمس الدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمد الدوريستي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي(١) [رضي الله عنهم] قال: حدثني أبي ومحمد بن الحسن (رضي الله عنهما)، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أبي الخير(٢) صالح بن أبي حماد، والحسن بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح.

وحدثنا أبي ومحمد بن موسى بن المتوكّل، ومحمد بن عليّ ماجيلويه، وأحمد بن علي [ابن ماجيلويه وأحمد بن عليّ] بن إبراهيم، والحسن بن إبراهيم بن ناتانة(٣) وأحمد

____________________

(١) رواه في الباب: (٢٨) من كتاب إكمال الدين ص١٧٩، ط١، وص٣٠١ ط٣.

ورواه أيضاً في الحديث الثاني من الباب السادس من كتاب عيون أخبار الرضا - (عليه السلام) - ص٣٤.

ورواه أيضاً الشيخ الطوسي بسندٍ آخر في الجزء: (١١) من أماليه: ج١، ص٢٩٧.

(٢) ومثله في هامش طبع الأول من كتاب إكمال الدين، ولكن عقبه بـ (خ ل) وفي متنه: (عن أبي الحسن صالح بن أبي حماد...).

(٣) كذا في نسخة السيد علي نقي، ومتن إكمال الدين، وفي هامشه عن (خ ل) ومثله في نسخة طهران من فرائد السمطين الجزء الثاني: (والحسين بن إبراهيم ناتانة).

١٣٦

ابن زياد الهمداني (رضي الله عنهم)، قالوا: حدثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمان بن سالم، عن أبي بصير:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:(قال أبي (عليه السلام) لجابر بن عبد الله الأنصاري إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر: في أيّ الأوقات شئت، فخلا به أبي (عليه السلام) فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يديّ أُمّي فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وما أخبرتك به أنّ في ذلك اللوح مكتوباً؟ قال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أُمّك فاطمة في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أُهنّئها بولادة الحسين، فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنّه زمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله [جلّ جلاله] إلى رسوله (صلّى الله عليه وسلّم) فيه اسم أبي واسم بعلي، واسم ابنيّ وأسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك (١) قال جابر: فأعطتنيه أُمّك فاطمة فقرأته وانتسخته. فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟ قال: نعم. فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر، وأخرج إلى أبي صحيفة من رقّ فقال [له أبي]: يا جابر أنظر إلى كتابك لأقرأ عليك فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا ً(٢) فقال:قال جابر: فأشهد بالله أنّي رأيته هكذا في اللوح مكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز [الحكيم] لمحمّد نره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي، وأشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، فإنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبّارين، ومذلّ الظالمين [ومبير المتكبّرين] وديّان الدين، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا فمَن رجا غير فضلي [أ] و خاف غير عدلي؛ عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّاً فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك: حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل مَن استشهد، وأرفع

____________________

(١) كذا في الأصل، وفي إكمال الدين: (ليسرّني بذلك...).

(٢) كذا في الأصل عدا ما بين المعقوفات، وفي إكمال الدين: (فقال له: يا جابر انظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك، فنظر جابر في نسخته فقرأه عليه أبي (عليه السلام) فو الله ما خالف حرف حرفاً، قال جابر: فإنّي أشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً).

١٣٧

الشهداء درجةً، جعلت كلمتي التامّة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته أُثيب وأعاقب، أوّلهم: [عليّ] سيّد العابدين وزين أولياء الماضين وابنه شبيه (١) جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمي (٢) سيهلك المرتابون في جعفر؛ الرّاد عليه كالراد عليّ حقّ القول منّي، لأكرمنّ مثوى جعفر ولأسرّنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى، ولأتيحنّ [ظ] بعده فتنة عمياء حندس (٣) ؛لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجّتي لا تخفى، وأنّ أوليائه لا يشقون، ألا ومَن جحد واحداً منهم [فقد] جحد نعمتي، ومَن غيّر آيةً من كتابي فقد افترى عليَّ؛ وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إنّ المكذّب بالثامن مكذّب بجميع أوليائي (٤) وعليّ ولييّ وناصري، ومَن أضع على [عاتقه] أعباء النبوّة وأمنحه بالاضطلاع [بها] (٥) يقتله عفريت مستكبر، يُدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح [ذو القرنين] إلى جنب شرّ خَلْقي، حقّ القول منّي لأقرّنّ عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده؛ فهو وارث علمي ومعدن حكمي (٦) وموضع سرّي وحجّتي على خلقي، فجعلت الجنّة مأواه، وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار (٧) .

وأختم بالسعادة لابنه علي، وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، وأخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن.

ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيّوب. وسيُذلّ أوليائي في زمانه، ويتهادون رؤوسهم كما يتهادون رؤوس الترك والديلم (٨) فيُقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وَجِلِين، تُصبغ الأرض بدمائهم،

____________________

(١) كذا في الأصل، وفي إكمال الدين: (وابنه سميّ جدّه المحمودي) وفي هامشه: (وابنه شبه خ ل).

(٢) كذا في الأصل، وفي إكمال الدين: (لحكمتي).

(٣) كذا.

وفي إكمال الدين: (وانتجبت بعده فتاه؛ لأنّ حفظه فرض لا ينقطع، وحجّة لا تخفى، وأنّ أوليائي لا تنقطع أبداً...).

(٤) هذا هو الظاهر الموافق لإكمال الدين غير أنّ فيه: (بكل أوليائي).

وفي أصليّ كليهما: (إنّ المكذّب بالثلاثة...).

(٥) ومثله في متن إكمال الدين، وفي هامشه: (وامتحنه خ ل).

(٦) كذا في أصليَّ، وفي إكمال الدين (حكمتي...).

(٧) هذا هو الظاهر الموافق لإكمال الدين، وفي أصليّ: (فجعلت الجنّة... أهل بيتي...).

راجع الحديث: (٢) من الباب: (٦) من عيون الأخبار ص٣٤، والجزء: (١١) من أمالي الطوسي: ج١، ص٢٩٧.

(٨) كذا في أصليّ، وفي إكمال الدين: (وستذلّ أوليائي في زمانه، ويتهادون [وتهادى خ ل] رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم).

١٣٨

[وينشأ] الويل والرنين في نسائهم (١) أُولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلَّ فتنةٍ عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار والأغلال (٢) أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .

قال عبد الرحمان بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنْهُ إلاّ عن أهله.

[وبالسند المتقدّم قال ابن بابويه]: وحدثنا عليّ بن الحسين [شاذويه] المؤدّب، وأحمد بن هارون الفامي(٣) (رضي الله عنهما) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي، عن مالك السلولي، عن درست، عن عبد الحميد، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي السفاتج، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر (عليه السلام):

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على [مولاتي] فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وقُدّامها لوح(٤) يكاد ضوءه يغشى الأبصار فيه اثنا عشر اسماً؛ ثلاثة في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر، فقلت: أسماء مَنْ هذا؟(٥) قالت:هذه أسماء الأوصياء، أوّلهم: ابن عمّي، وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم. قال جابر: فرأيت فيها محمّداً محمّداً محمّداً في ثلاثة مواضع، وعليّاً [و] عليّاً [و] عليّاً [و] عليّاً في أربعة مواضع.

[وقال أيضاً]: وحدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار (رحمه الله)، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب(٦) ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام):

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي (صلوات الله عليهم).

____________________

(١) ما بين المعقوفين هاهنا، وما تقدّم من هذا الحديث مأخوذ من كتاب إكمال الدين، وفيه أيضاً: (تصبغ الأرض من دمائهم...).

(٢) ومثله في إكمال الدين، ولكن في نسخة منه - كما ذكرها في هامشه: (وأرفع القيود والأغلال).

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (العامي). وفي إكمال الدين ط١: (القاضي).

(٤) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فقدّامها) وفي إكمال الدين: (دخلت على مولاتي فاطمة (عليها السلام) وقدّامها).

(٥) كذا في الأصل، وفي إكمال الدين: (فقلت: أسماء مَن هؤلاء؟ قالت: هذا أسماء الأوصياء...).

(٦) كذا في إكمال الدين، والظاهر أنّه هو الصواب، وفي أصليَّ مع: (الحسن بن محمود).

١٣٩

وبالإسناد إلى أبي جعفر ابن بابويه (رضي الله عنهما)، قال(١) : أنبأنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنهما)، قال: أنبأنا الحسن بن إسماعيل، قال: أنبأنا أبو عمر سعيد بن نصر بن محمد بن نصر العطّار(٢) قال: أنبأنا عبد الله بن محمد السلمي، قال: أنبأنا محمد بن عبد الرحيم، قال: أنبأنا محمد بن سعيد بن محمد، قال: أنبأنا العباس بن أبي عمر، عن صدقة بن أبي موسى:

عن أبي نضرة قال: لما احتضر أبو جعفر محمد بن عليّ عند الوفاة دعا بابنه الصادق (عليه السلام) ليعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زيد بن عليّ: لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين (عليهما السلام) لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً! فقال له:(يا أبا الحسين، إنّ الأمانات ليس بالمثال ولا العهود بالسوم، وإنّما هي أُمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى) .

ثمّ دعا بجابر بن عبد الله، فقال له:يا جابر حدِّثنا بما عاينت من الصحيفة، فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأهنّئها بمولد الحسين (عليه السلام) فإذا بيدها صحيفة: من درّة بيضاء، فقلت: يا سيّدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت:فيها أسماء الأئمّة من ولدي. فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها؟ قالت:يا جابر لولا النهي لكنت أفعل، لكنّه قد نهى أن يمسّها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها .

قال جابر: فقرأت فإذا: أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى وأُمّه آمنة.

أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى، أُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

أبو محمد الحسن بن علي، وأبو عبد الله الحسين بن علي التقي، أُمّهما فاطمة بنت محمد.

أبو محمد علي بن الحسين العدل، أُمّه شاه بانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه.

أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر، أُمّه أُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

____________________

(١) هذا الحديث لم يروه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في سياق الأخبار المتقدّمة في الباب: (٢٨) من كتاب إكمال الدين، وإنّما رواه في الحديث الأوّل من الباب: (٦) من كتاب عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) ص٣٢.

(٢) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران: (محمد بن نصر القطان...).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369