فقه الاستنساخ البشري وفتاوى طبية

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 128
مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 128
الزوجة في أنبوب خارجي، ثم زرع اللقيحة بعد ذلك في رحم امرأة أجنبية صالح. فهل يجوز ذلك؟ وبمَن يلحق الطفل بعد الولادة؟ بصاحبة البويضة وهي الزوجة أو بصاحبة الرحم المغذي وهي الأجنبية؟
ج: الأحوط وجوباً ترك ذلك وعدم حضن المرأة بويضة ملقّحة بحيمن غير زوجها. إلاّ أن تطول المدّة، بحيث تخرج البويضة والحيمن عن كونهما ماءً، ويصدق عليها عرفاً أنّها جنين فيجوز حينئذٍ حضن الأجنبية له.
وعلى كل حال فالولد يلحق بالزوجين صاحبي البويضة والحيمن - ويرث منهما - لا بالحاضنة.
س ١٨: زوجة تعاني من تلف الرحم أو فقدانه، إلاّ أنّ مبيضها سليم، فيقوم الطبيب عندئذٍ بتخصيب بويضة الزوجة وحيمن الزوج في أنبوب، ثم زرعه في رحم أجنبية كحاضنة للجنين، بعد إجراء العقد عليها من الزوج دون أن يباشرها ( يواقعها ) وعندما يحصل الحمل ويولد الطفل يبادر الزوج إلى تطليق هذه
الزوجة الثانية ( المعقود عليها ) صاحبة الرحم الحاضن؛ ليلحق الطفل بالزوجة الأُولى صاحبة البيضة. فهل يجوز ذلك؟ وهل للثانية ( الحاضنة ) حق في إلحاق الطفل بها، وإن كانت البويضة ليست منها؟
وهناك ثمّة فرض آخر، وهو: لو أنّ الزوج واقع الثانية ( الحاضنة ) التي عقد عليها. واتفق أنّها حملت منه أيضاً عندئذ سيكون في رحمها جنينان فكيف يميَّز الأول من الثاني؟ علماً أنّ العلم الحديث يمكنه تشخيص عائدية كل طفل، وذلك عن طريق تطابق الأنسجة.
ج: لا بأس بذلك، ويلحق الطفل بالزوجة الأُولى صاحبة البويضة، لا بالحاضنة. أمّا في الفرض الآخر فكل طفل يلحق بصاحبة البويضة التي تكون منها. ومع الاشتباه لا طريق شرعي للتمييز، ويجوز الرجوع للطرق العلمية إذا أوجبت العلم بأُم كل من الطفلين.
س ١٩: إذا كان الزوج والزوجة كلاهما غير قادر على الإنجاب بسبب تلف خصية الزوج، وكذلك تلف مبيض
الزوجة، ولكن رحمها سليم يمكنه احتضان جنين. فهل يحق للزوج وبموافقة الزوجة أخذ حيامن من أخيه، أو من أجنبي، وإضافتها إلى سائله المنوي الخالي من الحيامن - بواسطة الطبيب - ثم يتم تخصيب هذا السائل الخليط ببويضة امرأة أجنبية، ومن ثمّ زرعه بعد التخصيب في رحم الزوجة؟
فما هو نظر الشرع الشريف في هذه العملية؟ وبمَن يُلحق الطفل بعد الولادة؟
ج: أمّا تخصيب بويضة المرأة الأجنبية بالسائل المذكور فالأحوط وجوباً تركه. وأمّا زرعه بعد التخصيب في رحم الزوجة فيجري عليه ما تقدّم في جواب السؤال ( ١٧ ) ولو حصل ذلك فيلحق الطفل بعد الولادة بصاحب الحيمن وصاحبة البويضة. لكن في ثبوت التوارث بينه وبينهما إشكال فاللازم التصالح.
س ٢٠: زوجة مبيضاها تالفان، فإذا أخذنا مبيضاً من امرأة أجنبية حيّة أو ميّتة، وزرعناه بجانب المبيض التالف للزوجة، ثم صار حملاً طبيعياً في رحمها، أو عن طريق الأنبوب، فهل
يجوز ذلك؟ ولمَن يُنسب الطفل؟
وكذلك الحال إذا كان رحم الزوجة تالفاً هذه المرة وليس المبيض، وزرعنا لها رحماً كاملاً مأخوذاً من أجنبية حيّة أو ميتة، وصار لها طفل، فما هو موقف الشرع من هذا الإجراء؟ ولمَن يعود الطفل؟
ج: يجوز ذلك في جميع الفروض ويلحق الولد بالزوجين. لكن ذكرنا في جواب السؤال السابع أنّه لا يجوز اقتطاع الرحم أو المبيض من المرأة الميتة المسلمة. فليلاحظ.
س ٢١: رجل خصيتاه تالفتان - وهما مصدر الحيامن والسائل المنوي - وزوجته مبيضها تالف أيضاً، فإذا زرعنا للرجل خصية من أجنبي أو من أخيه، وزرعنا للمرأة مبيضاً من أُختها أو من أجنبية، وصار لها طفل. فهل يجوز ذلك؟ ولمَن يُنسب الطفل؟
ج: يجوز ذلك ويُنسب الطفل للزوجين. لكن لا يجوز اقتطاع شيء من أجزاء المسلم الميّت، على نحو ما تقدّم في جواب السؤال السابع.
س ٢٢: إذا زرعنا للرجل خصية من
أجنبي، وكان مبيض زوجته سليماً، ولكنّ رحمها عاطل، فإذا أخذنا الحيامن من الخصية المزروعة للرجل، ولقّحنا بها بويضة زوجته في الأنبوب، وبعد حصول الجنين نزرعه في رحم أجنبية حتى يصير طفلاً فهل يجوز ذلك؟ وهل يكون لحوقه بصاحبة البويضة أو بصاحبة الرحم؟
ج: يجوز تلقيح بويضة الزوجة بالحيامن المذكورة، أمّا زرعها بعد التلقيح برحم الأجنبية فيجري فيه ما تقدّم في جواب السؤال( ١٧ ) أمّا الولد فيلحق بصاحبة البويضة. ويتم التوارث بينهما.
س ٢٣: رجل خصيتاه تالفتان، ولكنّ زوجته سليمة، وزُرعت له خصية من أجنبي أو من أخيه، تماماً كما تُزرع الكلية، وصار له طفل من زوجته السليمة، فما موقف الشرع من هذه الحالة؟
ج: يجوز ذلك. ويلحق الولد بالزوجين، ويتم التوارث بينه وبينهما. لكن تقدّم في جواب السؤال ( ٢١ ) المنع من اقتطاع شيء من أجزاء المسلم الميّت، أمّا من الحي فجائز.
س ٢٤: يصادف أن يصاب الزوج بتلف الأنابيب المنوية الموصلة للحيامن، ثم زرعت له أنابيب من شخص آخر أو من الحبل السرّي للطفل، ثم واقع زوجته وصار له طفل، أو يكون العكس: أنابيب مبيض زوجته الموصلة للبيوض تالفة ولكن مبيضها سليم، وزُرعت لها أنابيب من أجنبية، أو من الحبل السرّي للطفل وصار لها طفل. فما هو الموقف الشرعي من هاتين الحالتين؟
ج: يجوز ذلك، ويُلحق الطفل بالزوجين. ويتم التوارث بينه وبينهما. نعم، لا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسلم الميت، كما تقدّم في جواب السؤال ( ٢١ ).
س ٢٥: شخص أُخذت منه مادّة منوية وبعد ذلك تزوّج امرأة، فهل يجوز تلقيحها بمادته المنوية المأخوذة منه قبل الزواج؟
ج: نعم يجوز.
س٢٦: رجل استخرج حيمناً من منيّه وطلب حفظه، وأوصى إن هو مات أن
تلقّح به زوجته بعد وفاته - لأنّه لم يرزق طفلاً - فمات ولُقّحت به زوجته بعد شهرين من وفاته وحملت منه:
أ - فما حكم هذه الوصيّة؟
ج: هذه الوصية غير نافذة؛ لأنّ المرأة بموت الزوج تخرج عن عصمته، ويحرم تلقيح المرأة بماء غير زوجها.
ب - وهل يجوز للمرأة القبول أو الرفض؟
ج: يجب على المرأة الرفض ويحرم عليها القبول.
جـ. وهل يعتبر الولد ولداً شرعياً للمتوفّى ولزوجته؟
ج: الأحوط وجوباً كونه ولداً شرعياً لهما، ولا يظهر أثر الاحتياط المذكور إلاّ في التوارث بينه وبين طبقات الميراث من طرفي الأب والأُم. أمّا إذا وقع التلقيح غفلة عن الحرمة المذكورة وبتخيّل جوازه شرعاً فيلحقه حكم ولد الشبهة في كونه ولداً شرعياً وارثاً وموروثاً.
نعم، لا يرث على كل حال من أبيه ولا من كل مَن يموت قبل انعقاد نطفته بتلقيح البويضة بالحيمن، بل ميراثهم ينحصر بمن هو
موجود من طبقات الميراث حين موتهم. وإنّما يرث الطفل المذكور احتياطاً أو جزماً من خصوص مَن يموت بعد انعقاد نطفته من طبقات الميراث من الطرفين.
د - وما حكم التوارث بين الولد وكل من أبويه؟
ج: يظهر الجواب عنه في جواب الفرع المتقدّم.
هـ - وما هو الحكم في الموارد المتقدّمة لو كان التلقيح بعد انتهاء العدّة؟
ج: لا أثر للعدّة؛ لأنّها بائنة، فلا فرق في جميع ما سبق بين كون التلقيح قبل خروج العدّة، وكونه بعد خروجها.
س ٢٧: امرأة توفّي زوجها فأخذوا من مادته المنوية ولقّحوا بها بويضة المرأة. والسؤال هنا:
أ - ما حكم أخذ المادة المنوية منه تكليفاً؟
ج: يشكل جوازه إذا لم تكن فيه مصلحة للميت، كما هو الغالب والدائم.
ب - هل يجوز للمرأة وللطبيب المعالج أن يزرق المادة في رحمها، أو يلقّح بها البويضة ويزرعها في رحمها بعد ذلك؟
ج: الأحوط وجوباً ترك ذلك؛ لأنّها بموته تصير أجنبية عنه فتدخل في المسألة الثالثة من أحكام الأولاد من الجزء الثالث من رسالتنا (منهاج الصالحين). فلتراجع.
ج - هل الولد يعتبر شرعاً ابناً للميت؟ وهل يستحق الإرث؟
ج: نعم يعتبر ابناً له، إلاّ أنّه لا يرث منه؛ لأنّه بموته تنتقل تركته لورثته المنتسبين له من أي طبقة من طبقات الميراث؛ لعدم انتساب الولد المذكور للميت بعد، ليحجبهم عن بعض الإرث أو عن تمامه، ولم ينتسب إلاّ بعد التلقيح ولا دليل على كون الانتساب المذكور موجباً لانقلاب ملك التركة، لاختصاص دليل ميراث الولد بالولد حين الموت.
س ٢٨: ما هو حكم ولد التلقيح من باب البنوّة، والنفقة، والإرث، والحضانة، وغيرها؟
ج: إذا كان التلقيح بين بويضة الزوجة وحيمن الزوج فتترتّب الأحكام المذكورة كافّة.
س ٢٩: إدخال ماء الرجل في رحم امرأة أجنبية بطريقة التلقيح الصناعي، هل يترتب عليها أحكام حد الزنا؟
ج: لا يترتّب الزنا ولا يجب الحدّ، وإنّما هو محرم لا غير.
س ٣٠: رجل زرع نطفته في رحم امرأة أجنبية بواسطة الوسائل الطبّية، متّفقاً معها على حمل الجنين مقابل مبلغ معيّن من المال؛ لأنّ رحم زوجته لا يتحمّل حمل الجنين، والنطفة مكوّنة من مائه هو وماء زوجته الشرعية، وإنّما المرأة الأجنبية وعاء حامل فقط، لكن حدثت بعدئذٍ مشكلة وهي:
أنّ المرأة المستأجرة للحمل طالبت بالولد الذي نما وترعرع في أحشائها، فما هو الحكم؟
ج: الولد ليس لها، وليس لها حق المطالبة به وبحضانته.
س ٣١: ما هو رأي سماحتكم حول عملية نقل خصية من شخص خصب جنسياً إلى شخص آخر عقيم يحتاج إلى خصية، لو فرضنا نجاح العملية جراحياً؟
مع العلم أنّ الخصية هي مكان إنتاج النطف والهرمونات الجنسية، وهذه النطف هي إحدى طرفي عملية الإخصاب لتكوين الجنين لاحقاً، ولمَن
تعود أُبوّة هذا الجنين؟
ملاحظة: الخصية تتكوّن من:
١ - أقنية تحتوي على خلايا تولّد النطف، وخلايا من نوع آخر تقوم بتغذية النطف، وأقنية أُخرى تقوم بنقل النطف إلى داخل الجسم.
٢ - خلايا بين الأقنية المولّدة للنطف تفرز هرمون التستوستيرون الذي يحفّز ظهور الصفات الجنسية الذكرية.
وكذلك المني يتكوّن من جزأين هما:
١ - السائل المنوي: يتكون ويفرز من غدّة البروستات وغدة كوبر، وبعض السوائل البربخ بالإضافة إلى القنوات المنوية.
٢ - النطف: يتم تكوينها وإنتاجها من خلايا موجودة في أقنية داخل الخصية، وثم تنتقل عبر قنوات ناقلة إلى داخل الجسم، ثم إلى خارج الجسم عبر الإحليل بعد أن تخلط مع السائل المنوي.
ج: العملية المذكورة جائزة في نفسها، لكنّها تستلزم كشف العورة ولمسها من قِبَل الطبيب المعالج فلا يجوز الإقدام عليها إلاّ مع الضرورة
الملزمة لذلك، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى تعود أُبوّة الولد للثاني الذي انتقلت له الخصية السليمة.
طفل الأنابيب
س ٣٢: سماحة السيد نعرض عليكم الحالات المتّبعة في عمليات الأنابيب، نرجو بيان أيّ الحالتين يجوز العمل بها؟
الحالة الأُولى:
يجري سحب أو استئصال نسيج أو جزء من النسيج الذي يتولّد فيه الحيمن من الخصية، وهذه العملية تكون بواسطة جهاز يؤدّي العملية بسرعة عالية، وفي نفس الوقت يتم في مكان آخر سحب البويضة من الزوجة من الرحم، وذلك يتم طبعاً بعد تحديد وقت نزول البويضة، وربّما بواسطة طبيب أو طبيبة أو كلاهما معاً. ويتم خارجاً زرع النسيج - الذي يولّد الحيامن - مع البويضة داخل أنبوب؛ وذلك لاختصار وتجاوز مرحلة انتقال الحيمن من الزوج إلى الزوجة في الحالة
الطبيعية؛ وذلك لأنّ هذه المدّة هي السبب في عدم وصول الحيامن بنفس القوّة إلى البويضة؛ وذلك لضعفها ولهذا لا يتم التلقيح. ثم يبقى التلقيح خارج رحم المرأة لمدّة ( ٤٨ ) ساعة تقريباً في الحاضنة، ثم يتم بعدها إعادة البيضة المخصبة إلى رحم الزوجة وربّما أيضاً بواسطة طبيب أو طبيبة.
الحالة الثانية:
يتم سحب الحيامن والسائل المنوي من خصية الزوج بواسطة إبرة سحب وتوضع في حاوية زجاجية - أنبوب - مع منشّطات أو مقوّيات للحيامن، وتبقى في الحاضنة لفترة محدودة، ثم يتم حقن هذا السائل في رحم المرأة، وذلك بواسطة حاقنة خاصة بذلك يدوياً بواسطة طبيب أو طبيبة.
ج: يجوز القيام بالعمليتين المذكورتين أعلاه إلاّ أنّه حيث كان القيام بهما يستلزم كشف العورة ولمسها من قِبَل الطبيب المعالِج، فلا يجوز الإقدام عليها إلاّ مع حصول الحرج من عدم الإنجاب.
ويلزم التأكّد من عدم حقن ماء آخر غير ماء الزوج، كما يلزم تقديم المماثل في الذكورة والأُنوثة في إجراء العملية مع الإمكان.
س ٣٣: الحيمن والبويضة من الذكر والأُنثى إذا وضعت في الأنابيب الطبّية، هل هذا العمل جائز أم لا إذا كان من امرأة وزوجها؟
ج: نعم هو جائز، ولكنّه يلزم منه كشف العورة ولمسها فيجري فيه ما سبق.
س ٣٤: في حال عدم الإنجاب - العقم - يقوم الأطبّاء بفحص الزوجين، ويبدأ الفحص بالرجل فإذا كان سليماً فحص حال المرأة وإلاّ اكتفى به. هل يجوز للرجل الكشف أمام الطبيب وإعطاء منيّه للاختبار، ويُؤخذ المني في بعض الأحيان بطريقة العادة السرّية؟ وهل يجوز أخذ منّي الرجل والمرأة ووضعه في أنبوب معيّن ثم يدخل في رحم المرأة؟ وهل يجوز أخذ الحيوان المنوي من داخل الخصية بواسطة عملية جراحية ثم
يتم تلقيح بويضة المرأة به، ووضعها في أنبوب ثم بعد فترة تلقّح المرأة بها؟
ج: ١ - إنّما يجوز كشف العورة إذا كان عدم الإنجاب يسبّب نوعاً من الحرج، ولا يجوز أخذ المني من طريق العادة السرّية إلاّ مع انحصار الأمر بها حينئذٍ.
٢ - ولا مانع من جمع ماء الرجل والمرأة في أنبوب ثم إدخاله في رحم المرأة.
٣ - ولا مانع أيضاً من أخذ الحيوان المنوي من داخل الخصية وتلقيح بويضة المرأة به ثم وضعها في الرحم.
س ٣٥: يقوم بعض الأطباء هذه الأيام بخلط ماء الرجل ( الزوج ) مع ماء المرأة ( الزوجة ) في أنبوبة الاختبار، فيتكوّن من ذلك عدّة أجنّة هي بداية النشوء البشري، والحال هنا يختلف عن التلقيح الطبيعي في الرحم، حيث يتكوّن عادة جنين واحداً أو اثنان أو ثلاثة أو لكن في الأنبوبة يؤدّي إلى تكوّن عدّة أجنّة، فهل يجب زرعها جميعاً في رحم الأُم، علماً بأنّ ذلك قد يؤدّي إلى هلاكها؟ وهل يجوز انتقاء جنين واحد وقتل
الباقي؟ وهل تجب الديّة، علماً بأنّ عدد هذه الأجنّة قد يكون كثيراً جداً بحيث يصعب عدّه، فما الحكم في ذلك؟
ج: لا بأس بقتل هذه الأجنّة ما لم تلج فيها الروح. نعم الأحوط وجوباً وضع ما يمكن وضعه في رحم الأُم إذا رضيت بذلك، ولا يجب عليها الرضا به.
س ٣٦: في بعض المستشفيات قد يتعرّض المريض لملامسة الممرضات أثناء أخذ النبض وقياس الضغط، فما هو الحكم؟
ج: إذا بلغ الأمر حدّ الضرورة فلا بأس وإلاّ فلا يجوز.
س ٣٧: هل يجوز للطبيب أن يكشف على المرأة في:
١ - حالة اعتقادها بأنّ هناك ضرورة لا يمكن تأخيرها؟
ج: المدار في جواز الفحص للطبيب احتماله احتمالاً معتدّاً به حاجة المرأة الصحّية لفحصه، بحيث لا تقوم الطبيبة مقامه في ذلك، ولا أثر لاعتقاد المرأة المريضة أو احتمالها في تشخيص وظيفته، بل أثر ذلك جواز بذل نفسها لفحصه، وإن لم يجب عليه الاستجابة.
نعم إذا كان اعتقادها وجود الحاجة لفحصه موجبة لعدم اطمئنانها لفحص الطبيبة وعدم استجابتها لعلاجها، وكانت في حاجة للعلاج رجع ذلك إلى حاجتها لفحصه، وجاز له الفحص وإن اعتقد استغناءها بالطبيبة عنه.
وكذا إذا كانت في حالة نفسية سيّئة يخشى منها نتيجة الاعتقاد المذكور، وإن كان هو يعتقد عدم حاجتها للعلاج عضوياً؛ لأنّها حينئذٍ في حاجة إلى فحصه لها من الناحية النفسية.
٢ - حالة شك الطبيب بضرورة الكشف على المرأة عند ادعائها الضرورة؟
ج: يظهر الجواب ممّا سبق.
٣ - حالة تأكد الطبيب بعدم ضرورة الكشف على المرأة لكن المرأة تطلب الكشف؟
ج: يظهر الجواب مما سبق.
س ٣٨: عند أخذ عيّنة الدم من المريض، قد لا يجد الرجل رجلاً بل يوجد امرأة وكذا العكس. هل يجوز أخذ العيّنة في غير حالة الضرورة، بل في حالة الكشف العام حينما يريد
ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنينعليهالسلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.
قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.
فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية »(1) .
واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ »(2) . والشواهد على ذلك كثيرة
وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعليعليهالسلام .
ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول
__________________
1 ـ الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 134.
2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 285 والاحتجاج ج 1 ص 402 والبحار ج 44 ص 70 والغدير ج 2 ص 133 عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 12. ونقل عن شرح النهج للآملي ج 18 ص 288 وعن أعيان الشيعة ج 4 ص 67.
ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :
تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل(1) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمدصلىاللهعليهوآله لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال(2) وقد أصبح ذلك من عقائدهم(3) .
ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب(4) . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي
__________________
1 ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج 2 ص 316.
2 ـ راجع : سنن البيهقي ج 8 ص 157 و 159 و 164 و ج 4 ص 115 و ج 6 ص 310. وصحيح مسلم ج 6 ص 17 و 20 ج 2 ص 119 و 122 وكنز العمال ج 5 ص 465 و ج 3 ص 168 و 167 و 170 والعقد الفريد ج 1 ص 8 و 9 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 329 ـ 335 و 339 ـ 344 ولباب الآداب ص 260 والدر المثور ج 2 ص 177 و178 و 176 ومقدمة ابن خلدون ص 194 والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص 417 وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج 5 ص 274 وطبقات الحنابلة ج 3 ص 58 و ص 56 ، والإبانة للأشعري ص 9 ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 323 ومسند أحمد ج 2 ص 28 و ج 4 ص 382 / 383 البداية والنهاية ج 4 ص 249 و 226 ومجمع الزوائد ج 5 ص 229 و 224 وحياة الصحابة ج 2 ص 68 و 69 و 72 و ج 1 ص 12 والإصابة ج 2 ص 296 والكنى والألقاب ج 1 ص 167 والاذكياء ص 142 و الغدير ج 7 ص 136 حتى ص 146 و ج 6 ص 117 و 128 و ج 9 ص 393 و ج 10 ص 46 و 302 و ج 8 ص 256 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 513 و 290 والسنة قبل التدوين ص 467 ونهاية الإرب ج 6 ص 12 و 13 ولسان الميزان ج 3 ص 387 و ج 6 ص 226 عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج 2 ص 102.
3 ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص 312 متناً وهامشاً.
4 ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص 166 وجامع بيان العلم ج 2 ص 148 و 149 و 150 وضحى الإسلام ج 3 ص 81 زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 340 و ج 12 ص 78 / 79 وقاموس الرجال ج 6 ص 36 ، والإمامة والسياسة ج 1 ص 183 والغدير ج 9 ص 34 و 95 و 192 و ج 5 ص 365 و ج 10 ص 333 و 245 و 249 و ج 7 ص 147 و 154 و 158 و ج 8 ص132 والإخبار الدخيلة ( المستدرك )
=
ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف
ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر
قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن
__________________
=
ج 1 ص 193 و 197 ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص 271 و 249 وأنيس الأعلام ج 1 ص 279 و 257 والتوحيد وإثبات صفات الرب ص 82 و 80 و 81 ومقدمة ابن خلدون ص 143 و 144 والإغاني ج 3 ص 76 ، وتأويل مختلف الحديث ص 35 والعقد الفريد ج 1 ص 206 و ج 2 ص 112 وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 445 وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص 43 حتى 49 عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص 904 وربيع الأبرار ج 1 ص 821 والموطأ ج 3 ص 92 و 93 وطبقات ابن سعد ج 7 ص 417 و ج 5 ص 148 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 265 و 83 /84 ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 67 ومناقب الشافعي ج 1 ص 17 والبخاري ج 8 ص 208 وفي خطط المقريزي ج 3 ص 297 : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر وحياة الصحابة ج 2 ص 12 و 95 و 94 و 330 و ج 3 ص 229 و 487 و 492 و 501 و 529 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 3 ص 138 / 139 و ج 8 ص 208 و ج 1 ص 86. وصحيح مسلم ج 2 ص 86 وأبي داود ج 2 ص 16 والترمذي ج 1 ص 202 وابن ماجة ج 1 ص 209 وسنن البيهقي ج 9 ص 50 و ج 6 ص 349 ومسند أحمد ج 5 ص 245 ومجمع الزوائد ج 6 ص 3 و ج 1 ص 135 والطبري في تاريخه مقتل برير و ج 4 ص 124 و ج 3 ص 281 والبداية والنهاية ج 7 ص 79. انتهى.
والمعتزلة ص 7 و 87 و 39 / 40 و 91 و 201 و 265 عن المصادر التالية : المنية والأمل ص 12 وعن الخطط ج 4 ص 181 / 182 و 186 والملل والنحل ج 1 ص 97 / 98 والعقائد النسفية ص 85 ووفيات الأعيان ص 494 والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 3 ص 45 عن الطبري ج 6 ص 33 و ج 3 ص 207 وعن الترمذي ص 508 في رسالة عمر بن عبد العزيز
والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.
التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك »(1) .
وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.
ومعنى هذا هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.
بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب(2) .
وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت »(3) .
بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى(4) كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً(5)
هذا كله فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتفضيل الخليفة عليه بل وسلب معنى العصنة عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقوالهصلىاللهعليهوآلهوسلم : إنه بشر يرضى
__________________
1 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص 204.
2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 232 وراجع : تاريخ الخلفاء ص 246 وراجع ص 223.
3 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 70.
4 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 73 وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 115.
5 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 72.
ويغضب(1)
بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمهصلىاللهعليهوآله ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء(2)
كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم(3)
إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلىاللهعليهوآله ، فمن أراده فليراجعه.
ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنهصلىاللهعليهوآله من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفهصلىاللهعليهوآلهوسلم الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.
ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع
__________________
1 ـ راجع : سنن الدرامي ج 1 ص 125 وجامع بيان العلم ج 1 ص 85 وليراجع ج 2 ص 62 و 63 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 104 / 105 وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج 3 /318 والزهد والرقائق ص 315 والغدير ج 11 ص 91 و ج 6 ص 308 و 309 والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 34 و 35 و ج 11 ص 237 وإحياء علوم الدين ج 3 ص 171 وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم وغير ذلك كثير.
2 ـ الغدير ج 6 ص 309 عن عمدة القاري ج 7 ص 143 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).
3 ـ الموفقيات ص 577 ومروج الذهب ج 3 ص 454 وشرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 129 و 130 وقاموس الرجال ج 9 ص 20.
وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر(1) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ(2) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً
وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن »(3) !!
وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياًعليهالسلام لايصلي(4) .
__________________
1 ـ الغدير ج 7 ص 131 عن السيرة الحلبية ج 3 ص 386. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص 195 إشارة إلى ذلك..
2 ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59.
3 ـ مروج الذهب ج 3 ص 38.
4 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 30 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 313 والفتوح لابن اعثم ج 3 ص 196 وصفين ليصر بن مزاحم ص 354 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 36 والغدير ج 10 ص 122 و 290 عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 184 وترجمة الإمام عليعليهالسلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج 3 ص 99 ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج 38 حديث رقم 1139. وراجع : المعيار والموازنة ص 160.
وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة »(1) .
قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.
ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه(2) .
وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه »(3) .
وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يرثونه غير بني أمية
__________________
1 ـ أنساب الأشراف ج 5 ص 43 ، والغدير ج 9 ص 32. وليراجع البداية والنهاية ج 7 ص 165.
2 ـ المعيار والموازنة ص 19.
3 ـ المصنف ج 11ص 334.
بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل(1) .
وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم »(2) .
وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة(3) .
وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة »(4) .
وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا :( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».
قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر(5) .
وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها
__________________
1 ـ مروج الذهب ج 3 ص 32 والغدير ج 10 ص 196 عنه.
2 ـ الفخري في الآداب السلطانية ص 112 والعقد الفريد ج 3 ص 373 مع تفاوت يسير.
3 ـ الغدير ج 8 ص 304 عن ابن أبي الحديد.
4 ـ الأمالي للشيخ المفيد ص 122.
5 ـ حياة الصحابة ج 3 ص 260 عن كنز العمال ج 1 ص 228 عن ابن جرير.
معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها »(1) .
والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق(2) !!
ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع(3) .
وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبيصلىاللهعليهوآله ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه(4) .
وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن عليعليهالسلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً »(5) .
وحينما أرسل عليعليهالسلام إلى معاوية كتاباً فيه :
محمـد النبـي أخـي وصهـري |
وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي |
الأبيات
__________________
1 ـ العقد الفريد ج 2 ص 112 وبلاغات النساء ص 104 ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.
2 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 50.
3 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.
4 ـ أخبار الموفقيات ص 332 ـ 334 وليراجع الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59 في قضية أخرى.
5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 57 والإمام الحسن بن عليعليهالسلام لآل يس ص125 ، والنصائح الكافية ص 72.
« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب »(1) .
وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً(2) .
ولكن أمير المؤمنينعليهالسلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.
ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظمصلىاللهعليهوآلهصلىاللهعليهوآله ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.
المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،
ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنهصلىاللهعليهوآله (3) .
__________________
1 ـ البداية والنهاية ج 8 ص 8 و9.
2 ـ النصائح الكافية ص 72 / 73 /74.
3 ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج 1 ص 42 و 65 و 77 و ج 2 ص 173 و 174 و 135 و 203 و 147 و 159 و 141 و 148 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 و 262 و 325 و 377 و ج 10 ص 381 وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة
..................................................................................
____________
=
قبل التدوين ص 97 / 98 و 91 و 103 و 113 و 92 و 104 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5 و 7 و 6 و 8 و 3 / 4 وشرف أصحاب الحديث ص 88 و 89 و 91 و 92 و 87 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 273 وكنز العمال ج 5 ص 406 عن التيهقي و ج 10 ص 179 و 174 و 180 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وتأويل مختلف الحديث ص 48 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 248 و 427 حتى 432 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 2 و ج 4 قسم 1 ص 13 ـ 14 و ج 3 قسم 1 ص 306 و ج 5 ص 140 و 70 و 173 ، و ج 2 قسم 2 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 61 وأضواء على السنة المحمدية ص 47 و54 و 55 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 64 و 61 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 2 ص 196 وحياة الصحابة ج 2 ص 82 و 569 و 570 و ج 3 ص 257 و 258 و 259 و 272 و 273 و 252 و 630 عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج 8 ص 106 و 107 وتقييد العلم ص 50 و 51 و 52 و 53 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 102 و 110 وتاريخ الخلفاء ص 138 عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج 1 ص 499 حتى 501 ومسند أحمد ص 157 و ج 4 ص 370 و 99 و ج 3 ص 19 والدر المنثور ج 4 ص 159 ووفاء الوفاء ج 1 ص 488 و 483 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 114 وحلية الأولياء ج 1 ص 160 ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص 138 والمجروحون ج 1 ص 35 / 36.
ونقل أيضاً في الغدير ج 6 ص 294 حتى 302 و 265 و 263 و 158 و ج 10 ص 351 و 352 عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج 2 ص 227 وابن الشحنة بهامشه ج 7 ص 176 وفتوح البلدان ص 53 وصحيح البخاري ط الهند ج 3 ص 837 وسنن أبي داود ج 2 ص 340 وصحيح مسلم ج 2 ص 234 كتاب الأدب انتهى.
ونقله في النص والاجتهاد ص 151 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 5 ص 239 رقم 4845 و 4860 و 4865 و 4861 و 4862 والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 120 والمعتصر من المختصر ج 1 ص 459 وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص 248 والتاج المكلل ص 265 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 7 ص 127.
ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص 29 ، والمحدث الفاصل ص 133 والبخاري بحاشية السندي ج 4 ص 88 وصحيح مسلم ج 3 ص 1311 و 1694 والموطأ ج 2 ص 964 ورسالة الشافعي ص 435 ومختصر جامع بيان العلم
مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.
وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك(1) .
ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم(2) حتى إن أبا
__________________
=
ص 32 و 33. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..
1 ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج 2 ص 224 حتى 227 و 238 و 338 و 345 و 325 و 326 و 327 وأضواء على السنة المحمدية ص 124. حتى 126 و 145 حتى 192 وشرف أصحاب الحديث ص 14 و 15 و 16 و 17 وفجر الإسلام ص 158 حتى 162 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 34 حتى 37 والزهد والرقائق ص 17 و 508 وتقييد العلم ص 34 وفي هامشه عن حسن التنبيه ص 192 وعن مسند أحمد ج 3 ص 12 و 13 و 56. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج 2 ص 50 و 53 ، ومجمع الزوائد ج 1 ص 150 و151 و 191 و 192 و 189 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 109 و 110 وهوامشه ومشكل الآثار ج 1 ص 40 و 41 والبداية والنهاية ج 1 ص 6 و ج 2 ص 132 و 134 وكشف الأستار ج 1 ص 120 و 122 و 108 و 109 وحياة الصحابة ج 3 ص 286.
2 ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج 1 ص 26.
بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج 2 ص 175 203 وراجع ص 194 و 174 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 62 وسنن الدرامي ج 1 ص 61 والتراتيب اللإدارية ج 2 ص 367 و 368 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 179 ط ليدن و 258 ط صادر وكنز العمال ج 10 ص 185 عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 301 وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج 1 ص 83.
بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 54 وحياة الصحابة ج 2 ص 390 / 391 عنه
موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر(1) .
أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر(2) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلىاللهعليهوآلهوسلم .
وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.
وقد رووا عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن(3) .
__________________
1 ـ مسند أحمد ج 4 ص 393 وفي ص 372 يمتنع أنس عن الحديث.
2 ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة 35 ج 3 ص 426 ومروج الذهب ج 2 ص 321 و 322 وراجع مستدرك الحاكم ج 3 ص 120 و ج 1 ص 110 وكنز العمال ج 10 ص 180 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 20 ص 20 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 317 و 334 و 365 وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص 208 و 209 والفتنة الكبرى ص 17 و 46 و 77 وشرف أصحاب الحديث ص 87 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 135 و ج 2 قسم 2 ص 100 و 112 وحياة الصحابة ج 2 ص 40 و 41 و ج 3 ص 272 و 273 عن الطبري ج 5 ص 134 وعن كنز العمال ج 7 ص 139 و ج 5 ص 239.
وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.
3 ـ البداية والنهاية ج 5 ص 83 ومجمع الزوائد ج 5 ص 204 عن الطبراني. وحياة الصحابة ج 1 ص 198 / 199 عنهما وعن كنز العمال ج 7 ص 38 وعن البغوي وابن
=
وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.
وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر(1) .
وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبيصلىاللهعليهوآله ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة
ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.
بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(2) .
بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول
__________________
= عساكر وغيرهما.
1 ـ الفائق للزمخشري ج 3 ص 215 و ج 2 ص 445 والنصائح الكافية ص 175 ولسان العرب ج 13 ص 346 و ج 11 ص 452. والاشتقاق ص 179.
2 ـ راجع الصحيح من سيرة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ج 1 ص 27 ـ 30 بالإضافة إلى : المصنف ج 2 ص 63و مسند أبي عوانة ج 2 ص 105 والبحر الزخار ج 2 ص 254 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 260 ومسند أحمد ج 4 ص 428 و 429 و 432 و 441 و 444 والغدير ج 8 ص 166 ، وراجع أيضاً مروج الذهب 3 ص 85 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 62.
لأحكام ومثلها من أصول السنن(1) الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين(2) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها(3) .
وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل »(4) .
بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك »(5) .
ويقول المعتزلي الشافعي عن عليعليهالسلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين
__________________
1 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 419 وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 243.
2 ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج 1 ص 414 ، ولسان الميزان ج 3 ص 405 وتذكرة الحفاظ ج 2 ص 641 و 430 و 434 و ج 1 ص 254 و 276.
وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.
والتراتيب الإدارية ج 2 ص 202 حتى ص 208 و 407 و 408.
3 ـ راجع لسان الميزان ج 3 ص 405 و ج 5 ص 228 والفوائد المجموعة ص 246 و 427 وتاريخ الخلفاء ص 293 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 96 وميزان الاعتدال ج 1 ص 572 و 406 و 509 و 316 و 321 و 12 و 17 و 108 و 148 والكفاية للخطيب ص 36 و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج 1 ص 156 و 185 و 155 و 142 و 96 و 63 و 62 و ص 65 حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج 2 ص 189 و 163 و 138 و ج 3 ص 39 و 63.
4 ـ حياة الصحابة ج 1 ص 505 عن كنز العمال ج 5 ص 114 وعن معاني الآثار للطحاوي ج 1 ص 27.
5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 83.
تحريمه. وقد قالعليهالسلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب »(1) انتهى.
ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.
كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة »(2) .
كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها(3) .
ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك »(4) .
وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبيصلىاللهعليهوآله ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.
وبعد هذا فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق
__________________
1 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 28.
2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 84.
3 ـ المصنف ج 2 ص 433.
4 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 194.
الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.
كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.
كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيتعليهمالسلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.
أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ(1) .
ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.
هذا ولكننا نجد أمير المؤمنينعليهالسلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفضعليهالسلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد
__________________
1 ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلىاللهعليهوآله ج 1 ص 26 / 27 متناً وهامشاً.
طردعليهالسلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم (1) .
وقد رووا عنه : أنهعليهالسلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره(2) .
كما أنهعليهالسلام يقول :
« من يشتري منا علماً بدرهم؟ قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».
وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً »(3) .
وعن عليعليهالسلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس(4) .
وعنهعليهالسلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه »(5) . ومثل ذلك كثير
__________________
1 ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص 28 وراجع كنز العمال ج 10 ص 171 و 172 و122.
2 ـ تقييد العلم ص 89 و 90 وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي 1 : 3 ».
3 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 259 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 116 ط ليدن و ص 68 ط صادر وتاريخ بغداد ج 8 ص 357 وكنز العمال ج 10 ص 156 وتقييد العلم ص 90 وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة 10 والمحدث الفاصل ج 4 ص 3.
4 ـ كنز العمال ج 10 ص 189.
5 ـ كنز العمال ج 10 ص 129 ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).
عنهعليهالسلام (1) .
وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته »(2) .
ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن عليعليهالسلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم »(3) .
ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
وطبيعي بعد ذلك كله وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة
__________________
1 ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج 10 كتاب العلم
2 ـ تقييد العلم ص 91 ونور الأبصار ص 122 وكنز العمال ج 10 ص 153 وسنن الدرامي ج 1 ص 130 وجامع بيان العلم ج1 ص 99 ، والعلل ومعرفة الرجال ج 1 ص 412 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227 وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج 6 ص 399 ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار 12 عن عليعليهالسلام وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج 2 ص 246 / 247 عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.
3 ـ تقييد العلم ص 91.
الاحترام للنبيصلىاللهعليهوآله ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :
1 ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب »(1) .
2 ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو إجماع الناس »(2) .
3 ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم »(3) .
4 ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى ولو كان صحيحاً »(4) .
ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً(5) .
__________________
1 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 366.
2 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 367 ، وراجع ص 450.
3 ـ مجموعة المسائل المنيرية ص 32.
4 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 251 / 255 ومالك ، لأبي زهرة ص 290.
5 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 254 / 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص 214.