• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29783 / تحميل: 4812
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

وقوع تطليقة واحدة، لانه بقوله أنت طالق قد تلفظ بلفظ الطلاق المسنون فيه فيجب إذا تكامل باقي الشرائط أن يقع واحدة، وجرى ذلك مجرى أن يقول أنت طالق، ويتبع ذلك بلفظ لا تأثير له مثل قوله قام زيد ودخلت الدار، وقد علمنا انه لو اتبع ذلك بشئ مما ذكرناه ولم يخرج لفظه بالطلاق من ان يكون واقعا وان اتبعه بهذيان لا حكم له.

فاذا قيل لم يسن له ان يقول لها انت طالق ثم ثلاثا فيجب أن لا يقع طلاقه، قلنا، ولم يسن له أن يقول أنت طالق ثم يسميها ومع ذلك فلو فعل خالف السنة ووقع طلاقه، لانا قد بينا أنه ما خالف السنة فيما وقع به الطلاق.

وإنما خالفها في غيره، ومخالفونا يوقعون الطلاق باللفظ الذي خولفت به السنة.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية قولهم: أن الطلاق لا يقع إلا بالتعيين والتمييز، فإذا قال الرجل لاربع نسوة: إحداكن طالق فكلامه لغو لا حكم له في الشريعة.

وقال أبوحنيفة وأصحابه والثوري وعثمان البستي والليث إذا لم ينو واحدة بعينها حين قال فأنه يختار أيتهن شاء فيوقع الطلاق عليها والباقيات نساؤه.

وقال مالك: إذا لم ينو واحدة بعينها طلق عليه جميع نسائه.

وقال الشافعي: إذا قال لامرأتيه طالق أحديكما طالق ثلاثا منع منهما حتى يبين، فان قال لم أرد هذه كان إقرارا منه بالاخرى.

والحجة لنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر، وأيضا فان الطلاق حكم شرعي وقد ثبت وقوعه ولزومه مع التعيين، ولا دليل على وقوعه مع الجهالة فيجب نفي وقوعه، وأيضا فلا خلاف في أن المشروع في الطلاق تسمية المطلقة والاشارة إليها بعينها ورفع الجهالة عنها، وإذا لم يفعل ذلك فقد تعدى المشروع، وقد بينا أن الفساد تابع لما خالف الشرع،

١٤١

ومذهب مالك أبعد من مذهب الجماعة " لانه إنما طلق واحدة وإن كانت لا بعينها فكيف يطلق عليه جميع نسائه، وقول غيره من الفقهاء في هذه المسألة أقرب إلى الصواب.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أي جزء كان لا يقع فيه الطلاق، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبوحنيفة وأصحابه إلا زفر إذا علق الطلاق بما يعبر به عن جملة البدن مثل الرأس والجسد واليدين أو عن جزء شايع مثل ربعك أو نصفك وقع الطلاق ولا يقع بما عدا ذلك.

وقال الشافعي: إذا علقه بكل بعض من أبعاضها مثل يدك أو رجلك أو شعرك أو غير ذلك من الابعاض وقع الطلاق ووافقه على ذلك ابن أبي ليلى وزفر ومالك والليث وابن حي، دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة أن تعليق الطلاق ببعضها ليس من الالفاظ المشروعة في الطلاق فيجب أن لا يقع.

وأيضا فان الطلاق حكم شرعي، وقد ثبت أنه إذا علقه بها وكملت الشرائط وقع، ولم يثبت أنه إذا علقه ببعضها وقع، والحكم الشرعي يجب نفيه بانتفاء دليل شرعي عليه.

ومما يمكن أن يستدل به قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) فجعل الطلاق واقعا بما يتناوله اسم النساء، واليد والرجل لا يتناولهما هذا الاسم بغير شبهة، وفرق أبوحنيفة بين الرقبة والرأس والفرج وبين اليد والرجل، لانهم يقولون عندي كذا وكذا رأسا من ا لعبيد والاماء وكذا كذا رقبة وكذا كذا فرجا غير صحيح، لان جميع ما ذكروه مجاز واستعارة، وكلامنا على الحقائق، ولان اليد قد يعبر بها أيضا عن جميع البدن لانهم رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال على اليد ما أخذت حتى ترده وأراد به الجملة وقال الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)، وقال تعالى: (فبما كسبت أيديهم) وإنما أراد الجملة دون البعض.

١٤٢

[مسائل الظهار]

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه إلا مع القصد والنية، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يعتبروا النية فيه، ومنع الليث بن سعد والمزني وداود من وقوع ظهار السكران، وأجازه بعض الفقهاء، وكل شئ احتججنا به في أن النية معتبرة في الطلاق فهو حجة هاهنا فلا معنى لاعادته.

(مسألة) ومما انفردت الامامية به أن الظهار لا يقع إلا في طهر لا جماع فيه بمحضر من شاهدين فمتى أخل بشرط مما ذكرناه لم يقع ظهار، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن الظهار حكم شرعي، وإنما يثبت في الموضع الذي يدل الشرع على ثبوته فيه، وإذا وقع مقارنا للشروط التي ذكرناها فلا خلاف بين الامة في لزوم حكمه، وليس كذلك إذا اختل بعض هذه الشروط لانه لا دليل شرعي على لزومه مع فقد الشروط التي اعتبرناها فيجب نفي وقوعه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن الظهار لا يقع بيمين ولا مشروطا بأي شرط كان، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

والحجة لنا في هذه المسألة الحجة في المسألة التي تقدمتها بلا فصل ولا معنى للتكرار.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه مع الجهالة ولا بد فيه من التعيين والتمييز إما بالاشارة أو التسمية، ومن قال لنسائه إحداكن علي كظهر أمي لا حكم لقوله، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا بعد الاجماع المتردد أن الظهار حكم شرعي وقد ثبت بالاتفاق أنه يقع مع التعيين ولم يثبت أنه واقع مع الجهالة.

١٤٣

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الظهار لا يقع إلا بلفظة الظهر ولا يقوم مقامها تعليقه بجزء من أجزاء الام أو عضو منها أي عضو كان وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

فقال أبوحنيفة وأصحابه: إذا قال أنت علي كيد أمي أو كرأسها وذكر شيئا يحل له النظر إليه منها لم يكن مظاهرا، فإن قال: كبطنها أو فخذها وما أشبه ذلك كان مظاهرا، لانه يجري مجرى الظهر في أنه لا يحل له النظر إليه.

وقال ابن القسم قياس قول مالك أنه يكون مظاهرا بكل شئ من الام وقال الثوري والشافعي إذا قال: أنت علي كرأس أمي أو كيدها فهو مظاهر لان التلذذ منها بذلك محرم عليه.

والحجة لنا بعد إجماع الطائفة ما تقدم من أن الظهار حكم شرعي وقد ثبت وقوعه ولزومه إذا علق بالظهر ولم يثبت ذلك في باقي الاعضاء، وأيضا فان الظهار مشتق من لفظة الظهر، فإذا علق باليد وما أشبهها بطل الاسم المشتق من الظهر ولم يجز إجزاؤه.

فإذا قيل: في اليد معنى الظهر.

قلنا: الاتفاق في معنى التحريم لا يوجب أن يكون اليد ظهرا، والاسم مشتق من الظهر دون غيره.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به القول: بأن من ظاهر ثم جامع قبل أن يكفر لزمته كفارتان، ووافق الامامية في ذلك الزهري وقتادة، وخالف باقي الفقهاء وأوجبوا كفارة واحدة، دليلنا الاجماع المتردد واعتبار اليقين ببرائة الذمة، فان ذلك لا يحصل إلا مع الكفارتين دون ا لواحدة، فان قيل: إذا كانت الكفارة إنما تلزم بالعود وهو إمساكها زوجة، والمقام على استباحة التمتع بها دون الجماع بدلالة قوله تعالى: (من قبل أن يتماسا) فبالعود يلزم كفارة واحدة، والجماع لا يوجب كفارة أخرى.

قلنا: الواجب بحكم الظهار إذا وقع العود الكفارة، فإذا جامع قبل أن يكفر لا يمتنع أن يلزمه كفارة أخرى عقوبة.

١٤٤

[مسائل الايلاء] ومما انفردت به الامامية القول: بأن الايلاء لا يكون إلا باسم الله تعالى دون غيره، ولو قال: ان قربتك فلله علي صوم أو صلاة لم يكن موليا، وقال أبوحنيفة وأبويوسف إذا قال: إن قربتك فلله علي صلاة لا يكون موليا، وقال زفر ومحمد ومالك وابن حي والشافعي: هو مول، وإذا قال لله علي صوم كان موليا في قولهم جميعا.

والحجة لنا بعد إجماع الطائفة إن الايلاء يتعلق به حكم شرعي، وقد علمنا تعلقه في الموضع الذي يتفق عليه ولم يدل دليل على ثبوت حكمه في موضع الخلاف فيجب نفي ثبوته.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن الايلاء لا يقع في حال الغضب الذي لا يضبط الانسان نفسه معه ولا مع الاكراه، ولا بد فيه من القصد، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا ما تقدم في كتاب الطلاق وأنه لا يقع مع الغضب والاكراه.

(مسألة) ومما ظن انفراد الامامية به أن من حلف أن لا يقرب زوجته وهي مرضع خوفا من أن تحمل فينقطع لبنها فيضر ذلك بولدها لا يكون موليا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

وروي عن الاوزاعي موافقة الامامية.

وقال مالك: لايكون موليا، لانه أراد صلاح ولده ولم يرد بالامتناع من الجماع الاضرار بالامرأة، والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن انعقاد الايلاء حكم شرعي وقد ثبت انعقاده في موضع الاتفاق ولم يثبت في موضع الخلاف وانعقاده حكم شرعي فيجب نفيه بنفي الدليل الشرعي.

١٤٥

فإن احتجوا بعموم قوله تعالى: (والذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر)، فالجواب أن العموم يخص بالدليل، وبعد فالآية تقتضي وجوب التربص فيمن آلى، ونحن نمنع من كون من قال للمرضعة لا أقربك في الرضاع موليا فالاسم لا يتناوله، فإن قيل: هذا يوجب ان لا ينعقد إيلاء في مصلحة للرجل أو لزوجته أو لولده على كل حال في غير الرضاع أيضا، قلنا: كذلك نقول وإليه نذهب.

[مسائل اللعان]

(مسألة) ومما كانت الامامية منفردة به وأن جمهور الفقهاء على خلافه القول: بأن الرجل إذا قال لامرأته: يا زانية وما جرى مجرى ذلك لا يوجب اللعان بينهما وإنما يكون قاذفا، والذي يوجب اللعان أن يقول رأيتك تزنين ويضيف الفاحشة منها إلى مشاهدته أو ينفي ولدا أو حملا، ووافق مالك والليث في هذه الجملة، والحجة لنا إجماع الطائفة.

وأيضا فان اللعان يتعلق به أحكام شرعية، فالطريق إلى إثبات ما يوجبه أدلة الشرع، وقد ثبت في الموضع الذى ذكرناه بالاتفاق أنه يوجب اللعان ولم يثبت ذلك فيما عداه فيجب نفي إيجابه اللعان.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من قذف إمراته وهى خرساء أو صماء لاتسمع شيئا فرق بينهما وأقيم عليه الحد ولم تحل له أبدا ولا لعان بينهما وخالف باقى الفقهاء في ذلك.

فقال ابوحنيفة واصحابه: إذا قذف الاخرس إمرأته لم يحد ولا يلاعن وقال الاوزاعي: إذا قذف إمرأته وهي خرساء لحق به ولدها ولا حد عليه ولا لعان.

وقال مالك والشافعي يلاعن الاخرس إذا قذف إمرأته بالاشارة.

١٤٦

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وإنما وجب الفرقة والحد على الزوج إذا قذف زوجته وهي خرساء، لان الذي يسقط الحد عن الزوج اللعان، والملاعنة للخرساء لا تصح.

وقال الاوزاعي: أن الولد يلحق بمن قذف إمرأته وهي خرساء صحيح لان اللعان إذا لم يصح وقوعه بينهما لخرس المرأة فالولد لاحق به، وأما نفيه الحد عنه فغلط منه، لانه قاذف ولم يبطل عنه حد اللعان فالحد لازم فيه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن من لاعن زوجته وجحد ولدها ثم رجع بعد ذلك فأقر بالولد فأنه يضرب حد المفتري ويورث الولد منه ولا يورث هو من ذلك الولد ويورث من هذا المولود أخوته من قبل أمه ولا يورث منه أخوته من جهة أبيه، ولست أعرف موافقا للامامية من مخالفها في هذه المسألة.

والدليل على صحة هذا المذهب الاجماع المتردد، وأيضا فإن الاحتياط فيه، لان إقراره بالولد بعد نفيه يغلب الظن [فيه] بأن القصد به الطمع في الميراث، وإذا حرم الميراث كان ذلك صارفا عن هذا المقصد، ومقتضيا أن الاقرار بعد الجحود مع حرمان الميراث إنما هو لتحري الحق والصدق دون غيره.

[مسائل العدة]

ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن الآيسة من النساء من المحيض إذا كانت في سن من لا تحيض لا عدة عليها متى طلقت، وكذلك من لا تبلغ المحيض إذا لم يكن مثلها من تحيض لا عدة عليها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون العدة على الآيسة من المحيض وعلى التي لم تبلغه على كل حال

١٤٧

وعدة هؤلاء عندهم الاشهر، وهذا المذهب ليس بمذهب لجميع الامامية وإن كان فيهم من يذهب إليه ويعول على أخبار آحاد في ذلك، ولا حجة فيها وليس بمذهب لجميع الامامية فيلحق بما أجمعوا عليه.

والذي اذهب انا اليه أن على الآيسة من المحيض والتى لم تبلغه العدة على كل حال من غير مراعاة للشرط الذى حكيناه عن أصحابنا.

والذى يدل على صحة هذا المذهب قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن) وهذا نص صريح في أن الآيسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدتهن الاشهر على كل حال، لان قوله تعالى: واللائي لم يحضن) معناه واللائي لم يحضن.

كذلك فان قيل: كيف تدعون أن الظاهر يقتضي إيجاب العدة على ما ذكرتم على كل حال.

وفي الآية شرط وهو قوله تعالى: (إن ارتبتم)، قلنا: أول ما نقوله أن الشرط المذكور في الآية لا ينفع أصحابنا، لانه غير مطابق لما يشترطونه وإنما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى: إن كان مثلهن لا تحيض في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض وإذا لم يقل الله تعالى ذلك وقال عزوجل: (إن ارتبتم) وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به.

وليس يخلو قوله تعالى: (إن ارتبتم) من أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل من أنه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها، فقد رووا ما يقوي ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكرناه من فقد العلم، فروى مطرف عن عمرو بن سالم قال قال أبي بن كعب يا رسول الله أن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الاحمال فأنزل الله عزوجل (واللائي يئسن

١٤٨

من المحيض) إلى قوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه.

ولا يجوز أن يكون الارتياب من المحيض بأنها آيسة أو غير آيسة لانه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض بقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض)، والمشكوك في حالها، والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة، والمرجع في وقوع الحيض منها وارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به، فإذا أخبرت بأن حيضها قد إرتفع قطع عليه، ولا معنى للارتياب مع ذلك، وإذا كان الحيض المرجع فيه إلى النساء ومعرفة الرجال به مبنية على أخبار النساء فكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض، فكان يجب أن يقول تعالى: إن ارتبتن أو إن ارتبن لانه حكم يرجع إلى النساء ويتعلق بهن فهن المخاطبات به، فلما قال الله تعالى أن إرتبتم فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة ومبلغها، فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو لمن تحيض أو لم تحض ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم.

قلنا: هذا يبطل أنه لا ريب في سن من تحيض أو لا تحيض مثلها من النساء، لان المرجع فيه إلى العادة، ثم إذا كان الكلام مشروطا فالاولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه الخلاف.

وقد علمنا أن من شرط وجوب الاعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم ووقوع الريبة ممن يعلم بذلك ويطلع عليه، فلا بد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به وجعلنا الريبة ممن يعلم بذلك واقعة فيه مرادا، وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو غيره، لان الكلام يستقل بتعلق الشرط بما ذكرنا أنه لا خلاف فيه ولا حاجة به بعد الاستقلال إلى أمر آخر، ألا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه.

١٤٩

وكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا خلاف فيه فلا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.

(مسألة) ومما يظن أن الامامية مجتمعة عليه ومنفردة به القول بأن عدة الحامل المطلقة أقرب الاجلين، وتفسير ذلك أن المطلقة إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضي الاقراء الثلاثة فقد بانت بذلك وإن مضت الاقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضا.

وقد بينا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل الفقهية أنه ما ذهب جميع أصحابنا إلى هذا المذهب ولا أجمع العلماء منا عليه، وأكثر أصحابنا يفتي بخلافه، ويذهب إلى أن عدة من ذكرنا حالها وضعها الحمل، وإن من ذهب إلى خلاف ما نصرناه إنما عول على خبر يرويه زرارة بن أعين عن أبي جعفر " ع "، وقد بينا أنه ليس بحجة توجب العلم، وسلمناه مع ذلك وتأولناه واستوفينا هناك من الكلام ما لا طائل في إعادته هاهنا وفي الجملة إذا كانت هذه المسألة مما لا يجمع أصحابنا عليها ويختلفون فيها فهي خارجة عما بنينا هذا الكتاب عليه.

فإن قيل فما حجتكم على كل حال على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها للحمل دون الاقراء، فإن إحتججتم بقوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) عورضتم بعموم قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء).

فالجواب عن ذلك أنه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها وأنها ناسخة لما تتقدمها، ومما يكشف عن ذلك أن قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) إنما هو في غير الحوامل، فإن من استبان حملها لا يقال فيها لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله تعالى في رحمها، وإذا كانت

١٥٠

هذه خاصة في غير الحوامل لم تعارض بها آية الوضع وهي عامة في كل حامل من مطلقة وغيرها.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الاجلين، وتصوير هذه المسألة أن المرأة إذا كانت حاملا فتوفى عنها زوجها ووضعت حملها قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض بذلك عدتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن هي مضت عنها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها لم يحكم لها بانقضاء العدة حتى تضع الحمل فكأن العدة تنقضي بأبعد هذين الاجلين مدة إما مضي الاشهر أو وضع الحمل وهذه المسألة يخالف فيها الامامية جميع الفقهاء في زماننا هذا لان الفقهاء يحكون في كتبهم ومسائل خلافهم خلافا قديما فيها، وأن أمير المؤمنين " ع " وعبدالله بن عباس كانا يذهبان إلى مثل ما تفتي به الامامية الآن فيها، والحجة للامامية الاجماع المتردد في هذا الكتاب.

وأيضا فإن العدة عبادة يستحق فيها الثواب، وإذا بعد مداها زادت مشقتها وكثر الثواب عليها في العدة، ومن وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا مشقة عليها في العدة، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر في الثواب وأوفر فقولنا أولى من قولهم.

فان احتجوا بظاهر قوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، وأنه عام في المتوفى عنها زوجها وغيرها عارضنا هم بقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، وأنه عام في الحامل وغيرها، ثم لو كانت آيتهم التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل وهو إجماع الفرقة المحقة الذي قد بينا أن الحجة فيه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن أقل ما يجوز أن

١٥١

ينقضي به عدة المطلقة التي تعتد بالاقراء ما زاد على ستة وعشرين يوما بساعة أو دونها مثال ذلك أن يكون طلقها زوجها وهي طاهر فحاضت بعد طلاقها بساعة، فتلك الساعة إذا كانت في الطهر فهي محسوبة لها قرء‌ا واحدا، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وهو أقل الحيض وطهرت بعد عشرة أيام وهو أقل الطهر، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وطهرت بعدها عشرة أيام وهي أقل الطهر، ثم حاضت فعند أول قطرة تراها من الدم قد بانت، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.

وأما الشافعي وإن كان قوله في القرء وأنه الطهر مثل قولنا واحتسب أيضا للمرأة بالطهر الذي يقع فيه الطلاق حسب ما نذهب إليه فأنه يذهب إلى أن أقل الطهر عنده خمسة عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة على مذهبه إثنان وثلاثون يوما ولحظتان.

مثال ذلك أن يطلقها في آخر جزء من اجزاء طهرها فتحيض فيحصل لها قرء بذلك، ثم تحيض يوما وليلة وهو أقل الحيض عنده، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عنده، ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما، ثم يبتدئ بها الحيض لحظة واحدة فتنقضي عدتها بأثنين وثلاثين يوما ولحظتين.

فأما أبويوسف ومحمد فأنهما ذهبا إلى أن أقل ما يمكن أن ينقضي به العدة تسعة وثلاثون يوما ولحظة واحدة، لانه يطلقها في آخر جزء من الطهر فتحيض عقيبه بثلاثة أيام وهو أقل الحيض عندهما، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تطهر لحظة واحدة.

وأبوحنيفة يذهب إلى ان أقل أن ينقضي به العدة ستون يوما ولحظة واحدة، لانه يعتبر أكثر الحيض وأقل الطهر، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام

١٥٢

فكأنه يطلقها في آخر أجزاء الطهر ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض عشرة أيام، ثم تطهر لحظة واحدة.

والحجة لما ذهبنا إليه بعد إجماع الفرقة المحقة عليه أن الله تعالى أمر المطلقة بالتربص ثلاثة أقراء، والصحيح عندنا أن القرء المراد في الآية هو الطهر دون الحيض.

وصح أيضا أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام، وقد دللنا في باب الحيض في هذا الكتاب على أن أقل الطهر هو عشرة أيام، ودللنا في ما كنا أمليناه من مسائل الخلاف المفردة على أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولم يبق إلا أن ندل على أن القرء هو الطهر.

والذي يدل على ذلك بعد الاجماع المتكرر أن لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين الحيض والطهر، وقد نص القوم على ذلك في كتبهم، ومما يوضح صحة الاشتراك أنها مستعملة في الامرين بغير شك ولا دفاع، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدل على أنها حقيقة في الامرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنها مجاز في أحدهما، وإذا ثبت أنها حقيقة في الامرين فلو خلينا والظاهر لكان يجب انقضاء عدة المطلقة بأن يمضي عليها ثلاثة أقراءمن الحيض والطهر معا لوقوع الاسم على الامرين، غير أن الامة أجمعت على أنها لا تنقضي إلا بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين إما من الطهر أو من الحيض، وإذا ثبت ذلك وكانت الاطهار التي نعتبرها تسبق ما يعتبره أبوحنيفة وأصحابه، لانه إذا طلقها وهي طاهرة أنقضت عدتها عندنا، وعند الشافعي بدخولها في الحيضة الثالثة، وعندهم تنقضي بانقضاء الحيضة الثالثة، وإذا سبق ما نعتبره لما يعتبرونه والاسم يتناوله وجب انقضاء العدة به.

وأما الشافعي وإن وافقنا في هذه الجملة فقولنا: إنما كان أولى

١٥٣

من قوله، لانه يذهب إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما وذلك عندنا باطل، فلهذا الوجه اختلف قولنا فيما ينقضي به العدة.

فان قيل: قد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن القرء مشتق من الجمع من قولهم قريت الماء في الحوض إذا جمعته وقرأته أيضا بالهمزة، وذهب آخرون إلى أن المراد به الوقت، واستشهدوا بقول أهل اللغة اقراء الامر إذا حان وقته، فإن كان الاصل الجمع فالحيض أحق به، لان معنى الاجتماع لا يوجد إلا في الحيض دون الطهر، وإن كان الاصل الوقت فالحيض أيضا أحق به لان الوقت إنما يكون وقتا لما يتجدد ويحدث، والحيض هو الذي يتجدد والطهر ليس بمتجدد بل هو الاصل ومعناه عدم الحيض.

فالجواب أن أهل اللغة قد نصوا على أن القرء من الاسماء المشتركة بين الطهر والحيض، وأنها من الالفاظ الواقعة على الضدين، ومن لا يعرف ذلك لا يكلم فيما طريقه اللغة، وهذا القدر كاف في بطلان السؤال.

ومما قيل: أن معنى الاجماع حاصل في حال الطهر، لان الدم يجتمع في حال الطهر ويرسله الرحم في زمان الحيض، فأما الوقت فقد يكون للطهر والحيض معا فليس أحدهما بالوقت أخص من الآخر.

وقولهم: إن الحيض حادث والطهر ليس بحادث وإنما هو ارتفاع الحيض، والحيض أشبه بالوقت من الطهر فليس بشئ، لان الوقت يليق بكل متجدد من حدوث أمر أو ارتفاع أمر، ألا ترى أن الحمرة توقت بوقت وهي حادثة وارتفاعها وزوالها يوقتان بوقت من حيث كانا متجددين، فإن قيل: ظاهر القرآن يقتضي وجوب استيفاء المعتدة لثلاثة أقراء كوامل وعلى قولكم الذي شرحتموه لا تستوفي ثلاثة أقراء وإنما يمضي عليها قرء‌ان وبعض الثالث، ومن ذهب إلى أن القرء الحيض يذهب إلى أنها تستوفي ثلاث حيض كوامل.

١٥٤

فالجواب أن كل من ذهب إلى أن القرء الطهر يذهب إلى أنها تعتد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق، ولا أحد من الامة يجمع بين القول بأن القرء هو الطهر وأنه لا بد من ثلاثة أقراء كوامل، فلما سلمنا أن ظاهر الآية يقتضي إكمال الاقراء الثلاثة جاز الرجوع عن الظاهر بهذه الادلة.

ومما يجاب به أيضا أن القرء في اللغة اسم لما اعتيد إقباله وما اعتيد إدباره، لانهم يقولون: اقراء النجم إذا طلع واقراء إذا غاب، والاقراء المذكور في الآية هو اسم لادبار الاطهار، فعلى ما ذكرناه يحصل للمعتدة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.

ومما قيل أيضا: أن القرء إذا كان من أسماء الزمان عبر باسم الثلاثة منه عن الاثنين وبعض الثالث كما قال تعالى: (الحج أشهر معلومات)، وأشهر الحج شهران وبعض الثالث.

وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث، ويمكن أن يقال في ذلك أنه مجاز، وحمل الآية على الحقيقة أولى، فالجواب الاول الذي اعتمدناه أولى، فان استدلوا على أن القرء هو الحيض، بأن الصغيرة والآيسة من المحيض ليستا من ذوات الاقراء بلا خلاف، وإن كان الطهر موجودا فيهما، ويقال للتي تحيض أنها من ذوات الاقراء، فدل ذلك على أن القرء هو الحيض.

والجواب عنه أن القرء اسم للطهر الذي يتعقبه الحيض وليس باسم لما لم يتعقبه حيض، والصغيرة والآيسة ليس لهما قرء، لانه لا طهر لهما يتعقبه حيض، فان استدلوا بما يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله لفاطمة بنت أبي حبيش دعي الصلاة أيام اقرائك، وهذا لا شبهة في أن المراد به الحيض دون الطهر.

والجواب: أن أخبار الآحاد غير معمول بها في الشريعة، وبعد فيعارض هذا الخبر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر ابن عمر إنما السنة أن تستقبل بها

١٥٥

الطهر ثم تطلقها في كل قرء تطليقة، فقد ورد الشرع أيضا باشتراك هذا الاسم بين الطهر والحيض.

(مسألة) ومما يظن انفراد الامامية به القول: بأن الاحداد لا يجب على المطلقة وإن كانت باينا، والاحداد هو أن تمتنع المرأة من الزينة بالكحل والامتشاط والخضاب ولبس المصوغ والمنقوش وما جرى مجرى ذلك من ضروب الزينة.

وقد وافق الامامية في ذلك قول الشافعي الجديد ومالك والليث بن سعد وقال أبوحنيفة وأصحابه والثوري على المطلقة المبتوتة من الاحداد مثل ما على المتوفى عنها زوجها، دليلنا إجماع الطائفة المحقة.

وأيضا فان الاحداد حكم شرعي، والاصل انتفاء الاحكام الشرعية، فمن أثبتها كان عليه الدليل، وإنما أوجبنا الاحداد على المتوفي عنها زوجها وخرجنا عن حكم الاصل بدليل ليس هو ثابتا هاهنا.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن أكثر مدة الحمل سنة واحدة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.

فقال الشافعي: أكثر الحمل أربع سنين، وقال الزهري والليث وربيعة أكثره سبع سنين.

وقال أبوحنيفة: أكثره سنتان، وقال الثوري والبستي: أكثره سنتان، وعن مالك فيه ثلاث روايات إحداهن مثل قول الشافعي أربع سنين والثاني خمس سنين والثالث سبع سنين.

واعلم أن الفائدة في تحديد أكثر الحمل أن الرجل إذا طلق زوجته فأتت بولد بعد الطلاق لاكثر من ذلك الحد لم يلحقه، وهذا حكم مفهوم لا بد من تحقيقه.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أنا نرجع في تحديد الحمل إلى نصوص وتوقيف وإجماع وطرق علمية، ولا نثبته من

١٥٦

طريق الظن ومخالفونا يرجعون فيه إما إلى أخبار آحاد توجب الظن أو إلى طرق إجتهادية لا توجب العلم وأكثر ما فيها إيجاب الظن فتحديدنا أولى، وأيضا فانه لا خلاف في أن السنة مدة الحمل وإنما الخلاف فيما زاد عليها فصار ما ذهبنا إليه مجمعا على أنه حمل، وما زاد عليه إذا كان لادليل عليه نفينا كونه حملا، لان كونه حملا يقترن به إثبات حكم شرعي والاحكام الشرعية تحتاج في إثباتها إلى الادلة الشرعية، فإن قالوا: نراعي في هذه اللفظة العادة، قلنا: العادة والعهد في ما قلناه دون ما قالوه، لانا لا نعهد حملا يكون أربع سنين ولا سبع سنين، وإنما يدعى ذلك من ليس قوله ثابتا فإن قالوا قد روى الشافعي أن ابن عجلان ولد لاربع سنين، قلنا: إنما عمل في ذلك على ظنه وحسن اعتقاده في الراوي، ومثل هذا لا يجوز بالظنون وهو معارض بما يروونه عن عائشة أنها كانت تقول: أكثر الحمل سنتان، وروى سليمان بن عباد قال: كانت عندنا بواسط امرأة بقي الحمل في جوفها خمس سنين، وإذا تعارضت الاخبار سقطت وثبت ما حددنا به أكثر الحمل.

١٥٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثاني: مسائل الايمان والنذر والكفارات

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن من حلف بالله تعالى أن يفعل قبيحا أو يترك واجبا لم ينعقد يمينه ولم يلزمه كفارة إذا فعل ما حلف أنه لا يفعله أو لا يفعل ما حلف أنه يفعله، ومن عدا الامامية يوجبون على من ذكرنا الحنث والكفارة.

دليلنا الاجماع المتردد.

وأيضا فان انعقاد اليمين حكم شرعي بغير شبهة.

وقد علمنا بالاجماع انعقاد اليمين إذا كانت على طاعة أو مباح، وإذا تعلقت بمعصية فلا إجماع ولا دليل يوجب العلم على انعقادها، فوجب نفي انعقادها لانتفاء دليل شرعي عليه.

وأيضا فان معنى انعقاد اليمين أن يجب على الحالف فعل ما حلف أنه يفعله أو يجب عليه أن لا يفعل ما حلف أنه لا يفعله، ولا خلاف في أن الحكم مفقود في اليمين على المعصية، لان الواجب عليه أن لا يفعلها فكيف ينعقد يمين يجب عليه ألا يفي بها وإن يعدل عن وجوبها.

فان قيل ليس معنى انعقاد اليمين ما ادعيتم بل معناه وجوب الكفارة متى خالف أو حنث، قلنا: هذا غير صحيح، لان وجوب الكفارة وحكم الحنث إنما يتبعان انعقاد اليمين، لانا إنما نلزمه الكفارة لاجل خلافه ليمين

١٥٨

انعقدت فكيف يفسر الانعقاد بلزوم الكفارة وهو مبني عليه وتابع له، والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أن الله تعالى أمرنا بأن نحفظ ايماننا ونقيم عليها بقوله تعالى: (واحفظوا ايمانكم)، وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود)، فاليمين المنعقدة هي التي يجب حفظها والوفاء بها، ولا خلاف أن اليمين على المعصية بخلاف ذلك، فيجب أن يكون غير منعقدة، فإذا لم تنعقد فلا كفارة فيها.

وأيضا فان من حلف أن يفعل معصية ثم لم يفعلها هو [بأن لم يفعلها] مطيع لله عزوجل فاعل لما أوجبه عليه فكيف يجب عليه كفارة فيما أطاع الله تعالى فيه وأدى الواجب به، وإنما تجب الكفارة على من أثم بمخالفة يمينه وحنث لتحط عنه الكفارة الاثم والوزر.

فإن قيل: فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من حلف على شئ فرأى ما هو خير منه فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه.

قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا يقتضي قطعا، وإنما تثبت الاحكام بما يقتضي العلم ولنا من أخبارنا التي نرويها عن أئمتناعليهم‌السلام ما لا يحصى عددا من المعارضة مما تضمن التصريح بسقوط الكفارة.

ويعارض هذا الخبر بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث عمر أنه قال: وليأت الذي هو خير وكفارتها تركها يعني " ع " ترك المعصية لان الكفارة لما كانت لازالة الاثم وترك المعصية إذا كان واجبا فلا إثم عليه فقد قام مقام الكفارة، ونحن نستعمل الخبرين المرويين عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيحمل قوله وليكفر على الاستحباب والندب، والمخالف لنا لا يمكنه على مذهبه استعمال الخبر المتضمن سقوط الكفارة، وإن كفارتها تركها.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية أن القائل إذا قال: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو هي علي كظهر أمي أو عبدي حر أو مالي صدقة لم يكن ذلك يمينا يلزم فيها الحنث والكفارة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقالوا:

١٥٩

متى حنث لزمه الطلاق والظهار والعتق.

وقال أبوحنيفة: إذا حلف بصدقة جميع ماله ثم حنث فعليه أن يتصدق بجميعه، وقال الشافعي: يجب عليه إذا حنث كفارة يمين، وقال مالك: يخرج عن ماله الثلث إذا حنث.

وقد روي موافقة الشيعة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه وطاووس والشعبي أنه لا شئ على من حلف بذلك ثم حنث.

أما الدلالة على أن الطلاق والظهار لا يقعان مشروطين، فقد تقدم في هذا الكتاب، وأما العتق والصدقة ففي أصحابنا من يفتي بأنه إن أخرج ذلك القول مخرج اليمين كان لغوا باطلا لا حكم له، وإن أخرجه مخرج النذر كان له حكم ا لنذر ووجب عليه العتق والصدقة إذا كان ما علقه به من الشرط وهذا غير صحيح لان النذر عند جميع أصحابنا من شرطه أن يقول الناذر لله تعالى علي كذا إن كان كذا، فإذا قال عبدي حر إن كان كذا ومالي صدقة وقصد النذر دون اليمين فلا يكون ناذرا إلا أن يقول لله علي صدقة مالي وعتق عبدي، فإن لم يقل ذلك لم يكن ناذرا كما لا يكون حالفا، والدليل على أن ذلك ليس بيمين ولا يلزم فيه حنث إجماع الطائفة وإجماعهم حجة، وأيضا فلا خلاف في أن الحالف بغير الله عاصي مخالف لما شرع من كيفية اليمين فإذا كان انعقاد اليمين حكما شرعيا لم يقع بالمعصية المخالفة للشرع، وأيضا فان الاصل براء‌ة الذمة من الحقوق.

ومن أثبت ذلك كان عليه الدليل، فإن احتج أبوحنيفة بقوله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا الله من فضله لنصدقن) الآية، وأنه ذمهم على مخالفة نفس ما عاهدوا عليه، فالجواب أنا لا نسلم أن ذلك عهد فمن ادعى أن له حكم العهد فعليه الدلالة، وبعد فان أكثر أصحابنا يقولون أن قوله على عهد الله ليس بيمين.

١٦٠