أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان10%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156840 / تحميل: 12405
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.

قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.

فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية »(1) .

واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ »(2) . والشواهد على ذلك كثيرة

وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعليعليه‌السلام .

هـ : عقائد جاهلية وغريبة :

ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول

__________________

1 ـ الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 134.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 285 والاحتجاج ج 1 ص 402 والبحار ج 44 ص 70 والغدير ج 2 ص 133 عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 12. ونقل عن شرح النهج للآملي ج 18 ص 288 وعن أعيان الشيعة ج 4 ص 67.

٨١

ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :

تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل(1) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال(2) وقد أصبح ذلك من عقائدهم(3) .

ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب(4) . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي

__________________

1 ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج 2 ص 316.

2 ـ راجع : سنن البيهقي ج 8 ص 157 و 159 و 164 و ج 4 ص 115 و ج 6 ص 310. وصحيح مسلم ج 6 ص 17 و 20 ج 2 ص 119 و 122 وكنز العمال ج 5 ص 465 و ج 3 ص 168 و 167 و 170 والعقد الفريد ج 1 ص 8 و 9 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 329 ـ 335 و 339 ـ 344 ولباب الآداب ص 260 والدر المثور ج 2 ص 177 و178 و 176 ومقدمة ابن خلدون ص 194 والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص 417 وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج 5 ص 274 وطبقات الحنابلة ج 3 ص 58 و ص 56 ، والإبانة للأشعري ص 9 ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 323 ومسند أحمد ج 2 ص 28 و ج 4 ص 382 / 383 البداية والنهاية ج 4 ص 249 و 226 ومجمع الزوائد ج 5 ص 229 و 224 وحياة الصحابة ج 2 ص 68 و 69 و 72 و ج 1 ص 12 والإصابة ج 2 ص 296 والكنى والألقاب ج 1 ص 167 والاذكياء ص 142 و الغدير ج 7 ص 136 حتى ص 146 و ج 6 ص 117 و 128 و ج 9 ص 393 و ج 10 ص 46 و 302 و ج 8 ص 256 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 513 و 290 والسنة قبل التدوين ص 467 ونهاية الإرب ج 6 ص 12 و 13 ولسان الميزان ج 3 ص 387 و ج 6 ص 226 عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج 2 ص 102.

3 ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص 312 متناً وهامشاً.

4 ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص 166 وجامع بيان العلم ج 2 ص 148 و 149 و 150 وضحى الإسلام ج 3 ص 81 زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 340 و ج 12 ص 78 / 79 وقاموس الرجال ج 6 ص 36 ، والإمامة والسياسة ج 1 ص 183 والغدير ج 9 ص 34 و 95 و 192 و ج 5 ص 365 و ج 10 ص 333 و 245 و 249 و ج 7 ص 147 و 154 و 158 و ج 8 ص132 والإخبار الدخيلة ( المستدرك )

=

٨٢

ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف

ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر

قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن

__________________

=

ج 1 ص 193 و 197 ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص 271 و 249 وأنيس الأعلام ج 1 ص 279 و 257 والتوحيد وإثبات صفات الرب ص 82 و 80 و 81 ومقدمة ابن خلدون ص 143 و 144 والإغاني ج 3 ص 76 ، وتأويل مختلف الحديث ص 35 والعقد الفريد ج 1 ص 206 و ج 2 ص 112 وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 445 وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص 43 حتى 49 عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص 904 وربيع الأبرار ج 1 ص 821 والموطأ ج 3 ص 92 و 93 وطبقات ابن سعد ج 7 ص 417 و ج 5 ص 148 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 265 و 83 /84 ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 67 ومناقب الشافعي ج 1 ص 17 والبخاري ج 8 ص 208 وفي خطط المقريزي ج 3 ص 297 : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر وحياة الصحابة ج 2 ص 12 و 95 و 94 و 330 و ج 3 ص 229 و 487 و 492 و 501 و 529 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 3 ص 138 / 139 و ج 8 ص 208 و ج 1 ص 86. وصحيح مسلم ج 2 ص 86 وأبي داود ج 2 ص 16 والترمذي ج 1 ص 202 وابن ماجة ج 1 ص 209 وسنن البيهقي ج 9 ص 50 و ج 6 ص 349 ومسند أحمد ج 5 ص 245 ومجمع الزوائد ج 6 ص 3 و ج 1 ص 135 والطبري في تاريخه مقتل برير و ج 4 ص 124 و ج 3 ص 281 والبداية والنهاية ج 7 ص 79. انتهى.

والمعتزلة ص 7 و 87 و 39 / 40 و 91 و 201 و 265 عن المصادر التالية : المنية والأمل ص 12 وعن الخطط ج 4 ص 181 / 182 و 186 والملل والنحل ج 1 ص 97 / 98 والعقائد النسفية ص 85 ووفيات الأعيان ص 494 والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 3 ص 45 عن الطبري ج 6 ص 33 و ج 3 ص 207 وعن الترمذي ص 508 في رسالة عمر بن عبد العزيز

والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.

٨٣

التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك »(1) .

وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.

ومعنى هذا هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.

بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب(2) .

وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت »(3) .

بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى(4) كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً(5)

و : قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذا كله فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفضيل الخليفة عليه بل وسلب معنى العصنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشر يرضى

__________________

1 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص 204.

2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 232 وراجع : تاريخ الخلفاء ص 246 وراجع ص 223.

3 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 70.

4 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 73 وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 115.

5 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 72.

٨٤

ويغضب(1)

بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء(2)

كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم(3)

إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أراده فليراجعه.

ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.

ز : تولية المفضول :

ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع

__________________

1 ـ راجع : سنن الدرامي ج 1 ص 125 وجامع بيان العلم ج 1 ص 85 وليراجع ج 2 ص 62 و 63 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 104 / 105 وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج 3 /318 والزهد والرقائق ص 315 والغدير ج 11 ص 91 و ج 6 ص 308 و 309 والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 34 و 35 و ج 11 ص 237 وإحياء علوم الدين ج 3 ص 171 وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم وغير ذلك كثير.

2 ـ الغدير ج 6 ص 309 عن عمدة القاري ج 7 ص 143 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).

3 ـ الموفقيات ص 577 ومروج الذهب ج 3 ص 454 وشرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 129 و 130 وقاموس الرجال ج 9 ص 20.

٨٥

وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر(1) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ(2) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً

ح : سياسة التجهيل :

وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن »(3) !!

وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياًعليه‌السلام لايصلي(4) .

__________________

1 ـ الغدير ج 7 ص 131 عن السيرة الحلبية ج 3 ص 386. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص 195 إشارة إلى ذلك..

2 ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59.

3 ـ مروج الذهب ج 3 ص 38.

4 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 30 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 313 والفتوح لابن اعثم ج 3 ص 196 وصفين ليصر بن مزاحم ص 354 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 36 والغدير ج 10 ص 122 و 290 عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 184 وترجمة الإمام عليعليه‌السلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج 3 ص 99 ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج 38 حديث رقم 1139. وراجع : المعيار والموازنة ص 160.

٨٦

وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة »(1) .

قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.

ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه(2) .

وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه »(3) .

وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرثونه غير بني أمية

__________________

1 ـ أنساب الأشراف ج 5 ص 43 ، والغدير ج 9 ص 32. وليراجع البداية والنهاية ج 7 ص 165.

2 ـ المعيار والموازنة ص 19.

3 ـ المصنف ج 11ص 334.

٨٧

بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل(1) .

وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم »(2) .

وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة(3) .

وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة »(4) .

وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا :( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».

قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر(5) .

وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها

__________________

1 ـ مروج الذهب ج 3 ص 32 والغدير ج 10 ص 196 عنه.

2 ـ الفخري في الآداب السلطانية ص 112 والعقد الفريد ج 3 ص 373 مع تفاوت يسير.

3 ـ الغدير ج 8 ص 304 عن ابن أبي الحديد.

4 ـ الأمالي للشيخ المفيد ص 122.

5 ـ حياة الصحابة ج 3 ص 260 عن كنز العمال ج 1 ص 228 عن ابن جرير.

٨٨

معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها »(1) .

والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق(2) !!

ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع(3) .

وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه(4) .

وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً »(5) .

وحينما أرسل عليعليه‌السلام إلى معاوية كتاباً فيه :

محمـد النبـي أخـي وصهـري

وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي

الأبيات

__________________

1 ـ العقد الفريد ج 2 ص 112 وبلاغات النساء ص 104 ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.

2 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 50.

3 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.

4 ـ أخبار الموفقيات ص 332 ـ 334 وليراجع الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59 في قضية أخرى.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 57 والإمام الحسن بن عليعليه‌السلام لآل يس ص125 ، والنصائح الكافية ص 72.

٨٩

« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب »(1) .

وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً(2) .

عليُّ عليه‌السلام يبثّ العلم والإيمان :

ولكن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.

ط : موقفهم من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.

المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،

ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

__________________

1 ـ البداية والنهاية ج 8 ص 8 و9.

2 ـ النصائح الكافية ص 72 / 73 /74.

3 ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج 1 ص 42 و 65 و 77 و ج 2 ص 173 و 174 و 135 و 203 و 147 و 159 و 141 و 148 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 و 262 و 325 و 377 و ج 10 ص 381 وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة

٩٠

..................................................................................

____________

=

قبل التدوين ص 97 / 98 و 91 و 103 و 113 و 92 و 104 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5 و 7 و 6 و 8 و 3 / 4 وشرف أصحاب الحديث ص 88 و 89 و 91 و 92 و 87 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 273 وكنز العمال ج 5 ص 406 عن التيهقي و ج 10 ص 179 و 174 و 180 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وتأويل مختلف الحديث ص 48 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 248 و 427 حتى 432 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 2 و ج 4 قسم 1 ص 13 ـ 14 و ج 3 قسم 1 ص 306 و ج 5 ص 140 و 70 و 173 ، و ج 2 قسم 2 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 61 وأضواء على السنة المحمدية ص 47 و54 و 55 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 64 و 61 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 2 ص 196 وحياة الصحابة ج 2 ص 82 و 569 و 570 و ج 3 ص 257 و 258 و 259 و 272 و 273 و 252 و 630 عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج 8 ص 106 و 107 وتقييد العلم ص 50 و 51 و 52 و 53 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 102 و 110 وتاريخ الخلفاء ص 138 عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج 1 ص 499 حتى 501 ومسند أحمد ص 157 و ج 4 ص 370 و 99 و ج 3 ص 19 والدر المنثور ج 4 ص 159 ووفاء الوفاء ج 1 ص 488 و 483 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 114 وحلية الأولياء ج 1 ص 160 ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص 138 والمجروحون ج 1 ص 35 / 36.

ونقل أيضاً في الغدير ج 6 ص 294 حتى 302 و 265 و 263 و 158 و ج 10 ص 351 و 352 عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج 2 ص 227 وابن الشحنة بهامشه ج 7 ص 176 وفتوح البلدان ص 53 وصحيح البخاري ط الهند ج 3 ص 837 وسنن أبي داود ج 2 ص 340 وصحيح مسلم ج 2 ص 234 كتاب الأدب انتهى.

ونقله في النص والاجتهاد ص 151 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 5 ص 239 رقم 4845 و 4860 و 4865 و 4861 و 4862 والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 120 والمعتصر من المختصر ج 1 ص 459 وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص 248 والتاج المكلل ص 265 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 7 ص 127.

ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص 29 ، والمحدث الفاصل ص 133 والبخاري بحاشية السندي ج 4 ص 88 وصحيح مسلم ج 3 ص 1311 و 1694 والموطأ ج 2 ص 964 ورسالة الشافعي ص 435 ومختصر جامع بيان العلم

٩١

ي ـ تشجيع القصاصين ورواية الإسرائيليات :

مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.

وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك(1) .

ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم(2) حتى إن أبا

__________________

=

ص 32 و 33. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..

1 ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج 2 ص 224 حتى 227 و 238 و 338 و 345 و 325 و 326 و 327 وأضواء على السنة المحمدية ص 124. حتى 126 و 145 حتى 192 وشرف أصحاب الحديث ص 14 و 15 و 16 و 17 وفجر الإسلام ص 158 حتى 162 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 34 حتى 37 والزهد والرقائق ص 17 و 508 وتقييد العلم ص 34 وفي هامشه عن حسن التنبيه ص 192 وعن مسند أحمد ج 3 ص 12 و 13 و 56. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج 2 ص 50 و 53 ، ومجمع الزوائد ج 1 ص 150 و151 و 191 و 192 و 189 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 109 و 110 وهوامشه ومشكل الآثار ج 1 ص 40 و 41 والبداية والنهاية ج 1 ص 6 و ج 2 ص 132 و 134 وكشف الأستار ج 1 ص 120 و 122 و 108 و 109 وحياة الصحابة ج 3 ص 286.

2 ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج 1 ص 26.

بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج 2 ص 175 203 وراجع ص 194 و 174 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 62 وسنن الدرامي ج 1 ص 61 والتراتيب اللإدارية ج 2 ص 367 و 368 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 179 ط ليدن و 258 ط صادر وكنز العمال ج 10 ص 185 عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 301 وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج 1 ص 83.

بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 54 وحياة الصحابة ج 2 ص 390 / 391 عنه

٩٢

موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر(1) .

أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر(2) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ك : لا خير في الإمارة لمؤمن :

وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.

وقد رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن(3) .

__________________

1 ـ مسند أحمد ج 4 ص 393 وفي ص 372 يمتنع أنس عن الحديث.

2 ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة 35 ج 3 ص 426 ومروج الذهب ج 2 ص 321 و 322 وراجع مستدرك الحاكم ج 3 ص 120 و ج 1 ص 110 وكنز العمال ج 10 ص 180 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 20 ص 20 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 317 و 334 و 365 وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص 208 و 209 والفتنة الكبرى ص 17 و 46 و 77 وشرف أصحاب الحديث ص 87 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 135 و ج 2 قسم 2 ص 100 و 112 وحياة الصحابة ج 2 ص 40 و 41 و ج 3 ص 272 و 273 عن الطبري ج 5 ص 134 وعن كنز العمال ج 7 ص 139 و ج 5 ص 239.

وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.

3 ـ البداية والنهاية ج 5 ص 83 ومجمع الزوائد ج 5 ص 204 عن الطبراني. وحياة الصحابة ج 1 ص 198 / 199 عنهما وعن كنز العمال ج 7 ص 38 وعن البغوي وابن

=

٩٣

وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.

وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر(1) .

ل : أينعت الثمار واخضرّ الجناب :

وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة

ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.

بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(2) .

بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول

__________________

= عساكر وغيرهما.

1 ـ الفائق للزمخشري ج 3 ص 215 و ج 2 ص 445 والنصائح الكافية ص 175 ولسان العرب ج 13 ص 346 و ج 11 ص 452. والاشتقاق ص 179.

2 ـ راجع الصحيح من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج 1 ص 27 ـ 30 بالإضافة إلى : المصنف ج 2 ص 63و مسند أبي عوانة ج 2 ص 105 والبحر الزخار ج 2 ص 254 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 260 ومسند أحمد ج 4 ص 428 و 429 و 432 و 441 و 444 والغدير ج 8 ص 166 ، وراجع أيضاً مروج الذهب 3 ص 85 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 62.

٩٤

لأحكام ومثلها من أصول السنن(1) الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين(2) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها(3) .

وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل »(4) .

بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك »(5) .

ويقول المعتزلي الشافعي عن عليعليه‌السلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين

__________________

1 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 419 وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 243.

2 ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج 1 ص 414 ، ولسان الميزان ج 3 ص 405 وتذكرة الحفاظ ج 2 ص 641 و 430 و 434 و ج 1 ص 254 و 276.

وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.

والتراتيب الإدارية ج 2 ص 202 حتى ص 208 و 407 و 408.

3 ـ راجع لسان الميزان ج 3 ص 405 و ج 5 ص 228 والفوائد المجموعة ص 246 و 427 وتاريخ الخلفاء ص 293 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 96 وميزان الاعتدال ج 1 ص 572 و 406 و 509 و 316 و 321 و 12 و 17 و 108 و 148 والكفاية للخطيب ص 36 و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج 1 ص 156 و 185 و 155 و 142 و 96 و 63 و 62 و ص 65 حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج 2 ص 189 و 163 و 138 و ج 3 ص 39 و 63.

4 ـ حياة الصحابة ج 1 ص 505 عن كنز العمال ج 5 ص 114 وعن معاني الآثار للطحاوي ج 1 ص 27.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 83.

٩٥

تحريمه. وقد قالعليه‌السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب »(1) انتهى.

ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.

كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة »(2) .

كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها(3) .

ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك »(4) .

وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.

ماذا بعد أن تمهد السبيل :

وبعد هذا فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق

__________________

1 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 28.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 84.

3 ـ المصنف ج 2 ص 433.

4 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 194.

٩٦

الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.

كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.

كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.

أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ(1) .

ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.

وعلي عليه‌السلام ماذا يقول :

هذا ولكننا نجد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفضعليه‌السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد

__________________

1 ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ج 1 ص 26 / 27 متناً وهامشاً.

٩٧

طردعليه‌السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

وقد رووا عنه : أنهعليه‌السلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره(2) .

كما أنهعليه‌السلام يقول :

« من يشتري منا علماً بدرهم؟ قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».

وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً »(3) .

وعن عليعليه‌السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس(4) .

وعنهعليه‌السلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه »(5) . ومثل ذلك كثير

__________________

1 ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص 28 وراجع كنز العمال ج 10 ص 171 و 172 و122.

2 ـ تقييد العلم ص 89 و 90 وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي 1 : 3 ».

3 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 259 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 116 ط ليدن و ص 68 ط صادر وتاريخ بغداد ج 8 ص 357 وكنز العمال ج 10 ص 156 وتقييد العلم ص 90 وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة 10 والمحدث الفاصل ج 4 ص 3.

4 ـ كنز العمال ج 10 ص 189.

5 ـ كنز العمال ج 10 ص 129 ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).

٩٨

عنهعليه‌السلام (1) .

والإمام الحسن عليه‌السلام أيضاً :

وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته »(2) .

ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم »(3) .

ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :

وطبيعي بعد ذلك كله وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة

__________________

1 ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج 10 كتاب العلم

2 ـ تقييد العلم ص 91 ونور الأبصار ص 122 وكنز العمال ج 10 ص 153 وسنن الدرامي ج 1 ص 130 وجامع بيان العلم ج1 ص 99 ، والعلل ومعرفة الرجال ج 1 ص 412 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227 وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج 6 ص 399 ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار 12 عن عليعليه‌السلام وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج 2 ص 246 / 247 عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.

3 ـ تقييد العلم ص 91.

٩٩

الاحترام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :

1 ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب »(1) .

2 ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إجماع الناس »(2) .

3 ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(3) .

4 ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى ولو كان صحيحاً »(4) .

ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً(5) .

__________________

1 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 366.

2 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 367 ، وراجع ص 450.

3 ـ مجموعة المسائل المنيرية ص 32.

4 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 251 / 255 ومالك ، لأبي زهرة ص 290.

5 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 254 / 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص 214.

١٠٠

 معتمدة(١) .

وقال في ترجمة إبراهيم بن إسحاق الأحمري: كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه، وصنّف كتباً جماعة، قريبة من السداد(٢) .

وقال عن حفص بن غياث القاضي: عامّيّ المذهب، له كتاب معتمد(٣) .

وقال عن طلحة بن زيد: عاميّ المذهب إلاّ أنّ كتابه معتمد(٤) .

علي بن الحسن الطاطري: كان واقفياً شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية، وله كتب كثيرة في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم(٥) .

وقال النجاشي: الحسين بن عُبيد الله السعدي، ممّن طعن عليه ورمي بالغلوّ، له كتب صحيحة الحديث(٦) .

قال الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة السادسة منخاتمة كتابه « وسائل الشيعة » وعند كلامه عن صحّة أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها والتي اعتمدها الأصحاب على ما فيها: ومثله يأتي في رواية الثقات الأجلاء كأصحاب الإجماع ونحوهم عن الضعفاء، والكذَّابين، والمجاهيل، حيث يعلمون حالهم، و يروون عنهم، و يعملون بحديثهم، و يشهدون بصحته...(٧) .

فانظر إلى عمل الطائفة فإنّهم يعملون بأخبار هؤلاء الأشخاص وأمثالهم مع أنّهم ممّن ينتحلون المذاهب الفاسدة، وأنّهم في غاية البعد عنّا، وأنّا مأمورون

____________________

(١) الفهرست: ٣٢.

(٢) الفهرست: ٣٩ / ت ٩.

(٣) الفهرست: ١١٦ / ت ٢٤٢.

(٤) الفهرست: ١٤٩ / ت ٣٧٢.

(٥) الفهرست: ١٥٦ / ت ٣٩٠.

(٦) رجال النجاشي: ٤٢ / ت ٨٦.

(٧) وسائل الشيعة ( الخاتمة ) ٣٠: ٢٠٦.

١٠١

 بالتنفرّ والتباعد عنهم، قال الشيخ الحر العاملي فيالخاتمة عن الواقفة:

وأمّا هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وخصوصاً الواقفة، فإنّ الإماميّة كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم، حتى إنّهم كانوا يسمونهم (الممطورة) أي الكلاب التي أصابها المطر، وأئمتناعليهم‌السلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم، و يأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة و يقولون: إنّهم كفار، مشركون، زنادقة، و إنّهم شرّ من النواصب، و إن من خالطهم فهو منهم. وكتب أصحابنا مملوءة بذلك كما يظهر لمن تصفّح كتاب الكشّي وغيره(١) .

و إنّك لو تأملت في تعليل القميّين لمن أقصوا من المحدّثين فلا تراهم يتّهمونهم لروايتهم الأحاديث الموضوعة، بل للرواية عن الضعفاء فيما يقولون، أو بسبب الرواية عن أهل المذاهب الفاسدة، أو بسبب رواية المراسيل، وهناك فرق بين الأمرين لا يخفى على العالم البصير.

* قال ابن الغضائري في أحمد بن محمد بن خالد البرقي: طعن القمّيّون عليه، وليس الطعن فيه إنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار(٢) ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن قمّ ثم أعاده إليها واعتذر إليه(٣) .

وقال النجاشي عنه: أصله كوفي وكان جدّه محمد بن علي حبسه يوسف بن عمر (والي العراق) بعد قتل زيدعليه‌السلام ثم قَتَلَه، وكان خالد صغير السن فهرب مع أبيه عبد الرحمن إلى برق روذ، وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد

____________________

(١) وسائل الشيعة ( الخاتمة ) ٣٠: ٢٠٤.

(٢) أي أنّه لم يتبع منهج القميين في الأخذ بالأخبار.

(٣) رجال ابن الغضائري: ٣٩ / ت ١٠.

١٠٢

 المراسيل(١) ، وقريب من هذا تراه فيالفهرست للشيخ الطوسي(٢) .

وقال ابن داوود الحلي: أقول: وذكرته في الضعفاء لطعن ابن الغضائري فيه، و يقوى عندي ثقته، مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً تنصُّلاً ممّا قذفه به(٣) .

وقال العلاّمة فيالخلاصة : وجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن خالد، ولمّا توفّي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبّرئ نفسه ممّا قذفه به، وعندي أنّ روايته مقبولة(٤) .

فابنُ الغضائري لم يطعن فيه، بل ردَّ الطعن إلى طعن القمّيّين عليه، ثم ردّ ذلك بأنّ الطعن ليس فيه بل في من يروي عنه، وقد فعل مثل ذلك ابن داوود؛ إذ لم يذكره في الضعفاء إلاّ من أجل طعن ابن الغضائري، ولم يعبأ به لأنّه معلوم المستند عن القمّيّين.

هذا، وقد وقع البرقي في طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح(٥) ، والحارث بن المغيرة النصري(٦) ، وحفص بن غياث(٧) ، وحكم بن حكيم(٨) ، وليس لهذا معنى إلاّ افتراض اعتراف القمّيّين العملي ومنهم الشيخ الصدوققدس‌سره بأنّ منهجهم كان بشكل عام شديداً، وفي شأن البرقي بنحو خاص.

إذن الرواية عن الضعفاء واعتماد المراسيل ليسا قدحاً في الراوي أو الرواية؛ إذ

____________________

(١) رجال النجاشي: ٧٦ / ت ١٨٢.

(٢) الفهرست: ٦٢ / ت ٦٥.

(٣) رجال ابن داوود: ٤٣ / ت ١٢٢، وانظر رجال بحر العلوم ١: ٣٤٥ - ٣٤٧.

(٤) خلاصة الأقوال: ٦٣ / ت ٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٤: ٤٤٢ ( المشيخة ).

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤: ٤٥٦ ( المشيخة ).

(٧) من لا يحضره الفقيه ٤: ٤٧٣ ( المشيخة ).

(٨) من لا يحضره الفقيه ٤: ٤٢٨ ( المشيخة ).

١٠٣

جرت سيرة المحدّثين من الفريقين في الأخذ بالحديث المرسل والضعيف، وكذلك رواية أهل المذاهب الإسلامية الفاسدة بشرط الاعتماد.

وقد روى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري نفسه عن عدّة من الضعفاء، فقد روى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد(١) .

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى، عنه، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد، عن ربعي(٢) .

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى، عنه، عن بكر بن صالح، عن الجعفري(٣) .

وهذا يعني عدول القميّين عن منهجهم المتشدّد؛ وذلك لعلمهم وهم العلماء الجهابذة بأن الحديثَ الضعيفَ غيرُ متروك لوجود احتمال تصحيحه بالشواهد والمتابعات والقرائن الأخرى، وهذا معناه أنّ منهج القميين في مجال الأخبار كان شديداً في عصر من العصور، وهو ما يجعلنا نتوقّف في أحكامهم على الرواية والرواة.

وأني أثناء البحث لفت انتباهي شيء، وهو خلاف ما أعرفه عن أحمد بن محمد البرقي وأنّه من أصحاب الجواد والهاديعليهما‌السلام كما هو المصرح عند الشيخ فيرجاله (٤) ، لأنّ الصدوق روى في كتابالتوحيد : حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله، قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي

____________________

(١) الكافي ١: ٥٩، باب الرد إلى الكتاب والسنة / ح ١.

(٢) الكافي ٢: ٤٢٧، باب الاعتراف بالذنوب / ح ٧.

(٣) الكافي ٦: ٣٣٨، باب ألْبَان الإبل / ح ١، وانظر ج ٦: ٣٨٠ باب فضل الماء / ح ١.

(٤) رجال الشيخ: ٣٧٣ / الرقم ٥٥٢١، و ٣٨٢ / الرقم ٥٦٤٥.

١٠٤

عبد الله في قول الله عزّ وجلّ:( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا... ) الخبر(١) .

إذ إنّ رواية والده محمد بن خالد غير ثابتة عن الصادق(٢) فضلاً عن رواية ابنه أحمد، مع أنّ أباه محمد بن خالد هو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد(٣) .

إذن أحمد بن محمد لا يمكنه أن يروي عن الصادق ( المتوفّى ١٤٨ )، لأنّه توفي ٢٧٣ هـ حسبما حكاه أحمد بن الحسين، أو ٢٨٠ هـ حسبما قاله ماجيلويه، فهو قطعاً مات قبل أحمد بن عيسى الأشعري؛ لأن الأشعري هذا مشى في جنازة أحمد البرقي، وهو متوفَّى في أواخر القرن الثالث الهجري يقيناً، وهذا مما يوجب الوهنَ فيما رواه الصدوق، والحكمَ بالإرسال عليه، إن كان هو ذلك البرقي المعروف، و إلاّ فلا.

فالقمّيّون يجرحون من يروي عن المجاهيل و يعتمد المراسيل، وهنا الشيخ الصدوق روى المراسيل، حسبما يحتمل في إسناد كهذا.

إذن فالرواية عن الضعفاء لا يمكن عدها طعناً، بل إنّه المنهج المتّبع عند جميع المحدّثين قديماً وحديثاً، إلاّ ما شاهدناه عند أهل قمّ في العصور الأُولى حيث كانوا يلزمون الآخرين بالأخذ بمعاييرهم وترك غيرها، مع أنّ للمحدّث أن يروي الحديث الضعيف لا الموضوع وهو ما يمكن الاستفادة منه في الشواهد والمتابعات.

____________________

(١) التوحيد، للصدوق: ٣٥١ / ح ١٦.

(٢) هناك رواية فيالروضة من الكافي ٨: ١٨٣ ح ٢٠٨: علي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد بن خالد عن أمية عن أبي عبد الله قوله تعالى: ( وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) ( بمحمد ) ، قال:هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد .

(٣) رجال الشيخ: ٣٤٣ / الرقم ٥١٢١، ٣٦٣ / الرقم ٥٣٩١، ٣٧٧ /الرقم ٥٥٨٥، وانظررجال البرقي في أصحاب الكاظم والرضا والجوادعليهم‌السلام .

١٠٥

منهج القميين الالتزام والتبرير

في الحقيقة يمكننا أن نبرّر للقميّين ما اتّخذوه من مواقف ضدّ بعض المحدّثين، لأنّ الشيعة في الغيبة الصغرى وما بعدها كانوا يعيشون تحت هجومَين:

الهجوم العسكري المتمثّل بالحكومة العباسية.

والهجوم العلمي بقسميه:الداخلي والخارجي .

فالهجوم العلمي الداخلي هو الهجوم من داخل المجموعة الشيعية، أعني من قبل الزيدية، والإسماعيلية، ومن أنصار الشلمغاني، والحلاج، والقرامطة، وما كانوا يطرحونه من أفكار.

والهجوم العلمي الخارجي هو الهجوم من خارج المجموعة كشبهات وأفكار القدرية والمرجئة والزنادقة.

فالقميّون، ولحساسية المرحلة التي كانوا يعيشون فيها، أرادوا تحصين المعرفة الإسلامية الخالصة حتّى لا تكون عرضةً للتلويث، وذلك بالضغط على المحدّثين.

ومما يمكن قوله بهذا الصدد هو: أنّ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري قد يكون طرد البرقيَّ لا لروايته عن الضعفاء ولا لشيء آخر مما ذكر آنفاً، بل لِما كان يحيط به من أُمور سياسية والتي أوضحنا بعضها سابقاً، وأنّه كان يريد غلق الأبواب التي يريدها أعداء الفكر الشيعي من مثل الشلمعاني وغيره، حيث كان هؤلاء يريدون الطعن في الإسلام وتشويه حقيقة التشيّع الصحيحة بواسطة الموضوعات والمكذوبات. وقد لا نغالي إذا قلنا بأنّ الشيخ الطوسيقدس‌سره لو كان يعيش في قمّ تحت وطأة تلك الظروف التي رزح تحتها أحمد بن محمد بن عيسى أو الشيخ الصدوقرحمهما‌الله لما وسعه إلاّ التشدد؛ حفظاً على أحاديث المعصومينعليهم‌السلام من التحريف والدّس.

وعليه، فالرواية عن الضعفاء واعتماد المراسيل ليست طعناً في الراوي ولا في الرواية؛ لجريان سيرة المحدثين بنقل تلك الروايات وإمكان تصحيحها بشواهد ومتابعات من روايات أُخرى، وهذا مما لا يخفى على مثل أحمد بن محمد بن

١٠٦

عيسى الأشعري.

فما يقوله المحدث: حدثني فلان، لا يعني تصديقه لمن أخبره فيما يقول، أو أنّه ملتزمٌ بما رواه، بل غاية الأمر هو نقل قوله دون القبول أو الجرح، وهذا جانب آخر، والبحث فيه له مجال ثان، فهو من قبيل قول الله سبحانه:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) .

وكذا الحال بالنسبة إلى اعتماد المراسيل؛ فإن أُريد العمل بها فتلك وظيفة الفقيه لا المحدّث، وإن أُريد نقله للرواية دون إسناد فهذا قد فعله الكثير من المحدّثين في مجاميعهم الحديثية، ولا يعتبر ذلك جرحاً لهم حسب قواعد الصناعة المتعارفة عند المحدّثين.

وبذلك نخلص من مجموع ما قلناه: أنّ القميّين من جهة ابتعادهم عما يجري في العراق والحركة العقلية فيها كانوا يفتقرون للمعايير العلمية الدقيقة للتعامل مع الرواية والراوي، ومثل هذا الأمر يدعو الباحث للوقوف كثيراً أمام أحكامهم في هذا الشأن، ذلك لأنّ ما فعلوه بالبرقي لمجرّد روايته عن الضعفاء، مخالفٌ في المبدأ لطريقة كلّ علماء الحديث في أُمة الإسلام؛ فالحديثُ الضعيف لا يسوغ تركه لمجرّد ضعفه عند علماء الأُمة، لاحتمال اعتباره بشاهد مثله يرفعه إلى درجة الحجّية، وهذه النقطة كسابقتها تشكّكنا بحكم القميّين على الرواية والراوي، كما أنّهما ناهضتان للتشكيك بسلامة حكم الشيخ الصدوقرحمه‌الله على أخبار الشهادة الثالثة بالوضع، و يمكن أن يكون ذلك تسرعاً أو تشدداً منه. غير متناسين ما قلناه عن تشدد القميين بأنّه كان لغلق الأبواب بوجه المغرضين.

وعليه فتشدد القميين أما لابتعادهم جغرافياً عن الحركة العقلية في العراق أو خوفاً من استغلال الجاهلين لبعض الحقائق التي لا تدركها أفهام عامة الناس.

 

١٠٧

٣ - الغلو عند القميين، نقل الفضائل أم ترك الضروريات؟

هناك رؤيتان عند الفقهاء والرجاليين، فالبعض منهم كالوحيد البهبهاني يعتقد بأنّ القمّيّين كانوا يرمون الآخرين بالغلوّ لنقلهم المعاجز والكرامات العالية للأئمّة بحيث ينتزع من بعضها رائحة الغلوّ، في حين لم يكن الأمر كذلك عند السَّبْرِ والتحقيق.

وذهب فريق آخر منهم إلى أنّ معيار الغلوّ عند القميّين هو ترك الفرائض والضروريّات، كالصلاة والزكاة، لقول الغلاة إنّ معرفة الإمام تكفي عن العمل ولا داعي للإتيان بالواجبات لو عرفنا الإمام حقَّ معرفته، ومثّلوا لذلك بما فعله أهل قمّ مع محمّد بن أورمة، الّذي امتحنوه بالصلاة، وكذا امتُحِنَ المفضّل بن عمر بالصلاة(١) ، وعنون الكشي جمعاً من الغلاة كان من بينهم علي بن عبد الله بن مروان وقال إنّه سأَلَ العياشيَّ عنهم، فقال: وأمّا علي بن عبد الله بن مروان، فإنّ القوم [ يعني الغلاة ] تُمتَحَنُ في أوقات الصلوات، ولم أحضره وقت صلاة(٢) .

وإليك الآن بعض النصوص عن الفريقين:

* قالالوحيد البهبهاني فيتعليقاته على منهج المقال :

اعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء سيما القمّييّن منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمّةعليهم‌السلام منزلةً خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي عنها ارتفاعاً وغلوّاً على حسب معتقدهم، حتّى إنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهمعليهم‌السلام غلوّاً، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الذي اختُلف فيه، أو المبالغة في معجزاتهم، ونقل العجائب من خوارق العادات

____________________

(١) إكليل المنهج في تحقيق المطلب للكرباسي: ٣٨١، وانظر الكشي كذلك.

(٢) رجال الكشي ٢: ٨١٣ / الرقم ١٠١٤، وانظر قاموس الرجال ١: ٥١ للتستري.

 

١٠٨

عنهم، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به، سيّما من جهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مُدَلَّسين.

وبالجملة: الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصولية أيضاً، فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك.

وربّما كان منشأُ جرحهم بالأُمور المذكورة وجدانَ الرواية الظاهرة فيها منهم كما أشرنا آنفاً أو ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم، أو روايتهم عنه. وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه، إلى غير ذلك.

فعلى هذا ربّما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة....

إلى أن يقولرحمه‌الله :

وللتفويض معان، بعضها لا تأمّل للشيعة في فساده، وبعضها لا تأمّل لهم في صحّته، وبعضها ليس من قبيلهما، والفساد كفراً كان أو لا، ظاهر الكفرية أو لا... ثم ذكر الأقسام السبعة للتفويض(١) .

وقالالمامقاني فيمقباس الهداية عند كلامه عن الفرق الضالّة من الغلاة:

ولكن لا يخفى عليك أنّه قد كثر رمي رجال بالغلو، وليسوا من الغلاة عند التحقيق، فينبغي التأمّل للاجتهاد في ذلك، وعدم المبادرة إلى القدح بمجرّد ذلك، ولقد أجاد المولى الوحيد حيث قال ثم أتى بمقاطع من كلامهرحمه‌الله ثمّ قال:

فظهر أنّ الرّمي بما يتضمّن عيباً فضلاً عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الأخذ به بمجرّده، بل لا يجوز؛ لما في ذلك من المفاسد الكثيرة العظيمة، إذ لعلّ الرّامي قد اشتبه في اجتهاده، أو عوّل على من يراه أهلاً في ذلك، وكان مخطئاً في اعتقاده،

____________________

(١) راجع تعليقة الوحيد ( منهج المقال ) ١: ١٣٠ - ١٣٢، والفوائد الرجالية: ٣٨ - ٤٢.

١٠٩

أو وجد في كتابه أخباراً تدلّ على ذلك وهو بريء منه ولا يقول به، أو ادّعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنّه منهم وهو كاذب، أو روى أخباراً ربّما تُوهِمُ من كان قاصراً أو ناقصاً في الإدراك والعلم أنّ ذلك ارتفاع وغلوُّ وليس كذلك، أو كان جملة من الأخبار يرويها ويحدّث بها ويعترف بمضامينها ويصدّق بها من غير تحاش واتّقاء من غيره من أهل زمانه، بل يتجاهر بها، لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمي(١) .

هذا خلاصة الرأي الأوّل.

* أمّا الرأي الثاني، فهو القائل بأنّ الغلوَّ عند القميّين هو ترك الضروريّات أو الإفراط فيها، ولأجله تراهم يهمّون بقتل محمد بن أورمة، و يأمرون بعدم الأخذ عن سهل بن زياد الآدمي، إلى غير ذلك، إذ الهمّ بالقتل وطرد المؤمن، والأمر بعدم الأخذ عنه، كلّها من الأمور الجارحة والّتي يجب أن يكون لها مستند شرعي، والقمّيّون هم أهل الورع والتُّقى، وخصوصاً مشايخهم كأحمد بن محمد بن عيسى الأشعريرحمه‌الله ، فلا يمكن حمل عملهم إلاّ على عدم اعتقاد الآخر بالضروريات، لأنّ الإفراط في حبّ آل محمد كان متفشّياً عند الشيعة في قمّ وغيرها، وخصوصاً بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام حيث ادّعى البعض منهم أنّ الإمام الحسين لم يقتل بل شُبِّه لهم ذلك(٢) وغلت طائفة أُخرى في أخيه محمد بن الحنفية وقالت فيه إنّه لم يمت بل غاب في جبل رضوى، وإنّه سيظهر لاحقاً(٣) .

وقد أكد الإمام زين العابدين لشيعته لزوم رعاية الاعتدال في طرح أفكار كهذه

____________________

(١) مقباس الهداية ٢: ٣٩٧ - ٤٠٢.

(٢) بحار الأنوار ٤٤: ٢٧٠/ ح ١، عن علل الشرائع ١: ٢٢٧ / باب ١٦٢ / ح ١، وانظر الاحتجاج ٢: ٢٨٣.

(٣) وهو قول « الكربية » أصحاب « أبو كرب الضرير »، وهي فرقة من فرق الكيسانية، ( الفرق بين الفرق: ٢٧، مقالات الإسلاميين: ١٩ ).

١١٠

فقالعليه‌السلام : يا معشر أهل العراق، يا معشر أهل الكوفة، أحبّونا حب الإسلام ولا ترفعونا فوق حقّنا(١) .

وفي آخر عنهعليه‌السلام : إنّ قوماً من شيعتنا سيحبّونا حتّى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم، فلا هم منّا ولا نحن منهم(٢) .

وقد تحقّق بالفعل ما تنبّأ به الإمام، ففشت ظاهرة الغلوّ والكذب على الأئمّة بعد واقعة كربلاء، فعن الإمام الرضا أنّه قال: كان بيان بن سمعان يكذب على علي بن الحسين، والمغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر ] الباقر [، ومحمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى، وأبو الخطّاب يكذب على أبي عبد الله ] الصادق [، فأذاقهم الله حرَّ الحديد، والذي يكذبُ عَلَيّ محمَّدُ بن فرات(٣) .

وروى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد، ما أشدَّكَ في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الّذي يحملك على ردِّ الأحاديث؟

فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدِّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّا إذا حدّثنا، قلنا: قال الله عزّ وجلّ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال يونس: وافيتُ العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام ، ووجدتُ أصحابَ أبي عبد الله متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم،

____________________

(١) حلية الأولياء ٣: ١٣٧، عن خلف بن حوشب، مستدرك الحاكم ٣: ١٩٦ / ح ٤٨٢٥، عن يحيى بن سعيد باختلاف يسير.

(٢) رجال الكشي ١: ٣٣٦ / الرقم ١٩١.

(٣) رجال الكشي ٢: ٥٩١ / الرقم ٥٤٤، مسند الإمام الرضاعليه‌السلام ٢: ٤٤٦ / ح ٤٢.

١١١

 فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقال لي: إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنّا عن الله ورسوله نحدِّث، ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا، وكلام أوّلنا مصدِّقٌ لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردُّوه عليه، وقولوا: أنت اعلم وما جئت به ! فإنّ مع كلِّ قول منّا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان(١) .

بلى حقّ للقميّين أن يخافوا على الشريعة، وأن يحتاطوا في الدين، وأن لا يأخذوا إلاّ ممّن يثقون به، لكنّ ما يتجاوز عن حدّه ينقلب إلى ضده، فنحن لا ننكر بأنّ المغيرة بن سعيد وبيان بن سمعان وأبا الخطّاب وأمثالهم، قد دسّوا أخباراً في روايات الأئمّة، والأئمّة كانوا لا يرتضون ما يرويه هؤلاء وأمثالهم.

لكنّ هذا لا يجيز لهم طعنهم في يونس بن عبد الرحمن راوي الخبر الآنف الذكر وأمثاله والذي قال عنه الرضاعليه‌السلام : يونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه(٢) ، وهو الذي ضمن لهعليه‌السلام الجنة ثلاث مرات(٣) .

قال أبو جعفر الجعفري: أدخلتكتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري فنظر فيه وتصفّحه كلّه، ثم قال: هذا ديني ودين آبائي، وهو الحقّ كله(٤) ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام مثله(٥) .

____________________

(١) رجال الكشي ٢: ٤٨٩ / الرقم ٤٠١، وعنه في بحار الأنوار ٢: ٢٤٩ / الرقم ٦٢.

(٢) رجال الكشي ٢: ٧٨١ / الرقم ٩١٩، ٢: ٧٨٢ / الرقم ٩٢٦.

(٣) رجال الكشي ٢: ٧٧٩ / الرقم ٩١١.

(٤) رجال الكشي ٢: ٧٨٠ / الرقم ٩١٥.

(٥) رجال الكشي ٢: ٧٨٠ / الرقم ٩١٦، وانظر ٩١٣، عن أحمد بن أبي خلف قريباً منه.

١١٢

وقد عدّه الشيخ فيرجاله من أصحاب الكاظم قائلاً: من أصحاب أبي الحسن موسى، مولى علي بن يقطين، طعن عليه القميّون، وهو عندي ثقة(١) .

وعنون له فيالفهرست قائلاً: مولى آل يقطين.

إلى أن قال: وقال أبو جعفر بن بابويه ] محمد بن علي بن الحسين [: سمعت محمد بن الحسن بن الوليدرحمه‌الله يقول: كُتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات، كلها صحيحة يعتمد عليها، إلاّ ما يتفرّد به محمد بن عيسى بن عبيد(٢) عن يونس ولم يروه غيره، فإنّه لا يُعتَمدُ عليه ولا يُفتَى به(٣) .

قال أبو عمرو الكشي: فلينظر الناظر فيتعجب من هذه الأخبار التي رواها القميّون في يونس، وليعلم أنّها لا تصحّ في العقل، وذلك أنّ أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن حديد، قد ذكر الفضل من رجوعهما عن الوقيعة في يونس، ولعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه، ومن علي مداراةً لأصحابه. فأمّا يونس بن بهمن: فمِمَّن كان أخذ عن يونس بن عبد الرحمن أن يُظهر له مثلبة فيحكيها عنه، والعقل ينفي مثل هذا، إذ ليس في طباع النّاس إظهار مساوئهم بألسنتهم على نفوسهم. وأمّا حديث الحجّال الذي رواه أحمد بن محمد، فإنّ أبا الحسنعليه‌السلام أجلّ خطراً وأعظم قدراً من أن يسبّ أَحداً صراحاً، وكذلك آباؤهعليهم‌السلام من قبله وولده من بعده، لأنّ الرواية عنهم بخلاف هذا، إذ كانوا قد نهوا عن مثله، وحثّوا على غيره ممّا فيه الزين للدين والدنيا(٤) .

هذا، وقد حدّث محمد بن عيسى بن عبيد عن أخيه جعفر بن عيسى ما كان

____________________

(١) رجال الشيخ: ٣٦٨ / الرقم ٥٤٧٨.

(٢) تكلمنا سابقاً بعض الشيء عن العبيدي، وهو راوي الخبر الأنف عن يونس فتأمل.

(٣) الفهرست: ٢٦٦ / الرقم ٨١٣.

(٤) رجال الكشي ٢: ٧٨٨ / الرقم ٩٥٤.

١١٣

يلاقيه يونس من الناس آنذاك، فقال جعفر بن عيسى: كُنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وعنده يونس بن عبد الرحمن إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة، فأومئ أبو الحسن ] الرضا [ إلى يونس: ادخل البيت فإذا بيت مسبل عليه ستر وإيّاك أن تتحرّك حتّى يؤذنَ لك. فدخل البصريّون وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس، وأبو الحسن مطرق، حتّى إذا أكثروا وقاموا فودّعوا وخرجوا: أذن ليونس بالخروج، فخرج باكياً فقال: جعلني الله فداك، أنا أحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي !! فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : يا يونس، وما عليك ممّا يقولون إذا كان إمامك عنك راضياً، يا يونس حدّث الناس بما يعرفون، واتركهم ممّا لا يعرفون، كأنّك تريد أن تكذب على الله في عرشه. يا يونس وما عليك أن لو كان في يدك اليمنى درّة ثمّ قال الناس: بعرة، أو بعرة فقال الناس: درة، هل ينفعك ذلك شيئاً؟

فقلت: لا.

فقال: هكذا أنت يا يونس، إذا كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضيا لم يضرك ما قال الناس(١) .

وعن أبي جعفر البصري وكان ثقةً فاضلاً صالحاً قال: دخلت مع يونس بن عبد الرحمن على الرضا فشكى إليه ما يلقي من أصحابه من الوقيعة؟

فقال الرضاعليه‌السلام : دارِهِمْ فإنّ عقولهم لا تبلغ(٢) .

وعن الفضل بن شاذان، قال: حدّثني عبد العزيز بن المهتدي وكان خيرَ قمّيٍّ رأيته، وكان وكيل الرضاعليه‌السلام وخاصته فقال: إنِّي سألتهعليه‌السلام فقلت: إنِّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعن من آخذ معالم ديني؟ فقال: خذ من يونس بن

____________________

(١) رجال الكشي ٢: ٧٨١ / الرقم ٩٢٤.

(٢) رجال الكشي ٢: ٧٨٣ / الرقم ٩٢٩.

١١٤

عبد الرحمن(١) .

وهذه منزلةٌ عظيمة ليونس، ونحوه عند الكشّيّ عن الحسن بن علي بن يقطين(٢) .

فمن كان هذا حاله، فهل من مُبَرِّر للتوقف فيما يرويه، بدعوى ما يتفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس وأنّه غير صحيح؟! في حين عرفت حال محمد بن عيسى واعتباره عند الإمامين الهادي والعسكري، وعرفت ما جاء في أخبار في يونس بن عبد الرحمن وأنّ ما عنده هو الحقِّ كلّه.

كان غرضنا من سرد هذه الأخبار التنبيه على حقيقة أنّ كثيراً من الشيعة قد لا تبلغ عقولهم مقاصد الأئمةعليهم‌السلام المطوية في أحاديثهم الشريفة، ومن هنا يسهل للبعض رمي الآخرين بالغلوّ.

وقد يمكننا مرة أخرى تبرير تشدد علماء قم بالقول: إنهم كانوا يخافون على عقول بعض الشيعة من تلك الأخبار الصحيحة التي لا تدركها عقولهم، وعلى سبيل المثال فإنّ بعض الطعون في محمد بن سنان قد قيلت في حقه من قبل القدماء لا بسبب ضعفه، بل لأنّه لم يلتزم بهذه القاعدة؛ ويروي عن المعصومين أخباراً صحيحة صعبة إدراكها من بعض الشيعة وهذا منهي عنه في الشرع حسبما تقدم.

وبالجملة: فيمكن تبرير تشدد القميين هو خوفهم على عقول بعض الشيعة، وإن هذا كان أحد أسباب تشددهم علاوة على الأسباب الأخرى التي ذكرناها والظروف القاهرة التي كانوا يعيشون فيها، وهذا التشدد قد أفرز إفراطاً سلبياً في الحكم على الرواة.

____________________

(١) رجال الكشي ٢: ٧٧٩ / الرقم ٩١٠.

(٢) رجال الكشي ٢: ٧٨٤ / الرقم ٩٣٥، معجم رجال الحديث ٢١: ٢٠٩.

١١٥

نماذج أخرى من تشدد القُمِّيين:

والآن لنرجع تارة أُخرى إلى جروح القميّين وحال بعض من اتّهموا بالغلو، لنرى هل حقّاً أنَّ من اتُّهم بالغلوِّ هو غال، أم أنَّ ذلك قد ابتنى على مقدِّمات غير صحيحة.

* قالابن الغضائري : محمّد بن أورمة، أبو جعفر القمّي، اتَّهمه القميّون بالغلوّ، وحديُثُه نقيُّ لا فساد فيه، ولم أر شيئاً ينسب إليه، تضطرب في النفس إلاّ أوراقاً في تفسير الباطن، وما يليق بحديثه، وأظنها موضوعة عليه. ورأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي بن محمد ] الهادي [ إلى القميين في براءته ممّا قذف به ] وحسن عقيدته، وقرب [ منزلته، وقد حدّثني الحسن بن محمد بن بندار القمّي، قال: سمعت مشايخي يقولون: إنّ محمّد بن أورمة لمّا طعن عليه بالغلوّ ] اتّفقت [ الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلّي اللّيل من أوّله إلى آخره ليالٍ عديدة فتوقفوا عن اعتقادهم(١) .

وقالالنجاشي : محمد بن أورمة، أبو جعفر القمي، ذكره القميّون وغمزوا عليه ورموه بالغلوّ حتّى دُسَّ عليه من يفتك به، فوجده يصلي من أوّل اللّيل إلى آخره، فتوقفوا عنه. وحكى جماعة من شيوخ القميّين عن ابن الوليد أنّه قال: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلوّ، وكلّ ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فَقُلْ بِهِ، وما تفرّد به فلا تعتمده، وقال بعض أصحابنا: إنّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث إلى أهل قمّ في معنى محمد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به، وكتبه صحاح إلاّ كتاباً ينسب إليه ترجمته تفسير الباطن فإنّه مخلّط...(٢) .

وقالالشيخ فيالفهرست :... قال محمد بن علي بن الحسين ] بن بابويه [: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلوّ، فكلّ ما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب

____________________

(١) رجال ابن الغضائري: ٩٣ / ت ١٣٣، وانظر مجمع الرجال ٥: ١٦٠.

(٢) فهرست مصنفات أصحابنا المعروف برجال النجاشي: ٣٢٩ / الترجمة ٨٩١.

١١٦

الحسين بن سعيد وغيره فإنّه يعتمد عليه و يُفتى به، وكلّ ما تفرّد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد(١) .

فتأمّل في كلام القميّين فإنّهم كانوا يخافون أن يكون ابن أورمة من الغلاة الباطنية الذين يعتقدون أن الصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان، كلُّ منها إنّما هو رجل، بل كلّ فريضة فرضها الله تبارك وتعالى على عباده هو رجل، وقد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في جواب كتاب للمفضل بن عمر، جاء فيه: وأن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل... وأنّ من عرف ذلك وثبت في قلبه جاز أن يتهاون، وليس عليه أن يجتهد في العمل، وزعموا أنّهم إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها وإن هم لم يعملوا بها...، فأُخبرك أنّه من كان يدين الله بهذه الصفة التي كَتَبْتَ تسألُني عنها فهو عندي مشرك بالله بيّن الشرك، لا شك فيه(٢) .

بلى إنّ هناك روايات تشير إلى أنّ الأعمال متوقفة على الاعتقاد بإمامة الأئمة، وأنّ الصلاة والصوم والحج لا تقبل إلاّ بولايتهم، لكن هذا لا يعني أنّهم لو تولوا الأئمّة لسقطت عنهم الصلاة والصيام والحج، فالولاية هو شرط قبول الأعمال لا سقوط الأحكام، ومن خلاله يتضح الفرق بين الشيعي والمغالي.

فلو كان الغلوّ عندهم بهذا المعنى فلا اختلاف بين المسلمين في أنّه كفر، قال المجلسي الأوّل: واعلم أنّ الظاهر أنّ ابن عيسى أخرج جماعة من قُمّ باعتبار روايتهم عن الضعفاء وإيراد المراسيل في كتبهم، وكان اجتهاداً منه في ذلك، وكان الجماعة يروون للتأييد(٣) ، ولكنّها في الكتب المعتبرة، والظاهر خطأ ابن

____________________

(١) الفهرست: ٢٠٢ / الترجمة ٦٢٠.

(٢) بصائر الدرجات: ٥٤٦ / ح ١. وانظر دعائم الإسلام ١: ٤٥ - ٥٦ / باب ذكر منازل الأئمّة، وعنه في مستدرك الوسائل ١: ١٣٨.

(٣) أي من باب المتابعات والشواهد لما ورد أولاً، وهي طريقة مشهورة لدى المحدثين، واستخدمها المحمّدون الثلاثة كثيراً.

١١٧

عيسى في اجتهاده، ولكن لمَا كان رئيسَ قمّ والناسُ مع المشهورين إلاّ من عصمه الله... إلى آخر كلامهرحمه‌الله (١) .

وعليه: فابن أرومة ومن على شاكلته من المؤمنين كانوا من المتعبّدين المتهجّدين الّذين يصلّون صلاة الليل، فكيف يمكن أن يتصوّر بأنّ هؤلاء كانوا تاركين للفرائض، وليس لنا إلاّ أن نقول بأن الأمر قد يرجع إلى اختلافهم مع الآخرين في معنى الإيمان، إذ يعتقد بعض المسلمين بأن الأعمال العبادية هي من لوازم الإيمان لا أنها الإيمان بعينه. وقال بعض آخر من محدثي ومتكلمي المسلمين إنّها الإيمان بعينه، وهذا يرشدنا إلى وجود اختلاف بين المدارس الإسلامية في أن الإيمان هل هو اعتقاد في الجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، أم أن العمل بالأركان هو من لوازمه لا من ماهيته؟ ولهذا ترى اختلافاً في ذلك بين الشيخ المفيد وبنو نوبخت في هذه المسألة(٢) . وقد قال الصدوقرحمه‌الله فيما أملاه في دين الإمامية بالإيجاز والاختصار: بالقول الأول إذ قال: « والإقرار بالإسلام هو الإقرار بالشهادتين، والإيمان هو إقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ولا يكون الإيمان إلاّ هكذا »(٣) .

فقد يحتمل أن يكون أمثال ابن أورمة من المعتقدين بأن الأعمال ليست من أصل الإيمان، بل من لوازمه، خلافاً لأمثال الصدوق، وبذلك يكون تأخير الصلاة عن وقت فضيلته، أو عدم إتيانه بالصلاة لا يعني إنكاره لضروري من ضروريات الدين، بحيث يوجب قتله. وهذا يعني بأنّ القميّين أو بعضهم كانوا يتسرّعون في إطلاق الأحكام بمجرّد ورود التهمة على شخص، بأنه لا يصلي، هذا ولا يخفى عليك بأن ابن أورمة اتهم بالغلوّ لِما نسب إليه من أوراق في تفسير الباطن

____________________

(١) روضة المتقين ١٤: ٢٦٢، باختلاف يسير.

(٢) انظر أوائل المقالات، للشيخ المفيد المطبوع ضمن «مصنفات الشيخ المفيد»، ٤: ٨٣ - ٨٤.

(٣) أمالي الصدوق: ٥١٠ / المجلس الثالث والتسعون.

١١٨

والتي لا تليق بحديثه وحسب تعبير ابن الغضائري: ( وأظنها موضوعة عليه ) !!

* ومثل هذا تراه في سهل بن زياد الآدمي، فقد أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى من قمّ، وأظهر البراءة منه، ونهى عن السماع منه والرواية عنه؛ لأنّه يروي المراسيل و يعتمد المجاهيل(١) .

وقال النجاشي والشيخ في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى: واستثنى ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى في جملة ما استثناه عن سهل بن زياد الآدمي، وتبعه على ذلك الصدوق وابن نوح، فلم يعتمدوا على رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد(٢) .

وهذا التجريح آتٍ إمّا من غلوّه أو من روايته المراسيل واعتماده المجاهيل.

فأمّا نسبة الغلوّ فلا تخرج من احتمالين: أحدهما روايته أخباراً غالية في الأئمّة، وهذا ما لم نقف عليه في المعاجم الحديثيّة التي بين أيدينا اليوم، أو لروايته أخباراً تدعو إلى إنكار الفرائض، وكلاهما منقوض بالسيرة العلمية والعملية القطعية لسهل بن زياد، لأن سهلاً كان يعلّم الأحكام الشرعية للمؤمنين فضلاً عن العمل بها.

و إذا راجعتالكافي والتهذيب تجد لسهل من أوّل كتاب الطهارة إلى كتاب الديات في أكثر الأبواب خبراً أو أزيد فيما يتعلّق بأحكام الدين، أكثرها سديدة مقبولة، وأخذها المشايخ عنه وضبطوها في الجوامع مثلالكافي الذي ذكر في أوله ما ذكر ] أنّ الآثار التي فيه صحيحة عن الصادقين [(٣) ، ومع ذلك كله كيف يجوز نسبة الغلو إليه(٤) .

____________________

(١) انظر ذلك في رجال العلاّمة: ٢٢٩.

(٢) رجال النجاشي: ٣٤٨ / الترجمة ٩٣٩.

(٣) مقدمة الكافي ١: ٧.

(٤) خاتمة مستدرك الوسائل ٥: ٢٤٥.

١١٩

قال النجاشي عن سهل بن زياد: كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قمّ إلى الريّ وكان يسكنها، وقد كاتب أبا محمد العسكري على يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين ومائتين، ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسن رحمهما الله، له كتابالتوحيد ، رواه أبو الحسن...(١) .

وروى الصدوق في كتابالتوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيى العطاررحمه‌الله ، عن أبيه، عن سهل بن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد، فمنهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك، فوقععليه‌السلام بخطّه: سألتَ عن التوحيد، وهذا عنكم معزول، الله تعالى واحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك، و يصوِّر ما يشاء، وليس بمصوَّر، جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه وتعالى عن أن يكون له شبيه، هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(٢) .

نحن لا نريد أن ندرس هذه الشخصيات بقدر ما نريد أن ندرس مواقف القميين منهم، فقد ضعّف سهل بن زياد عند النجاشي وابن الغضائري، وهو أحد قولي الشيخ والمفيد، لكنّ الآخرين وثّقوه كالسيّد بحر العلوم، حيث قال: والأصح توثيقه وفاقاً لجماعة من المحقّقين، لنص الشيخ على ذلك في كتابالرجال ] في باب أصحاب الهاديعليه‌السلام [ولاعتماد أجلاّء أصحاب الحديث

____________________

(١) رجال النجاشي: ١٨٥ / الترجمة ٤٩٠.

(٢) التوحيد، للصدوق: ١٠١ / ح ١٤.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595