أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان13%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156836 / تحميل: 12405
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بالشهادة بالولاية لعلي في الأذان طبقاً لجزئية الحيعلة الثالثة فيها؛ فكانوا يفتحون دلالتها بصيغ متفاوتة، وقد تختلف تلك العبارات، فتارة: (محمد وعلي خير البرية)، وثانية: (محمد وعلي خير البشر)، وثالثة: (أشهد أنّ علياً ولي الله)، ورابعة: (أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً) وخامسة وسادسة، وذلك لما في مفهوم كلام الإمام الكاظم وغيره من الأئمّة من دلالات، وأنّهعليه‌السلام بكلامه آنف الذكر أراد أن يعيّن المصداق والمناط في كل ذلك وهو الولاية لآل البيت (= علي وبنيه)، والسماح لهم بالبيان عن ذلك بأي شكل كان، وفي المقابل أراد بيان السبب الخفي لمنع عمر لها.

أي، أنّ المكلّف لمّا كان يعلم بأنّ الولاية هي مطلوب الشارع سواء من جملة (حي على خير العمل) أو من العمومات الكثيرة الأُخرى الدالة عليه، أو من غيرها، فإنّه يقف على رجحانها من باب تنقيح المناط ووحدة الملاك حسب تعبير الفقهاء، وهو: ضرورة الدعوة للولاية بعد الدعوة للرسالة في كلّ مورد، وهذا هو ما يستفاد من رواية الإمام الكاظمعليه‌السلام في سبب حذف عمر لها.

و يتأكد هذا ويستحكم خصوصاً حينما نقف على أقوال الأئمّة، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بولايتهم، وأنّهم هم مفتاح قبول الصلاة والزكاة والصيّام والحجّ، أي أنّ أيّ عمل وإن كان صحيحاً فإنه لا يقبل إلاّ بولايتهم، فهم شرط قبول الأعمال عندنا(١) .

وبهذا فقد انتهينا من بيان المرحلتين الأوليين من مراحل الشهادة بالولاية في الأذان وهي الشهادة لعلي كنائياً من خلال جملة "حي على خير العمل" لأن الظروف والاستعداد النفسي لقريش لم يسمح لتشريع الشهادة الثالثة في الأذان

____________________

(١) أفرد العلاّمة المجلسي في البحار باباً تحت عنوان (إنه لا تقبل الأعمال إلاّ بالولاية) جمع فيه الروايات والأقوال الواردة في هذا الباب، انظر بحار الأنوار ٢٧: ١٦٦ / الباب ٧، وغاية المرام / ب ٤٦ و ٤٧، وجامع الأحاديث ١: ١٩. وقد نفتح هذا الأمر في الفصل الثالث من هذه الدراسة.

٢٢١

صريحاً، وقد مر عليك بعض الظلم الذي أصاب أهل البيت وشيعتهم فقد بقت الشهادة بالولاية بمعناها الكنائي إلى أواخر العهد الأموي. أما أوائل العهد العباسي فكان الانفتاح شيئاً ما، فجاء عن القاسم بن معاوية أنه أخبر الصادق عما يرويه الناس في حديث معراجهم وتغييرهم وجود اسم الإمام علي على ساق العرش إلى اسم أبي بكر، وهذا مما دعى الإمام الصادق إلى بيان ما شاهده رسول الله في الإسراء والمعراج وأن اسم الإمام علي كان موجوداً لما خلق الله السماوات والأرض، وجبرئيل وإسرافيل إلى أخر الخبر.

وأن الإمام الصادق كما في خبر عمر بن أذينة ومحمد بن النعمان الأحول وسدير الصيرفي سأل عمر بن أذينة عما يقوله الناس في أذانهم وركوعهم وسجودهم فقال عمر بن أذينة إنهم يقولون: إن الأذان كان بمنام رأه أُبي بن كعب فانبرى الإمام معترضاً وأخذ يذكر ما شاهده رسول الله في الإسراء والمعراج، وفيه: أن جبرئيل لما قال أشهد أن محمداً رسول الله اجتمعت الملائكة وسلّمت على رسول الله رسالته عن أخيه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل تعرفونه، قالوا: كيف وقد أخذ الله ميثاقه وميثاقك منا.

وهذين النصين يشيران إلى الانفتاح شيئاً ما في بيان خبر الأذان، ويؤكد ذلك ما رواه الفصل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن الكاظم وقوله: وإن الذي أمر بحذفها أراد أن لا يكون حثاً عليها ودعوة إليها. وما جاء في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضاعليه‌السلام وفيه ما يشير إلى وجود معنى الولاية في الآذان، وعليه فكل هذه النصوص تؤكد على محبوبية إتيان الشهادة بالولاية في الأذان لا على نحو الجزئية.

٢٢٢

سؤال وجواب

وهنا سؤال لابدّ من الإجابة عليه، وهو: إذا كان الأذان يحمل معنى الولاية كما قلت من خلال (حيّ على خير العمل)، فما الدّاعي للحثّ على الولاية والإتيان بجملة (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) في الأذان تارة أخرى؟! خصوصاً مع عدم ورود ذلك ضمن فصول الأذان المحكي عن الأئمةعليهم‌السلام ؟

الجواب:

نحن وضّحنا سابقاً أنّ الأحكام المباحة وحتّى الاستحبابية قد تصير واجبةً بعنوانها الثانوي، بمعنى أنّ شرب الماء المباح قد يصير واجباً لو توقّف إنقاذ النفس المحترمة عليه، ومن تلك الأمور التي قد تجب هو ما نحن فيه، لأنّ الإمام الكاظم وببيانه لعلّة حذف عمر بن الخطاب ل (حيّ على خير العمل) أكّد بأنّ عمر كان لا يريد الحثّ على الولاية والدعوة إليها، بمعنى أنّه حذف الحيعلة الثالثة خوفاً من تواليها ومستلزماتها، والإمام كان يريد الدعوة إليها، فلو لم يكن الإمامعليه‌السلام يريد الدعوة إليها لكان كلامه لغواً، لأنّهعليه‌السلام قالها بعد أن فسّر معنى الحيعلة الثالثة بالولاية.

نعم، إنّ عمر بن الخطاب بعمله هذا حذف فصلاً ثابتاً من فصول الأذان، ليُميت مفهومه، والإمامعليه‌السلام بدوره أراد إحيائها والدعوة إلى الولاية وبرّ فاطمة كما في حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم، وعليه فإنّ فعل الإمام جاء في سياق الحفاظ على السنّة والقِيَم، وهو مما يجب أن يفعله كلّ مسلم، لأنّ الآخرين كانوا يريدون إماتة الفرائض والسنن، والإمام كان يريد أن يحييها بالإتيان بها، وهو يدلّ على شرعية ذلك الإتيان.

وعليه فإنّ الإتيان بجملة: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) أو (محمد وآل محمد خير البرية) وأمثالهما قد تتأكد مطلوبيتها بالعنوان الثانوي، وذلك لسعي الحكّام لحذفها وإماتتها، وهذا ما وضّحناه في دراستنا عن (حيّ على خير العمل)؛ إذ إنّ

٢٢٣

الحكومات الخلفائية والأموية والعباسية والسلجوقية وأمثالها كانت تسعى لحذف الحيعلة الثالثة مع ما جاء في تفسيرها وذلك حينما يستقرّ الأمر لهم، بعكس الحكومات الفاطمية والحمدانية والطبرستانية وغيرها، فإنّهم كانوا يأتون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها، فيقولون (حيّ على خير العمل محمد وآل محمد خير البرية).

بلى، قد يتأكد الإتيان بالشهادة بالولاية والإصرار عليها في هذه الأزمنة بالعنوان الثانوي كذلك، لأنّ خصومنا يتّهموننا بأنّا نعتقد بأُلوهيّة الإمام علي، أو أنّا نقول بخيانة الأمين جبرئيل، فعلينا الجهر ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) دفعاً لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفترين، مؤكّدين في أذاننا وإعلامنا بأنّا نشهد أن (لا إله إلاّ الله)، نافين في شهادتنا وجود الشريك لله، ثم نشهد بنبوّة محمّد بن عبدالله معلِمِين الجميعَ بأنّا نتّبعه وهو رسول رب العالمين للناس أجمعين، وأخيراً نشهد بأنّ عليّاً وأولاده المعصومين ما هم عندنا إلاّ حجج رب العالمين، نافين بذلك كل ما اتهمنا به، ولنقول بأنّ الإمام علي بن أبي طالب ليس بإله ولا نبيّ، بل هو وليّ رب العالمين وحجّته على خلقه أجمعين.

وعليه، فإنّ الإتيان بالشهادة الثالثة لمحبوبيتها لا يتقاطع مع جملة (حيّ على خير العمل) لأنّه تفسير وتلميح وبيان لهذه الجملة، وقد حثّ عليها الإمام الكاظم ودعا إليها، وقد يتأكد هذا المحبوب بالعنوان الثانوي؛ لأنّ الآخرين كانوا يريدون حذفها، والإمام ببيانه لعلّة حذف عمر للحيعلة الثالثة أراد إيقافنا على ضرورة الإتيان بما يدلّ على الولاية في الأذان وعدم الاكتفاء بالحيعلة الثالثة، لأنّ هدف عمر يجب أن لا يتحقق، بل يجب أن يقابل بمشروع يضادّه، وهذا ما أراده الإمام الكاظمعليه‌السلام في حسنة ابن أبي عمير.

ومعنى كلامنا هو أنّ الإصرار العمريّ وبعده الأموي والعبّاسي على إماتة ذكر عليعليه‌السلام الذي هو عبادة في الأذان من خلال حذف الحيعلة الثالثة كان داعياً للقول بعدم كفاية الإتيان ب (حي على خير العمل) في الأذان في هذه الأزمنة

٢٢٤

المتأخّرة، بل يتأكّد الجهر بالشهادة بالولاية لعلي ولو بعنوانها الثانوي معها أو قبلها رعاية للترتيب بين الشهادات الثلاث المأتية في الأخبار، وقد يقال بجواز الإتيان بها بعنوانها الأوّلى لأنّها محبوبة عند الإمام كما في حسنة ابن أبي عمير، وكما دلّت عليه باقي الروايات وجودها في شواذّ الأخبار التي حكاها الطوسي.

وعليه فالمحبوبية كانت موجودة على عهد الباقر والصادقعليهم‌السلام وإن لم يصرّحا بها في كلامهما لظروف التقية، إذ إنّ المحبوبيّة التي كانت عند الإمام الكاظم هي استمرار لمحبوبيتها في زمن الإمام علي والحسن والحسين والسجاد، وأنّ الإمامين الصادقين كانا واقِفَين على دواعي حذفها من قبل الحكّام، لكنّ ظروف التقيّة لم تسمح لهما بنشرها، وهي التي سمحت للإمام الكاظم بنشرها.

وعليه فإنّا لا نأتي ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) على أنّها جزءً من الأذان، وبذلك فلا تخالف من الإتيان بها لمحبوبيّتها الذاتية أو للشعارية مع عدم وجودها في الروايات المحكيّة عن الأئمة في فصول الأذان، لأنّ تلك الروايات ظاهرة في جزئيّتها ونحن نأتي بها لمحبوبيتها.

سؤال آخر

وهنا سؤال آخر يطرح نفسه وهو: كيف تأتون بالمفسِّر قبل المفسَّر، أي تقولون ب (أشهد أن عليّاً ولي الله) قبل الإتيان بجملة (حي على خير العمل)، وهذا لا يصح في الأدب العربي؟

الجواب: كلامكم غير صحيح، إذ إن ذلك يصح في لغة العرب ولنا شواهد كثيرة عليه، نترك ذكرها خوفاً من الإطالة، ولعدم ضرورة الأخذ باللّغة في حكم شرعي يتوقف على أمر الشارع فيه هل أنّه جائز أم لا؟ لأن الحقيقة الشرعية غالبة على المعنى والأصل اللغوي في الأمور الشرعية، وبما أن غالب الروايات عندنا جاءت مراعية للترتيب بين الشهادات الثلاث الشهادة بالتوحيد، ثم الشهادة

٢٢٥

بالنبوة، ثم الشهادة بالولاية في جميع العوالم التي جاء فيها ذكر الإمامة، والتي ستأتي بعضها في الفصل الثالث من هذه الدراسة:"الشهادة الثالثة: الشعار والعبادة" .

إذن، الشيعة كانت تأتي بالشهادة بالولاية بعد الشهادة بالنبوة رعاية للترتيب الملحوظ بين الشهادات الثلاثة في روايات أهل البيت، والتي جاءت في عالم الذر والميثاق وغيرها، ولأن الإمام الكاظم لم يحدد مكان الإتيان بها هل هو بعد الحيعلة الثالثة أم قبلها، بل إنهعليه‌السلام حبَّذ الدعوة والحث عليها، وعليه فالشيعة تأتي بالشهادة الثالثة في مكانها الملحوظ اليوم نظراً لتلك الروايات، ولعدم تحديد الإمام الكاظم مكانها.

وبهذا، فقد انتهينا من بيان حكم الشارع في الشهادة بالولاية وسيرة المتشرّعة فيها إلى ما قبل ولادة الشيخ الصدوق؛ وكذا اتَّضح لنا أنّهم كانوا يعيشون في أعلى مراتب التقيّة، فاكتفوا بقول الحيعلة الثالثة وبيان دلالتها في حالات خاصّة، ثمّ استقرّ الأمر بهم بعد الأمن والاستقرار على شكلها الجديد المشهور الآن.

والآن مع القسمين الثاني والثالث كي نبين فيهما تقرير الإمام الحجة في عصر الغيبة، ولكي نواصل امتداد هذه السيرة من عصر الشيخ الصدوق إلى ما بعده، حتّى نقف على ما نحن بصدد إثباته، أي إلى أن صارت الشهادة الثالثة شعاراً يعرف به المسلم الشيعي من غيره. كل ذلك بعد تلخيص ما مر في هذا القسم في نقاط:

 

٢٢٦

تلخص مما سبق:

١ إنّ قريشاً سعت لتحريف الشريعة وطلبت من الرسول تحريف الذكر الحكيم، لكنّ الوحي نزل بقوله:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ... ) (١) .

٢ - جدّت قريش لطمس ذكر الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ مر عليك مواقف أبي سفيان ومعاوية ويزيد من الرسول وآل بيته حين الدعوة ثم من بعده(٢) لم يذكر، وكذا عرفت أنّ أبا محذورة استحى من أهل مكّة أن يرفع ذكر النبيّ ففرك الرسول أذنه وقال: (ارفع صوتك)، وقد جاءت الروايات صريحة في لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمد وآله ولأنّه يبعد النفاق، وقد وقفت كذلك على موقف عبدالله بن الزبير وتركه ذكر الصلاة على النبيّ لكي لا تشمخ أنُوف أبنائه.

كل هذه النصوص تؤكّد وجود مجموعتين إحداهما تجهر بذكر النبيّ وحتى الوصيّ والأُخرى لا ترضى ذلك، وهو ما شاهدناهُ كذلك في التحديث عن رسول الله فطائفة تحدّث وإن وضعت الصمصامة على أعناقها، والأخرى لا تحبّ التحديث والتدوين بل تسعى جادّة لطمس معالم دينه ودفنه، وقد مر عليك كلام معاوية (إلاّ دفناً دفناً).

وفي المقابل ترى الآلعليهم‌السلام كانوا يسعون لرفع ذكر الرسول استجابةً للذكر الحكيم، وقد كان الإمام عليّاًعليه‌السلام يقول حين يسمع الشهادتين في الأذان:

____________________

(١) الحاقة: ٤٤، ٤٥.

(٢) والشيعة تخاطب الإمام علي في زيارتهم له يوم الغدير: أوضحت السنن بعد الدروس والطمس.

٢٢٧

( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وأن الذين جحدوا محمداً هم الكافرون)، وكذلك كان يقول حينما يسمع (حيّ على خير العمل): (أهلاً بالقائل عدلاً وبالصلاة أهلاً وسهلاً)، وفي هذين النصيين تعريض بالمخالفين لمحمد وآله الطاهرين.

٣ - لمّا يَئِسَت قريش من تحريف الكتاب العزيز سعت لتحريف مفاهيم الإسلام، فقالت أنّ الإسراء والمعراج كانا مَنامِيَّيْنِ، وأنّ الأذان كان مناميّاً؛ كل ذلك لتقليل شأن الرؤيا التي رآها الرسول في بني أمية. في حين أنّ المتأمّل في قضية الإسراء والمعراج طبق رواياتنا يرى ذكر الإمام عليّ موجوداً على ساق العرش وجبهة إسرافيل وغيرها، والقوم أبدلوها إلى أبي بكر، وهذا ما ساء الإمام الصادقعليه‌السلام ودعاه أن يذكر كلّ ما جاء في ذلك من فضائل لعليعليه‌السلام .

٤ - استمرار التحريف والابتداع في الأذان بعد رسول الله، حيث أضاف عمر بن الخطاب (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر، وأضاف عثمان الأذان الثالث يوم الجمعة، وقيل بأنّ الشهادة بالنبوّة لم تكن على عهد رسول الله فأضافها عمر بن الخطاب، إلى غيرها من الأمور.

٥ - إنّ (حيّ على خير العمل) هو فصل ثابت موجود على عهد رسول الله والشيخين، وقد أذّن بها بعض الصحابة والتابعين، وادّعى القوم نسخها من طرف واحد، وهذا هو الذي دعا السيّد المرتضى أن يطالبهم أن يأتوا بالناسخ لها، وتحدّاهم بأنّهم ما يجدونه.

٦ - إنّ موضوع الحيعلة الثالثة ما هو إلاّ نافذة من النوافذ الكثيرة المختلف فيها في الشريعة، وشأنه شأن المتعتين والتكبير على الميت أربعاً أم خمساً، وصلاة التراويح، وغيرها.

٧ - ارتباط موضوع الحيعلة الثالثة بأمر الخلافة، فعمر بن الخطاب لا يرتضي ذكرها كما كان لا يرتضي أن يكتب الرسول كتاباً في شأن عليّ يوم رزيّة الخميس،

٢٢٨

فكيف يرضى هو وأتباعه الإتيان بذكر عليّ ولو كنائيّاً في الأذان؟!

٨ - إنّ معنى الحيعلة الثالثة تعني الولاية كما جاء صريحاً في كلام الأئمة الباقر والصادق والكاظمعليهم‌السلام .

٩ - إنّ فتح معنى (حيّ على خير العمل) محبوبٌ عند الأئمة كما جاء في كلام الإمام الكاظم لأنّ كلامهعليه‌السلام ناظر إلى رفعه من قبل عمر بن الخطاب.

١٠ - وجود الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل أي في الإسراء كما جاء في كلام الإمام السجادعليه‌السلام ، وقد عضّدنا ذلك بروايات الكليني فيالكافي والصدوق فيالعلل تدل على وجود اسم الإمام علي عندما خلق السماوات وهم أول أهل بيت نوه الله بأسمائهم.

كل هذه النقاط تعلن بوضوح عن سرّ جعل دليل الشهادة بالولاية لعلي كنائيّاً من قبل الشارع؛ لأنّ القوم كانوا يقابلون الأدلّة الكنائية المختصة بالإمامة بالحذف والتحريف، فكيف بالأدلّة الصريحة والواضحة؟! إنّهم كانوا لا يرتضونها من باب الأولى. وقد وقفت على كلام الإمام عليّ للزهراء: أتحبيّن أن تزول دعوة أبيك من الدنيا؟! فقالت: لا، فقالعليه‌السلام : هو ما أقول لكِ.

وعليه فإنّ في الأذان فصلاً ثابتاً دالاًّ على الولاية وهي الحيعلة الثالثة، لكنّ الظروف لم تسمح بتفسيره والحثّ عليه، وإن سمحت فمن الجائز الإتيان بتفسيرها معها لا على أنّها جزء من الأذان، وإنّ عدم ذكر الشهادة بالولاية صريحاً في الأذان هو مثل عدم ذكر الإمام علي صريحاً في القرآن، لأنّ القوم لا يطيقون أن يسمعوا الشهادة للرسول بالنبوة، فكيف يرضون سماع الشهادة لعلي بالولاية؟!

وقد أوضحت السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها في المسجد هذه الحقيقة بأن القوم جدّوا لكتمان الحق بعد الصدع به، لقولها وهي تعرف القوم: (منكرة لله مع عرفانها) وأنّهم اسروا بمفاهيم الدعوة بعد إعلانها وكتموا الحق بعد معرفته لقولهاعليها‌السلام : (وأسررتم بعد الإعلان) وفي هذين النصين معنى ظريف وتنبيه عظيم

٢٢٩

على ما فعلته قريش مع الرسالة والرسول، فكيف مع الجهر بذكر أهل بيته المعصومين في الأذان.

ولا يخفى عليك بأنّ هناك روايات شاذّة دالّة على وجود ملاك التشريع في القول بالولاية، لكنّنا غير مأمورين بالأخذ بها، لعدم وجودها في الروايات البيانية عن المعصومين في الأذان ولمخالفتها للمعمول عليه عند الطائفة.

٢٣٠

القسم الثاني: تقرير الإمامعليه‌السلام

بعد أن انتهينا من ذكر أقوال الشارع المقدّس مدعومةً بسيرة المتشرّعة فيها، وقبل أن نواصل البحث عن بيان هذه السيرة في عهد الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) إلى عهد العلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ هـ)، علينا تسليط الضوء على موقف المعصوم في عصر الغيبة، لأنّه الدليل الأقوى في هكذا مسألة. وموقف المعصوم ينكشف من حديثه الذي هو قوله وفعله وتقريره كما لا يخفى.

والقول هو الدليل الشرعي اللفظي الذي يُستَنَدُ إليه في عملية الاستنباط، وما قيل بأن ليس لدينا دليل شرعي لفظيّ على الشهادة الثالثة، لخلوّ الروايات البيانيّة الصادرة عن المعصومين من ذلك، يردّه حكاية الشيخ الطوسي والعلاّمة و يحيى بن سعيد الحلي بورود شواذ الأخبار فيه، وهو كافٍ لإثبات الحجية الاقتضائية للشهادة الثالثة لا الفعلية على التفصيل الآتي في القسم الثالث.

وفعلُ المعصوم دلالتُهُ صامتةٌ، أي ليس للفعل لسانٌ ليُتَمَسَّكَ بظهوره كما هو الشأن في الدليل الشرعي اللفظي، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن في أفعال الإمام والقول بالإباحة فيما يفعلهعليه‌السلام ، وقيل بالاستحباب إذا كان الفعل الصادر منهعليه‌السلام عبادة.

وما تركهعليه‌السلام أو سكت عنه فإنّ سكوته عنه يدل على عدم وجوب الفعل عنده، وعلى عدم الاستحباب على بعض المباني، وقيل: إنّ سكوتهعليه‌السلام هو إمضاء لفعل الآخرين، لأنّ المعصوم مكلّف كغيره من الناس، فلو كان السلوك الذي يراه عند

٢٣١

المؤمنين مخالِفاً للشرع كان عليه النهي عنه لأنّه نهي عن المنكر، فإذا لم ينه عنه علمنا أنّه ليس منهيّاً عنه وليس بمنكر، لأنّ المعصوم لا يترك المأمور به يقيناً ولا يرتكب المنهيّ عنه.

وللمعصوم خصوصية أُخرى غير التكليف، وهي ائتمانه على ودائع النبوة فلا يعقل أن يفوّت الحافظ للدين والأمين على الشريعة غرضه كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة، فلو لم يكن سلوكهم مرضياً عندهعليه‌السلام لنهى عنه، لأنّه تهديد فعلي لأغراض الشريعة التي جاء من أجلها، كل ذلك بناءً على تمامية إجماع الطائفة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.

وأمّا ما قيل من عدم إمكان الاستفادة من هذا فيما نحن فيه: لأنّ سكوت المعصوم في غيبته لا يدلّ على إمضائه، لأنّه (غير مكلّف في حالة الغيبة بالنهي عن المنكر وتعليم الجاهل، وليس الغرض بدرجة من الفعليّة تستوجب الحفاظ عليه بغير الطريق الطبيعي الذي سبب الناس أنفسُهم إلى سَدِّهِ بالتسبيب إلى غيبته) فلا نقبله؛ لأنّ الإمام هو حجة الله في الأرض وبمقدوره إيصال ما يريده الله سبحانه عن طريق نوابه الفقهاء وأُمناء الله على حلاله وحرامه وعن طريق الصالحين وغيرها من الطرق الصحيحة، وخصوصاً أنّه ميزان الشرع الذي لولاه لضاع الدين، ولا يخفى عليك بأنّ الله قد أعدّ لهذا الدين من ينفي عنه تحريف الغالين، لقولهعليه‌السلام : إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عُدُولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأو يل الجاهلين(١) .

وعليه فإنّ المعصوم لا يسكت عن الزيادة والنقصان في الدين، فيما لو كان هناك إطباق على الزيادة أو النقيصة أو إجماع على الخطأ عند الطائفة، بل إنّ

____________________

(١) الكافي ١: ٣٢ ح ٢، وعنه في الوسائل ٢٧: ٧٨، وانظر بحار الأنوار ٢٧: ٢٢٢، و ٨٩: ٢٥٤، ومستدرك الوسائل ١٧: ٣١٣ / ح ٢١٤٤٤، وأنظر مسند الشامين: ٣٤٤، مشكاة المصابيح ١: ٨٢، الفوائد لتمام الرازي ١: ٣٥٠.

٢٣٢

وظيفته ردّ أهل الدين إلى الحقّ، ولولا ذلك لما عرف الحقّ من الباطل، ولالتبست على المؤمنين أمورهم، وخصوصاً لو كانت الأمور المأتية من قبل الناس تأخذ طابعاً جماعيّاً شعارياً وارتكازاً عرفيّاً كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة..

إنّ الأقوال الشاذّة عند بعض الفقهاء في حرمتها أو القول بجزئيتها الواجبة لا ينقض الإجماع العملي عند الإمامية على الجواز بناء على تماميته من باب القربة المطلقة وحرمتها من باب الجزئية، و إليك الآن بعض الروايات في ذلك:

١ - روى الصدوق فيعلل الشرائع عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن سنان وصفوان بن يحيى وعبد الله بن المغيرة وعلي بن النعمان؛ كلُّهم عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله لا يدع الأرض إِلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنّقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، ولم يُفرّق من الحقّ والباطل(١) .

وهذه الرواية صحيحة.

٢ - وفيالعلل كذلك: أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ومحمد بن عيسى بن عبيد جميعاً، عن محمد بن سنان وعليّ بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في الأرض، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمورهم، ولم يفرّقوا بين الحق والباطل(٢) .

____________________

(١) علل الشرائع ١: ١٩٥ / الباب ١٥٣ / ح ٤. ورواه أيضاً الصفار عن محمد بن عيسى بن سنان كما في بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ١.

(٢) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٢.

٢٣٣

وهذه الرواية صحيحة.

٣ - وفيالعلل كذلك: أحمد بن محمد، عن أبيه، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن عبد الجبار، عن عبد الله بن محمد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها من يعلم الزيادة والنقصان، فإذا جاء المسلمون بزيادة طرحها، و إذا جاءوا بالنقصان أكمله لهم، فلولا ذلك اختلط على المسلمين أُمورهم(١) .

وفيبصائر الدرجات : محمد بن عبد الجبار، عن الحجّال، مثله(٢) .

وفيه أيضاً: حدثنا محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله، مثله(٣) .

وهذه الطرق صحيحة عند المشهور على كلام في أُستاذ الصدوق: أحمد بن محمد بن يحيى القمي.

٤ - وفيالعلل كذلك: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن شعيب الحداد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الأرض لا تبقى إلاّ ومنّا فيها من يعرف الحق، فإذا زاد الناس، قال: زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، ولولا أنّ ذلك كذلك لم يُعْرَف الحقّ من الباطل(٤) .

ومثله فيبصائر الدرجات عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن

____________________

(١) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٤.

(٢) بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ٣.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥١ / ح ١٠ / ح ٢.

(٤) علل الشرائع ١: ١٩٥ / الباب ١٥٣ / ح ٢٦.

٢٣٤

النضر بن سويد، عن محمد بن عبدالرحمن(١) .

وروايةالعلل صحيحة بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان، وأمّا روايةبصائر الدرجات فهي معتبرة كذلك.

٥ - وفيالعلل كذلك: أبي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى ابن أبي عمران الهمداني، عن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن محمد بن مسلم، عن أبى مسلم، عن أبي جعفر، قال: إنّ الله لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين الله عزّ وجلّ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبس على المسلمين أمرهم(٢) .

ومثله فيبصائر الدرجات عن إبراهيم بن هاشم(٣) .

فالرواية صحيحة بناءً على وثاقة يحيى بن أبي عمران الهمداني، وهو الأظهر.

٦ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ومحمد بن عبد الجبار، عن محمد بن خالد البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن شعيب، عن أبي حمزة، قال، قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لن تبقى الأرض إلاّ وفيها من يعرف الحق، فإذا زاد الناس فيه قال: قد زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، و إذا جاؤوا به صدقهم، ولو لم يكن كذلك لم يُعرَف الحقّ من الباطل(٤) .

ومثله في بصائر الدرجات عن محمد بن عبد الجبار(٥) .

والرواية معتبرة.

٧ - وفيإكمال الدين للصدوق: حدّثنا أبي، ومحمد بن الحسن، قالا: حدثنا

____________________

(١) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب العاشر من الجزء السابع / ح ٥.

(٢) علل الشرائع ١: ٢٠٠ / الباب ١٥٣ / ح ٢٧.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠ / ح ٦.

(٤) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٥.

(٥) بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ٤.

٢٣٥

سعد بن عبدالله وعبد الله بن جعفر، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الصباح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا شيئاً أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم(١) .

وهذا الخبر صحيح بناءً على وثاقة محمد بن عيسى اليقطيني، وهو الصحيح.

٨ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئاً ردّهم و إن نقصوا شيئاً تمَّمه لهم(٢) .

وفيإكمال الدين : حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن، قالا: حدثنا عبدالله ابن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين، عن علي بن اسباط، عن سليم مولى طربال، عن إسحاق بن عمار، مثله(٣) .

وفيبصائر الدرجات : أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أسباط، مثله(٤) . وهذه الطرق معتبرة وموثّقة بمنصور بن يونس.

٩ - وفيالكافي للكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم(٥) .

____________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٠٣ / الباب ٢١، ح ١٢.

(٢) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣، ح ٢٣.

(٣) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٢١ / الباب ٢٢، ح ٦.

(٤) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠، ح ٧.

(٥) الكافي ١: ١٧٨ / باب أن الأرض لا تخلو من حجة، ح ٢.

٢٣٦

وهذه الرواية معتبرة.

١٠ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول: ما ترك الله الأرض بغير عالم ينقص ما زاد الناس، ويزيد ما نقصوا، ولولا ذلك لاختلط على الناس أُمورهم(١) .

وفيإكمال الدين : حدثنا محمد بن الحسن، قال حدثنا سعد بن عبدالله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن محمد بن عيسى... مثله(٢) .

وفيبصائر الدرجات : حدثنا عبدالله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، مثله(٣) .

وهذه الرواية صحيحة إلى عبد الأعلى مولى آل سام.

١١ - وفيالعلل كذلك: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن على بن أسباط، عن سليم مولى طربال، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ الأرض لن تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أُمورهم، ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل(٤) .

فالرواية صحيحة بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان، والقول بوثاقة رواة كامل الزيارات، لأنّ سليماً أو سليمان مولى طربال هو ممن روى عنه ابن قولويه.

____________________

(١) علل الشرائع ١: ٢٥١ / الباب ١٥٣، ح ٣٢.

(٢) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٠٥ / الباب ٢١، ح ١٦.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠، ح ٨.

(٤) علل الشرائع ١: ٢٠٠ / الباب ١٥٣ / ح ٢٨.

٢٣٧

١٢ - وفيإكمال الدين : حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبدالله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن علي بن حديد، عن علي بن النعمان و [الحسن بن علي] الوشّاء، عن الحسن بن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لن تخلو الأرض إلاّ وفيها رجل منّا يعرف الحقّ، فإذا زاد الناس فيه قال زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، و إذا جاؤوا به صدّقهم، ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل.

قال عبد الحميد بن عوّاض الطائي: بالذي لا إله إلاّ هو لسمعت هذا الحديث من أبي جعفرعليه‌السلام ، بالله الذي لا إله إلاّ هو لسمعته منه(١) .

والسند معتبر على كلام في علي بن حديد.

وعليه فلو كان ما تفعله الشيعة عبر القرون الماضية غلوّاً وانتحالاً وتأويلاً، لكان على الإمام أن ينفي ذلك عن الدين، بل إنّ في سكوت الإمام وخصوصاً في أمر مقدّميٍّ عباديّ كالأذان مما يشير إلى جواز الإتيان بهذا الفعل عنده، لأنّه ذكر وعبادة فلو كان في الواقع حراماً وممّا يوجب الخلل في الدين والتعدّي على قِيَمِهِ لكان عليهعليه‌السلام نهي الناس عنه وردعهم بطريقة من الطرق خلال أُمناء الشريعة من الفقهاء الصائنين لأنفسهم، المطيعين لأمر مولاهم، وخصوصاً مع معرفتنا باستمرار هذه السيرة عند المتشرّعة إلى عصر الأئمةعليهم‌السلام لأن عمر بن الخطاب حينما حذف الحيعلة الثالثة (= الولاية) كان لا يريد حثاً عليها ودعوة إليها، ومعناه أن الأئمة المعاصرين للخلفاء بدءاً من الإمام علي حتى الإمام الكاظم الذي ذكرنا بهذا الأمر كانوا يحبّذون الإتيان بها لا على نحو الجزئية، وهو الآخر يشير إلى أن الأمة كانت تأتي به على عهد الصحابة حسبما جاء في محكي السلافة عن أبي ذر

____________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٢٣ / الباب ٢٢ / ح ١٢.

٢٣٨

وسلمان.

وعليه فالشيعة في غالب الأزمان وفي كثير من البلدان كانوا يأتون بما يدل على الولاية، ولم نقف على مدركه عندهم، وهذا يكشف عن رضا المعصوم في حدود الجواز.

وهنا كلام للمرحوم الشيخ عبد النبي العراقي يَجدر بنا نقله، فإنّهرحمه‌الله قال: فلو كان حراماً وبدعة، بل لم يكن مشروعاً وراجحاً فيهما، أَفَتَرَى أنّ أمثال الشيخ محمد بن الحسن العاملي، والمجلسيّ، والبهبهانيّ، والأسترآباديّ، والمقدّس الأردبيليّ، والسيّد بحر العلوم، والشيخ الأنصاريّ، وأمثالهم المشرَّفين بلقاء الحجّة روحي له الفداء وغيرهم من الأساطين والأكابر في كلّ دورة وكورة... يرون أنّها بدعة وحرام ومع ذلك كلّه كانوا ساكتين عنها وعن ردعها؟! وتركوا الجهال على حالهم بلا رادع ولا مانع؟! فكيف؟! ولم؟! ومتى؟! فعلى الإسلام السلام، فأين تبقى حجيّة للسيرة العقلائية التي لا زال في الفقه يتمسكون بها...(١) إلى آخر كلامهرحمه‌الله .

وعليه فيمكننا أن نستفيد من سكوت الإمام الحجّة تقريره لفعل أُولئك الشيعة ورضاه بما يأتون به، لأن ما يأتون به هو راجح في نفسه وغير مخلٍّ بالأذان.

ولا يخفى عليك بأن شأن الشهادة الثالثة لم تكن ك (حي على خير العمل)، لأن حكم الأول هو الجواز والثاني اللزوم، أي أن الأول ليس من فصول الأذان. أما الثاني، فهو من ماهية الأذان وأصوله المقومة لها. فيجوز ترك ما هو جائز ولا ضرورة لإطباق الأمة عليه، بعكس الأمر اللازم فيجب إطباق الأمة عليه في جميع العصور وشيوعه بين الأمة.

وعليه فإن سكوت الإمام وعدم ورود نهي عنه دليل على جوازه، فلو كان بدعة

____________________

(١) الهداية في كون الشهادة بالولاية جزء كسائر الأجزاء: ٣٤ - ٣٥ بتصرف.

٢٣٩

وحراما لوجَبَ التنبيه عليه من خلال وكلائه والصالحين من فقهاء العباد، وخصوصاً حينما نرى عدم وجود ضيق في بيان هذا الأمر لهم، لأنّه قد استمرّ القول بالجواز عند الشيعة لعدة قرون بدءاً من عهد عمر بن الخطاب الذي حذف الحيعلة الثالثة إلى يومنا هذا، فلو كان ما تأتي به الشيعة منكراً لوصلنا نهيه عن ذلك وحيث لا، فلا.

كان هذا مختصر الكلام عن تقرير الإمام المعصوم وسأعود إليه في ثنايا البحث إن اقتضى الأمر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وكلُ نعيم لا محالة زائلُ

قال عثمان : كذبت ، نعيمُ الجنة لا يزول فاستثقل « لبيد » تكذيب عثمان وتحدّيه له في ذلك الجمع فقال : يا معشر قريش واللّه ما كان يؤذى جليسُكم ، فمتى حدث هذا فيكم؟؟

فقال رجلٌ مِن القوم : إنَّ هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدنَ في نفسكَ من قوله.

فردّ عليه « عثمان » حتّى تفاقم الأمر بينهما فقام إليه ذلك الرجلُ فلطم عينه فخضّرها ( واصابها ) ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال : أما واللّه يا ابن أخي إن كانت عينُك عَمّا أصابها لغنيّة لقد كنت في ذمة منيعة ( وهو يريد أنك لو بقيت في ذمتي وجواري لما اصابك ما أصابك ).

فقال عثمان رادّاً عليه : بل واللّه إن عيني الصحيحة لفقيرةٌ إلى مِثل ما أصابَ اُختَها في اللّه ، واني لفي جوار من هو أعزُّ منكَ ، واقدرُ يا أبا عبد شمس.

فقال له الوليد : هلمّ يا ابنَ أخي إن شئت فعُد إلى جوارك ، فقال ابنُ مظعون : لا(١) .

وكانت هذه صورةٌ رائعةٌ من صور كثيرة لصمود المسلمين ، وتفانيهمْ في سبيل العقيدة ، وإصرارهم على النهج الّذي اختاروه ، ومواساة بعضهم لبعض في أشدّ فترة من فترات التاريخ الإسلامي.

وفدٌ مسيحيُّ لتقصّي الحقائق يدخل مكة :

قدمَ على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشرون رجلا من النصارى حين بلغهم خبرُه من الحبشة ، مبعوثين من قِبَل أساقفتها لتقصّي الحقائق بمكة ، والتعرف على الإسلام. فوجدوا رسول اللّه في المسجد ، فجلسوا إليه ، وكلّموه وسألوه عن مسائل ، ورجالٌ من قريش فيهم « أبو جهل » في أنديتهم حول الكعبة.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٤٦١

فلما فرغوا من مسألة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما أرادوا دعاهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اللّه عز وجلّ وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم ، فكان لها من التأثير البالغ في نفوسهم بحيث عندما سمعوها فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له وامنوا به وصدّقوه ، بعد ما عرفوا منه ما كان يوصَف في كتابهم ( الانجيل ) من أمره.

فلما قامُوا عنه ، ورأت قريش ما نتج عنه ذلك اللقاء استثقله « ابو جهل » فقال للنصارى الذين اسلموا معترضاً وموبّخاً : خيَّبكُمُ اللّه مِن ركب بعَثكُم مَن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئنّ مجالسُكم عنده حتّى فارقتُم دينكُم وصدَّقتموهُ بما قال ، ما نعلمُ ركباً أحمقَ مِنكُم.

فأجابه اولئك بقولهم : سلامٌ عليكم لا نُجاهِلكم ، لنا ما نحنُ عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيراً(١) .

وبذلك الكلام الرفيق الجميل ردّوا على فرعون مكة الّذي كان يبغي ـ كسحابة داكنة ـ حجب أشعة الشمس المشرقة ، وحالوا دون وقوع صدام.

قريش توفد إلى يهود يثرب للتحقيق :

لقد ايقظ وفدُ نصارى الحبشة إلى مكة وما نجم عن لقائهم برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشاً ودفعهم إلى تكوين وَفد يتألف من « النضر بن الحارث » و « عُقبة بن ابي معيط » وغيرهما وإرسالهم إلى أحبار يهود المدينة ليسألونهم عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه.

فقال أحبارُ اليهود لمبعوثي قريش : سَلوا محمَّداً عن ثلاث نأمركم بهنَّ ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسَل ، وان لم يفعل فالرجلُ متقوّلٌ ، فروا فيه رأيكم ، سلوه :

١ ـ عن فتية ذَهبوا في الدهر الأول ( يعنون بهم أصحاب الكهف ) ما كان

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٩٠ و ٣٩٣ وقد نزلت في هذا الشأن الآيات ٥٢ إلى ٥٥ من سورة القصص.

٤٦٢

من امرهم ، فانه قد كان لهم حديثٌ عجيبٌ.

٢ ـ وعن رجل طوّاف ( يعنون به ذا القرنين ) قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وخبرُه؟

٢ ـ وعن الروح ما هي؟

فاذا أخبركم بذلك فاتبعوهُ ، فانه نَبيّ ، وان لم يفعل ، فهو رَجُلٌ متقوِّلٌ فاصنَعوا في أمره ما بدا لكم.

فعادَ وفد قريش إلى « مكة » ولما قدموها قالوا لقريش ما سمعوه من أحبار اليهود.

فجاؤوا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطرحوا عليه الاسئلة الثلاثة السالفة. فقال رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتظر في ذلك وحياً.(١)

ثم نزل الوحيُ يحملُ إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأجوبة المطلوبة على تلك الاسئلة.

وقد ورَدَ الجواب عن السؤال عن الروح في الآية ٨٥ من سورة الإسراء.

واُجيبَ على السؤالين الآخرين عن أصحاب « الكهف » وذي القرنين بتفصيل في سورة « الكهف » ضمن الآيات ٩ ـ ٢٨ والآيات ٧٣ ـ ٩٣.

وقدوردت تفصيلاتُ هذه الإجابات الّتي أجابَ بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أسئلتهم في كتب التفسير.

ولابدَّ هنا من أن نُذكِّر القارئ الكريم بنقطة مفيدة وهي أنّ المراد من « الرّوح » في سؤال القوم ليس هو الرُّوح الإنسانية بل كان المراد هو جبرئيل الأمين ، ( بقرينة أنَّ المقترحين الاصليين لهذه الأسئلة : هم اليهود وكانوا يكرهون الروح الامين ، ويعادونه ) ، وهو أمرٌ مبحوثٌ في محلِّه من كتب التفسير.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢.

٤٦٣

٤٦٤

١٨

الأسلحةُ الصَديئة

والاساليب الفاشلة

نظّمْ أسياد قريش صفوفهم لمكافحة عقيدة التوحيد ، بعد أن أدركوا عقم المواقف المبعثرة من هذا الدّين وأهله.

فقد حاولوا في بداية الأمر أن يُثنُوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المضيّ في مواصلة دعوته ، وذلك بتطميعه بالمال والجاه وماشابه ذلك ، ولكن لم يحصلوا من ذلك على شيء ، فقد خيّب ذلك الرجلُ المجاهدُ ظنونهم فيه ، وبدّد آمالهم في اثنائه عن هدفه بكلمته الخالدة المدوّية : « واللّه لو وَضعوا الشمس في يميني ، والقَمر في يساري على أن أترك هذا الأمر لما فعلتُ » وهو يعني ان تمليكه العالم كلَه لا يثنيه عن هدفه ولا يصرفه عن تحقيق ما نُدِبَ إليه وارسل به.

فعمدوا إلى سلاح آخر هو التهديد والأذى ، والتنكيل به وباصحابه وانصاره ، ولكنهم واجهوا صمودَه وصمود أنصاره واصحابه ، وثباتهم الّذي ادى إلى انتصار المؤمنين في هذا الميدان ، وخيبة المشركين وهزيمتهم.

وقد بَلَغ من ثبات المسلمين على الطريق أنهم أقدموا على مغادرة الوطن ، وترك الأهل والعيال ، والهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم إلى اللّه ، وسعياً وراء نشره وبثه في غير الجزيرة من الآفاق.

ولكن رغم إخفاق أسياد قريش المشركين في جميع هذه الجهات والميادين

٤٦٥

وعجزهم عن استئصال شجرة التوحيد الفتية ، وفشل جميع الأسلحة الّتي استخدموها للقضاء على الدين الجديد وأهله ، لم تنته محاولاتهم الإجهاضيّة بل عمدوا هذه المرّة إلى استخدام سلاح جديد حسبوه أمضى من سوابقه.

وهذا السلاح هو سلاحُ الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه صحيحٌ أن ايذاء وتعذيب جماعة المؤمنين في « مكة » تمنع غيرهم من سُكان « مكّة » من الإنضواء إلى الإسلام إلاّ ان الحجيج الذين كانوا يسافرون إلى مكة في الأشهر الحرُم وكانوا يلتقون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جوّ من الأمن والطمأنينة خلال تلك المواسم كانوا يتأثَّرون بدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتزعزعُ اعتقادهم بالأوثان على الأقل ، ان لم يؤمنوا بدينه ، ولم يستجيبوا لدعوته ، ثم إنهم كانوا ينقلون رسالة الإسلام وانباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مواطنهم ، ومناطِقهم وكان ينتشر بذلك اسم رسول اللّه ، وأنباء دينه في شتّى مناطق الجزيرة العربية ، وكان هذا هو بنفسه ضربة قوية توجَّه إلى صرح الوثنية في مكة ، وعاملا قوياً في انتشار عقيدة التوحيد ، وسطوع أمره.

من هنا اتخذ سادةُ قريش اُسلوباً آخر ، قاصدين بذلك الحيلولة دون انتشار الإسلام ، واتساع رقعته ، وقطع علاقة المجتمع العربي به.

واليك فيما يأتي بيان تفاصيل هذا الاسلوب ، وهذه الخطة :

١ ـ الاتّهاماتُ الباطلة :

يمكن التعرف على شخصية أي واحد وتقييمها من خلال ما يرميه به اعداؤه من شتائم وسباب ، وما يكيلون له من اتهامات ونسب ، فَإن العدو يسعى دائماً إلى أن يتهم خصمَه بنوع من أنواع التهم ليُضِلَّ الناس ، ويصرفهم عنه ، وليتمكن بما يحوكُه حوله من أراجيف وأباطيل الحط من شأنه في المجتمع واسقاطه من الانظار والأعين.

ان العدوّ الذكيّ يسعى دائماً إلى أن ينسب إلى منافسه ما يُصدِّقه ولو فئة خاصة من الناس على الاقل ، ويوجبُ شكَّهم في صدقه ، ويتجنب تلك النِسَب

٤٦٦

التي لا تصدَّق في شأنه ، ولا تناسبُ اخلاقه وافعاله المعروفة عنه ، ولا تمسه بشكل من الأشكال ، لأنه سوف لا يَجني في هذه الحالة إلا عكسَ ما يقصد ، وخلاف ما يريد.

ومن هنا يستطيع المؤرخُ المحققُ أن يتعرف على الشخصية الواقعية لمن يدرسه ، وعلى مكانته الإجتماعية ، وأخلاقه وسجاياه ولو من خلال ما ينسبُه الأعداء إليه ، وما يكيلون له من أكاذيب وإفتراءات ، ونسب باطلة واتهامات ، لأنّ العدوّ الّذي لا يخاف أحداً لا يقصّرُ في كيل كلِّ تهمة تنفعُهُ وتخدمُ غرضَه إلى الطرف الآخر ، ويستخدم هذا السلاح ( أي سلاح الدعاية ) ما استطاع ، وما ساعدته معرفُته بالظروف ، ودرايته بالفَرص.

فاذا لم ينسَب إليه أيُّ شيء من تلك النسب الباطلة فان ذلك إنما هو لأجل طهارة جيبه ، ونقاء صفحته ، وتنزُّه شخصيته عن تلك النسب ، ولأنّ المجتمع لم يكن ليعبأ بها ولم يصدّقها في شأنه.

ولو أننا تصفّحنا اوراق التاريخ الإسلامي لرأينا أن قريشاً مع ما كانت تكنُّ من عداء ، وتحِملُ من حِقد على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت تسعى بكل جهدها أن تهدم صرح الإسلام الجديد الظهور ، وأن تحطّ من شأن مؤسسه وبانيه لم تستطع مع ذلك أن تستفيد من هذا السلاح ، وتستخدمه كاملا.

فقد كانت تفكّر في نفسها : ماذا تقول في حق رسول اللّه؟ وماذا ترى تنسب إليه؟؟

هل تتهمه بالخيانة المالية وها هم جماعة منهم قد ائتمنوه على أموالهم؟!(١) كما أن حياته الشريفة طوال الاربعين سنة الماضية جسدت امانته امام الجميع ، فهو الامين بلا منازع؟

هل تتهمه بالجري والانسياق وراء الشهوة واللّذة؟ وكيف تقول في حقه مثل هذا الكلام مع أنه بدأ حياته الشبابية بالتزويج بزوجة كبيرة السنّ إلى درجة

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢.

٤٦٧

مّا ، وبقي معها حتّى لحظة انعقاد هذه الشورى في « دار الندوة » بهدف الدعاية ضدَه ، ولم يُعهَد منه زلّة قدم في هذا السبيل قط؟!

وبالتالي بماذا تتهم محمَّداً الصادق الأمين ، الطاهر العفيف ، وأية تهمة ترى يمكن أن تُصدَّق في حقه ، أو يحتمل الناس صدقها في شأنه ولو بنسبة واحد في المائة؟

لقد تحيَّر سادة « دار الندوة » وأقطابها في كيفية استخدام هذا السلاح ، سلاح الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرَّروا في نهاية الأمر أن يطرحوا هذا الأمر على صنديد من صناديد قريش ويطلبوا رأيه فيه ، وهو « الوليد بن المُغيرة » وكان ذا سنّ فيهم ، ومكانة ، فقال لهم :

يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدَم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيكذّبُ بعضكم بعضاً ، ويردُ قولُكم بعضُه بعضاً.

قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به.

قال : بل أنتم قولوا أسمَع.

قالوا : نقول كاهن.

قال : لا واللّه ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكُهّانَ فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا : فنقول : مجنون.

قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته.

قالوا : فنقول : ساحر.

فقال : ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم.

وهكذا تحيَّروا في ما ينسبون إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخيراً اتفقوا على أن يقولوا : أنه ساحر جاء بقول هو سِحرٌ يفرق به بين المرء وابيه وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته.

ويدلُّ عليه ما أوجده من الخلاف والإنشقاق والتفرُّق بين أهل مكة الَّذين

٤٦٨

كان يضرب بهم المثل في الوحدة والاتفاق(١) .

وقد ذكر المفسِّرون في تفسير سورة « المدثر » هذه القصة بنحو آخر فقالوا : لمّا اُنزل على رسول اللّه « حم تنزيلُ الْكِتاب ) قام إلى المسجد و « الوليد بن المغيرة » قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستماعه لقراءته ، أعاد قراءة الآية ، فتركت الآية في نفس الوليد تأثيراً شديداً فانطلق إلى منزله ، ولم يخرج منه أيّاماً ، فسخرت منه قريشٌ وقالت : صبأ ـ واللّه ـ الوليدُ ثم مشى رجال من قريش إليه وسألوه رأيه في قرآن محمَّد ، واقترح كل واحد منهم أمراً ، ولكنه رد عليها بالنفي جميعاً فقالت قريش إذن ما هو؟ فتفكر « الوليد » في نفسه ثم قال : ما هو إلاّ ساحرٌ أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله ، ووُلده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر(٢) .

ويرى المفسرون أن الآيات التالية في شأنه إذ يقول اللّه تعالى : «ذَرْني وَمَنْ خَلقْتُ وَحيداً. وَجَعلْتُ لَهُ مالا مَمدُوداً. وَبَنينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تمهيداً. ثُمّ يَطْمَعُ أنْ أزيدَ. كَلا انّه كانَ لآياتِنا عَنيداً. سارْهقُهُ صَعُوداً. إنّه فكَّرَ وَقدّر. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ. ثُمَّ نَظرَ. ثُمَّ عَبسَ وَبَسرَ. ثُمَّ أَدْبَر وَاْستَكْبَرَ. فَقالَ إنْ هذا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَر ... ( إلى قوله : )فَما لَهُمْ عِنَ التَذكِرَة مُعْرضيْن. كأَنَّهُمْ حُمُرٌ مستنفِرة فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة »(٣) .

* * *

الإصرار في نسبة الجنون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يعتبر إتصاف النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتهاره بين الناس بالصدق والامانة وغيرها من مكارم الأخلاق منذ شبابه من مسلَّمات التاريخ.

وهو بالتالي أمرٌ اعترف به حتّى أعداؤه الالدّاء ، فقد دانوا بفضله ، وأقرُّوا

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٧٠.

٢ ـ مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٨٦ و ٣٨٧.

٣ ـ المدثر : من ١١ ـ ٥١.

٤٦٩

بأخلاقه الكريمة وسجاياه النبيلة ، دون تلكؤ ، ولا إبطاء.

وقد كانَ من أوصافه الحسنة البارزة ان جميع الناس كانوا يدعونه « الصادق » « الامين » وكانوا يثقون بأمانته ثقة كبرى(١) حتّى أن المشركين كانوا يودعون ما غلى من أموالهم عنده ، واستمر هذا الأمر حتّى عشرة أعوام بعد دعوته العلنيّة.

وحيث أن دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ثقلت على المعاندين فاجتهدوا في أن يصرفوا عنه الناس بما ينسبون إليه من بعض النسب الّتي توجب سوء الظنّ به ، ومن ثم إفشال دعوته ، وحيث أنهم كانوا يعلمون أن النِسَبَ الاُخرى ممّا لا يقيم لها المشركون وزناً ، لأنها امور بسيطة في نظرهم ، من هنا رأوا بأن يتهمونه بالجنون ، والزعم بان ما يقوله ويقرؤه ما هو إلاّ من نسج الخيال ، ومن أثر الجنون الّذي لا يتنافى مع الزهد ، والأمانة ، وذلك تكذيباً لدعوته.

ثم عملت قريش على إشاعة هذه النسبة ، واتخذت وسائل عديدة وما كرة لترويجها وبثّها بين الناس.

ومن شدّة مكرهم ومراءاتهم أنّهم كانوا يتخذون موقف المتسائل المحايد فيطرحون هذه التهمة في قالب الشك ، والترديد إذ يقولون : «أفترى على اللّه كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ »(٢) .

وهذه هي بعينها الحيلةُ الشيطانية الّتي يتوسَّل بها ويتستر وراءها أعداء الحقيقة دائماً عند ما يريدون تكذيب المصلحين العظام ، واسقاط خطواتهم وافكارهم من الاعتبار ، والحطّ من شأنها وأهميتها.

ويشير القرآنُ أيضاً إلى انّ هذا الاسلوب الماكر الذميم لم يكن مختصاً بالمعارضين في عهد الرسالة المحمَّدية ، بل كان المعارضون في الأعصر الغابرة أيضاً يتوسلون بهذا السلاح لتكذيب الرسل ، والانبياء إذ يقول عنهم :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢ عن عبيداللّه بن ابي رافع : كانت قريش تدعو محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهلية الامين وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك كلُ من كان يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والامر كذلك.

٢ ـ سبأ : ٨.

٤٧٠

«كَذلكَ مَا أتى الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُول إلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتواصَوْا بِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ »(١) .

وتحدّث الاناجيلُ الحاضرة هي الاُخرى عن ان المسيحعليه‌السلام عندما وعظ اليهود قالوا : إنّ فيه شيطاناً ، فهو يهذي فلماذا تسمعون إليه؟!(٢) .

ومن المسلّم والبديهي أنَّ قريشاً لو كان في مقدورها أن تتهم رسولَ اللّه الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير هذا الاتهام وتنسب إليه غير هذه النسبة لما تأخرت عن ذلك ، ولكن حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشرقة خلال الاربعين سنة الماضية ، وسوابقه اللامعة في المجتمع المكيّ وغير المكي كانت تحول دون أن ينسبوا إليه شيئاً من تلك النسب القبيحة ، الذميمة.

لقد كانت « قريش » مستعدة لأن تستخدم أي شيء ـ مهما صغر ـ ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمثلا عند ما وجده أعداء الرسالة يجلس إلى غلام مسيحيّ يدعى « جبر » عند المروة ، انطلقوا يستخدمون هذا الأمر ضدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوراً فقالوا : واللّه ما يُعلِّمُ محمَّداً كثيراً ممّا يأتي به الا « جبر » النصراني.

فردّ عليهم القرآن الكريمُ بقوله : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعلِّمُه بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَميّ وَهذا لِسانٌ عَربيّ مُبِيْنٌ »(٣) .

«وَقَدْ جاءهُم رَسولٌ مُبينٌ ثُمَّ تَولُوا عَنهُ وَقالُوا معلَّمٌ مَجنُونٌ »(٤) .

القرآن يرد على جميع الاتهامات :

وربما نسبوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكهانة ، والكاهن هو من يتصل بعناصر من الجن(٥) أو الشياطين ويتلقى منهم اخباراً حول الماضي والمستقبل ،

__________________

١ ـ الذاريات : ٥٢ و ٥٣.

٢ ـ انجيل يوحنا : الفصل ١٠ ، الفقرة : ٢٠ ، والفصل ٧ ، الفقرة ٤٨ و ٥٢.

٣ ـ النحل : ١٠٣.

٤ ـ الدخان : ١٣ و ١٤.

٥ ـ الجن كائن من الكائنات ومخلوق من مخلوقات اللّه تعالى وقد اخبر به القرآن الكريم في مواضع عديدة كما سميت احدى السور باسم الجن.

٤٧١

وكان هذا موجوداً قبل الإسلام كما ترويه كتب السير والتواريخ(١) .

وقد رد القرآن الكريم على هذه المقالة وهذا الزعم إذ قال تعالى : «وَلا بِقَولْ كاهِن قَليلا ما تَذكَّرُونَ »(٢) كما ردّ ايضاً تهمة السحر ، والكذب والافتراء والشعر إذ قال تعالى وهو يصف المتهمين تارة بالكفر واُخرى بالظلم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرونَ هذا سَاحِرٌ كَذّابٌ »(٣) .

وقال تعالى : «وَقالَ الظالِمُونَ إنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلا مَسْحُوراً »(٤) .

وقال سبحانه متعجباً مِنهم : «قالُوا إنَّما أنتَ مِنَ المُسحَّرينَ »(٥) .

وقال تعالى : «وَقالُوا يا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ إنَّكَ لَمجْنُونٌ »(٦) .

وقال سبحانه : «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُون »(٧) .

وقال عزّ وجلّ : «فَذكِّر فَما أَنْتَ بِنعْمةِ رَبّكَ بِكاهِن وَلا مَجْنُون »(٨) .

وقال تعالى : «قالُوا إنّما أنْتَ مُفْتَر بل أكثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ »(٩) .

وقال تعالى : «أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْر سُوَر مِثلِه »(١٠) .

وقال سبحانه : «وَقالَ الّذينَ كَفَرُوا إنْ هذا إلاّ إفكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَليْهِ قَومٌ آخرونَ فَقدْ جاءوا ظُلماً وَزُوراً »(١١) .

وقال سبحانه : «أفتَرى عَلى اللّه كَذِباً أمْ بِهِ جِنَّةٌ »(١٢) .

وقال تعالى : «أَم يَقُولُونَ شاعِرٌ نَترَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُون »(١٣) .

وقال تعالى : «وَما عَلَّمْناهُ الشَّعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقران مُبِيْن »(١٤) .

وربما وصفوا القرآن بانه اضغاث احلام فردهم سبحانه بقوله.

«بَلْ قالُوا أضغاثُ أحْلام بلِ افْتراهُ بَلْ هُوَ شاعرٌ »(١٥) .

__________________

١ ـ راجع : بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٣ ، ص ٢٦٩ باب علم الكهانة والعرافة.

٢ ـ الحاقة : ٤٢.

٣ ـ ص : ٤.

٤ ـ الفرقان : ٨.

٥ ـ الشعراء : ١٥٣.

٦ ـ الحجر : ٦.

٧ ـ التكوير : ٢٢.

٨ ـ الطور : ٢٩.

٩ ـ النحل : ١٠١.

١٠ ـ هود : ١٣.

١١ ـ الفرقان : ٤.

١٢ ـ سبأ : ٨.

١٣ ـ الطور : ٣٠.

١٤ ـ يس : ٦٩.

١٥ ـ الانبياء : ٥.

٤٧٢

وهكذا نجدهم ذهبوا في استخدام سلاح الاتهام والتشويش على الشخصية المحمَّدية والرسالة الإسلامية كل مذهب ، فمرة وصفوه بانه كاهن واُخرى بانه ساحر وثالثة بانه مسحور ، ورابعة بانه مجنون وخامسة بانه معلّم وسادسة بانه كذاب وسابعة بانه مفتري وثامنة بانه مفترى أو مجنون على سبيل الترديد وتاسعة بانه شاعر وعاشرة بان ما يقوله ما هو الاّ اضغاث احلام.

٢ ـ فكرةُ معارضة القرآن :

لم يُجدِ استخدام سلاح الإتهام ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفعاً ، ولم يأت بالثمار الّتي كان يتوخاها المشركون منه ، لأن الناس كانوا يُدركون بفطنتهم وفراستهم أن للقرآن جاذبيّة غريبة ، وأنهم لم يسمعوا كلاماً حلواً ، وحديثاً عذباً مثله.

ان لكلماته من العمق والعذوبة بحيث يتقبّلها كلُ قلب ، وتسكن اليها كل نفس.

من هنا لم ينفع اتهام قريش لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون وبأنَّ ما يقوله إن هو الاّ من نسج الخيال ، ونتائج الجنون ، شيئاً ، فقررت أن تخطّط لتدبير آخر ظناً منهم بأنّ تنفيذه سيصرف الناس عنه ، وعن الاستماع إلى كتابه ، ألا وهو : معارضة القرآن الكريم.

فعمدت إلى « النضر بن الحارث » وكان من شياطين قريش ، وممّن كان يؤذي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قضى شطراً من حياته في الحيرة بالعراق وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس واحاديث « رُستم » و « إسفنديار » وقصصهم ، وحكاياتهم ، وأساطيرهم ، وطلبوا منه أن يجمع الناسَ ويقص عليهم من تلكم الأساطير والحكايات يلهي بها الناس عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويصرفهم عن الإصغاء إلى القرآن الكريم!!

فكان إذا جلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجلساً فذكَّر الناس فيه باللّه ، وحذر قومه ما أصاب مَن قبلَهم من الاُمم من نقمة اللّه ، خَلفه « النضرُ » في مجلسه

٤٧٣

إذا قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : أنا واللّه يا معشر قريش أحسنُ حديثاً منه فهلمَّ إليّ ، فأنا اُحدِّثكم أحسنَ من حديثه.

ثم يحدّثهم عن ملوك الفرس و « رستم » و « اسفنديار » ثم يقول :

بماذا محمَّد أحسن حديثاً مني وما حديثه إلاّ أساطير الأَولين اكتتبهاكما اكتتبتُها؟(١) .

وقد كانت هذه الخُطة حمقاء جداً إلى درجة أنها لم تدم إلاّ عدة ايام لا اكثر حتّى أن قريشاً سأمت من أحاديث « النضر » وسرعان ما تفرّقت عنه.

وقدنزل في هذا الشأن آيات هي : «وَقالُوا أساطيرُ الأَوَّليْنَ اكتتبها فهي تمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأصِيْلا * قُلْ أَنْزلَهُ الَّذيْ يعْلَمُ السِّرّ في السَماواتِ وَالأَرْضِ إنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحيماً »(٢) .

* * *

تحججات صبيانيّة وجاهليّة :

وربما جسَّدوا معارضتهم للدعوة المحمَّدية في صورة تحججات ومجادلات جاهليّة ومآخذ سخيفة اخذوها على رسول اللّه ورسالته ، تنم عن تكبر وجهل ، وعناد ولجاج طبعوا عليه.

وها نحن نذكر ابرزها :

أ ـ لماذا لم ينزل القرآن على ثريّ من اثرياء مكة أو الطائف؟!

قال تعالى حاكيا قولهم : «لَولا نُزِّلَ هذا الْقُرانُ عَلى رَجُل مِنَ الْقَريَتَيْنِ عَظِيْم »(٣) .

ب ـ لماذا لم يرسل اليهم ملائكة ولماذا هو بشر؟!

قال تعالى عنهم : «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أن يُؤْمِنُوا إذْ جاءهُمْ الهُدى إلاّ أَنْ قالُوا أبعَثَ اللّه بَشَراً

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ و ٣٥٨.

٢ ـ الفُرقان : ٥ و ٦.

٣ ـ الزخرف : ٣١.

٤٧٤

رَسُولا »(١) .

وقال تعالى حاكياً عنهم أيضاً : «وَقالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي فِي الأَسْواقِ »(٢) .

ج ـ انَّه يدعو إلى خلاف ما كان عليه الآباء ، من الدين والعقيدة والسلوك؟

يقول عنهم سبحانه : «وَإذا قِيْلَ لَهُمْ تَعالَوْا إلى ما أَنْزَلَ الله وَإلى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءنا أو لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ »(٣) .

د ـ تبديل الآلهة بإلهٍ واحد.

قال اللّه عنهم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ * أَجعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحِداً إنْ هذا لِشَيء عُجابٌ »(٤) .

هـ ـ القول بحشر الاجساد وتجدد الحياة في يوم القيامة.

قال تعالى عنهم : «وَقالُوا ءإذا ضَلَلْنا فِي الاْرْضِ ءإنّا لِفِي خَلْق جَدِيد »(٥) .

و ـ لماذا ليس عنده مثل ماكان لدى موسى من المعجزات كالثعبان المنقلب من العصا ، وقد توصل المشركون إلى هذا النمط من الاعتراض بسبب اتصالهم بأحبار اليهود.

يقول اللّه عنهم : «فَلَمّا جاءهُمْ الْحقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا اُوتِيَ مِثْلُ ما اُوْتيَ مُوسى »(٦) .

ز ـ لماذا ليس معه ملك يُرى ويشاهَد ويحضر معه في كل مقام ومشهد.

قال تعالى : «وَقالُوا لَولا اُنْزلَ عَلَيْهِ مَلَكْ »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٤.

٢ ـ الفرقان : ٧.

٣ ـ المائدة : ١٠٤.

٤ ـ ص : ٤ و ٥.

٥ ـ السجدة : ١٠.

٦ ـ القصص : ٤٨.

٧ ـ الانعام : ٨.

٤٧٥

مقترحات عجيبة ومطاليب غريبة :

وكان المشركون إذا نفذت تحججاتهم واعتراضاتهم الواهية ، وقوبلوا بردود قوية وقاطعة عليها عمدوا إلى طرح مقترحات سخيفة على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سياق معارضتهم لدعوته ونورد هنا ابرز تلك الاقتراحات ليعرف القارئ الكريم مدى معاناة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قومه :

لقد اقترحوا عليه :

١ ـ ان يعبد اصنامهم سنة ويعبدوا إلهه سنة اُخرى وجعلوا ذلك شرطا لايمانهم بدعوته!!

فأنزل اللّه تعالى في ردّهم بسورة « الكافرون » : «بِسْم اللّه الرَّحْمن الرَّحيم. قُلْ يا أَيُّها الْكافِرُونَ * لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ. وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ. لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دِيْنِ ».

٢ ـ تبديل القرآن ، فقد دفع نقدُ القرآن الكريم للوثنية ، والازاء على الاصنام ، دفعهم إلى ان يطلبوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يأتي لهم بقرآن آخر لا يحتوي على شجب عبادة الاوثان والازدراء بالاصنام ، وابطالها.

قال اللّه تعالى عن فعلهم هذا : «وَإذا تُتْلى عَلَيْهِم آياتُنا بيِّنات قالَ الَّذيْنَ لا يَرْجُونَ لِقاءنا ائتِ بِقُرآن غَيْر هذا أوْ بَدّلهُ »(١) .

فردّ اللّه عليهم بقوله : «قُلْ ما يَكُونُ لِيْ أَنْ اُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاء نَفْسِيْ إنْ اتّبعُ إلا ما يُوْحى إلَيَّ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْم عَظيْم »(٢) .

٣ ـ مطاليب مادية عجيبة!!

__________________

١ و ٢ ـ يونس : ١٥.

٤٧٦

وقد عمدوا ـ بسبب عنادهم وعتوهم ـ إلى المطالبة باُمور لا ترتبط بهداية الناس ، مثل مطالبته بان يفجر لهم ينابيع ، أو يُسقط السماء على رؤوسهم قطعاً ، أو يصعد إلى السماء ، أو يأتي باللّه سبحانه وتعالى ، أو غير ذلك من الاقتراحات والمطاليب الّتي كانت إما مستحيلة في نفسها أوتناقض غرض الدعوة!!

قال اللّه حاكياً عنهم ذلك : «وَقالُوا لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يُنْبُوعاً. أوْ تَكُون لَكَ جَنّةٌ مِنْ نَخيْل وَعنَب فَتُفَجِّر الاْنهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أوْ تَأتِيَ بِاللّه وَالْمَلائكةِ قَبِيلا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْت مِنْ زُخْرُف أوْ تَرْقى في السَّماء »(١) .

صبر النبيّ واستقامته وثباته :

ولقد قابل رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل هذه التحججات الايذائية وما طرح مِنَ الاقتراحات المستحيلة بصبر عظيم وثبات هائل ، ايماناً منه بدعوته ، وحرصاً على ابلاغ رسالته ، وبفعل التأييد الالهي من جانب.

يقول اللّه تعالى في هذا الصدد :

١ ـ «فَاْصْبِرْ كَما صَبَرَ اُوْلوا العْزْم مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ »(٢) .

٢ ـ «وَاتّبِعْ ما يُوحْى إلَيْكَ وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّه وَهُوَ خَيْرُ الحاكِميْن »(٣) .

٣ ـ «وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إلاّ بِاللّه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ »(٤) .

٤ ـ «وَاصْبِرْ نَفْسكَ مَعَ الَّذيْنَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداوَة وَالعَشِيِّ »(٥) .

٥ ـ «فَاصْبِرْ لِحُكْم رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوْت »(٦) .

٦ ـ «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلا »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٠ ـ ٩٣.

٢ ـ الاحقاف : ٣٥.

٣ ـ يونس : ١٠٩.

٤ ـ النحل : ١٢٧.

٥ ـ الكهف : ٢٨.

٦ ـ القلم : ٤٨.

٧ ـ المزمل : ١٠.

٤٧٧

معاجز النبيّ لم تنحصر في القرآن :

وبالمناسبة لابد أن نذكر أن المشركين ومن حذى حذوهم من الكفار والمعارضين للرسالة الإسلامية كانوا يطالبون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعاجز وديات لا بدافع الرغبة في الايمان بدعوته بل بدافع اللجاج والعناد ، وإلا فان معاجز النبيّ لم تنحصر في الكتاب العزيز ، فقد اتى رسول اللّه بآيات ومعاجز كثيرة اُخرى غير القرآن ، كان كل واحد منها يكفي للاقتناع برسالته ، والايمان بصحة دعواه.

فالقرآن نفسه يشير إلى أبرز هذه المعاجز وهي :

١ ـ شقّ القمر

فقد طلب المشركون من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يشق لهم القمر نصفين حتّى يؤمنوا به ، فلمّا على ذلك لهم باذن اللّه كفروا به وقالوا انه سحر!!

يقول اللّه تعالى : «إقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ. وَإنْ يَروْا آيَة يُعْرضُوْا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتمِرّ »(١) .

٢ ـ المعراج

ان العروج برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والّذي سيأتي مفصلا هو الآخر معجزة من معاجزه القوية ، وقد نطق بها القرآن بقوله : «سُبْحانَ الَّذي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرام إلى الْمَسْجِدَ الأَقْصى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُريَهُ مِنْ آياتِنا إنَّه هُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيرُ »(٢) .

____________

١ ـ القمر : ١ و ٢.

٢ ـ الاسراء : ١.

٤٧٨

٣ ـ مباهلة أهل الباطل

ان تقدم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مَن خرج بهم إلى المباهلة ، واحجام النصارى عن مباهلته ، معجزة اُخرى من معاجزهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه القضية إذ قال : «فَمَنْ حاجَّكَ فِيْهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءكَ مِنَ العلم فَقُل تَعالوا نَدْعُ أَبْناءنا وَأَبْناءكُمْ وَنِساءنا وَنِساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعلْ لَعْنَةَ اللّه عَلىَ الْكافِرينَ »(١) .

وستأتي قصَّة المباهلة على نحو التفصيل في حوادث السنة العاشرة من الهجرة.

٤ ـ الاخبار بالمغيبات

فقد كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عن اُمور غائبة كما يقول اللّه سبحانه حاكيا عنه : «وَاُنبِّئكُمْ بِما تأكلون وما تَدَّخِرُونَ فِيْ بُيُوتكُمْ »(٢) .

هذا وقد أخبرت الاخبار والاحاديث عن معاجز كثيرة لرسول اللّه غير القرآن الكريم.

__________________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٢ ـ آل عمران : ٤٩ ، وقد اشار القرآن الكريم إلى موارد اُخرى من هذه القبيل.

فقد اخبر عن غلبة الروم بعد سنين : قال تعالى :

«الم غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَييغْلِبُونَ. في بِضْعِ سِنْينَ * للّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعدُ وَيَومئذ يَفْرحُ الْمؤمنون » ( الروم : ١ ـ ٤ ).

واخبر عن هلاك ابي لهب قال تعالى :

«تَبَّت يَدا أبي لَهَب وَتَبّ ... الخ ».

وأخبر عن هزيمة المشركين في بدر قال سبحانه :

«سيهزم الجمع ويولون الدبر » ( القمر : ٤٥ ).

٤٧٩

ومن هذه المعاجز ما ذكره الامام اميرالمؤمنين علّي بن أبي طالب ـ كما في نهج البلاغة ـ حول سؤال المشركين من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلع شجرة بعروقها وجذورها ولما فعل ذلك وقال : « يا أيّتها الشجرة ان كنت تؤمنين باللّه واليوم الآخر ، وتعلمين أني رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ باذن اللّه ».

فانقلعت بعروقها ولها دوّي عجيب ووقفت بين يدي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنهم كذّبوا وقالوا ساحر كذاب ، علواً واستكباراً.

وقد صرح الامام في كلامه هذا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرهم بانهم لا يؤمنون وان ظهرت لهم المعجزة الّتي طلبوها ، وان فيهم من يطرح في القليب ( في معركة بدر ) وان منهم من يحزّب الأحزاب ( لمعركة الخندق )(١) .

اصرار النبيّ على هداية قريش :

بل كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرص على هدايتهم وارشادهم وايقاظهم. فقد كان زعيم المسلمين وقائدهم يعلم جيداً بأن اعتقاد أغلبية الناس بالأوثان ما هو الاّ أمر نابع من تقليد الآباء ، والجدود ، أو اتباع أسياد القبيلة وكبرائها ، وهو بالتالي لا يستند إلى جذور في أعماق الناس واُسس في عقولهم ونفوسهم.

من هنا فانَّ أيَّ انقلاب يحصل ويحدث في اوساط السادة والكبراء بان يؤمن أحدهم مثلا كان كفيلا بأن يحلّ الكثير من المشاكل.

من هنا كان ثمة إصرار كبير على جرّ « الوليد بن المغيرة » الّذي أصبح ابنه « خالد » في ما بعد من قادة الجيش الاسلاميّ والمشاركين في الفتوح الإسلامية إلى صف المؤمنين بالرسالة المحمَّدية ، لأنّه كان أسنَّ مَن في قريش واكثرهم نفوذاً ، وأعلاهُم مكانة ، وأقواهم شخصية ، وكان يُدعى حكيم العرب ، وكانت العرب تحترم رأيه إذا اختلفت في أمر.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : قسم الخطب الرقم ١٩٢.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595