فرائد السمطين الجزء ٢

فرائد السمطين21%

فرائد السمطين مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 369

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 369 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98085 / تحميل: 9605
الحجم الحجم الحجم
فرائد السمطين

فرائد السمطين الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ولاية علي بن مسلم على الموصل ثم انتزاعها منه وانقراض أمر بني المسيب من الموصل:

ولما قتل إبراهيم وملك تُتُش الموصل ولّى عليها علي بن أخيه مسلم بن قريش، فدخلها مع أمه صفية عند ملك شاه، واستقرت هي وأعمالها في ولايته، وسار تُتُش إلى ديار بكر فملكها، ثم إلى أذربيجان فاستولى عليها. وزحف إليه بركيارق وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تُتُش، وقام بمكانه ابنه رضوان وملك حَلب وأمره السلطان بركيارق بإطلاق كربوقا فأطلقه. واجتمعت عليه رجال، وجاء إلى حران فملكها، فكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه توران بن وهيب وأبو الهيجاء الكردي يستنصرونه على علي بن مسلم بن قريش بالموصل، فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين فملكها. ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه ورجع إلى مدينة بلد. وقتل بها محمد بن مسلم غريقاً، وعاد إلى حصار الموصل، واستنجد علي بن مسلم بالأمير جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر، فسار إليه منجداً له، وبعث كربوقا إليه عسكراً مع أخيه ألتوتناش، فرده مهزوماً إلى الجزيرة، فتمسك بطاعة كربوقا وجاء مدداً له على حصار الموصل، واشتد الحصار بعلي بن مسلم، فخرج من الموصل ولحق بصدقة بن مزيد بالحلَّة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار تسعة أشهر. وانقرض ملك بني المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده.

ما جاء من أخبارهم بتاريخ أبي الفداء الجزء الثالث:

في هذه السنة (٣٨٠) استولى أبو الذوّاد محمد بن المسيب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر أمير بني عقيل على الموصل، وقتل أبا الطاهر ابن ناصر الدولة بن حمدان، وقتل أولاده وعدة من قواده بعد قتال جرى بينهما واستقر أمر أبي الذوّاد بالموصل.

وفي سنة ٣٨٦ مات أبو ذَوّاد بن المسيب أمير الموصل وولي بعده أخوه المقلَّد بن المسيب.

وفي سنة ٣٩١ قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب بن رافع بن

٢٢١

المقلَّد بن جعفر بن عمر بن مهنا بن يُزَيدْ (بالتصغير) بن عبد الله بن زيد من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي، وكان المقلَّد المذكور أعور، وأخوه أبو الذوّاد محمد بن المسيب هو أول من استولى منهم على الموصل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة. واستمر مالكها حتى قتل في هذه السنة، قتله مماليكه التُّرك بالأنبار وكان قد عظم شأنه، ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلَّد بن المسيب. وفي هذه الصفحة في حوادث سنة ٣٩٢ جرى بين قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب انتصر فيها قرواش، ثم انتصر عسكر بهاء الدولة.

وفي حوادث سنة ٤١١ في الموصل قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد على وزيره أبي القاسم المغربي، ثم أطلقه فيما بعد وقبض أيضاً على سليمان بن فهد، وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد، ثم صعد إلى الموصل وخدم المقلَّد بن المسيب والد قرواش، ثم نظر في ضياع قرواش فظلم أهلها، ثم سخط قرواش عليه وحبسه، ثم قتله وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي:

ولـيل كـوجه البرقعيدي مظلم وبـرد أغـانيه وطـول قرونه

سـريت ونومي فيه نوم مشرد كـعقل سـليمان بن فهد ودينه

عـلى أولـق فـيه التفات كأنه أبـو جـابر في خطبه وجنونه

إلـى أن بدا نور الصباح كأنه سنى وجه قرواش وضوء جبينه

وكان من حديث هذه الأبيات أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية، وكان عنده المذكورون، وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش وسليمان بن فهد الوزير المذكور، وأبو جابر وكان حاجباً لقرواش. فأمر قرواش الزمكدم أن يهجو المذكورين ويمدحه فقال هذه الأبيات البديهية.

في حوادث سنة ٤٢٥ وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد صاحب نصيبين فقصد ولده قريش عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين واستقر قريش بها.

في حوادث سنة ٤٣٧ قتل عيسى بن موسى لهَمَذاني صاحب أربل،

٢٢٢

قتله ابنا أخ له وملكا قلعة أربل، وكان لعيسى أخ آخر اسمه سلار بن موسى قد نزل على قرواش صاحب الموصل لوحشة كانت بين سلار وأخيه عيسى. فلما بلغه قتل أخيه سار قرواش إلى أربل ومعه سلار فملكها وتسلمها سلار وعاد قرواش إلى الموصل.

في حوادث سنة ٤٤٢ استولى أبو كامل بركة بن المقلَّد، على أخيه قرواش بن المقلَّد، ولم يبق لقرواش مع أخيه المذكور تصرف في المملكة وغلب عليها أبو كامل المذكور ولقبُه زعيم الدولة.

في حوادث سنة ٤٤٣ تُوفِّي بركة بن المقلَّد بن المسيب بتكريت، واجتمع العرب وكبراء الدولة على إقامة ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلَّد وكان بدران بن المقلَّد المذكور صاحب نصيبين، ثم صارت لقريش المذكور بعده. وكان قرواش تحت الاعتقال منذ اعتقله أخوه بركة مع القيام بوظائفه ورواتبه، فلما تولّى قريش نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتقله بها.

في حوادث سنة ٤٤٤ مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة، أو منيع قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي الذي كان صاحب الموصل، وكان محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحمل فدفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وقيل: إن ابن أخيه قريش بن بدران المذكور أحضر عمه قرواشاً المذكور من الحبس إلى مجلسه وقتله فيه. وكان قرواش من ذوي العقل وله شعر حسن منه:

لـلـه در الـنـائبات فـإنه صدأ القلوب وصيقل الأحرار

مـا كنت إلاَّ زبرة فطبعنني سيفاً وأطلق صرفهن غراري

وجمع قرواش المذكور بين أختين في نكاحه، فقيل له: إن الشريعة تحرم ذلك، فقال: وأي شيء عندنا تجيزه الشريعة. وقال مرة: ما برقبتي غير خمسة أو ستة قتلتهم من البادية، وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.

في حوادث سنة ٤٥٠ سار إبراهيم نيال بعد انفصاله عن الموصل إلى هَمَذان وسار طغرلبك من بغداد في أثر أخيه أيضاً إلى هَمَذان، وتبعه من كان ببغداد من التُّرك، فقصد البساسيري بغداد ومعه قريش بن بدران

٢٢٣

العقيلي في مائتي فارس، ووصل إليها يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام ونزل بمشرعة الزوايا. وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر، وأمر فأذّن بحي على خير العمل ثم عبر عسكره إلى الزاهر، وخطب بالجمعة الأُخرى من وصوله للمصري بجامع الرصافة أيضاً، وجرى بينه وبين مخالفيه حروب في أثناء الأسبوع. وجمع البساسيري جماعته ونهب الحريم، ودخل الباب النوبي فركب الخليفة القائم لابساً للسواد، وعلى كتفه البردة وبيده سيف وعلى رأسه اللواء، وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة وسرى النهب إلى باب الفردوس من داره، فلما رأى القائم ذلك رجع إلى ورائه، ثم صعد إلى المنظرة ومع القائم رئيس الرؤساء، وقال رئيس الرؤساء لقريش بن بدران: يا علم الدين أمير المؤمنين القائم يستذم بذمامك وذمام رسول الله وذمام العربية على نفسه وماله وأهل وأصحابه، فأعطى قريش بحضرته ذماماً، فنزل القائم ورئيس الرؤساء إلى قريش من الباب المقابل لباب الحَلبة وسارا معه، فأرسل البساسيري إلى قريش، وقال له: أتخالف ما استقر بيننا وتنقض ما تعاهدنا عليه، وكانا قد تعاهدا على المشاركة وأن لا يستبد أحدهما دون الآخر. ثم اتفقا على أن يسلم رئيس الرؤساء إلى البساسيري؛ لأنه عدوه ويبقى الخليفة عند قريش. وحمل قريش الخليفة إلى معسكره ببردته والقضيب ولوائه، ونهبت دار الخليفة وحريمها أياماً، ثم سلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس. وسار به مهارس والخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فنزل بها وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلـبك، وأما البساسيري فإنه ركب يوم عيد النحر إلى المصلّى بالجانب الشرقي وعلى رأسه ألوية خليفة مصر، وأحسن إلى الناس، ولم يتعصب لمذهب، وكانت والدة القائم باقية، وقد قاربت تسعين سنة، فأفرد لها البساسيري داراً وأعطاها جاريتين من جواريها، وأجرى لها الجِراية، وكان قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء، فأحضره من الحبس، فقال رئيس الرؤساء: العفو، فقال له البساسيري: أنت قدرت فما عفوت، وأنت صاحب طيلسان وفعلت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي. وجرى على رئيس الرؤساء أمور من التشهير الممقوت ما ندع ذكره، ومات تعذيباً وصلباً وأرسل البساسيري إلى المستنصر العلوي بمصر يعرِّفه بإقامة الخطبة له بالعراق، وكان الوزير هناك ابن أخي أبي القاسم المغربي، وهو ممن هرب

٢٢٤

من البساسيري. فبرَّد فعل البساسيري وخوف من عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بخلاف ما أمله. ثم سار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها. وأما طغرلبك فكان قد خرج عليه أخوه إبراهيم نيال وجرى بينه وبينه قتال، وآخره أن طغرلبك انتصر على أخيه إبراهيم نيال وأسره وخنقه بوتر، وكان قد خرج عليه مراراً وطغرلبك يعفو عنه، فلم يعف عنه في هذه المرة. وفي هذه السنة أعاد طغرلبك القائم إلى مقر ملكه وانتهى الأمر بقتل البساسيري.

في سنة ٤٥٢ تُوفِّي قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل ونصيبين، وكانت وفاته بنصيبين، وقام بالأمر بعده ابنه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش.

في سنة ٤٥٨ أقطع ألب ارسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل، الأنبار، وتكريت زيادة على الموصل.

في سنة ٤٧٧ سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش، ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك، وقيل: أكسب، والأول أصح جد الملوك لأرتقية، فانهزم شرف الدولة مسلم وانحصر في آمد ونزل الأمير أرتق على آمد فحصره، فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكِّنه من الخروج من آمد، فأذن له أرتق وخرج شرف الدولة من آمد في حادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة، فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به ثم سير السلطان عميد الدولة إلى الموصل، فاستولى عليها عميد الدولة، وهذا اقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي، ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى السلطان. فقدم شرف الدولة إليه وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيج وكان قد ذهبت أمواله فاقترض شرف الدولة مسلم ما خدم به السلطان وقدم إليه خيلاً من جملتها فرسه الذي نجا عليه في المعركة، وكان اسم الفرس بشّار، وكان سابقاً وسابق به السلطان الخيل، فجاء سابقاً فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب فرضي السلطان على مسلم وخلع عليه وأقرَّه على بلاده.

٢٢٥

في حوادث هذه السنة نفسها قال: لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية أرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فأنكر سليمان ذلك. وقال: إن صاحب أنطاكية كان نصرانياً فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية. ولم يعطه شيئاً، فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف أعمال أنطاكية، فانهزم عسكر مسلم، وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة، وقُتِل بين يدي أربعمائة غلام من أحداث حَلب. وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب أحول، واتسع ملكه، وزاد على ملك من تقدمه من أهل بيته، فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج، وديار ربيعة ومضر عن الجزيرة وحَلب وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل وغيرها. وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة بالأمر والعدل. ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس، فأخرجوه وملَّكوه، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج.

وأما قلعة حَلب فكان بها منذ قتل مسلم بن قريش سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وهو ابن عم شرف الدولة مسلم، فحاصر تُتُش القلعة سبعة عشر يوماً، فبلغه وصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه.

ولما قتل سليمان بن قطلومش مسلم بن قريش أرسل إلى ابن الْحُتَّيتي العباسي مقدم أهل حَلب يطلب منه تسليمها، فاستمهله إلى أن يكاتب السلطان ملكشاه، وأرسل ابن الْحُتَّيتي استدعى تُتُش إلى حَلب، وكان مع تُتُش أرتق بن أكسك؛ وقد فارق خدمة ملكشاه خوفاً من إطلاق مسلم بن قريش من آمد، وكان ابن الْحُتَّيتي قد كاتب السلطان ملكشاه في أمر حَلب فسار إليها من أصفهان في جمادى الآخرة، فملك في طريقه حران وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش. ثم سار إلى الرها فملكها وملك قلعة جعبر، ثم ملك منبج وسار إلى حَلب فلما قاربها رحل أخوه تُتُش عنها على البرية وتوجَّه إلى دمشق، ووصل السلطان إلى حَلب وتسلمها وتسلم القلعة من سالم بن مالك بن بدران العقيلي على أن يعوضه بقلعة جعبر

٢٢٦

فبقيت بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي.

سنة ٤٨٦ وفيها تحرك تُتُش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه، واتفق معه اقسنقر صاحب حَلب، وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية وبران صاحب الرها. وسار تُتُش ومعه اقسنقر فافتتح نصيبين عنوة ثم قصد الموصل، وكنا قد ذكرنا (أبو الفداء) في سنة سبع وسبعين وأربعمائة أنه لما قتل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب وغيرهما استولى على الموصل إبراهيم بن قريش أخو مسلم. ثم إن ملكشاه قبض على إبراهيم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأخذ منه الموصل، وبقي إبراهيم معه حتى مات ملكشاه، فأطلق إبراهيم وسار إلى الموصل وملكها. فلما قصد تُتُش في هذه السنة الموصل خرج إبراهيم لقتاله، والتقوا بالمضيّع من أعمال الموصل، وجرى بينهم قتال شديد انهزمت فيه المواصلة، وأخذ إبراهيم بن قريش أسيراً وجماعة من أمراء العرب، فقُتلوا وملك تُتُش الموصل، واستثاب عليها علي بن مسلم بن قريش وأمه صفية عمة تُتُش، وأرسل تُتُش إلى بغداد يطلب الخطبة فتوقفوا فيها. ثم سار تُتُش واستولى على ديار بكر.

في سنة ٤٨٩ بعد مقتل تُتُش سنة ٤٨٨ قصد كربوغا نصيبين، وبها محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش، فطلع محمد إلى كربوغا واستحلفه ثم غدر كربوغا بمحمد، وقبض عليه وحاصر نصيبين وملكها، ثم سار إلى الموصل وقتل في طريقه محمد بن مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب، وحصر الموصل وبها علي بن مسلم أخو محمد المذكور من حين استنابه بها تتش، فلما ضاق عليه الأمر هرب من الموصل إلى صدقة بن مزيد بالحلَّة بعد حصار تسعة أشهر.

سنة ٥١٩ وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب قلعة جعبر، وملكها بعده ابنه مالك بن سالم.

الجزء الثالث ص١٨ سنة (٥٤١) سار عماد الدين زنكي، ونزل على قلعة جعبر وحصرها وصاحبها علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وأرسل عسكراً إلى قلعة فنك وهي تجاور جزيرة ابن عمر، فحصرها أيضاً وصاحبها حسام الدين الكردي البشنوي.

٢٢٧

ولما طال على زنكي منازلة قلعة جعبر أرسل مع حسَّان البعلبكي الذي كان صاحب منبج يقول لصاحب قلعة جعبر: قل لي من يخلصك مني،فقال صاحب قلعة جعبر لحسَّان: يخلصني منك الذي خلصك من بلك بن بهرام بن أرتق، وكان بلك محاصراً منبج، فجاءه سهم قتله فرجع حسَّان إلى زنكي ولم يخبره بذلك فاستمر زنكي منازلاً قلعة جعبر، فوثب عليه جماعة من مماليكه وقتلوه في خامس ربيع الآخر من هذه السنة بالليل وهربوا إلى قلعة جعبر، فصاح من بها على العسكر وأعلموهم بقتل زنكي فدخل أصحابه إليه وبه رمق ودفن بالرقة.

سنة ٥٦٤ في هذه السنة ملك نور الدين محمود قلعة جعبر وأخذها من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وكانت بأيديهم من أيام السلطان ملكشاه، ولم يقدر نور الدين على أخذها إلا بعد أن أسر صاحبها مالك المذكور بنو كِلاب، وأحضروه إلى نور الدين محمود، واجتهد به على تسليمها فلم يفعل، فأرسل عسكراً مقدمهم فخر الدين مسعود بن أبي علي الزعفراني وردفه بعسكر آخر مع مجد الدين أبي بكر المعروف بابن الداية، وكان رضيع نور الدين وحصروا قلعة جعبر، فلم يظفروا منها بشيء وما زالوا على صاحبها مالك حتى سلمها وأخذ عنها عوضاً مدينة سروج بأعمالها والملوحة من بلد حَلب وعشرين ألف دينار معجلة وباب بزاعة.

ما جاء في كامل ابن الأثير من أوليتهم وأخبارهم

الجزء التاسع في سنة ٣٠٨ لما ملك أبو طاهر والحسين ابنا حمدان بلاد الموصل طمع فيها باذ وجمع الأكراد، فأكثر وممن أطاعه الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فنك، وكانوا كثيراً وكاتب أهل الموصل فاستمالهم فأجابه بعضهم، فسار إليهم ونزل بالجانب الشرقي فضعفا عنه. وراسلا أبا الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل واستنصراه، فطلب منهما جزيرة ابن عمر ونصيبين وبلداً غير ذلك. فأجاباه إلى ما طلب، وانتهى الأمر بانتصار الأميرين الحماديين بمناصرة أبي الذوّاد على باذ، فكانت هذه أول إمرة لبني عقيل في دولة بني حمدان.

في سنة ٣٨٠ لما انهزم أبو طاهر بن حمدان من أبي علي بن مروان

٢٢٨

سار إلى نصيبين في قلة من أصحابه وكانوا قد تفرقوا، فطمع فيه أبو الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، وكان صاحب نصيبين حينئذ، فثار بأبي طاهر، فأسره وأسر ولده وعدة من قوادهم، وقتلهم وسار إلى الموصل فملكها وأعمالها، وكاتب بهاء الدولة يسأله أن ينفذ إليه من يقيم عنده من أصحابه يتولّى الأمور. فسيَّر إليه قائداً من قواده وكان بهاء الدولة قد سار من العراق إلى الأهواز، وأقام نائب بهاء الدولة وليس له من الأمر شيء، ولا يحكم إلا فيما يريده أبو الذوَّاد.

في سنة (٣٨٢) كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، فملكها آخر سنة إحدى وثمانين، فاجتمعت عقيل وأميرهم أبو الذواد محمد بن المسيب على حربه، فجرى بينهم عدة وقائع ظهر من أبي جعفر فيها بأس شديد حتى أنه كان يضع له كرسياً بين الصفين ويجلس عليه. فهابه العرب، واستمد من بهاء الدولة عسكراً فأمده بالوزير أبي القاسم علي بن أحمد، وكان مسيره أول هذه السنة. فلما وصل إلى العسكر كتب بهاء الدولة إلى أبي جعفر بالقبض عليه، فعلم أبو جعفر أنه إن قبض عليه اختلف العسكر وظفر به العرب، فتراجع في أمره. وكان سبب ذلك أن ابن المعلم كان عدواً له، فسعى به عند بهاء الدولة فأمر بقبضه، وكان بهاء الدولة أذناً يسمع ما يقال له ويفعل به، وعلم الوزير الخبر، فشرع في صلح أبي الذوّاد وأخذ رهائنه والعود إلى بغداد فأشار عليه أصحابه باللحاق بأبي الذوّاد، فلم يفعل أنفة وحسن عهد فلما وصل إلى بغداد رأى ابن المعلم قد قُبِض وقُتِل وكُفِي شره. ولما أتاه خبر قبض ابن المعلم وقتله ظهر عليه الانكسار، فقال له خواصه: ما هذا الهم وقد كفيت شر عدوك، فقال: إن ملكاً قرب رجلاً كما قرب بهاء الدولة ابن المعلم، ثم فعل به هذا لحقيق بأن تخاف ملابسته. وكان بهاء الدولة قد أرسل الشريف أبا أحمد الموسوي رسولاً إلى أبي الذوّاد فأسره العرب ثم أطلقوه، فورد إلى الموصل وانحدر إلى بغداد.

سنة (٣٨٦) في هذه السنة ملك المقلَّد بن المسيب مدينة الموصل، وكان سبب ذلك أن أخاه أبا الذَّوّاد تُوفِّي في هذه السنة، فطمع المقلَّد في الإمارة فلم تساعده عقيل على ذلك، وقلدوا أخاه علياً؛ لأنه أكبر منه فشرع المقلَّد واستمال الديلم الذين كانوا مع أبي جعفر الحجاج بالموصل فمال

٢٢٩

إليه بعضهم، وكتب إلى بهاء الدولة يضمن منه البلد بألفي ألف درهم كل سنة، ثم حضر عند أخيه علي وأظهر له أن بهاء الدولة قد ولاه الموصل وسأله مساعدته على أبي جعفر؛ لأنه قد منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصل، فخرج إليهم كل من استماله المقلَّد من الديلم، وضعف الحجاج وطلب منهم الأمان فأمنوه ووعدهم يوماً يخرج إليهم فيه. ثم إنه انحدر في السفن قبل ذلك اليوم، فلم يشعروا به إلا بعد انحداره، فتبعوه فلم ينالوا منه شيئاً ونجا بماله منهم، وسار إلى بهاء الدولة ودخل المقلَّد البلد. واستقر الأمر بينه وبين أخيه على أن يخطب لهما ويقدِّم علي لكبره ويكون له معه نائب يجبي المال، واشتركا في البلد والولاية وسار علي إلى البر وأقام المقلَّد وجرى الأمر على ذلك مدة مديدة، ثم تشاجروا واختصموا وكان المقلَّد يتولّى حماية غربي الفرات من أرض العراق، وكان له ببغداد نائب فيه تهور، فجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة، فكتب إلى المقلَّد يشكو، فانحدر من الموصل في عساكره وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة حرب انهزموا فيها. وكتب إلى بهاء الدولة يعتذر وطلب إنفاذ من يعقد عليه ضمان القصر وغيره، وكان بهاء الدولة مشغولاً بمن يقاتله من عساكر أخيه، فاضطر إلى المغالطة، ومد المقلَّد يده فأخذ الأموال، فبرز نائب بهاء الدولة ببغداد وهو حينئذ أبو علي بن إسماعيل، وخرج إلى حرب المقلَّد، فبلغ الخبر إليه فأنفذ أصحابه ليلاً فاقتتلوا وعادوا إلى المقلَّد، فلما بلغ الخبر إلى بهاء الدولة بمجيء أصحاب المقلَّد إلى بغداد أنفذ أبا جعفر الحجاج إلى بغداد وأمره بمصالحة المقلَّد والقبض على أبي علي بن إسماعيل. فسار إلى بغداد في آخر ذي الحجَّة، فلما وصل إليها أرسله المقلَّد في الصلح، فاصطلحا على أن يحمل لبهاء الدولة عشرة آلاف دينار، ولا يأخذ من البلاد إلا رسم الحماية، ويخطب لأبي جعفر بعد بهاء الدولة، وأن يخلع على المقلَّد الخلع السلطانية،ويُلقَّب بحسام الدولة، ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين. واستقر الأمر على ذلك، وجلس القادر بالله له ولم يف المقلَّد من ذلك بشيء إلا بحمل المال، واستولى على البلاد ومد يده في المال وقصده المتصرفون والأماثل وعظم قدره.

سنة (٣٨٧): في هذه السنة قبض المقلَّد على أخيه علي؛ وكان سبب ذلك ما تقدم ذكره من الاختلاف الواقع بين أصحابهما واشتغل المقلَّد بما

٢٣٠

سبق بيانه بالعراق، فلما خلا وجهه وعاد إلى الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه، ثم خافه وعمل الحيلة في قبض أخيه، فأحضر عسكره من الديلم والأكراد، وأعلمهم أنه يريد قصد دقوقا وحلَّفهم على الطاعة، وكانت داره ملاصقة دار أخيه، فنقب في الحائط ودخل عليه وهو سكران فأخذه وأدخله الخزانة، وقبض عليه وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللحاق بتكريت قبل أن يسمع أخوه الحسن الخبر. ففعلت ذلك وخلصت، وكانت في الحلَّة التي له على أربعة فراسخ من تكريت وسمع الحسن الخبر، فبادر إلى الحلَّة ليقبض أولاد أخيه فلم يجدهم. وأقام المقلَّد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم، واجتمع عنده زهاء ألفي فارس، وسار الحسن إلى حلل أخيه ومعه أولاد أخيه علي وحرمه ويستنفرهم على المقلَّد، واجتمع معهم نحو عشرة آلاف وراسل المقلَّد يؤذنه بالحرب، فسار عن الموصل وبقي بينهم، فنزل واحد ونزل بإزاء العلث، فحضره وجوه العرب واختلفوا عليه، فمنهم من أشار بالحرب منهم رافع بن محمد بن مقن، ومنهم من أشار بالكف عن القتال وصلة الرحم منهم غريب بن محمد بن مقن، وتنازع هو وأخوه فبينما هم في ذلك قيل للمقلَّد: إنّ أختك رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك وقد جاءتك، فركب وخرج إليها، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه علياً ورد إليه ماله ومثله معه وأنزله في خيم ضربها له. فسر الناس بذلك، وتحالفا وعاد إلى حلته وعاد المقلَّد إلى الموصل، وتجهَّز للمسير إلى أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي؛ لأنه تعصب لأخيه علي وقصد ولاية المقلَّد بالأذى فسار إليه. ولما خرج علي من محبسه اجتمع العرب إليه، وأشاروا عليه بقصد أخيه المقلَّد فسار إلى الموصل، وبها أصحاب المقلَّد وامتنعوا عليه فافتتحها، فسمع المقلَّد بذلك فعاد إليه، واجتاز في طريقه بحلة أخيه الحسن، فخرج إليه ورأى كثرة عسكره، فخاف على أخيه علي منه، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر، وسار إلى أخيه علي، وقال له: إن الأعور يعني المقلَّد قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل، وأمره بإفساد عسكر المقلَّد، فكتب إليهم فظفر المقلَّد بالكتب، فأخذها وسار مجدِّاً إلى الموصل، فخرج إليه أخواه علي والحسن وصالحاه ودخل الموصل وهما معه. ثم خاف علي فهرب من الموصل ليلاً وتبعه الحسن وتردُّدت الرسل بينهم، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر، وبقوا كذلك

٢٣١

إلى سنة تسع وثمانين ومات علي سنة تسعين وقام الحسن مقامه، فقصده المقلَّد ومعه بنو خفاجة، فهرب الحسن إلى العراق وتبعه المقلَّد، فلم يدركه فعاد، ولما استقر أمر المقلَّد بعد أخيه علي سار إلى بلد علي بن مزيد الأسدي، فدخله ثانية والتجأ ابن مزيد إلى مهذّب الدولة، فتوسط ما بينه وبين المقلَّد. وأصلح الأمر معه، وسار المقلَّد إلى دقوقا فملكها ثم ملكها عليه جبريل بن محمد، ثم عادت إلى المقلَّد، ثم ملكها محمد بن عناز بعده، ثم أخذها بعده قرواش، ثم انتقلت إلى فخر الدولة أبي غالب ثم إلى جبريل وموصك بن جكويه من أمراء الأكراد، ثم قصدها بدران بن المقلَّد وأخذها منهما.

سنة (٣٩١): في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب العقيلي غيلة قتله مماليك له ترك. وكان سبب قتله أن هؤلاء الغلمان كانوا قد هربوا منه فتبعهم وظفر بهم وقتل منهم وقطع وأعاد الباقين، فخافوه على نفوسهم فاغتنم بعضهم غفلته وقتلوه بالأنبار. وكان قد عظم أمره وراسل وجوه العساكر ببغداد، وأراد التغلب على الملك، فأتاه الله من حيث لا يشعر. ولما قُتِل كان ولده الأكبر قرواش غائباً، وكانت أمواله وخزائنه بالأنبار فخاف نائبه عبد الله بن إبراهيم بن شهرويه بادرة الجند، فراسل أبا منصور بن قراد اللديد، وكان بالسندية فاستدعاه إليه، وقال له: أن أجعل بينك وبين قراوش عهداً وأُزوجه ابنتك، وأقاسمك على ما خلفه أبوه وتساعده على عمه الحسن إن قصده وطمع فيه. فأجابه إلى ذلك وحمى الخزائن والبلد، وأرسل عبد الله إلى قرواش يحثه على الوصول، فوصل وقاسمه على المال وأقام قراد عنده، ثم إن الحسن بن المسيب جمع مشايخ عقيل وشكا قرواشاً إليهم وما صنع مع قراد، فقالوا له: خوفُه منك حمله على ذلك، فبذل من نفسه الموافقة له والوقوف عند رضاه، وسفر المشايخ بينهما فاصطلحا، واتفقا على أن يسير الحسن إلى قرواش شبه المحارب ويخرج هو وقراد لقتاله، فإذا لقي بعضهم بعضاً عادوا جميعاً على قراد فأخذوه. فسار الحسن وخرج قرواش وقراد لقتاله. فلما تراءى الجمعان جاء بعض أصحاب قراد إليه فأعلمه الحال، فهرب على فرس له وتبعه قرواش والحسن فلم يدركاه، وعاد قرواش إلى بيت قراد، فأخذ ما فيه من الأموال التي أخذها من قرواش وهي بحالها. وسار قرواش إلى الكوفة فأوقع بخفاجة

٢٣٢

عندها وقعة عظيمة، فساروا بعدها إلى الشام، فأقاموا هناك حتى أحضرهم أبو جعفر الحجاج.

سنة (٣٩٢): في هذه السنة سيَّر قرواش بن المقلَّد جمعاً من عقيل إلى المدائن، فحصروها فسيَّر إليهم أبو جعفر نائب بهاء الدولة جيشاً فأزالوهم عنها، فاجتمعت عقيل وأبو الحسن مزيد في بني أسد وقويت شوكتهم. فخرج الحجاج إليهم واستنجد خفاجة وأحضرهم من الشام فاجتمعوا معه واقتتلوا بنواحي (باكرم) في رمضان، فانهزمت الديلم والتُّرك وأُسر منهم خلق كثير واستبيح عسكرهم، فجمع أبو جعفر من عنده من العسكر وخرج إلى بني عقيل وابن مزيد، وقتل من أصحابهم خلق كثير وأسر مثلهم وسار إلى حلل ابن مزيد فأوقع بمن فيها فانهزموا أيضاً، فنهبت الحلل والبيوت والأموال، ورأوا فيها من العين والمصاغ والثياب ما لا يقدر قدره.

سنة (٣٩٧): في المحرم جرت وقعة بين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلَّد العقيلي وبين أبي علي بن ثمال الخفاجي. وكان سببها أن قرواش جمع جمعاً كثيراً وسار إلى الكوفة وأبو علي غائب عنها، فدخلها ونزل بها وعرف أبو علي الخبر فسار إليه فالتقوا واقتتلوا، فانهزم قرواش وعاد إلى الأنبار مغلولاً، وملك أبو علي الكوفة وأخذ أصحاب قرواش فصادرهم.

سنة (٣٩٩): في هذه السنة قتل عيسى بن خلاط العقيلي أبا علي بن ثمال الخفاجي الذي كان والياً للحاكم بأمر الله صاحب مصر على الرحبة، وملكها، وأقام فيها مدة ثم قصده بدران بن المقلَّد، فأخذها منه وبقيت لبدران، فأمر الحاكم بأمر الله نائبه بدمشق لؤلؤاً البشاري بالمسير إليها، فقصد الرقة أولاً وملكها، ثم سار إلى الرحبة وملكها، ثم انتهى أمر ملكها إلى صالح بن مرداس صاحب حَلب.

سنة (٤٠١): في هذه السنة أيضاً خطب قرواش بن المقلَّد أمير بني عقيل للحاكم بأمر الله العلوي صاحب مصر بأعماله كلها، وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها، وكان ابتداء الخطبة بالموصل: (الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانهدَّت بقدرته أركان النصب، وأطلع

٢٣٣

بنوره شمس الحق من العرب. فأرسل القادر بالله أمير المؤمنين القاضي أبا بكر بن الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك، وأن العلويين والعباسيين انتقلوا من الكوفة إلى بغداد، فأكرم بهاء الدولة القاضي أبا بكر، وكتب إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إلى حرب قرواش، وأطلق له مائة ألف دينار ينفقها في العسكر، وخلع على القاضي أبي بكر وولاّه قضاء عمان والسواحل، وسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش، فأرسل يعتذر وقطع خطبة العلويين وأعاد خطبة القادر بالله.

سنة (٤٠١): وفيها تُوفِّي أبو عبد الله محمد بن مقن بن مقلد بن جعفر بن عمر بن المهيا العقيلي، وفي مقلد يجتمع آل المسيب وآل مقن، وكان عمره مائة وعشرة سنين، وكان بخيلاً شديد البخل وشهد مع القرامطة أخذ الحجر الأسود.

سنة (٤١٧): في هذه السنة اجتمع دُبيس بن علي بن مزيد الأسدي وأبو الفتيان منيع بن حسَّان أمير خفاجة، وجمعا عشائرهما وغيرهم، وانضاف إليهما عسكر بغداد على قتال قرواش بن المقلَّد العقيلي؛ وكان سببه أن خفاجة تعرضوا إلى السواد وما بيد قرواش منه، فانحدر من الموصل لدفعهم فاستعانوا بدُبيس، فسار إليهم واجتمعوا، فأتاهم عسكر بغداد فالتقوا بظاهر الكوفة وهي لقرواش، فجرى بين مقدمته ومقدمتهما مناوشة وعلم قرواش أنه لا طاقة له بهم، فسار ليلاً جريدة في نفر يسير وعلم أصحابه بذلك فتبعوه منهزمين، فوصلوا إلى الأنبار وسارت أسد وخفاجة خلفهم. فلما قاربوا الأنبار فارقها قرواش إلى حلله، فلم يمكنهم الإقدام عليه واستولوا على الأنبار ثم تفرقوا.

وفي هذه السنة أصعد الأثير عنبر إلى الموصل من بغداد، وكان سببه أن الأثير كان حاكماً في الدولة البويهية ماضي الحكم نافذ الأمر والجند من أطوع الناس له وأسمعهم لقوله. فلما كان الآن زال ذلك وخالفه الجند فزالت طاعته عنهم، فلم يلتفتوا إليه فخافهم على نفسه، فسار إلى قرواش فندم الجند على ذلك وسألوه أن يعود فلم يفعل. وأصعد إلى الموصل مع قرواش فأخذ ملكه وإقطاعه بالعراق. ثم إن نجدة الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعا جمعاً كثيراً من عقيل، وانضم إليهم بدران أخو قرواش وساروا يريدون حرب قرواش. وكان قرواش لما سمع خبرهم قد اجتمع

٢٣٤

هو وغريب بن معن والأثير عنبر، وأتاه مدد من ابن مروان، فاجتمع في ثلاثة عشر ألف مقاتل، فالتقوا عند بلد واقتتلوا وثبت بعضهم لبعض وكثر القتل. ففعل ثروان بن قراد فعلا جميلاً، وذلك أنه قصد غريباً في وسط المصاف واعتنقه وصالحه، وفعل أبو الفضل بدران بن المقلَّد بأخيه قرواش كذلك، فاصطلح الجميع وأعاد قرواش إلى أخيه بدران مدينة نصيبين.

الصفحة نفسها والسنة نفسها سار منيع بن حسَّان أمير خفاجة في الجامعين وهي لنور الدولة دُبيس فنهبها، فسار دُبيس في طلبه إلى الكوفة، ففارقها وقصد الأنبار، وهي لقرواش كان استعادها بعد ما ذكرناه قبل. فلما نازلها منيع قاتله أهلها، فلم يكن لهم بخفاجة طاقة، فدخل جنود خفاجة الأنبار ونهبوها وأحرقوا أسواقها، فانحدر قرواش إليهم ليمنعهم، وكان مريضاً ومعه غريب والأثير عنبر، ثم تركها ومضى إلى القصر فاشتد طمع جنود خفاجة وعادوا إلى الأنبار فأحرقوها مرة ثانية. وسار قرواش إلى الجامعين فاجتمع هو ونور الدولة دُبيس بن مزيد في عشرة آلاف مقاتل. فلم يقدر قرواش في ذلك الجيش العظيم على هذه الألف، وشرع أهل الأنبار في بناء سور على البلد وأعادهم قرواش، وأقام عندهم الشتاء، ثم إن منيع بن حسَّان سار إلى الملك أبي كاليجار فأطاعه، فخلع عليه وأتى منيع الخفاجي إلى الكوفة، فخطب فيها لأبي كاليجار وأزال حكم عقيل عن سقي الفرات.

سنة (٤١٩): في هذه السنة في جمادى الأولى سار بدران بن المقلَّد العقيلي في جمع من العرب إلى نصيبين وحصرها، وكانت لنصر الدولة بن مروان، فخرج إليه عسكر نصر الدولة الذين بها وقاتلوه، فهزمهم واستظهر عليهم، وقتل جماعة من أهل نصيبين والعسكر، فسيَّر نصر الدولة عسكراً آخر نجدة لمن بنصيبين، فأرسل إليهم بدران عسكراً فلقوهم فقاتلوهم وهزموهم وقتلوا أكثرهم، فأزعج ذلك ابن مروان وأقلقه، فسير عسكراً آخر ثلاثة آلاف فارس، فدخلوا نصيبين واجتمعوا بمن فيها وخرجوا إلى بدران فاقتتلوا، فانهزم بدران ومن معه بعد قتال شديد وقت الظهر وتبعهم عسكر ابن مروان، ثم عطف عليهم بدران وأصحابه، فلم يثبتوا له. فأكثر فيهم القتل والأسر وغنم الأموال، فعاد عسكر ابن مروان مغلوبين، فدخلوا نصيبين فاجتمعوا بها، واقتتلوا مرة أُخرى وكانوا على السواء. ثم سمع بدران بأن

٢٣٥

أخاه قرواشاً قد وصل إلى الموصل، فرحل خوفاً منه؛ لأنهما كانا مختلفين.

في سنة (٤٢٠) يذكر دخول الغز ديار بكر ومقاومة قرواش لهم ويذكر ملكهم مدينة الموصل ومقاومة قرواش لهم وانكساره، ثم يذكر ظفر قرواش بهم ص ١٦٣ مما يجب أن يضم إلى أخبار بني المقلَّد مع ما ذكر في ص١٦٤.

في سنة (٤٢١) قد ذكرنا محاصرة بدران نصيبين، وأنه رحل عنها خوفاً من قرواش، فلما رحل شرع في إصلاح الحال معه فاصطلحا، ثم جرى بين قرواش ونصر الدولة بن مروان نفرة كان سببها أن نصر الدولة كان قد تزوج ابنة قرواش، فآثر عليها غيرها فأرسلت إلى أبيها تشكو منه، فأرسل يطلبها إليه، فسيرها فأقامت بالموصل، ثم إن ولد مستحفظ جزيرة ابن عمر وهي لابن مروان هرب إلى قرواش، وأطمعه في الجزيرة، فأرسل إلى نصر الدولة يطلب منه صداق ابنته، وهو عشرون ألف دينار ويطلب الجزيرة لنفقتها، ويطلب نصيبين لأخيه بدران ويحتج بما أخرج بسببها عام أول، وتردُّدت الرسل بينهما في ذلك، فلم يستقر حال فسير جيشاً لمحاصرة الجزيرة وجيشاً مع أخيه بدران إلى نصيبين، فحصرها بدران وأتاه قرواش، فحصرها معه فلم يُمْلَك واحِد من البلدين، وتفرق من كان معه من العرب والأكراد. فلما رأى بدران تفرق الناس عن أخيه سار إلى نصر الدولة بن مروان بميافارقين يطلب منه نصيبين، فسلمها إليه وأرسل من صداق ابنة قرواش خمسة عشر ألف دينار واصطلحا.

وفي هذه السنة في جمادى الأولى اختلف قرواش وغريب بن مقن؛ وكان سبب ذلك أن غريباً جمع جمعاً كثيراً من العرب والأكراد، واستمد جلال الدولة فأمده بجملة صالحة من العسكر، فسار إلى تكريت فحصرها وهي لأبي المسيب رافع بن الحسين، وكان قد توجه إلى الموصل وسأل قرواشاً النجدة، فجمعا وحشدا وسارا منحدرين فيمن معهما، فبلغا الدكة وغريب يحاصر تكريت، وقد ضيَّق على من بها وأهلها يطلبون منه الأمان فلم يؤمنهم، فحفظوا نفوسهم وقاتلوا أشد قتال. فلما بلغه وصول قرواش ورافع سار إليهم، فالتقوا بالدكة واقتتلوا، فغدر بغريب بعض من معه ونهبوا سواده وسواد الأجناد الجلالية، فانهزم وتبعهم قرواش ورافع، ثم كفوا عنه وعن أصحابه ولم يتعرضوا إلى حلته وماله فيها وحفظوا ذلك أجمع، ثم إنهم تراسلوا واصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من الوفاق.

٢٣٦

سنة (٤٢٥): وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد وقصد ولده عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين، وكان بنو نُمير قد طمعوا فيها وحصروها، فسار إليهم ابن بدران فدفعهم عنها.

سنة (٤٣٣) يذكر الحلف بين جلال الدولة وقرواش صاحب الموصل.

سنة (٤٤٠) ذكر الحلف بين قرواش والأكراد الحميدية والهذبانية. وفيها كانت الوحشة بين معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل بن المقلَّد، فانضاف قريش بن بدران بن المقلَّد إلى عمّه قرواش وجمع جمعاً، وقاتل عمه أبا كامل، فظفر ونصر وانهزم أبو كامل ولم يزل قريش يغري قرواشاً بأخيه حتى تأكدت الوحشة وتفاقم الشر بينهما.

ظهور الخلاف بين قرواش وأخيه أبي كامل وصلحهما:

سنة (٤٤١): في هذه السنة ظهر الخلاف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهوراً آل إلى المحاربة، وقد تقدم سبب ذلك. فلما اشتد الأمر وفسد الحال فساداً لا يمكن إصلاحه جمع كل منهما جمعاً لمحاربة صاحبه، وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد، وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان، وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي وغيرهما من الأكراد، وساروا إلى معلثايا، فأخرجوا المدينة ونهبوها ونزلوا بالمُغيثة، وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب فنزلوا بمرج بابنيثا وبين الطائفتين نحو فرسخ واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم، وافترقوا من غير ظفر، ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان بل كان ناحية، ووافقه أبو الحسن الحُميدي وساروا عن قرواش، وفارقه جمع من العرب وقصدوا أخاه، فضعف أمر قرواش وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير فركبت العرب من أصحاب أبي كامل لقصده، فمنعهم وأسفر الصبح يوم الاثنين، وقد تسرع بعضهم ونهب بعضاً من عرب قرواش، وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ونقله إلى حلته وأحسن عشرته، ثم أنفذه إلى الموصل محجوراً عليه وجعل معه بعض زوجاته في دار. وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار؛ لسوء طريقهم وفسادهم فهرب الباقون

٢٣٧

منهم وبقي بعضهم بالسندية، فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة، وقتلوا حارساً وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل، فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل، فكثروا وثار بهم أصحاب قرواش، فاقتتلوا فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة وهرب الباقون. فبلغه خبر استيلاء أخيه، ولم يبلغه عود أصحابه. ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه واشتطوا عليه، فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته، فبادرهم إليه وقبل يده، وقال له: إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك فيَّ وأشعرك الوحشة مني، والآن فأنت الأمير وأنا الطائع لأمرك والتابع لك. فقال له قرواش: بل أنت الأخ والأمر لك مسلّم، وأنت أقوم به مني، وصلح الحال بينهما وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره. وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا، فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالاً عنها، فتظاهر بلال بالخلاف عليهما وجمع إلى نفسه جمعاً، وقاتل أصحاب قرواش وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما، فانحدر قرواش من الموصل إليهما وحصرهما وأخذهما.

وفي هذه السنة سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من أعمال العراق وبادوريا، فنهبوها وأخذوا من الأموال الكثير وكانا في إقطاع البساسيري، فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم، فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلَّد، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى الفريقان فيه بلاء حسناً وصبرا صبراً جميلاً وقُتل جماعة من الفريقين.

في هذه السنة في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه، وكان سبب ملكها أن قرواشاً أساء السيرة في أهلها، ومد يده إلى أموالهم فسار جماعة من أهلها إلى البساسيري ببغداد، وسألوه أن ينفذ معهم عسكراً يسلمون إليه الأنبار. فأجابهم إلى ذلك وسيّر معهم جيشاً، فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري، وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحداً من أصحابه أن يأخذ رطل الخبز بغير ثمنه. وأقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد.

سنة (٤٤٢) وفي هذه السنة في جمادى الأولى استولى زعيم الدولة

٢٣٨

أبو كامل بركة بن المقلَّد على أخيه قرواش، وحجر عليه ومنعه من التصرف على اختياره؛ وسبب ذلك أن قرواشاً كان قد أنف من تحكم أخيه في البلاد، وأنه قد صار لا حكم له فعمل على الانحدار إلى بغداد ومفارقة أخيه. وسار عن الموصل، فشق ذلك على بركة وعظم عنده، ثم أرسل إليه نفراً من أعيان أصحابه يشيرون عليه بالعود واجتماع الكلمة ويحذرونه من الفرقة والاختلاف، فلما بلّغوه ذلك امتنع عليهم، فقالوا: أنت ممنوع عن فعلك والرأي لك القبول والعود ما دامت الرغبة إليك، فعلم حينئذ أنه يُمنع قهراً، فأجاب إلى العود على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل، وسار معهم. فلما قارب حلة أخيه زعيم الدولة لقيه وأنزله عنده، فهرب أصحابه وأهله خوفاً فأمّنهم زعيم الدولة، وحضر عنده وخدمه وأظهر له الخدمة وجعل عليه من يمنعه من التصرف على اختياره.

سنة (٤٤٣) وفي هذه السنة في شهر رمضان تُوفِّي زعيم الدولة أبو كامل بركة بن المقلَّد بتكريت، وكان انحدر إليها في حلله قاصداً نحو العراق لينازع النواب به عن الملك الرحيم وينهب البلاد. فلما بلغها انتقض عليه جرح كان أصابه من الغز لما ملكوا الموصل، فتُوفِّي ودفن بمشهد الخضر بتكريت. واجتمعت العرب من أصحابه على تأمير علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران بن المقلَّد، فعاد بالحلل والعرب إلى الموصل وأرسل إلى عمه قرواش، وهو تحت الاعتقال يعلمه بوفاة زعيم الدولة وقيامه بالإمارة، وأنه يتصرف على اختياره ويقوم بالأمر نيابة عنه. فلما وصل قريش إلى الموصل جرى بينه وبين عمه قرواش منازعة ضعف فيها قرواش وقوي ابن أخيه ومالت العرب إليه، واستقرت الإمارة له وعاد عمه إلى ما كان عليه من الاعتقال الجميل والاقتصار به على قليل من الحاشية والنساء والنفقة، ثم نقله إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتُقل بها.

سنة (٤٤٤): في هذه السنة جرى حِلف بين علم الدين قريش بن بدران وبين أخيه المقلَّد، وكان قريش قد نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل وسجنه بها وارتحل يطلب العراق، فجرى بينه وبين أخيه المقلَّد منازعة أدت إلى الاختلاف، فسار المقلَّد إلى نور الدولة دُبيس بن مزيد ملتجئاً إليه فحمل أخاه الغيظ منه على أن نهب حلته وعاد

٢٣٩

إلى الموصل، واختلَّت أحواله واختلفت العرب عليه، وأخرج نواب الملك الرحيم ببغداد إلى ما كان بيد قريش من العراق بالجانب الشرقي من عُكبرا والعلث وغيرهما من قبض غلته، وسلم الجانب الغربي من أوانا ونهر بيطر إلى أبي الهندي بلال بن غريب. ثم إن قريشاً استمال العرب وأصلحهم، فأذعنوا له بعد وفاة عمه قرواش، فإنه تُوفِّي هذه الأيام، وانحدر إلى العراق؛ ليستعيد ما أخذ منه، فوصل إلى الصالحية وسير بعض أصحابه إلى ناحية الحظيرة وما والاها، فنهبوا ما هناك وعادوا فلقوا كامل بن محمد بن المسيّب صاحب الحظيرة، فأوقع بهم وقاتلهم فأرسلوا إلى قريش يعرفونه الحال، فسار إليهم في عدة كثيرة من العرب والأكراد، فانهزم كامل وتبعه قريش فلم يلحقه، فقصد حلل بلال بن غريب وهي خالية من الرجال، فنهبها وقاتله بلال وأبلى بلاء حسناً فجرح ثم انهزم، وراسل قريش نواب الملك الرحيم يطلب ببذل الطاعة ويطلب تقرير ما كان له عليه، فأجابوه إلى ذلك على كره؛ لقوته وضعفهم واشتغال الملك الرحيم بخوزستان عنهم، فاستقر أمره وقوي شأنه. وفي هذه الصفحة: وفي السنة نفسها مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة أبو المنيع قرواش بن المقلَّد العُقيلي الذي كان صاحب الموصل محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحُمل ميتاً إلى الموصل، ودفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وكان من رجال العرب وذوي العقل منهم وله شعر حسن. وأورد له عن (دمية القصر) البيتين المنقولين عن تاريخ ابن خلدون وهذه الأبيات التي لم يوردها ابن خلدون:

مـن كان يحمد أو يذم موّرث لـلمال مـن آبـائه وجدوده

إنـي امـرؤ لـله أشكر وحده شـكراً كـثيراً جـالباً لمزيده

لـي أشقرٌ سمح العنان مغاور يعطيك ما يرضيك من مجهوده

ومـهند عـضب إذا جـردته خلت البروق تموج في تجريده

ومـثقف لـدنُ الـسنان كأنم أم الـمنايا رُكـبت في عوده

وبـذا حـويُت المال إلا أنني سـلّطت جود يدي على تبديده

وفي هذه السنة ورد سعدي بن أبي الشوك في جيش من عند السلطان طغرلبك إلى نواحي العراق، فدوَّخ كثيراً منها وأسرف في

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

[قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل سببٍ ونسبٍ ينقطع يوم القيامة إلاّ حسبي ونسبي].

٥٤٤ - أخبرنا الشيخ الإمام تاج الدين عبد الله بن أبي القاسم [ابن] ورخر البغدادي - بقراءتي عليه ببغداد سنة اثنتين وسبعين وستّمئة في شهر ربيع الأوّل برباط دار الذهب - أنبأنا أبو حفص عمر بن الحسين بن المعوج سماعاً عليه - في سنة اثنين وعشرة وستّمئة - قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلاّل المعروف بابن الأشقر، قال: أنبأنا أبو الخطيب أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بابن هزار مرد الصريفيني قراءةً عليه - تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة - قال: أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري إملاءً - في [شهر] صفر سنة ثمان عشرة وثلاثمئة - حدّثنا عبد الرحمان بن بشر بن الحكم، حدثنا موسى بن عبد العزيز أبو شعيب، حدثا الحكم بن أبان، عن عكرمة: عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(كلُّ سببٍ ونسبٍ ينقطع يوم القيامة إلاّ حسبي ونسبي) (١) .

____________________

٥٤٤ - ورواه أيضاً الخطيب في ترجمة عبد الرحمان بن بشر بن الحكم النيسابوري تحت الرقم: (٥٣٨٧) من تاريخ بغداد: ج١٠، ص٢٧١، قال:

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن جعفر العطّار، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، قال: حدثنا عبد الرحمان بن بشر النيسابوري...

(١) ومن أوّل الحديث: (٥٤١) إلى هنا غير موجود في نسخة السيد علي نقي.

وبعد هذا في نسخة طهران هكذا: (روى هذا الحديث: كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وصهري) تكسب معتقدها المعتد بها العارف بحقّها شرفاً وفخراً، ومنقبة يهدي إلى منقبها سعادة تكون له في الدارين عدّةً وذخراً!!

٢٨١

فضيلة

تكسب معتقدها المفيد بها، العارف بحقّها: شرفاً وفخراً، ومنقبة تهدي إلى منتسبها سعادة تكون له في الدارين عدّةً وذخراً.

٥٤٥ - أخبرني جماعة، عن الشيخ رضيّ الدين المؤيّد بن محمد بن عليّ المقرئ الطوسي (رحمه الله) إجازةً، منهم شيخنا العلاّمة نجم الدين عثمان بن الموفّق الأذكاني (رحمه الله)، قال: أنبأنا جدّي لأُمّي معين السنّة أبو العبّاس محمد بن العبّاس العصاري الطوسي المعروف بعباسة سماعاً عليه، قال: [أنبأنا] القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد الفرّخزادي سماعاً عليه، قال: أنبأنا الأُستاذ الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: أنبأنا الشيخ أبو عبد الله الثقفي، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، وعبد الله بن يوسف، قال: أنبأنا محمد بن عمران بن هارون، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدّثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد:

عن عطاء الخراساني، قال: خطب عمر بن الخطّاب أُمّ كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال [عليّ عليه السلام]: إنّها صغيرة. فقال عمر: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول:(كل نسب وصهر منقطع (١) يوم القيامة إلاّ نسبي وصهري) ؛ فلذلك رغبت في هذا!!! فقال [علي عليه السلام]: وإنّي مرسلها إليك حتى تنظر إلى صغرها. فأرسلها إليه فجاءته، فقالت: إنّ أبي يقول لك: هل رضيت الحلّة؟ قال: رضيتها. فأنكحه عليّ، فأصدقها عمر أربعين ألف دهم(٢) .

____________________

(١) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران: (ينقطع...).

(٢) هكذا نسجت القصّة رواة أهل السنّة، وشيعة آل أبي سفيان، وأبناء مَن غلب!! وقلّدهم بعض مَن لا علم له

=

٢٨٢

____________________

=

بعلل الحوادث وتناسبها بمعلولاتها!!

مع اشتمال بعض رواياتهم على ما يستنكره كل غيور، ويستقبحه كل ذي دين، ويستبشعه كل مَن له أدنى مروءة وإنسانيّة!!!

وكيف كان فلا ريب عند ذوي البصائر النافذة، وأصحاب الفطرة السليمة والإحساسات المستقيمة أن تحقّق مثل هذا الأمر - الغير العادي - اختياراً. ووقوع مثل هذه القضية الغير الطبيعية في عالم الخارج بالطوع والرغبة يستلزم أُموراً مستحيلة، وتوالي فاسدة باطلة، وما يستلزم الباطل؛ فوقوع هذا الأمر بالطوع باطل، وتحقّقه في عالم الخارج بالرغبة والاختيار مستحيل وعاطل!!!

أمّا كون هذا الأمر غير عادي، وأن تحقّقه وبروزه في عالم الخارج يكون على خلاف المجاري الطبيعية والموازين الاعتيادية، فواضح بعد الالتفات والانتباه إلى مقدار عُمْر أُمّ كلثوم وسنيّ حياتها (سلام الله عليها)، وكمّية سنّ عمر بن الخطاب حين أقدم على هذا التدليس وخطب أُمّ كلثوم!

أمّا أُمّ كلثوم (سلام الله عليها) فإنّها كانت صغيرة جدّاً باعتراف القوم، وصريح أخبراهم الناطقة باعتذار عليّ (عليه السلام) بأنّها صغيرة، وبدليل عدم إقدام أحد على خطبتها قبل عمر، مع أنّها كانت غاية آمال جميع المسلمين، وكانوا يتهافتون على مثل هذا الأمر، كما تهافتوا وتسابقوا قبل إلى خطبة أُمّها فاطمة (صلوات الله عليها)، فخيّب الله آمالهم فرجعوا آيسين خاسئين.

وكانت أُمّ كلثوم صُغرى بنات فاطمة (صلوات الله عليهما)، وكانت من مواليد السنة الثامنة أو العاشرة أو قُبيلهما أو بُعيدهما بقليل، وكان أقصى عمرها حين هذه الخطبة التخديعية ثلاثة عشر سنة، وأدناه عشر سنوات.

وأمّا ابن الخطّاب، فإنّه كان حينئذٍ ابن بضع وستّين سنة، فإنّه عاش مع المشركين من زملائه خدمة الأصنام قريباً من أربعين سنة، وعاش بعد إظهاره الإسلام مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قريباً من عشرين سنة، وعاش بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثني عشر عاماً.

فقد تبيّن بهذه المقدّمة أنّه بحسب العادة والغرائز الطبيعية والميولات الأوّليّة الإنسانية، لا صلة بن طفلة في سنّ ثلاثة عشر سنة أو دونه، وبين شيخ في سنّ ستّين سنة أو بعده، بحيث يكون رؤيته ملازمة لرؤية الكفن والدفن، وإقامة المأتم عليه، وتقسيم تركته، والفكرة في حال أهله وأولاده!!!

نعم قد يحدث مثل هذا الأمر في الخارج لأُمور غير اعتيادية، وعلل غير سارية على الاستقامة، والفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي محصورة في أُمور:

الأوّل: رذالة البنت وكونها خُلقاً وخِلقة متخلِّفة ومنحطّة عن أقرانها من البنات، وما أودع الله فيهنّ من الخلقة والصفات.

الثاني: كونها معمّرة بحيث لا يرغب فيها الشباب والفتيان.

الثالث: عدم وجود شابّ كفؤها يتزوّج بها.

الرابع: الطمع في المال والمنزلة، وحيازة زخارف الدنيا، والتصدّي للتمتّع بالدنيا وادّخار متاعها.

الخامس: اكتساب الشرف من الزوج، والترفّع وعلوّ المنزلة به، والخروج من الخمول والرزالة إلى انتشار الصيت والمكانة.

السادس: السفه والحمق، وعدم التمييز بين الضار والنافع، والصلاح والفساد.

السابع: الظلم ومكابرة وليّ البنت، أو مَن بيده اختياره، أو معاندة الأُنثى لعقلها بالزواج لغير تربها.

والعلل المذكورة كلها كانت مفقودة في قصّة الزواج المزعوم بين أُمّ كلثوم (صلوات الله عليها) وابن الخطّاب، فلا يكن في هذه القضية أن يعدل عليّ (عليه السلام) بالطوع والرغبة عن المجاري الطبيعية، فالعدول عنها في الفرض منتفٍ؛ فتحقّق هذا الزواج منتفٍ.

=

٢٨٣

____________________

=

أمّا انتفاء العلّة الأُولى فمتّفق عليه، فإنّ أُمّ كلثوم (سلام الله عليها) كانت تمثالاً لأُمّا (صلوات الله عليها) في المحاسن والمكارم، فلا تزوّج مثلها بمَن كان فاقداً للكمال، وجامعاً للرذالة في أيّام شبابه، فكيف في أيّام نكس عمره وخرافته!!!

وأمّا انتفاء العلّة والمقدّمة، فقد تبيّن بما ذكرناه من تاريخ ولادتها، ومبلغ عمرها حينما خطبها ابن الخطّاب.

وأمّا انتفاء المقدّمة والعلّة الثالثة في القضية، فواضح بعد كثرة شباب المسلمين في تلك الأيام، الراغبين للزواج بها ولا سيّما رغبة شباب بني هاشم خاصّةً بهذا الأمر، لا سيّما مع ولع الفتيان من أولاد جعفر بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب (سلام الله عليهم) وكل فرد منهم كان خيراً من صلحاء آل الخطّاب أجمع.

وأمّا انتفاء العلّة والمقدّمة الرابعة، فواضح جدّاً؛ إذ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان قد طلّق الدنيا ثلاثاً، وكانت الدنيا أهون عنده من عرق خنزير في يد مجذوم!!!

وبحكم الأخبار الغير المحصورة، واعتراف عادل بني أُميّة عمر بن عبد العزيز: كان عليٌّ من أزهد الناس في الدنيا.

وأمّا انتفاء المقدّمة والعلّة الخامسة فمتّفق عليه، فإنّهم (عليهم السلام) كانوا أشرف البريّة، وأفضل الخلق والخليقة. وأحاديث القوم صريحة في ذلك، حتى أنّ الأخبار الواردة في الموضوع - أيضاً - ناطقة بأنّ عمر لأجل التشرّف بهم أقدم على هذا الأمر.

وأمّا انتفاء المقدّمة السادسة فجليّ، وكل مسلم يعرف مقداراً يسيراً من أمر الإسلام وحقائقه، قلبه معقود على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان أبصر الناس وأعقلهم، نعم، بعض النواصب وأعداء أهل البيت يمكن أن ينكر ذلك معاندةً لأهل البيت (عليهم السلام) وتقليداً لأبي جهل، وكفى لهم خزياً مشاقّتهم لله ولأوليائه.

وأمّا انتفاء المقدّمة السابعة وبراءة ساحة علي (عليه السلام) من الظلم وكونه مركز العدالة، فأمر بديهي لكل مَن كان له إلمام بحقائق الإسلام، وخبرة بسيرة الإمام أمير المؤمنين أو كلماته (عليه السلام)، وباعتراف أعدائه أنّه (عليه السلام) لعدله ومجابهته الظَلَمَة تفرّق الناس عنه!!!

فقد تحقّق بما ذكرناه أنّه لا يُعقل لأدنى كامل أن يقدم على مثل هذا العمل بالطوع والرغبة، فكيف بمثل أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان محور المكارم والكمالات، ومركز العدالة والفتوّة، والحنان والرحمة.

سبحان الله كيف يزوّج عليّ (عليه السلام) ابنته، وهي حديثة السنّ، وفي أوّل أيّام إدراكها، ولم تصل بعد إلى ريعان شبابها برجل كونيّ، رجله على شفير القبر أو شفا جرفٍ هار!!!

أما كان في بني أعمامها شابّ أو فتى حتى يزوّجها به؟!!

أما كان لها أقران أكفّاء من المسلمين ممّن كان على عمرها، أو قريب منها عُمْراً ونزعةً؛ حتى تختار واحداً منهم لأن تعيش معه طول الحياة عيشاً سعيداً، ولا تبتلي بشيخ همّ يترقّب هلاكه في ليلة الزفاف؛ ويستشم منه ريح الكافور في ليلة العرس!!!

٢٨٤

٥٤٦ - أخبرني الشيخ مجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش - (رحمه الله) - وغيره إجازةً، قالوا: أنبأنا الشيخ أبو محمد ابن(١) عبد العزيز بن أحمد بن مسعود بن سعد بن عليّ الناقد إجازةً، قال: أنبأنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البنّاء سماعاً عليه - في آخر المحرّم سنة تسع وأربعين وخمسمئة - قال: أنبأنا الشريف الأجلّ أبو نصر محمد بن عليّ بن الحسن الهاشمي الزينبي، قيل له: أخبركم أبو بكر محمد بن عمر بن عليّ بن خلف الورّاق، قال: حدّثنا أبو بكر محمد الرازي بن عثمان التمّار(٢) حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثا محمد بن إبراهيم بن العلاء الدمشقي، حدّثا عمار [ة] بن سيف، عن هشام بن عمرو، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):إنّي سالت ربّي عزّ وجلّ أ [ن] لا يرفع إليّ أحد من أُمّتي، ولا يترفّع إليّ أحد من أُمّتي (٣) إلاّ كان معي في الجنّة، فأعطاني ذلك.

٥٤٧ - وبه [أي بالسند المتقدّم آنفاً] حدّثنا أبو بكر محمد التمّار، حدّثنا أبو عبد الله صاحب خليل، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن العلاء الدمشقي، حدّثنا إسماعيل بن عياش، عن نور(٤) بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): شرط [إليّ] من ربّي شروط أ [ن] لا أصاهر

____________________

(١) لفظة: (ابن) غير موجودة في نسخة السيد علي نقي، وإنّما هي من نسخة طهران.

(٢) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (أبو بكر محمد السري بن عثمان التمّار).

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (أن لا يزوّج إليّ أحد من أُمّتي، ولا يتزوّج إليّ أحد..).

والحديث مضطرب المتن، ضعيف السند، مشكوك الصدور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بناءً على ما في نسخة طهران. وأمّا بناءً على أنّ متنه هو المتن المذكور في نسخة السيد علي نقي، فهو مقطوع الاختلاق، وإنّه من صنيع أعوان الشجرة الملعونة في القرآن، حاولوا بافترائهم إيّاه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسبته إليه تبرير أعمال المنافقين، وتحبيذ ما أسّسه الظالمون.

(٤) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران: (إسماعيل بن عبّاس، عن سور بن يزيد).

٢٨٥

إلى أحد، وأ [ن] لا يصاهر إليّ أحد إلاّ كانوا رفيقاتي في الجنّة(١) فاحفظوني في أصهاري وأصحابي، فمَن حفظني فيهم كان عليه من الله حافظ، ومَن لم يحفظني فيهم تخلّى الله عزّ وجلّ منه، ومَن تخلّى الله منه هلك(٢) .

____________________

(١) كذا في نسخة طهران، ولكن بإهمال القاف والتاء المثناة الفوقانية، وفي نسخة السيد علي نقي: (رفاقتي).

(٢) هذا الحديث مع اشتماله على ضعف السند، مخالف لضرورة الإسلام ومحكمات الكتاب والسنّة، إذ كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصهار من المشركين واليهود من عشيرة أُمّ المؤمنين خديجة (رضوان الله عليها)، ومن أُسرة أُمّ المؤمنين صفيّة، فيلزم أن يكون أبواهما من رفقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنّة، وضرورة الإسلام قاضية بأنّ المشركين والمعاندين من أهل الكتاب لا يستشمّون رائحة الجنّة..

وكيف يمكن أن يوصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باحتفاظ حقّه في عموم أصحابه - على ما قصده مختلق هذا الحديث - وفيهم المنافقون الذين كانوا يتربّصون به الدوائر وريب المنون، وكانوا عيون المشركين وجواسيس اليهود يراقبون حالات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويفشونها إلى أخدانهم من المشركين واليهود؛ كي يتوسّلوا بهذه المعلومات إلى القضاء على الإسلام ورسول الله والمسلمين!!!

ومَن أراد أن يرى ملموساً أنّ الجمّ الغفير من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - أي الذين كانوا محيطين به - كانوا من المنافقين فليتدبّر آيات سورة التوبة، والأحزاب، وسورة المنافقين؛ فإنّها تغنيه عن غيرها، وتعرّفه أنّه ما جرّ الويلات والفتن إلى ساحة المسلمين إلاّ المنافقون، ولم يختلف المسلمون ولم يتفرّقوا ويتمزّقوا إلاّ بكيد المنافقين كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال:(إنّي لا أخاف على أُمّتي مؤمناً ولا مشركاً، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأمّا المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكنّي أخاف عليكم كل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون) !!!

وما أحسن ما أجاده العلاّمة الطباطبائي في منظومته الكلاميّة في الإشارة إلى كثرة المنافقين في المزدحمين حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

وهل ترى جميع مَن كان معه = ما قد حوى من الصفات جمعه

كيف وفي أصحابه منافقْ = وفاسق به الكتاب ناطقْ

ومَن زنى وللخمور شربا = منهمكاً وللفجور ارتكبا

فليست الصحبة من حيث هيه = عاصمة من ارتكاب المعصيه

ولا سبيلها سبيل التوبه = بحيث لا يقدح فيها الحوبه

أليس منهم مَن أتاهم أفإن = ويلمزون وينادونك من

ألم يكن ولّى عن الزحف وفرْ = أكثرهم وغادروا خير البشرْ

وهل نسيت عصبة الإفك ومَنْ = في عصمة النبيّ بالإفك طعنْ

وفي حديث حوضه شهاده = تثبت ردّ البعض وارتداده

أقول: وما ذكره العلاّمة الطباطبائي في الشطرين الأخيرين متواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكره أصحاب صحاح أهل السنّة: كالبخاري ومسلم وغيرهما في صحيحهما بأسانيد، وله شواهد كثيرة جدّاً تجد بعضها تحت الرقم: (٨٥١) وتواليه من كتاب شواهد التنزيل: ج٢ ص١٥٢.

٢٨٦

____________________

وذكرنا نموذجاً منه في تعليق الحديث التالي هاهنا، فاقرأه وتبصّر.

ثمّ إنّ صدق هذا الحديث والتصديق به ملازم للتصديق بهلاك أئمّة القوم، وإنّ الله تعالى تخلّى عنهم حيث لم يحفظوا حقّ رسول الله ووصيّته في أفضل أصهاره، وزوج أفضل بناته وأبي ذرّيته الطيّبة الباقية بن الأُمّة، وهمّوا به الهموم وهو مشغول بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يفرغ منه حتى بلغه: أنّ القوم فرغوا ممّا خطّطوا ودبّروا قبل ذلك اليوم، فبعثوا إليه وساقوه عنفاً إلى بيعتهم وهدّدوه بالقتل إن لم يبايعهم، وأخذوا نِحْلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجته منها وآذوها أشدّ إيذاءً حتى هاجرتهم وتوفيّت وهي مغضبة عليهم، وكانت قد وصّت إلى عليّ (عليه السلام) أن يدفنها ليلاً ولا يؤذنهم للحضور إلى تشييعها ودفنها؛ فدفنها علي (عليه السلام) ليلاً مظلومة مضطهدة، كما يشهد به كلمات كثيرة من أمير المؤمنين (عليه السلام) وشواهد أُخر من طريق القوم.

ثمّ إنّ ظلمهم هذا قد توسّع وانبسط، بسعاية أخلاّء القوم وأخدانهم من ظَلَمَة بني أميّة وبني مروان، ومَن شايعهم على ظلمهم ونفاقهم، فحاصروا آل رسول الله (عليهم السلام) في بيوتهم، وحجبوا بينهم وبين القيام بحقوقهم ووظائفهم، كما حاصروا جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شِعْب أبي طالب، وخنقوهم عند ظنّهم واحتمالهم لثوراتهم!!!

فالحديث المذكور في المتن، وما هو بسياقه، باطل مخالف لمباني الشيعة والسنّة معاً؛ وكفى به وهناً وإدراجاً له في سلّة الأباطيل، مخالفته لمحكمات الشريعة وأُصول الشيعة والسنّة معاً.

٢٨٧

الباب الستّون

[تهديد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض الجهّال، أو المعاندين، الذين آذوا آل رسول الله بأنّ قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تنفعهم يوم القيامة].

٥٤٨ - أنبأني الشيخان كمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان بن عبد اللطيف بن محمد البزّار البغدادي(١) وشمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الأبهري، ثمّ الدمشقي، قال: أنبأنا الشيخان أبو حفص عمر بن محمد بن محمد بن

____________________

(١) ومثله في الحديث: (٣٥٦) من السمط الأوّل، ويعضده ما يأتي تحت الرقم: (٦٠٩ / أو ٥٩٢) من هذا السمط ص٣٢٩ من مخطوطي. وفي هذه الطبعة ص٣٣٦.

وهاهنا كتب في أصليّ بخط يدي فوق لفظ: (البغدادي) لفظ: (البغوي) والظاهر أنّه مأخوذ من نسخة السيد علي نقي، وأنّه كان فيه: (البغوي) بدلاً عن (البغدادي)، ولا تحضرني النسخة الآن.

وأيضاً رواه أحمد بهذا السند، وبسندٍ آخر في الحديث: (١٧٤) من مسند أبي سعيد من المسند: ج٣ ص١٨ قال:

حدثنا أبو عامر، حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد، عن حمزة بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يقول على هذا المنبر:(ما بال رجال يقولون: إنّ رحم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا تنفع قومه؟! بلى والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي أيّها الناس فرط لكم على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان. وقال آخر: أنا فلان ابن فلان. قال لهم: أمّا النسب فقد عرفته ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى) .

ورواه أيضاً في الحديث: (٣٨٢) من مسند أبي سعيد من كتاب المسند: ج٣ ص٣٩ ط١، قال:

حدثنا أبو النضر، حدثنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقي، عن سعيد بن المسيّب:

عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال: تزعمون أنّ قرابتي لا تنفع قومي!! والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة [و] إذا كان يوم القيامة يرفع لي قوم يؤمر بهم ذات اليسار، فيقول الرجل: يا محمد أنا فلان ابن فلان. ويقول الآخر: أنا فلان ابن فلان. فأقول: أمّا النسب قد عرفت، ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى.

٢٨٨

معمر بن طبرزد الدار فري، وأبو الفرج محمد بن هبة الله بن كامل الوكيل - إجازةً إن لم يكن سماعاً - قال: أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، أنبأنا أبو علي ابن المذهب، أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل(١) قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا زكريّا بن عديّ، قال: أنبأنا عبيد الله(٢) - يعني ابن عمرو - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن سعيد الخدري، عن أبيه، قال:

سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول على المنبر:(ما بال قوم يقولون: إنّ رحم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا تنفع يوم القيامة؟! (٣) فو الله إنّ رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي أيّها الناس فرط لكم على الحوض) .

____________________

(١) رواه أحمد في الحديث: (٥٣٨) في أوائل مسند أبي سعيد الخدري من كتاب المسند: ج٣ ص٦٢ ط١، وفيه: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي...).

ورواه عنه ابن كثير في تفسير الآية: () من سورة: () من تفسيره: ج٧ ص٣٤ ط بولاق بمتن مثل ما رويناه عن عبد بن حميد، وقد روى عنه ابن كثير في إحقاق الحقّ: ج٩ ص٥١٤.

(٢) كذا في كتاب المسند - هاهنا - وفي الأصل: (عبد الله...).

(٣) كذا في أصليّ مع، وفي المسند: (ما بال أقوام تقول: إنّ رحم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا تنفع يوم القيامة؟ والله إنّ رحمي لموصولة...).

والحديث رواه أيضاً ابن أبي الحديد باختلاف لفظي في شرح المختار: (٩٢) من نهج البلاغة: ج٢ ص١٨٧، ط٢ بمصر.

ورواه أيضاً عبد بن حميد في مسنده، الورق ١٢٨ / أ / قال:

حدثني زكريا بن عديّ، أنبأنا عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن أبي سعيد:

عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول على المنبر:(ألا ما بال أقوام يقولون: إنّ رحم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا ينفع يوم القيامة؟! بلى والله إنّ رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي أيّها الناس فرط لكم يوم القيامة على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان [و] يقول آخر: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان. فأقول: أمّا النسب فقد عرفته ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى) .

ورواه أيضاً البيهقي في كتاب الاعتقاد على مذهب السلف ص١٦٥، ط القاهرة، قال:

حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الإصبهاني، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا إبراهيم ابن الحارث البغدادي، حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل:

عن حمزة بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول على المنبر:(ما بال رجال يقولون: إنّ رحم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا ينفع قومه يوم القيامة؟! بلى والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي أيّها الناس فرط لكم على الحوض) .

ورواه علويّ بن طاهر الحداد في القول الفصل: ج٢ ص١٦:

عن أحمد والحاكم والبيهقي والطبراني في الكبير، وعبد بن حميد، وأبي يعلى، وابن أبي شيبة.

هكذا رواه عنهم. ورواه أيضاً عن مصادر أُخر في إحقاق الحق: ج٩ ص٥١٤.

٢٨٩

٥٤٩ - أنبأني الشيخ مجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر ابن أبي الجيش البغدادي، والشيخ كمال الدين أبو الحسن عليّ بن محمد بن محمد بن وضّاح الشهراباني(١) (رحمهما الله) إجازةً، قالا: أنبأنا الشيخ إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي بن الخبير إجازةً، قال: أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الأبزي، إجازةً إن لم يكن سماعاً - قال: أنبأنا الشيخ الإمام أبو القاسم علي بن الحسين بن عبد الله الربعي قراءةً عليه ونحن نسمع - في ذي الحجّة سنة تسعين وأربعمئة - قال: أنبأنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزّار سنة سبع عشر وأربعمئة، أنبأنا أبو جعفر محمد ابن عمر البحتري الرزاز إملاءً سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة، قال: حدّثنا أحمد بن محمد، حدّثنا عبيد بن إسحاق، حدّثنا القاسم ابن محمد(٢) حدّثني عبد الله بن محمد:

حدّثنا جابر بن عبد الله، قال: كان لآل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خادمة تخدمهم، يُقال لها: بريرة(٣) فلقيها رجل فقال [لها]: يا بريرة غطّي شُعَيفاتك(٤) فإنّ محمداً (صلّى الله عليه وسلّم) لن يغني عنك من الله شيئاً!!! قال: فأخبرت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فخرج يجرّ رداءه محمارّة وجنتيه، [قال جابر:] وكنّا معشر الأنصار نعرف غضبه بجرّ ردائه وحمرة وجنتيه، فأخذنا السلاح، فأتيناه فقلنا: يا رسول الله مرنا بما شئت، والذي بعثك بالحقّ لو أمرتنا بآبائنا وأمّهاتنا وأولادنا لمضينا لقولك فيهم. ثمّ صعد المنبر فحمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه [ثمّ] قال:ما أنا؟ قلنا: أنت رسول الله. قال:نعم ولكن مَن أنا؟ قلنا: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب

____________________

(١) كذا.

(٢) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (محمود).

(٣) كذا في أصليّ، ومثله في الباب: (١) من كتاب ذخائر العقبى ص٦ نقلاً عن ابن البحتري.

وذكرها ابن حجر في باب الباء من كتاب النساء تحت الرقم: (١٧٣) من كتاب الإصابة؛ ج٤ ص٢٥١ وقال: (برة) غير منسوبة، [ثمّ قال]: قال الطبراني في المعجم الأوسط:

حدثنا محمد بن العبّاس المؤدّب، حدثنا عبيد بن الإسحاق العطّار، حدثنا القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل، حدثني أبي عبد الله - [قال القاسم]: وكنت أدعو جدّى أبي - حدثنا جابر بن عبد الله، قال:

كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خادمة تخدمه يُقال لها: (برّة) فلقيها رجل فقال لها: يا برّة غطّي شعيفاتك؛ فإنّ محمّداً لن يُغني عنك من الله شيئاً!!! فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج يجرّ رداءه محمرّة وجنتاه... الحديث: [قال ابن حجر:] وعبيد وشيخه متروكان.

(٤) هذا هو الصواب الموافق لما في كتاب ذخائر العقبى ص٦، والشعفة: الذآبة. قال في تاج العروس: الشعفة: الخصلة في أعلى الرأس. ويقال: ما في رأسه إلاّ شعيفات أي إلاّ شعيرات من الذوابة. وهذه اللفظة في المتن والتعليقة معاً كانت مصحّفة: (شفيعاتك سيقالك).

٢٩٠

ابن هاشم بن عبد مناف. قال:أنا سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل مَن ينشقّ عنه الأرض ولا فخر، وأوّل مَن ينتقض التراب عن رأسه ولا فخر، وأوّل داخل الجنّة ولا فخر، وصاحب لواء الحمد ولا فخر، وفي ظلّ الرحمان عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ولا فخر.

ما بال أقوام يزعمون [أنّ] رحمي لا ينفع؟! بل [ينفع حتّى تبلغ] جاء وحكم وهما آخر قبيلتي من اليمن (١) لأُشفَّع فأشفع، حتّى أنّ [مَن] أشفع له يشفع، حتى أنّ إبليس ليطاول طمعاً في الشفاعة (٢) .

____________________

(١) كذا في أصليّ غير أنّ لفظ: (حاء) كان فيه بالجيم، وما بين المعقوفتين أيضاً كان قد سقط عنه؛ وأخذناه من كتاب ذخائر العقبى، وفيه بعده هكذا: (وهم إحدى قبيلتين من اليمن...).

قال في الغريب: وهما حيّان من اليمن من وراء رمل: (يبرين). قال أبو موسى: يجوز أن يكون (حاء) من الحوة وقد حُذفت لامه، ويجوز أن يكون من حوي يحوي، ويجوز أن يكون مقصوراً غير ممدود.

(٢) وقريباً منه جدّاً رواه الهيثمي في أوّل (كتاب علامات النبوّة) من مجمع الزوائد: ج٨ ص٢١٦ عن الطبراني بسنده، عن ابن عبّاس، قال:

توفّي ابن لصفيّة عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فقال لها:يا عمّة ما يبكيك؟ قالت: توفّي ابني. قال:يا عمّة مَن توفّي له ولد في الإسلام فصبر بنى الله له بيتاً في الجنّة. فسكتت، ثمّ خرجت من عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فاستقبلها عمر بن الخطاب، فقال: يا صفيّة قد سمعت صراخك إنّ قرابتك من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لن تغني عنك من الله شيئاً!!! فبكت. فسمعها النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وكان يكرّمها ويحبّها، فقال:يا عمّة أتبكين وقد قلت لك ما قلت؟ قالت: ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب، فقال: إنّ قرابتك من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لن تغني عنك من الله شيئاً!!! قال: فغضب النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وقال:يا بلال هجّر بالصلاة، فهجّر بلال بالصلاة فصعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع؟ كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي؛ فإنّها موصولة في الدنيا والآخرة.

أقول: وفي ذيل الحديث وقبله أيضاً شواهد أُخر في أنّ عمر ومَن كان على نزعته كانوا مصرّين على إيذاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك في ترجمة عبد الله بن عبّاس من كتاب المعرفة والتاريخ: ج٢ ص٤٩٩.

وقريباً منه رواه الطبراني في ترجمة عبيد الله بن جعفر من المعجم الصغير: ج١، ص٢٣٩ قال:

حدثنا عبيد الله بن جعفر بن أعين البغدادي، حدثنا أبو الأشعث بن المقدام العجلي، حدثنا أصرم بن حوشب، حدثنا إسحاق بن واصل الضبّي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ:

عن عبد الله بن جعفر، قال: أتى العبّاس بن عبد المطّلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إنّي أتيت قوماً يتحدّثون فلمّا رأوني سكتوا وما ذاك إلاّ أنّهم يستثقلوني!! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد فعلوها؟ والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبّكم بحبّي أيرجون أن يدخلوا الجنّة بشفاعتي ولا يرجو [ه] بنو عبد المطّلب؟!

أقول: وذيل الكلام رواه أيضاً الطبراني في ترجمة محمد بن عونه السيرافي من المعجم الصغير: ج٢ ص٩٦ قال:

حدثنا محمد بن عون السيرافي بالبصرة، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، حدثنا أصرم بن حوشب، حدثنا قرّة بن خالد، عن أبي جعفر محمد بن عليّ، قال: قلت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: حدّثنا شيئاً سمعته...

٢٩١

الباب الحادي والستّون(١)

[في حثّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على محبّة الله، ومحبّته، ومحبّة أهل بيته]

٥٥٠ - أنبأنا الشيخ نجم الدين عثمان بن الموفّق، والأمير تاج الدين الموفّق بن محمد بن الموفّق الأذكانيان (رحمهما الله) بروايتهما، عن الإمام مجد الدين عبد الحميد بن محمد بن إبراهيم الخوارزمي إجازةً، قال: أنبأنا الإمام تاج الدين أبو سعيد مسعود بن محمود بن حسّان بن سعيد المنيعي سماعاً عليه في الجامع المنتقى(٢) لثلاث ليالٍ بقين من شهر رمضان سنة سبع وسبعين وخمسمئة.

حيلولة: وأخبرني العدل الإمام تاج الدين علي بن أنجب بن عبيد الله الخازن البغدادي إجازةً، قال: أنبأنا شهاب بن محمود(٣) المزكّي الهروي كتابةً، قال: أخبرنا الإمام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفّر منصور بن عبد الجبّار السمعاني، قال: أنبأنا الشريف أبو البركات عمر بن إبراهيم بن حمزة الحسيني بقراءتي عليه بالكوفة، أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقّور البزّار، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الحربي، أنبأنا أحمد بن الحسين الصوفي، حدّثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، عن عبد الله بن سليمان، عن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، عن أبيه، عن جدّه (رضي الله عنهم أجمعين)، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبّوني

____________________

(١) وبعد هذا الباب قد سقط عن أصليّ من مخطوطة طهران قوله: باب كذا، وباب كذا. وأمّا نسخة السيد علي نقي فقد أنهت المطالب إلى صدر الحديث: (٥٥٤) في ص٢٩٥ والبقيّة إلى آخر الكتاب ساقطة عنه.

(٢) كذا في أصليّ هاهنا، ولم أجد اللفظة في غير هذا المورد من موارد النقل عن عثمان بن الموفّق في هذا الكتاب، والظاهر أنّها مصحّفة عن (المنيعي).

(٣) كذا في نسخة طهران، وفي نسخة السيد علي نقي: (محفوظ).

٢٩٢

بحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي بحبّي) (١) .

____________________

(١) ورواه أيضاً الترمذي في باب مناقب أهل البيت (عليهم السلام) من أبواب المناقب تحت الرقم: (٣٨٨٩) من سننه: ج٥ ص٦٦٤ وشرح الأحوذي: ج١٢، ص٢٠١، قال:

حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال: أخبرنا يحيى بن عين، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن عبد الله بن سليمان النوفلي، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمة، وأحبّوني بحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي) .

قال أبو عيسى [الترمذي]: هذا حديث حسن غريب إنّما نعرفه من هذا الوجه.

أقول: ورواه أيضاً الطبراني في الحديث: (١١١) من ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) تحت الرقم (١٠٠٠) من كتاب المعجم الكبير: ج١ / الورق ١٢٥ / أ / وفي ط١: ج٣ ص... قال:

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن معين...

ورواه أيضاً أبو نعيم في ترجمة علي بن عبد الله بن العبّاس تحت الرقم: (٢٣٧) من حلية الأولياء: ج٣ ص٢١١ قال:

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن معين...

ثمّ قال أبو نعيم: هذا حديث غريب بهذا اللفظ لا يعرف مأثوراً متصلاً عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) إلاّ من حديث علي بن عبد الله بن العبّاس، ولا عنه إلاّ من حديث هشام بن يوسف عن عبد الله. وهشام بن يوسف هو قاضي صنعاء محتجّ بحديثه أحد الثقاة:

[و] رواه أيضاً عنه علي بن بحر مثل رواية يحيى بن معين...

ورواه أيضاً الحاكم في أواخر باب مناقب أهل البيت من المستدرك: ج٣ ص١٤٩، قال:

أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه، وأبو الحسن أحمد بن محمد العنبر، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثني عبد الله بن سليمان النوفلي، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):(أحبّوا الله لما يغذوكم به من نِعَمِه، وأحبّوني لحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي) .

قال الحاكم - وصدّقه الذهبي -: هذا حديث صحيح الإسناد.

ورواه أيضاً في ترجمة أحمد بن رزقويه تحت الرقم: (١٨٣٣) من تاريخ بغداد: ج٤ ص١٥٩ قال:

أخبرنا الحسن بن الحسين بن العبّاس النعالي، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن نصر الذارع بالنهروان، حدثنا أبو العبّاس أحمد بن رزقويه الوزّان، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا عبد الله بن سليمان النوفلي...

ثمّ قال الخطيب: رواه عن يحيى بن معين جماعة هكذا...

ورواه أيضاً الشيخ الصدوق في المجلس: (٥٨) من أماليه ص٣٢٦ بسندٍ آخر عن هشام بن يوسف...

ورواه أيضاً يوسف بن يعقوب الفسوي في ترجمة عبد الله بن عبّاس من كتاب المعرفة والتاريخ: ج٢ ص٤٩٧ قال:

حدثنا زياد بن أيّوب، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني، عن عبد الله بن سليمان النوفي قاضي صنعاء...

ورواه السيوطي في ذيل تفسير آية المودّة - وهي الآية: (٢٣) من سورة الشورى من تفسير الدرّ المنثور، وقال: أخرجه الترمذي وحسنّه و [أخرجه أيضاً] الطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب.

ورواه عنه في فضائل الخمسة: ج٢ ص٧٥.

٢٩٣

٥٥١ - أخبرني الإمام تاج الدين علي بن أنجب بن عبيد الله إجازةً، عن كتاب الإمام برهان الدين ناصر ابن أبي المكارم المُطرّزي، قال: أخبرنا أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي(١) بإسناده إلى الإمام محمد بن أحمد بن علي بن شاذان(٢) قال: حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد - بالمحمدية - عن الحسين بن جعفر، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن عيسى، عن نصر بن حمّاد، عن شعبة بن الحجّاج، عن أيّوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(مَن أراد التوكّل على الله فليحبّ أهل بيتي، ومَن أراد أن ينجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي، ومَن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي، ومَن أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي، فوالله ما أحبّهم أحد إلاّ ربح الدنيا والآخرة) .

٥٥٢ - أخبرني محمد بن يعقوب إجازةً، أخبرنا عبد الرحمان بن عبد السميع إجازةً، أنبأنا شاذان بن جبرئيل بقراءتي عليه، أنبأنا محمد بن عبد العزيز، أنبأنا الحاكم محمد بن أحمد النطنزي، قال: حدثنا الأُستاذ الإمام أبو محمد أحمد بن الفضل الخواص، قال: حدثنا أبو سعيد النقّاش، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البروجردي، قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد الطوسي، حدّثنا محمد بن يحيى بن ضريس الفيدي(٣) قال:

حدّثا عيسى بن عبد الله، عن أبيه: عن جدّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:(جاء رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: والله إنّي لأحبّك يا رسول الله. قال: وحدي؟ قال: نعم. قال: ما أحببتني حتّى تحبّني في آلي) (٤) .

____________________

(١) رواه في الحديث: (٢٥) من الفصل: (٥) وهو باب فضائل فاطمة (صلوات الله عليها) من مقتله: ج١، ص٥٩ ط الغري.

(٢) هذا هو الصواب الموافق لنسخة السيد علي نقي ومقتل الخوارزمي، وفي مخطوطة طهران هاهنا تصحيف.

(٣) هذا هو الصواب، وفي نسخة السيد علي نقي: (العبدي).

(٤) كذا في أصليّ كليهما.

والحديث قد رأيته في بعض مصادر أُخر من مصادر أهل السنّة - وقد ذهب عن بالي اسمه - وكما نفيه أنّ الرجل الذي واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا القول هو عمر بن الخطّاب.

٢٩٤

[قول زيد الشهيد (رضوان الله عليه): إنّ من رضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل أهل بيته وذرّيته الجنّة].

٥٥٣ - أخبرني أحمد بن إبراهيم [بن عمر الفاروقي] عن عبد الرحمان بن عبد السميع إجازةً، عن شاذان القُمي قراءةً عليه، عن محمد بن عبد العزيز، عن محمد بن أحمد بن علي، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسين الحدّاد، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدثنا أبو بكر ابن البراء، قال: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن أبي الزناد:

عن زيد بن علي [(عليهما السلام)] في قوله عزّ وجلّ:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) [٥ / الضحى: ٩٣] فقال: إنّ من رضى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يدخل أهل بيته وذرّيته في الجنّة(١) .

____________________

(١) والحديث رواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة زيد الشهيد من تاريخ دمشق: ج١٩، ص١٣٥، قال:

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي، أنبأنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الإصبهاني، أنبأنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن سلم بن البراء بن سبرة بن سنان الجعابي الحافظ، أنبأنا محمد بن أحمد الكاتب...

ورواه أيضاً ابن المغازلي في ذيل الحديث: (٣٦٠) من مناقبه ص٣١٦ ط١، قال:

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازةً: أنّ أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم: قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العَوام، حدّثنا ابن الصباح الدولابي، حدثنا الحكم بن ظهير:

عن السدّي في قوله عزّ وجلّ:( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) قال: المودّة في آل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

وفي قوله تعالى:( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) قال: رضى محمد (صلّى الله عليه وآله) أن يدخل أهل بيته الجنّة.

ورواه في هامشه إشارة عن الصواعق المحرقة ص١٥٧، نقلاً عن القرطبي في تفسيره. ثمّ قال:

=

٢٩٥

____________________

=

وأخرجه أيضاً الثعلبي في تفسيره بإسناده إلى الحكم بن ظهير، عن السدّي، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس.

وأخرجه أيضاً السيوطي في الدرّ المنثور: ج٦ ص٧. وفي كتاب مسالك الحنفاء ص١٣. وفي كتاب الحاوي للفتاوي: ج٢ ص٢٠٧. وفي كتاب السبل الجليّة ص٦.

وأخرجه أيضاً ابن كثير الدمشقي في تفسيره بهامش تفسير فتح البيان: ج١٠، ص١٤٦.

أقول: ورواه أيضاً الطبري في تفسير الآية الكريمة من تفسيره: ج٣٠ ص٢٣٢ ط مصر:

عن عباد بن يعقوب، عن الحكم بن ظهير، عن السدّي، عن ابن عبّاس، قال: من رضاء محمد (صلّى الله عليه وسلّم) أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

ورواه في الحديث: (١١١١، و١١١٣) من شواهد التنزيل عنه وعن فرات بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد الفزاري، عن عباد، عن نصر، عن محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن أبن عبّاس...

ورواه أيضاً السيّد هاشم البحراني - نقلاً عن فرائد السمطين الجزء الثاني، ومناقب ابن المغازلي - في الباب: (٢٣) من كتاب غاية المرام ص٣٢٥ ط١.

٢٩٦

[كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أبي عبد الله الجدلي حول تفسير قوله تعالى:( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) وأن مراد الله تعالى من الحسنة: حبّهم، ومن السيّئة: بغضهم].

٥٥٤ - أخبرني شيخنا الإمام مجد الدين محمد بن يحيى بن الحسين أبو الحسن الكرجي رحمه الله وسلفه - إجازةً إن لم يكن سماعاً بقراءتي عليه - قال: أخبرنا الرضيّ المؤيّد بن محمد بن علي إجازةً، أنبأنا جدّي لأُمّي محمد بن العبّاس العصاري أبو العبّاس سماعاً عليه، قال: أنبأنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد الفرُّخزادي (رحمه الله)، قال: أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (رحمه الله)، قال في تفسير قوله تعالى:( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ ) [٨٩ / النمل: ٢٧] قوله:( مَن جاء ) أي مَن وافى الله تعالى(١) [ثمّ قال الثعلبي]:

أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد القايني(٢) أنبأنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ببغداد، حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسين السبيعي بحلب، حدّثني الحسين [بن] إبراهيم الجصّاص، أنبأنا حسين بن الحكم(٣) حدثنا إسماعيل بن أبان، عن فضيل بن الزبير، عن أبي داود السبيعي:

عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت علي علي [بن أبي طالب] (عليه السلام) فقال:(يا أبا عبد الله ألا أُنبّئك بالحسنة التي مَن جاء بها أدخله [الله] الجنّة، والسيّئة التي مَن جاء بها أكبّه الله في النار (٤) ولم يقبل معها عملاً؟ قلت: بلى. قال:الحسنة

____________________

(١) وبعد هذا في نسخة السيد علي نقص، وبقيّة المطالب إلى آخر الكتاب أخذناها من مخطوطة طهران.

(٢) كذا في ظاهر رسم الخطّ من نسخة طهران، والظاهر أنّه هو الصواب.

ورواه في الباب: (٣١) من كتاب غاية المرام ص٣٢٩ نقلاً عن فرائد السمطين الجزء الثاني وقال: (الفامي).

(٣) وهو الحيري، والحديث موجود تحت الرقم: (٢٨) من تفسيره، الورق ٢٠ / أ /.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (٨٩) من سورة النمل (٢٧):( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) .

٢٩٧

حبّنا والسيّئة بغضنا) (١) .

[ثمّ قال الثعلبي: قوله عزّ وجلّ]:( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) أي من هذه الحسنة(٢) أي فله من هذه الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمن.

[ثمّ قال: و] قال ابن عبّاس [في معنى قوله:]( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) أي فمنها يصل إليه الخير(٣) .

وعن ابن عبّاس أيضاً [في معنى الكلام]:( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) يعني الثواب(٤) لأنّ الطاعة فعل العبد، والثواب فعل الله تعالى.

وقيل [في معنى قوله جلّ وعل:( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) ]: هو أن الله تعالى يقبل إيمانه حسناته، وقبول الله سبحانه وتعالى خير من عمل العبد.

وقيل [معنى]( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) : أي رضوان الله تعالى، قال الله تعالى: (ورضوان من الله أكبر) [٧٢ / التوبة: ٩].

وقال محمد بن كعب وعبد الرحمان بن زيد [المراد من الخير في قوله تعالى:]( فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) الأضعاف، أعطاه الله تعالى بالواحدة عشراً فصاعداً، فهذا خير منها.

[قال الثعلبي:] ولقد أحسن ابن كعب، وابن زيد في تأويلهما [الخير بالأضعاف] لأنّ للأضعاف خصائص، منها: أنّ العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف.

ومنها: أنّ للشيطان سبيلاً إلى عمله ولا سبيل [له] إلى الأضعاف، ولأنّه لا يطمع الخصوم في الأضعاف(٥) ولأنّ دار الحسنة الدنيا، ودار الأضعاف الجنّة، ولأنّ الحسنة على استحقاق العبد، والتضعيف كما يليق بكرم الربّ سبحانه.

____________________

(١) ورواه أيضاً الحافظ الحسكاني في تفسير الآية الكريمة تحت الرقم: (٥٨٢) من شواهد التنزيل: ج١، ص٤٢٦ ط١، وقال:

أخبرونا عن القاضي أبي الحسين النصيبي...

ورواه قبله بسندٍ آخر واختصار في متنه، وروى بعدهما شواهد لهما.

ورواه أيضاً فرات بن إبراهيم في الحديث: (٤) من تفسير سورة النمل من تفسيره ص١١٥.

ورواه أيضاً في الحديث: (٤٦) من الجزء (١٧) من أمالي الطوسي ج٢. ص١٠٧، ط٢:

ورواه في الباب: (٣١ و ٣٢) من كتاب غاية المرام عن أبي نعيم والكليني والطوسي وابن ماهيار، والبرقي والطبرسي في تفسير الآية الكريمة من مجمع البيان.

(٢) جملة: (أي من هذه الحسنة) سقطت عن مخطوطة طهران، وأخذناها من الباب: (٣١) من كتاب غاية المرام ص٣٢٩، وما بين المعقوفات زيادات توضيحية منّا.

(٣) كلمتا: (إليه الخير) كان محلّهما بياضاً في الأصل، وأخذناهما من كتاب غاية المرام.

(٤) لفظة: (الثواب) تفسير لقوله: (خير) أي إنّ لفاعل الحسنة ما هو خير من الحسنة التي أتى بها وهو ثواب الله.

(٥) كذا في مخطوطة طهران، وفي كتاب غاية المرام: (ولأنّه لا يطمح للخصوم في الأضعاف).

٢٩٨

٥٥٥ - أخبرني أحمد بن إبراهيم بن عمر، إجازة عن عب الرحمان بن عبد السميع، إجازة عن شاذان بن جبرئيل قراءة عليه، أنبأنا محمد بن عبد العزيز القمّي، أنبأنا حاكم الدين محمد بن أحمد بن عليّ أبو عبد الله، قال: أخبرنا أبو علي الحداد، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا ابن سهل، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن شيبة أبو العباس، قال: حدّثنا محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدّثنا أرطأة بن حبيب، قال: حدّثنا فضيل بن الزبير الرسان، عن عبد الملك يعني زادان(١) وأبي داوود، عن أبي عبد الله الجدلي، قال:

قال عليّ (عليه السلام):يا أبا عبد الله ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة؟ وبالسيّئة التي من جاء بها كبّت وجوههم في النار فلم يقبل منها عمل؟ ثم قرأ:( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) [٨٩ - ٩٠ / النمل: ٢٧].

ثم قال:يا أبا عبد الله الحسنة حبّنا والسيّئة بغضنا.

____________________

(١) كذا في أصلي، ورواه في الحديث الثاني من الباب: (٣١) من كتاب غاية المرام عن فرائد السمطين الجزء الثاني وقال: (عن زاذان).

٢٩٩

[قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسر قوله تعالى:( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) وأنّهم هم الذين رفضوا ولاية أهل البيت (عليهم السلام)].

٥٥٦ - أنبأني عِزّ الدين أحمد بن إبراهيم الفاروقي، أنبأنا النقيب عبد الرحمان الهاشمي إجازةً، أنبأنا شاذان بن جبرئيل القمّي بقراءتي عليه، أنبأنا محمد بن عبد العزيز، أنبأنا محمد بن أحمد بن علي، قال: أنبأنا أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد ابن محمد بن محمود، قال: أنبأنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، قال: حدّثنا أبو محمّد بن حبّاب، قال: حدّثنا محمد بن علي بن خلف العطّار، قال: حدّثنا الحسين بن علوان، قال: حدّثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة:

عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى:( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) (١) [٧٤ / المؤمنون: ٢٣] قال:(عن ولايتنا).

____________________

(١) أي ماثلون عادلون، يقال: نكب زيد عن الحق - من باب نصر نكْباً ونُكُوباً): عدل عنه. و: (نكب عن الطريق - من باب علم - نَكَباً): عدل عنه:

والحديث رواه أيضاً عبّاس بن ماهيار الثقة في تفسيره فيما نزل في أهل البيت (عليهم السلام)، قال:

حدثنا أحمد بن الفضل الأهوازي، عن بكر بن محمد بن إبراهيم غلام الخليل، قال: حدثنا زيد بن موسى، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين:

عن أبيه علي بن أبي طالب [(عليهم السلام)] في قول الله عزّ وجلّ:( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) قال:(عن ولايتنا أهل البيت) .

ورواه عنه وعن فرائد السمطين الجزء الثاني، وعن ابن شهر آشوب في الباب: (٥٦ و ٥٧) من كتاب غاية المرام ص٢٦٣..

ورواه أيضاً فرات بن إبراهيم في الحديث [صبيح (ح)] عن الحسين بن علوان، عن سعد، عن الأصبغ...

ورواه في تفسير الآية الكريمة تحت الرقم: (٥٥٧) وتاليه من كتاب شواهد التنزيل: ج١ ص٤٠٢ ط١، عنه وعن أبي بكر السبيعي، عن وضيف بن عبد الله الأنطاكي، عن جعفر بن علي، عن الحسن بن حسين بن علوان، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ...

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369