أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 139191
تحميل: 10072

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139191 / تحميل: 10072
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أشهد أن علياً ولي الله

في الأذان

بين الشرعية والابتداع

السيد علي الشهرستاني

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

[مقدمة المؤلف]

تساؤل يطرح نفسه بين الحين والآخر، وهو: ما هذا الاختلاف في الأذان؟ وهل الذي تؤذّن به الشيعة الإمامية هو الصحيح أم ما يؤذّن به الآخرون؟ ولماذا نرى أذان الآخرين يختلف عن أذان الشيعة الإمامية؟ وأيّهما هو المشروع وأيّهما المبتدع؟

وهل يصح ما قاله الآخرون عن الشيعة من أن أذانهم مبتدع؟ أم أنّه شرعي؟

و إذا كان أذان الإمامية شرعياً، فهل أذّن به رسول الله والإمام علي والأئمّة من ولده أم لا؟

و إذا كانوا قد أذّنوا به، فهل قالوا:(أشهد أن عليّاً ولي الله) تحديداً بهذه الصيغة، أم قالوها بصيغ أُخرى؟

إنه تساؤل مطروح يَبْحَث عن جواب.

ولا يخفى عليك أنّ هذا التساؤل يردُ أيضاً على المذاهب الأربعة وغيرها، فلماذا اختلفت المذاهب الأربعة في صيغ الأذان وعدد فصوله مع اعتقادهم بأنّ الأذان منقول نقلَ كافَّة بمكّة والمدينة والكوفة؟

و إذا كان منقولاً ومنذ عهد الرسول الأعظم، فلماذا تربّع الشافعية التكبير(١) بخلاف المالكيّة القائلة بالتثنية(٢) ؟

بل لماذا لا ترى الحنفية التثويب (= الصلاة خير من النوم) إلاّ بعد أذان

____________________

(١) انظر المهذب لأبي إسحاق الشيرازي ١: ٥٤، والإقناع للشربيني ١: ١٣٩، المجموع ٣: ١٠٠.

(٢) انظر المدونة الكبرى ١: ٥٧، الكافي لأبي عبد البر ١: ٣٧، كفاية الطالب ١: ٣١٨.

٥

الفجر(١) ، في حين تراه المذاهب الأُخرى مشروعاً في أذان الفجر؟ وهكذا الحال بالنسبة إلى إفراد أو تثنية الإقامة عند المذاهب الأربعة، فهم مختلفون في ذلك !!

نعم، قد جمع ابن حزم بين تلك الوجوه بقوله: (... كلُّ هذه الوجوه قد كان يُؤذَّنُ بها على عهد رسول الله بلا شكّ، وكان الأذان بمكّة على عهد رسول الله يسمعه إذا حجّ، ثم يسمعه أبو بكر وعمر، ثمّ عثمان بعده.. فمن الباطل...). إلى أخر كلامه المار ذكره سابقاً(٢) .

هذا بعض الاختلاف في الأذان عند المذاهب الأربعة، وهم ليسوا من الشيعة الإماميّة، فما هو السرّ في هذا الاختلاف في شعار كان يتكرّر بمرأى ومسمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة مراراً عديدة كلّ يوم؟!

والآن فلنقرر السؤال السابق بطرح سؤال آخر، وهو: هل الإمام علي بن أبي طالب ذُكر اسمه في القرآن أم لا؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، فأين ذُكِرَ؟ و إن كان بالنفي، فكيف يمكن الاستدلال على إمامته في حين لم ينصّ القرآن على هذا الموضوع المهم؟

لقد نزلت في علي أكثر من خمسمئة آية، وروي عن ابن عباس أنّه قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي(٣) .

وفي آخر عنهرضي‌الله‌عنه أنه قال: نزلت في علي ثلاثمئة آية(٤) .

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١: ١٣٠، تحفة الفقهاء ١: ١١٠، بدائع الصنائع ١: ١٤٨.

(٢) المحلى ٣: ١٥٤، وقد كانت لنا وقفة علمية مع هذا الكلام في الكتاب الأول من هذه الدراسة، والمطبوع تحت عنوان (حي على خير العمل الشرعية والشعارية) الباب الأول ص ١٩.

(٣) تاريخ دمشق ٤٢: ٣٦٣، شواهد التنزيل ١: ٥٢، السيرة الحلبية ٢: ٤٧٤، تاريخ الخلفاء: ١٧١، بحار الأنوار ٣٦: ١١٧، عن كشف اليقين للعلاّمة الحلي: ٣٥٦.

(٤) البداية والنّهاية ٧: ٣٥٩، الصواعق المحرقة ٢: ٣٧٣.

٦

وعن مجاهد، قال: نزلت في علي سبعون آية لم يشركه فيها أحد(١) .

إنّ البحث في خصائص علي وما نزل فيه من الذكر الحكيم كانت من البحوث الشائعة في القرون الثلاثة الحسّاسة: الثالث والرابع والخامس الهجري. فقد ألَّف الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري المتوفَّى ٢٨١ هـ كتاباً باسم(ما نزل في القرآن في علي) (٢) .

وكذا إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي المتوفَّى ٢٨٣ هـ كتاباً سماه(ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين) (٣) .

ولابن أبي الثلج البغدادي المتوفَّى ٣٢٥ كتاب بعنوان(أسماء أمير المؤمنين في كتاب الله عزّوجلّ) (٤) .

وكتب عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفَّى ٣٣٢ هـ(ما نزل في علي من القرآن) (٥) .

ولأبي الفرج الأصفهاني المتوفَّى ٣٥٦ هـ(التنزيل في أمير المؤمنين وآله عليهم‌السلام ) (٦) .

ولمحمد بن عمران المرزباني الخراساني المتوفَّى ٣٧٨ هـ(ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين) (٧) .

ولأبي نُعَيْم الأصفهاني المتوفَّى ٤٣٠ هـ(ما نزل من القرآن في أمير

____________________

(١) شرح الأخبار ٢: ٥٧٠، ٥٧٤، شواهد التنزيل ١: ٥٢.

(٢) المطبوع باسم تفسير الحبري بتحقيق صديقنا المحقق السيّد محمد رضا الجلالي (حفظه الله تعالى)، وأخبرني سماحته بأنه رجّح في تحقيقه الجديد للكتاب أن وفاته سنة ٢٨١ بدل ٢٨٦ هـ كما هو موجود في تاريخ الإسلام للذهبي ٢١: ١٥٨ وغيره.

(٣) رجال النجاشي: ١٧ / ت ١٩ والذريعة ١٩: ٢٨.

(٤) الذريعة ١١: ٧٥ وانظر ج ١٩: ٢٨ و ٤: ٤٥٤ فقد ذُكر بأسماء أخرى.

(٥) رجال النجاشي: ٢٤١ ت ٦٣٩، الذريعة ١٩: ٢٨. وله كتاب آخر بعنوان:(ما نزل في الخمسة [ أصحاب الكساء ]) انظر ترجمته.

(٦) معالم العلماء: ١٤١، وانظر الذريعة ١٩: ٢٨.

(٧) معالم العلماء: ١١٨، الذريعة ١٩: ٢٩.

٧

 المؤمنين) (١) .

ولابن الفحّام النيسابوري المتوفَّى ٤٥٨ هـ(الآيات النازلة في أهل البيت عليهم‌السلام ) (٢) .

وقد نوّه النجاشي في رجاله عند ترجمته لبعض الأعلام إلى أسماء بعض تلك المصنّفات. ففي ترجمة ابن الجُحام محمد بن العَبّاس بن علي البزاز ذكر أن له كتاباً بعنوان:(ما نزل من القرآن في أهل البيت) (٣) .

وفي ترجمة الحسن بن أحمد بن القاسم ذكر أن له كتاباً بعنوان:(خصائص أمير المؤمنين من القرآن) (٤) .

وفي ترجمة محمد بن أُوْرَمة القمّي نسب إِليهِ كتاب:(ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين) له(٥) .

وفي ترجمة أبي موسى المجاشعي ذكر أنّ له كتاباً بعنوان(ما نزل من القرآن في علي) (٦) .

وفي ترجمة أبي العباس الإسفرائيني(المصابيح في ذكر ما نزل من القرآن في أهل البيت) (٧) .

ونحن لا نريد التفصيل في الجواب عن السؤال الثاني بقدر ما نريد الإشارة إلى تأذين الرسول والأئمّة بالولاية، إذ لم ينكر أحد صلة الإمام علي بالقرآن والقرآن

____________________

(١) معالم العلماء: ٢٥، الذريعة ١٩: ٢٨.

(٢) لسان الميزان ٢: ٢٥١، معجم المؤلفين ٣: ٢٩٢.

(٣) رجال النجاشي: ٣٧٩ ت ١٠٣٠.

(٤) رجال النجاشي: ٦٥ ت ١٥٢، وانظر الذريعة ٢: ٦٥.

(٥) رجال النجاشى: ٣٣٠ ت ٨٩١، وانظر الذريعة ١٩: ٢٩.

(٦) رجال النجاشي: ٤٣٩ ت ١١٨٢.

(٧) رجال النجاشي: ٩٣ ت ٢٣١.

٨

بعلي، فعليّ مع القرآن والقرآن مع علي(١) ، لأنّه الوحيد الذي علم بتنزيل القرآن وتأويله(٢) . وعلم بنزول الآيات في ليل أو نهار، وفي سهل أو جبل(٣) . وقد ذكره رسول الله عدلاً للقرآن، وأحد الثقلين اللذين تصان بهما الأمة وتُحفظ من الضلال.

لكننا قد نواجه إشكالاً مفادُهُ: أننا لا نرى أنّ اسمه ورد صريحاً في القرآن الكريم، لماذا؟

ليس من الضرورة أن يذكر القرآن كلّ شيء، وقد أجاب عمران بن حصين لمن قاله له: تَحَدَّثْ بالقرآن واترك السنّة، قال له: أرايت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القران، أكنت تجد فيه صلاة العصر أربعاً وصلاة الظهر أربعاً، أكنتَ تجد الطواف بالبيت سبعاً والرمي سبعاً(٤) ...

فالقرآن يبين الكلّيات التي تقف عليها الشريعة أصولاً وفروعاً، فالصلاة مثلاً ذكرها الله وترك تفاصيلها للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) ، وهكذا الحال بالنسبة إلى غيرها من الأمور الشرعية.

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٤٧٩ / ح ١٠٤٥، المعجم الصغير للطبراني ١: ٢٥٥، الجامع الصغير للسيوطي ٢: ١٧٧ / ح ٥٥٩٤.

(٢) الكافي ١: ٢١٣ / باب إن الراسخين في العلم هم الأئمّةعليهم‌السلام / ح ١، ٢، ٣. وانظر فيض القدير ٤: ٣٦٩.

(٣) انظر تفسير الصنعاني ٣: ٢٤١، طبقات ابن سعد ٢: ٣٣٨، التاريخ الكبير ٨: ١٦٥، تاريخ دمشق ٢٧: ١٠٠، ٤٢: ٣٩٨، المواقف ٣: ٦٢٧، منح الجليل ٩: ٦٤٨، ينابيع المودة ١: ٢٢٣، وانظر تفسير أبي حمزة الثمالي: ١٠٤.

(٤) انظر الكفاية في علم الرواية: ١٥، المطالب العالية ١٢: ٧٣٤.

(٥) جاء في الكافي ١: ٢٨٦ / باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمةعليهم‌السلام واحداً فواحد / ح ١، عن أبي بصير أنّه قال قلت لأبي عبد الله [ الصادق ] أن الناس يقولون: فما له لم يسم علياً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ؟ فقال:(قولوا لهم: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم...) إلى أخر الخبر.

٩

إن القولَ بعدم ذكر الشهادة بالولاية صريحاً في الأذان، هو مساوق للقول بعدم ورود اسم الإمام علي صريحاً في القرآن، مع أنّ في الأذان والقرآن الكريم ما يدل على الولاية والإمامة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟!

ونحن في دراستنا هذه لا نريد أن نذهب إلى جزئية الشهادة الثالثة في الأذان حتى يلزمنا القول بأن الرسول أو الإمام علي وأولاده المعصومين قد أذّنوا بهذا الأذان. فجملة (حي على خير العمل) في الأذان دالة على الإمامة، والرسول والصحابة كانوا يؤذنون بها، وقد سمح الإمام الكاظم بفتحها والأخذ بتفسيرها معها، بل دَعا إلى الحث عليها. كما أن هناك آيات كثيرة دالة على الإمامة، وكان من منهج بعض الصحابة أن يبيّنوا آيات الذكر الحكيم و يأتوا على تفسيرها السياقي وشأن نزولها وسرّ تشريعها معها، كما هو المشاهد في قراءة ابن مسعود التفسيرية لآية البلاغ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) أنّ عليّاً مولى المؤمنين( وإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (١) .

وقرأ كذلك:( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) بعلي بن أبي طالب(٢) .

وكان أُبيّ بن كعب يقرأ:( النَّبِيُّ أَولَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) وهو أبٌ لهم(٣) .

وقرأ ابن عباس:( مِنْ أَنفُسِهِمْ ) وهو أبٌ لهم( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (٤) .

____________________

(١) شواهد التنزيل ١: ٢٥٧، الدر المنثور ٢: ٢٩٨، وعنه في بحار الأنوار ٣٧: ١٩٠.

(٢) شواهد التنزيل ٢: ٣ الإكمال ٧: ٥٣ ورواه ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين علي من تاريخ دمشق ٤٢: ٣٦٠ الحديث ٩١٩، والدر المنثور ٥: ١٩٢، ٦: ٥٩٠، كفاية الطالب: ٢٣٤، غاية المرام: ٤٢٠.

(٣) الدر المنثور ٦: ٥٦٧، مصنف عبد الرزاق ١٠: ١٨١ / ح ١٨٧٤، وفيه: (وهو أبوهم)، وهي في قراءة ابن مسعود كذلك؛ انظر الكشاف ٣: ٥٣٢.

(٤) المحرر الوجيز ٤: ٣٧٠.

١٠

وجاء عن أُبي أنّه كان يقرأ:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام( فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ) (١) .

وعن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، أنهم قرءوا:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ورهطك المُخْلَصين(٢) .

وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال لي عمر: ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ: ( وَجَاهِدُواْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) في آخر الزمان كما جاهدتم في أوّله(٣) .

قال ابن عطيّة الأندلسي (ت ٥٤٦ هـ) فيالمحرر الوجيز : روي أنّ ابن مسعود كتب في مصحفه أشياء على جهة التفسير فظنّها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه، ولم يسقط فيما ترك معنى من معاني القران؛ لأنّ المعنى جزء من الشريعة، و إنّما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الذي أثبت...(٤) .

وقال ابن السرّاج القاضي القونوي الحنفي (ت ٧٧٧ هـ) فيشرح المعتمد : ومن أسباب اختلاف الفقهاء اختلافهم في الاحتجاج بالرواية الشاذة من القران الكريم، فقد كان بعض الصحابة يكتب في مصحفه كلمات على سبيل التفسير والبيان، فرواها الناس عنه على أنها قراءة، مثال ذلك زيادة ابن مسعود كلمة (متتابعات) عقب قوله تعالى:( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام ) في سورة المائدة(٥) .

وقال أبو حيّان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ) فيالبحر المحيط عن الآية:( وَإِذِ

____________________

(١) المستدرك للحاكم ٢: ٢٢٥، كنز العمال ٢: ٥٦٨ و ٥٩٤، الدر المنثور ٦: ٧٩، سير أعلام النبلاء ١: ٣٩٧.

(٢) تفسير الطبري ١٩: ١٢١ في قراءة عمرو، عيون أخبار الرضا ٢: ٢٠٩ في مصحف عبد الله بن مسعود وقراءة أُبي بن كعب.

(٣) الدر المنثور ٤: ٣٧١ و ٥: ١٩٧، كنز العمال ٢: ٤٨٠.

(٤) المحرر الوجيز ١: ٤٨.

(٥) انظر شرح المعتمد، لابن السراج القاضي / القول ١١٩، من أسباب اختلاف الفقهاء.

١١

 اعْتَزَلْتمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْووا إِلَى الكَهْفِ... ) : وفي مصحف عبد الله (وما يعبدون من دوننا)... إنما أُريد به تفسير المعنى وأنّ هؤلاء الفتية اعتزلوا قومهم وما يعبدون من دون الله وليس ذلك قرآناً...(١) .

وفيالمحرّر الوجيز : وفي مصحف عبد الله ( ملاقوها ) مكان( مُوَاقِعُوهَا ) الواردة في الآية ٥٤ من سورة الكهف(٢) ، فقال الأندلسي فيتفسير البحر المحيط : الأَولى جعله تفسيراً لمخالفة سواد المصحف(٣) .

وفيتفسير البحر المحيط أيضاً عن الآية ٣٦ سورة يوسف: وفي مصحف عبد الله:( وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي ) ثريداً( تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ) ، وهو أيضاً تفسير لا قراءة(٤) .

وبناءً على هذه التَقْدُمَة يمكننا أن نقول: إنّ الشهادة بالولاية جاءت في الأذان كناية وتفسيراً؛ وذلك لنفس الظروف التي ساقت إلى عدم ذكر اسم الإمام عليّ في القرآن. إنّها جملة (حي على خير العمل) التي تعني الولاية والإمامة، كما في روايات أهل البيت.

ونحن قد أثبتنا في الباب الأوّل من هذه الدراسة(٥) وجود هذا الفصل في الأذان على عهد رسول الله، وتأذين الصحابة وأهل البيت به، ثمّ انفراد العامّة في العهود اللاحقة بدعوى النسخ فيه، وذلك بعد إقرارهم بشرعيّته على عهد رسول الله، وقد تحدّاهم السيّد المرتضى بأن يأتوه بالناسخ ولم يفعلوا !

____________________

(١) البحر المحيط ٦: ١٠٣.

(٢) المحرر الوجيز ٣: ٥٢٤.

(٣) البحر المحيط ٦: ١٣١.

(٤) البحر المحيط ٥: ٣٠٨.

(٥) المطبوع تحت عنوان:( حي على خير العمل: الشرعية والشعارية ).

١٢

وهذا يعرّفنا بأنّ من يقول بالحيعلة الثالثة (حيّ على خير العمل) يمكنه الاعتقاد برجحان الشهادة بالولاية في الأذان، لأنّها جاءت مفسَّرة من قبل المعصومين بذلك، فالنبيُّ والإمامُ عليٌّ والأئمّة من ولده كانوا يؤذّنون بحيّ علي خير العمل بلا أدنى ريب، فلا يستبعد اعتقادهم بجواز الإتيان بتفسيرها معها لا على الشطرية، وهو الملاحظ اليوم عند المسلمين، فالذي يعتقد بشرعية الحيعلة الثالثة يمكنه أن يُخرج الشهادة الثالثة مخرجاً شرعيّاً، والذي لا يقول بالحيعلة الثالثة فهو لا يقبل الشهادة بالولاية من باب الأَوْلى.

نعم، نحن لو قلنا بتأذين الرسول وأهل البيت بها لصارت جزءاً، وهذا ما لا نريد قوله، وإن عدم ورودها في الروايات البيانية الصادرة عن المعصومين في الأذان أو عدم فعلهمعليهم‌السلام لها يؤكد عدم جزئيتها لا عدم محبوبيتها، وأن الأئمةعليهم‌السلام قد يكونوا تركوا أموراً جائزة أو مستحبة تقية، فالذي نريد أن نقوله أنّه قد ثبت بالقطع واليقين أن الأئمّة كانوا يقولون: (حيّ على خير العمل) في أذانهم، وثبت عنهم أيضاً بما لا يقبل الترديد أنّهم فسّروها بمعنى الولاية كما في كلام الأئمّة المعصومين كالباقر(١) والصادق(٢) والكاظم(٣) عليهم‌السلام . والإمام الكاظم قد أجاز

____________________

(١) علل الشرائع ٢: ٣٦٨ الباب ٨٩ ح ٥، معاني الأخبار: ٤٢ وفيهما: قال: أتدري ما تفسير (حي على خير العمل)، قلت: لا. قال: دعاك إلى البر. أتدري بر من؟، قلت: لا. قال: دعاك إلى بر فاطمة وولدها.

(٢) التوحيد للصدوق:٢٤١، فلاح السائل:١٤٨ - ١٥٠ مناقب بن شهرآشوب ٣: ١٠٧.

(٣) علل الشرائع ٢: ٣٦٨ وعنه في وسائل الشيعة ٥: ٤٢٠.

قال الشيخ يوسف البحريني في رسالته (الصوارم القاصمة لظهور الجامعين بين ولد علي وفاطمة) المطبوعة في الدرر النجفية: (ولا يخفى على العارف بطريقة الصدوق في جملة كتبه ومصنفاته أنه لا يذكر من الأخبار إلا ما يعتمده، ويحكم بصحته متناً وسنداً ويفتي به، وإذا أورد خبراً بخلاف ذلك ذيله بما يشعر بالطعن في سنده أو دلالته ونبه على عدم قبوله

١٣

الإتيان بتفسيرها وبيان معناها معها، وهو دليل على محبوبيتها عندهمعليهم‌السلام ، ونحن نأتي بها بهذا العنوان لا غير.

بل في كلام الإمام علي بن الحسين (أنّه كان في الأذان الأولّ)(١) ما يؤكد تشريع (حيّ على خير العمل) في الإسراء والمعراج، ودلالته على وجود عنوان الولاية في السماء وعلى ساق العرش، لكنّ الآخَرين حرّفوه وغيّروه، ومن هنا حدثت المشكلة بين نهج علي ونهج الصحابة في الأذان.

هذا، وإنّ في معتبرة(٢) الفضل بن شاذان المرويّة فيعلل الشرائع عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، ما يؤكد وجود عنوان الولاية في الأذان، إذ جاء فيها:... ويكون المؤذّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغّباً فيها، مقراً بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، معلناً بالإسلام...(٣) .

وحين سأل إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله الإمامَ السجاد لما قدم وقد قتل الحسين بن علي (صلوات الله عليه)، قائلاً: يا علي بن الحسين من غَلَب؟ أجابه

____________________

بمضمونه وهذه طريقته المألوفة وسجيته المعروفة، وهذا المعنى وإن كان لم يصرح به إلا في صدر كتابه(من لا يحضره الفقيه) إلا أن متتبع لكلامه في كتبه، والواقف على طريقته لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه).

وبما أن الصدوق لم يذيل ما رواه في العلل وغيره بالطعن في متن أو سند الحديث نعلم أن مضمون تلك الأخبار مقبولة عنده.

(١) لا يخفى عليك بأنّ ليس للشيعة أذانان كما هي للعامة في أذان الفجر، وبذلك فلا معنى للأذان الأول في كلام الإمامعليه‌السلام إلاّ ما قلناه.

(٢) لاحظ السيد الحكيم في المستمسك ٨: ٣٤٤ - ٣٤٦، والسيد الخميني في المكاسب المحرمة ٢: ٥٥، والشيخ حسين آل عصفور في تتمة الحدائق ٢: ١٤٣، ومستند الشيعة ٥: ٤٣٥، ومسالك الأفهام ٢: ٢٣، وذخيرة المعاد ١: ٥١٠.

(٣) علل الشرائع ١: ٢٥٨، وسائل الشيعة ٥: ٤١٨، الفقيه ١: ٢٩٥ / ح ٩١٤، والذي أحتمله في كلام الإمامعليه‌السلام هو التقديم والتأخير في كلمة الإسلام والإيمان فيه، وتكون العبارة: مجاهراً بالإسلام ومعلناً بالإيمان، وهذا ما يؤكده ذيل الخبر.

١٤

الإمامعليه‌السلام : إذا أردت أن تعلم من غَلَبَ، ودَخَلَ وقت الصلاة، فأذِّنْ ثمَّ أقِمْ(١) .

وهذا يعني أَنَّ الإمام السجاد أراد أن يقول لإبراهيم إِنَّ الأئمّة هم امتداد للشهادة بالرسالة وكما قال رسول الله: حسين مني وأنا من حسين(٢) .

وكذا في كلام الإمام الهادي الآتي، وبيانه لمعنى (نداء الصوامع) المذكور في شعر الحِمّاني، للمتوكل العباسي(٣) .

وقد يكون قبل ذلك في مرسلة القاسم بن معاوية فيالاحتجاج عن الصادقعليه‌السلام ما يدل على ذلك، لأنّ العارف بلسان وظروف الأئمّة وما كانوا يعيشون فيه من التقيّة، يعرف بأنّ الإمام قد يأتي بالعموم ويريد الخصوص، والأذان هو الأهم إن سنحت الظروف للجَهْر به.

إن مبحث (حيّ على خير العمل) هو النافذة التي نريد الإطلالة من خلالها على الشهادة الثالثة، وهو الميدان الأساسيّ الذي كتبنا عنه سابقاً(٤) ، كما أنّه الانطلاقة العلمية والتأسيسية التي نريد الدخول عبرها إلى الشهادة الثالثة؛ لنُشيد به هذا الصرح العقائدي والفقهي، وذلك للتقارب والتجانس الملحوظ بينهما حسبما سيتّضح لاحقاً؛ لأنّ الكلام في الحيعلة الثالثة يوصلنا إلى رجحان الشهادة الثالثة، والذي جئنا به تقوية لما استدلّ به الفقهاء من مرسلة الاحتجاج، والعمومات، وقاعدة التسامح في أدلة السنن، وما يماثلها.

إنّ موضوع الشهادة الثالثة في الأذان من المواضيع الحسّاسة والهامّة التي لم

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٦٧٧ / ح ١٤٣٢، وعنه في بحار الأنوار ٤٥: ١٧٧ / ح ٢٧.

(٢) سنن الترمذي ٥: ٦٥٨ / ح ٣٧٧٥، قال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه غير واحد عن عبد الله بن عثمان، سنن ابن ماجه ١: ٥١ / ح ١٤٣، مسند أحمد ٤: ١٧٢ / ح ١٧٥٩.

(٣) الأمالي، للشيخ الطوسي ٢٨٧ / ح ٥٥٧، وانظر ديوان علي الحمّاني: ٨١، ومناقب ابن شهرآشوب ٣: ٥١٠.

(٤) تحت عنوان:(حي على خير العمل: الشرعية والشعارية) المطبوع في بيروت، مؤسسة الأعلمي، وهو يقع في ٤٩٦ الصفحة.

١٥

تحظ بعناية الباحثين والمحقّقين بالشكل المطلوب، وهي لم تكن من المواضيع المُحْدَثة والوليدة في العصور اللاّحقة حسب ما صوّره بعض الكتّاب، بل هي قديمة بقدم تاريخ التشيّع، سارت معه جنباً إلى جنب، فما قاله البعض من أنّها قد شرعت في عهد الشاه إسماعيل الصفوي المتوفَّى ٩٣٠ هـ، وكذا قول الأخر: إنّها بدعة محدثة، هو جُرأةٌ على العلم وتجاوز على الحقائق التاريخية(١) ، خصوصاً وأنّ نصوص هذه المسألة مذكورة وموجودة في كتب القدماء والمتأخّرين، لكنّها متناثرة بين طيات كتب الحديث، والفقه، والتاريخ، تحتاج إلى بحث وتتبّع ومثابرة واسعة، والسابرُ لكلمات الفقهاء، وأخبار المؤرّخين، وروايات المحدّثين، يقف على هذا الكمّ الهائل الدال على هذه الشهادة، إمّا تصريحاً، أو تلميحاً، أو إيماءً، أو إشارة.

وإن ما حكاه الشيخ الطوسي بورود شواذ الأخبار فيها كافية لإثبات المحبوبية والمشروعية؛ لأن صحة عمل ما لا يتوقف على فعلهمعليهم‌السلام له، بل يكفي تصريحهم بجوازه وصحته، أو تقريرهم لفاعله.

إن دعوى كونها بدعة لترك المعصوم لها كلامٌ غير واقعي وغير صحيح، فكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل فالنفي هو الأخر يحتاج إلى دليل، فليأتِنا القائل بالحرمة على أن النبي أو الأئمة لم يفعلوها على نحو الجزم واليقين، أو ليأتونا بدليل عن نهي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في القول بالشهادة الثالثة، في حين أن الأمر عكس ذلك، فهناك أدلة كثيرة صدرت عن النبي والأئمة من ولده على محبوبية الشهادة بالولاية في الأذان وفي غيره، لكن ظروف التقية لم تسمح لهم بالإجهار بها مما جعلتها أخباراً

____________________

(١) انظر: كلام الدكتور حسين المدرسي الطباطبائي في ( تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى ) صفحة ٧٣، والسيّد موسى الموسوي في ( الشيعة والتصحيح ): ١٠٥، و( المتآمرون على المسلمين الشيعة ): ١٧٠، والسيّد حسن الأمين في ( مستدركات أعيان الشيعة ) ٢: ٦٤. بهذا الصدد وقارنه بما قلناه في الفصل الأول من هذه الدراسة.

١٦

شاذة في الأذان لا يعمل بها.

نعم، إنّ تلك النصوص مذكورة في كتبنا وكتب الآخرين، لكن لا يستدلّ بها الفقهاء على الشهادة الثالثة لكونها نصوصاً غير صريحة، بل مذكورة بصورة كنائية أو تفسيرية، وذلك في مثل (حيّ على خير العمل) الدالة على الإمامة، كما جاء في روايات أهل البيت، والتي ذكرها الشيخ الصدوقرحمه‌الله في معاني الأخبار(١) والتوحيد(٢) وهذا ما نريد توضيحه في دراستنا هذه(٣) .

كما أن هناك نصوصاً صريحة في إقرار الإمام، وأنّهعليه‌السلام لا يترك الأمة سدى، بل يقف أمام ما يزيده الناس أو ينقصونه، قد يمكن التمسك به عند البعض كدليل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة، وهذا ما لم يوظف من قبل فقهاءنا في مبحث الشهادة الثالثة، فقد جاء في العلل بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: (إن الله لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في الأرض، و إذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم، و إذا نقصوا أكمله لهم فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمورهم، ولم يفرقوا بين الحق والباطل)(٤) .

وهناكطائفة ثالثة هي نصوص صريحة ذكرت متناً دون إسناد، كما هو المشاهد في كلام الشيخ الصدوقرحمه‌الله في(الفقيه) (٥) ، والسيّد المرتضى في(المسائل الميافارقيات) ، وابن البرّاج في(المهذَّب)، والشيخ الطوسي في(النّهاية) و(المبسوط) ، وهي متون معتمدة، لأنّ كتب القدماء - وحسب تعبير السيّد البروجرديرحمهم‌الله وغيره - هي متونُ روايات وبمنزلة الأُصول المتلقّاة عن

____________________

(١) معاني الأخبار: ٤١ / باب معنى حروف الأذان والإقامة / ح ١، و ٤٢ / ح ٣.

(٢) التوحيد، للصدوق: ٢٤١ / باب تفسير حروف الأذان والإقامة / ح ٢.

(٣) بحثنا ذلك في القسم الأول من الفصل الأول ( الدليل الكنائي ): ١٨٣ من كتابنا هذا.

(٤) انظر بحار الأنوار ٢٣: ٢٧، ٢١، ٣٩.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٩٠ / ح ٨٩٧.

١٧

المعصومينعليهم‌السلام ، وهو ما نبحثه في القسم الثالث من الفصل الأول من هذا الباب(١) .

ورابعة: هي عمومات بعض الأخبار، وقواعد في الرواية والحديث، يستعين بها الفقيه في الاستنباط، كروايةالاحتجاج : (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين)(٢) ، أو قاعدة التسامح في أدّلة السنن، أو استدلالهم ببيان الحيثيات الثلاث للأذان (الذكر + الشعار + الدعاء)، أو أنّه استحباب ضمن استحباب إلى غيرها من المؤيّدات التعضيدية الموجودة في الآيات والأخبار وهو ما يبحث في ضمن كلمات الفقهاء.

وخامسة: بيان سيرة المتشرّعة، وربط هذه السيرة بسيرة الشارع المقدّس...

إلى غير ذلك من التقسيمات والوجوه التي يمكن أن تلحظ و يستدل بها للشهادة الثالثة.

نحن لا نريد أن نُفَصِّل هذه المحاور كلَّ محور على حدة، بل نريد أن ندرسها متمازجة بشكل لا يحس المطالع بالضجر والملل إن شاء الله.

وبهذا سيأخذ البحثتارة بعداً تاريخياً، وأخرى فقهياً، وثالثةً درائياً وحديثياً، وهكذا يتغيّر من شكل إلى آخر حَسَب الحاجة العلمية، وبذلك تكون هذه الدراسة مترابطة ومتجانسة بين أجزائها، للخروج بوجه فقهي يقبله الجميع، أو يحدّ من استقباحه عند من يراه بدعة، بدعوى أنّها لم تكن في النصوص الصادرة عن المعصومين، أو أنَّها زُجَّتْ في الدين لظروف خاصة.

ومن المؤسف أن غالب الشبهات المطروحة حول الشهادة الثالثة تدور مدار الجزئية وبتصور أنّا نأتي بها على أنّها جزء الأذان، في حين أن فقهاء الطائفة ومنذ

____________________

(١) انظر الصفحة ٢٧٩ من هذا الكتاب.

(٢) الاحتجاج ١: ٢٣١، من رواية القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم....

 

١٨

عصر السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى يومنا هذا يؤكدون على عدم جزئيتها، بل يأتون بها لمحبوبيتها، وأنّ الآتي بها للمحبوبية غير مأثوم، وأن فعلهم لم يكن بدعة كما يريد الآخرون تصويره، لكن الآخرين لا يريدون أن يقبلوا هذا الأمر أو تراهم يتناسوه في كلامهم، وإني في هذه الدراسة أريد أن أؤكد على وجه محبوبية هذا الأمر عندنا لا جزئيته، عسى أن أكون قد ساهمت في رفع بعض الشبهات المطروحة في هذا الصدد وسعيت في تحكيم هذا الصرح وتثبيت العقيدة.

وبما أنّ غالب البحوث المطروحة حول الشهادة الثالثة لم تشف غليلي ولم تف بمطلوبي - لأنّ فقهاءنا الأقدمين وحتى المعاصرين منهم لم يُولوا البحث الأهمية القصوى، ولم يفردوا له دراسة معمّقة مستقلة، ولم يدرسوا الروايات فيه دراسة شاملة، مكتفين ببعض التعليقات والتوضيحات، مع أنّهم قد كتبوا رسائل مستقلّة وبحوثاً مشبعة في مسائل دونها في الأهمية - رأيت أن أكتب دراسة مستقلّة وافية فيه؛ لأنّ بحثاً بهذه الأهمية لا يمكن الاكتفاء فيه ببعض الأسطر والتعليقات المتناثرة بين ثنايا الكتب، بل يجب أن يقف الواقف عنده وقفة فقيه متأمّل متدبّر، فلا يأخذ نصوص السابقين على ظاهرها، ويحكم بأنّ فلاناً منع من الشهادة الثالثة، أو أن فلاناً لا يستسيغها، أو أنّ ثالثاً يقول ببدعيّتها، دون دراسة للظروف التي كان يعيش فيها أولئك الفقهاء والمحدّثين، والأماكن التي كانوا يسكنون فيها، فإنّ مراعاة الزمان والمكان، والشروط المحيطة بالراوي، يساعد الفقيه على فهم شروط وظروف صدور النصّ عن الشيخ الصدوق والسيّد المرتضى، والشيخ الطوسي، وابن البراج، وأمثالهم (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين).

كما لابدّ من ملاحظة أنّ مبنى كلامهم: هل هو صدفة وأمر اجتهادي لا يجب اتّباعه، أم أنّه نصّ تعبدي شرعي يجب الإيمان والأخذ به؟

فالفقهاء يأخذون بإطلاق مرسلةالاحتجاج للطبرسي: (من قال محمد رسول

١٩

الله فليقل عليٌ أمير المؤمنين) مع أنّ الطبرسي متأخّر عن الشيخ الصدوقرحمه‌الله بعدّة قرون، ويتركون مرسلة الصدوقرحمه‌الله فيالفقيه الخاصّة بالأذان، والتي ذكر فيها الصيغ الثلاث للشهادة الثالثة، وكذا تراهم يتركون ما يمكن أن يستند عليه في الاستنباط من إقرار الإمام المعصوم مقرونة بسيرة المتشرعة.

كما أنّهم يجهدون أنفسهم لتصحيح الشهادة الثالثة بالعمومات، وقاعدة التسامح بأدلة السنن، والشعارية، ورجاء المطلوبية، في حين أن في حيازتهم روايات صحيحة دالة - بنحو من أنحاء الدلالة - على الولاية في الأذان بالخصوص كـ (حي على خير العمل) المصرَّح فيها من قبل الأئمّة على ذلك، كما في رواية الصدوق في(التوحيد) ، و(معاني الأخبار).

ألم يكن فيما رواه ابن أبي عمير فيالتوحيد ومعاني الأخبار عن الإمام الكاظم ما يفيدنا للاستدلال في الشهادة الثالثة؟ ألم يكن نص الصدوق فيالتوحيد ومعاني الأخبار أقدم من نصالاحتجاج تاريخياً، وأثبت منه روائياً؟ فلماذا يترك هذا النص و يؤخذ بمرسلةالاحتجاج ؟

إن هذه الأمور لم تبحث بشكلها الدقيق في كتب القدماء فضلاً عن كتابات فقهائنا المتأخّرين. وحتى متأخّري المتأخرين.

وأمّا كتابات العقود الخمسة الماضية، فهي الأُخرى لا تُسمن ولا تغني من جوع؛ لأن أغلب أولئك المؤلّفين اكتفوا بنقل فتاوى الأعلام دون ذكر أدلتهم.

نحن لا ننكر بأنّ الفتاوى كافية للمكلّفين، لكنّها لا تُرضي الباحثين والمحقّقين. نعم، صدر أخيراً كتابان يمكن أن تصنفا ضمن الكتابات المقبولة، لكنّ ذلك لا يدعو إلى وقف حركة البحث العلمي عند العلماء، لان التوسّع في هكذا دراسات يَفتح آفاق البحث العلمي عندهم، ويدعو الأساتذة والطلاب إلى الحركة والنشاط لكشف المجهول، و إثراء المكتبة الإسلامية بما يُحتاج إليه من

٢٠