أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 139688
تحميل: 10130

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139688 / تحميل: 10130
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢٢ - الشيخ حسين البحراني (ت ١٢١٦ هـ)

قال الشيخ حسين البحراني في كتابه(الفرحة الأُنْسيّة في شرح النّفحة القُدسيّة في فقه الصّلوات اليوميّة) :

 وأمّا الفصل المرويّ في بعض الأخبار المرسلة وهو (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) أو(محمّداً وآله خير البرية)، فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ فيالمبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غيرَ لازم، وهو الأقوى. والطعنُ فيه بأنّه من أخبار المفوّضة والغلاة كما وقع للصّدوق فيالفقيه ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق فلا باس بما ذهب إليه الشيخ، وليس من البِدَعِ كما زعمه الأكثر، ويؤيّده وجود أخبار عديدة آمرة بأنّه كلّما ذُكِرَ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وشهد له بالنبوة فليُذْكَر معه عليٌّعليه‌السلام ويُشهَد له بالولاية(١) .

فالشيخ البحرانيرحمه‌الله استفاد من ظاهر الشيخ فيالمبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غير لازم، وهو الأقوى عنده. ثم جاء ليرد الطعن الوارد فيه ب (أنّه من أخبار المفوّضة والغلاة) بأن طعن الصدوق يشهد بالثبوت، لأن الطعن فرع الورود والثبوت ولذلك قال: (وهو غير محقق) أي طعن الصدوق غير محقق.

٢٣ - حسين آل عصفور البحراني (ت ١٢٢٦ هـ)

قال الشيخ حسين بن محمد آل عصفور البحراني ابن أخ الشيخ يوسف صاحب الحدائق في(سداد العباد ورشاد العُبّاد) ما نصه:

وأمّا قول: (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) أو (وليّ الله) و(أنّ آل محمد خير البرية) على ما ورد في بعض الأخبار، فليس بمعمول

____________________

(١) الفرحة الأنسية: ٢٢٧ - ٢٢٨.

٣٨١

 عليه في الأشهر، وفاعله لا يأثم، غير أنّه ليس من فصولهما المشهورة وإن حصل به الكمال، وليس من وضع المفوّضة سيّما إذا قصد التبرُّك بضمّ هذه الفصول(١) .

فالشيخ آل عصفور أراد بكلامه هذا التعليق على ما قاله الشيخ الطوسيّ فيالمبسوط : (غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله)، وكذا التعليق على كلام الشيخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة، والقول بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها كمال الأذان إلاّ أنّها مع ذلك ليست جزءاً واجباً داخلاً في ماهيته. وعليه، فإنّهرحمه‌الله وإن كان يقول بمثل كلام الشيخ الطوسي بعدم إثم فاعلها، إلاّ أنّه لا يقول بها من خلال الأخبار الشاذّة، بل للعمومات، ولا سيّما إذا قصد بعمله التبرّك والتيمّن.

٢٤ - الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٨٩ هـ)

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه(كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) ما نصه:

 وروي: أنّه [أي الأذان] عشرون فصلاً؛ بتربيع التكبير في آخره(٢) . والمرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة قول: (أشهد أنّ محمّداً) وأخرى: (أنّي رسول الله)(٣) ، والظاهر نحوه في الإقامة، والتشهّد)(٤) .

____________________

(١) سداد العباد ورشاد العباد: ٨٧ / البحث الثالث: في الكيفية والترتيب وبيان الفصول.

(٢) مصباح المتهجد: ٢٦، النهاية للشيخ الطوسي: ٦٨، الوسائل ٤: ٦٤٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ / ح ٢٢، ٢٣.

(٣) الفقيه ١: ٢٩٧ / ح ٩٠٥، الوسائل ٥: ٤١٨ / أبواب الأذان والإقامة / ح ٦٩٧٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في (م)، (س).

٣٨٢

 وليس من الأذان قول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) أو (أنّ محمّداً وآله خير البريّة) و(أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين مرّتين؛ لأنّه من وضعِ المفوّضة (لعنهم الله) على ما قاله الصدّوق(١) .

 ولما في (النّهاية): أنّ ما روي أنّ منه: (أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر أو البرية) من شواذّ الأخبار، لا يعمل عليه(٢) .

 وفي (المبسوط): قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام ) و(آل محمّد خير البريّة) من الشّاذّ لا يعول عليه(٣) .

 وما في (المنتهى): ما روي من أنّ قول: (إنّ عليّاً وليّ الله، و(آل محمّد خير البريّة) من الأذان من الشاذّ لا يعوّل عليه(٤) .

 ثمّ إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به (لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب)(٥) .

 ولأنّه وضع لشعائر الإسلام، دون الإيمان، (ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمّةعليهم‌السلام )(٦) .

 ولأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام حين نزوله كان رعيّة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يذكر على المنابر.

 (ولأنّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور بها موقوف على التوحيد

____________________

(١) الفقيه ١: ٢٩٠.

(٢) النّهاية: ٦٩.

(٣) المبسوط ١: ٩٩.

(٤) منتهى المطلب ٤: ٣٨١.

(٥) ما بين القوسين ليس في (س)، (م).

(٦) ما بين القوسين زيادة في الحجريّة.

٣٨٣

والنبوّة فقط)(١) .

 على أنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام، وقد أُمِرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مكرّراً في نصبه للخلافة، والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله يستعفي حذراً من المنافقين، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين.

 ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان، لزمه ذكر الأئمّةعليهم‌السلام ، (ولأنّه لو كان من فصول الأذان، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يخفَ على أحد من آحادِ نوع الإنسان)(٢) .

 وإنّما هو من وضع المفوّضة الكفّار، المستوجبين الخلود في النّار، كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مرّ.

 وروي عن الصادق عليه‌السلام : (أنّه من قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)(٣) .

 ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلقَ إلى عليّعليه‌السلام ، فساعَدَهُ على الخلق، فكانَ وليّاً ومُعيناً. فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء، بطل أذانه بتمامه. وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد. ولو اختصَّ بالقصد، صحّ ما عداه.

 ومن قصد ذِكر أمير المؤمنينعليه‌السلام (لرجحانه في ذاته، أو مع ذكر

____________________

(١) ما بين القوسين زيادة في الحجريّة.

(٢) ما بين القوسين ليس في (س)، (م).

(٣) الاحتجاج ١: ٢٣١.

٣٨٤

 سيّد المرسلين) (١) أُثيب على ذلك.

 لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة (إذا لم تُقرن مع الله ورسوله في الآية الكريمة؛ لحصول القرينة فيها)(٢) لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل ب (الخليفة بلا فصل)، أو بقول: (أمير المؤمنين)، أو بقول: (حجّة الله تعالى)، أو بقول: (أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) ونحوها، كان أولى(٣) .

 ثمّ قول: (وإنّ عليّاً وليّ الله)، مع ترك لفظ (أشهد) أبعد عن الشُبهة، ولو قيل بعد ذكر رسول الله: (صلّى الله على محمد سيّد المرسلين، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ الله أمير المؤمنين) لكان بعيداً عن الإيهام، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام(٤) .

 ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان.

 ويجري في جميع الزيادات هذا الحكم، كالترجيع، وهو زيادة الشّهادة بالتوحيد مرّتين، فيكون أربعاً، أو تكرير التكبير، والشّهادتين في أوّل الأذان، أو تكرار الفصل زيادة على الموظّف، أو تكرار الشّهادتين جهراً بعد إخفاتهما، وفي تكرير الحيعلات،

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في (ح): لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه بذاته، أو مع ذكر ربّ العالمين، أو ذكر سيّد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمّة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين، وإرغام أنوف المعاندين.

(٢) بدل ما بين القوسين في (ح): لكثرة معانيها، فلا امتياز لها إلاّ مع قرينة إرادة معنى التصرّف والتسلّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة في الآية الكريمة ونحوه.

(٣) في (ح) زيادة: وأبعد عن توهّم الأعوام أنّه من فصول الأذان.

(٤) في (ح) زيادة: ثمّ الذي أنكر المنافقون يوم الغدير، وملأ من الحسد قلوبهم النصّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه بإمرة المؤمنين. وعن الصادقعليه‌السلام :( من قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ) .

 

٣٨٥

أو (قد قامت الصّلاة)، وجميع الأذكار المزادة فيه، فيختلف حكمها باختلاف القصد، ولا بأس بها ما لم يقصد بها الجزئيّة أو التقريب بالخصوصية ما لم يحصل فصل مخلّ بهيئة الأذان (١) .

قد يتصور البعض بأنّ الشيخ كاشف الغطاء بكلامه هذا كان يعتقد بصحة كلام الشيخ الصدوق، وذلك لقوله:وليس من الأذان قول: (أشهد أن عليّاً ولي الله)... إلى آخره، ثم قوله بعد ذلك:(وإنما هو وضع المفوضة الكفار، المستوجبين الخلود في النار، كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مر)، وهذا التصوّر غير صحيح؛ وذلك لأمور:

الأوّل: إنّ ما قالهرحمه‌الله كان حكاية عن قول الصدوق وليس تبنّياً منه لذلك؛ لقولهرحمه‌الله :(على ما قاله الصدوق) وفي الآخر:(كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار).

الثاني: إنّ الشيخ كاشف الغطاء قد أتى بغالب الصيغ التي قيلت في الشهادة الثالثة وأضاف عليها المزيدَ؛ لقولهرحمه‌الله :(لكنّ صيغة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة، لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل له، أو بقول: أمير المؤمنين، أو بقول: حجّة الله تعالى، أو بقول: أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحوها كان أولى) .

الثالث: إنّهرحمه‌الله مع الشيخ الصدوقرحمه‌الله إن صحّ وضعها من قبل المفوّضة، كما نحن وجميع المسلمون معه، لأنّها ليست من أصل الأذان، لكنّ إفتاء الشيخ بالصيغ المحكيّة عن الصدوق، وإضافته جُمَلاً جديدة عليها تؤكّد سماحه بالإتيان بها لا على نحو الجزئيّة؛ لقوله:(ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجحانه في ذاته أو مع ذكر سيّد المرسلين أثيب على ذلك) .

____________________

(١) كشف الغطاء ٣: ١٤٣ - ١٤٥.

٣٨٦

أمّا قولهرحمه‌الله (لأنّه وضع لشعائر الإسلام، دون الإيمان) فهو صحيح أن كان يعني الإسلام الصحيح الكامل وهو المتمثل بالشهادة بالولاية لعلي، لأن ليس هناك إسلام صحيح كامل دون الولاية باعتقاد الشيخ تبعاً لأئمته، وقد وقفت سابقاً على اعتراض الإمام الحسينعليه‌السلام لمن اعتبر الأذان رؤيا بقولهعليه‌السلام : (الأذان وجه دينكم)، فلا يتحقق الوجيهة للدين إلاّ من خلال الولاية، ولا معنى للدين عند الأئمة إلاّ مع الولاية، ولأجل ذلك نرى الإمام الرضا حينما يروي حديث السلسلة الذهبية يقول: (بشرطها وشروطها وأنا من شروطها)، فقد يكون الشيخرحمه‌الله أراد الوقوف أمام الذين يريدون إدخال الشهادة الثالثة على نحو الجزئية، وأن قوله الآنف جاء لهذا الغرض، لأنّهرحمه‌الله وحسبما عرفت لا يخطِّئ من يأتي بها لرجحانها في ذاتها أو مع ذكر سيد المرسلين، بل يعتقد بأن الذي يأتي بها يثاب على فعلهرحمه‌الله ، لقوله:(فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء، بطل أذانه بتمامه، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد، ولو اختصَّ بالقصد، صحّ ما عداه. ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ...) .

وعليه فالإسلام لا يتحقّق ولا يكمل إلاّ بالولاية لعلي، لأنّ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (١) تشهد بذلك، وذلك لما روي عن الباقر والصادقعليهما‌السلام في تفسير قوله تعالى( فِطْرَتَ اللَّه ) قالا: هو لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين ولي الله. إلى ها هنا التوحيد(٢) .

إذن، الولاية هي كالتوحيد والنبوة؛ إذ لا يمكن فهم الإسلام إلاّ من خلال الله ورسوله ووليه، وقد مرّ عليك أنّ الشارع كان يحبّذ الدعوة إلى الولاية مع الشهادتين في الأذان، لما جاء فيالعلل عن ابن أبي عمير أنّه سال أبا

____________________

(١) الروم: ٣٠.

(٢) تفسير القمي ٢: ١٥٥، وعنه في بحار الأنوار ٣: ٢٧٧. وهذا ما سنتكلم عنه في الفصل الثالث من هذه الدراسة تحت عنوان (الشهادة الثالثة الشعار والعبادة).

 

٣٨٧

الحسن (الكاظم) عن (حيّ على خير العمل) لم تركت؟... فقالعليه‌السلام : إن الذي أمر بحذفها [أي عمر] لا يريد حث عليها ودعوة إليها.

فالشيخرحمه‌الله بكلامه لا يريد المنع من المحبوبية، بل يريد المنع من الجزئية، ومعنى كلامه أن الأذان بدون ذكر الولاية لا يخل به ولا يبطله. بل يمكننا أن نتجاوز هذا الكلام ونقول بإمكان لحاظ معنى الولاية في الأذان لأنّه إعلام وإشعار للصلاة ولا يتحقّق الأذان الصحيح إلاّ من المؤمن الموالي.

ويؤيّد ذلك ما جاء عن الإمام الرضا: (من أقرّ بالشّهادتين فقد أقرّ بجملة الإيمان) لا كلّه، وسبق أن قلنا بأنّ في كلامهعليه‌السلام إشارة إلى أنّ في الأذان معنى الولاية، وبه يكون الأذان هو شعار الإسلام والإيمان معاً، وقد استظهر هذا من الرواية قَبْلَنا جدُّنا لأُمّي التقيّ المجلسيرحمه‌الله الذي مرّ عليك كلامه سابقا.

ومن هنا أُثيرت مسألة بين الفقهاء، هي هل الأذان إعلام، أم شهادة، أم ذكر، أم... فذهب البعض منهم إلى أنّها إعلام، فجوّزوا أذان الكافر لو كان مأموناً، وذهب البعض الآخر إلى أنّها شهادة، فاختلفوا: هل يجوز تأذين الكافر أم لا؟ وعلى فرض أنّ الكافر شهد الشهادتين في الأذان فهل يعتبر مسلماً بهذه الشهادة أم لا؟ فغالب الفقهاء اختاروا العدم(١) لكون ألفاظ الشهادتين في الأذان غير موضوعة لأَِنْ يُعتقد بها، بل الأذان للإعلام بوقت الصلاة، وإن كان هذا الإعلام في غالب الأحيان يقترن بالاعتقاد ويصدر من المعتقِد. وكذا تشهّد الصلاة لم يوضع لذلك، بل لأنّه جزء من العبادة، ولو صدرت عن غافل عن معناها صحّت صلاته لحصول الغرض المقصود منها، بخلاف الشهادتين المجرّدتين، فإنّهما موضوعتان للدلالة على اعتقاد قائلهما.

وقد اشترط البعض لزوم اشتراط الإيمان في المؤذّن، لما روي فيالتهذيب

____________________

(١) انظر في ذلك روض الجنان: ٢٤٢.

٣٨٨

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه سئل عن الأذان: هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قالعليه‌السلام : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف، فإن علم الأذانَ فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يُقتدى به(١) .

وقد علّق الفيض الكاشاني على هذا الخبر بقوله: المراد بالعارف، العارف بإمامة الأئمّة، فإنّه بهذا المعنى في عرفهمعليهم‌السلام . ولعمري، إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئاً كما في الحديث النبوي: من مات ولم يعرف إمام زمانه...(٢)

كلّ هذه النصوص تؤكّد لحاظ معنى الولاية ضمن الأذان، وإن لم يشرّع من قبل الأئمّةعليهم‌السلام على نحو الجزئية.

أمّا قوله: (لأنّ أمير المؤمنين حين نزوله كان رعيَّةً للنبيّ فلا يذكر على المنابر) فهذا ينقضُهُ ذكر الرسول عليّاً من على المنابر وفي أكثر من مناسبة، وحسبك واقعة الغدير في حجّة الوداع واجتماع أكثر من مائة وعشرين ألف مسلم، وخطاب الرسول فيهم خير دليل على وجود ذكر عليّ في عهد رسول الله من على المنابر، وكونه رعيّةً للنبيّ الأكرم لا ينافي ذكره في الأذان، كما أنّ كون النبيّ عبداً لله لا ينافي ذكره في الأذان.

فلو ثبت ذكر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وهو واقع يقيناً من على المنابر، فما المانع أن يذكره الصحابة في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا على نحو الجزئية، وقد كان مثلُهُ ممّا يعمل به بعض الصحابة مثل كدير الضبيّ الذي كان يسلّم على النبي والوصي في صلاته(٣) ، وهناك روايات كثيرة أخرى في مرويّات أهل البيت تُلْزِمُ بذكر الأئمة واحداً بعد الآخر في خطبة الجمعة، كما يشترط الفقهاء ذكر الصلاة

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٧ / باب الأذان والإقامة / ح ١١٠١.

(٢) الوافي ٧: ٥٩١.

(١) الإصابة ٥: ٥٧٦ / ت ٧٣٩١ لكدير الضبي، والمعرفة والتاريخ ٣: ١٠٢، مناقب الكوفي: ٣٨٦ / ح ٣٠٥.

٣٨٩

على النبيّ والآل في تشهد الصلاة، وفي أمور عباديّة أخرى، وكل هذه الأمور تؤكد محبوبية هذا الأمر ومعروفيته وإعلانه عندهم، وبذلك فلا مانع من ذكر اسمه المبارك على المنابر مع كونه رعيّةً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد قال الشيخ كاشف الغطاء في مبحث التشهّد ما يؤكّد وجود معنى الولاية في الصلاة بقوله:... وهو وإن كان بالنسبة إلى المعنى الأصليّ يحصل بإحدى الشهادتين، إلاّ أنّ المراد منه في لسان الشارع والمتشرّعة مجموع الشهادتين بلفظ: (أشهد أن لا إله إلاّ الله)، والأحوط قول: (أشهد أن محمّداً رسول الله)صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير واو، ثمّ الصلاة على النبي وآله بلفظ (اللّهم صلَّي على محمّد وآله).

ثم الأقرب منهما إلى الاحتياط قول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللّهمّ صَلِّ على محمد وآل محمد) محافظاً على العربية والترتيب والموالاة(١) .

كلّ هذا يؤكّد عدم اقتصار الصلاة المأمور بها على التوحيد والنبوّة، بل لابدّ من ذكر الولاية معهما، وإن أجمل المكلّف ما أمر به بالصلاة على محمد وآل محمد(٢) كان أفضل وأحسن(٣) .

____________________

(٢) كشف الغطاء ١: ٢١٦.

(١) إشارة إلى ما رواه الشيخ في التهذيب ٢: ١٣١ / ح ٥٠٦، والصدوق في الفقيه ١: ٣١٧ / ح ٩٣٨ عن أبان بن عثمان عن الحلبي أنّه قال لأبي عبد الله [الصادقعليه‌السلام ]: أسمّي الأئمةعليهم‌السلام ؟ فقال:أجملهم .

(٣) من خلال البحوث المتقدّمة وتبيين كلمات علماء الطائفة، ومن خلال عرضنا وتقييمنا لكلام كاشف الغطاء، يتبين عدم صحة ما قال به الدكتور حسين الطباطبائي المدرسي في كتابه(تطوّر المباني الفكريّة للتشيّع في القرون الثلاثة الأولى) ، حيث ادّعى نقلاً عن الميرزا محمّد الأخباري في رسالة (الشهادة بالولاية) أنّ فقيه الشيعة الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٢٨ هـ) أرسل إلى فتح علي شاه القاجاري (١٢١٢ - ١٢٥٠ هـ) يطلب منه منع الشهادة الثالثة في الأذان. ثم حاول أن يضفي على كلامه الصبغة العلمية فقال: توجد نسخة

٣٩٠

٢٥ - الميرزا القمي (١١٥٢ - ١٢٢١ هـ)

قال الميرزا أبو القاسم القمّي في كتابه(غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام):

____________________

من رسالة كاشف الغطاء هذه في قم تحت اسم:(رسالة في المنع من الشهادة بالولاية في الأذان)، وكتبَ: راجع فهرست (مئة وستون نسخة خطّيّة) لرضا أستادي: ٥٥.

 وبعد التتبّع، والوقوف على الفهرست المذكور، لم نقف لرسالته المدّعاة هذه، وبعد الاتّصال بسماحة الشيخ رضا الأستادي والاستفسار منه، نفى وجود مثل ذلك عنده فضلاً عن أن يكون مذكوراً في فهرسته. وبعد بحث في الفهارس والسؤال من المختصّين لم أقف على رسالة كاشف الغطاء المزعومة.

 على أنّ المدرسي انتهج في كلامه حول الشهادة الثالثة منهج التشويش وعدم دقة العبارات، والانتقائية في نقل أقوال الفقهاء، والبتر للنُصوص المنقولة، وتحكيم بعض الآراء تَحَكُّماً على الآراء الأخرى؛ فأحال إلى كلام الشيخ في النّهاية: ٦٩: (كان مخطئاً) ولم ينقل كلامهرحمه‌الله في المبسوط ١: ٢٤٨: (ولو فعله الإنسان لم يأثم به)، وأحال إلى كتاب (النقض) للقزويني و(المعتبر) للمحقق ولم يأت بكلام السيّد المرتضى في (المسائل الميارفارقيات) وابن البراج في (المهذب) ويحيى بن سعيد في (الجامع للشرائع) مع أنّه يعلم بأن القزويني والمحقق والشهيدين في (الذكرى) و(روض الجنان) و(اللمعة) و(الروضة البهية) والأردبيلي في (مجمع الفائدة والبرهان) والمجلسي في (لوامع صاحب قراني) والسبزواري في (الذخيرة) والفيض في (المفاتيح) وكاشف الغطاء في (كشف الغطاء) وغيرهم لا يمنعون من الإتيان بالشهادة بالولاية إن جيء بها بقصد القربة المطلقة.

 فالشهيد الأوّل حكى في الذكرى والبيان كلام الشيخ الطوسي في عدم الإثم من الإتيان بها، ولم يعلق عليها، وهذا يعني التزامه به، إذ من غير المعقول أن تخلو كتبه الفتوائية عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة ابتلائية يعمل بها الشيعة في عهده وقبل عهده.

 وكذا الحال بالنسبة إلى كلام الشهيد الثاني فقد صرح بعدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئية. أما الإتيان بها لمطلق القربة، فلا حرج عنده لقولهرحمه‌الله : (وبدون اعتقاد ذلك لا حرج) وكذا كلام الآخرين مما أترك تفصيله إلى كتابي هذا فليراجعه.

 فأسال الدكتور لماذا تحيل إلى كتب الشهيدين والسبزواري والأردبيلي ولا تحيل إلى جواهر الكلام، وكتب الوحيد البهبهاني، والمجلسيين، والخوانساري، والشيخ يوسف البحراني، والنراقي، والسيّد علي صاحب الرياض وغيرهم، وما يعني هذا الأمر الانتقائي من قبلك؟ ولولا أنّه ادّعى على كاشف الغطاء ما ادّعى لأعرضنا عنه صفحاً ولطوينا عنه كشحاً.

٣٩١

 وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البريّة) فالظاهر الجواز.

 قال الصدوق: والمفوّضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (أنّ محمّداً وآل محمّد خير البريّة) مرتّين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أنّ محمّداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرتّين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان(١) .

 وقال الشيخ فيالنّهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول (أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر)، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً(٢) ، وتقرب من ذلك عبارةالمنتهى (٣) .

 وكذلك قال فيالمبسوط ما يقرب من ذلك، ولكنّه قال: ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله(٤) .

 ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية، فلا يبعد القول بالرجحان، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن، ولكن بدون اعتقاد الجزئية.

 

____________________

(١) الفقيه ١: ٢٩٠ / ح ٨٩٧ بتفاوت يسير، الوسائل ٥: ٤٢٢ / باب كيفية الأذان والإقامة / ح ٦٩٨٦.

(٢) النّهاية: ٦٩.

(٣) المنتهى للعلاّمة ١: ٢٥٥ / باب في الأذان والإقامة.

(٤) المبسوط ١: ٩٩ / الأذان والإقامة وذكر فصولها.

٣٩٢

 وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في الأخبار المطلقة: (متى ذكرتم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكروا آله، ومتى قلتم: محمّد رسول الله، فقولوا: عليّ وليّ الله)(١) والأذان من جملة ذلك.

 ومن جملة تلك الأخبار ما رواه أحمد بن أبي طالب الطبرسي فيالاحتجاج عن الصادقعليه‌السلام ، وفي آخره: (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)(٢) .

وقال في(مناهج الأحكام): ومما ذكرنا يظهر حال (أشهد أن عليّاً ولي الله)، و(أن محمداً خير البرية). نعم، يمكن القول فيه بالاستحباب إذا لم يقصد الجزئية، لما ورد في الأخبار المطلقة (متى ذكرتم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكروا آلَهُ، ومتى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله) كما نقل عنالاحتجاج ، فيكون مثل الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة بالرسالة(٣) .

وقال في(جامع الشتات) ما ترجمته:

 سؤال: أوجب بعض الفضلاء قولَ (علي ولي الله) في الأذان مرة واحدة، وقال: لا تتركوه، لأنّ عليّاً هو روح الصلاة، وبدونه لا تتحقّق صورة الصلاة.

 الجواب:

( أشهد أن عليّاً ولي الله) ليس جزء الأذان ولا جزء الإقامة، لكن لا

____________________

(١) انظر البحار ٨١: ١١٢.

(٢) غنائم الأيام ٢: ٤٢٢ - ٤٢٣، الاحتجاج ١: ٢٣١.

(٣) مناهج الأحكام (كتاب الصلاة): ١٨٠.

٣٩٣

 نمانع من قوله في الأذان بقصد التيمّن والتبرّك، أو لما ورد في الإتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة، والأحوط تركها في الإقامة لمنافاة ذلك مع الحَدْر والتوالي في الإقامة. أما ما قالوه من الإتيان بها مرّةً في الأذان، فذلك لكي يختلف ما هو الأذان عن غيره ولكي لا يتوّهم فيها الجزئية. أما ما قالوه من أنّ صورة الصلاة لا تتحقّق إلاّ بذكر اسمه فهو غير صحيح(١) .

ويظهر من مجموع كلام الميرزا القمي قوله برجحان الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان، وجواز فعلها عنده سيَّما مع المسامحة في أدلة السنن، وقد يمكن القول باستحبابها إذا لم يقصد الجزئية لما ورد في الأخبار المطلقة، ملخصاً كلامه (ولكن لا نمانع من قوله في الأذان بقصد اليتمن والتبرك، ولما ورد في الإتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة) ثم أفتى بتركها من باب الاحتياط الوجوبيّ في الإقامة، لمنافاتها للموالاة والحدر فيها.

وعلّة ذلك: أنّ بعض العلماء وهم قليلون يتشدّدون في أحكام الإقامة لأنّها من الصلاة في بعض الروايات، وقال البعض بوجوبها الملزِم نظراً لتلك الروايات، وهو قول نادر خلاف ما عليه المشهور الأعظم من الفقهاء.

وقد قالرحمه‌الله قيل ذلك بجواز الزيادة في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية بقوله: وفي بعض الأخبار ما يدل على أن الإقامة مثل الأذان ونقل عن بعض الأصحاب أيضاً القول بأن الإقامة مثل الأذان إلاّ في زيادة (قد قامت الصلاة)؛ ولهذا قيل: لو زيد في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا بأس، وهذا الكلام يجري في تربيع التكبير في أوله أيضاً(٢) .

____________________

(١) جامع الشتات (فارسي) ١: ١٢٢، السؤال رقم ٢٨٠.

(٢) مناهج الأحكام: ١٧٤.

٣٩٤

٢٦ - السيّد علي الطباطبائي (ت ١٢٣١ هـ)

قال السيّد علي بن السيّد محمد علي الطباطبائي في(رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل) وحين كلامه عن مكروهات الأذان: (و) من الكلام المكروه (الترجيع) كما عليه معظم المتأخّرين، بل عامتهم عدا نادر(١) ، وفيالمنتهى وعنالتذكرة أنّه مذهب علمائنا(٢) ، وهو الحجّة؛ مضافاً إلى الإجماع في الخلاف على أنّه غير مسنون(٣) ، فيكره لأمور: قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، وإخلاله بنظامه، وفصله بأجنبيّ بين أجزائه، وكونه شبه ابتداع.

 وقال أبو حنيفة: إنّه بدعة(٤) ، وعنالتذكرة : هو جيّد(٥) ، وفيالسرائر وعن ابن حمزة: أنّه لا يجوز(٦) . وهو حسن إن قصد شرعيّته، كما صرّح به جماعة من المحقّقين(٧) ، وإلاّ فالكراهة متعيّنة؛ للأصل، مع عدم دليل على التحريم حينئذٍ، عدا ما قيل: من أنّ الأذان سنّة متلقّاة من الشارع

____________________

(١) وهو صاحب المدارك ٣: ٢٩٠.

(٢) المنتهى ٤: ٣٧٧، انظر تذكرة الفقهاء ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩، وفيه: يكره الترجيع عند علمائنا.

(٣) الخلاف ١: ٢٨٨ / المسألة ٣٢.

(٤) شرح سنن ابن ماجة ١: ٥٢ / باب الترجيع، جاء فيه: وعند أبي حنيفة ليس بسنة، وتذكرة الفقهاء ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩، قال العلاّمة: وربما قال أبو حنيفة: بدعة.

(٥) التذكرة ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩.

(٦) السرائر ١: ٢١٢، ابن حمزة في الوسيلة: ٩٢.

(٧) منهم: المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢: ١٨٨، وصاحب المدارك ٣: ٢٩٠، والسبزواري في الذخيرة: ٢٥٧، وصاحب الحدائق ٧: ٤١٧.

٣٩٥

 كسائر العبادات، فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرّماً، كما تحرم زيادة: (أنّ محمداً وآله خير البرية)، فإنّ ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنّه ليس من فصول الأذان(١) .

 وهو كما ترى، فإنّ التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلاً.

 ومنه يظهر جواز زيادة: (أنّ محمداً وآله)... إلى آخره، وكذا (عليّاً وليّ الله)، مع عدم قصد الشرعيّة في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعاً. ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً؛ للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة(٢) .

أراد السيّد الطباطبائيرحمه‌الله بكلامه نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة وهو ما يذهب إليه عامة فقهاء الإمامية. أمّا لو أراد المؤذّن الزيادة مع عدم قصد الجزئية، فهي جائزة عنده، لقوله: (ومنه يظهر جواز زيادة: أنّ محمّداً وآله... إلى آخره، وكذا عليّاً ولي الله، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعاً). ثمّ جاء السيّد الطباطبائي ليفرّق بين الشهادة الثالثة وبين الترجيع، فقال عن الترجيع: (لأنّه غير مسنون فيكره لأمور: قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، وإخلاله بنظامه وفصله بأجنبي بين أجزائه، وكونه شبه ابتداع).

في حين قال عن الشهادة بالولاية وعن (أنّ محمّداً وآله خير البرية): (ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً، للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما

____________________

(١) المدارك ٣: ٢٩٠.

(٢) رياض المسائل ٣: ٩٦ - ٩٨.

٣٩٦

بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة).

وهناك أمر ثالث يمكننا أن ننتزعه من نصّ صاحب (رياض المسائل) وهو إتيان بعض الشيعة بجملة (أنّ محمّداً وآله خير البرية) في الأذان في عصره، وهذا يؤكّد ما نقوله من أنّ الشيعة كانوا لا يأتون بهذهِ الصيغة على أنّها جزءٌ، لأن المعلوم من الجزئية هو الوقوف على صيغة واحدة لا صِيَغ متعدّدة.

٢٧ - الشيخ محسن الأعسم (ت ١٢٣٨ هـ)

قال الشيخ محسن بن مرتضى الأعسم في كتابه(كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام) المخطوط ما نصه:

تنبيه: لا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول، كالتّشهّد بالولاية للأميرعليه‌السلام وأولاده، وبأنّ محمّداً وآله خير البرية، وإن كان الواقع كذلك، فإنّه لا تلازم بين الواقع وجواز إدخاله في الموظَّف حتَّى لو كان من العقائد اللاّزمة كمحلِّ البحث؛ قال [الصدوق]: المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمد وآله خير البرية)، وفي بعض [الروايات] بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بأنّ علياً وليّ الله، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً) مرّتين.

 وفيالبحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهما بورود الأخبار بذلك. وأمّا قول (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) و(آل محمّد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار فإنّه لا يعمل عليه في الأذان والإقامة.

 وفيالمنتهى نسبة قائل هذا إلى الخطأ؛ قال المجلسي: ويؤيدّه

٣٩٧

الخبر: (قلت لهعليه‌السلام : إنّ هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أُسري به إلى السماء رأى على العرش: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله وأبو بكر الصديق. فقالعليه‌السلام : (سبحانَ الله ! غيَّروا كلّ شيء حتّى هذا؟! إنّ الله كتب على العرش والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرض، ورءوس الجبال: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين) فيدلّ على استحباب ذلك عموماً في الأذان، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار)، انتهى [كلام المجلسي].

 وبعد ما سمعت من رميِ الأساطين لذلك، وأنّها من روايات المفوّضة كما سمعت عن الصدوقرحمه‌الله ونحوه غيره من حَمَلَةِ الأخبار التابعين للآثار [كالشيخ الطوسي]، فلا وجه للاستدلال بما ذكر حتّى العموم في الخبر المزبور، وإِن احتمل أنّه في الأصل مشروعٌ وسقط للتقيّة(١) .

سلك الشيخ الأعسمقدس‌سره مسلكاً آخر في الكلام عن الشهادة الثالثة كما ترى، وهو ما احتملناه في بعض البحوث الآنفة، فهوقدس‌سره يقول: (وإن احتمل أنّه في الأصل مشروع وسقط للتقية)، ومعنى كلامه أنّ اقتضاء وملاك ومصلحة تشريع الشهادة الثالثة في الأذان موجودة، لكنّ الخوف على دماء الشيعة والحفاظ على المذهب مانعٌ من فعليّة هذا التشريع، وهذا وإن كان صحيحاً بنفسه إلاّ أنّه يتمّ

____________________

(١) كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام للأعسم مخطوط برقم ٩١ الصفحة ١٤٢ وموجود في مؤسسة كاشف الغطاء.

٣٩٨

على فرض الذهاب إلى القول بالجزئية، فيقال: أنّ الشارع لم يشرّع الجزئية لمانع وهو التقية، لكنّه لا يتم بدون اعتقاد الجزئية وهو المعمول عندنا اليوم إذ الشهادة الثالثة على الفرض الأخير لا تعدو كونها ذِكْراً مستحبّاً لا دخل له في ماهيّة الأذان، بل يؤتى بها لمجرّد التبرّك والتيمّن وكونه كلاماً حقاً خارجاً يقال في الأذان أو لحصول ثواب وفضيلة غير أذانية، وهذا لا يتنافى مع المنع من الإتيان بها بقصد الجزئية والأذانية.

٢٨ - الشيخ محمد رضا جدّ محمد طه نجف (ت ١٢٤٣ هـ)

قال الشيخ محمد رضا في(العدّة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية) عند ذكر الأذان:

الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقيّة، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطّرد، نعم، لو قيل لا بقصد الجزئية لم يبعد رجحانه(١) .

فالشيخ لم يستبعد رجحان الإتيان بالشهادة الثالثة لا بقصد الجزئية وقد قوى أن يكون السر في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنما هو تقية.

٢٩ - المولى أحمد بن محمد مهدي النّراقي (ت ١٢٤٥ هـ)

قال الشيخ أحمد بن محمد مهدي النّراقي في كتابه(مستند الشيعة في أحكام الشريعة) :

صرّح جماعة منهم الصدوق (٢) ،والشيخ في (المبسوط) (٣) بأنّ

____________________

(١) الكتاب مخطوط في تسع مجلدات بيد حفيده، انظر: الذريعة ١٥: ٢١٣، معجم المؤلفين ٩: ٣١٧.

(٢) الفقيه ١: ٢٩٠.

(٣) المبسوط ١: ٩٩.

٣٩٩

الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة. وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للأذان، وحرّمها معه(١) . ومنهم من حرّمها مطلقاً؛ لخلوّ كيفيّتهما المنقولة(٢) . وصرّح في (المبسوط) بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء(٣) ، ومفاده الجواز. ونفى المحدّث المجلسي في (البحار) البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان(٤) . واستحسنه بعض من تأخّر عنه(٥) .

 أقول: أمّا القول بالتحريم مطلقاً فهو ممّا لا وجه له أصلاً، والأصل ينفيه، وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه. وليس من كيفيّتهما اشتراطُ التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتّى يخالفها الشهادة، كيف؟! ولا يحرم الكلامُ اللّغو بينهما فضلاً عن الحقّ.

____________________

(١) مفاتيح الشرائع ١: ١١٨.

(٢) الذخيرة: ٢٥٤.

(٣) المبسوط ١: ٩٩، وفيه التصريح بأنّه لو فعله الإنسان يأثم به، ولكن الصحيح: لم يأثم به بقرينة ما بعده، ويؤيّده ما حكاه المجلسي في البحار ٨١: ١١١ نقلاً عن المبسوط: ولو فعله الإنسان لم يأثم به. وعموماً فكل من نقل من العلماء كلام الشيخ فإنما نقلها بالنفي، وهو يورث الجزم بنفي الإثم عن مبسوط الشيخ.

(٤) البحار ٨١: ١١١.

(٥) كصاحب الحدائق ٧: ٤٠٤ حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار : وهو جيد.

٤٠٠