الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 82940
تحميل: 5663

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82940 / تحميل: 5663
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفقيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( كلّما كان في الإنسان اثنين ( اثنان - يب ) ففيهما الديّة في إحداهما ( أحدهما - يب ) نصف الديّة، وما كان ( فيه ئل ) واحداً ففيه الديّة )(١) .

أقول : تقييد الخبر أو انصرافه إلى خصوص الأعضاء محتاج إلى دليل قرينةٍ كقولهعليه‌السلام في أولّ الخبر: ( اثنين )، وإلاّ فالخبر يشمل الصفات النفسيّة - أيضاً - مضافاً إلى قواه البدنيّة ؛ لأنّ الموضوع هو الإنسان، وهو مركّب من البدن والنفس دون خصوص البدن.

وربّما يورد على ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً، أنّ الأجزاء في الحرّ ليست قيمتها منسوبة إلى قيمة الأنفس، كما هو كذلك في السلعة، فتشبيه السلعة بالنفس غير ظاهر الوجه، بل قد يكون قيمة الأجزاء عشرين أضعاف قيمة الكلّ، واللاّزم في الأرش هو التقدير حسب المناسبات العرفيّة المستفادة من حكم الشارع بمقادير الديّة، ويمكن أنّ يُجاب عنه بأنّه أهمل في باب الديّات، مثلاً: يد الخطّاط الماهر، وبعض أهل الصّنعة، لها منافع كثيرة مع عدم الاختلاف في ديّة قطع اليد.

٤ - على الحكومة أنْ تراقب كلّ المرضى بالأمراض المُعْدية - على أنْ لاينقلوا العدوى إلى الأصحّاء - مراقبةً بمقدار اللاّزم لا أزيد، والأمراض في العدوى مختلفة، وقد تقدّم في المسألة السابقة: أنّ مرض الإيدز أخفّ الأمراض المعدية، فلا بأس بذهاب المريض به إلى معاهد التعليم والتعلّم، والمعامل، والمؤسّسات الحكوميّة، وغيرها، وإنّما يراقبون في خصوص الطرق الأربعة الناقلة، إلاّ إذا ثبتت العدوى بغيرها أيضاً، فتتّسع المراقبة.

___________________

(١) ص٣٧٨ ج٢٦ جامع أحاديث الشيعة.

٣٠١

فائدة طبّيّة حول الأمراض المُعْدِية

الأمراض المُعْدِية التي تنتقل من المريض إلى آخر، تختلف طُرق ووسائل انتقالها من مرضٍ إلى آخر، فمنها ما ينتقل بواسطة التنفّس كأمراض الجهاز التنفسي كالأنفلونزا الرئوي، ومنها ما ينتقل بواسطة الفم كأمراض الجهاز الهضمي، مثل: الدوسنتاريا والتيفوئيد، ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرة الجنسيّة، مثل: الزهري والسَّيَلان، ومنها ما ينتقل بطريق الملامسة كالجدري والجذام، وبعضها ينتقل بواسطة الحقن، أو نقل الدم كالالتهاب الكبدي الفيروسي، أو بواسطة وخز الحشرات كالملاريا التي تنقلها البعوضة، أو الطاعون الذي تنقله الفئران والبراغيث، وقد يكون للمرض الواحد أكثر من وسيلة لانتقاله كالايدز، إذْ تحقّق أنّه ينتقل بالاتّصال الجنسي، وعن طريق الدم ومشتقّاته كزراعة الأعضاء، والمخدّرات التي تُؤخذ عن طريق الحقن(١) .

٥ - إذا احتمل الطبيب عند نقل دم أحد، ولو بتوسّط زرع عضوٍ منه في بدن الغير، أنّ صاحب الدم مبتلى بالايدز، أو مرضٍ معدٍ آخر، فهل يجب عليه الفحص حتّى الاطمئنان بعدمه، أو لا يجب عملاً بأصالة الصحّة، أو أصالة عدم حدوث المرض المعدي، أو أصالة البراءة عن وجوب الفحص ؟ فيه وجهان.

وربّما يُقال: إنّ الأصل في النفوس، والفروج، والأموال الكثيرة، هو: الاحتياط، دون البراءة، ومقامنا داخل في الأوّل ؛ فإنّ مرض الإيدز مهلك لا

___________________

(١) ص١٤٥ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٢

علاج له لحدّ الآن، لكنّ هذا القول بإطلاقه لا دليل له، ويجري الاستصحاب وأصالة البراءة في كثيرٍ من جزئيّات تلك الموارد الثلاثة، كما أوضحه سيّدنا الأُستاذ الحكيمرحمه‌الله في الجملة، في بعض مجالس دروسه المباركة.

نعم إذا اشترط عليه المريض، أو الحكومة الإسلامية الفحصَ ؛ وجب لقولهعليه‌السلام : ( المؤمنون عند شروطهم )(١) ولقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وأمّا إذا علم الطبيب بأنّه في فرض ترك الفحص يُبتلى جمعٌ من المرضى بفيروس الإيدز لا محالة، فلا يبعد وجوب الفحص عليه، فتأمّل.

٦ - لا يجوز للمريض بالمرض المُعْدي التزويج أو التزوّج بالصحيح الغافل ؛ فإنّه إضرار به وهو واضح، وإذا كان المرض مهلكاً ولا يتيسّر التحفّظ منه للسالم من الزوجين ؛ لا يجوز للسالم إجابة المريض للزواج - بل لكلّ مصاحبة مؤدّية إلى انتقال المرض المهلك إليه - لأنّه من الإلقاء في التهلكة.

نعم إذا تباينا على ترك المجامعة - في مثل مرض الإيدز - جاز النكاح ولم يحرم(٢) ، وعلى كلٍّ، إذا رضيا بالنكاح صحّ النكاح، وإن حرم إنْ أوجب الإضرار بالنفس، فالحكم الوضعي غير الحكم التكليفي، فتدبّر فيه.

٧ - إذا تزوّج أو زُوّج جهلاً، بالمريض المُعْدي ثمّ علم، فهل له فسخ العقد إذا كانت العدوى مهلكة، أو مضرة إلى درجةٍ كبيرةٍ، ولم يتيسّر التحفّظ منها إلاّ بحرجٍ شديد ؟

ج: أمّا للزوج، فثبوت الخيار له في غاية الإشكال لما يُستفاد من

___________________

(١) تقدّم مصدره.

(٢) ويمكن أنْ يُقال بعدم حرمة النكاح في مثل الإيدز دائماً، وإنّما المحرّم هو الجماع فإنّه الطريق إلى الانتقال، نعم هو من مقدّمات الحرام.

٣٠٣

الحصر الوارد في بعض الروايات الواردة في العيوب، على ما يأتي في المسألة الآتية، فإنّها ظاهرة في نفي الخيار في غير العيوب المذكورة في الرواية، نعم له أنْ يطلّقها، بل يجب عليه في الفرض المذكور.

وأمّا للزوجة فلا يبعد ثبوت الخيار له ؛ لقاعدة لا ضرر، التي استدلّ بها لثبوت بعض الخيارات في باب المعاملات، ولقاعدة نفي الحرج(١) .

وأيّ ضررٍ من ابتلائها بالمرض المهلك، أو تدهور صحّتها شديداً، وفي مرض الإيدز بحرمانها من لذّة الجماع ما دام العمر، إلاّ أنْ تلتذّ بالدخول ولو مع استعمال الزوج الرفال والعازل الذكري، وقلنا بكفاية ذلك لحقها، فلا خيار لها حينئذٍ، إلاّ أنْ يُقال: إنّ زوجها في معرض الموت فلها الخيار من هذه الجهة، ويلحق بالايدز كلّ مرضٍ مهلكٍ سريعٍ، فتأمّل.

وغاية ما في الباب أنْ يأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق احتياطاً، فإن عصى تفسخ هي النكاح ويطلّقها الحاكم ولاية احتياطاً.

وعدم ذهاب مشهور فقهائنا إلى ثبوت الخيار بالأمراض المُعْدية أوّلاً غير ثابت ؛ لأنّ كثيراً منهم لا تصنيف لهم، أو لم تصل إلينا مصنّفاتهم وتأليفاتهم.

وثانياً أنّ ضرر الأمراض المُعْدية لم يكن واضحة للناس والفقهاء.

وثالثاً أنّه غير مانع عن الفتوى بالدليل، وهو قاعدتا نفي الحرج

___________________

(١) هذا بناء على عدم شمول صحيح الحلبي الآتي، المرويّ في الفقيه في المسألة الآتية لعيوب الرجل كما عن جماعة، وعليه فالحصر فيه ثابت في الرجل، وأنّه لا يردّ النكاح إلاّ من عيوب، وأمّا بناءً على الأرجح من شموله لعيوب كلّ من الزوجين، وجواز ردّ النكاح لكلٍّ منهما فالحصر ثابت لكليهما، فيمكن أنْ يرفع اليد عنه هنا لقاعدتي نفي الحرج والضرر كما رفع اليد عنه في بعض الموارد الأُخر كما ستعرف، وهاتان القاعدتان جاريتان في حق الرجل والمرأة. إلاّ أنْ يُقال: إنّ جواز الطلاق من طرف الزوج يمنع عن جريان قاعدة الحرج والضرر، فتأملّ.

٣٠٤

والضرر الرافعتان للزوم العقد بالنسبة إليها، وأمّا ما في الجواهر من قول مؤلِّفه الكبيررحمه‌الله : على أنّ العدوى مع اقتضائها التعدية إلى كلّ مرضٍ مُعْدٍ، ممّا لا يقول به الخصم، يمكن رفعه بإيجاب التجنب(١) ، فهو ضعيف، فإنّ الزوجيّة التي يجب تجنّب أحدهما عن الآخر فيهما حرجيّة أشدّ الحرج، وأيّ فائدةٍ لهذا الزواج الفاقد للسكون والمودّة والرحمة ؟! وليس هو من الامساك بالمعروف.

وربما يتمسّك لخيارها بقوله تعالى:( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٢) .

ويمكن أنْ نتمسّك له أيضاً بقوله تعالى:

( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (٣) .

إذ لا فرق بين الإمساك المسبوق بالطلاق بعد الرجوع، وبين الإمساك الابتدائي المسبوق بالنكاح في الحكم، ومعلوم أنّ إمساك الزوجة من قبل الزوج المبتلى بالعدوى، أو المريض بالمرض المهلك قريباً في أوّل الزواج ليس بمعروف. وإذا قصد الزوج المريض بإمساكها إضرارها ؛ فهو مدلول قوله تعالى:( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) .

لكنّ الكلام أوّلاً: أنّ هذا كلّه يوجب الخيار لها، أو أنّه يسبّب جواز إجبار الحاكم الزوج على الإمساك بالمعروف، وعدم الإمساك للاعتداء، وثانياً:

___________________

(١) الجواهر ج ٣٠ ص ٣٣٠.

(٢) ويحتمل أنّ المراد من الإمساك بالمعروف هو الإمساك لسكون النفس إليها، لا لأخذ المهر منها كلاًّ، أو بعضها، كما قال تعالى بعد ذلك( ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً ) ، إلاّ أن يُقال إنّ الإطلاق لا يُقيّد بالاحتمال، وقوله لا يحلّ لكم، حكم آخر لا عين الإمساك بالمعروف ؛ فإنّه خلاف الظاهر.

(٣) البقرة آية ٢٣١.

٣٠٥

في أنّه لو لم يقبل الزوج أمر الحاكم، ولم يطلقها أو لم يصلح شأنه - إذا كانت المشكلة اختياريّة غير قهريّة كالأمراض المُعْدية - فما هو الموقف ؟ هل يثبت الخيار للزوجة، أو يطلّقها الحاكم ولايةً عليه ؟

ثمّ إذا لم يتمّ الاستدلال بالآيات، ولا بقاعدتي نفي الضرر والحرج، بل ولا بقاعدة نفي العسر على ثبوت الخيار لها ؛ يمكن أنْ نثبته لأجل التدليس، فإنّ المرأة لو علمت بحال خاطبها، وأنّه مبتلى بالعدوى والمرض المهلك، لما رضيت بالزواج منه قطعاً(١) ، اللّهم إلاّ بعض النساء لأغراض خاصّة، وهو نادر، والسلامة من مثل هذه الأمراض وإن لم تُشترط صريحة في العقد لكنّها ممّا يبني الزوجان عليها، ويجريان عقد النكاح عليها، ولا فرق على الأظهر بين الشرط المذكور صريحاً في العقد، وبين الشرط المبنيّ عليه العقد، وسيأتي في المسألة الآتية بعض الكلام حول التدليس إن شاء الله.

٨ - لا يجب على الزوجة التمكين من الزوج المريض إذا احتملت الضرر المهمّ بالمباشرة، وربّما لا يجوز إذا كان الضرر مهلكاً أو شبهه، كما لا يجب على الزوج وطء الزوجة المريضة بالايدز ونحوه ؛ لذلك، إذا كان احتمال الضرر بعد تثبيته راجحاً عند العقلاء.

وبالجملة : حرمة الإضرار بالنفس أهمّ من وجوب أداء حقّ الزوجين، فتقدّم عليه عند التزاحم، نعم لا مانع من سائر الاستمتاعات في مرض الإيدز لما سبق من عدم نقل العدوى بها. وكذا يجب أداء حقّ الزوجين في الوطء إذا اطمأنّا بقول الطبيب الثقة الماهر بعدم العدوى مع استعمال الرفال والعازل الذكري.

وعلى الجملة : ليس البحث في الصغريات وكيفيّة العدوى، وإنّما

___________________

(١) وسكوت الزوج عن مرضه مع بناء الناس على أصالة الصحّة، وغفلة الزوجة عن احتمال مرضه تدليس.

٣٠٦

البحث في أصلٍ كليٍّ، وأنّ حفظ الضرر المهمّ مقدّم على حقوق الزوجين، وتشخيص الضرر كمّاً وكيفاً موكول إلى الطب.

٩ - لا يجوز دخول المرضى بالأمراض المُعْدية في المدارس والمعامل والدوائر، ويجب على أولياء الأطفال منعهم عن المدارس.

وأمّا المصابون بالايدز، فلا بأس بذهابهم بين الناس مع الرقابة على مسألة الدم والمباشرة.

١٠ - لا يجب عزل الصبي عن أُمّه المصابة بالايدز، بل لا يجوز، لحقّ الحضانة، وذلك لما مرّ من عدم نقل العدوى باللبن، مع التحفّظ على مسألة الدم، والأحسن عدم إيجار المرضعة المصابة بالايدز، نعم يجب عزله عن الأُمّ المصابة بمرض يعدي باللبن، أو بالتماس الجسمي، ويسقط حقّ حضانتها.

١١ - لا يجوز إجهاض الجنين المصاب بالايدز بعد تعلّق الروح به قطعاً، وأمّا قبله فإن كانت الإصابة به مظنونة فكذلك، وإنْ كانت مقطوعة طبّاً فالحكم بجواز إجهاضه مشكل جدّاً، وإن فُرض موته أثناء سنةٍ بعد ولادته.

١٢ - إذا فرضنا قيام فئة - من الرجال أو النساء - بأمر حكومات كافرة عدوّة للمسلمين بنشر الإيدز بين المسلمين، فحكم هؤلاء الفئة حكم الساعين في الأرض فساداً.

١٣ - ليس كلّ مصاب بالايدز مجرماً ؛ لأنّه قد ينتقل المرض إليه من دون تقصير له، ولا تخلّف عن حكمٍ شرعيٍّ، فلا يجوز بهم سوء الظن.

١٤ - هل يجوز اشتراط السلامة من الإيدز، وكلّ مرضٍ مُعْدي في النكاح ؟

الظاهر عدم المانع منه.

٣٠٧

١٥ - هل يحقّ للدولة تحتّم الفحص عن الإيدز، بل عن كلّ مرضٍ مُعْدٍ، عن كلّ مَن يريد التزويج والتزوّج، وإن استلزم مؤنةً كثيرةً على الزوجين ؟

الأولى إحالة هذا الحكم إلى الحاكم الشرعي، فيحكم باللزوم أو عدمه، حسب شرائط الظروف والوضع الصحّي، وقيل: إنّ في خلال الأشهر الثلاثة الأُولى من العدوى يمكن أنْ لا يظهر الإيدز.

١٦ - قيل: إنّه لا مانع من زواج المصاب والمصابة بالايدز ؛ لعدم الضرر عليها حينئذٍ، وقيل: إنّ جماعهما يمكن أن يُساعد على إضعاف صحّة كلّ منهما، وبالتالي يمكن أن تظهر ذريّة جديدة مصابة بالايدز، وتظهر وحدات جديدة للفيروس، إنّ فيروس الإيدز يغيّر جلده من آن إلى آخر(١) .

أقول : إذا كان احتمال الضرر المزيد ثبت طبّيّاً وكانت الزيادة خطيرة، فلا يبعد تحريم الوطء عليهما.

ثمّ إنّه يمكن أنْ يقال: إنّه لا فرق في الحكم بين نقل فيروس الإيدز إلى إنسانٍ سالمٍ وبين توليد إنسانٍ مريضٍ بالايدز من الأوّل، فإنّ العقل يقبّح كليهما، وعليه فلا يحلّ للزوجين ما يوجب حمل الزوجة بجنين يعلمان ابتلائه بالايدز ونحوه من الأمراض المهلكة، والله العالم.

١٧ - هل يضمن الطبيب إذا نقل العدوى إلى سالمٍ عمداً أو سهواً ؟

تقدّم بحثه مفصّلاً في المسألة الثالثة في أوائل الكتاب فلا نعيده هنا، فلاحظ.

١٨ - هل يجوز للمصاب أو المصابة الإحبال والحمل إذا لم يعلما

___________________

(١) ص٣٢٧ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٨

بابتلاء الجنين بالمرض، والأصل عدم ابتلائه به بعدما تقدّم في المسألة السابقة من كون نسبة إصابة الجنين بالايدز غير عالية ؟ فيه وجهان.

١٩ - ولو اختلف الزوجان فرغب أحدهما في الحمل وامتنع الآخر عنه، فالظاهر أنّه لا وجه لإجبار الممتنع لاسيّما في مثل الإيدز، فتفطّر القلب حزناً وأسىً على الوليد الذي يتمزّق ويحترق، ولا علاج له ولا دواء.

٢٠ - هل مرض الإيدز مرض الموت ؟

ومرض الموت يُمنع فيه المريض عن التبرّعات المنجزة الزائدة عن الثلث في ماله، عند جمعٍ كثيرٍ من فقهائنا المحقّقين ( رضي ‌الله ‌عنه م )(١) ، فتشخيصه مهمٌّ ومفيدٌ.

قال بعض الفضلاء من أهل السنّة(٢) : إنّ الفقهاء اختلفوا في التعريف بمرض الموت اختلافاً كثيراً، لا يرجع إلى نصٍّ من كتابٍ وسنّةٍ، وإنّما مردّه إلى الاجتهاد والنظر، فقال بعضهم: مرض الموت هو الذي يُقعد الإنسان عن عمله المعتاد في حال الصحّة... وعن ابن عابدين: إنْ علم أنّ به مرضاً مهلكاً غالباً، وهو يزداد إلى الموت فهو المقبر، وإنْ لم يعلم أنّه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح... ( رد المختار ٢/٧١٦ ) وقيّدته مجلّة الأحكام العدليّة ( ١٥٩٥م ) بأنْ يموت المريض قبل مرور سنة من الإصابة به، وقيل غير ذلك.

وقال أيضاً: والذي يُستخلص من كلام جمهور الفقهاء، وتقريرات محقّقيهم: أنّ مرض الموت هو المرض المخوف الذي يتّصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه ( الأم للشافعي ٤/٣٥ - مغني المحتاج ٣/٥٠ ) فعلى هذا يُشترط لتحقّقه أنْ يتوافر فيه وصفان:

___________________

(١) الجواهر ج ٢٦ ص ٦٣.

(٢) ص٤٦١ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٩

أحدهما : أنْ يكون مخوفاً، أي يغلب الهلاك منه عادةً أو يكثر... ويكفي الآن وقد تقّدّم علم الطب أنْ يرجع إلى الأطبّاء الخبراء في طبيعة المرض وأعراضه.

ثانيهما : أنْ يتّصل المرض بالموت سواءٌ وقع الموت بسببه، أم بسببٍ آخر خارجيٍّ عن المرض: كقتلٍ أو غرقٍ أو حريقٍ أو تصادمٍ أو غير ذلك.

وألحقوا بالمريض مرض الموت في الحكم، أشخاصا في حالات مختلفة ليس فيها مرض أو اعتلال صحّة، وإنّما توافر فيها الوصفان المشتَرَطان.

١ - ما إذا كان الشخص في الحرب، والتحمت المعركة، واختلطت الطائفتان في القتال، قالوا: فإنّ توقّع التلف هنا كتوقّع المرض أو أكثر.

٢ - ما إذا قُدِّم الشخص للقتل سواء أكان ذلك قصاصاً أو غير ذلك.

٣ - الأسير والمحبوس إذا كانا من العادة أنْ يُقتلا.

٤ - ما إذا ركب البحر وتموّج واضطرب، وهبّت الريح وخاف الغرق فهو مخوف.

أقول : يُلحق به راكب السيارة والطائرة في بعض الحالات.

٥ - المرأة الحامل إذا أتاها الطلق ( بناءً على شرائط الظروف القديمة ).

ويُشترط في هذه الحالات كلّها وما أشبهها: أنْ يتّصل حال خوف الهلاك الغالب أو الكثير بالموت، حتّى تُلحق بمرض الموت.

وقال: بناءً على هذا فإنّه يمكننا اعتبار المصاب بمرض الإيدز في مرض الموت ؛ نظراً لتوفّر مناط التعليل فيه ( كونه مخوفاً، واتّصاله بالموت ).

وقال بعضٌ آخر من أهل العلم من أهل السنّة(١) : مرض الموت هو

___________________

(١) ص٥٢٣ نفس المصدر.

٣١٠

المرض الذي يعقبه الموت... ومرض الإيدز يمرّ بمراحل مرحلة الإصابة، مرحلة الكمون، مرحلة التهيّج والقضاء... وفي هذه المرحلة فقط يمكن اعتباره مرض الموت ( فإنّه يصل إلى حدّ إنهاك الجسم، وقتل قوّة المناعة في الجسم، أو ظهور أمراض عصبيّة قاتلة ).

أقول : الظاهر أنّ كلّ مَن يقول بأنّ مرض الإيدز مرض الموت، يقصد هذه المرحلة، ولابُدّ أنْ يكون كذلك.

وأمّا إلحاق الأشخاص الآخرين، الذين ذكرنا أسماءهم في الموصوفين بمرض الموت، ففيه بحث، فإنّ ما استُدلّ به لمنع نفوذ التبرّعات الزائدة عن الثلث في المال، من الأحاديث الواردة من طريق الشيعة ليس الموضوع فيها مرض الموت، بل في جملةٍ منها ( عند موته )، وفي بعضها ( حضره الموت ) وفي بعضها - في حقّ المرأة - ( في مرضها ) وعلى هذا فلا يبعد شمول قولهعليه‌السلام : ( عند موته ) أولئك الأشخاص ومن يشابههم بلا حاجة إلى الإلحاق.

والعمدة في المقام : هو البحث عن دلالة تلك الأحاديث، على منع التبرّعات المذكورة، ولكنّها لا تخلو عن نظر، ولذا ذهب الآخرون إلى صحّتها، وتحقيقه لا يناسب هذا الكتاب فارجع إلى الكتب المبسوطة.

وعلى كلٍّ، ليس عنوان مرض الموت مذكوراً في الأحاديث المعتَبَرة ظاهراً، فإنْ قلنا بحجْر المريض عن التبرّعات المذكورة فلابُدّ من الاكتفاء على القدر المتيقَّن، وفي غيره يرجع إلى صحّتها لبطلان القياس عندنا.

٣١١

المسألة الثامنة والثلاثون

في العيوب المجوِّزة لفسخ النكاح

نذكر أوّلاً الأحاديث المعتَبَرة سنداً، ونذكر بعض الأحاديث غير المعتَبَرة أيضاً لعلّةٍ ما، ولكن نصرّح بضعفها أو النظر فيها، ونحن لا نرى في الأحاديث الضعيفة سنداً، اعتباراً وحجيّةً فلا نعتمد عليها.

١ - صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الكتب الأربعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

( المرأة تُردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن و ( هو - كا - تهذيبين ) العفل(١) ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا )(٢) .

أقول : أي إذا وقع عليها بعد علمه بالعيب فلا تُردّ المرأة، كما يُفهم ممّا يأتي.

٢ - صحيح الحلبي المروي في الكافي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال سألته عن رجلٍ تزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ؟

قال: ( يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل )(٣) .

أقول : يمكن أنْ يقال: إنّ مفاده مفاد الحديث السابق في أنّ العيوب عيوب المرأة فقط، أمّا أولاً فلذكر كلمة العفل الخاصّ بالمرأة، وأمّا ثانياً فلاحتمال كون الفعل المضارع ( يردّ ) مبنيّ للفاعل والضمير المستتر

___________________

(١) العفل: نبات لحم ينبت في قُبُل المرأة وهو القرن كما قيل.

(٢ و٣) ص١٦٧ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٢

المرفوع فيه يرجع إلى الرجل، وعليه فلا يدلّ الحديث على أنّ هذه العيوب في الرجل أيضاً، تجوّز الخيار والردّ.

ورواه في الفقيه عن حمّاد عن الحلبي، هكذا: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رجلٍ يتزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: ( لا تُردّ ( وقال - ئل ) إنّما يُردّ النكاح من البرص، والجذام، والجنون، والعفل، قلت: أرأيت إنْ كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها ؟ قال: لها المهر بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها )(١) .

ورواه الشيخ في التهذيبين عن حمّاد، لكن طريقه إليه غير مذكور في المشيخة(٢) ، ولا عبرة بالطريق المذكور في فهرسته على ما حقّقناه في محلّه.

ثمّ إنّ اسم حمّاد منصرف إلى ابن عثمان أو ابن عيسى، وطريق الصدوق إلى كليهما معتَبَر في مشيخة الفقيه(٣) .

ثمّ إنّ احتمال كون الفعل ( يرد ) هنا مبنيّاً للمفعول أقرب أو أنسب، فإنّ الفعل السابق (ترد) كذلك جزماً(٤) .

لا يُقال: إنّ الكلام في عيوب المرأة فلا يشمل عيوب الرجل.

فإنّه يُقال: العبرة بإطلاق كلام الإمامعليه‌السلام دون كلام السائل، على أنّ

___________________

(١) ص١٦٧ وص١٦٨ نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى تصريح بأنّه ابن عثمان، وهو مؤيِّد لا دليل ؛ لأنّ النوادر لم تصل إلى المجلسي والحرّ ( رحمهما الله ) بسندٍ معتَبَر.

(٤) لكن في الجواهر ( ص٣١٩ ج٣٠ ) نقل الحديث هكذا: لا يرد. أي بصيغة الغائب المذكور فيُحتمل كونه مجهولاً، كما يُحتمل كونه معلوماً، لكن في ص٣٦٣ ج٣٠ ضبطها ب-: لا ترد فلعلّ الأوّل من غلط الطابع أو الكاتب.

٣١٣

الأنسب على فرض إرادة عيوب المرأة فقط التعبير ب-: ( إنّما ترد من البرص ) دون التعبير ب-: ( إنّما يرد النكاح )، واختصاص العفل بالمرأة لا ينافي إرادة الرجل والمرأة، كما لا يخفى، وسؤال الراوي بعد ذلك سؤالٌ مستقلٌّ يتعلّق ببعض مصاديق الجواب، وهذا الوجه عندي أظهر بلحاظ الحديث، وعليه فهذه العيوب مجوّزة للردّ سواء كانت في المرأة أو في الرجل، والله تعالى أعلم، وإنْ قال صاحب الجواهر ( ج٣٠ ص٣١٩ ): ولعلّه لذا ( أي لاحتمال كون الفعل معلوماً، ورجوع الضمير إلى الرجل ) لم يحكم الأكثر كما ستعرف بالخيار لها في الجذام والبرص... وعلى كلّ حالٍ فالاستدلال لا يخلو عن إشكال، انتهى.

أقول : لكنّ المشهور قالوا بخيارها بجنونه.

وعلى كلٍّ، مقتضى الحصر عدم جواز ردّ النكاح عن غير هذه العيوب.

٣ - صحيح أبي عبيدة المروي في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في رجلٍ تزوّج امرأةً من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها ؟

قال: فقال: ( إذا دلّست العفلاء ( نفسها )، والبرصاء، والمجنونة، والمفضاة، ومَن كان بها ( من يب ) زمانة ظاهرة فإنّها تُردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشيءٍ من ذلك فلا شيء ( له ) وتردّ إلى أهلها. قال: وإن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له، وإن لم يصب شيئاً فلا شيء له. وقال: وتعتدّ منه عدّة المطلّقة إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها ( له - يب ) ولا مهر لها )(١) .

٤ - صحيح داود بن سرحان المروي في التهذيب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: ( تردّ

___________________

(١) ص١٦٩ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٤

على وليّها ويكون لها المهر على وليّها، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال، أُجيزت شهادة النساء عليها )(١) .

٥ - معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عليٍّعليه‌السلام : في رجلٍ تزوّج امرأةً فوجدها برصاء أو جذماء، قال:

( إن كان لم يدخل بها ولم يبيّن له، فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته )(٢) .

أقول : يُحمل الطلاق على معناه اللُّغوي، والدخول على الدخول بعد العلم بالعيب جمعاً بينه وبين ما مرّ.

٦ - صحيح معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت زنت، قال:

( إنْ شاء زوجها أنْ يأخذ الصداق من الذي زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها )(٣) .

أقول : ظاهر الحديث هو تخيير الزوج بين ردّ الزوجة وتركها، لا بين أخذ المهر وعدمه.

٧ - صحيح أبي الصباح، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأة فوجد بها قرناً ؟

قال: فقال: ( هذه لا تحبل، ولا يقدر زوجها على مجامعتها، يردّها على أهلها صاغرةً ولا مهر لها. قلت: فإن كان دخل بها ؟

قال: إنْ كان علم بذلك قبل أنْ ينكحها - يعني المجامعة - ثمّ جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلاّ بعد ما جامعها، فإنْ شاء بعد أمسك، وإنْ شاء طلّق )(٤) .

___________________

(١) ص ١٦٩ ج ٢١ جامع الأحاديث.

(٢) ص١٧٠ نفس المصدر.

(٣) ص١٦٥ المصدر.

(٤) ص١٧١ المصدر.

٣١٥

فالمستفاد من هذه الأحاديث التي اعتمدنا عليها لاعتبار إسنادها أُمور:

١ - للزوج ردّ زوجته عن البرص والجذام والجنون والعفل والقرن، وهذا ممّا لا إشكال فيه، وكذا له ردّها عن الإفضاء والزمانة إذا دلّست للحديث الثالث، وكذا له ردّ العمياء والعرجاء للحديث الرابع، ومَن زنت قبل الزواج للحديث السادس، فله خيار الفسخ بهذه العيوب، إذا لم يكن عالِماً بها قبل العقد، أو لم يدخل بها بعد العلم بها، وإلاّ فلا خيار له.

٢ - ألحق المشهور كما في الجواهر(١) الرتق بالعيوب المذكورة، وقال صاحب الجواهررحمه‌الله : بل الظاهر دخوله في العفل، وهو كون الفرج ملتحماً على وجهٍ ليس للذكر مدخل فيه.

أقول : الحديث السادس يشمله بمدلوله المطابقي.

وعن الغزالي إلحاق ضيق المنفذ زائداً على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلاّ بافضائها به(٢) ، ونفى البأس عنه في الجواهر(٣) .

أقول : وهو كذلك للحديث السادس.

٣ - وفي محكي المصباح: أن الزمانة مرض يدوم زماناً طويلاً.

وعن الصحاح: أنّها آفة تكون في الحيوانات، ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة.

وفي المنجد: الزمانة: العاهة، عدم بعض الأعضاء، تعطيل القوى، الحب.

وقيل: إنّ المتبادر في أعصارنا منها الإقعاد، والأصل عدم النقل، والظاهر هو مدرك فتوى السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره حيث فسّره في كتابه توضيح المسائل ب- زمين گير، ولكنّه ضعيف، فإنّ قوله في صحيح ابن

___________________

(١) ص٣٣٧ ج٣٠.

(٢) جواهر الكلام ج ٣٠ ص ٣٣٨.

(٣) ص٣٣٨ ج٣٠.

٣١٦

سرحان ( وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال ).

ظاهر في إرادة الأعمّ من الإقعاد فإنّه يراه الرجال والنساء معاً، والظاهر أنّ الإمام بعدما ذكر العرجاء البرصاء والعمياء - وهي من الزمانة الظاهرة للرجال والنساء - أراد أنْ يذكر الزمانة المخفيّة على الرجال، لكن لا دليل على تعيين الزمانة المقصودة للإمامعليه‌السلام في هذا الخبر، ولا يصحّ الالتزام بها إذا فسّرناها بمطلق العاهة الطويلة زماناً.

نعم الإقعاد من أظهر مصاديقها، ولعلّه المراد في صحيح أبي عبيدة، ولعلّ هذا الصحيح هو مدرك سيّدنا الأُستاذ في فتواه، ويمكن أن نحمل عليه ما في صحيح ابن سرحان، ونقول: إنّ الإقعاد ربّما يكون ظاهراً للرجال والنساء، وربّما لا يظهر إلاّ على النساء ؛ لاحتياج معرفته لمزيد الدقّة الموقوف على خلع الخمار، لكن فيه إشكال وبحث.

وأمّا شمولها للأمراض المُعْدية المهلكة التي لا علاج لها، كالايدز مثلاً، إذا تحوّل من الكمون إلى المرض ففيه وجهان، من صحّة الانطباق، ومن عدم ذهاب المشهور إليه.

وفي شمولها لمقطوعة اليد أو الرجل أو الأُذنين، أو مجدوعة الأنف، أو مقطوعة الشفتين، ومنحنية الظهر، ومَن لا شعر على رأسها، وجهان أيضاً، من صدق الزمانة - ولو مع الأخذ بمصاديق الزمانة الظاهرة - ومن أولويّة بعضها من العرجاء، ومن عدم فتوى المشهور بثبوت الخيار، فتأمّل.

٤ - لم ينقل ُعن المشهور جواز الفسخ بزناها قبل العقد، خلافاً لظاهر الحديث السابع(١) ، ولا بوضع حملها من الزنا قبل العقد خلافاً لصحيح الحلبي(٢) ، ولا بزناها بعد العقد وقبل الدخول مع قول الكاظمعليه‌السلام

___________________

(١) لاحظ ص١١٧ ج٣٠ الجواهر.

(٢) لاحظه في ص٦٠١ ج١٤ الوسائل.

٣١٧

في صحيح الفضيل بن يونس: ( يفرّق بينهما، وتحدّ الحدّ، ولا صداق لها )، ولا بزناه بعد العقد مع دلالة صحيحة علي بن جعفر على التفريق بينه وبين أهله، نعم التفريق غير الخيار، كما لا يخفى، لكنّ المشهور لم يقل به ظاهراً، ولعلّه لصحيحة رفاعة أنّه لا يفرق بينهما إذا زنى قبل أنْ يدخل بها(١) في خصوص زنا الرجل، ولابُدّ لتحقيق هذا الموضوع من الرجوع إلى الكتب الفقهيّة المفصلة.

٥ - تعرّضت جملةٌ من هذه الروايات لحكم المهر وردّه، ولا موجب لبحثه هنا، ومَن شاء التحقيق فيه فعليه الرجوع إلى المطوّلات الفقهيّة.

هذا كلّه ما يتعلّق بعيوب المرأة.

وأمّا عيوب الرجل الموجبة لخيارها، والمجوِّزة لردّ الزوج، فقد ثبت بعضها فيما سبق وهو: البرص، والجذام، والجنون، على الأظهر.

وأما البقيّة فإليك نقل أحاديثها المعتَبَرة:

١ - موثّقة سماعة عن الصادقعليه‌السلام أنّ خصياً دلّس نفسه لامرأة، قال:

( يفرّق بينهما، وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجَع ظهره كما دلّس نفسه )(٢) .

٢ - موثّقة بكير، المرويّة في الكتب الأربعة عن أحدهماعليهما‌السلام ، في خصي دلّس نفسه لامرأةٍ مسلمةٍ فتزوّجها، فقال: ( يُفرّق بينهما إنْ شاءت ( المرأة ) ويوجع رأسه، وإن رضيت ( به ) وأقامت معه ؛ لم يكن لها بعد رضاها ( به ) أنْ تأباه )(٣) .

___________________

(١) ص٦١٦ المصدر.

(٢) ص١٧٣ ج٢١ جامع الأحاديث.

(٣) ص ١٧٣ ج ٢١ جامع الأحاديث.

٣١٨

٣ - صحيح أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأةٍ أبتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أتفارقه ؟ قال: ( نعم إنْ شاءت )(١) .

أقول : مدلول الحديث أنّه إذا عجز الزوج - بأيّ سببٍ كان - عن الجماع فللزوجة الخيار، وبطريقٍ أولى يثبت لها الخيار، إذا كان الزوج عاجزاً عنه قبل الزواج، وهو ظاهر.

ويعارضه الحديث السابع على وجه.

٤ - موثّقة عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه سُئل عن رجلٍ أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها، فقال:

( إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء، فلا يمسكها إلاّ برضاها بذلك، وإنْ كان يقدر على غيرها، فلا بأس بإمساكها )(٢) .

أقول : في الحديث احتمالان:

الأوّل : أنّ التفصيل ناظر إلى وظيفة الزوج في جواز الإمساك مطلقاً، أو مشروطاً برضاها، و أمّا المرأة فلها الفسخ سواءٌ قدر هو على غيرها أم لا ؛ عملاً بالحديث الأوّل.

الثاني : أنّ القدر المتيقَّن في مقام التخاطب في التفصيل هو فرض أخذ الزوج عن زوجها، وقد فسّره بعضهم بالسحر.

وفي المنجد: أخذه: سحره، الأُخْذة رُقْية كالسحر يُؤخذ بها.

ويحتمل كونه مقيِّداً لإطلاق الحديث السابق، ولكن لا أعتمد على التقييد المحتمل المذكور على نحو الإطلاق، بل في خصوص المسحور كما عرفت.

٥ - صحيحة محمّد بن مسلم - على المشهور - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( العنّين يتربّص به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٥ نفس المصدر.

٣١٩

أقامت )(١) .

أقول : في طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد، إشكال ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال ( الطبعة الثالثة ) فما لم أفز على حلّه، لا اعتمد على ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد كهذه الرواية.

٦ - موثّق حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليٍّعليه‌السلام : ( أنّه كان يقضي في العنّين أنْ يؤجّل سنةً من يوم ترافعه الامرأة )(٢) .

أقول : لا دليل على وصول نسخة من مصدر هذه الرواية - وهو كتاب قرب الإسناد - إلى المجلسي والحرّ - رحمهما الله - بسندٍ معتَبَرٍ، بل الظاهر أنّهما ينقلان عنه وجادة، ولا اعتبار به.

٧ - موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيهعليه‌السلام أنّ عليّاً كان يقول:

( إذا تزوّج ( الرجل ) امرأةً فوقع عليها مرّة، ثمّ أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر، فقد ابتُليت، وليس لأُمّهات الأولاد ولا للإماء، ما لم يمسّها من الدهر إلاّ مرّة واحدة خيار )(٣) .

أقول : قولهعليه‌السلام : ( ثمّ أعرض عنها ) فيه إجمال، وغير ظاهر في مَن عجز عن الوطء، فلاحظ. وعلى تقدير إرادته منه فهو معارَض بالحديث الثالث.

٨ - صحيح أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول:

(... وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها فإنّ مثل هذا تعرف ( تعرفه ) النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهنّ، فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أنْ يؤجّله سنةً ( واحدة )، فإن وصل إليها، وإلاّ فرّق بينهما وأُعطيت نصف الصداق، ولا عدّة

___________________

(١ و٢) ص١٧٦ نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر والحديث لا يخلو عن إجمال، ويمكن أن نجعل ذيله قرينةً على إرادة الأمَة من صدره، والله العالم.

٣٢٠