• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29640 / تحميل: 4738
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

الانتصار

الشريف المرتضى

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما يسر من حق متبع وصرف من باطل مبتدع وارشد إلى دلالة وأبعد من ضلالة وجهالة وصلاته على خير الانبياء وأفضلهم وأكرمهم(١) سيدنا محمد وعلى الاكارم المعالم من أهله الذين سلكوا منهاجه واتبعوا محاجه وحفظوا من التبديل والتغيير شريعته وبينوا مجملها وفسروا مشكلها وأقاموا دعامها وقربوا مرامها وسلامه وتحياته.

أما بعد: فإني ممتثل ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية(٢) العميدية أدام الله سلطانها، وأعلا أبدا شأنها ومكانها من بيان المسائل الفقهية التي شنع بها على الشيعة الامامية، وادعي عليهم مخالفة الاجماع وأكثرها موافق فيه الشيعة غيرهم من العلماء والفقهاء المتقدمين أو المتأخرين وما ليس لهم فيه موافق من

____________________

(١) اكملهم خ ل.

(٢) اقول: ظنى ان الوزير هو ابونصر محمد بن منصور الملقب عميد الملك الكندى النيسابورى.

استوزره السلطان طغرل بك السلجوقى والب ارسلان وقتل بتفتين نظام الملك الطوسى يوم الاحد سادس عشر ذى الحجة سنة ٤٥٦ عمره نيف وأربعون سنة، ترجمته مذكورة في وفيات الاعيان لابن خلكان ومجالس المؤمنين للقاضى نور الله مرقده (*).

٣

غيرهم فعليه من الادلة الواضحة والحجج اللايحة ما يغني عن وفاق الموافق ولا يوحش معه خلاف المخالف، وان أبين ذلك وأفصله وأزيل الشبهة المعترضة فيه وها أنا ذا مبتدئا بذلك ومعتمدا من الايجاز والاقتصار ما لا يخل بهم وإن كان خارجا عن إكثار يفضي إلى إملاك واضجار وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وبه استعنت واعتصمت ومما يجب تقديمه فهو الاصل الذي عليه يتفرع ما نحن بسبيله ومنه يتشعب ان الشناعة إنما تجب في المذهب الذي لا دليل عليه يعضده ولا حجة لقائله فيه فإن الباطل هو العاري من الحجج والبينات البرى من الدلالات فأما ما عليه دليل يعضده وحجة تعمده فهو الحق اليقين ولا يضره الخلاف فيه وقلة عدد القائل به، كما لا ينفع في الاول الاتفاق عليه وكثرة عدد الذاهب إليه، وإنما يسئل الذاهب إلى مذهب عن دلالته على صحته وحجته القائدة له إليه لا عمن يوافقه فيه أو يخالفه على انه لا أحد من فقهاء الامصار إلا وهو ذاهب إلى مذاهب تفرد بها مخالفوه كلهم على خلافها فكيف جازت الشناعة على الشيعة بالمذاهب التي تفردوا بها ولم يشنع على كل فقيه كأبي حنيفة والشافعي ومالك ومن تأخر عن زمانهم بالمذاهب التي تفردوا بها وكل الفقهاء على خلافه فيها، وما الفرق بينما انفردت به الشيعة من المذاهب التي لا موافق لهم فيها وبين ما انفرد به أبوحنيفة أو الشافعي من المذاهب التي لا موافق له فيها، فان قالوا: ان الفرق بين الامرين ان كل مذهب تفرد به أبوحنيفة فله موافق من فقهاء أهل الكوفة فيه، أو من السلف المتقدم.

وكذلك ما تفرد به الشافعي له فيه موافق من أهل الحجاز أو من السلف، وليس كذلك الشيعه.

قلنا: ليس كل مذهب تفرد به ابوحنيفه او الشافعى يعلم ان اهل الكوفه وأهل الحجاز او السلف قائلون به وان ادعى ذلك دون ما هو معلوم مسلم غير منازع فيه، فالشيعة أيضا تدعي وتروي ان مذاهبها التي انفردت بها هي مذاهب

٤

جعفر بن محمد الصادق ومحمد بن علي الباقر وعلي بن الحسين زين العابدينعليهم‌السلام بل تروي هذه المذاهب عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وتسندها إليه، فاجعلوا لهم من ذلك ما جعلتموه لابي حنيفة وللشافعي وفلان وفلان، أو انزلوهم على أقل الاحوال منزلة ابن حنبل وداود ومحمد بن جرير الطبري في ما انفردوا به فانكم تعذرونهم خلافا فيما انفردوا به، ولا تعذرون الشيعة خلافا فيما انفردوا به وهذا ظلم لهم وحيف عليهم على ان من مذاهب أبي حنيفة التي استدركها بالقياس ما لا يمكنه ان يدعي ان له في القول بها سلفا من الصحابة ولا التابعين ولو شئنا لاشرنا إلى فروع كثيرة له بهذه الصفة فكيف لم يشنعوا عليه بأنه ذهب إلى ما لم يذهب إليه أحد قبله وشنعتم على الشيعة بمثل ذلك فإن قالوا الفرق بين الامرين ان أبا حنيفة وإن انفرد بمذاهب قاده إليها القياس ولم يعلم سابق له إليها فإن تلك المسائل لم يجر لها في السلف ذكر ولا سبق لها حكم ولا خاض فيها أهل العلم فينعقد فيها إجماع أو خلاف، والشيعة انفردت بمذاهب يخالف ما علمنا إجماع السلف كلهم على خلاف قولهم فيها.

قلنا: قد مضى أن دعواكم إجماعا متقدما على خلاف ما يقوله الشيعة عارية من برهان، وإن القوم يسندون مذاهبهم إلى جماعة من السلف يخرج قولهم وخلافهم في تلك المسألة من أن يكون إجماع على خلاف مذاهبهم.

وبعد، فإذا سلم لكم ذلك على ما فيه فيجب ان تعذروا الشيعة خلافا فيما انفردوا به فيما يخالف مذاهب أبي حنيفة التي استدركها بالقياس، ولا سلف له فيها ولا إجماع تقدم عليها، وما نراكم تعذرونهم خلافا في شئ مما انفردوا به.

ولا تسوغون(١) ذلك حسب ما اقتضى الكلام الآن إليه على انكم الآن تعتدون بخلاف داود ومحمد بن جرير وأحمد بن حنبل في المسائل التي تفردوا بها

____________________

(١) ولا يفرعون خ ل.

٥

وعندكم ان الاجماع السالف منعقد على خلافها وتناظرونهم عليها فألا أسقطتم الاعتداد بهم في الخلاف والمناظرة لهم في هذه المسائل كما فعلتم مع الشيعة أو اجريتم الشيعة مجراهم في الاعتداد والمناظرة.

فان قالوا: لو كان ما تدعيه الشيعة في مذاهب الصادق والباقر حقا لوجب ان نعلمه كما علموه، ويزول الخلاف فيه منا كما علمت الشيعة بمذاهب سلفنا من أبي حنيفة والشافعي وغيرهما ممن تقدمهما.

قلنا: ليس يجب ان يعلم الاجانب والاباعد من مذاهب العالم ما يعلمه أصحابه وخلصاؤه وملازموه ومؤانسوه، ولهذا لا نعلم كثيرا من مذاهب أبي حنيفة مما يعلمه أصحابه والمنتمون إليه فمن هو أخص بالباقر والصادق "عليه‌السلام " من أصحابهما وشيعتهما اعلم بمذاهبهما ممن ليست له هذه الصفة معهماعليهما‌السلام على انا لا نعلم كثيرا من المذاهب التي يدعيها مخالفونا مذهبا لامير المؤمنين صلوات الله عليه وتروى عنه، وتحكي خلاف ما يروون وضد ما يحكمون فعذرهم في انا لا نعلم ذلك هو عذرنا في أن لم يعلموا المذاهب التي تدعيها ونحكيها عن أمير المؤمنين وعلماء أبناء‌ه صلوات الله عليهم، فليعتذروا بما شاؤا ثم نقول لهم: كيف علمنا صحة ما يحكونه مذهبا لابي حنيفة وللشافعي ولم نعلم ذلك في كل ما يدعونه مذهبا لامير المؤمنين صلوات الله عليه ففرقكم بين الامرين هو فرقنا بين العلم العام بمذاهب أبي حنيفة وأمثاله، ووقوع الاشتباه في كثير من مذاهب أئمتنا "عليهم‌السلام " وبعد فليس يجري مذاهب من قوله حجة في العلم بها مجرى مذاهب من ليس قوله بحجة.

ولهذا لانعرف بمذاهب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته في كثير من أحكام الشريعة كما نعلم مذاهب كثير من أصحابه فيها، وكما نعلم مذاهب أبي حنيفة والشافعي في تلك المسائل، والعلة في ذلك ما أشرنا إليه.

ثم يقال لمن يخالفنا إذا كان الاجماع عندكم على ضربين إجماع العلماء

٦

فيما لا مدخل للعامة فيه، والضرب الآخر إجماع الامة من عالم وعامي فألا راعيتم إجماع علماء الشيعة في إجماع العلماء.

وإجماع عامتهم في إجماع الامة وهم داخلون تحت لفظ النصوص التي تفزعون في صحة الاجماع إليها، فإن قالوا خلافهم الخاص(١) معلوم لا ريب فيه، وإنما الكلام في ان الاجماع على خلاف ما ذهبوا إليه قد سبق فقد تقدم من الكلام على هذا الفصل ما فيه كفاية.

وان قالوا: إنما لا يعتد بهم في الاجماع لانهم على بدع وضلالات تخرج من اعتقدها من ان يعتد به في خلاف.

قلنا: لا تخرجوا عن قانون الكلام في فروع الفقه وتمزجوه بغيره مما يحوج إلى الكلام في أصول الديانات التي تستعفون أبدا من الخوض فيها وأكثركم والغالب عليكم ليس من رجالها، ولا نذكر منها في هذا الباب ما قد تركنا الالمام به مقاربة ومساهلة، فأنتم تعلمون ان الشيعة الامامية تعتقد فيمن يخالفها في الاصول ما يمنع من أن يراعى قوله في إجماع المسلمين أو خلاف وينتهون في ذلك إلى غايات بعيدة لا تنتهون فيهم إليها فإنكم إذا بلغتم الغاية اعتقدتم فيهم انهم أصحاب بدع يكونون بها فساقا ولاينتهون إلى الكفر، والفاسق عند أكثر القائلين بالاجماع لايخرج بفسقه من أن يكون قوله خلافا في الشريعة، وهذا فصل الاضراب عن تحقيقه أعود إليكم وأسلم لكم فما خرج الامامي إلا في ان يعدل معه إلى هذا الضرب من الكلام فانه يتسع له منه ما لا يتسع من الكلام على فروع الفقه على انه كيف لا يعد خلافا من جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته مذاهبه حجة يرجع إليها ويعول عليها كالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في قوله " ع ": إني مخلف فيكم الثقلين ما ان تمسكتم

____________________

(١) وفى نسخة الحاضر.

٧

بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض أو ليس قد ذهب كثير من علماء المعتزلة ومحصليهم إلى ان إجماع أهل البيت خاصة وإن انفردوا عن باقي الامة(١) حجة يقطع بها فمن إجماعهم حجة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف لا يكون قولهم حجة خلافا وجاريا مجرى قول بعض الفقهاء في أنه خلاف معتد به ان هذالعجيب.

ومما يجب علمه ان حجة الامامية في صواب جميع ما انفردت به أو شاركت فيه غيرها من الفقهاء هي إجماعها عليه، لان إجماعها حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم فإن انضاف إلى ذلك ظاهر كتاب الله تعالى أو طريقة أخرى توجب العلم وتثمر(٢) اليقين فهي فضيلة ودلالة تنضاف إلى أخرى وإلا ففي إجماعهم كفاية وإنما قلنا ان إجماعهم حجة لان في إجماع الامامية قول الامام الذي دلت العقول على ان كل زمان لا يخلو منه، وانه معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول ولا فعل فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة ودليلا قاطعا.

وقد بينا صحة هذه الطريقة في مواضع من كتبنا وخاصة في جواب مسائل أبي عبدالله ابن التبانرحمه‌الله ، وفي جواب مسائل أهل الموصل الفقهية الواردة في سنة عشرين وأربعمائة، وفي غير هذين الموضعين من كتبنا، فانا فرعنا ذلك وأشبعناه واستقصيناه وأجبنا عن كل سؤال يسئل عنه، وحسمنا كل شبهة تعترض فيه، وبينا كيف الطريق إلى العلم بأن قول الامام المعصوم في جملة أقوال الامامية، وكيف السبيل إلى ان تعرف مذاهبه ونحن لا نميز شخصه وعينه في أحوال غيبته، وأسقطنا عجب من يقول من لا اعرفه كيف اعرف مذهبه ولا فائدة في شرح ذلك هاهنا، لان التشاغل في هذا الكتاب بغيره، ومن أراد التناهي

____________________

(١) الائمة خ ل.

(٢) وفى نسخة: ويتميز اليقين.

٨

في معرفة صحة هذا الاصل يرجع إلى حيث ارشدناه فإنه يجد ما يوفي على حاجته ويتجاوز قدر كفايته.

وإذا كانت الجملة التي أشرنا إليها هي الحجة في جميع مذاهب الشيعة الامامية في أحكام الفقه فعلى من شك في شئ من مذاهبهم وارتاب بصحته ان يسأل عن صحة ذلك، فإذا أقيمت فيه عليه الحجة بالطريقة التي أشرنا إليها وجب زوال ريبه وحصول علمه، وبرئت عهدة القوم فيما ذهبوا إليه ببيان الحجة فيه والدلالة عليه، وما يضرهم بعد ذلك خلاف من خالفهم، كما لا ينفع وفاق من وافقهم، ولو اقتصرنا على هذه الجملة في تمام الغرض لكفينا وما افتقرنا إلى زيادة عليها.

ولا احتجنا إلى تفصيل المسائل وتعيينها فإن الحجة في صحة الجميع واحدة، ولكنا نفصل المسائل ونعينها ونبين ما فيه موافق الشيعة الامامية من غيرهم وإن ظن مخالفهم انه لاموافق لهم فيها ثم نبين ما انفردوا به من غير موافق من مخالفيهم، ونضيف إلى هذه الطريقة التي أشرنا إليها في صحته على جهة الجملة ما لعله يمكن فيه ان يستدل من ظاهر كتاب الله أو طريقة توجب العلم، وكلما تيسر من تقويته وتقريبه وتسهيل مرامه لتكون الفائدة بذلك أكثر وأغزر وعلى الله توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٩

مسائل الطهارة وما يتعلق بها

مسألة: مما شنع به على الامامية، وظن انه لا موافق لهم فيه قولهم: ان الماء إذا بلغ كرا لم ينجس بما يحله من النجاسات، وهذا مذهب الحسن بن صالح بن حي وقد حكاه عنه في كتابه الموضوع لاختلاف الفقهاء أبوجعفر الطحاوي، والحجة في صحة هذا المذهب الطريقة التي تقدمت الاشارة إليها دون موافقة ابن حي فان موافقة ابن حي كمخالفته في انها ليست بحجة وإنما ذكرنا موافقته ليعلم ان الشيعة ما انفردت بهذا المذهب كما ظنوا، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة فيما افردناه من الكلام على مسائل الخلاف، ورددنا على كل مخالف في هذه المسألة لنا بما يعم ويخص من أبي حنيفة والشافعي ومالك بما فيه كفاية وسلكنا معهم أيضا طريق القياس الذي هو صحيح على أصولهم، وبينا ان القياس إذا صح كان شاهدا لنا في هذه المسألة، وذكرنا ما يروونه وهو موجود في كتبهم وأحاديثهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا.

فان قيل ابن حي يحدد الكر على ما حكاه الطحاوي عنه بما بلغ ثلاثة آلاف رطل وأنتم تحددونه بألف ومأتى رطل بالمدنى، قلنا ما ادعينا ان مذهب ابن حى موافقنا من كل وجه وانتم لم تعيبوا على الشيعة بتحديد الكر بالارطال وإنما عبتم اعتبار الكر فيما لا ينجس، وبعد فان تحديدنا بالارطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حي لانا عولنا في ذلك على آثار معروفة مروية وإجماع فرقة قد دل الدليل على ان فيهم الحجة، وابن حي لا يدري كيف حدد بثلاثة آلاف رطل ولا على ماذا اعتمد فيه على ان ابن حي يجب ان يكون عند أبي حنيفة

١٠

وأصحابه، والشافعي أحق بالعيب من الشيعة، فإن تحديد الشيعة أقرب إلى تحديد الشافعي من تحديد ابن حي لان ما بين القلتين وهما حد الشافعي وبين ألف رطل ومائتي رطل أقرب مما بين القلتين وثلاثة آلاف رطل، وإذا كان مذهب أبي حنيفة ان النجاسة تنجس القليل والكثير من الماء، فقول الشيعة على كل حال أقرب من قول ابن حي.

(مسألة): ومما انفردت به الامامية إيجابهم غسل الاناء من سؤر الكلب ثلاث مرات، إحداهن بالتراب لان أبا حنيفة لا يعتبر حدا في ذلك ولا عددا ويجريه مجرى إزالة سائر النجاسات.

والشافعي يوجب سبع غسلات إحداهن بالتراب.

ومالك لا يوجب غسل الاناء من سؤر الكلب ويقول انه مستحب فان فعله فليكن سبعا وهو مذهب داود.

وذهب الحسن بن حي وابن حنبل إلى انه يغسل سبع مرات والثامنة بالتراب، وقد تكلمنا على هذه المسألة في مسائل الخلاف بما استوفيناه وحجتنا فيما انفردنا به من إيجاب الثلاث الاجماع من الطائفة المتقدم ذكره ومما يجوز أن يحتج به على المخالف ما رووه وهو موجود في كتبهم ورواياتهم عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: اذا ولق الكلب في اناء احدكم فليغسله ثلاث مرات.

وايضا ما رواه أبوهريرة في حديث آخر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وظاهر هذا الخبر يقتضي وجوب الثلاث، لانه العدد الذي لم يجزعليه‌السلام الاقتصار على أقل منه.

فأما قوله: أو خمسأ أو سبعا فلا يخلو من أن يكون المستفاد بدخول لفظة أو فيه للتخيير بين هذه الاعداد ويكون الكل واحدا على جهة التخيير أو يكون فيما زاد على الثلاث للتخيير من غير وجوب، ويكون الزيادة على

١١

الثلاث ندبا واستحبابا والقسم الاول باطل لان أحدا من الامة لم يذهب إلى ان كل عدد من هذه الاعداد واجب كوجوب الآخر، والقائلون بسبع غسلات وإن أوجبوها فانهم لا يجعلون الثلاث والخمس واجبتان، ويجعلونه متخيرا بينهن وبين السبع بل يوجبون السبع دون ما عداها فلم يبق إلا القسم الثاني وهو مذهبنا، فإذا قيل: كيف يقع التخيير بين واجب وندب؟ قلنا: لم يخير بين واجب وندب لان الثلاث تدخل في الخمس والسبع، وإنما وقع التخيير بين الاقتصار على الواجب وهو الثلاث، وبين فعله والزيادة عليه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكل كافر وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

وحكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك انه لا يتوضئ به ووجدت المحصلين من أصحاب مالك يقولون ان ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم لاجل استحلالهم الخمر والخنزير وليس بمقطوع على نجاسته فكأن الامامية منفردة بهذا المذهب، ويدل على صحة ذلك مضافا إلى إجماع الشيعة عليه قوله تعالى: (إنما المشركون نجس).

فإذا قيل لعل المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين، قلنا نحمله على الامرين لانه لا مانع من ذلك.

وبعد فإن حقيقة هذه اللفظ تقتضي نجاسة العين في الشريعة وإنما يحمل على الحكم تشبيها ومجازا والحقيقة أولى باللفظ من المجاز.

فان قيل فقد قال الله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وهو عموم في جميع ما شربوا وعالجوه بأيديهم.

قلنا: يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم، وتحمل هذه

١٢

الآية على أن المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو ما عالجوه بأجسامهم على أن في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظن أن فيه خمرا أو لحم خنزير ولا بد من إخراجه مع هذا الظاهر، وإذا أخرجناه من هذا الظاهر لاجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بيناه نجسا أخرجناه أيضا من الظاهر.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن ماء البئر ينجس بما يقع فيها من النجاسة وإن كان كرا وهو الحد الذى حددوا به الماء الذى لا يقبل النجاسة، ويطهر ماؤها عندنا بنزح بعضه، وهذا ليس بقول لاحد من الفقهاء لان من لم يراع في الماء حدا إذا بلغ إليه لم ينجس بما يحله من النجاسات وهو أبوحنيفة لا يفصل في هذا الحكم بين البئر وغيرها كما فصلت الامامية، ومن راعى حدا في الماء إذا بلغه لم يقبل النجاسة وهوالشافعي في إعتباره القلتين لم يفصل بين البئر وغيرها، والامامية فصلت فانفردت لذلك عن الجماعة.

وعذر الامامية فيما ذهبت إليه في البئر والفصل بينها وبين مياه الغدران والآنية هو ما تقدم من الحجة ويعضد ذلك انه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في ان إخراج بعض ماء البئر يطهرها وإنما اختلفوا في مقدار ما ينزح، وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل حال من غير اعتبار بمقدار مائها وإن حكمها في ان إخراج بعض مائها يطهرها بخلاف حكم الاواني والغدران، ويمكن أن يكون الوجه في مخالفه حكم البئر فيما ذكرناه لاحكام الاواني والغدران أن نزح جميع ماء البئر يشق من وجهين، أحدهما لبعده عن الايدي، والآخر لان مائها يتجدد في كل حال مع النزح فشق إخراج الجميع، والاواني لا يشق إراقة جميع مائها.

وكذلك الغدران إذا كان ماؤها أقل من كر ألا ترى أن غسل الاواني

١٣

لما تيسر بعد إخراج النجاسة وجب، ولما تعذر ذلك في البئر سقط فلما خفف حكم البئر من الوجه الذي ذكرناه عن الاواني والغدران غلظ من وجه آخر وأسقط منها اعتبار مبلغ الماء في قلة أو كثرة لئلا يجتمع تخفيفان (الحكم) والمشقة اعتبار ذلك فيها لبعدها.

(مسألة) ومما ظن أن الامامية منفردة به وشنع عليها القول بأن جلود الميتة لا تطهر بالدباغ وهو مذهب أحمد بن حنبل، فالشيعة غير منفردة به، والدليل على صحة ما ذهبت إليه من ذلك مضافا إلى الطريقة المشار إليها في كل المسائل قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) وهذا تحريم مطلق يتناول أجزاء الميتة في كل حال، وجلد الميتة يتناوله اسم الموت لان الحياة تحله وليس بجار مجرى العظم والشعر وهو بعد الدباغ يسمى جلد ميتة، كما كان سمي قبل الدباغ فينبغي أن يكون خطر التصرف فيه لاحقا به، ويمكن أن يحتج على المخالفين بما هو موجود في كتبهم ورواياتهم من حديث عبدالله بن حكيم أنه قال: أتانا كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته بشهرين ألا تنتفعوا بأهاب من الميتة ولا عصب، ولا يعارض هذا الخبر ما يروونه عنهعليه‌السلام من قوله أيما أهاب دبغ فقد طهر، لان خبرهم عام اللفظ والخبر الذي إحتججنا به خاص، فنبني العام على الخاص لكي نستعمل الخبرين ولا يطرح أحدهما فان قالوا نحمل خبركم على تحريم الانتفاع بأهاب الميتة وعصبها قبل الدباغ.

قلنا: هذا تخصيص وترك للظاهر على كل حال على أنه لا معنى له لان العصب يحرم الانتفاع به على كل حال قبل الدباغ وبعده وليس بجار مجرى الجلد فان عارضونا بما يروونه عنهعليه‌السلام من قوله وقد سئل عن جلود الميتة فقال دباغها طهورها.

قلنا: إذا تعارضت الاخبار سقط الاحتجاج بها ورجعنا إلى ظاهر نص

١٤

الكتاب على أنه يمكن حمله على أن المراد به ما حله الموت من المذكى وسمي بذلك ميتة على ضرب من التجوز فليس ذلك بأبعد من قولهم في خبرنا أن المراد به لا تنتفعوا بأهاب ولا عصب قبل الدباغ.

فإن قيل: كيف تحملونه على ذلك وجلد المذكى طاهر قبل الدباغ؟ قلنا: عندنا أن جلود ما لا يؤكل لحمه من البهائم إذا ذكيت فلا يطهر جلدها(١) إلا بالدباغ بخلاف جلد ما يؤكل لحمه فيكون المراد جلود ما مات بالذكاة مما لا يؤكل لحمه دباغها طهورها، وإن حملناه على جميع جلود المذكى مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل لحمه جاز لان جلود ما أكل لحمه إذا ذكي وكان عليه نجاسة الدم فإذا بلغ زال ذلك عنه.

وقول بعضهم أن الجلد لا يسمى أهابا بعد الدبغ وإنما يسمى بذلك قبل دبغه لا يلتفت إليه لانه خارج عن اللغة والعرف.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن الدم الذي ليس بدم حيض يجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي وهو المضروب من درهم وثلث، وما زاد على ذلك لا يجوز الصلاة فيه وفرقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومني، وحرموا الصلاة في قليل ذلك وكثيره، وكأن التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا الحكم هو الذي تفردوا به.

فان أبا حنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات ولا يفرق بين بعضها وبين بعض.

والشافعي لا يعتبر الدرهم في جميع النجاسات، فاعتباره في بعضها هو التفرد، ويمكن القول بأن الشيعة غير منفردة بهذه التفرقة، لان زفر كان يراعي في الدم أن يكون أكثر من درهم ولا يراعي مثل ذلك في البول بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيره وهذا نظير قول الامامية.

____________________

(١) فلا يطهر جلودها - خ ل.

١٥

وروي عن الحسن بن صالح بن حي أنه كان يقول في الدم إذا كان على الثوب منه مقدار الدرهم يعيد الصلاة، فان كان أقل من ذلك لم يعد وكان يوجب الاعادة في البول والغائط قليلهما وكثيرهما وهذا مضاه لقول الامامية وقد مضى في صدر هذا الكتاب أن التفرد بما عليه حجة واضحة غير موحش وإجماع هذه الفرقة هو دليلها على صحة قولها، وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة في كتابنا المفرد لمسائل الخلاف واحتججنا على المخالفين لنا في هذه المسألة بضروب من الاحتجاجات منها قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فجعل تعالى تطهير الاعضاء الاربعة مبيحا للصلاة فلو تعلقت الاباحة بغسل نجاسة لكان ذلك زيادة لا يدل عليها الظاهر لانه بخلافه ولا يلزم على هذا ما زاد على الدرهم وما عدا الدرهم من سائر النجاسات لان الظاهر وإن لم يوجب ذلك فقد عرفناه بدليل أوجب الزيادة على الظاهر وليس ذلك في يسير الدم.

وذكرنا أيضا ما يروونه المخالفون ويمضي في كتبهم عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: إذا كان الدم في الثوب أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة وهذا تعليق للحكم بشرط متى لم يكن موقوفا عليه لم يؤثر، وبينا هناك أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم الحيض وسائر الدماء أن حكم دم الحيض أغلظ لانه يوجب الغسل فلهذا خولف بينه وبين غيره.

وقلنا أيضا: أنه يمكن أن يكون الفرق بين دم الحيض والنفاس إذا جمعنا بين دم الحيض والنفاس في هذه الصفة أن البلوى بسائر الدماء أعم من البلوى بعدم الحيض والنفاس، لان سائر الدماء يخرج من جسم الصغير والكبير والذكر والانثى والحيض والنفاس يختصان ببعض من ذكرناه وأيضا فان دم النفاس والحيض يختصان في الاكثر بأوقات معينة ويمكن التحرز منها

١٦

وباقي الدماء بخلاف ذلك، وإنما فرقنا بين الدم والبول والمني وسائر النجاسات في اعتبار الدرهم للاجماع المتقدم ويمكن أن يكون الوجه فيه أن الدم لا يوجب خروجه من الجسد وضوء‌ا على اختلاف مواضعه والبول والعذرة والمنى يوجب خروج كل واحد منها الوضوء، وفيها ما يوجب لغسل وهو المني فغلظت أحكامها من هذا الوجه على حكم الدم، ومن أراد الاستقصاء رجع إلى حيث ما ذكرنا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن المني نجس لا يجزي فيه إلا الغسل، لان أبا حنيفة وإن وافقهم في نجاسته فعنده أنه يجزي فرك يابسه والشافعي يذهب إلى طهارته.

وأما ما حكي عن مالك من أنه يذهب إلى نجاسته ويوجب غسله فليس ذلك بموافقة للشيعة الامامية على الحقيقة، لان مالك لا يوجب غسل جميع النجاسات وإنما يستحب ذلك، والامامية توجب غسل المني فهي منفردة بذلك وقد استوفينا أيضا الكلام على هذه المسألة في مسائل الخلاف ورددناه على كل مخالف لنا فيها بما فيه كفاية، ودللنا على نجاسة المني من قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان) وروى في التفسير أنه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام، والآية دالة من وجهين على نجاسة المني: أحدهما يوجب أن الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد بدلالة قوله تعالى: (والرجز فاهجر)، وأراد عبادة الاوثان.

وفي موضع آخر: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان).

والوجه الثاني: أنه تعالى أطلق عليه اسم التطهير، والتطهير لا يطلق في الشرع إلا لازالة النجاسة أو غسل الاعضاء الاربعة.

واحتججنا عليهم أيضا بما يروونه عن عمار بن ياسررحمه‌الله تعالى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني، وهذا يقتضي

١٧

وجوب غسله وما يجب غسله لا يكون إلا نجسا، والحجة الكبرى في نجاسته ووجوب غسله إجماع الامامية على ذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن البول خاصة لا يجزي فيه الاستجمار بالحجر ولا بد من غسله بالماء مع وجوده، ولا يجري عندهم مجرى الغائط في جواز الاقتصار على الحجر، وليس هذا بمذهب لاحد من الفقهاء، لان من يوجب الاستنجاء منهم لا يفرق بين البول والغائط في جواز الاقتصار فيه على الحجر، ومن يسقط وجوب الاستنجاء كأبي حنيفة يسقطه في الامرين، وينبغي أن يكون الامامية بهذا التفرد إلى جانب المدح أقرب منها إلى جانب العيب، لان قولها الذي انفردت به أشبه بالتنزه عن النجاسة وأولى في إزالتها والعيب إلى من لا يوجب الاستنجاء جملة، وجوز أن يصلي المصلي وعين النجاسة على بدنه متوجه أقرب.

وحجة الشيعة على مذهبها هو ما تقدم ذكره من إجماعها عليه وتظاهر الآثار في رواياتهم به.

ويمكن أن يكون الوجه في الفرق بين نجاسة البول ونجاسة الغائط أن الغائط قد لا يتعد المخرج إذا كان يابسا، ويتعداه إذا كان بخلاف هذه الصفة ولا خلاف في أن الغائط متى تعدى المخرج فلا بد من غسله بالماء، والبول لانه مايع جار لا بد من تعديه المخرج وهو في وجوب تعديه أبلغ من دقيق الغائط فوجب فيه ما وجب فيما تعدى المخرج من مايع الغائط ولا خلاف في وجوب غسل ذلك.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية الابتداء في غسل اليدين في الوضوء من المرافق والانتهاء إلى أطراف الاصابع، وفي أصحابنا من يظن وجوب ذلك حتى أنه لا يجزي خلافه، وقد ذكرت ذلك في كتاب مسائل الخلاف، وفي جواب مسائل أهل الموصل الفقهية أن الاولى أن يكون ذلك مسنونا ومندوبا

١٨

إليه وليس بفرض حتم، فقد انفردت الشيعة على كل حال بأنه مسنون على هذه الكيفية، وباقى الفقهاء يقولون: هو مخير بين الابتداء بالاصابع وبين الابتداء بالمرافق، والحجة على صحة ما ذهبت إليه مضافا إلى الاجماع الذي ذكرناه أن الحدث إذا تيقن فلا يزول إلا بأمر متيقن، وما هو مزيل له بيقين أولى وأحوط مما ليس هذه صفته، وقد علمنا أنه إذا غسل من المرافق إلى الاصابع كان مزيلا للحدث عن اليدين بالاجماع واليقين وليس كذلك إذا غسل من الاصابع فالذى قلناه أحوط.

ومما يجوز أن يحتج به على المخالفين ما رووه كلهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنه توضأ مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فلا يخلو من أن يكون ابتداء من المرافق أو انتهاء إليها، فإن كان مبتدئا بالمرافق فيجب أن يكون خلاف ما فعله غير مقبول، ولفظة مقبول يستفاد منه في عرف الشرع أمران: أحدهما الاجزاء، كقولنا لا يقبل الله صلاة بغير طهارة.

والامر الآخر: الثواب عليها، كقولنا إن الصلاة المقصود بها الرياء غير مقبولة بمعنى سقوط الثواب وإن لم يجب إعادتها.

وقول المعتزلة: ان صلاة صاحب الكبيرة غير مقبولة لانه لا ثواب عندهم له عليها وإن كانت مجزية لا يجب إعادتها، ويجب حمل لفظة نفي القبول على الامرين غير أنه إذا قام الدليل على أن من غسل يديه وابتدأ بأصابعه وانتهى إلى المرافق يجزي وضوء‌ه بقي المعنى الآخر وهو نفي الثواب والفضل وهو مرادنا، وقد بينا في مسائل الخلاف وفي جواب أهل الموصل إبطال استدلالهم بقوله تعالى: (إلى المرافق) وانه تعالى جعلها غاية للابتداء وقلنا أن لفظة إلى قد تكون بمعنى الغاية، وقد تكون بمعنى مع وهي في الامرين معا حقيقة.

واستشهدنا بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم)، وقوله عزوجل: (من أنصاري إلى الله)، وبقول أهل اللسان

١٩

العربي ولى فلان الكوفة إلى البصرة، والمراد بلفظه إلى في هذا كله معنى مع، واستشهدنا على ذلك بكثير من أشعار العرب وأجبنا عن سؤال من سأل فنقول: إذ احتملت لفظة إلى المعنيين معا فمن أين لكم أنها في الآية بمعنا مع دون ما ذكرناه من الغاية بأن قلنا الآية استدلال المخالف علينا لا دليلنا عليه ويكفي في كسره أن نبين احتمال اللفظة للامرين وأنها ليست بخالصة لاحدهما.

وقلنا أيضا: لو كانت لفظة إلى في الآية تفيد الغاية لوجب الابتداء بالاصابع والانتهاء إلى المرافق ولم يجز خلافه، لان أمره على الوجوب وقد أجمعوا على أن ذلك ليس بواجب، فثبت أن المراد باللفظة في الآية بمعنى مع.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية الآن وقد كان قولا للشافعي قديما القول بوجوب ترتيب اليد اليمنى في الطهارة على اليسرى لان جميع الفقهاء في وقتنا هذا والشافعي في قوله الجديد لايوجبون ذلك، والحجة على صحة هذا المذهب مضافا إلى الاجماع المتردد انا قد دللنا على أن الابتداء في غسل اليدين بالمرافق هو الواجب أو المسنون الذي خلافه مكروه، وكل من قال من الامة بأن الابتداء بالاصابع والانتهاء إلى المرافق مكروه أو هو خلاف الواجب ذهب إلى وجوب ترتيب اليمنى على اليسرى في الطهارة، والفرق بين المسألتين خروج عن الاجماع.

ويمكن أيضا أن يحتج في ذلك عليهم بما يروونه من قولهعليه‌السلام وقد توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله سبحانه وتعالى الصلاة إلا به فلايخلو من أن يكون قدم اليمنى أو أخرها، فإن كان قدمها وجب نفي اجزاء تأخيرها وإن كان أخرها وجب نفي اجزاء تقديمها وليس هذا بقول أحد من الامة وليس لهم أن يقولوا الاشارة في قولهعليه‌السلام : هذا

٢٠