أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان13%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156838 / تحميل: 12405
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكلٌ، مع أن الأخبار الّتي ذكرنا في الزيادة والنقصان، وما لم نذكره كثيرةٌ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأُصول، وكانت صحيحةً أيضاً، كما يظهر من المحقّق (١) والعلاّمة والشهيدرحمهم‌الله ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ، والشاذُّ: ما يكون صحيحاً غير مشهور، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضاً شاذٌّ كما عرفت، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك، أو الوضع إلاّ أن يرد عنهم (صلوات الله عليهم) ما يدلّ عليه، ولم يَرِدْ، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه.

 والظاهر أنّه لو عمل عليه أحدٌ لم يكن مأثوماً إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئاً، والأَولى أن يقوله على أنه جزء الإيمان لا جزء الأذان، ويمكن أن يكون واقعاً، ويكون سبب تركه التقيّة، كما وقع في كثير من الأخبار ترك (حيّ على خير العمل) تقية.

 على أنّه غير معلوم أنّ الصدوق، أيَّ جماعة يريد من المفوِّضة، والذي يظهر منه كما سيجيء أنّه يقول: كلُّ من لم يقل بسهو النبي فإنّه [من]المفوّضة، وكلّ من يقول بزيادة العبادات من النبيّ فإنّه من المفوّضة، فإن كان هؤلاء، فهم كلُّ الشيعة غيرَ الصدوق وشيخه، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى

____________________

(١) قال بهذا هنا، وفي شرحه على الفقيه بالفارسية (لوامع صاحبقراني): ٥٦٦ مصرحاً بأنّ المحقّق قالها في المعتبر، لكنّا لم نر ما يدل على ذلك في كتب المحقّق إلاّ ما نقله في (نكت النهاية) عن الشيخ، فلعلّ المجلسي الأوّل أراد الشيخ الطوسيّ فوقع سهو من قلمه الشريف فقال (المحقق)، ويؤيّد مدعانا ما حكاه المجلسيّ الثاني عن الشيخ والعلاّمة والشهيد، ولم يحكه عن المحقّق، فتأمل.

٣٦١

ننسب إليهم الوضع واللعن، نعم كلّ من يقول بأُلوهية الأئمة أو نبوّتهم فإنّهم ملعونون (١) .

وقال في كتابه الآخر(حديقة المتقين) باللغة الفارسية ما ترجمته:

 يكره تكرار الفصول زيادة على القدر الوارد من الشارع المقدّس فيه، وهكذا قول (الصلاة خير من النوم)، وقال البعض: إنّه حرام؛ لأنّه غير متلقّى من الشارع المقدّس، وهكذا قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، ومحمد وعليّ خير البشر) وأمثالها؛ لأنّها ليست من أصل الأذان وإن كان عليّاً ولي الله، ومحمّدٌ وعليٌّ خيرَ الخلائق، لكن لا كلّ حق يجوز إدخاله في الأذان.

 ولو أتى بها شخص اتّقاءً من الجَهَلَة أو تيمّناً وتبرّكاً وهو يعلم أنّه ليس من فصول الأذان فذاك جائز، ونقل بعض الأصحاب ورودها في بعض الأخبار الشاذّة على أنّها جزء الأذان، فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحدٌ فلا بأس وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمّن والتبرّك أفضل (٢) .

نلخص كلام التقي المجلسيرحمه‌الله في نقاط، نظراً لأهميته ولاشتماله على فوائد متعددة:

١ - عدم قبوله بجزم الصدوق ومن تبعه بكون الأخبار موضوعة.

٢ - وجود أخبار كثيرة في الزيادة والنقصان في فصول الأذان والإقامة، وفي

____________________

(١) روضة المتقين ٢: ٢٤٥ - ٢٤٦. وقريب منه في شرحه على (من لا يحضره الفقيه) والمسمى ب (لوامع صاحبقرانى) ٣: ٥٦٦ بالفارسية فراجع.

(٢) حديقة المتقين مخطوط، الرقم ٧٩١، الصفحة ١٨١، مؤسسة كاشف الغطاء، قال الملا محمد باقر المجلسي في تعليقته على (حديقة المتقين)، بالفارسية مخطوط يحمل الرقم ٧٨٦، صفحة ٩٨، مكتبة كاشف الغطاء قال: عدل المصنف عن هذا الرأي في أواخر عمره، وصار يعتبرها من الفصول المستحبّة في الأذان.

٣٦٢

غيرها.

٣ - وجود هذه الزيادات في أصول أصحابنا.

٤ - كون هذه الزيادات صحيحة، لأن الشاذّ بتعريف الشيخ المجلسي هو ما يكون صحيحاً غير مشهور، وما حكم به الصدوق بالصحة هو خبر شاذّ كذلك.

٥ - عمل المفوّضة أو العامّة لا يعني عدم الورود أو الوضع إلاّ أن يرد عن الأئمّة ما يدل على ذلك، ولم يرد.

٦ - إن سيرة الشيعة كانت قائمة على الأذان بالولاية من قديم الزمان إلى عهد الشيخ المجلسي الأوّلرحمه‌الله لا على نحو الجزئية، ولا يمكن نقص دعواه بكلام الصدوق والشهيد الثاني والمولى الأردبيلي وغيرهم لأنّهم ينكرون قولها على نحو الجزئية لا بقصد القربة.

٧ - إن الآتي بالشهادة الثالثة في الأذان لم يكن مأثوماً وإن كان مخطئاً بصناعة الاستنباط، لأنّه بذل وسعه وعمل بأخبار شاذة تاركاً المحفوظ والمعمول عليه عند الأصحاب.

٨ - الأولى باعتقاد الشيخ المجلسي أن يأتي بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الإيمان لا جزء الأذان، وإن أمكن القول بوجودها واقعاً وتركها للتقيّة كما وقع في كثير من الأخبار ترك (حيّ على خير العمل) تقيّة.

٩ - ثبت أن للتفويض معاني عديدة فلذلك تساءل المجلسيرحمه‌الله : أي جماعة يريده الصدوق من المفوّضة، فلو أراد القائلين بعدم سهو النبيّ أو أن للنبيّ الزيادة في العبادات وأمثالها فهو ما يقول به (كل الشيعة غير الصدوق [وشيخه ابن الوليد]، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى ننسب إليهم الوضع واللعن. نعم، كل من يقول بألوهية الأئمّة أو نبوتهم فإنهم ملعونون).

١٠ - إن تكرار فصول الأذان مكروه، وقيل يحرم في (الصلاة خير من النوم) لأنّه غير متلقى من الشارع المقدّس، ولا يجوز إدخال الشهادة بالولاية في الأذان

 

٣٦٣

 لأنّها ليست من أصل الأذان. نعم، لو أتى بها شخص بدون اعتقاد الجزئية اتقاءً من جهلة الشيعة الذين يرمونه بالنصب أو تيمناً وتبركاً فذاك جائز وخصوصاً مع ورودها في شواذ الأخبار، ثم لخص كلامه بالقول: (فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحد فلا بأس، وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمن والتبرك أفضل) مع التأكيد على أنّها ليست من أصل الأذان.

١٢ - الملا محمد باقر السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ)

قال المحقق السبزواري في(ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد):

 وأما إضافة أن (علياً ولي الله) و(آل محمد خير البرية) وأمثال ذلك، فقد صرح الأصحاب بكونها بدعة وإن كان حقاً صحيحاً، إذ الكلام في دخولها في الأذان، وهو موقوف على التوقيف الشرعي، ولم يثبت(١) .

ولا يخفى أنّ حاصل عبارتهرحمه‌الله أنّ الشهادة الثالثة لا يمكن أن تدخل في ماهية الأذان حتى تصير جزءاً منه؛ لأنّ مثل هذا يحتاج إلى دليل شرعيّ معتبر، ولم يثبت، فالمحقّق السبزواري تحدّث عن جهة، وسكت عن الجهة الثانية؛ وهي جواز الشهادة الثالثة من باب التيمّن والتبرّك وبقصد القربة المطلقة، فبعض الفقهاء كانوا يشيرون إلى الجهة المانعة للشهادة بالولاية فقط خوفاً من وقوع الناس في ذلك دون الإشارة إلى الجهة الأُخرى، لكن منهج غالب الفقهاء كان الإشارة إلى الأمرين معاً ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى يومنا هذا، فهم يجمعون بين الجهتين في كلامهم.

____________________

(١) ذخيرة المعاد ٢: ٢٥٤ وصفحة ٢٥٤ من الطبعة الحجرية، لكنه لم يشر في (كفاية الفقه) المشتهر ب (كفاية الأحكام) إلى موضوع الشهادة بالولاية، راجع صفحة ٨٧ - ٨٨، من المجلد الأول، ط جامعة المدرسين / قم.

٣٦٤

١٣ - الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ)

قال الفيض الكاشاني في المفتاح ١٣٥ من(مفاتيح الشرائع): (ما يكره في الأذان والإقامة): وكذا التثويب سواء فُسِّر بقول (الصلاة خير من النوم) أو بتكرير الشهادتين دفعتين، أو الإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة، وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّاً، بل كان من أحكام الإيمان، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة، فإن اعتقده شرعاً فهو حرام(١) .

فالفيض الكاشاني قال بهذا في(مفاتيح الشرائع) ولم يقله في كتابه(النخبة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية) (٢) ، مع أنّه كان قد أشار في(النخبة) إلى الأذان والإقامة واستحباب حكايتهما وعدد فصولهما.

بلى، علّق الفيض في(الوافي) على ما جاء في(التهذيب) عن أبي عبدالله: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟

 قالعليه‌السلام : لا يستقم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به.

 قالرحمه‌الله : المراد بالعارف، العارف بإمامة الأئمّة كما مرّ مراراً فإنّه بهذا المعنى في عرفهمعليهم‌السلام . ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئاً كما في الحديث النبوي: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). ومن عرفه كفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته...(٣)

____________________

(١) مفاتيح الشرائع ١: ١١٨.

(٢) النخبة: ١٠٨. وانظر مفاتيح الشرائع ١: ١١٦ / المفتاح ١٣٢.

(٣) الوافي ٧: ٥٩١.

٣٦٥

فكلامه في(الوافي) كان عن شرائط المؤذّن، وأمّا وجود معنى الولاية في الأذان وعدمه فهو مما لم يتطرّق إليه فيه.

ولا يفوتنك أنّ عبارات المجلسي والسبزواري والفيض الكاشاني وإن اختلفت في الظاهر لكنّها جاءت في إطار واحد وهو حرمة الإتيان بالشهادة بالولاية على نحو الجزئية والشطرية، لأن الأذان أمرٌ توقيفيٌّ.

أمّا لو أتى بها تيمّناً وتبرّكاً فالظاهر أنّ هذا ما يقبله المحقّق السبزواري والفيض الكاشاني، لأنّك لو تأمّلت في عباراتهم لرأيتهم يؤكّدون على بدعية وحرمة الإتيان بها جزءاً، لقول السبزواري (إضافة) (بدعة)(إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعيّ ولم يثبت)، وقول الفيض الكاشاني:(فإن اعتقده شرعاً فهو حرام) وكلّ هذه التعابير تشبه ما جزم به الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وغيرهما حيث ذكروا جواز الإتيان بها بشرط أن لا تكون على نحو الجزئيّة، فالعبارات واحدة المؤدّى عند كلّ العلماء ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى الفيض الكاشاني.

نعم، في كلام السيّد عبدالله بن نور الدين الجزائري (ت ١١١٤ هـ) عند شرحه لكلام الفيض في كتابه(التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية) ما يفهم منه بأنّ بعض فقهاء الشيعة كانوا يأتون بها على أنّها جزءٌ، ولأجله قالرحمه‌الله : زلّة العالِم زلّةُ العالَم(١) .

في حين لو تأمّلت فيما قلناه سابقاً، لعرفت بأنّ غالب الشيعة لم يأتوا بهذه الصيغ على أنّها جزءٌ وشطرٌ في الأذان، بل كانوا يأتون بها على نحو الذكر المحبوب تيمّناً وتبرّكاً، وأنّ اختلاف الصيغ الرائجة عند الشيعة آنذاك، ومنذ عهد الصدوق إلى يومنا هذا، يؤكّد بأنّهم لا يأتون بها إلاّ على هذا النحو، وقد صرّح

____________________

(١) التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية: ١٢٩، (مخطوط)، مكتبة الحضرة الرضوية.

٣٦٦

الفقهاء بذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا في رسائلهم العملية.

فلا تخالف إذن بين من يقول بجوازها وبين من يقول بحرمتها وبدعيتها حسب التوضيح الّذي قلناه.

القرن الثاني عشر الهجري

وهو قرن حافل بالأعلام والفقهاء العظام، ولو راجعت كتاب(طبقات أعلام الشيعة) لوقفت على أسمائهم، وفي هذا القرن لم يتعرّض الفاضل الهندي (ت ١١٣٧ هـ) في(كشف اللثام) (١) ، ولا جدّي السيّد محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني في(المقتضب) (٢) ، ولا الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ) في(هداية الأمة) (٣) إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان، وإن كان المحدّث الحرّ العاملي قد أشار إلى هذا الموضوع تلويحاً بعد أن ذكر الروايات المختلفة في عدد فصول الأذان والإقامة، وأنه: ٣٧ أو ٣٨ أو ٤٢، فقال: وهنا اختلافٌ غير ذلك، وهو من أمارات الاستحباب(٤) .

لكنّ بعض الأعلام في هذا القرن تطرّقوا إلى موضوع الشهادة الثالثة في كتبهم ورسائلهم العملية بشيء من التفصيل، وهو يشير إلى جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه، وأن إشارة هؤلاء إلى هذه المسألة كاف للدلالة على امتداد السيرة بالشهادة بالولاية في هذا القرن، وهم:

____________________

(١) كشف اللثام ٣: ٣٧٥.

(٢) وهو أول عَلَم من أعلام أُسرتنا جاور الحائر الحسيني، وكتابه مخطوط ومحفوظ في خزانة العائلة في كربلاء المقدّسة.

(٣) هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة ٢: ٢٥٨.

(٤) هداية الأمّة ٢: ٢٥٩.

٣٦٧

١٤ - علي بن محمّد العاملي (ت ١١٠٣ هـ) سبط الشهيد الثاني

أتى الشيخ علي بن محمد بن الحسن العاملي (سبط الشهيد الثاني) في حاشيته علىشرح اللمعة الدمشقية لجدّه الشهيد الثاني، المسمى: ب (الزاهرات الرويّة في الروضة البهية) بكلام الشيخ فيالمبسوط ، ثمّ قال:

 وأطلق عدم الإثم به، أي لم يقيّده بعدم الاعتقاد، أو بعدم نيّة أنّه منه، وفيالبيان : قال الشيخ: فأمّا قول أشهد أنّ عليّاً ولي الله... وفيالذكرى نقل عدم الإثم عنالمبسوط بعد قول الشيخ: ومن عمل به كان مخطئاً(١) .

فالشيخ العاملي أراد من مجموع كلامه السابق الإشارة إلى جواز الإتيان بها، لكن ربّما يظهر من عبارته أنّه فهم من كلام الشيخ الطوسي أنّ القائل بالشهادة الثالثة بنيّة أنّها جزء الأذان جائز لقولهرحمه‌الله : (وأطلق عدم الإثم به، أي لم يقيده بعدم الاعتقاد، أو بعدم نية أنّه منه).

لكن يردّه أن الشيخ حكم بخطأ ذلك في النّهاية، بحسب الجمع بين قوليه والذي تقدّم التفصيل فيه.

والحاصل: أنّ سبط الشهيد الثاني قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان، وأنّ من عمل بشواذ الأخبار هنا ليس مأثوماً وإن كان مخطئاً لأخذه بالمرجوح وترك الراجح.

١٥ - الشيخ محمد باقر المجلسي (ت ١١١١ هـ)

قال الشيخ محمد باقر المجلسي في(بحار الأنوار):

____________________

(١) الزهرات الروية في الروضة البهية، نسخة خطية برقم ٨٠١. مؤسسة كاشف الغطاء العامة النجف الأشرف.

٣٦٨

 لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها.

 قال الشيخ في المبسوط: فأمّا قول (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين الله)، و(آل محمد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.

 وقال في النّهاية: فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: (أنّ علياً ولي الله) و(أنّ محمداً وآله خير البشر)، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً.

 وقال في المنتهى: وأمّا ما روي في الشاذّ من قول: ([أشهد] أنّ علياً ولي الله)، و(آل محمد خير البرية)، فمما لا يعوّل عليه.

 ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسيرحمه‌الله في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أسري برسول الله رأى على العرش: (لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق).

 فقال: سبحان الله !! غيرّوا كلّ شيء حتّى هذا؟!

 قلت: نعم.

 قال: إنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه: (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين)، ثمّ ذكر كتابة ذلك على الماء، والكرسي، واللوح، وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرضين، ورؤوس الجبال والشمس والقمر، ثم قالعليه‌السلام : (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله،

٣٦٩

فليقل: علي أمير المؤمنين)، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً؛ والأذان من تلك المواضع، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه‌السلام . ولو قاله المؤذّن أو المقيم لا بقصد الجزئيّة، بل بقصد البركة، لم يكن آثِماً، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما مطلقاً، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار (١) .

ولا يخفى أن الشيخ المجلسي كان لا يستبعد القول بأنّها من الأجزاء المستحبة لورود الأخبار الشاذة بها، لقوله في بداية كلامه:(لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهم بورود الأخبار بها) ، وأنّ فتواه في قوله: (فيدل على استحباب ذلك عموماً) مبنيّ على أساس قاعدةالتسامح في أدلّة السنن الّتي تسوّغ لبعض الفقهاء أن يحتجوا بالأخبار المرسلة، كمرسلة القاسم بن معاوية الآنفة.

١٦ - السيّد نعمة الله الجزائري (ت ١١١٢ هـ)

قال السيّد نعمة الله الجزائري في(الأنوار النعمانية) معلّقاً على خبر القاسم بن معاوية:

 ويستفادُ من قولهعليه‌السلام : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين) عمومُ استحباب المقارنة بين اسميهماعليهما‌السلام إلاّ ما أخرجه الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات، لأنّها وظائف شرعية. وأمّا الأذان، فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلاّ أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ (علي ولي الله) أو (أمير

____________________

(١) بحار الأنوار ٨١: ١١١ - ١١٢ وانظر تمام الخبر في الاحتجاج ١: ٢٣٠.

٣٧٠

المؤمنين) أو نحو ذلك في الأذان، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى.

ثم ذكر السيّد الجزائري مناماً بهذا الصدد فقال:

 فلمّا تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم عليعليه‌السلام ، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم عليعليه‌السلام في الأذان وما شابهه، نظراً إلى استحبابه العامّ، ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع، وهكذا الحال في أكثر الأذكار، مثلاً (قول لا إله إلاّ الله) مندوب إليه في كلّ الأوقات، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر(١) ، وكذا سائر العبادات المستحبّة، فتأمّل(٢) .

فالملاحظ أنّ الجزائريقدس‌سره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها وظيفة شرعية فيه، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه، غاية ما في الأمر هو استحباب الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استناداً لخبر القاسم بن معاوية، وهذا يعني أنّ الاستحباب على قسمين:

الأول: أن يبتني على نصّ خاصّ في خصوص الأذان، وهو مفقود في المقام إلاّ ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي، وقد تقدّم البحث في ذلك.

والثاني: ينطلق من منطلق الاستحباب النفسي للشهادة بالولاية، وهذا ثابت لا كلام فيه.

وقيل: إنّ هذا الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى؛ وعلى هذا الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال،

____________________

(١) نعم، هذا الابتداع لو كان بقصد الورود لكان حراماً ممنوعاً، لكن تحديده ورداً لنفسه غير مدعي صدوره عن الشارع فلا مانع.

(٢) الأنوار النعمانية ١: ١٦٩.

 

٣٧١

لكنّها ليست جزءاً من الأذان؛ أي ليست داخلة في ماهيّته، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل: فإن كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري، وإذا دارت مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير، ولا دخل لها في الأذان، ألا كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير.

١٧ - محمد بن حسين الخونساري (ت ١١١٢ هـ)

قال آقا جمال الدين محمد بن حسين الخونساري في(آداب الصلاة) : ويكره الكلام في أثنائهما، وخصوصاً في الإقامة بعد الإتيان ب (قد قامت الصلاة)، وإذا أتى شخص بعد الشهادتين بقصد التيمّن والتبرّك، ولتجديد الإيمان لا اعتقاداً منه أنّها جزء الأذان، مرة أو مرتين ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله)، فلا إشكال فيه(١) .

ولا ريب في أنّ زبدة فتواه هي الجواز، لكن لا بعنوان الجزئية، بل بعنوان التيمّن والتبرّك وتجديد الإيمان، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترناً بذكر النبيّ من أشرف الأذكار، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على الإيمان.

١٨ - الشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ)

قال الشيخ يوسف البحراني بعد أن نقل بعض الروايات في الباب وبياناته عليها، وما ذكره الصدوققدس‌سره من قوله: (والمفوضة لعنهم الله)، وتعليقة شيخنا المجلسي في البحار عليه، قال:

 انتهى [كلام المجلسي]، وهو جيّد، أقول: أراد بالمفوّضة هنا

____________________

(١) آداب الصلاة باللغة الفارسية، المطبوع ضمن (رسائل / ست عشرة رسالة): ٤٢١.

 

٣٧٢

 القائلين بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنيا إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، والمشهور بهذا الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى العباد ما يأتون به من خير وشر(١) .

وأشار في آخر كلامه إلى بعض الأمور المهمّة التي تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحيٌّ لا منام عند أهل البيت، نزل به جبرئيل على رسول الله، وأنّ جبرئيل أذّن له به في صلاته بالنبيّين والملائكة في حديث المعراج، ثمّ ناقش الشيخ البحراني ما قالته العامّة من أنّ الأذان كان برؤيا، وأخيراً نقل ما رواه الصدوق في كتابيالعلل والعيون عن الفضل بن شاذان في العلل في معنى الحيعلة، وجاء بما روي عن الإمام الكاظم عن معناها وأنّها الولاية، وفي كلّ هذه الأمور التي ذكرها إشارات إلى محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان عنده.

والحاصل هو أنّ المحقق البحراني يذهب إلى ما ذهب إليه المجلسيقدس‌سره ، حيث علّق على كلامه بقوله: (وهو جيّد)، أي أنّ البحراني قائل على غرار ما قاله المجلسي.

القرن الثالث عشر الهجري

وإليك الآن كلمات علماء هذا القرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها:

١٩ - الوحيد البهبهاني (١١١٧ - ١٢٠٥ هـ)

قال جدّي لأمي(٢) المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني معلّقاً على قول

____________________

(١) الحدائق الناضرة ٧: ٤٠٤.

(٢) أنا علي بن عبد الرضا بن زين العابدين بن محمد حسين بن محمد علي الحسيني المرعشي

٣٧٣

صاحب المدارك (فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرماً):

التشريع إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهة ودليل شرعيِّ، والترجيعُ على ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار. أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوباً من الشارع فلا، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك، والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل، وكونُهُ مكروهاً لأنّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم، فتأمّل.

 وممّا ذكرنا ظهر حال (محمّد وآله خير البريّة) و(أشهد أنّ علياً ولي الله) بأنّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل.

 نعم، توظيف الفعل في أثناء الأذان، ربّما يكون مكروهاً (بكونه مغيِّراً لهيئة الأذان)(١) بحسب ظاهر اللفظ، أو كونه كلاماً فيه، أو للتشبّه بالمفوّضة، إلاّ أنّهُ ورد في العمومات: أنّه متى ذكرتم محمّداً فاذكروا آله، أو متى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله، كما رواه فيالاحتجاج (٢) ، فيكون حاله حال الصلاة على محمد وآله بعد قوله: (أشهد أنّ محمّداً رسول الله) في كونه

____________________

الشهرستاني، وقد تزوج جدّي السيّد محمد علي فاطمة ابنة الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد باقر البهبهاني، فأنا سبط الوحيد وهو جدّي من جهة الأمّ، وعن طريقه نرتبط بشيخنا المفيد، لأنّ الوحيد من أحفاده حسبما ذكرته كتب التراجم، وبالتقي المجلسي، لأن أم الوحيد هي بنت آمنة بنت المجلسي الأول والتي تزوجها ملا صالح المازندراني شارح الكافي.

(١) قال محقق الكتاب: بدل ما بين القوسين في (ب) و(ج) و(د): من كونه بغير هيئة الأذان.

(٢) انظر الاحتجاج ١: ٢٣١، البحار ٨١: ١١٢.

٣٧٤

 خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمّد، فتأمّل جدّاً(١) .

وقال في(مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع):

السابع: قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما، وأنّه ليس فيهما (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) ولا (محمّد وآله خير البريّة) وغير ذلك، فمن ذكر شيئاً من ذلك، بقصد كونه جزء الأذان، فلا شكّ في حرمته، لكونه بدعة.

 وأمّا من ذكر لا بقصد المذكور، بل بقصد التيمّن والتبرّك، كما أنّ المؤذّنين يقولون بعد (الله أكبر)، أو بعد (أشهد أن لا إله إلاّ الله): جلَّ جلاله، وعَمَّ نواله، وعظم شأنه، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى، وكما يقولون:صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد (محمّد رسول الله)، لِما ورد من قولهعليه‌السلام : (من ذكرني فليصلّ عليّ)(٢) ، وغير ذلك ممّا مرّ في شرح قول المصنّف: (والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لا شكّ في أنّ شيئاً من ذلك ليس جزءً من الأذان).

 فإن قلت: الصلاة على النبي وآلهعليهم‌السلام ورد في الأخبار(٣) ، بل احتُمِل وجوبهما، لما مرّ، بخلاف غيره.

 قلت: ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا أنّهما جزء الأذان، فلو قال أحد بأنّه جزء الأذان، فلا شكّ في حرمته، وكونه بدعة، وإن قال بأنّه لذكر اسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مطلوب.

____________________

(١) حاشية المدارك ٢: ٤١٠.

(٢) لاحظ وسائل الشيعة ٥: ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

(٣) لاحظ وسائل الشيعة ٥: ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

٣٧٥

 وورد في(الاحتجاج) خبر متضمّن لمطلوبيّة ذكر (عليّ وليّ الله)، في كلّ وقت يذكر محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، مضافاً إلى العمومات الظاهرة في ذلك. مع أنّ الشيخ صرّح في(النّهاية) بورود أخبار تتضمّن ذكر مثل (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) في الأذان(٢) . والصدوق أيضاً صرّح به، إلاّ أنّه قال ما قال(٣) . ومرّ في بحث كيفيّة الأذان، فأيّ مانع من الحمل على الاستحباب؟ موافقاً لما في(الاحتجاج) ، و[ما] ظهر من العمومات، لا أنّه جزء الأذان، وإن ذكر فيه. ألا ترى إلى ما ورد من زيادة الفصول، وحملوه على الاستحباب والمطلوبيّة في مقام الإشعار وتنبيه الغير(٤) على ما مرّ، مضافاً إلى التسامح في أدلّة السنن. إن تمت فإنما تتم فيما لم تعارضه مثل محدودية الفصول ولا شبهة الجزئية. وغاية طعن الشيخ على الأخبار المتضمّنة لما نحن فيه أنّها شاذّة(٥) ، والشذوذ لا ينافي البناء على الاستحباب، ولذا دائماً شغل الشيخ بحمل الشواذّ على الاستحباب:

 منها صحيحة ابن يقطين الدالّة على استحباب إعادة

____________________

(١) الاحتجاج ١: ٢٣٠.

(٢) النّهاية للشيخ الطوسي: ٦٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٢: ٦٣ / ذيل الحديث ٢٢٥، الاستبصار ١: ٣٠٩ / ذيل الحديث ١١٤٨.

(٥) النّهاية للشيخ الطوسي: ٦٩، المبسوط ١: ٩٩.

٣٧٦

الصلاة مطلقاً عند نسيان الأذان والإقامة(١) ، ورواية زكريّا بن آدم السابقة(٢) ، مع تضمّنها ما لم يقل به أحد، بل وحرام، من قوله: (قد قامت الصلاة) في أثناء الصلاة، وغير ذلك من الحزازات التي فيها وعرفتها.

 وبالجملة: كم من حديث شاذّ، أو طعن عليه بالشذوذ، أو غيره، ومع ذلك عمل به في مقام السنن والآداب، بل ربّما يكون حديث مطعون عليه عند بعض الفقهاء والمحدّثين غير مطعون عليه عند آخرين، فضلاً عن الآخر، سيّما في المقام المذكور.

 والصدوق وإن طعن عليها بالوضع من المفوّضة(٣) ، لكن لم يُجْعَلْ كلّ طعن منه حجّة، بحيث يرفع اليد من جهته عن الحديث، وإن كان في مقام المذكور. ومن هنا ترى الشيخ لم يطعن عليها بذلك أصلاً.

 على أنّا نقول: الذكر من جهة التيمّن والتبرّك، لا مانع منه أصلاً، ولا يتوقّف على صدور حديث، لأنّ التكلّم في خلالهما جائز، كما عرفت، فإذا كان الكلام اللغوُ الباطلُ غيرَ مضرٍّ، فما ظنّك ربمّا يفيد التبرّك والتيمّن؟

 لا يقال: ربّما يتوهّم الجاهل كونه جزءَ الأذان، إذا سمع الأذان كذلك، فيفسّر فيقول على سبيل الجزئيّة.

 لأنّا نقول: ذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان والإقامة،

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٩ / الحديث ١١١٠، الاستبصار ١: ٣٠٣ / الحديث ١١٢٥، وسائل الشيعة ٥: ٤٣٣ / الحديث ٧٠١٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٨ / الحديث ١١٠٤، وسائل الشيعة ٥: ٤٣٥ / الحديث ٧٠١٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

٣٧٧

 والالتزام به أيضاً، ربّما يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة، بل كثير من المستحبّات والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء. وكان المتعارف من زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الآن يرتكب في الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل، فإنّ التقصير إنّما هو من الجاهل، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى، منها استحلاله كثيراً من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه. وربّما يعكس الأمر.. إلى غير ذلك من الأحكام.

 هذا؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم، بأن يذكر مرّة، أو ثلاث مرّات، أو يجعل من تتمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغير ذلك(١) .

وشيخنا الوحيد البهبهانيقدس‌سره أراد بكلامه في(حاشية المدارك) و(مصابيح الظلام) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد بدعة محرمة، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية، فقال بكراهة الأوّل، لأنّه لغو في أثناء الأذان، وأنّه كلام آدمي، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم، بعكس الشهادة بالولاية لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت عليه أدلّة الاقتران، لقولهرحمه‌الله فيحاشية المدارك : (إلاَّ أنَّه ورد في العمومات: (أنّه متى ذكرتم محمداً فاذكروا آله)، أو (متى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله) كما رواه فيالاحتجاج فيكون حاله حال (الصلاة على محمد وآله) بعد قوله: (أشهد أن محمداً رسول الله) في كونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثمّ ذكر الوحيد البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في(مصابيح الظلام) متعرّضاً

____________________

(١) مصابيح الظلام ٧: ٣١ - ٣٤.

٣٧٨

للشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال في الشهادة بالولاية، كشبهة توهّم الجزئية للمكلّفين، وَرَدَّ جميعَ تلك الشبهات، وهو يؤكّد بنحو الجزم ذهابه إلى رجحان الإتيان بها لا بقصد الجزئية؛ لأنّه ذكر مستحب في نفسه للاقتران المذكور.

٢٠ - السيّد مهدي بحر العلوم (١١٥٥ - ١٢١٢ هـ)

قال السيّد بحر العلوم في منظومته المسمّاة(الدرة النجفية) في الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة (السنن والآداب):

صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا

عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

وأكمِلِ الشَّهادتين بالَّتي

قد أُكمِل الدّينُ بها في الملَّةِ

وإنّها مثل الصلاة خارِجَه

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه(١)

فالسيّد بكلامه هنا اعتبر الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادتين في الأذان؛ استناداً لقوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) وجرياً مع الصلوات على محمد وآل محمد، والذي فيه التوحيد والنبوة والإمامة، لأنّ جملة (اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد) فيه طلب ودعاء من الله لنزول الرحمة على النبي محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

فقوله:

صَلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا

عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

هو إشارة إلى هذه المقارنة بين الشهادة بالولاية في الأذان مع الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه. فكما يستحبّ للمؤذن عند قوله: (أشهد أنّ محمداً رسول الله) أن يقول: (اللهم صلِّ على محمد وآله)، فكذلك يُستحبّ أن يقول: (أشهد أنّ عليّاً ولي

____________________

(١) الدرة النجفية: ١١٢، منشورات مكتبة المفيد.

 

٣٧٩

الله)، وكما أنّ الصلاة على محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان، فكذلك الشهادة لعليّ لا تخلّ فيه لأنّه ذكر محبوبٌ دعا إليه الشارع من خلال العمومات الواردة في الذكر الحكيم والحديث النبويّ الشريف.

وعليه فالسيّد بحر العلومرحمه‌الله عدّ الشهادة الثالثة من كمال فصول الأذان خلافاً للشيخ الطوسي، وكان القائل بكونها مكملة للشهادتين يلزم من كلامه كونها جزءاً مستحباً، فلو ثبتت هذه الملازمة فسيكثر القائلون بالجزئية المستحبة.

هذا وإني راجعت كتاب السيّد بحر العلوم(مصابيح الأحكام) المخطوط للوقوف على رأيه في الشهادة الثالثة، فلم أره قد وصل

إلى فصول الأذان لأنّه مات تاركاً الكتاب ناقصاً فرحمه الله تعالى.

٢١ - الشيخ محمد علي الكرمانشاهي (ت ١٢١٦ هـ)

قال جدّي لأمّيّ الشيخ محمد علي الكرمانشاهي بن محمد باقر البهبهاني المعروف ب (الوحيد البهبهاني) في(مقامع الفضل) ما ترجمته:

 لا مانع أن يقول القائل بعد (أشهد أنّ محمداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) مرتين، والأَولى أن يقولها بقصد التبرّك لا بقصدِ الأذان.... والإقامة مثل الأذان(١) .

وقد يستفاد من كلمة (والأولى) إمكان الإتيان بها بقصد الجزئية المستحبة، وإن كان الأولى قولها بقصد التبرك، وعليه فهو من المجيزين للإتيان بها في الأذان والإقامة.

____________________

(١) مقامع الفضل ٢: ٢٠٣.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595