الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 82910
تحميل: 5663

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82910 / تحميل: 5663
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أثناء عمليّةٍ جراحيّةٍ، أو أسباب أُخرى في الغدد الأُخرى، وربّما يتأخّر سنّ اليأس إلى ما بعد سنّ الخامسة والخمسين والحيض، فإذا كان الطمث منتظماً فلا بأس من ذلك، لكن إذا حدث تغيير في كمّيّته وأصبح غير منتظمٍ ؛ وجب استشارة الطبيبة النسائيّة، إذ ربّما يكون ذلك لأخذ هرمونات أُنثويّة، أو وجود أورام خبيثة ( مثل الأورام الليفيّة ) وأورام سرطانيّة بالرحم، أو أورام على المبيض...(١) .

أقول : مطالب هذه المسألة تحتاج إلى توضيحٍ طبّيٍّ أكثر من ذلك، ثمّ إلى تفكيك استنباط الأطبّاء الحدسي، والإحصائيّات غير البالغة حدّ الثبوت اليقيني، عن ما يُشاهد حسّاً بالآلات الحديثة.

والذي يصلح للاعتماد عليه في الفقه وتحديد الأحكام، وحتّى تأويل النصوص المخالفة هو الثاني لا غير، فإنّ الاستنباط الحدسي أو الإحصاء الظنّي غير حجّة لأحد.

( الفصل الرابع ) : في المباحث الفقهيّة المتعلّقة بالمقام، وهي ثلاثة على ما يخطر ببالي عاجلاً:

( الأوّل ) : تحديد سنّ اليأس وانتهاء الحيض، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:

فعن المشهور أنّ المرأة غير القرشيّة(٢) وغير النبطيّة تيأس ببلوغ الخمسين سنة، وأمّا هما فبلوغ ستّين سنة، وعن جمع أنّ يأس مطلق النساء ببلوغ الخمسين، بلا فرقٍ بين القرشيّة والنبطيّة وبين غيرهما، وعن العلاّمةرحمه‌الله - في بعض كتبه - أنّه ببلوغ الستّين مطلقاً من مبدء ولادتها(٣) .

ولا دليل معتبر على واحدٍ من هذه الأقوال رغم ادّعاء بعض الفقهاء

___________________

(١) ص٤٣٤ إلى ص٤٣٦ نفس المصدر.

(٢) القرشيّة: المنتسبة إلى النضر بن كنانة.

(٣) لاحظ ص١٦١ ج٣ من الجواهر.

٢٤١

صحّة بعض الأحاديث المستدلّ بها سنداً، فإنّه اشتباه على الأقوى.

( الثاني ) : هل للحيض حقيقة ممتازة طبّيّاً عن دم الاستحاضة(١) ، ودم النفاس، ودم البكارة، ودم القرحة، ونحوها ؟ فإذا ثبت ذلك طبّيّاً لابُدّ للفقهاء، والنساء اللاتي يحضن، من الرجوع إلى الطبيبات أو الأطبّاء الاختصاصيّين بذلك ؛ فإنّهم أهل الخبرة، وهم أهل الذكر في المقام.

ولدم الحيض أحكام إلزاميّة كثيرة، وتشخيصه مهمٌّ جدّاً بحسب الشرع، كحرمة الدخول والمكث في المساجد، وسقوط الصلاة، ووجوب قضاء الصوم وسقوط وجوب أدائه، وغير ذلك، ومع تعيينه طبّيّاً وقطعيّاً لا يجب بل لا يسوغ الرجوع إلى الأمارات الظنّيّة، وإن كانت منصوصة، فإنّها مختصّة بفرض عدم العلم بالواقع.

تقول طبيبة: لا يمكن التفرقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة ؛ لأنّ المصدر واحد والتثمين واحد ولكن يمكن التفرقة بالفحص الاكلينكي، ودراسة التاريخ بين المرضى، واستبعاد أيّ حملٍ أو استبعاد أيّ مرضٍ آخر موجود(٢) .

ثمّ تقول: قد يكون هنا اختلاف دقيق، ولكن في اللون والشكل، وقد يكون هناك اختلاف كيمياوي دقيق: كوجود زيادة بعض الإنزيمات، ولكن هذا لا نستعمله في الأحوال العاديّة في المختبرات للبحث أو للتفرقة(٣) .

وقال طبيبٌ: إنّ الحيض والاستحاضة تعبيرٌ فقهيٌّ لبيان أحكامهما الشرعيّة، ولا فرق بينهما.

___________________

(١) المستفاد من بعض الأحاديث تغيّر دم الاستحاضة والحيض ماهيّةً.

(٢) ص٦٨٠ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

(٣) ص٦٨٤ نفس المصدر.

٢٤٢

وقال طبيبٌ آخر: أنا أعرف هرموناً بالتحديد اسمه ( بروستجلاندين ) هذا الهرمون لا شكّ هو الهرمون المسبِّب لدم الحيض، هو الهرمون الذي يجعل الرحم يتقلّص لخروج دم الحيض، فأنا أتوقّع أنّه في حالة دم الحيض بالذات تكون نسبته عالية، أمّا في حالة دم الاستحاضة تكون نسبته قليلة، فهذا من ضمن الأشياء التي نستطيع أن نأخذها من باب البحث والدراسة(١) .

فإذا وُفّق الطبّ يوماً للتحديد النهائي الواضح، بين الحيض وسائر الدماء، فينفع الفقه والفقهاء، ومن جملة ما ينتفع به هو سنّ اليأس ونهاية دم الحيض، ولها ثمرات وفوائد فقهيّة للنساء المتديّنات.

بل تنتفع به جميع الحوائض في كلّ شهرٍ، وكذا أزواجهن.

( الثالث ) : بلوغ الصبيّة حسب الروايات المعتبرة بأُمور:

١ - ففي معتبرة ابن أبي عمير(٢) ، عن غير واحدٍ، عن الصادقعليه‌السلام : ( حدّ بلوغ المرأة تسع سنين ).

٢ - وفي موثّقة عمّار، عنهعليه‌السلام :

(... والجارية مثل ذلك، إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك ؛ فقد وجبت عليها الصلاة، وجرى عليها القلم )(٣) .

ومقتضى الجمع بينهما حمل الحديث الأوّل على الاستحباب.

لكنّ في الجواهر ( في كتاب الحجر ): نعم المشهور بين الأصحاب، بل المستقرّ عليه المذهب، هو بلوغ الأُنثى بكمال تسع(٤) .

وأورد صاحب الجواهررحمه‌الله

___________________

(١) ص٦٨٩ وص٦٩٠ نفس المصدر.

(٢) ص٣٥٢ وص٢٥٤ ج١ جامع أحاديث الشيعة.

(٣) ص٣٢ ج١ الوسائل.

(٤) جواهر الكلام كتاب الحجر.

٢٤٣

على موثّقة عمّار، باشتمالها على خلاف ما أجمع عليه الإماميّة: من عدم زيادة بلوغ الجارية على العشر(١) .

ومن اطمأنّ بالحكم الشرعي بهذا المقدار من الشهرة والإجماع المنقول، فهو، وإلاّ فمقتضى الجمع بين الحديثين ما عرفت.

٣ - في موثّقة عمّار المتقدّمة، وصحيحة محمّد بن مسلم، ومعتبرة إسحاق بن عمّار وصحيح ابن الحجاج، كما ذكرناها في أوائل الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة، هو تحقّق بلوغها بالحيض، وحمل الروايات على أنّ الحيض كاشف لا محقّق للبلوغ خلاف الظاهر، لكنّ المستفاد من قوله تعالى:

( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) ( النساء ٦ )، أنّ انقطاع اليتم ببلوغ النكاح - أي أهليّة الجماع - نعم في الماليّات يعتبر موانسة الرشد والخلوّ من السفه.

ثمّ اليتامى جمع اليتيم واليتيمة، ولا ينافي في عمومها لهما قوله:( بَلَغُوا ) وضمائر الجمع المذكور في الآية ( هم ) لاحتمال إرادة التغليب. ولا فرق بين اليتيم وغيره في هذا الحكم بلا شبهة.

وبما عرفت من قول الطبيبة المتقدّمة يتّحد هذا مع سابقه أي: الأمر الثالث، كما لا يخفى، ولعلّ التعويل على هذا القول - أي تحقّق بلوغها بالحيض - أظهر الأقوال، ولا ينافيه التحديد بثلاث عشرة سنة في موثّقة عمّار، لتصريح الإمام بقوله: أو حاضت قبل ذلك.

ولولا فتوى المشهور لرددت رواية ابن أبي عمير بمخالفته للاعتبارات العقلائيّة كما لا يخفى.

وعلى كلٍّ، هي لا تقاوم الروايات المعتبرة الدالة على تحقّق البلوغ بالحيض

___________________

(١) المصدر.

٢٤٤

كما لا يخفى، فلتُحمل على الندب.

وإنْ تمّ ما ذكرناه فبلوغ الصبيّة بدم الحيض، واستعدادها للنكاح، أو أن يأتي عليها ثلاث عشرة سنة، كما في موثّقة عمّار، إلاّ أنْ يُقال: إنّ قضيّة صدرها أنّ بلوغ الغلام أيضاً بثلاث عشرة سنة، وفيها: ( فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم )، والحال أنّ المشهور المدّعى عليه الإجماع - كما في الجواهر - ( في كتاب الحجر ) أنّ بلوغه بخمسة عشرة سنة، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ إنّه يأتي في المسألة الآتية إمكان جمع الحيض وعدمه مع الحمل إنّ شاء الله تعالى.

٢٤٥

المسألة التاسعة والعشرون

أقل مدّة الحمل وأكثرها ودم النفاس

١ - يحدث الحمل نتيجة اتّحاد الحيوان المنويّ الناضج مع البويضة الناضجة، التي تخرج من المبيض أثناء ظاهرة التبويض ( في منتصف الدورة الشهريّة )... وينمو الغشاء المبطّن للرحم أكثر ليحتضن ويغذي الجنين القادم، وبذلك تنقطع العادة الشهريّة، ومدّة الحمل الطبيعي هي ٢٨٠ يوماً من أوّل لآخر الطمث، ولكن يوجد خلاف كبير في مدّة الحمل... فتكون حوالي ٤٢ أُسبوعاً، فتكون ولادة قبل التمام التي تحدث بعد إتمام ٢٨ أُسبوعاً، وقبل إتمام ٣٧ أُسبوعاً، ويسمّى الولد خديجاً(١) ، وولادة جنين كامل النموّ، تحدث بعد إتمام ٣٧ أُسبوعاً، وقبل إتمام ٤٢ أُسبوعاً.

٢ - أكثر مدّة الحمل:

والولادة بعد التمام تحدث بعد ٢٤ أُسبوعاً، ولا يوجد موعد محدّد للولادة بعد التمام ؛ لأنّ يوم التقليح غير محدود بالضبط، وفي بعض الإحصائيّات تبين أنّه ٢٥% من الحوامل يلدن في الأُسبوع الثاني والأربعين ( ٢٩٤ يوماً )، و١٢% في الأُسبوع ٤٣ ( ٣٠١ يوماً )، و٣% من الحوامل يلدن في الأُسبوع ٤٤ ( ٣٠٨ يوماً ).

وكذلك الإحصائيّات، تبيّن أنّ وفاة المواليد حول الميلاد تزيد وتتضاعف بازدياد مدّة الحمل عن ٤٢ أُسبوعاً ؛ لسبب تليّف المشيمة ،

___________________

(١) الخديج: ناقص الخَلْق أو قبل تمام الأيّام.

٢٤٦

ولذلك يجب التأكّد من موعد آخر طمث، وإذا تعذّر ذلك، فالآن يوجد وسائل حديثة لمعرفة عمر الجنين داخل الرحم(١) .

وقال طبيبٌ ماهرٌ: التي تقول إنّ زوجها مات، وبعد أربع سنين ولدت، هذا بقدر ما نعلم علميّاً محال، ولو ولد بعد أربع سنين لازم الولد ينزل وله أسنان وشعره طويل ؛ لأنّه جنين فينمو ويكبر كلّ يوم... كون المشيمة تخدم أربع سنين لم يُعرف هذا، ولا يمكن(٢) .

٣ - أقلّ مدّة الحمل:

إذا حدثت الولادة قبل الشهر الثامن يكون ذلك إجهاضاً، لكن في بعض المراكز المتخصّصة لرعاية الأطفال الخدّج، يمكن المحافظة والعناية على الأطفال الخدّج، حتّى ولو كانوا في ستّة أشهر، أو كان وزنهم ٨٠٠ غرام أو أكثر.

وإذا حدث نزيفٌ أثناء الحمل لا يُسمّى ذلك حيضة، بل سببه إمّا إجهاض في الشهور الأُولى للحمل وقبل الأُسبوع ٢٨، وإمّا غير ذلك من العوارض(٣) .

وقال طبيبٌ آخر: إنّ كون أقلّ الحمل ستّة أشهرٍ كلامٌ علميٌّ لا شكّ فيه، إذ الآن مع تطوّر الأجهزة العلميّة الحديثة ؛ استطاعوا أن يحتفظوا بهذا الطفل الخديج الذي وصل وزنه إلى ٨٠٠ غرام، وهذا صحيح ؛ لأنّي رأيت هؤلاء الأطفال في بريطانيا أن يصلوا عمراً كاملاً من الحياة، بهذا الوزن القليل

___________________

(١) ص٤٣٦ وص٤٣٧ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

(٢) ص٦٨٢ نفس المصدر.

(٣) ص٤٣٨ نفس المصدر.

٢٤٧

والذي هو ستّة شهور من الحياة(١) .

وقال بعضهم: وربّما تمكّنوا من إنقاذ أجنّةٍ عمرها عشرون أُسبوعاً، أو ما حولها في المستقبل القريب(٢) .

٤ - سائل النفاس:

هو عبارة عن الإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، ويكون عبارة عن دمٍ في أوّل أربعة أيّام، ثمّ يفتح لونه وتقلّ كمّيّة الدم حتّى يصبح عبارة عن مخاط لا لون له بعد عشرة أيّام، وقد تستمرّ إلى أربعة أسابيع، فأقلّ مدّةٍ لدم النفاس هي من أُسبوع إلى عشرة أيّام، وأكثر مدّةٍ له هي فترة النفاس، أي ستّة أسابيع أو ٤٢ يوماً ( أي مدّة عودة الجهاز التناسلي إلى وضعه الطبيعي قبل الحمل(٣) )، وإذا طالت مدّة النزيف دلّ ذلك على وجود بقايا من المشيمة، ويظلّ الرحم متضمّماً...(٤) .

أقول : يستخلص ما نقلناه من الأطبّاء في أُمور:

أوّلاً : إنّ مدّة الحمل الطبيعي تسعة أشهر وعشرة أيّام، أو أكثر من عشرة أيّام، إذا كان بعض الشهور الهلاليّة التي نقصدها في المقام ناقصةً غير تامّة.

ثانياً : أقلّ مدّة الحمل ٢٨ أُسبوعاً بزيادة يوم أو أيّام ( بعد إتمام ٢٨ أُسبوعاً وقبل إتمام ٣٧ أُسبوعاً ) أي ستّة أشهر وستّة عشر يوماً، بل أكثر إن كان بعض الشهور ناقصاً على قول: وستّة أشهر على قولٍ آخر، لكن مع

___________________

(١) ص٦٨٩ نفس المصدر.

(٢) ص٢١٣ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٣) وهذا ينافي حديث العرزمي الآتي، كما لا يخفى، إلاّ أن يحمل حمل الحسينعليه‌السلام بعد عشرة أيّام من الحالات النادرة الاستثنائيّة التي لا يمكن إحاطة علم الطبّ بها.

(٤) ص٤٣٩ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

٢٤٨

لزوم رعايةٍ طبّيّة وأجهزةٍ حديثةٍ.

وتقدّم عن بعضهم احتمال إنقاذ أجنّة عمرها ما يقلّ عن خمسة أشهر بعشرة أيّام، وولادة جنين كامل النموّ تحدث بعد ٢٥٩ يوماً إلى ٢٩٣ يوماً.

وأكثر مدّة الحمل - حسب مجرّد بعض الإحصائيّات دون دليل قطعي - علمي ٣٠٨ يوماً ( عشرة شهور وثمانية أيّام أو أكثر من ثمانية إذا كان بعض الشهور ناقصاً )(١) وأمّا طول الحمل سنوات فهو غير ممكن.

ثالثاً : إنّ دم الحيض لا يجامع الحمل على قول طبيبة.

ورابعاً : إنّ أقل دم النفاس سبعة أيّام إلى عشرة أيّام، وأكثرها ٤٢ يوماً.

وإليك بيان الأحكام الفقهيّة المتعلّقة بالمقام في فصول أربعة:

الأوّل : أكثر الحمل. وفي صحيح حماد بن عثمان: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في رجلٍ له أربع نسوة، وطلّق واحدةً منهنّ وهو غائب عنهنّ، متى يجوز له أن يتزوّج ؟

قال: ( بعد تسعة أشهر، وفيها أجلان: فساد الحيض وفساد الحمل )(٢) .

أقول : الظاهر من قوله: ( بعد تسعة أشهر ) أنّه بعدها من الطلاق، لا من الدخول بالمطلّقة، فلا يستفاد من الرواية أنّ أكثر مدّة الحمل تسعة أشهر فقط، فإنّ الحمل من حين الوطء دون الطلاق قطعاً، فتدلّ على أنّ أكثرها

___________________

(١) ثمّ إن كان المراد من الطمث في قول الطبيبة التي نقلنا كلامها أوّلاً ( من أوّل يوم لآخر طمث ) هو الطمث الذي حُبس لأجل الحمل، فتزيد المدّة في التقديرات المذكورة بأيّام أُخر، فإنّ مبدأ الحمل بإخصاب البييضة اتفاقا ً، وإن كان المراد منه الطمث السابق على الحمل ؛ فتنقص المدّة بأيّام - كما لا يخفى - والظاهر إرادة الوجه الثاني.

(٢) ص٤٧٩ ج١٥ الوسائل.

٢٤٩

أزيد من تسعة أشهر قطعاً.

وفي صحيح ابن الحجاج عن الكاظمعليه‌السلام : ( إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً انتظر بها (انتظرت - الجواهر ) تسعة أشهر، فإن ولدت وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر، ثمّ قد بانت منه )(١) .

استظهر منه صاحب العروة الوثقىرحمه‌الله أنّ أكثر الحمل سنة(٢) ، واستظهرنا منه أنّه تسعة أشهر، فلاحظ كتابنا حدود الشريعة(٣) ، لكنّه مبنيّ على عدّ الأشهر المذكورة من حين الوطء لا من حين ادّعاء الحبل، وإلاّ لدلّت على أنّ أكثر الحمل أكثر من تسعة أشهر.

قال المحقّق الحلّيرحمه‌الله في الشرائع: ولو طُلّقت فادّعت الحمل، صبر عليها أقصى الحمل وهو تسعة أشهر ( من حين الوطء )، وفي روايةٍ سنةً، وليست مشهورة.

ويقول الشارحرحمه‌الله في جواهره: إلاّ أنك قد سمعت... اختيار المصنّف كونه عشرة لا تسعة... وأحسن شيءٍ تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الأقصى، ففي الغالب عدم تأخّره عن التسعة، وبذلك حدّه الشارع في جملة من الأحكام، وربما بلغ السنة لكنّه من الأفراد النادرة التي لا تنافي إجراء الأحكام على التسعة(٤) .

أقول : لم تثبت غلبة عدم تأخّره عن التسعة - لاسيّما بملاحظة ما تقدّم من قول الأطبّاء، ولم يثبت تحديد الشارع بالتسعة أيضاً، ولم يدلّ

___________________

(١) ص٤٤٢ نفس المصدر.

(٢) لاحظ الجزء الثاني من العروة الوثقى.

(٣) ص٣٣٥ وص٣٣٦ ج٣.

(٤) ص٢٥٧ وص٢٥٨ ج٣٢.

٢٥٠

دليل معتبر على أنّ أكثره السَنَة، حتّى يحتاج إلى ما ذكره من بيان الغالب والنادر، فما ذكره هذا الفقيه الجليل كلّه ضعيف.

( الثاني ) : في أقلّ الحمل.

في صحيح الحلبي عن الصادقعليه‌السلام :

( إذا كان للرجل منكم الجارية، يطؤها فيعتقها، فاعتدّت ونكحت فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه ( من ) مولاها أعتقها، وإن وضعت بعد ما تزوّجت لستّة أشهرٍ فإنّه لزوجها الأخير )(١) .

يظهر منه أنّ أقل الحمل ستّة أشهر، بناءً على عدّ المدّة من حين الوطء، لا من حين العتق أو النكاح.

وفي معتبرة العرزمي، عن الصادقعليه‌السلام قال:

(كان بين الحسن والحسين -عليهما‌السلام - طهر وكان بينهما في الميلاد ستّة أشهر وعشراً )(٢) .

وفي روايةٍ غير معتبرة سنداً: ( ولم يعش مولود قطّ لستّة أشهرٍ غير الحسين بن علي وعيسى بن مريم -عليهما‌السلام - )(٣) .

أقول : قد اشتهر أنّ قوله تعالى:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) (٤) ، بضميمة قوله تعالى:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (٥) ، يدلّ على أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر، ويدلّ عليه بعض الروايات غير المعتبرة أيضاً، لكنّه محل نظر أو منع، فإنّه لا دليل على وجوب الإرضاع حولين كاملين، بل قوله تعالى:( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ

___________________

(١) ص٣١٨ ج٢١ جامع الأحاديث.

(٢) ص٣١٩ نفس المصدر.

(٣) بحار الأنوار ج ١٤ ص ٢٠٧.

(٤) الأحقاف آية ١٥.

(٥) البقرة آية ٢٣٣.

٢٥١

الرَّضَاعَةَ ) يدلّ عل عدمه، بل في الجواهر ( ج٣١ ص٢٧٦ ):

لا خلاف في جواز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً فيحتمل أنّه تسعة أشهر ! بل لابُدّ أنْ يكون كذلك، وإلاّ لكان الأكثر هو الولادة عن ستّة أشهر ؛ ولا يخفى ضعفه، فإنّ المستفاد من الآية المباركة نظارتها إلى الأفراد الغالبة دون النادرة جزماً، لكنّ قوله تعالى:( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (لقمان ١٤) يصلح قرينة على أنّ المراد بالحمل في قوله:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ) ستّة أشهر.

لكن يحتمل أنّ الفصال في هذه الآية محمول على المرتبة الكاملة المستحبّة، ولا يُفسر قوله تعالى:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) ، فافهم المقام، ولا منافاة بين كون أقلّ الحمل ستّة أشهر، وبين ما ذكره الأطبّاء من عدم بقاء المولود من دون رعاية طبّيّة مفقودة في أوائل الإسلام ؛ فإنّ نظر الطب إلى الغالب، ولا إحاطة له بجميع الأفراد والحالات النادرة جزماً.

( الثالث ) : جمع الحيض مع الحمل وعدمه.

عدم الجمع - كما ذكرته طبيبةٌ على ما سبق - هو أحد الأقوال في الفقه، ذهب إليه المحقّق في الشرائع، ونقله صاحب الجواهر عن المفيد وابن إدريس، ويدلّ عليه بعض الأحاديث.

وعن المشهور صحّة الحيض مع الحمل، ويدلّ عليه جملة من الأحاديث المعتبرة، وعن جماعةٍ من الفقهاء تقييد جمعهما بما إذا رأت الحامل الدم في العادة أو مع التقدّم قليلاً، لا ما إذا تأخّر عنها عشرين يوماً، ويدلّ عليه حديث الحسين بن نعيم الصحاف، والكلام في المقام طويل، لاحظ الجواهر ( ص٢٦١ إلى ص٢٦٦ ج٣ ).

وإذا حملنا الأحاديث الدالة على صحّة الحيض مع الحمل على الفرد

٢٥٢

غير الغالب ترتفع المنافاة بينها وبين الطبّ، إنْ أثبت عدم الجمع بطريقٍ علميٍّ كما ذكرنا في سابقه، أو يحمل الروايات على أنّ الدم المذكور في أيّام الحمل، وان لم يكن دم حيض، إلاّ أنّه محكوم بأحكامه، فافهم.

( الرابع ) : أقلّ النفاس وأكثره:

ففي فقهنا أنّه لا حدّ لقليله، فيجوز أن يكون لحظة وأكثره عشرة أيّام كما عن المشهور، وعن جمع أنّه ١٨ يوماً، وعن ابن أبي عقيل أنّه ٢١ يوماً، ولا منافاة بين قول المشهور ما نقلناه عن بعض الأطبّاء إنْ صحّ علميّاً ؛ لإمكان أنّ الشارع إنّما رتّب أحكامه على ماله لون الدم كما في الأيّام العشرة، لا على ما لا لون له.

فائدة مهمة

قال بعض الأطبّاء الماهرين: لا تُعتبر الحيضة الواحدة دليلاً على براءة الرحم... فنزول دم مرّةً بعد مرّةٍ أُخرى قد يحدث من رحم حامل.

أقول : وهذا من أحد الدلائل على جعل العدّة ثلاثة قروء، فافهم واغتنم.

٢٥٣

المسألة الثلاثون

بعض الأعمال التجميليّة

المطلب الأوّل : في ما يتعلّق بالشَّعر:

١ - يجوز وصل الشَّعر للمرأة مطلقاً، سواء شعر امرأةٍ أُخرى أو شعر حيوان أو شعر صناعي، ولا إشكال في ذلك للواصلة والمستوصلة على الأقوى ؛ إذ لا دليل على حرمته، وما ورد من بعض الروايات ضعيف سنداً، على أنّه يمكن حمله وحمل ما ورد من طريق أهل السنّة من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الواصلة والمستوصلة(١) على التدليس، فقد تقدّم أنّه حرام، وفي غير التدليس كالمرأة المزوّجة، أو التي لا تريد الزواج، أو التي تخبر خطيبها بحقيقة الحال ؛ فلا بأس به لأصالة البراءة.

نعم الوصل بشَعر الحيوان المحرّم أكله، أو نجس العين إذ لم يتيسّر فصله حين الوضوء والصلاة لا يجوز، لكنّ المنع ليس راجعاً إلى نفس العمل بل إلى بُطلان الصلاة، فهو غير مخصوص بالشَّعر بل يجري في مطلق الأعمال المؤدّية إلى عدم التمكّن من إيقاع الصلاة وغيرها من الواجبات على وجهها الصحيح، فالمنع عرضي لا ذاتي.

ثمّ إنّ فقهاء أهل السنّة اختلفوا في علّة حرمة الوصل المذكور، بعد الاتفاق على أصل الحرمة في الجملة(٢) .

___________________

(١) الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة ص ٤٦٧.

(٢) ص٤٦٦ إلى ص٥٣٦ من الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة، فإنّا أخذنا أقوال أهل السنّة من هناك.

٢٥٤

فعن الشافعيّة والحنابلة: أنّ المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو التدليس مطلقاً، سواء شعر الآدمي أو غيره.

أقول : وهذا هو الذي اخترته وقلت لا إنّه يحرم إذا لم يتحقّق فيه التدليس.

واعلم أنّ التدليس غير محرّم لذاته، وإنّما يحرم لأجل الإضرار بالغير، فلا بأس به في غيره كما في الهبات والضيافات، وبغرض حفظ الوقار والمقام عند الناس، وأيضاً لا يصدق التدليس بفعلٍ يوجب مجرّد رغبة المشتري والخاطب مع علمهما بحقيقة الحال، وإلاّ فيحرم مطلق التزيين: كلبس اللباس الملوَّن، وتسريح الشعر، وقِصَر اللحية للرجال ونحو ذلك، على أنّ جملة ممّا مثّلوه للتدليس فهو من أفراد التزيين في هذه الأزمان، بل في كثيرٍ من الأزمنة السابقة لعلم الرجال والنساء بالحال. وكأن الفقهاء كانوا منعزلين عن هذه الأشياء والأعمال وأهلهما فظنّوها من التدليس.

وعلى كلٍّ، تشخيص الموضوع موكول إلى العرف، ولا عبرة بنظر الفقيه(١) .

وعن المالكيّة والظاهريّة أنّه التغيير، فالتدليس بتغيير خلق الله(٢) .

أقول : أمّا التدليس فقد عرفت حرمته فهو صحيح، وأمّا تغيير خلق الله، فصدقه على وصل الشَّعر ممنوع جدّاً، وإلاّ لحرم قصره ولو جزئيّاً على المرأة وعلى الرجل، وهو كما ترى واضح البطلان، وكذا حَرُم إزالة الشّعر عن جميع البدن. والاعتذار عن جواز ذلك بالتخصيص الشائع في الأحكام باطل، فإنّ تخصيص العمومات، وتقييد المطلقات وإن كان أمراً شائعاً في

___________________

(١) لاحظ مادّة التدليس في مكاسب الشيخ الأنصاريقدس‌سره ص٢١ وص٢٢.

(٢) الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة ص ٤٧٢.

٢٥٥

الفقه، غير أنّ ذلك مخصوص بما لم يأب العموم عن التخصيص كما في المقام. فإنّ قوله تعالى:( وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) لا يقبل التخصيص، فإنّ معناه أنّ أمر الشيطان في إزالة الشَّعر يجوز اتّباعه !!! ولا شيء من أمر الشيطان بجائز الاتّباع، فافهم فإنّه دقيق وبالتأمّل يليق.

والحقّ : أنّ الآية من المتشابِهات، فإنّ كثيراً من الأفعال الجائزة عند المسلمين يُعدّ من تغيير الخَلْق، ولا يلتزم أحدٌ بحرمتها، فيلزم تخصيص الأكثر المستهجن وهو قبيح، ولا يصدر عن الحكيم كما قرّر في أُصول الفقه.

نعم، إن قلنا بأنّ المراد بخلق الله، دين الله - كما رجّحناه سابقاً - زال التشابه عنها.

وعن الحنفيّة: أنّه التدليس باستعمال جزء من الآدمي، فلا يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته، بل يُدفن شعره وظفره، وسائر أجزائه المنفصلة(١) .

أقول : ارجع إلى قضاء العقلاء في عصرك وزمانك، فلا ترونهم يقضون بمنافاة وصل شعر امرأةٍ بشعر امرأةٍ للكرامة الإنسانيّة بوجهٍ من الوجوه، بل هو أولى من دفن الشعر تحت التراب لاستفادة إنسان كريم آخر منه، على أنّ التدليس لا يخصّ شعر الآدمي، بل يتحقّق في غيره قطعاً في مثل زماننا.

٢ - الأقوى جواز حلق المرأة شعر رأسها لعدم دليل على الحرمة، وإنّما يحرم عليهنّ في حالة الإحرام، بلا خلافٍ يجده صاحب الجواهر، وعن العلاّمة في مختلفه: الإجماع على الحرمة وفي حجّ الجواهر: فإنّ الظاهر عدم حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجَزَع... وعليه يحمل ما ورد عن

___________________

(١) لاحظ جواهر الكلام، كتاب الحجّ.

٢٥٦

طريق أهل السنّة من المنع، وأمّا تقصير الشعر كما تعارف اليوم فلا مانع منه شرعاً(١) .

نعم إذا قلنا بحرمة التشبيه بالرجال وعكسه، وحلقت بقصده حَرُم لأجله، لكنّنا لم نجد دليلاً معتبراً على حرمة التشبيه.

٣ - لا بأس بنتف الشيب على الرجل والمرأة وخضابه، كما لا بأس باستعمال الشيب بالمعالجة، نعم نتف الشيب إذا كان بقصد تدليس الغير يحرم(٢) ، وأمّا ما رواه أبو داود والترمذي من المنع، فإن تمّ سنداً فهو محمول على الكراهة للقرينة الموجودة في الحديثين المذكورين في سننهما، واستفادة الحرمة منهما غير صحيحة.

٤ - يجوز النماص لعدم دليل على المنع، ولا أظنّ بفقهائنا تحريمه وإن لم أفز على كلامهم ؛ لضعف ما يدلّ عليه، وبالجملة حاله حال النتف، لكنّ فقهاء أهل السنّة حرّموه. وإن اختلفوا في خصوصيّاته(٣) .

٥ - يجوز علاج الشَّعر جراحيّاً بإجراء عمليّة زرع الشعر في الرأس، بحيث يكون نامياً، بشرط مراعاة المماثلة بين الفاعل والمريض، ولا يتصوّر هنا تدليس فإنّه إظهار خلاف الواقع، وفي المقام تغيير الواقع، والفرق بينهما غير خفيّ.

٦ - بناءً على حرمة حلق اللحية على الذكور، هل يجوز لهم فعل ما يمنع عن نبات اللّحية كالكوسج ؟

فالحلق المحرّم رفع، وهذا دفع، والفرق بينهما واضح.

___________________

(١) لعدم وجود دليل على المنع فيرجع إلى أصالة البراءة.

(٢) الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة ص ٤٧٨.

(٣) المصدر ص ٤٧٩.

٢٥٧

والظاهر أنّه لا مانع منه إلاّ أن يدّعي أحدٌ فهم منعه من مذاق الشرع، كما لعلّه غير بعيد فيما إذا حلق مرّةً - حراماً أو غير حرام كما في فرض الغفلة أو المرض - ثمّ حلق كلّ يومٍ حتّى لا تنبت اللّحية، فإنّ هذا الحلق الثانوي المتكرّر كلّ يوم وإنْ لم يصدق عليه حلق اللّحية، لكنّ حرمته ممّا يسهل فهمها من مذاق الشرع.

بل لو قلنا بأنّ حكم اللحية من الواجبات، بعنوان إبقاء اللّحية أو نحوه لحرم القسم الأوّل أيضاً، والظاهر أنّه داخل في المحرّمات لكن على نحو الاحتياط عندنا.

وهل يجوز للنساء فعل ما ينبت اللّحية على ذقنهنّ ؟

أمّا المزوّجة التي لا يرضى زوجها به فلا شكّ في أنّه لا يجوز لها فإنّه تضييع لحقّ الزوج، وموجب لتنفّره عنها، وأمّا غيرها فالمنع مبنيٌّ على الفهم من مذاق الشرع، أو على حرمة التشبيه بالرجال إذا قصدته، وإذا أوجب إهانتها فيحرم من أجلها.

المطلب الثاني : في بعض أنواع أُخر من التجميل:

١ - يجوز التزيين للنساء بما تعارف اليوم، ويستعملنه في الشفة والعين والخد والظفر وشعر الرأس. سواء كنّ مزوّجات أو خليّات بشروط.

أوّلاً : عدم كون المادّة المزيِّنة حاجباً عن وصول الماء إلى محلّ استعماله عن البدن ؛ فيبطل به الوضوء والغسل والتيمّم، ثمّ يبطل الصلاة والطواف، وما يحمر به أظفار النساء في هذه الأزمان كذلك ؛ نعم وجدت أخيراً مادّةً تزيله فلابُدّ للمسلمات من إزالته بها حين الوضوء أو الغسل أو التيمّم، ويجب على الأزواج أمر نسائهم بذلك.

ثانياً : عدم إبداء الزينة للأجانب، فإنّا وإن قلنا بعدم ستر الوجه والكفّين عليهنّ، لكن لابُدّ من المحافظة على الزينة المثيرة لشهوة الرجال

٢٥٨

بها.

ثالثاً : عدم كون المادّة المستعمَلة للزينة من حيوان نجس، أو ممّا لا يُؤكل لحمه، وإلاّ فلابُدّ من تطهير البدن عند الصلاة والوضوء، وإذا تنجّس الشفة يحرم الأكل إذا تنجس المأكول تنجس الشفة، على القول بمنجّسيّة المتنجّس مطلقاً.

رابعاً : لم يقصدن بذلك إضلال الشباب وإذاعة الفجور.

** ٢ - يجوز الوشم وفسّره علي بن غراب - كما عن معاني الأخبار للصدوقرحمه‌الله - بالوشم في يد المرأة أو في شيءٍ من بدنها، بأن تغرز بدنها أو ظهر كفّها بإبرة حتّى تؤثّر فيه، ثمّ تحشوها بالكحل أو شيء عن النورة فتخضرّ، ورواية علي بن غراب ضعيفة، وعلي مجهول، ويمكن حملها وحمل ما ورد من طريق أهل السنّة(١) على التدليس في تلك الأزمان، إذ الوشم في زماننا لا يحصل به التدليس غالباً، واليوم أصبح الوشم في الرجل أكثر منه في النساء، ومن العجيب أنّ رجلاً غطّى جسده كلّه بالوشم، وتحمّل عذاباً شديداً في سبيله، حيث بقي يتعرّض للوخز بالإبر يوميّاً لمدّة ستّ ساعات على مدى أربع سنوات.

أقول : لا لوم على مَن يدّعي حرمة الوشم بهذا الحدّ، لا لأجل تحمّل الإيلام إذ لا دليل على حرمته، بل لحطّ مقام الإنسانيّة واشتغاله في هذه المدّة الكثيرة بهذه الأعمال الباطلة، وأنّ الله تعالى لا يرضى للإنسان بذلك، وقد ذكرنا في محلّه حرمة الاشتغال بالملاهي.

٣ - يجوز إزالة النمش والبقع الجلديّة في الوجه وسائر البدن

___________________

(١) المصدر السابق ص ٤٩٦ و ٤٩٧.

٢٥٩

بعمليّات جراحيّة كما تعارفت بشرط المماثلة كما سبق، ومَن تفوّه بحرمته فقد تعسّف وتحكّم.

٤ - يجوز تجميل الأسنان بالتفليج، وهو في اللُّغة من فلج الأسنان، باعد بينها، والفلج في الأسنان تباعد ما بين الثنايا والرباعيّات خلقةً، فإن تكلّف فهو التفليج، وهو عبارة عن برد الأسنان بمبرد ونحوه لتحديدها وتحسينها(١) ، وما روي في النهي عنه لم يثبت عندنا سنداً، وقد حرّمه فقهاء أهل السنّة.

والحاصل : إنّ تحسين الأسنان وتعويضها إذا فسدت لا إشكال فيه، ونشكر الله في سعة رحمته تكويناً وتشريعاً، وأمّا جواز استعمال الذهب لشدّ الأسنان، فحكمه حرمةً وجوازاً مبنيٌّ على حكم استعمال الذهب، فإنْ قلنا بتحريم التزيين بالذهب فيمكن القول بحرمته، وإنْ قلنا بأنّ المحرّم لبسه فلا يحرم، بل لا يحرم حينئذٍ ستر الأسنان المصنوعة بالذهب، كما يفعله بعضهم.

وفي الشرائع والجواهر : وكذا يحرم التختّم بالذهب، بل ومطلق التحلّي به للرجال بلا خلافٍ أجده، بل الإجماع بقسميه عليه. بل قال في موضعٍ آخر: إجماعاً أو ضرورة(٢) .

وفي موثّقة عمّار عن الصادقعليه‌السلام : ( لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه ؛ لأنّه من لباس أهل الجنّة )(٣) .

وفي صحيحة محمّد بن مسلم، عن الباقرعليه‌السلام في حديث أنّ أسنانه

___________________

(١) الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة ص ٥٠٨.

(٢) جواهر الكلام ٤١ ص ٥٤.

(٣) ص٣٠٠ ج٢ الوسائل.

٢٦٠