• البداية
  • السابق
  • 315 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29804 / تحميل: 4818
الحجم الحجم الحجم
الانتصار

الانتصار

مؤلف:
العربية

وضوء وقد توضأ مرة مرة لا يقبل الله الصلاة إلا به إلى أفعال الوضوء دون صفاته وكيفياته، وذلك ان الاشارة إذا اطلقت دخل تحتها الافعال وكيفياتها لان كيفياتها وصفاتها كالجزء منها، لانهعليه‌السلام لو غسل وجهه على ضرب من التحديد، ثم قال: لا يقبل الله الصلاة إلا به لدل ذلك على وجوب الفعل وصفته، ولولا أن الامر على ما قلنا لم يفرق بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بين وضوئه الاول والثاني والثالث.

وقال في الثالث الذي اقتصر فيه على مرة واحدة لا يقبل الله الصلاة إلا به، فلولا أن الاشارة إلى الصفات والكيفيات لكان الكل واحدا في أن الصلاة لا تقبل إلا به ان كانت الاشارة إلى الافعال دون الكيفيات على أن الشافعي لا يتمكن من الطعن بذلك لانه يستدل بهذا الخبر على وجوب ترتيب الطهارة في الاعضاء الاربعة ويراعي الكيفيات لان التركيب كيفية وصفه، فان طعن علينا بهذا فهو طاعن على نفسه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن الفرض مسح مقدم الرأس دون سائر أبعاضه من غير استقبال الشعر، والفقهاء كلهم يخالفون في هذه الكيفية ولا يوجبونها ولا شبهة في أن الفرض عند الامامية يتعلق بمقدم الرأس دون سائر أبعاضه ولا يجزي مع صحة هذا العضو سواه.

فأما ترك استقبال الشعر فهو عند أكثرهم أيضا واجب ولا يجزي سواه وفيهم من يرى أنه مسنون مرغب فيه، وعلى كل حال فالانفراد من الامامية ثابت، والذي يدل على صحة مذهبهم في هذه المسألة مضافا إلى طريقة الاجماع أنه لا خلاف في أن من مسح مقدم رأسه من غير استقبال شعر مزيل للحدث، مطهر للعضو، وفي العدول عن ذلك خلاف، فالواجب فعل ما يتيقن به زوال الحدث وبرائة الذمة فهو الاحوط.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن مسح الرأس إنما يجب

٢١

ببلة اليد، فان استأنف ماء جديدا لم يجزه، وحتى انهم يقولون إذا لم يبق في يده بلة أعاد الوضوء ولا يجب أن يقرر ان من وافق الشيعة في جواز التوضي بالماء المستعمل كما لك وأهل الظاهر موافق لهم في هذه المسألة لان من ذهب إلى أن الماء المستعمل مطهر يزول الحدث به إنما يجيز مسح الرأس ببلة اليد ولا يوجبه وهو تخيير للمتوضي بين أن يفعل ذلك وبين تجديد الماء والشيعة توجبه ولا تجيز فيه فالانفراد حاصل.

والذي يدل على صحة هذا المذهب مضافا إلى طريقة الاجماع أن ظاهر الامر بحكم عرف الشرع يقتضي الوجوب والفور إلا أن يقوم دليل شرعي ومن طهر يده فهو مأمور على الفور بتطهير رأسه فإذا جدد تناول الماء فقد ترك زمانا كان يمكن أن يطهر العضو فيه والفور يوجب عليه خلاف ذلك، فبظاهر الآية على ما ترى يجب أن يمسح ببلة يده رأسه ولا يلزم ذلك في اليدين مع الوجه، لان المفروض في اليدين الغسل ولا يمكن ذلك ببلة اليد من تطهير الوجه، والفرض في الرأس هو المسح وذلك يتأتى ببلة تطهير اليدين، ولو لم يكن هذا الفرق ثابتا جاز أن يخرج ماء اليدين بدليل ليس بثابت في الرأس.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن مسح الاذنين أو غسلهما غير واجب ولا مسنون وأنه بدعة، وباقي الفقهاء على خلاف ذلك، وهذه المسألة أيضا مما تكلمنا عليه في مسائل الخلاف واستوفيناه، وحجتنا فيها هو الاجماع الذي تقدم ذكره، ويمكن أن يقال من المعلوم أنه إذا ترك المسح للاذنين فليس بعاص ولامبدع عند أحد من الامة، ومتى مسحهما كان عند الشيعة مبدعا عاصيا، والاحوط هجر ما يخاف المعصية في فعله ولا يخاف التبعة في تركه.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بوجوب مسح الرجلين على

٢٢

طريق التضييق ومن غير تخيير بين الغسل والمسح على ما ذهب إليه الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري وأبوعلي الجبائي، وكان ايجاب المسح تضييقا من غير بدل يقوم مقامه هو الذي انفردت به الامامية في هذه الازمنة لانه قد روى القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباسرضي‌الله‌عنه وعكرمة وأنس وأبي العالية والشعبي وغيرهم وهذه المسألة مما استقصينا الكلام عليها في مسائل الخلاف وبلغنا فيها أقصى الغايات فانتهينا في تفريع الكلام وتشعيبه إلى ما لا يوجد في شئ من الكتب غير انا لا نخلي هذا الموضع من جملة كافية.

والذي يدل على صحة مذهبنا في إيجاب المسح دون غيره مضافا إلى الاجماع الذي عولنا في كل المسائل عليه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأمر بغسل الوجه وجعل للايدي حكمها في الغسل بواو العطف، ثم ابتدأ جملة أخرى فقال: (وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) فأوجب بالتصريح للرؤس المسح وجعل للارجل مثل حكمها بالعطف، فلو جاز أن يخالف بين حكم الارجل والرؤس في المسح جاز أن يخالف بين حكم الوجوه والايدي في الغسل لان الحال واحدة.

وقد أجبنا عن سؤال من يسألنا فيقول: ما أنكرتم أن الارجل إنما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرؤس بأجوبة منها ان الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها، ولا يقاس عليها سواها بغير خلاف بين أهل اللغة، ولا يجوز حمل كتاب الله عزوجل على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف.

ومنها أن الاعراب بالمجاورة عند من أجازه إنما يكون مع فقد حرف العطف، وأي مجاورة تكون مع وجود الحايل، ولو كان ما بينه وبين غيره

٢٣

حايل مجاورا لكانت المفارقة مفقودة، وكل موضع استشهد به على الاعراب بالمجاورة مثل قولهم (جحر ضب خرب، وكبير أناس في بجاد مزمل) لا حرف عطف فيه حايل بين ما تعدى إليه إعراب من غيره للمجاورة، ومنها ان الاعراب بالمجاورة إنما استعمل في الموضع الذي يرتفع فيه الشبهة ويزول اللبس في الاحكام، ألا ترى أن أحدا لا يشتبه عليه أن لفظة خرب من صفات الجحر لا الضب، وان إلحاقها في الاعراب بها لا يوهم خلاف المقصود وكذلك لفظة مزمل لا شبهة في أنها من صفات الكبير لا صفة البجاد، وليس كذلك الارجل لانه من الجائز أن تكون ممسوحة كالرؤس فإذا اعربت باعرابها للمجاورة ولها حكم الايدي في الغسل كان غاية اللبس والاشتباه، ولم تجز بذلك عادة القوم.

ومنها ولم نذكر هذا الوجه في مسائل الخلاف أن محصلي أهل النحو ومحققيهم نفوا أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع وقالوا: الجر في جحر ضب خرب على أنهم أرادوا خرب جحره، وكبير أناس في بجاد مزمل كبيره، ويجري ذلك مجرى مررت برجل حسن وجهه.

وقد بينا أيضا في مسائل الخلاف بطلان قول من ادعى أن الغسل الخفيف يسمى مسحا.

وحكى ذلك عن أبي زيد الانصاري من وجوه كثيرة أقواها أن فائدة اللفظين في الشريعة مختلفة وفي اللغة أيضا، وقد فرق الله تعالى في آية الطهارة بين الاعضاء المغسولة والممسوحة، وفصل أهل الشرع بين الامرين فلو كانتا متداخلتين لما كان كذلك، وحقيقة الغسل يوجب جريان الماء على العضو وحقيقة المسح يقتضي إمرار الماء من غير جريان، فالتنافي بين الحقيقتين ظاهر، لانه من المحال أن يكون الماء جاريا وسائلا وغير جار ولا سائل في حالة واحدة.

وقد بينا في مواضع كثيرة من كلامنا أن المسح يقتضي إمرار

٢٤

قدر من الماء بغير زيادة عليه فلا يدخل أبدا في الغسل.

ومن أقوى ما أبطل هذه الشبهة أن الارجل إذا كانت معطوفة على الرؤس كانت الرؤس بلا خلاف فرضها المسح الذي ليس بغسل على وجه من الوجوه فيجب أن يكون حكم الارجل كذلك، لان العطف مقتض للمسح وكيفيته، وقد بينا أيضا في مسائل الخلاف أن القرائة في الارجل بالنصب لا يقدح في مذهبنا وأنها توجب بظاهرها المسح في الرجلين كإيجاب القراء‌ة بالجر بظاهرها، لان موضع برؤسكم موضع نصب بإيقاع الفعل وهو قوله تعالى: (وامسحوا برؤسكم) وإنما جرت الرؤس بالباء الزائدة فإذا نصبنا الارجل فعلى الموضع لا على اللفظة، وأمثلة ذلك في الكلام العربي أكثر من أن تحصى يقولون لست بقائم ولا قاعد وأنشدوا:

معاوية اننا بشر فاسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

فنصبت على الموضع، ونظيره أن زيدا في الدار وعمرو فيرفع عمرو على موضع ان وما عملت فيه لان ذلك موضع رفع، ومثله مررت بزيد وعمرا وذهبت إلى خالد وبكرا.

وقال الشاعر:

جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل اخوة منظور بن سيار

ولما كان معنى جئني هات واعطني واحضرني مثلهم جاز العطف بالنصب على المعنى وهذا أبعد مما قلناه في الآية وبينا أن نصب الارجل عطف على الموضع أولى من عطفها على الايدي والوجوه لان جعل التأثير في الكلام القريب أولى من جعله للبعيد، ولان الجملة الاولى المأمور فيها بالغسل قد نقضت وبطل حكمها باستيناف الجملة الثانية، ولايجوز بعد انقطاع حكم الجملة الاولى أن يعطف عليها، ويجري ذلك مجرى قولهم ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا، أن رد بكرا في الاكرام إلى خالد فهو وجه الكلام الذي لا

٢٥

يجوز غيره ولا يسوغ رده إلى الضرب الذى قد انقطع حكمه على أن ذلك لو جاز لرجح ما ذكرناه لتطابق معنى القرائتين ولا يتنافيان، وتحديد طهارة الرجلين لا يدل على الغسل كما ظنه بعضهم، وذلك أن المسح فعل أوجبته الشريعة كالغسل فلا يمكن تحديده كتحديد الغسل ولو صرح تعالى فقال: (وامسحوا أرجلكم) وانتهوا بالمسح إلى الكعبين لم يك منكرا، فان قالوا: تحديد اليدين لما اقتضى الغسل، فكذلك وجب تجديد طهارة الرجلين تقتضي ذلك.

قلنا: لم توجب في اليدين الغسل للتحديد بل للتصريح بغسلهما وليس كذلك في الرجلين فقولهم عطف المحدود على المحدود أولى وأشبه بترتيب الكلام قلنا: ليس بمعتد لان الايدي معطوفة وهي محدودة على الوجوه وليست في الآية محدودة وإلا جاز عطف الارجل وهي محدودة على الرؤوس التي ليست بمحدودة، وهذا الذي ذهبنا إليه أشبه بالترتيب في الكلام، لان الآية تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه وعطف عليه مغسولا محدودا وهما اليدان ثم استأنف ذكر عضو ممسوح غير محدود وهو الرأس فيجب أن تكون الارجل ممسوحة وهي محدود ومعطوفة عليه دون غيره ليتقابل الجملتان في عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود، وفي عطف ممسوح محدود على ممسوح غيرمحدود، فان عارضونا بما يروونه من الاخبار التي يقتضي ظاهرها غسل الرجلين كروايتهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه توضأ مرة مرة وغسل رجليه وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.

وفي خبر آخر أحسنوا الوضوء وأسبغوا الوضوء.

وفي خبر آخر أنه أمر بالتخليل بين الاصابع.

وفي خبر آخر ويل للاعقاب من النار، فالكلام على ذلك أن جميع ما رووه أخبار آحاد لا توجب علما وأحسن أحوالها أن توجب الظن ولا يجوز أن يرجع عن ظواهر الكتاب المعلومة بما يقتضي الظن

٢٦

وبعد فهذه الاخبار معارضة بأخبار مثلها تجري مجراها في ورودها من طريق المخالفين لنا وتوجد في كتبهم وفيما ينقلونه عن شيوخهم، ونترك ذكر ما ترويه الشيعة وتنفرد به في هذا الباب فإنه أكثر عددا من الرمل والحصى، ومتى عارضناهم بأخبارنا قالوا: لا نعرفها ولا رواها شيوخنا، فليت شعري كيف يلزمونا أن نترك بأخبارهم ظواهر الكتاب ونحن لا نعرفها ولا رواها شيوخنا ولا وجدت في كتبنا، ولا يجيزون لنا أن نعارض أخبارهم التي لا نعرفها بأخبارنا التي لا يعرفونها وهل هذا إلا محض التحكم.

فمن أخبارهم ما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه بال على بساطة قوم قائما ومسح على قدميه ونعليه.

وروي عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمسح على رجليه.

وقد روى عنه أنه قال: ان كتاب الله جل ثناؤه أتى بالمسح، ويأبى الناس إلا الغسل.

وروي عنه أيضا: أنه قال: غسلتان ومسحتان.

وروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: ما نزل القرآن إلا بالمسح، والاخبار الواردة من طرقهم في هذا المعنى كثيرة وهي معارضة لاخبار الغسل، ومسقطة لحكمها، وقد بينا في مسائل الخلاف الكلام على هذه الاخبار بيانا شافيا.

وقلنا: ان قوله ويل للاعقاب من النار مجمل لا يدل على وجوب غسل الاعقاب في الطهارة الصغرى دون الكبرى، ويحتمل أنه وعيد على ترك غسل الاعقاب في الجنابة.

وقد روى قوم ان أجلاف العرب كانوا يبولون وهم قيام فيترشش البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة، فكان

٢٧

ذلك سببا لهذا الوعيد.

وقلنا أيضا: ان الامر بإسباغ الوضوء وإحسانه لا يدل على وجوب غسل ولا مسح في الرجلين، وإنما يدل على الفعل الواجب من غير تقصير عنه ولا إخلال به، وقد علمنا أن هذا القول منه صلوات الله عليه غير مقتض لوجوب غسل الرأس بدلا من مسحه، بل يقتضي فعل الواجب من مسحه من غير تقصير وكذلك الرجلين.

وقلنا: أن الامر بتخليل الاصابع لا بيان فيه على أنه تخليل أصابع الرجلين أو اليدين ونحن نوجب تخليل أصابع اليدين، والقول محتمل لذلك فلا دلالة فيه على موضع الخلاف.

ومما لم نذكره هناك أنه لا بد لجميع مخالفينا من ترك ظاهر ما يروونه من قوله "عليه‌السلام ".

هذا وضوء لايقبل الله الصلاة إلا به، لان من أداه إجتهاده ممن يقول بالتخيير بين الغسل والمسح ممن حكينا قوله لا بد من أن يكون مقبول الصلاة عندهم إذا أداه إجتهاده إلى المسح ومسح فلا بد من أن يكون في الخبر شرط وهو الاجتهاد فكأنه أراد لا يقبل الله الصلاة ممن أداه إجتهاده إلى وجوب الغسل دون غيره إلا به، وهذا ترك منهم للظاهر.

وكذلك لا بد من أن يشترطوا إذا وجد الماء وتمكن من إستعماله ولم يخف على نفس ولا عضو، لانه متى لم يكن كذلك قبل الله جل ثناؤه صلاته وإن لم يفعل مثل ذلك الوضوء، وإذا تركوا الظاهر جاز لخصومهم أن يتركوه أيضا، على أنه لا فرق بين أن يعذروا من أداه اجتهاده إلى المسح على جهة التخيير مثل الحسن البصري وابن جرير الطبري والجبائي ولم ينزلوهم منزلة من لا يقبل الله صلاته، وبين أن يعذروا الشيعة في إيجاب المسح دون غيره إذا أداهم إجتهادهم إلى ذلك أيضا، فليس إجتهادهم في هذا الموضع بأضعف من إجتهاد أصحاب التخيير.

٢٨

فان قيل: إذا قبلتم الخبر وتأولتموه فلا بد من أن تخرجوا له وجها يسلم على أصولكم التي هي الصحيحة عندكم وأنتم لا ترون الاجتهاد فتشرطوه في هذا الخبر.

قلنا: إنما قلنا ذلك دفعا لكم عن ظاهر الخبر وإخراجه من أن يكون حجة لكم، ويمكن إذا تبرعنا بقبوله أن يكون له تأويل صحيح على أصولنا وهو أن الفائدة في قوله "عليه‌السلام " لا يقبل الله الصلاة إلا به وجوب هذا الوضوء ويجري مجرى قولنا لا يقبل الله صلاته إلا بطهور والفائدة إيجاب الطهور، وقد يجب في بعض المواضع الوضوء على هذه الصفة عندنا حيث يخاف من مسح رجليه على نفسه فلا يجد بدا من غسلهما للتقية، ولا فرق بين أن لا يتمكن من فعل الوضوء على الوجه المفروض وبين فقد الماء أو الخوف على النفس من إستعماله إما من عدو أو برد شديد، وإذا فرضنا أن من هذه حاله يخاف أيضا من أن يتيمم كخوفه من مسح قدميه جازت له الصلاة بغسل رجليه من غير مسح لهما، وجرى مجرى من حبس في موضع لا يقدر فيه على ماء يتوضأ به ولا تراب يتيمم به.

(مسألة): ومما إنفردت به الامامية وجوب مسح الرجلين ببلة اليدين من غير إستيناف ماء جديد لهما وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والذي يدل على صحة هذا المذهب مع الاجماع المذكور المتكرر أن كل من أوجب في تطهير الرجلين المسح دون غيره أوجبه ببلة اليد، والقول بأن المسح واجب وليست البلة شرطا قول خارج عن الاجماع، وأيضا ما سلكناه في مسح الرأس بالبلة من أن المتوضي مأمور إذا مسح رأسه بتطهير رجليه على الفور، فإذا تشاغل بأخذ ماء جديد فقد عدل عن الفور وأخر إمتثال الامر.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول بأن مسح الرجلين هو من

٢٩

أطراف الاصابع إلى الكعبين، والكعبان هما العظمان الناتيان في ظهر القدم من عند معقد الشراك، ووافقهم محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في أن الكعب هو ما ذكرناه وإن كان يوجب غسل الرجلين إلى هذا الموضع.

والدليل على صحة هذا المذهب مضافا إلى الاجماع الذي تقدم ذكره أن كل من أوجب من الامة في الرجلين المسح دون غيره يوجب الغسل على الصفة التي ذكرناها، وإن الكعب هو الذى في ظهر القدم، فالقول بخلاف ذلك خروج عن الاجماع.

وأيضا فان دخول الباء في الرؤس يقتضي التبعيض، لان هذه الباء إذا دخلت ولم تكن لتعدية الفعل إلى المفعول فلا بد لها من فائدة وإلا كان إدخالها عبثا، والفعل متعدي بنفسه فلا حاجة منه إلى حرف يعديه، فلا بد من وجه يخرج إدخاله من العبث وليس ذلك إلا إبجاب التبعيض، فإذا وجب تبعيض طهارة الرؤس، فكذلك في الارجل بحكم العطف وكل من أوجب تبعيض طهارة الرجلين ولم يوجب إستيفاء جميع العضو ذهب إلى ما ذكرناه وقد بينا في مسائل الخلاف الكلام على هذه المسألة واستوفيناه، وأجبنا من يسأل فيقول: كيف قال الله تعالى: (إلى الكعبين) وعلى مذهبكم ليس في كل رجل إلا كعب واحد؟ قلنا: انه تعالى أراد رجلي كل متطهر وفي الرجلين كعبان على مذهبنا، ولو بني الكلام على ظاهره لقال: وأرجلكم إلى الكعاب، والعدول بلفظ أرجلكم إلى أن المراد بها رجلا كل متطهر أولى من حملها على كل رجل وتكلمنا على تأويل أخبار تعلقوا بها في أن الكعب هو الذي في جانب القدم بما يستغني ها هنا عن ذكره.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بأن المسنون في تطهير العضوين المغسولين وهما الوجه واليدان مرتان ولا تكرر في الممسوحين الرأس

٣٠

والرجلين، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك، إلا أن أبا حنيفة يوافقنا في أن مسح الرأس خاصة مرة واحدة.

ودليلنا على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتقدم انا قد دللنا على أن فرض الرجلين المسح دون غيره وكل من أوجب مسحهما على هذا الوجه يذهب إلى أنه لا تكرار فيهما، وكذلك في طهارة الرأس.

ويذهب أيضا إلى أن المسنون في العضوين المغسولين المرتان بلا زيادة والتفرقة بين هذه المسائل خروج عن الاجماع، ولك أن تقول: قد ثبت ان المرتين في المغسولين مسنون والزيادة على ذلك حكم شرعي فلا بد فيه من دليل شرعي ولا دليل فيه فان كل شئ تعتمدونه في ذلك المرجع فيه إلى أخبار آحاد لا يعمل بها على ما دللنا عليه في مواضع كثيرة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بوجوب تولي المتطهر وضوء‌ه بنفسه إذا كان متمكنا من ذلك فلا يجزيه سواه والفقهاء كلهم يخالفون في ذلك.

والدليل على صحة هذا المذهب مضافا إلى الاجماع قوله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأمر بأن يكونوا غاسلين وماسحين والظاهر يقتضي تولي الفعل حتى يستحق التسمية، لان من وضأه غيره لا يسمى غاسلا وماسحا على الحقيقة، وأيضا فان الحدث متيقن ولا يزول إلا بيقين، وإذا تولى تطهير أعضائه زال الحدث بيقين، وليس كذلك إذا تولاه له غيره.

(مسألة) ومما ظن إنفراد الامامية به القول بأن النوم حدث ناقض للطهارة على إختلاف حالات النائم، وليس هذا مما إنفردت به الامامية، لانه مذهب المزني صاحب الشافعي، وقد إستقصينا هذه المسألة في الكلام على مسائل الخلاف ودللنا على صحتها بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا

٣١

قمتم إلى الصلاة..) الآية، وقد نقل أهل التفسير وأجمعوا على أن المراد إذا قمتم من النوم، والآية خرجت على سبب يقتضي ما ذكرناه فكأنه قال جل ثناؤه وإذا قمتم إلى الصلاة من النوم، وهذا الظاهر يوجب الوضوء من كل نوم، وإجماع الامامية أيضاحجة في هذه المسألة.

وقد عارضنا المخالف لنا فيها بما يروونه في كتبهم وأحاديثهم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله العين وكاء السنة فمن نام فليتوضأ، واستوفينا ذلك بما لا طائل في ذكر جميعه ها هنا.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن المذي والوذي لا ينقضان الوضوء على كل حال، لان مالكا وإن ذهب إلى انهما لا ينقضان الوضوء متى خرجا على وجه يخالف العادة فانه يذهب إلى نقض الطهر بهما إذا كانا معتادين، والانفراد من الامامية ثابت على كل حال.

ودليلهم على ذلك بعد إجماعهم عليه أن نقض الطهر حكم شرعي لا محالة لا يجوز إثباته إلا بدليل شرعي، ولا دليل على انهما ينقضان الوضوء، والرجوع إلى أخبار الآحاد في ذلك غير مغن لانا قد بينا في مواضع أن أخبار الآحاد لا يعمل عليها في الشريعة، ويمكن أن يحتج على المخالفين بما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: لا وضوء إلا من صوت أو ريح.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول بوجوب ترتيب غسل الجنابة وأنه يجب غسل الرأس إبتداء ثم الميامن ثم المياسر، وإنما كانت بذلك منفردة لان الشافعي وإن وافقهم في وجوب ترتيب الطهارة الصغرى فهو لا يوجب الترتيب في الكبرى، وأبوحنيفة ومن وافقه يسقطون الترتيب في الطهارتين معا، ودليلنا مضافا إلى الاجماع المتردد أن الجنابة إذا وقعت بيقين لم يزل حكمها إلا بيقين، وقد علمنا أنه إذا رتب الغسل تيقن زوال حكم الجنابة

٣٢

وليس كذلك إذا لم يرتب.

وأيضا فان الصلاة واجبة في ذمته فلا تسقط إلا بيقين.ولا يقين إلا مع ترتيب الغسل.

وأيضا فقد ثبت وجوب ترتيب الطهارة الصغرى ولا أحد أوجب الترتيب فيها على كل حال، ولم يشترط ذلك بالاجتهاد وإن شئت أن تقول ولا أحد أوجب الترتيب فيها على كل احد، ولم يعذر تارك الترتيب فيها إلا وهو موجب لترتيب غسل الجنابة فالقول بخلافه خروج عن الاجماع.

(مسألة) ومما انفردت به الامامية القول: بأن الجنب والحائض يجوز أن يقرأ من القرآن ما شاء إلا عزائم السجود وهي سجدة لقمان وسجدة الحواميم وسورة النجم، وأقرأ باسم ربك الذى خلق وإنما كانت منفردة بذلك، لان داود يبيحهما قراء‌ة قليل القرآن وكثيره من غير إستثناء، ومالك يجوز للجنب أن يقرأ من القرآن الآية والآيتين، ويجيز للحائض والنفساء أن تقرأ ما شاء.

وأبوحنيفة وأصحابه يحظرون على الجنب والحائض قراء‌ة القرآن إلا أن يكون دون آية.

فأما الشافعي فمنعها من قراء‌ة القليل والكثير، دليلنا على صحة ما ذكرناه الاجماع الذي تكرر وقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) وقوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وظاهر عموم ذلك يقتضي حال الجنابة وغيرها، فإن ألزمنا قراء‌ة السجدات قلنا: أخرجناها بدليل، ويمكن أن يكون الفرق بين عزائم السجود وغيرها أن فيها سجودا واجبا والسجود لا يكون إلا على طهر.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن التيمم إنما يجب في آخر وقت الصلاة وعند تضييقه، والخوف من فوت الصلاة متى لم يتيمم وإن قدمه على هذا الوقت لم يجزه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، لان

٣٣

أبا حنيفة يجوز تقديمه على دخول الوقت، والشافعي لا يجوز ذلك، لكنه يجوزه في أول وقت، وأبوحنيفة يستحب تأخيره إلى آخرالوقت، والشافعي يستحب تقديمه في أوله.

دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر.

وأيضا فالتيمم بلا خلاف إنما هو طهارة ضرورية، ولا ضرورة إليه إلا في آخر الوقت وما قبل هذه الحال لا يتحقق فيه ضرورة، وليس للمخالف أن يتعلق بظاهر قوله جل ثناؤه (فان لم تجدوا ماء فتيمموا)، وأنه لم يفرق بين أول الوقت وآخره، لان الآية لو كان لها ظاهر يخالف قولنا جاز أن نخصه بما ذكرناه من الادلة فكيف ولا ظاهرها ينافي ما نذهب إليه، لانه جل ثناؤه قال: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة..) وأراد بلا خلاف إذا أردتم القيام إلى الصلاة ثم اتبع ذلك بحكم العادم للماء الذي يجب عليه التيمم، فيجب على من تعلق بهذه الآية أن يدل على أن من كان في أول الوقت له أن يريد الصلاة ويعزم على القيام إليها فانا نخالف في ذلك ونقول: ليس لمن عدم الماء أن يريد الصلاة في أول الوقت، وليس لهم أن يفصلوا بين حكم الجملتين ويقولوا ان إرادة الصلاة شرط في الجملة الاولى التي أمر فيها بالطهارة بالماء مع وجوده.

وليست شرطا في الجملة الثانية التي إبتدؤها وإن كنتم مرضى وذلك لان الشرط الاول لو لم يكن شرطا في الجملتين معا لكان يجب على المريض أو المسافر إذا أحدثا التيمم وإن لم يريدا الصلاة وهذا لا يقوله أحد.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن مسح الوجه بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف الانف من غير إستيعاب له، فإن باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب.

والامامية وإن إقتصرت في التيمم على ظاهر الكف فلم تنفرد بذلك لانه قد روي عن الاوزاعي مثله، والذي يدل على ما ذكرناه مضافا إلى الاجماع

٣٤

هو قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) ودخول الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول لا بد له من فائدة وإلا كان عبثا ولا فائدة بعد إرتفاع التعدية به إلا التبعيض.

وأيضا: فان التيمم طهارة موضوعها للتخفيف، ولا يجوز إستيعاب الاعضاء فيها كاستيعابها في طهارة الاختيار، فلهذا كانت في عضوين، وكانت الطهارة الاخرى في أربعة.

(مسألة) ومما يشتبه إنفراد الامامية به القول بأن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام.

وقد روي من بعض الجهات عن مالك مثل ذلك بعينه، وفي روايات أخرى أنه لا يوقت، وعند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي أقل الطهر خمسة عشر يوما، دليلنا الاجماع المتقدم.

وأيضا فان المدة التي ذهبنا إليها وهي عشرة أيام مجمع عليها، وعلى من ذهب إلى الزيادة عليها الدلالة، ولا حجة في ذلك تعتمد.

وأيضا فان قولنا أحوط للعبادات لانا نوجب على المرأة عند مضي عشرة أيام على انقطاع الدم الصلاة والصوم وهم يراعون مضي خمسة عشر يوما، فقولنا أولى في الاحتياط للعبادة وأشد إستظهارا فيها.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية الايجاب على من وطئ زوجته في أول الحيض أن يتصدق بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار ومن عداهم يخالف في هذا الترتيب، لان ابن حنبل وإن وافقهم في إيجاب الكفارة بالوطى في الحيض يذهب إلى أنه يجب أن يتصدق بدينار أو نصف دينار.

وقال الشافعي في قوله القديم يجب أن يتصدق بدينار، وفي القول الجديد يستغفر الله ولا كفارة تلزمه.

وبذلك قال أبوحنيفة وأصحابه ومالك وربيعة والليث بن سعد، وحكى

٣٥

المزني عن محمد بن الحسن أنه قال يتصدق بدينار أو نصف دينار.

ودليلنا الاجماع المعتمد عليه في كل المسائل.

ومما يعارضون به ما يروونه عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من أتى أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار فليس لهم أن يحملوا ذلك على الاستحباب، لان ظاهر الامر في الشرع يقتضي الوجوب، ولانهم لا يستحبون هذا المبلغ المخصوص لاجل هذا الوطي، وإنما يستحبون الصدقة على الاطلاق، والخبر يقتضي خلاف ذلك.

فان قيل الخبر الذى عارضتم به يقتضي التخيير بين دينار ونصف دينار.

قلنا: يحتمل أن يريد بدينار إن وطئ في أول الحيض، وبنصفه إن وطئ في وسطه، ويمكن أن يكون الوجه في ترتيب هذه الكفارة ان الواطي في أول الحيض لا مشقة عليه من ترك الجماع لقرب عهده به فغلظت كفارته والواطي في آخره مشقته شديدة لتطاول عهده فكفارته أنقص وكفارة الواطي في نصف الحيض متوسطة بين الامرين.

(مسألة) ومما يظن إنفراد الامامية به القول بجواز أن يطأ الرجل زوجته إذا طهرت عن دم الحيض وإن لم تغتسل متى مست به الحاجة إليه ولم يفرقوا بين جواز ذلك في مضي أكثر الحيض أو أقله.

ووافق الشيعة في ذلك داود وقال بمثل قولها وأبوحنيفة وأصحابه يجوزون له أن يطأها قبل أن تغتسل إذا انقطع دمها إن كان ذلك بعد مضي زمان أكثر الحيض، وإن كان في ما دون أكثر الحيض لم يجز له وطؤها إلا بأن تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كاملة.

وقال الشافعي: ليس له أن يطأها حتى تغتسل على كل حال(١) دليلنا الاجماع المتقدم، وقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على

____________________

(١) دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه خ ل.

٣٦

أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)، وقوله عزوجل (فأتوا حرثكم أنى شئتم) وعموم هذه الظواهر يتناول موضع الخلاف.

وأيضا قوله عزوجل: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا شبهة في أن المراد بذلك إنقطاع الدم دون الاغتسال(١) وجعل إنقطاع الدم غاية يقتضي أن ما بعده بخلافه.

وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في مسائل الخلاف.

وبلغنا غايته وذكرنا معارضتهم بالقرائة الاخرى في قوله جل ثناؤه: (حتى يطهرن) فانها قرأت بالتشديد (ومع التشديد) فلا بد من أن يكون المراد بها الطهارة بالماء وأجبنا عنها.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن أكثر النفاس مع الاستظهار التام ثمانية عشر يوما، لان باقي الفقهاء يقولون بخلاف ذلك، فذهب أبوحنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد إلى أن أكثره أربعون يوما وذهب مالك والشافعي إلى أن أكثره ستون يوما، وحكى الليث أن في الناس من يذهب إلى أنه سبعون يوما، وحكي عن الحسن البصري أن أكثر النفاس خمسون يوما.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره.

وأيضا فإن النساء يدخلن في عموم الامر بالصلاة والصوم، وإنما تخرج النفساء بالايام التي راعتها الامامية بإجماع الامة على خروجها، وما زاد على هذه الايام لا دليل قاطع يدل على إخراجها من العموم، والظاهر يتناولها.

وأيضا فان الايام التي ذكرناها مجمع على أنها نفاس، وما زاد عليها لا يجوز إثباته نفاسا بأخبار الآحاد والقياس، لان المقادير الشرعية كلها لا يجوز إثباتها إلا من طريق مقطوع به، وقد تكلمنا في هذه المسألة في جملة ما خرج لنا من مسائل الخلاف.

____________________

(١) وجعله جل ثناؤه بانقطاع الدم خ ل.

٣٧

(مسألة): ومما إنفردت به الامامية القول: بوجوب ترتيب غسل الميت، وأن يبدأ برأسه ثم بميامنه ثم بمياسره، والدليل على صحة ذلك إجماع الفرقة المحقة على ما تقدم.

وأيضا فقد ثبت وجوب ترتيب غسل الجنابة فكل من أوجب ذلك أوجب ترتيب غسل الميت، فالفارق بين المسألتين يخالف(١) إجماع الامة.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية استحبابهم أن يدرج مع الميت في أكفانه جريدتان خضراوان رطبتان من جرايد النخل طول كل واحدة عظم الذراع، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يعرفوه، دليلنا على ذلك الاجماع المتقدم ذكره.

وقد روي من طرق معروفة أن سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة المكي عن التخضير فقال: ان رجلا من الانصار هلك فأوذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال خضروا صاحبكم فما أقل المتخضرين يوم القيامة، قالوا: وما التخضير؟ قال: جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة، وقد قيل أن الاصل في الجريدة أن الله تعالى لما أهبط آدمعليه‌السلام من الجنة إلى الارض إستوحش وشكا ذلك إلى جبرئيل "عليه‌السلام " وسأله أن يسأل الله جل ثناؤه أن يؤنسه بشئ من الجنة، فأنزل الله جل وعلا عليه النخلة فعرفها وأنس بها ولذلك قيل: أن النخلة عمتكم، لانها كانت كالاخت لآدم " ع "، فلما حضرته الوفاة قال لولده: اجعلوا معي من هذه النخلة شيئا في قبري فجعلت معه الجريدتان، وجرت السنة بذلك، وليس ينبغي أن يعجب من ذلك فالشرايع المجهولة العلل لايعجب منها وما العجب من ذلك إلا كتعجب الملحدين من الطواف بالبيت ورمي الجمار وتقبيل الحجر، ومن غسل الميت نفسه، وتكفينه مع سقوط التكليف عنه.

____________________

(١) إجماع الامامية خ ل.

٣٨

مسائل الصلاة

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصلاة لا تجزي في الثوب إذا كان من إبريسم محض، لان باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة لنا على ما ذهبنا إليه مضافا إلى إجماع الامامية عليه أنه لا خلاف في تحريم لبس الابريسم المحض على الرجال، وظاهر التحريم يقتضي فساد الاحكام المتعلقة بالمحرم جملة، ومن أحكام هذا اللبس المحرم صحة الصلاة فيجب أن يكون الصلاة به فاسدة لان من حكم المنهي عنه يجب أن يكون فاسدا على ظاهر النهي إلا أن تمنع من ذلك دلالة، ونحن وإن كنا نذهب إلى أن النهي من طريق الوضع اللغوي لا يقتضي ذلك، فإن العرف الشرعي تقتضيه لانه لا شبهة في أن الصحابة ومن تبعهم ما كانوا يحتاجون في الحكم بفساد الشئ وبطلان تعلق الاحكام الشرعية به إلى أكثر من ورود نهي الله تعالى أو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا لما عرفوا نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن عقد الربا حكموا بفساد العقد، وبأنه غير مجز، ولم يتوقف أحد منهم في ذلك على دليل سوى النهي، ولا قال أحد قط منهم النهي يقتضى قبح الفعل، ويحتاج إلى دلالة أخرى على الفساد وعدم الاجزاء، وهذا عرف لا يمكن جحده.

وأيضا فإن الصلاة في ذمة هذا المكلف بيقين، وينبغي أن يسقطها بيقين مثله، وإذا صلى في الابريسم المحض لا يعلم قطعا أن ذمته قد برئت كما يعلم ذلك في الثوب من القطن والكتان فيجب أن تكون الصلاة فيه غير مجزية لعدم دليل البتة ببرائة الذمة.

٣٩

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية القول: بأن الصلاة لا تجوز في وبر الارانب والثعالب ولا في جلودها وإن ذبحت ودبغت الجلود والوجه في ذلك الاجماع المتردد ذكره.

وما تقدم أيضا من أن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين، ولا يقين في سقوط صلاة من صلى في وبر أرنب أو ثعلب أو جلدهما.

(مسألة) ومما إنفردت به الامامية جواز صلاة من صلى في قلنسوة نجسة أو تكة أو ما جرى مجراهما مما لا يتم الصلاة به على الانفراد، والوجه في ذلك الاتفاق المتقدم ذكره، ويمكن أن يقال أيضا أن التكة لا حظ لها في إجزاء الصلاة ولا تصح الصلاة بها على الانفراد فجرى وجودها مجرى عدمها، وكأنها من حيث لا تأثير لها في إجزاء الصلاة تجري مجرى ما ليس عليه من الثياب، فإذا ألزمنا ذلك في العمامة والرداء، وما جرى مجراهما مما لا حظ له في إجزاء الصلاة أسقطنا ذلك بأن العمامة والرداء يمكن أن يكون لهما حظ في ستر العورة، واستباحة الصلاة فيهما وإن لم يسترا في بعض الاحوال فانهما مما يتأتى فيه ستر العورة، وليس كذلك التكة(١) وما يجرى مجراهما.

(مسألة) ومما إنفردت الامامية به المنع من السجود في الصلاة على غير ما أنبتت الارض والمنع من السجود على الثوب المنسوج من أي جنس كان، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويجوزون السجود على كل طاهر من الاجناس كلها، ومالك خاصة يكره الصلاة على الطنافس والبسط والشعر والادم إلا أن ما أظنه ينتهي إلى أن الصلاة على ذلك غير مجزية، والوجه فيما ذهبنا إليه ما تردد من الاجماع، ثم دليل برائة الذمة.

(مسألة): ومما انفردت به الامامية أن يقول في الاذان والاقامة بعد

____________________

(١) التكة والقلنسوة وما جرى مجراهما خ ل.

٤٠