أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 139754
تحميل: 10132

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139754 / تحميل: 10132
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤ - الشيخ الطوسي ٣٨٥ هـ ٤٦٠ ه

قال الشيخ الطوسي في كتاب الصلاة منالمبسوط :

... والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً: ثمانية عشر فصلاً الأذان، وسبعة عشر فصلاً الإقامة... ومن أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان، وزاد فيها: قد قامت الصلاة مرتين، ومنهم من جعل في آخرها التكبير أربع مرات. فأمّا قول: (أشهد أن علياً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية)، على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (١) .

وقالرحمه‌الله في كتابالنهاية ، بعد أن عدّ الأذان والإقامة خمسة وثلاثين فصلاً:

 وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان هو المختار المعمول عليه، وقد رُوي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات، وفي

____________________

(١) المبسوط ١: ١٤٨ طبعة جامعة المدرسين قم المقدسة. وفي طبعة المكتبة المرتضوية ١: ٩٩ كلمة (يأثم به) بدل (لم يأثم به) وهو خطأ بيّن، لأنّ العلاّمة الحلي المتوفّى ٧٢٦ هـ حكى في منتهى المطلب ٤: ٣٨١ وكذا الشهيد (ت ٧٨٦ هـ) في البيان: ٧٣ والدروس ١: ١٦٢ عن الشيخ قوله: (فإن فعله لم يكن آثماً) وكذا غيرهم من متأخري المتأخرين كالمجلسي في البحار ٨١: ١١١، والبحراني في الحدائق ٧: ٤٠٣، والميرزا القمّي في الغنائم ٢: ٤٢٣، وغيرهم.

 وإنّ الاستثناء الموجود في ذيل كلام الشيخ (غير أنّه ليس...) يؤكد بأنّه لا يصلح إلاّ بعد بيان الحكم، ومعناه الاستدراك على شيء قد مضى، فلو كان الشيخ يفتي بالحرمة لما صحّ الاستدراك، وبذلك ثبت خطأ تحقيق السيّد محمد تقي الكشفي لهذه الجملة، إن كان تحقيقاً، وقد يكون الخطأ من الطبّاع أو المطبعة.

 

٣٠١

 بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً، وفي بعضها اثنان وأربعون (١) .

ثم جاءرحمه‌الله يصور تلك الأقوال، فقال:

 فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات، لم يكن مأثوماً. وأمّا ما رُوي في شواذّ الأخبار من قول: (أشهد أنّ علياً ولي الله)، و(آل محمّد خير البرية) فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئاً (٢) .

وقد يتصوّر المطالع أنّ الشيخ قد عارض نفسه، لأنّه قال فيالمبسوط :(ولو فعله الإنسان لم يأثم به) ، وفيالنّهاية :(فمن عمل بها كان مخطئاً).

لكنّ هذا التوهّم بعيد جداً حسب قواعد العلم ومعايير الاجتهاد، لأنّ الشيخرحمه‌الله عنى بقوله الأوّل: الإنسان لو فعلها بقصد القربة المطلقة ولمحبوبيتها الذاتية (لم يأثم به)، وأمّا لو فعلها بقصد الجزئية (كان مخطئاً) بحسب أصول الاجتهاد، لأنّ الشيخ الطوسي لا يأخذ بالأخبار الشاذّة إذا عارضت ما هو أقوى منها، وسيأتي أنّ بعض العلماء كالمجلسي وغيره تمسّكوا بشهادة الشيخ، فأفتوا بموجب ذلك باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان، باعتبار أنّ الشاذ هو الحديث الصحيح غير المشهور، في حين أن الشاذ هو مما يؤخذ فيه أنواع الحديث الأربعة، منه الصحيح، ومنه الضعيف، وما بينهما.

واحتُمل الآخر جمعاً بين القولين: بأن الشيخرحمه‌الله عنى بقوله الذي يأتي بها على نحو الجزئية، فإنه لا يأثم وإن كان مخطئاً بحسب الصناعة، لأنّه بذل وسعه وتعرف على الحكم وإن كان مخطئاً في اجتهاده، لأخذه بالمرجوح وترك الراجح. وهو وكلام بعيد عن الصواب لا نلتزمه.

____________________

(١) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: ٦٨. وانظر (نكت النهاية) ١: ٢٩٣ للمحقق الحلي كذلك.

(٢) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: ٦٩ وانظر نكت النهاية ١: ٢٩٣ للمحقق الحلي كذلك.

 

٣٠٢

أما لو قلنا بأن معنى الشاذ عند الشيخ الطوسي هو الضعيف الذي لا يعمل به، فالشيخ صرح بأن العامل به لا يأثم.

وعلى كل التقادير والاحتمالات في معنى"الشاذ" عند الشيخ الطوسي يكون العامل بالشهادة الثالثة غير مأثوم.

ولكي نفهم كلام الشيخ أكثر لابدّ من توضيح بعض الأمور:

الأمر الأول: تفسير معنى"الشاذ" عنده وعند غيره من علماء الدراية والفقه، فنقول: اختلفت تعابير علمائنا وعلماء العامة في معنى"الشاذّ" مع اتّفاقهم على معناه اللّغويّ، وهو الانفراد عن الجماعة.

فقال البعض: هو ما رواه الثقة، مخالفاً للمشهور(١) ، أو للأكثر(٢) ، أو لجماعة الثقات، والمعنى في جميعها متقارب.

وقال الأخر: هو ما يتفرّد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة(٣) .

وقال الشافعي: ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس(٤) .

إذن الشاذّ في الأغلب عندنا وعند العامّة هو ما يقابل المشهور والمحفوظ، وقد يطلق الشاذّ عندنا خاصّة على ما لم يعمل بمضمونه العلماء وإن صح إسناده ولم يعارضه غيره. وجاء عن الإمام البروجردي قوله: كلما ازداد [الشاذ] صحةً ازداداً ضعفاً(٥) لترك الطائفة العمل به.

____________________

(١) انظر شرح البداية في علم الدراية، للشهيد الثاني: ٣٩.

(٢) الرعاية في علم الدارية: ١١٥، وصول الأخبار: ١٠٨، الرواشح السماوية: ١٦٣، الراشحة السابعة والثلاثون.

(٣) معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: ١١٩، وصول الأخيار: ١٠٦.

(٤) معرفه علوم الحديث للحاكم النيسابوري: ١١٩.

(٥) راجع"المنهج الرجالي" للسيّد الجلالي (حفظه الله تعالى).

٣٠٣

قال ابن فهد الحلّيّ فيالمهذّب البارع : ومنها المشهور... ويقابله الشاذّ والنادر، وقد يطلق على مرويّ الثقة إذا خالف المشهور(١) .

والمراد من (المجمع عليه) الوارد في مقبولة عمر بن حنظلة المرويّة في كتب المشايخ الثلاثة(٢) .. ليس ما اتّفق الكلّ على روايته، بل المراد ما هو المشهور بين الأصحاب في مقابل ما ليس بمشهور، ويوضح ذلك قول الإمامعليه‌السلام : (ويترك الشاذّ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك)(٣) .

ومعنى كلام الإمام أنّ الشاذّ النادر قد يكون من أقسام الحديث الصحيح الذي لا يعمل به، لوجود ما هو أقوى منه أو أنّه صدر لظروف التقية ونحوها.

إذن، الشذوذ في الغالب هو وصف للمتن لا للسند، فهو مقابل الضعف الذي يأتي غالباً للسند دون المتن، ولو تأمّلت في منهج الشيخرحمه‌الله فيالاستبصار لرأيته يسعى للجمع بين الأخبار ورفع التعارض فيما بينها بعد أن ييأس من الأخذ بالراجح، وإنّ جمعه بين الأخبار الشاذّة والمعمول بها في بعض الأَحيان يُفهِمُ بأنّهرحمه‌الله لا يحكم على الأخبار الشاذّة بأنّها دخيلة وموضوعة، بل يرى لها نحو اعتبار عنده وهي داخله عنده ضمن أنواع الحديث الأربعة؛ أي أنّ حجيّتها عنده اقتضائية، بمعنى أنّها حجّة لولا المعارضة.

ولتوضيح المسألة إليك خمسة نماذج من المجلد الأول من كتابه(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) تيمناً بالخمسة من آل العبا:

١ - قال الشيخ في(باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما) بعد أن

____________________

(١) المهذب البارع ١: ٦٦.

(٢) منها قولهعليه‌السلام :ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه. الكافي ١: ٦٨ / باب اختلاف الحديث / ح ١٠.

(٣) المهذب للقاضي ابن براج ٢: ٨.

 

٣٠٤

أورد عدّة روايات كان آخرها ما رواه غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: إنّ علياًرحمه‌الله كان يقول: الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة، وإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة: فلا ينافي ما قدّمناه، لأنّ هذا الخبر شاذّ وما قدّمناه مطابق للأخبار كلّها، ولأنّا إذا عملنا على تلك الأخبار نكون قد عملنا على هذه الأخبار، لأنّها داخلة فيها، وإن عملنا على هذا الخبر احتجنا أن نسقط تلك جملةً، ولأنّ العلم يحصل بزوال النجاسة مع العمل بتلك الأخبار ولا يحصل مع العلم بهذا الخبر(١) .

فالشيخ لا يمنع العمل بالخبر الشاذّ مطلقاً إلاّ إذا امتنع الجمع، وهذا يفهم بأنّه دلالة عنده بنحو الاقتضاء والقابلية؛ أي أنّه بنفسه حجّة لولا المعارضة، لأنّ الترجيح فرع الحجّيّة الاقتضائيّة كما يقولون.

٢ - ونحوه قال الشيخ في(باب المصلي يصلي وفي قبلته نار) :

فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين بن عمرو، عن أبيه عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع الحديث، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، إن الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه.

 فهذه الرواية شاذة مقطوعة الإسناد وهي محمولة على ضرب من الرخصة وإن كان الأفضل ما قدمناه(٢) .

٣ - وقال الشيخ في باب(من فاتته صلاة فريضة فدخل عليه وقت صلاة أُخرى

____________________

(١) الاستبصار ١: ٣٨ / ح ٩.

(٢) الاستبصار ١: ٣٩٦ / ح ٣.

٣٠٥

فريضة):

فأمّا ما رواه سعد بن عبدالله، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة، فقال: إِن حضرت العتمة وذكر أنَّ عليه صلاة المغرب فإن أحبَّ أن يبدأ بالمغرب بدأ وإن أحبّ بدأ بالعتمة ثم صلّى المغرب بعدها.

 فهذا خبر شاذّ مخالف للأخبار كلّها، لأنّ العمل على ما قدمناه من أنّه إذا كان الوقت واسعاً ينبغي أن يبدأ بالفائتة، وإن كان الوقت مضيّقاً بدأ بالحاضرة، وليس هاهنا وقت يكون الإنسان فيه مخيّراً، ويمكن أن يحمل الخبر على الجواز والأخبار الأوّلة على الفضل والاستحباب(١) .

انظر إلى الشيخ كيف يسعى للجمع بين الخبر الشاذّ وغيره، فلو لم يكن للخبر الشاذ حجيّة اقتضائيّة عنده أو قل صحيحاً عنده لدرجة مّا لما سعى للجمع بينه وبين الأخبار الأخرى؛ يشهد لذلك أنّه أفتى بمضمونه حيث قال: (يحمل الخبر على الجواز)؛ أي جواز الابتداء بصلاة المغرب أو العتمة، مع أنّ المشهور الروائي ينصّ على أن يبتدئ بالعتمة ويقضي المغرب، وصلاة العتمة هي صلاة العشاء.

٤ - وقال الشيخ الطوسي في أبواب(ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه) باب مس الحديد: وأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى، عن أبي عبداللهعليه‌السلام في الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد، أو جزّ من شعره أو حلق قفاه: فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي:

____________________

(١) الاستبصار ١: ٢٨٨ ح ١٠٥٥.

 

٣٠٦

سُئل: فإن صلّى ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال: يعيد الصلاة لأنّ الحديد نجس، وقال: لأنّ الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنّة.

 فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب؛ لأنه خبر شاذّ مخالف للأخبار الكثيرة، وما يجري هذا المجرى لا يعمل عليه على ما بيّنّاه(١) .

فالشيخرحمه‌الله حمل الخبر الشاذ هنا على ضرب من الاستحباب، وهو يؤكّد أخذه بمضمونه.

٥ - وقال الشيخ في(باب البئر يقع فيها الدم القليل والكثير):

فأ مّا ما رواه الحسين بن سعيد، عن محمد بن زياد، عن كردويه، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر؟ قال: ينزح منها ثلاثون دلواً.

 فهذا الخبر شاذّ نادر، وقد تكلّمنا عليه فيما تقدّم؛ لأنّه تضمّن ذكر الخمر والنبيذ المسكر الذي يوجب نزح جميع الماء، مضافاً إلى ذكر الدم، وقد بيّنّا الوجه فيه، ويمكن أن يحمل فيما يتعلّق بقطرة دم أن نحمله على ضرب من الاستحباب، وما قدّمناه من الأخبار على الوجوب لئلا تتناقض الأخبار(٢) .

وهذا أيضاً رقم آخر يؤكّد ما قلناه من أنّ الشيخ يفتي بمضمون الشاذ نظراً لدلالته الاقتضائية.

ونحوه ما رواه الشيخ فيالتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سالت الرضاعليه‌السلام عن المذي فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني

____________________

(١) الاستبصار ١: ٩٦ / ح ٣١١.

(٢) الاستبصار ١: ٤٥ / ح ١٢٥.

٣٠٧

بالوضوء منه وقال: إن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واستحيا أن يسأله، فقال: فيه الوضوء.

 فهذا خبر ضعيف شاذ والذي يكشف عن ذلك الخبر المتقدم الذي رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام وذكر قصة أمير المؤمنينعليه‌السلام مع المقداد وأنه لما سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال: لا بأس به، وقد روى هذا الراوي بعينه أنه يجوز ترك الوضوء من المذي، فعلم بذلك أن المراد بالخبر ضرب من الاستحباب(١) .

وقد ذكر الشيخ المفيد فيالمقنعة عدة أنواع من الاستخارات وقال: وهذه الرواية شاذة ليست كالذي تقدم، لكنا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها(٢) .

وعلّق المحقق فيالمعتبر على ما رواه الشيخ بسنده عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، قال سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشيء فينجسه فنسى أن يغسله ويصلي فيه، ثم تذكر أنه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: (لا يعيد، قد مضت صلاته وكتبت له).

 قال الشيخ هذا خبر شاذ لا يعارض به الأخبار التي ذكرناه ويجوز أن يكون مخصوصاً بنجاسة معفو عنها. وعندي إن هذه الرواية حسنة والأصول يطابقها لأنه صلّى صلاة مشروعة مأمور بها فيسقط بها الفرض، ويؤيد ذلك قولهعليه‌السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان. لكن القول الأول أكثر والرواية أشهر(٣) .

وقال أيضاً في بعض أقوال زكاة الذهب والفضة:

____________________

(١) تهذيب الأحكام ١: ١٨ / ح ٤٢.

(٢) المقنعة: ٢١٩.

(٣) المعتبر ١: ٤٤١.

 

٣٠٨

 والجواب عما احتج به بعض الأصحاب، إنما ذكرناه أشهر في النقل، وأظهر في العمل، فكان المصير إليه أولى. وقال الشيخرضي‌الله‌عنه في الخلاف: وقد تأولنا الرواية الشاذة، وأشار إلى هذه الرواية، وقال في التهذيب: (يحمله قوله (وليس فيما دون الأربعين ديناراً شيء) على أن المراد بالشيءِ دينار، لأن لفظ الشيء يصح أن يكنى به عن كل شيء). وهذا التأويل عندي بعيد وليس الترجيح إلاّ بما ذكرناه(١) .

كان هذا بعض الشيء عن الخبر الشاذّ عند القدماء وطريقة تعامل الشيخ الطوسي معه.

الطوسي بين الفتوى بالجواز وشذوذ أخبار الشهادة

تبيّن من الأمثلة التي سقناها آنفاً أنّ الشيخ الطوسي لا يعمل بالشاذ إذا ما استحكمت المعارضة مع ما هو مشهور، لكن إذا أمكنه الجمع فإنه لا يترك الشاذّ، ويفتي بمضمونه، فقد مرّ أنّ الشاذّ عند الشيخ خلال الأمثلة الآنفة يكون دليلاً على الجواز كما في خبر من فاتته صلاة المغرب حتى دخل وقت صلاة العتمة، وهذا معناه أنّ الخبر الشاذ عند الشيخ قد يصل إلى مرحلة الحجّيّة الفعلية مع إمكانية الجمع ولا يقف على الحجية الاقتضائية فقط.

وبناءً على ذلك نقول: إنّ الشيخ وصف أخبار الشهادة الثالثة بأنّها شاذّة لكنّه مع ذلك قال بجواز الإتيان بها حين جزم قائلاً: (لم يأثم به)، وليس لهذا معنى إلاّ أنّه أفتى بمضمونها. وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تنهض لإثبات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان لشذوذها، ولأنّ روايات الأذان المشهورة المعوّل عليها

____________________

(١) المعتبر ٢: ٥٢٤، وانظر كذلك كلام الفاضل الآبي في كشف الرموز ١: ٣٦٣ و ٢: ٢٥٧.

 

٣٠٩

 لم تذكر ذلك، لكن مع ذلك يمكن الجمع والفتوى بالجواز، وعلى هذا الأساس يمكن للفقيه الفتوى بالجواز بالنظر لذلك، وهذا بغضّ النظر طبعاً عن الأدلّة الأخرى التي تؤدِّي إلى الاستحباب.

الأمر الثاني: من خلال المقارنة بين عبارتي الشيخ في(المبسوط) و(النهاية) نحتمل بأنهرحمه‌الله كان يفتي بجواز العمل بمضمون الروايات المتضمنة للشهادة الثالثة، لأنّ قوله فيالمبسوط بعدم إثم من يقول ب (أشهد أن علياً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية)، هو معنى آخر لما قاله عن اختلاف الروايات في فصول الأذان، وأنّ العامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً. أمّا لو أراد القائل أن يقول بالجزئية فيها استناداً لبعض هذه الروايات، فسيكون مأثوماً ومخطئاً، لشذوذها. وقد يمكن الافتراض كذلك بأنّه ليس بمأثوم وإن كان مخطئاً، لأنّه بذل وسعه للحصول على الحكم وإن كان مخطئاً فيما توصل إليه، وبهذا لا يكون تلازم بين الإثم والخطأ، فتأمل.

وتوضيح ذلك: أنّ الشيخ يجيز الإتيان بها لا على نحو الجزئية، لأنّه لم يعتبر الشهادة بالولاية من (فضيلة الأذان ولا من كمال فصوله)، وهو معنى آخر لما قاله في النّهاية من أنّ العامل بها كان مخطئاً، وبذلك يكون نهيه من الإتيان بها إنّما هو الإتيان بها على نحو الجزئية، لكونها ليست من أصل الأذان وأنّ العامل بها على نحو الجزئية يكون مخطئاً.

أمّا لو أتى بها لمحبوبيّتها أو بقصد القربة المطلقة، فالشيخ لا يمانع من الفتوى بالجواز، كما جزم في قوله: (ولو فعله لم يأثم به)، وكلام الشيخ هنا يجري مجرى كلام الشيخ الصدوقرحمه‌الله وما ذهب إليه السيّد المرتضىرحمه‌الله ، فكلّهم لا يرتضون الجزئية لعدم مساعدة النصوص على القول بها، وهذا يعني عند هؤلاء الأعلام الثلاثة أنّه لا توجد روايات ناهضة للقول بجزئيتها، ولقد تقدّم في الأمثلة التي سردناها عن الشيخ الطوسي بأنّ الشيخ يرى حجيّة الشاذّ بنحو الاقتضاء بل

٣١٠

 الفعلية فيما لو أمكن الجمع ولذلك أفتى بمقتضى هذا المبنى بالاستحباب، فقد قال في ردّ مضمون الخبر المصرّح بضرورة غسل موضع قصّ الأظافر بالحديد: (فالوجه في هذا الخبر (الشاذ) أن نحمله على ضرب من الاستحباب).

ومن كلّ ذلك نقف على نتيجة مهمّة، وهي أنّ الشيخ لم يكن يرى الحجيّة الفعلية في أخبار الشهادة الثالثة للقول بجزئيتها أو للفتوى بالاستحباب، فالشيخ لم يقل بحملها على ضرب من الاستحباب هنا كما فعل بالخبر الشاذّ المصرِّح بوجوب غسل موضع قص الأظافر بالحديد، وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تمتلك حجيّة فعلية في خصوص ذلك، لكن يبدو كما احتملنا قويّاً بأنّ الشيخ يرى أنّ لها حجيّة فعلية لتكون دليلاً للفتوى بالجواز؛ يشهد لذلك أنّه قال: (لم يأثم به) فالتفِتْ لذلك فهذا التفصيل قد غاب في كلمات العلماء.

هذا مع الإشارة إلى أنّ القول برجحان أو عدم رجحان الشهادة الثالثة لا يقف عند هذا الحدّ؛ إذ هناك أدلّة أخرى لم يتعرّض لها الشيخ الطوسي، كالعمومات، ومرسلة الاحتجاج، وغير ذلك مما يثبت الرجحان المطلق كما اتضح وسيتّضح أكثر.

الأمر الثالث: قال الشيخ الطوسي في مقدمة كتابهالمبسوط : وكنت على قديم الوقت عملت كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأُصولها من المسائل، وفرّقوه في كتبهم، ورتّبته ترتيب الفقه، وجمعت من النظائر، ورتّبت فيه الكتب على ما رتّبت للعلّة التي بيّنتها هناك، ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك(١) .

____________________

(١) المبسوط ١: ٢.

٣١١

هذا وقد عُرِفَ عن السيّد البروجرديرحمه‌الله وغيره أنّه كان يصرّح في دروسه بأنّ كتب المتقدّمين هي بمنزلة الأصول المتلقّاة عن المعصومين، وأنّها متون روائية، وأنّ جميع كتاب(النهاية) أو أكثره نصوص روايات منقولة عن المعصومين، وفيها ما يرتبط بالأذان والإقامة، والشهادة بالولاية، ومعناه: أنّ ما فيها لم يكن من وضع المفوِّضة، وخصوصاً مع تأكيد الشيخ في(النهاية) بأنّ أخبار الشهادة بالولاية جاءت ضمن روايات قد وقف عليها(١) .

وهذا قد يؤكّد وجود روايات موجودة في أُصول أصحابنا لا أُصول المفوّضة (لعنهم الله)، غاية ما في الأمر أنّ الشيخ لم يتوصّل إلى إمكانيّة حجيّتها الفعليّة للفتوى بالاستحباب وإن تَوَصَّلَ لإمكانيّة الحجّيّة الفعليّة للفتوى بالجواز حسبما بيّنّا.

ولابد لي أن أشير هنا إلى أنّ البعض يطالبنا بتواتر الأخبار لإثبات الشهادة الثالثة، وهذا طلب عجيب منهم، لأنّ هذا البعض يعلمُ بأنّ الشيعة قد مرّت بظروف قاسية أدّت إلى إزهاق أرواح الكثير من علمائها، وأنّ وصول هذه الأخبار الشاذّة قد كلّفنا الكثير من التضحيات، فكيف يطلبون منّا لإثبات أمر إعلاميّ كهذا بالتواتر؟!

ألم يكن ذلك من التعسّف بحقّ علمائنا ورواتنا؟!

نعم، نحن بكلامنا هذا لا نريد القول بجزئيّتها، لأن ليس بحوزتنا ما يدلّ على ذلك، لكن في الوقت نفسه نريد التأكيد على عدم استبعاد وجود روايات على ذلك، وهذا ما نعبّر عنه بالحجية الاقتضائية لإخبار الشهادة بالولاية.

فعلى سبيل المثال، قال الشيخ محمد باقر المجلسي (ت ١١١٠ هـ) فيبحار الأنوار مذيِّلاً عبارة الصدوق:(لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة

____________________

(١) النهاية: ٦٩، والمبسوط ١: ١٤٨.

٣١٢

 في الأذان والإقامة، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها) (١) . وهذا يعني عدم الشكّ في وجود روايات في أصول أصحابنا؛ دالة على الشهادة الثالثة.

وهذا هو ما جزم به المجلسيّ الأول فيروضة المتّقين؛ حيث قال:والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأصول وكانت صحيحة أيضاً كما يظهر من الشيخ والعلاّمة والشهيد رحمهم‌الله ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ، والشاذّ ما يكون صحيحاً غير مشهور... (٢) .

وقال الشيخ حسين العصفور البحراني في(الفرحة الإنسية) : (وأما الفصل المرويّ في بعض الأخبار المرسلة وهو: (أشهد أن علياً ولي الله) فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ فيالمبسوط ثبوته وجواز العمل به، وهو الأقوى)(٣) .

الأمر الرابع: إنّ ما حكاه الشيخ من ورود أخبار شاذّة في الشهادة الثالثة لا يعارضه مع ما حكاه الصدوق عن المفوِّضة، فقد تكون الأخبار الشاذّة وما عند المسمَّين بالمفوِّضة مقصودة من قبل الأئمّة حتى لا يقف الخصم على رأيهمعليهم‌السلام في الشهادة الثالثة، وهو أحد الوجوه التي يمكن قولها في مفهوم التقيّة، وأنّها لا تقتصر على الخوف من الحكّام، أو النظر إلى رأي العامّة، أو ما شابه ذلك، لأنّا نعلم أنّ الإمام قد أجاب شيعته في بعض الموارد بأجوبة مختلفة في المسألة الواحدة، ولم يكن هناك أحد يخاف منه، أو أنّ ما رواه أو قاله ليس فيه ما يوافق رأي السلطة، بل قالها لأجل عدم إيقاف الخصم على رأي الأئمّة في ذلك الموضوع.

____________________

(١) بحار الأنوار ٨٤: ١١١.

(٢) روضة المتقين ٢: ٢٤٥. وفي النص بدل (الشيخ) (المحقّق) وهو خطأ على التحقيق بنظرنا، فأبدلناه بالشيخ للقرائن التي سقناها سابقاً، فلاحظ.

(٣) الفرحة الإنسية ٢: ١٦.

٣١٣

بمعنى: أنّ ملاك تشريع الشهادة الثالثة موجودٌ لكن اقتضاءً وإن لم تُشرَّع فعلياً، أي أنّ الإمام ذكرها على نحو الاقتضاء وما له إمكانية التشريع لا بنحو العلّة التامّة، وأودعها عند بعض أصحابه ولم يرضَ بالبوح بها في ذلك الزمان(١) ، لإمكان تشريعهم لها(٢) ، أي أنّ المقتضى كان موجوداً وكذا المانع، ولا ريب في أنّ المانع كفيل بعدم التشريع، خصوصاً للحفاظ على دماء الشيعة ورقابهم، وهو نظير قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لولا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلثي الليل)(٣) ، أو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة: (لولا أنّ قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت البيت ولبنيته كما بناه إبراهيم)(٤) وهو ظاهر في أن ملاك نقض البيت وإعادة بنائه موجود، لكن لم يؤسس النبي عليه حكماً، لوجود مانع، وهو حداثة عهد الصحابة بالجاهلية، وكذا الحال بالنسبة إلى تأخير العشاء؛ فقد تركه لأنّه إحراج للأمّة.

وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأنّ الاحتمال السابق يقوّي استدلال القائلين برجحان ذكر الشهادة بالولاية في الأذان، وذلك لارتفاع المانع اليوم من ذكرها، ولا خوف اليوم على الشيعة منها، بل صارت شعاراً ورمزاً للتشيّع، فلا يُستبعد ضرورة التمّسك بها، كما هو مذهب السّيّدين الحكيم والخوئي ومذهب غيرهما

____________________

(١) انظر المحاسن، للبرقي ١: ٣٩٧ باب التقية، وفيها ٢٧ حديثاً، منها قول الصادق لسليمان بن خالد: يا سليمان، إنّكم على دين من كتمه أعزّه الله، ومن أذاعه أذلّه الله.

(٢) إذ جاء عن رسول الله أنّه ترك صلاة نافلة الليل في المسجد كي لا تفرض عليهم، انظر صحيح البخاري ١: ٢٥٥ / ح ٦٩٦،، و ١: ٣٨٠ / ح ١٠٧٧، و ٦: ٢٦٨ / ح ٦٨٦٠، صحيح مسلم ١: ٥٢٤ / ح ٧٦٩، ٧٦١، صحيح ابن حبان ٦: ٢٨٤ - ٢٨٦ / ح ٢٥٤٣، ٢٥٤٤، ٢٥٤٥، سنن أبي داود ٢: ٤٩ / ح ١٣٧٣، الجمع بين الصحيحين ٤: ٦٦ / ٣١٧٨، باب المتّفق عليه من مسند عائشة.

(٣) الكافي ٣: ٢٨١ / ح ١٣ / باب وقت المغرب والعشاء. وانظر من لا يحضره الفقيه ١: ٢٧٣ / ح ٩٨٦.

(٤) انظر الجمع بين الصحيحين للحميدي ٤: ٤٣ / باب المتّفق عليه من مسند عائشة.

٣١٤

(قدّس الله أرواحهم).

وفي الجملة: فإنّ الشارع المقدّس وإن كان يدور تشريعه مدار الملاكات والمصالح والمفاسد إلاّ أنّ الموانعَ مأخوذةٌ جدّاً في عملية التشريع، ومن ذلك ما روته الأمّة عن النبيّ أنّ ملاك تشريع وجوب صلاة الليل في ليالي شهر رمضان موجود لكنّ النبيّ مع ذلك لم يشرّع ذلك لمانع، وهو خوفه على الأمة من عدم الامتثال ثمّ الوقوع في المعصية. ومن هذا القبيل الشهادة الثالثة، فيمكن القول إنّ النبي لم يشرّعها مع وجود ملاكها خوفاً على الأمة من التخبط والتقهقر.

ومهما يكن، فقد ورد عن أئمّة العصمة في ذلك روايات ظاهرة في أنّ الملاك لا يؤسّس حكماً شرعياً لو كان اقتضائياً ما لم يرتفع المانع، وهو هنا الخوف على دماء الشيعة.

وإليك الآن بعض الروايات الدالّة على أنّ الأئمّة هم الّذين يوقعون الاختلاف بين الشيعة كي لا تعرف السلطات رأيهم ونظرهم في بعض الأحكام كما أشرنا.

فمن ذلك ما رواه في الكافي(١) في الموثّق عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (سألته عن مسألة فأجابني، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلمّا خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان، فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه !!

فقال: يا زرارة، إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم. ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقكم الناس علينا، ولكان أقلَّ لبقائنا وبقائكم.

قال: ثمّ قلت لأبي عبدالله [الصادق]عليه‌السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا، وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل

____________________

(١) الكافي ١: ٦٥ / ح ٥، باب اختلاف الحديث.

٣١٥

جواب أبيه.

قال الشيخ يوسف البحراني فيالحدائق : فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف أجوبتهعليه‌السلام في مسألة واحدة في مجلس واحد، وتَعَجُّب زرارة، ولو كان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة لكفى جواب واحد بما هم عليه، ولما تعجّب زرارة من ذلك، لعلمه بفتواهمعليهم‌السلام أحياناً بمّا يوافق العامة تقيّة.

ولعلّ السرّ في ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين، كلٌّ ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر، هان مذهبهم على العامّة، وكذّبوهم في نقلهم، ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين، وقَلُّوا وتشتَّتوا في نظرهم، بخلاف ما إذا اتّفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم، فإنهم يصدّقونهم ويعلمون أنّهم طائفة كبيرة ذات خطر فيشتدّ بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم، ويصير ذلك سبباً لثوران العداوة، ويكون دافعاً لاستئصالهم ومحو شوكتهم، وإلى ذلك يشير قولهعليه‌السلام : (ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا وكان أقلّ لبقائنا وبقائكم)(١) .

ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخ فيالتهذيب (٢) في الصحيح على الظاهر عن سالم أبي خديجة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: (سأله إنسان وأنا حاضر فقال: ربّما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلّي العصر، وبعضهم يصلّي الظهر؟ فقال: أنا أمرتهم بهذا، لو صلّوا على وقت واحد لعُرِفُوا فأُخذوا برقابهم)، وهو أيضاً صريح في المطلوب، إذ لا يخفى أنّه لا تطرُّقَ للحمل هنا على موافقة العامّة، لاتّفاقهم على التفريق بين وقتي الظهر والعصر ومواظبتهم على ذلك(٣) .

____________________

(١) أنظر الحدائق الناضرة ١: ٦٠ من المقدمة الأولى بتصرف.

(٢) تهذيب الأحكام ٢: ٢٥٢ / ح ٣٧ باب المواقيت.

(٣) كما لا يخفى أنّ ملاك تشريع الجمع أرجح لكنّ المانع هو جملة الإمامعليه‌السلام (لأخذوا برقابهم) .

٣١٦

ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخ في كتابالعدّة (١) مرسلاً عن الصادقعليه‌السلام : أنه (سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت؟ فقال: أنا خالفت بينهم).

وما رواه الصدوقرحمه‌الله فيعلل الشرائع (٢) بسنده عن [محمّد بن بشير و] حريز، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: (قلت له: إنّه ليس شيء أشدّ عليّ من اختلاف أصحابنا، قال: ذلك من قِبَلِي).

وما رواه أيضاً عن الخزاز، عمّن حدثه، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: (اختلاف أصحابي لكم رحمة)، وقالعليه‌السلام : (إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد).

وسئل عن اختلاف أصحابنا فقالعليه‌السلام : (أنا فعلت ذلك بكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لأُخِذَ برقابكم)(٣) .

كان هذا عن المسائل المتباينة في الأحكام. أمّا ما نحن فيه فلا تباين في أخبار الأذان، بل بينهما إجمال وتفصيل، ممّا يمكن الجمع بينها، وخصوصاً بعد أن عرفنا أنّ الاختلاف في الرواية هو خير للأئمّة وأبقى لشيعته، لأنهعليه‌السلام قال: (ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقَكم الناس علينا). ثم يكيدون بنا، وهذا ما لا يريده الأئمّة قطعاً.

وعلى هذا الأساس يمكن القول أيضاً بناء على ذلك الاحتمال: أنّ روايات الشهادة الثالثة التي وصفها الشيخ الطوسي بالشاذّة قد صدرت عن الأئمّة فعلاً، لكنّها صدرت لا على نحو التشريع؛ إذ لا تمتلك ملاكاً تامّاً للتشريع والفتوى بالاستحباب والقول بالجزئية، بل صدرت عنهمعليهم‌السلام باعتبار أنّ الملاك هنا اقتضائي لا غير.

____________________

(١) عدة الأصول ١: ١٣٠ / الفصل ٤، في مذهب الشيخ في جواز العمل بالخبر الواحد.

(٢) علل الشرائع ٢: ٣٩٥ / الباب ١٣١ / ح ١٤، وعنه في بحار الأنوار ٢: ٢٣٦ / الباب ٢٩ / ح ٢٢.

(٣) علل الشرائع ٢: ٣٩٥ / ح ١٥ / وعنه في بحار الأنوار ٢: ٢٣٦ / الباب ٢٩ / ح ٢٣.

٣١٧

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشيخ قد يحتجّ كما مّر بالشاذّ، فيحمل مضمونه تارة على الجواز، وتارة على ضرب من الاستحباب، ولكنّه هنا لم يفعل، كما هو مقتضى الجمع بين الشاذّ وغيره سوى أنّه أفتى بالجواز بقوله: (لم يأثم)، ومعلوم أنّ الجواز لا يتقاطع مع مفهوم التقيّة، ولقد بَيَّنَّا سابقاً أنّ ما أسماها أخباراً شاذة لها حجيّة فعليّة في الجواز، اقتضائية فيما عداه من الاستحباب. ونحتمل أنَّ الشيخَ لم يفت بالاستحباب طبق ما أسماه بشواذّ الأخبار لِما قلناه من أنّ الملاك عنده اقتضائيّ ولم يرتق لأن يكون علّة تامّة للحكم، وعليه فلا يمكن القول بالجزئية.

الأمر الخامس: كما قُلنا بأنّ الشيخ الطوسي لا يرى تعارضاً مستقرّاً بين الروايات التي فيها الشهادة بالولاية مع التي ليس فيها ذلك، وأنّ إفتاءه بعدم الإثم في العمل بها يؤكّد بأنّهرحمه‌الله يرى لها نحوَ اعتبار على ما بينّاه سابقاً، كذلك يمكننا القول بأنّ الشيخ الطوسي لَحَظَ أدلّة المحبوبية المطلقة الأخرى التي تدعوه للقول بالجواز، وأنّه يراها مشابهةً لما ورد من الأخبار في اختلاف فصول الأذان والإقامة ٣٥، ٣٧، ٣٨، ٤٢ فصلاً.

وممّا يجب التنبيه عليه هنا: هو أنّ الذين ذهبوا إلى نفي شرعيّة الشهادة بالولاية في الأذان، استدلّوا على النفي من باب مقدّمات الحكمة، بمعنى: أنّ المعصوم لو أراد الجزئية لكان عليه بيان ذلك، ولمّا لم يذكرها عرفنا أنّها غير مطلوبة للشارع.

في حين أنّ من الثابت علميّاً أنّ إحدى مقدّمات الحكمة، هي إمكان البيان، بمعنى أنّه يصحّ استدلالهم على نفيها فيما لو كان الإمام يمكنه أن يقولها لكنّه لم يَقُلْها. لكنّ الواقع خلاف ذلك، لأنّ المطّلع على مجريات الأحداث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم بأنّ الإمام كان لا يمكنه قولها، لأنّ شيعته سيفهمون من كلامه الجزئية لأنّ كلامهعليه‌السلام نصٌّ شرعيٌّ يجب التعبد به ولصارت سبباً لإهدار دماء كثيرة، وهذا ما لا يريده الإمامعليه‌السلام ، فهو على غرار قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لولا أن أشقّ على أمتي

٣١٨

لأخّرت العشاء إلى ثلثي الليل). ولكون الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان أمر جائز وليس بواجب حتى يلزم للإمام أن يبينه مثل "حي على خير العمل"، لأنّ الشهادة بالولاية في الأذان لم تكن كغيرها من الأمور المعرفيّة التي يمكن الإسرار بها والاحتفاظ بها عند الخاصة، بل إنه أمرٌ إعلاميّ يجب الجهر به، والجهر بالولاية في مثل تلك الظروف يساوق قتل المعصوم وقتل شيعته، ولأجل ذلك لم يلزم الشارع المقدس المسلمين للقول بها، فكان تركها وعدم إيجابها رحمة للمؤمنين، وسعة لشيعة أمير المؤمنين.

وعليه فلا تحقُّقَ للإطلاق المقاميّ هنا، لعدم قدرة الإمام على بيانه، لما في هذا البيان من عواقب تستوجب هدر الدماء. كلُّ ذلك مع توفّر الملاكات في ذلك، لكنّ الجعل غير ميسور، وبمعنى آخر: المقتضي موجود، والمانع موجود كذلك.

ويمكن أن يجاب كلامهم بنحو آخر وهو: أنّ عدم الذكر أعمّ من عدم الجعل، فقد يكون الأمر مجعولا شرعيّاً لكنّ الشارع أخّر بيانه لأمور خاصة، وهذا يتّفق مع مرحليّة التشريع وأنّ الأحكام لم يؤمر بها المكلّف دفعةً واحدة في بدء التشريع، بل نزلت تدريجاً، بل قد يكون الحكم مُودَعاً عند الأئمة موكولاً إلى وقت رفع المانع عنه، وهذا ما رأيناه في عصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة، فكم حكم اتّضح حاله بعد رفع المانع، وهناك أحكام أُخرى مخفيّة ستظهر بعد ظهور الإمام الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، والذي مر عليك بأنّه سيأتي بأمر جديد(١) .

الأمر السادس: أن الشيخ الطوسي كثيراً ما يتعرّض فيالتهذيب والاستبصار (٢) والمبسوط والعدّة لآراء مَن قَبْلَهُ، وخصوصاً لآراء أمثال الشيخ الصدوق؛ قال فيالعدة :إنّا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، فوثّقت الثقات منهم

____________________

(١) انظر كتاب الغيبة للنعماني: ٢٠٠ وعنه في بحار الأنوار ٥٢: ١٣٥ / الباب ٢٢ / ح ٤٠.

(٢) انظر مثلا الاستبصار ج١: ٢٣٧، ٣٨٠، ٤٣٣، ج ٣: ٧٠، ١٤٦، ٢١٤، ٢١٤، ٢٦١، ج ٤: ١١٨، ١٣٠، ١٥٠ وغيرها.

٣١٩

وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يُعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد. .. إلى أن قال:وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووهُ من التصانيف في فهارسهم، حتّى إنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعّفه بروايته، هذه عادتهم على قديمِ الوقت وحديثِهِ لا تنخرم (١) .

وقول الشيخ:(واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم) منصرف إلى الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد الَّذَيْنِ استثنيا كثيراً من رواة نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري. قال النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى:... وكان محمّد بن الحسن ابن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني، وما رواه عن رجل أو يقول: بعض أصحابنا... وأخذ النجاشي يعدّد الأسماء حتى وصلت إلى ٢٥ اسماً، ثم قال: قال أبو العباس بن نوح: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويهرحمه‌الله على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عيسى، فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة(٢) .

أمّا فيما نحن فيه فقد عنى الشّيخُ الطوسيُّ الشيخَ الصدوقَ كذلك، لأنّه قال فيالنهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، وآل محمد خير البرية)...، وقال فيالمبسوط : فأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية)، على ما ورد في شواذّ الأخبار...

وكلامهرحمه‌الله ناظر إلى كلام الشيخ الصدوق يقيناً، لأنّ العبارات الثلاث التي أتى بها الشيخ هي نفس عبارات الصدوق.

١ - محمد وآل محمد خير البرية.

____________________

(١) العدة: ٣٦٦.

(٢) اختلاف في الهامش رجال النجاشي: ٣٤٨ / الترجمة ٩٣٩.

٣٢٠