فقه الاستنساخ البشري وفتاوى طبية

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 128
مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 128
فقه الاستنساخ البشري
وفتاوى طبّيّة
لسماحة المرجع الديني الكبير
السيّد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظلّه)
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على سيّد الخلق وأشرفهم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد.. فقد كُتب لهذه الأوراق أن تُنشر عدّة مرّات، ولكن بعد أن يضاف إليها في كل مرّة، وكان بادئ ذلك الاستفتاء الموجّه، من بعض الأُخوة المؤمنين في بريطانيا، إلى سماحة المرجع الديني الكبير السيد الحكيم (دام ظلّه) في بدء الضجّة، بعد الإنجاز العلمي الكبير بإمكان استنساخ الخليّة وما يفترض أن يترتّب على ذلك من إمكان استنساخ الكائن البشري، ثم أُضيف إلى ذلك مجموعة من الأسئلة الشرعية المتعلّقة بذلك الكائن المستنسخ من حيث النسب والميراث، ونحو ذلك.
ثم أُضيف بعض الأسئلة المتعلّقة بالتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، ثم بعض الاستفتاءات المتعلّقة ببعض الأُمور الطبّيّة من ما ينفع الطالب والأُستاذ والطبيب والمريض.
ولمّا أن تقرّر إعادة طبعه كانت هناك مواضيع أُخرى صالحة
للنشر، منها: أحكام ترقيع الأعضاء، وأحكام مرض الإيدز، ومنها الحجامة تلك السُّنّة النبوية التي كثر التأكيد عليها في أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعترته الطاهرة، والدعوة إلى الاستطباب بها والإرشاد إلى آثارها ومنافعها. فقد وردت مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بها من أحد المراكز الطبّيّة المتخصصة بها، بعد أن طُرحت في المجاميع العلمية الطبيّة كأحد الطرق المعتبرة في مقام العلاج.
وكان لسماحة السيد (دام ظلّه) إجابات وافية عن أحكامها، والدعوة إلى إحيائها، وفتح أبواب المعرفة الحديثة فيها، وفي بقيّة السنن والإرشادات التي تضمّنتها الأحاديث الشريفة.
فهذه المجموعة التي بين يديك، تحوي كل هذا ونحوه من ما يتعلّق بالأُمور الطبيّة. نسأل الله تعالى أن ينفع به القرّاء ويوفّقهم وإيّانا لما فيه الهدى والرشاد، إنّه أرحم الراحمين.
الناشر
الاستنساخ البشري
تقديم بقلم: د. أبو حسين المصري
بسم الله الرحمن الرحيم
( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )
إنّ مسألة البحث والتطوّر العلمي من لوازم وجود الإنسان فوق هذا الكوكب؛ لأنّه الطبيعة الناطقة والتي تقوّم الإنسان وتميّزه عن غيره من الحيوانات هي مبدأ التفكير الذي يُعدّ الأساس لاكتشاف كل مجهول في هذا الكون، وبالتالي الانطلاق في آفاق التقدّم العلمي.
وعلى الرغم من استحالة الوقوف في وجه هذه الخصيصة الإنسانية، أو عرقلة عجلة التقدّم والتطوير العلمي للإنسان، لكن لابدّ من وجود قانون أخلاقي يكون ناظراً وحاكياً ومشرفاً على نتائج هذه الحركة العلمية، من أجل حفظه من الانحراف أو الطغيان المنافي للكمال الحقيقي للإنسان في هذا العالم.
وليس لدينا أفضل ولا أكمل من الشريعة الإسلامية
الغرّاء، والتي لها في كل واقعة حكم لترشيد وهداية هذه الحركة العلمية، واستثمار نتائجها لصالح البشرية.
وعلى الرغم من أنّه لا يوجد من الأديان قد حثّ أتباعه على طلب العلم والمعرفة في كل مكان مثل الدين الإسلامي الحنيف، إلاّ أنّه في الوقت ذاته حثّهم على أن يشكروا هذه النعمة الكبيرة أي العقل والعلم، وأن يسخّروا علومهم لخدمة الإنسانية جمعاء، وألاّ يكفروا هذه النعمة بتسخيرها في خدمة الشرّ، وهلاك البشرية كما يحدث في كثير من الأحيان في الغرب في زماننا الحاضر.
والإنسان المؤمن بما يتحلّى به من الرؤيا الكونية يرى أنّ الدنيا وسيلة إلى الآخرة، فهو حريص أن يعرف موقف الدين الإسلامي الحنيف من كل حادثة في زمانه، فيفزع إلى أهل الذكر وهم فقهاء الإسلام ( رضي الله عنه ) من أجل معرفة الحكم الشرعي وتعميم تكليفه تجاه ذلك الأمر.
ومن هذه الحوادث ظهر في الغرب في عام ( ١٩٩٧م ) اكتشاف علمي كبير وعجيب قائم على أساس الاستنساخ الحيواني أي الحصول على نسخة طبق الأصل من الحيوان الموجود - كما سيأتي تفصيله - وقد تمّت التجربة بنجاح في بريطانيا باستنساخ نعجة سُمّيت ( دولي ) ممّا أثار ضجّة
عالمية كبيرة وأوجدت ردود أفعال متباينة بين موافق ومخالف خاصة مع إمكان تطبيقها على الإنسان.
وقبل الولوج في بيان كيفية هذه العملية لابد من تقديم مقدمة مختصرة عن طبيعة الخليّة الحيوانية، والتي يشترك فيها الإنسان مع سائر الحيوانات، وعن كيفية تكاثرها الطبيعي والجنسي.
١- تركيب الخليّة الحيوانية:
تتركّب الخليّة الحيوانية من نواة مركزية تُعدّ مبدأ الفاعلية الحيوية فيها، وتحتوي على ( ٤٦ ) من الأجسام الصبغية ( الكروموسومات ) الحاملة للعوامل الوراثية ( الجينات )، وهي محاطة بغشاء رقيق ويحيط بها من الخارج سائل غذائي مخصوص يسمّى ( سيتوبلازم ) المحاط بدوره بغشاء الخليّة نفسها.
٢ - أنواع التكاثر الخلوي:
أ - التكاثر الطبيعي: وهو الذي يتمّ في جميع أعضاء الجسم الطبيعية ويؤدّي إلى نموّها، وفيها ينشطر كل جسم من الأجسام الصبغية إلى نصفين، ثم يكمل كل نصف نفسه إلى جسم كامل، ويذهب كل شطر بعد تكامله إلى أطراف النواة
والتي تنقسم بعد ذلك إلى نواتين، ثم تنقسم الخليّة بعد ذلك إلى قسمين، يحتوي كل قسم منها على نواة مستقلّة تحمل نفس عدد الأجسام الصبغية ( ٤٦ ) التي كانت موجودة في الخليّة الأُولى.
ب - التكاثر الجنسي: ويتم داخل الأعضاء الجنسية لكل إنسان أي الخصيتين في الذكر، والمبيضين في الأُنثى، حيث تنقسم الخليّة في هذه الأعضاء بنحو آخر؛ وذلك بانقسام الأجسام الصبغية فيها إلى نصفين كما هو الحال في التكاثر الطبيعي، ولكنّه يبقى كل نصف على حاله لا يتكامل، ثم تنقسم النواة والخلية بعد ذلك إلى خليّتين جنسيّتين، وهما الحيامن في الذكر والبويضات في الأُنثى.
وتحتوي كل خليّة جنسية على نواة تحمل ( ٢٣ ) كروموسوم أي نصف عدد الكروموسومات في الخليّة الطبيعية، ومن أجل الحصول بعد ذلك على الجنين الحيواني أو الإنساني هناك طريقان:
١ - الطريق الطبيعي: وذلك بإيصال الحيامن الذكرية إلى رحم الأُنثى عن طريق الجماع الجنسي الطبيعي، وهناك تلتقي الحيامن مع البويضة، ويتمكّن واحد منها - بإذن الله تعالى - من تلقيح البويضة فتنعقد النطفة وتتعلّق بالرحم ثم
تصير علقة ومضغة وتستكمل بعد ذلك جنيناً تاماً.
٢ - الطريق الصناعي: وهو طريق مستحدث منذ عدّة سنوات لمعالجة حالات العقم ويتم عن طريق أخذ الحيامن الذكرية والبويضات وتلقيحها خارج الرحم في أنبوبة تحتوي على محيط غذائي خاص، ثم بعد انعقاد النطفة يتمّ إعادة حقنها في الرحم لتستكمل جنيناً بعد ذلك.
والجدير بالإشارة هنا أنّه في كلا الحالتين فإنّه بعد التلقيح تتحد نواة الحيوان المنوي الذكري مع نواة البويضة الأُنثوية والذي يحتوي كلاًّ منها على ( ٢٣ ) كروموسوم ليصيرا نواة واحدة تحتوي على ( ٤٦ ) كروموسوم، تحوي الصفات الوراثية المشتركة بين الذكر والأُنثى، ثم تبدأ النواة المشتركة بعد ذلك في التكاثر والانقسام في طريق حصول الجنين.
ومن الواضح هنا أنّ الجنين الحاصل ليس نسخة طبق الأصل من الذكر أو الأُنثى، بل هو حصيلة إنتاج مشتركة بينهما يحمل صفاتها الوراثية، فهو ابن لهما.
وبعد الانتهاء من هذه المقدمة التمهيدية نشرع في بيان مختصر عن عملية الاستنساخ الحيواني والتي هي موضوع بحثنا:
تبدأ هذه العملية بانتزاع خليّة جسمية لا جنسية من
جسم الحيوان المطلوب استنساخه سواء كان ذكر أو أنثى ( وفي مورد النعجة المذكورة تمّ أخذها من الضرع ) ثم يتم بعد ذلك تفريغ الخلية من نواتها المشتملة بالطبع على ( ٤٦ ) كروموسوم، ثم بعد ذلك يتم وضع هذه النواة في بويضة أُنثوية بعد تفريغها من نواتها الخاصة بها والتي كانت تشتمل على ( ٢٣ ) كروموسوم، وذلك في محيط غذائي خارج الرحم في المختبر، وبالتالي يصبح لدينا خليّة نواتها من حيوان يحمل جميع صفاته الوراثية بعينها، ومحيطها الغذائي ( السيتوبلازم ) من حيوان آخر وبما أنّ السائل السيتوبلازمي هو الذي يحدّد مسير انقسام النواة، فسوف تبدأ النواة الضيفة بعد التحفيز الصناعي بالانقسام في اتجاه تكوين الجنين فتصبح بحكم النطفة، ثم يعاد حقن هذه النطفة المنقسمة إلى رحم أُنثى حيوان حتى يستكمل هناك جنيناً تامّاً يكون نسخة طبق الأصل من الحيوان صاحب النواة يحمل جميع صفاته الوراثية.
رفع شبهة: إنّ هذه العملية ليست من باب الخلق ولا الإيجاد المختصة بالله تعالى، ولكنّه عبارة عن عملية تلقيح صناعي معدّل، تنقل فيها النواة التي تحتوي على سر الحياة إلى البويضة، ثم إعادتها بعد التلقيح إلى الرحم من أُخرى ليحصل الجنين بعد ذلك بالطريق الطبيعي.
أصل الإشكال: إنّ الإشكال المهم في هذه العملية، والذي كان مثار ضجّة كبيرة، وحيرة بين الناس خاصة المؤمنين منهم، هو أنّ الجنين الحاصل من هذه العملية ليس في الحقيقة إنتاجاً مشتركاً بين الذكر والأُنثى، كما بيّنّا سابقاً؛ لأنّه ليس نتيجة تلاقح بين نواة الحيوان المنوي للذكر ونواة البويضة للأُنثى، بل عبارة عن تكثير نواة واحدة لطرف واحد بالاستعانة بمحيط غذائي ( سيتوبلازم ) لبويضة حيوان آخر، وبالتالي لا يحمل إلاّ الصفات الوراثية لطرف واحد وهو صاحب النواة، وبالتالي ينتفي المعنى العرفي للبنوّة لكل من الأب والأم.
وبما أنّ الأحكام تابعة للعناوين، فنقع في مشكلة كبيرة متعلّقة بأحكام النسب والمواريث لهذا الجنين الحاصل، وما يتفرّع عليها من أحكام كثيرة في باب المعاملات كالنكاح بالولاية وغيرها.
وعلى الرغم من أنّ هذه العملية لم تطبّق بعد على الإنسان إلاّ أنّ إمكانها موجود، ومن أجل الاستعداد لمثل هذا الاحتمال فقد لاذ المسلمون إلى علمائهم يستفتونهم عن رأي الدين والشريعة في أصل شرعيّة هذه العملية، والموقف الشرعي في هذا الطفل الحاصل من هذه العملية، والذي يُعدّ نسخة طبق الأصل من صاحب النواة.
وكان في مقدمة هؤلاء العلماء الأعلام سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم ( أدام الله ظلّه الشريف على رؤوس المسلمين ) فقد تصدّى سماحته للإجابة عن بعض الأسئلة المطروحة من جانب بعض المؤمنين، وتفضّل ببيان الحكم الشرعي فيها.
وفي الختام نسأل المولى عزّ وجلّ أن يحفظ سماحته ويوفّقه لخدمة الشريعة الغرّاء، وأن ينفعنا بعلمه الشريف في الدنيا والآخرة.
والحمد لله ربّ العالمين.
د. أبو حسين المصري
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظلّه)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
يرجى الإجابة على الأسئلة التالية، ولكم من الله جزيل الأجر ومنّا كثير الشكر سلفاً:
وذلك أنّه بعد كثير من التجارب العلمية واستخدام أحدث التقنيات، اكتشفت طريقة جديدة لإنتاج الكائنات الحيّة.
فقد أعلن العلماء أنّ من الممكن تطبيقها على الإنسان - بعد نجاح عمليّاتها على الحيوان والنبات - وقد سُمّيت هذه العملية بـ ( الاستنساخ الجيني ).
وتتم بأخذ بويضة أُنثوية، وبعد تفريغ البويضة من نواتها تؤخذ خلية جسم عادية وتؤخذ منها نواتها، ثم تزرق نواة الخليّة العادية داخل البويضة المفرغة، وبتأثير شرارة كهربائية تبدأ بالانقسام مكوّنة كائناً جديداً، ثم توضع
البويضة - بعد تبديل نواتها - داخل رحم الأُنثى لتبدأ مسيرتها فيه كجنين.
ومن سمات الكائن الجديد كونه مطابقاً تماماً للكائن صاحب الخلية، وأنّه لا يحتاج لذكر وأُنثى لتكوينه، ولا يحتاج إلاّ إلى الأُنثى فقط، ممّا يؤدّي لأن تكون عمليات تكوين الإنسان خارج نطاق الأُسرة.
وسُمّيت هذه العملية بالاستنساخ؛ لأنّه لا يمكن تمييز الكائن الجديد عن القديم إطلاقاً، ويقال: إنّ هذه العملية ستسبّب مشاكل أخلاقية كبيرة، إذ من الممكن أن يستخدمها المجرمون للهروب من العدالة، كأن تكون هناك نسختان متطابقتان تماماً تقوم إحداهما بجريمة ولا يمكن معرفة الفاعل الحقيقي.
وقد تمّ فعلاً إنتاج نعجة وفق هذه الطريقة بعد ( ٢٢٧ ) محاولة فاشلة.
فما هو موقف الشرع المقدّس من خلال هذه الأسئلة التي نعرضها على سماحتكم
( أوّلاً ): عن جواز أصل العملية أو عدمه شرعاً لو تمّ تخليق إنسان بهذه الطريقة؟ وبأيّة شروط لو كانت؟
( ثانياً ): إذا كان من خلق بهذه الطريقة - إنساناً - فما
هو نسبته للشخص الذي انتزعت منه الخلية، امرأة كان أو رجلاً.
أ - هل هو بمنزلة الابن، بالنظر إلى أنّ أصل تخليقه هو الخلية المأخوذة عنه بدلاً من الحويمن أو البويضة في التولّد الاعتيادي.
ب - أم بمنزلة الأخ؛ لأنّ انتسابه بايولوجياً ووراثياً لخلية كان ما فيها من موروثات هو حاصل جمع حويمن وبويضة والدي صاحب الخلية.
ج - أم هو أجنبي شرعاً؟ وكيف نصنع بالانتساب البايولوجي والوراثي لصاحب الخلية، أعني: أنّه من هذه الناحية علمياً يعتبر قرابة له، شأنه شأن المخلوق بالطريقة الاعتيادية.
( ثالثاً ): ما هو حكمه من حيث تبعيّته الدينية أثناء الطفولة، هل يعتبر مسلماً أم كافراً؟ أم تكون نسبته طبقاً لدين صاحب الخلية؟
( رابعاً ): ما حكمه من حيث النسب:
- فيما يتصل بالعاقلة أو لولاء ضامن الجريرة؟
ب - هل يعتبر هاشمياً لو أُخذت الخلية من هاشمي، حتى مع الحكم بعدم بنوّته أو أُخوّته لصاحب الخلية؟
( خامساً ): هل هناك حقوق تترتّب شرعاً بينه وبين
صاحب الخلية؟
( سادساً ): لو اعتبر بمنزلة الأجنبي، فما هو حكمه من حيث جواز زواجه ممّن لو كان ابناً أو أخاً لصاحب الخلية لكان من المحرّمات بالنسبة له؟
( سابعاً ): ما هو حكم الحيوان المخلوق بهذه الطريقة من حيث عائديّته أو ملكيته، هل يعود لمالك الحيوان الذي انتزعت منه البويضة أو الخلية؟ أم هو للقائم بعملية التخليق؟
( ثامناً ): ما هو حكم لحم ولبن الحيوان الذي تصرّفوا في هندسته الوراثية حتى أصبح دمه مشابهاً لدم الإنسان؟ وما هو حكم الدم المتخلّف من هذا الحيوان لو ذُكّي؟
( تاسعاً ): يجري الحديث عن إمكانية استنساخ بعض أعضاء الإنسان في المختبر وحفظها كاحتياطي له، أو لأي شخص آخر عند الحاجة إليها، فهل يجوز ذلك؟ وهل يشمل الجواز الأعضاء التناسلية، أو لا يجوز باعتبار أنّها منسوبة للشخص فيحرم كشفها مثلاً؟ وكذلك بالنسبة لاستنساخ الدماغ هل هو جائز؟ علماً أنّه هناك دراسة عملية حول الموضوع، يراد بحث الجانب الفقهي فيه.
الرجاء سيّدنا الفقيه الأجل ( دام ظلّكم ) الإجابة على هذه الأسئلة بتفصيل؛ لأنّها أسئلة تدور بين المؤمنين.
بسم الله الرحمن الرحيم
ج: الظاهر إباحة إنتاج الكائن الحي بهذه الطريقة أو غيرها ممّا يرجع إلى استخدام نواميس الكون التي أودعها الله تعالى فيه، والتي يكون في استكشافها المزيد من معرفة آيات الله تعالى وعظيم قدرته ودقّة صنعته، استزادة في تثبيت الحجّة وتنبيهاً على صدق الدعوة، كما قال عزّ من قائل:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .
ولا يحرم من ذلك إلاّ ما كان عن طريق الزنا، ويلحق به على الأحوط وجوباً تلقيح بويضة المرأة بحيمن الرجل الأجنبي تلقيحاً صناعياً خارج الرحم، بحيث ينتسب الكائن الحي لأبوين أجنبيين ليس بينهما سبب محلل للنكاح. أمّا ما عدا ذلك فلا يحرم في نفسه، إلاّ أن يقارن أمراً محرّماً كالنظر لما يحرم النظر إليه ولمس ما يحرم لمسه، فيحرم ذلك الأمر.
وقد سبق أن وَرَدنا استفتاء حول هذا الموضوع من بعض الأُخوة، الذين يعيشون في بريطانيا عند قيام الضجّة الإعلامية العالمية
حوله بين مؤيّد ومعارض، وقد أشير فيه لبعض الأُمور التي سيقت كمحاذير يتوهّم منها التحريم، وهي:
١ - إنتاج الكائن الحي خارج نطاق الأُسرة.
ولم يتضح الوجه في التحريم من أجل ذلك، حيث لا دليل في الشريعة على حصر مسار الإنسان في تكوّنه ونشاطاته بسلوك الطرق الطبيعية المألوفة، بل رقي الإنسان إنّما هو باستحداث الطرق الأُخرى، واستخدام نواميس الكون المودعة فيه، التي يطلعه الله عليها بالبحث والاجتهاد، والاستزادة في طرق المعرفة، كما لا دليل على حصر إنتاج الإنسان في ضمن نطاق الأُسرة، ولاسيّما بعد خلق الإنسان الأول من طين، ثم خلق نبي الله عيسى (عليه السلام) من غير أب، وخلق ناقة صالح (عليه السلام) وفصيلها على نحو ذلك، كما تضمّنته الروايات.
٢- إنّ هذه العملية ستسبّب مشاكل أخلاقية كبيرة، إذ من الممكن أن يستخدمها المجرمون للهروب من العدالة.
وهذا كسابقه لا يقتضي التحريم، فإنّ الإجرام وإن كان محرّماً إلاّ أنّ فعل ما قد يستغلّه المجرم ليس محرّماً، وما أكثر ما يقوم العالم اليوم بإنتاج وسائل يستخدمها المجرمون وتنفعهم أكثر ممّا تنفعهم
هذه العملية، ولم يخطر ببال أحد تحريمها. وربّما كان انتفاع المجرمين بمثل عملية التجميل أكثر من انتفاعهم بهذه العملية، فهل تحرم عملية التجميل لذلك؟! وفي الحقيقة أن ترتّب النتائج الحسنة أو السيّئة على مستجدّات الحضارة المعاصرة، تابع للمجتمع الذي تعيش فيه، ويستغلّها، فإذا كان مجتمعاً مثالياً كانت النتائج إنسانية مثمرة، وإذا كان مجتمعاً مادّياً حيوانياً كانت النتائج إجرامية مريعة، كما نلمسه اليوم في نتائج كثير من هذه المستجدّات في المجتمعات المتحضّرة المعاصرة.
٣ - إنّ نجاح هذه العملية قد تسبقه تجارب فاشلة تفسد فيها البويضة قبل أن تنتج الكائن الحي المطلوب.
فإن كان المراد بذلك أنّ إنتاج الكائن الحي لمّا كان معرّضاً للفشل كان محرّماً؛ لأنّه يستتبع قتل البويضة المهيّأة لها وهو محرّم كإسقاط الجنين. فالجواب:
أنّ المحرّم عملية قتل الكائن الحي المحترم الدم، أو قتل البويضة الملقّحة التي هي في الطريق إلى الحياة، وذلك بمثل الإسقاط، وليس المحرّم على المكلّف عملية إنتاج كائن حي يموت قبل أن يستكمل شروط الحياة، من دون أن يكون له يد في موته، فيجوز للإنسان أن يتصل بزوجته جنسياً إذا كانت مهيّأة للحمل، وإن كان الحمل معرّضاً للسقوط نتيجة عدم استكمال شروط الحياة له، بسبب
قصور الحيمن، أو البويضة، أو عدم تهيّؤ الظرف المناسب لاستكمال الجنين نموّه وكسبه للحياة، وعلى كل حال لا نرى مانعاً من العملية المذكورة، إلاّ أن تتوقّف على محرّم آخر، كالنظر لما يحرم النظر إليه ولمس ما يحرم لمسه وغير ذلك.
( ثانياً ): إذا كان مَن خلق بهذه الطريقة - إنساناً - فما هو نسبته للشخص الذي انتزعت منه الخلية، امرأة كان أو رجلاً
ج: إذا كان إنتاجه بالوجه السابق فليس له أب قطعاً؛ لأنّ النسبة للأب تابعة عرفاً لتكوّن الكائن الحي من حيمنه بعد اتحاده مع البويضة، كما يشير إليه قوله تعالى:( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ من مَّاءٍ مهِينٍ ) . ولا دخل للحيمن هنا بل للخلية المأخوذة من الجسد. وخصوصاً إذا كانت الخلية مأخوذة من جسد المرأة، حيث لا معنى لكونها أباً للإنسان المذكور.
وقد ورد في نصوص كثيرة: أنّ الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم، وبغضّ النظر عن صحّة النصوص المذكورة والبناء على مضمونها، فإنّه لم يتوهّم أحد أنّ مقتضى هذه النصوص كون حواء بنتاً لآدم، وذلك يكشف عن أنّ معيار بنوّة شخص لآخر ليس هو خلقته من جزء منه، بل خلقته من مَنِيِّه كما ذكرنا.
وأمّا النسبة للأُم فهي تابعة لتكون الكائن الحي من بويضتها، وهو هنا لا يتكوّن من تمام بويضتها، بل من بعضها بعد تفريغها من نواتها، ومن ثمّ يشكّل نسبته لها. نعم يصعب الجزم بعدمه.
كما لا مجال للبناء على أنّه أخ لصاحب الخلية أو البويضة، بعد أن كان الأخ هو الذي يشارك أخاه في أحد الأبوين، وليس المعيار حمل الخصائص الحياتية والوراثية لعدم دخله في الانتساب عرفاً.
والمرجع في ضابط الانتساب هو العرف لا غير، وعليه عوّل الشارع الأقدس في ترتيب الأحكام حسبما نستفيده من الأدلة الشرعية. ولنفترض أنّ توصّل العلم الحديث إلى اكتشاف ناموس يتيسّر به تحويل خلية حيوانية، أو نباتية، ببعض التعديلات إلى إنسان مشابه لإنسان مخلوق بالطريق الاعتيادي في الخصائص الحياتية والوراثية، فهل يمكن أن نحكم بحصول علاقة نسبية بينهما بمجرّد ذلك، من دون تحقّق الضوابط النسبية العرفية المعهودة؟! لا ريب في عدم جواز ذلك، بل نحن ملزمون بتخطّي التشابه المذكور وتجاهله، والحكم بأنّهما أجنبيان، وهكذا الحال في المقام حيث يتعيّن كون الإنسان المذكور أجنبياً عن صاحب الخلية، وليس بينهما أيّ ارتباط أو عنوان نسبي.
( ثالثاً ): ما هو حكمه من حيث تبعيّته الدينية أثناء الطفولة، هل يعتبر مسلماً
أم كافراً؟ أم يكون نسبته طبقاً لدين صاحب الخلية؟
ج: مادام طفلاً لا تمييز له يجري عليه حكم مَن هو تابع له في حياته، بحيث يصير في حوزته، كما يتبع الطفل الأسير آسره، فإذا صار مميّزاً فهو محكوم بحكم الدين الذي يعتنقه، ولو فرض كفره لم يكن مرتدّاً حتى لو كان صاحب الخلية مسلماً؛ لعدم كونه أباً له كما سبق.
( رابعاً ): ما حكمه من حيث النسب؟
ج: لمّا كان الانتساب للعشيرة يتفرّع على الانتساب للأب، فعدم انتساب الإنسان المذكور لصاحب الخلية بالبنوّة وعدم أبوّة صاحب الخلية له - كما سبق - يستلزم عدم انتسابه لعشيرة صاحب الخلية، وعدم كونه هاشمياً لو كان صاحب الخلية هاشمياً مثلاً، كما يتضح بملاحظة ما تقدّم في جواب السؤال الثاني، وعلى ذلك ليس له عاقلة بل ينحصر عقله بضامن الجريرة والإمام (عليه السلام).
نعم حيث تقدّم الشك في انتسابه لصاحبة البويضة، يتعيّن الشك في انتسابه لمَن ينتسب إليها، مثل كونه سبطاً لأبويها وكون أخوتها أخوالاً له، ولا طريق للجزم بثبوت الانتساب المذكور ولا نفيه، ولا بثبوت آثاره ولا نفيها، بل يتعيّن الاحتياط في ترتيب الأحكام الشرعية المتعلّقة بذلك.
( خامساً ): هل هناك حقوق تترتّب شرعاً بينه وبين صاحب الخلية؟
ج: لا حقوق بينهما لعدم النسبة بينهما، على ما تقدّم في جواب السؤال الثاني.
( سادساً ): لو اعتبر بمنزلة الأجنبي، فما هو حكمه من حيث جواز زواجه ممّن لو كان ابناً أو أخاً لصاحب الخلية لكان من المحرّمات بالنسبة له؟
ج: مقتضى ما تقدم عدم المحرّمية بين الإنسان المذكور وصاحب الخلية، فضلاً عمّن يتصل به كأبيه وأخيه وابنه.
نعم قد يظهر من بعض النصوص الواردة في بدء التكوين استنكار نكاح الإنسان لما يتكوّن من بعضه، والنص المذكور وإن كان ضعيفاً سنداً إلاّ أنّ المرتكزات الشرعية قد تؤيّده، من دون أن تنهض حجّة قاطعة تسوّغ الفتوى بالتحريم، ومن ثمّ قد يلزم الاحتياط بتجنّب النكاح بينه وبين صاحب الخلية، بل حتى بينه وبين أبيه وأخيه وابنه، كما أنّ احتمال بنوّته لصاحبة البويضة الذي ذكرناه آنفاً ملزم بالاحتياط بعدم التناكح بينه وبينها، بل بينه وبين من يحرم بسببها على بنيها كأخيها وأُختها وابنها وبنتها ونحوهم.
( سابعاً ): ما هو حكم الحيوان المخلوق
بهذه الطريقة من حيث عائديته أو مِلْكيّته، هل يعود لمالك الحيوان الذي انتزعت منه البويضة أو الخلية؟ أم هو للقائم بعملية التخليق؟
ج: يعود الحيوان طبعاً لمالك الحيوان الذي انتزعت منه البويضة؛ لأنّ نموّ الجسم المملوك تابع له، وإذا نما الجسم لم يخرج عن ملك مالكه، سواء كان مع حفظ الصورة النوعية كنمو فرخ الحيوان حتى يكبر، أم مع تبديلها كنمو الحَب حتى يصير شجرة، ونمو البرعم حتى يكون في نهاية الأمر ثمرة، وذلك من الأحكام العرفية الارتكازية التي تحمل عليها الإطلاقات المقامية.
وعلى ذلك جرى الفقهاء فحكموا بأنّه لو غصب شخص حَبّاً فزرعه صار الزرع لمالك الحَب لا للغاصب، كما أنّ الحيوان ملك لمالك أُمّه.
هذا كلّه إذا أُخذت البويضة من غير إذن مالك الحيوان، أمّا إذا أُخذت بإذنه فالمتّبع هو نحو الاتفاق حين الإذن بين صاحب الحيوان والآخذ.
( ثامناً ): ما هو حكم لحم ولبن الحيوان الذي تصرّفوا في هندسته الوراثية، حتى أصبح دمه مشابهاً لدم الإنسان؟ وما هو حكم الدم المتخلّف من هذا الحيوان لو ذُكِّي؟
ج: أمّا لحم الحيوان ولبنه فهو بحكم لحم ولبن مماثله، ممّا يندرج في نوعه عرفاً، كالغنم والبقر والقطّة والكلب والإنسان، لدخوله في أدلة أحكام لبن ولحم ذلك الحيوان، فما دلّ على حلّيّة لحم ولبن الغنم - مثلاً - يدل على حليّة لحم ولبن الغنم الذي تصرّفوا في هندسته الوراثية؛ لأنّه من أفراده عرفاً. ومجرّد مشابهة دمه لدم الإنسان لا يخرجه عن موضوع تلك الأدلة. وأمّا الدم المتخلّف من هذا الحيوان لو ذُكّي فهو طاهر إذا كان الحيوان قابلاً للتذكية، لما دلّ على طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة؛ لعدم النظر في ذلك الدليل لتركيبة الدم وعناصره.
على أنّه لو فرض قصور ذلك الدليل كفى أصل الطهارة في البناء على طهارة الدم المذكور، وأمّا ما دل على نجاسة دم الإنسان فهو مختص بالدم المتكوّن في جسد الإنسان، ولا يعم كل دم مشابه لدم الإنسان في عناصره.
وبعبارة أُخرى: أنّ نسبة الدم لصاحبه عرفاً على أساس تكوّنه فيه، لا على أساس حمله لعناصر دمه.
( تاسعاً ): يجري الحديث عن إمكانية استنساخ بعض أعضاء الإنسان في المختبر وحفظها كاحتياطي له، أو لأيّ شخص آخر عند الحاجة إليها،
فهل يجوز ذلك؟ وهل يشمل الجواز الأعضاء التناسلية أو لا يجوز، باعتبار أنّها منسوبة للشخص فيحرم كشفها، مثلاً؟ وكذلك بالنسبة لاستنساخ الدماغ هل هو جائز؟
ج: يجوز ذلك بأجمعه حتى في الأعضاء التناسلية، ويجوز النظر إليها، لعدم كون نسبتها على حد النسبة التي هي المعيار في التحريم، فإنّ النسبة التي هي المعيار في التحريم هي نسبة الاختصاص الناشئة من كونها جزءً من بدن المرأة أو الرجل كيدهما ورجلهما، والمتيقّن من الحرمة حينئذٍ حالة اتصالها بالبدن، أمّا مع انفصالها فلا تخلو الحرمة عن إشكال. أمّا نسبة الاختصاص في المقام فهي ناشئة من كون أصلها من خليّته، ولا دليل على كونها معياراً في الحرمة.
والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.
وفي ختام هذا الحديث بعد بيان الحكم الشرعي، نحن نحذّر من استغلال هذا الاكتشاف وغيره من مستجدّات الحضارة المعاصرة فيما يضر البشرية ويعود عليها بالوبال، فإنّ الله عظمت آلاؤه خلق هذا الكون لخدمة الإنسان ولخيره، كما قال عزّ من قائل:( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) . وقال تعالى:( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) .
فلا ينبغي الخروج به عمّا أراده الله تعالى له، فنستحق بذلك خذلانه ونقمته، كما قال عزّ من قائل:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) .
ونسأله سبحانه أن يسدّدنا وجميع العاملين في حقل المعرفة لتحقيق الحقائق وإيضاحها، وخدمة البشرية وإصلاحها، إنّه وليّ التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
س٢: يجري الحديث الآن عن استنساخ بعض أعضاء الإنسان في المختبر وحفظها كـ ( احتياطي ) لمَن استنسخت عنه، فإذا احتاج إليها في وقت تركّب له. فلا يحتاج الإنسان أن ينتظر وقوع حادث لشخص حتى يؤخذ كبده أو كليته، مثلاً؟
ج: إذا كان المراد بذلك أخذ خليّة من عضو الإنسان - من دون أن تضر بذلك العضو - ثم زرعها حتى يتم منها عضو تام يحفظه كاحتياطي فهو أمر حلال بلا إشكال. وإن كان المراد غير ذلك فلابد من إيضاحه حتى يتيسّر لنا النظر في حكمه.
س٣: هل يجوز شرعاً تخصيب بيضة المرأة بخلايا من نفس المرأة؟ ( علماً أنّ الجنين الناتج صورة طبق الأصل
من أُمّه ) وهل الدخول في هذا البحث فيه إشكال، باعتبار أنّه بحث رسالتي للدكتوراه؟
ج: نعم يجوز ذلك. ويجوز الدخول في هذا البحث ونحوه من البحوث في نواميس الكون واستكشاف قدرة الله تعالى وعجيب خلقه، استزادة في تثبيت الحجّة. وقال تعالى:( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .
نعم لابد من عدم اقترانه بمحرّم خارج، كالنظر لما يحرم النظر إليه، والحذر من الغرور العلمي الذي قد يجر للمهالك.
ومنه تعالى نستمد التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تجميد الحيامن والتلقيح الصناعي
نعرض على سماحتكم أسئلة عن إمكانية الاستفادة من تجميد الحيامن والبيوض والأجنّة، للإفادة منها بعد وفاة أحد الزوجين، وعن مدى شرعيّة التلقيح الصناعي بأنواعه لمعرفة المباح منه والحرام والآثار المترتّبة عليه، باعتبار أنّ الشريعة أمرت المسلمين وحضّتهم على الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني. أرجو تفضّلكم بالإجابة عنها.
هذا والأسئلة على قسمين:
( أولاً ): الحالات المتعلّقة بحكم تجميد الحيامن والبيوض والأجنّة للإفادة منها بعد وفاة أحد الزوجين:
تمهيد
تمكّن العلم الحديث من تجميد حيامن الزوج وبيوض الزوجة والأجنّة المأخوذة من أصحابها. وقد ثبت أنّ عملية التجميد هذه تبقي الحيامن والبيوض والأجنّة حيّة عشرات السنين، ولهذا يمكن الإفادة منها بعد وفاة الزوجة أو الزوج في استمرار الإنجاب بحسب رغبتهما، وذلك في الحالات المذكورة في أدناه. فما هو موقف الشريعة من كل حالة مع مراعاة ذكر لحوق الطفل؟
س ١: بالإمكان زرع حيامن الزوج المجمّدة بعد وفاته في رحم زوجته لاستمرار الإنجاب.
بسم الله الرحمن الرحيم، وله الحمد
ج: يحرم ذلك لأنّها تصير بوفاته أجنبية عنه، ويحرم إدخال مني الرجل في رحم المرأة الأجنبية. لكن لو حصل ذلك فالولد ينسب لهما إلاّ أنّه لا يرث من الرجل. وفي ميراثه من المرأة إشكال. فاللازم الاحتياط.
س ٥: كما يمكن العكس، تلقيح بويضة الزوجة المجمّدة بعد وفاتها بحيامن الزوج، ثم زرع اللقيحة في رحم أجنبية.
ج: الأحوط وجوباً ترك ذلك؛ لأنّها بعد وفاتها تكون أجنبية عنه ويكون أجنبياً عنها، وتلقيح البويضة بمني الأجنبي من أجل تكوين الإنسان مورد للإشكال. لكن لو حصل فالمولود ينتسب لهما. إلاّ أنّه لا يرث من المرأة. وفي ميراثه من الرجل إشكال، فاللازم الاحتياط.
س ٦: بالإمكان زرع جنين مجمّد مأخوذ من الزوجة المتوفّاة، وزرعه في رحم زوجة أُخرى أو أجنبية.
ج: لا بأس بذلك، بل هو واجب لو أمكن. وينسب الجنين حينئذٍ لأُمّه المتوفّاة ولأبيه صاحب الحيمن، ويرث منهما.
س ٧: بالإمكان إخصاب البويضة والحيمن المجمّدين للزوج والزوجة في داخل رحم الحيوان - لعدم صلاحية رحم الأُم على الإخصاب - ثم قتل الحيوان لاستخراج الجنين وإرجاعه إلى رحم الأُم الأصلية أو إلى رحم أجنبية.
ج: لا بأس بذلك - حتى لو توقّف على قتل الحيوان - إذا أُرجع إلى رحم أُمّه الأصلية، أو إلى رحم زوجة أُخرى للأب. وأمّا إرجاعه إلى رحم أجنبية فيجوز إذا بلغ مرتبة من النمو يخرج معها عن كونه منياً. ولا يجوز إذا لم يبلغ المرتبة المذكورة. وعلى كل حال ينسب الطفل لصاحب الحيمن وصاحبة البويضة ويرث منهما.
س ٥: بالإمكان تنشيط حيامن الزوج بسائل منوي مجمّد، مأخوذ من أجنبي لتلقيح بويضة الزوجة، ثم زرع اللقيحة في رحم الزوجة.
ج: إذا كان التلقيح بالحيمن وحده بعد تنشيطه، بحيث لا يدخل البويضة شيء من مني الأجنبي الذي يستعان به للتنشيط فلا بأس
به. وكذا إذا كان التلقيح بالحيمن والمني الذي يستعان به للتنشيط معاً بحيث يدخل شيء من المني المذكور البويضة، لكن زرع اللقيحة في رحم الزوجة بعد استهلاك المني الذي يستعان به للتنشيط واضمحلاله أو تحوله إلى عنصر آخر لا يصدق عليه المني، بحيث لا يدخل رحم الزوجة شيء من مني الأجنبي.
أمّا إذا كان زرع اللقيحة في رحم الزوجة قبل استهلاك المني الذي يستعان به للتنشيط، بحيث يدخل شيء من ذلك المني في رحم الزوجة ففيه إشكال، والأحوط وجوباً تركه. وفي جميع الصور، ينسب الطفل للزوجين ويرث منهما.
س ٦: بالإمكان استخدام مصل الدم المجمّد أو السائل المبيضي المجمّد المأخوذين من امرأة أجنبية، لتنشيط حيامن زوج ضعيفة، لغرض زرعها في رحم زوجته.
ج: لا بأس بذلك. وينسب الطفل للزوجين ويرث منهما.
س ٧: بالإمكان زرع رحم مجمّد أو مبيض مجمّد مأخوذين من أجنبية، لزوجة رجل تشكو من فقدان رحمها أو مبيضها لغرض الإنجاب.
ج: لا بأس بذلك. نعم لا يجوز اقتطاع الرحم أو المبيض أو أي جزء من المرأة المسلمة الميّتة لزرعه في الزوجة، بل لابد من دفنه معها. وإنّما يجوز اقتطاعه من المرأة الحيّة وإن كانت مسلمة، أو من المرأة الميّتة غير المسلمة.
س ٨: بالإمكان كذلك زرع أنبوب منوي ناقل للحيامن مجمّد يعود لرجل أجنبي أو لحيوان، لزوج يشكو من فقدان انبوبه المنوي.
ج: لا بأس بذلك إذا كان الأنبوب من الحيوان، وأمّا إذا كان من الإنسان، فلا يجوز أخذه من الإنسان الميّت المسلم، ويجوز أخذه من غيره، نظير ما تقدّم في السؤال السابق.
( ثانياً ): الأسئلة المتعلّقة بحكم التلقيح الصناعي:
س ٩: زوج حيامنه طبيعية ولكنّ سائله المنوي غير طبيعي، ففي هذه الحالة لا يتم الإخصاب ولا يكون إنجاب، إلاّ باتباع إحدى الحالتين:
أ - إمّا باستخدام سائل منوي طبيعي يؤخذ من أجنبي، ليكون بديلاً لسائل الزوج بغية تنشيط حيامنه،
ومن ثمّ زرعها في رحم الزوجة.
ب - وإمّا باستخدام سائل صناعي متكوّن من نفس عناصر السائل الطبيعي، ومن ثمّ زرعها في رحم الزوجة. فما موقف الشرع من الحالتين؟
ج: أمّا في الحالة الأُولى، فيظهر الجواب ممّا تقدّم في جواب السؤال الخامس.
وأمّا في الحالة الثانية، فلا إشكال، ويحل استخدام السائل الصناعي المذكور، ويُنسب الولد للزوجين ويتم التوارث بينه وبينهما.
س ١٣: إذا كانت حيامن الزوج ضعيفة ويمكن تنشيطها باستخدام دم أجنبي ومن ثمّ زرعها في رحم الزوجة. فهل يجوز ذلك؟
ج: نعم يجوز ذلك، ويُنسب الولد للزوجين، ويتمّ التوارث بينه وبينهما.
س ١٤: إذا كان مبيض الزوجة عاطلاً عن العمل، فهل يجوز أخذ بيضة من امرأة أجنبية وإخصابها بحيامن الزوج
ومن ثمّ زرعها في رحم الزوجة؟ ولمَن ينتسب الجنين إذا تكامل وولد؟
ج: الأحوط وجوباً ترك ذلك. وإذا تمّ ذلك وتكامل الجنين فإنّه ينسب للزوج وللأجنبية صاحبة البويضة. لكن في ترتب التوارث بينه وبينهما إشكال، واللازم التصالح.
س ١٥: رجل متزوّج من اثنين، رحم الزوجة الأُولى عاطل عن العمل، ورحم الثانية صالح، فهل يجوز أخذ بويضة الزوجة العاطل رحمها وتخصيبها مع حيمن زوجها، ثم زرعها في رحم الزوجة الثانية الصالح؟
ج: نعم يجوز ذلك وينسب الولد حينئذٍ للزوج وللزوجة الأُولى صاحبة البويضة ويتم التوارث بينه وبينهما.
س ١٦: إذا كان السائل المنوي للزوج لا يحتوي على حيامن، ورغب الزوج في أخذ حيامن من أخيه، أو من ابن عمّه، وإضافتها إلى سائله المنوي الصالح من أجل تلقيح بويضة زوجته، فهل يجوز ذلك؟ وفي حالة عدم الجواز، فهل يجوز للزوج بعد أخذ حيامن من أخيه
وإضافتهما إلى سائله، تطليق زوجته ليعقد عليها أخوه لتكون حليلة له فقط، دون أن يقترب منها، وبعد أن يتم تلقيح بويضة الزوجة، وبعد حصول الحمل يطلّقها الأخ لتعود إلى زوجها الأول حتى يلحق الطفل به؟
ج: لا يجوز ذلك إذا كان تلقيح البويضة بإدخال الماء في رحم المرأة. أمّا إذا كان التلقيح بإخراج البويضة من الرحم وتلقيحها في الخارج ثم إدخالها في الرحم، فيجري عليه ما يأتي في جواب السؤال ( ١٧ )، وعلى كل حال لو حصل ذلك فالولد يُنسب للأجنبي صاحب الحيمن ولصاحبة البويضة. نعم في التوارث بينه وبينهما إشكال واللازم الاحتياط. ولا ينسب الولد للزوج الذي أُخذ منه السائل المنوي الخالي من الحيامن.
أمّا تطليق الزوجة بعد أخذ الحيامن، ثم عقد صاحب الحيامن عليها، ثم إرجاعها له، فهو لا ينفع في تحقيق المطلوب.
س ١٧: إذا كان حيمن الزوج سليماً وكذلك سائله المنوي سليماً، ومبيض الزوجة سليماً أيضاً ولكن رحمها الذي يغذي الطفل عاطل، ففي هذه الحالة يمكن تخصيب حيمن الزوج وبويضة