أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان13%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156839 / تحميل: 12405
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.

قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.

فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية »(1) .

واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ »(2) . والشواهد على ذلك كثيرة

وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعليعليه‌السلام .

هـ : عقائد جاهلية وغريبة :

ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول

__________________

1 ـ الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 134.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 285 والاحتجاج ج 1 ص 402 والبحار ج 44 ص 70 والغدير ج 2 ص 133 عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 12. ونقل عن شرح النهج للآملي ج 18 ص 288 وعن أعيان الشيعة ج 4 ص 67.

٨١

ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :

تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل(1) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال(2) وقد أصبح ذلك من عقائدهم(3) .

ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب(4) . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي

__________________

1 ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج 2 ص 316.

2 ـ راجع : سنن البيهقي ج 8 ص 157 و 159 و 164 و ج 4 ص 115 و ج 6 ص 310. وصحيح مسلم ج 6 ص 17 و 20 ج 2 ص 119 و 122 وكنز العمال ج 5 ص 465 و ج 3 ص 168 و 167 و 170 والعقد الفريد ج 1 ص 8 و 9 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 329 ـ 335 و 339 ـ 344 ولباب الآداب ص 260 والدر المثور ج 2 ص 177 و178 و 176 ومقدمة ابن خلدون ص 194 والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص 417 وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج 5 ص 274 وطبقات الحنابلة ج 3 ص 58 و ص 56 ، والإبانة للأشعري ص 9 ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 323 ومسند أحمد ج 2 ص 28 و ج 4 ص 382 / 383 البداية والنهاية ج 4 ص 249 و 226 ومجمع الزوائد ج 5 ص 229 و 224 وحياة الصحابة ج 2 ص 68 و 69 و 72 و ج 1 ص 12 والإصابة ج 2 ص 296 والكنى والألقاب ج 1 ص 167 والاذكياء ص 142 و الغدير ج 7 ص 136 حتى ص 146 و ج 6 ص 117 و 128 و ج 9 ص 393 و ج 10 ص 46 و 302 و ج 8 ص 256 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 513 و 290 والسنة قبل التدوين ص 467 ونهاية الإرب ج 6 ص 12 و 13 ولسان الميزان ج 3 ص 387 و ج 6 ص 226 عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج 2 ص 102.

3 ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص 312 متناً وهامشاً.

4 ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص 166 وجامع بيان العلم ج 2 ص 148 و 149 و 150 وضحى الإسلام ج 3 ص 81 زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 340 و ج 12 ص 78 / 79 وقاموس الرجال ج 6 ص 36 ، والإمامة والسياسة ج 1 ص 183 والغدير ج 9 ص 34 و 95 و 192 و ج 5 ص 365 و ج 10 ص 333 و 245 و 249 و ج 7 ص 147 و 154 و 158 و ج 8 ص132 والإخبار الدخيلة ( المستدرك )

=

٨٢

ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف

ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر

قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن

__________________

=

ج 1 ص 193 و 197 ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص 271 و 249 وأنيس الأعلام ج 1 ص 279 و 257 والتوحيد وإثبات صفات الرب ص 82 و 80 و 81 ومقدمة ابن خلدون ص 143 و 144 والإغاني ج 3 ص 76 ، وتأويل مختلف الحديث ص 35 والعقد الفريد ج 1 ص 206 و ج 2 ص 112 وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 445 وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص 43 حتى 49 عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص 904 وربيع الأبرار ج 1 ص 821 والموطأ ج 3 ص 92 و 93 وطبقات ابن سعد ج 7 ص 417 و ج 5 ص 148 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 265 و 83 /84 ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 67 ومناقب الشافعي ج 1 ص 17 والبخاري ج 8 ص 208 وفي خطط المقريزي ج 3 ص 297 : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر وحياة الصحابة ج 2 ص 12 و 95 و 94 و 330 و ج 3 ص 229 و 487 و 492 و 501 و 529 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 3 ص 138 / 139 و ج 8 ص 208 و ج 1 ص 86. وصحيح مسلم ج 2 ص 86 وأبي داود ج 2 ص 16 والترمذي ج 1 ص 202 وابن ماجة ج 1 ص 209 وسنن البيهقي ج 9 ص 50 و ج 6 ص 349 ومسند أحمد ج 5 ص 245 ومجمع الزوائد ج 6 ص 3 و ج 1 ص 135 والطبري في تاريخه مقتل برير و ج 4 ص 124 و ج 3 ص 281 والبداية والنهاية ج 7 ص 79. انتهى.

والمعتزلة ص 7 و 87 و 39 / 40 و 91 و 201 و 265 عن المصادر التالية : المنية والأمل ص 12 وعن الخطط ج 4 ص 181 / 182 و 186 والملل والنحل ج 1 ص 97 / 98 والعقائد النسفية ص 85 ووفيات الأعيان ص 494 والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 3 ص 45 عن الطبري ج 6 ص 33 و ج 3 ص 207 وعن الترمذي ص 508 في رسالة عمر بن عبد العزيز

والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.

٨٣

التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك »(1) .

وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.

ومعنى هذا هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.

بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب(2) .

وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت »(3) .

بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى(4) كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً(5)

و : قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذا كله فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفضيل الخليفة عليه بل وسلب معنى العصنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشر يرضى

__________________

1 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4 ص 204.

2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 232 وراجع : تاريخ الخلفاء ص 246 وراجع ص 223.

3 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 70.

4 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 73 وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 115.

5 ـ تهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 72.

٨٤

ويغضب(1)

بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء(2)

كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم(3)

إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أراده فليراجعه.

ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.

ز : تولية المفضول :

ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع

__________________

1 ـ راجع : سنن الدرامي ج 1 ص 125 وجامع بيان العلم ج 1 ص 85 وليراجع ج 2 ص 62 و 63 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 104 / 105 وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج 3 /318 والزهد والرقائق ص 315 والغدير ج 11 ص 91 و ج 6 ص 308 و 309 والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 34 و 35 و ج 11 ص 237 وإحياء علوم الدين ج 3 ص 171 وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم وغير ذلك كثير.

2 ـ الغدير ج 6 ص 309 عن عمدة القاري ج 7 ص 143 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).

3 ـ الموفقيات ص 577 ومروج الذهب ج 3 ص 454 وشرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 129 و 130 وقاموس الرجال ج 9 ص 20.

٨٥

وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر(1) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ(2) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً

ح : سياسة التجهيل :

وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن »(3) !!

وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياًعليه‌السلام لايصلي(4) .

__________________

1 ـ الغدير ج 7 ص 131 عن السيرة الحلبية ج 3 ص 386. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص 195 إشارة إلى ذلك..

2 ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59.

3 ـ مروج الذهب ج 3 ص 38.

4 ـ تاريخ الطبري ج 4 ص 30 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 313 والفتوح لابن اعثم ج 3 ص 196 وصفين ليصر بن مزاحم ص 354 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 36 والغدير ج 10 ص 122 و 290 عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 184 وترجمة الإمام عليعليه‌السلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج 3 ص 99 ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج 38 حديث رقم 1139. وراجع : المعيار والموازنة ص 160.

٨٦

وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة »(1) .

قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.

ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه(2) .

وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه »(3) .

وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرثونه غير بني أمية

__________________

1 ـ أنساب الأشراف ج 5 ص 43 ، والغدير ج 9 ص 32. وليراجع البداية والنهاية ج 7 ص 165.

2 ـ المعيار والموازنة ص 19.

3 ـ المصنف ج 11ص 334.

٨٧

بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل(1) .

وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم »(2) .

وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة(3) .

وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة »(4) .

وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا :( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».

قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر(5) .

وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها

__________________

1 ـ مروج الذهب ج 3 ص 32 والغدير ج 10 ص 196 عنه.

2 ـ الفخري في الآداب السلطانية ص 112 والعقد الفريد ج 3 ص 373 مع تفاوت يسير.

3 ـ الغدير ج 8 ص 304 عن ابن أبي الحديد.

4 ـ الأمالي للشيخ المفيد ص 122.

5 ـ حياة الصحابة ج 3 ص 260 عن كنز العمال ج 1 ص 228 عن ابن جرير.

٨٨

معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها »(1) .

والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق(2) !!

ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع(3) .

وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه(4) .

وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً »(5) .

وحينما أرسل عليعليه‌السلام إلى معاوية كتاباً فيه :

محمـد النبـي أخـي وصهـري

وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي

الأبيات

__________________

1 ـ العقد الفريد ج 2 ص 112 وبلاغات النساء ص 104 ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.

2 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 50.

3 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.

4 ـ أخبار الموفقيات ص 332 ـ 334 وليراجع الأغاني ط ساسي ج 19 ص 59 في قضية أخرى.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 57 والإمام الحسن بن عليعليه‌السلام لآل يس ص125 ، والنصائح الكافية ص 72.

٨٩

« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب »(1) .

وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً(2) .

عليُّ عليه‌السلام يبثّ العلم والإيمان :

ولكن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.

ط : موقفهم من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.

المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،

ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

__________________

1 ـ البداية والنهاية ج 8 ص 8 و9.

2 ـ النصائح الكافية ص 72 / 73 /74.

3 ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج 1 ص 42 و 65 و 77 و ج 2 ص 173 و 174 و 135 و 203 و 147 و 159 و 141 و 148 والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 و 262 و 325 و 377 و ج 10 ص 381 وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة

٩٠

..................................................................................

____________

=

قبل التدوين ص 97 / 98 و 91 و 103 و 113 و 92 و 104 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5 و 7 و 6 و 8 و 3 / 4 وشرف أصحاب الحديث ص 88 و 89 و 91 و 92 و 87 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 273 وكنز العمال ج 5 ص 406 عن التيهقي و ج 10 ص 179 و 174 و 180 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وتأويل مختلف الحديث ص 48 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 248 و 427 حتى 432 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 2 و ج 4 قسم 1 ص 13 ـ 14 و ج 3 قسم 1 ص 306 و ج 5 ص 140 و 70 و 173 ، و ج 2 قسم 2 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 61 وأضواء على السنة المحمدية ص 47 و54 و 55 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 64 و 61 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 2 ص 196 وحياة الصحابة ج 2 ص 82 و 569 و 570 و ج 3 ص 257 و 258 و 259 و 272 و 273 و 252 و 630 عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج 8 ص 106 و 107 وتقييد العلم ص 50 و 51 و 52 و 53 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 102 و 110 وتاريخ الخلفاء ص 138 عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج 1 ص 499 حتى 501 ومسند أحمد ص 157 و ج 4 ص 370 و 99 و ج 3 ص 19 والدر المنثور ج 4 ص 159 ووفاء الوفاء ج 1 ص 488 و 483 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 114 وحلية الأولياء ج 1 ص 160 ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص 138 والمجروحون ج 1 ص 35 / 36.

ونقل أيضاً في الغدير ج 6 ص 294 حتى 302 و 265 و 263 و 158 و ج 10 ص 351 و 352 عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج 2 ص 227 وابن الشحنة بهامشه ج 7 ص 176 وفتوح البلدان ص 53 وصحيح البخاري ط الهند ج 3 ص 837 وسنن أبي داود ج 2 ص 340 وصحيح مسلم ج 2 ص 234 كتاب الأدب انتهى.

ونقله في النص والاجتهاد ص 151 عن المصادر التالية : كنز العمال ج 5 ص 239 رقم 4845 و 4860 و 4865 و 4861 و 4862 والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 120 والمعتصر من المختصر ج 1 ص 459 وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص 248 والتاج المكلل ص 265 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 7 ص 127.

ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص 29 ، والمحدث الفاصل ص 133 والبخاري بحاشية السندي ج 4 ص 88 وصحيح مسلم ج 3 ص 1311 و 1694 والموطأ ج 2 ص 964 ورسالة الشافعي ص 435 ومختصر جامع بيان العلم

٩١

ي ـ تشجيع القصاصين ورواية الإسرائيليات :

مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.

وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك(1) .

ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم(2) حتى إن أبا

__________________

=

ص 32 و 33. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..

1 ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج 2 ص 224 حتى 227 و 238 و 338 و 345 و 325 و 326 و 327 وأضواء على السنة المحمدية ص 124. حتى 126 و 145 حتى 192 وشرف أصحاب الحديث ص 14 و 15 و 16 و 17 وفجر الإسلام ص 158 حتى 162 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 34 حتى 37 والزهد والرقائق ص 17 و 508 وتقييد العلم ص 34 وفي هامشه عن حسن التنبيه ص 192 وعن مسند أحمد ج 3 ص 12 و 13 و 56. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج 2 ص 50 و 53 ، ومجمع الزوائد ج 1 ص 150 و151 و 191 و 192 و 189 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 109 و 110 وهوامشه ومشكل الآثار ج 1 ص 40 و 41 والبداية والنهاية ج 1 ص 6 و ج 2 ص 132 و 134 وكشف الأستار ج 1 ص 120 و 122 و 108 و 109 وحياة الصحابة ج 3 ص 286.

2 ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج 1 ص 26.

بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج 2 ص 175 203 وراجع ص 194 و 174 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 62 وسنن الدرامي ج 1 ص 61 والتراتيب اللإدارية ج 2 ص 367 و 368 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 179 ط ليدن و 258 ط صادر وكنز العمال ج 10 ص 185 عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 301 وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج 1 ص 83.

بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 54 وحياة الصحابة ج 2 ص 390 / 391 عنه

٩٢

موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر(1) .

أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر(2) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ك : لا خير في الإمارة لمؤمن :

وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.

وقد رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن(3) .

__________________

1 ـ مسند أحمد ج 4 ص 393 وفي ص 372 يمتنع أنس عن الحديث.

2 ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة 35 ج 3 ص 426 ومروج الذهب ج 2 ص 321 و 322 وراجع مستدرك الحاكم ج 3 ص 120 و ج 1 ص 110 وكنز العمال ج 10 ص 180 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 20 ص 20 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 317 و 334 و 365 وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص 208 و 209 والفتنة الكبرى ص 17 و 46 و 77 وشرف أصحاب الحديث ص 87 ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 135 و ج 2 قسم 2 ص 100 و 112 وحياة الصحابة ج 2 ص 40 و 41 و ج 3 ص 272 و 273 عن الطبري ج 5 ص 134 وعن كنز العمال ج 7 ص 139 و ج 5 ص 239.

وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.

3 ـ البداية والنهاية ج 5 ص 83 ومجمع الزوائد ج 5 ص 204 عن الطبراني. وحياة الصحابة ج 1 ص 198 / 199 عنهما وعن كنز العمال ج 7 ص 38 وعن البغوي وابن

=

٩٣

وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.

وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر(1) .

ل : أينعت الثمار واخضرّ الجناب :

وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة

ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.

بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(2) .

بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول

__________________

= عساكر وغيرهما.

1 ـ الفائق للزمخشري ج 3 ص 215 و ج 2 ص 445 والنصائح الكافية ص 175 ولسان العرب ج 13 ص 346 و ج 11 ص 452. والاشتقاق ص 179.

2 ـ راجع الصحيح من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج 1 ص 27 ـ 30 بالإضافة إلى : المصنف ج 2 ص 63و مسند أبي عوانة ج 2 ص 105 والبحر الزخار ج 2 ص 254 وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 260 ومسند أحمد ج 4 ص 428 و 429 و 432 و 441 و 444 والغدير ج 8 ص 166 ، وراجع أيضاً مروج الذهب 3 ص 85 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 62.

٩٤

لأحكام ومثلها من أصول السنن(1) الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين(2) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها(3) .

وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل »(4) .

بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك »(5) .

ويقول المعتزلي الشافعي عن عليعليه‌السلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين

__________________

1 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 419 وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص 243.

2 ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج 1 ص 414 ، ولسان الميزان ج 3 ص 405 وتذكرة الحفاظ ج 2 ص 641 و 430 و 434 و ج 1 ص 254 و 276.

وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.

والتراتيب الإدارية ج 2 ص 202 حتى ص 208 و 407 و 408.

3 ـ راجع لسان الميزان ج 3 ص 405 و ج 5 ص 228 والفوائد المجموعة ص 246 و 427 وتاريخ الخلفاء ص 293 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 96 وميزان الاعتدال ج 1 ص 572 و 406 و 509 و 316 و 321 و 12 و 17 و 108 و 148 والكفاية للخطيب ص 36 و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج 1 ص 156 و 185 و 155 و 142 و 96 و 63 و 62 و ص 65 حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج 2 ص 189 و 163 و 138 و ج 3 ص 39 و 63.

4 ـ حياة الصحابة ج 1 ص 505 عن كنز العمال ج 5 ص 114 وعن معاني الآثار للطحاوي ج 1 ص 27.

5 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 83.

٩٥

تحريمه. وقد قالعليه‌السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب »(1) انتهى.

ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.

كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة »(2) .

كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها(3) .

ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك »(4) .

وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.

ماذا بعد أن تمهد السبيل :

وبعد هذا فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق

__________________

1 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 28.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 84.

3 ـ المصنف ج 2 ص 433.

4 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 194.

٩٦

الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.

كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.

كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.

أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ(1) .

ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.

وعلي عليه‌السلام ماذا يقول :

هذا ولكننا نجد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفضعليه‌السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد

__________________

1 ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ج 1 ص 26 / 27 متناً وهامشاً.

٩٧

طردعليه‌السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

وقد رووا عنه : أنهعليه‌السلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره(2) .

كما أنهعليه‌السلام يقول :

« من يشتري منا علماً بدرهم؟ قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».

وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً »(3) .

وعن عليعليه‌السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس(4) .

وعنهعليه‌السلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه »(5) . ومثل ذلك كثير

__________________

1 ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص 28 وراجع كنز العمال ج 10 ص 171 و 172 و122.

2 ـ تقييد العلم ص 89 و 90 وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي 1 : 3 ».

3 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 259 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 116 ط ليدن و ص 68 ط صادر وتاريخ بغداد ج 8 ص 357 وكنز العمال ج 10 ص 156 وتقييد العلم ص 90 وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة 10 والمحدث الفاصل ج 4 ص 3.

4 ـ كنز العمال ج 10 ص 189.

5 ـ كنز العمال ج 10 ص 129 ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).

٩٨

عنهعليه‌السلام (1) .

والإمام الحسن عليه‌السلام أيضاً :

وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته »(2) .

ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم »(3) .

ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :

وطبيعي بعد ذلك كله وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة

__________________

1 ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج 10 كتاب العلم

2 ـ تقييد العلم ص 91 ونور الأبصار ص 122 وكنز العمال ج 10 ص 153 وسنن الدرامي ج 1 ص 130 وجامع بيان العلم ج1 ص 99 ، والعلل ومعرفة الرجال ج 1 ص 412 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227 وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج 6 ص 399 ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار 12 عن عليعليه‌السلام وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج 2 ص 246 / 247 عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.

3 ـ تقييد العلم ص 91.

٩٩

الاحترام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :

1 ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب »(1) .

2 ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إجماع الناس »(2) .

3 ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(3) .

4 ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى ولو كان صحيحاً »(4) .

ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً(5) .

__________________

1 ـ التراتيب الإدارية ج 2 ص 366.

2 ـ مناقب الشافعي ج 1 ص 367 ، وراجع ص 450.

3 ـ مجموعة المسائل المنيرية ص 32.

4 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 251 / 255 ومالك ، لأبي زهرة ص 290.

5 ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص 254 / 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص 214.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

٢٢ - الشيخ حسين البحراني (ت ١٢١٦ هـ)

قال الشيخ حسين البحراني في كتابه(الفرحة الأُنْسيّة في شرح النّفحة القُدسيّة في فقه الصّلوات اليوميّة) :

 وأمّا الفصل المرويّ في بعض الأخبار المرسلة وهو (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) أو(محمّداً وآله خير البرية)، فممّا نفاه الأكثر، وظاهر الشيخ فيالمبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غيرَ لازم، وهو الأقوى. والطعنُ فيه بأنّه من أخبار المفوّضة والغلاة كما وقع للصّدوق فيالفقيه ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق فلا باس بما ذهب إليه الشيخ، وليس من البِدَعِ كما زعمه الأكثر، ويؤيّده وجود أخبار عديدة آمرة بأنّه كلّما ذُكِرَ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وشهد له بالنبوة فليُذْكَر معه عليٌّعليه‌السلام ويُشهَد له بالولاية(١) .

فالشيخ البحرانيرحمه‌الله استفاد من ظاهر الشيخ فيالمبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن كان غير لازم، وهو الأقوى عنده. ثم جاء ليرد الطعن الوارد فيه ب (أنّه من أخبار المفوّضة والغلاة) بأن طعن الصدوق يشهد بالثبوت، لأن الطعن فرع الورود والثبوت ولذلك قال: (وهو غير محقق) أي طعن الصدوق غير محقق.

٢٣ - حسين آل عصفور البحراني (ت ١٢٢٦ هـ)

قال الشيخ حسين بن محمد آل عصفور البحراني ابن أخ الشيخ يوسف صاحب الحدائق في(سداد العباد ورشاد العُبّاد) ما نصه:

وأمّا قول: (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) أو (وليّ الله) و(أنّ آل محمد خير البرية) على ما ورد في بعض الأخبار، فليس بمعمول

____________________

(١) الفرحة الأنسية: ٢٢٧ - ٢٢٨.

٣٨١

 عليه في الأشهر، وفاعله لا يأثم، غير أنّه ليس من فصولهما المشهورة وإن حصل به الكمال، وليس من وضع المفوّضة سيّما إذا قصد التبرُّك بضمّ هذه الفصول(١) .

فالشيخ آل عصفور أراد بكلامه هذا التعليق على ما قاله الشيخ الطوسيّ فيالمبسوط : (غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله)، وكذا التعليق على كلام الشيخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة، والقول بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها كمال الأذان إلاّ أنّها مع ذلك ليست جزءاً واجباً داخلاً في ماهيته. وعليه، فإنّهرحمه‌الله وإن كان يقول بمثل كلام الشيخ الطوسي بعدم إثم فاعلها، إلاّ أنّه لا يقول بها من خلال الأخبار الشاذّة، بل للعمومات، ولا سيّما إذا قصد بعمله التبرّك والتيمّن.

٢٤ - الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٨٩ هـ)

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه(كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) ما نصه:

 وروي: أنّه [أي الأذان] عشرون فصلاً؛ بتربيع التكبير في آخره(٢) . والمرويّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة قول: (أشهد أنّ محمّداً) وأخرى: (أنّي رسول الله)(٣) ، والظاهر نحوه في الإقامة، والتشهّد)(٤) .

____________________

(١) سداد العباد ورشاد العباد: ٨٧ / البحث الثالث: في الكيفية والترتيب وبيان الفصول.

(٢) مصباح المتهجد: ٢٦، النهاية للشيخ الطوسي: ٦٨، الوسائل ٤: ٦٤٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ / ح ٢٢، ٢٣.

(٣) الفقيه ١: ٢٩٧ / ح ٩٠٥، الوسائل ٥: ٤١٨ / أبواب الأذان والإقامة / ح ٦٩٧٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في (م)، (س).

٣٨٢

 وليس من الأذان قول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) أو (أنّ محمّداً وآله خير البريّة) و(أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرّتين مرّتين؛ لأنّه من وضعِ المفوّضة (لعنهم الله) على ما قاله الصدّوق(١) .

 ولما في (النّهاية): أنّ ما روي أنّ منه: (أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر أو البرية) من شواذّ الأخبار، لا يعمل عليه(٢) .

 وفي (المبسوط): قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام ) و(آل محمّد خير البريّة) من الشّاذّ لا يعول عليه(٣) .

 وما في (المنتهى): ما روي من أنّ قول: (إنّ عليّاً وليّ الله، و(آل محمّد خير البريّة) من الأذان من الشاذّ لا يعوّل عليه(٤) .

 ثمّ إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به (لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب)(٥) .

 ولأنّه وضع لشعائر الإسلام، دون الإيمان، (ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمّةعليهم‌السلام )(٦) .

 ولأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام حين نزوله كان رعيّة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يذكر على المنابر.

 (ولأنّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور بها موقوف على التوحيد

____________________

(١) الفقيه ١: ٢٩٠.

(٢) النّهاية: ٦٩.

(٣) المبسوط ١: ٩٩.

(٤) منتهى المطلب ٤: ٣٨١.

(٥) ما بين القوسين ليس في (س)، (م).

(٦) ما بين القوسين زيادة في الحجريّة.

٣٨٣

والنبوّة فقط)(١) .

 على أنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام، وقد أُمِرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مكرّراً في نصبه للخلافة، والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله يستعفي حذراً من المنافقين، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين.

 ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان، لزمه ذكر الأئمّةعليهم‌السلام ، (ولأنّه لو كان من فصول الأذان، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يخفَ على أحد من آحادِ نوع الإنسان)(٢) .

 وإنّما هو من وضع المفوّضة الكفّار، المستوجبين الخلود في النّار، كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مرّ.

 وروي عن الصادق عليه‌السلام : (أنّه من قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)(٣) .

 ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلقَ إلى عليّعليه‌السلام ، فساعَدَهُ على الخلق، فكانَ وليّاً ومُعيناً. فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء، بطل أذانه بتمامه. وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد. ولو اختصَّ بالقصد، صحّ ما عداه.

 ومن قصد ذِكر أمير المؤمنينعليه‌السلام (لرجحانه في ذاته، أو مع ذكر

____________________

(١) ما بين القوسين زيادة في الحجريّة.

(٢) ما بين القوسين ليس في (س)، (م).

(٣) الاحتجاج ١: ٢٣١.

٣٨٤

 سيّد المرسلين) (١) أُثيب على ذلك.

 لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة (إذا لم تُقرن مع الله ورسوله في الآية الكريمة؛ لحصول القرينة فيها)(٢) لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل ب (الخليفة بلا فصل)، أو بقول: (أمير المؤمنين)، أو بقول: (حجّة الله تعالى)، أو بقول: (أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) ونحوها، كان أولى(٣) .

 ثمّ قول: (وإنّ عليّاً وليّ الله)، مع ترك لفظ (أشهد) أبعد عن الشُبهة، ولو قيل بعد ذكر رسول الله: (صلّى الله على محمد سيّد المرسلين، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ الله أمير المؤمنين) لكان بعيداً عن الإيهام، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام(٤) .

 ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان.

 ويجري في جميع الزيادات هذا الحكم، كالترجيع، وهو زيادة الشّهادة بالتوحيد مرّتين، فيكون أربعاً، أو تكرير التكبير، والشّهادتين في أوّل الأذان، أو تكرار الفصل زيادة على الموظّف، أو تكرار الشّهادتين جهراً بعد إخفاتهما، وفي تكرير الحيعلات،

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في (ح): لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه بذاته، أو مع ذكر ربّ العالمين، أو ذكر سيّد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمّة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين، وإرغام أنوف المعاندين.

(٢) بدل ما بين القوسين في (ح): لكثرة معانيها، فلا امتياز لها إلاّ مع قرينة إرادة معنى التصرّف والتسلّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة في الآية الكريمة ونحوه.

(٣) في (ح) زيادة: وأبعد عن توهّم الأعوام أنّه من فصول الأذان.

(٤) في (ح) زيادة: ثمّ الذي أنكر المنافقون يوم الغدير، وملأ من الحسد قلوبهم النصّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه بإمرة المؤمنين. وعن الصادقعليه‌السلام :( من قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ) .

 

٣٨٥

أو (قد قامت الصّلاة)، وجميع الأذكار المزادة فيه، فيختلف حكمها باختلاف القصد، ولا بأس بها ما لم يقصد بها الجزئيّة أو التقريب بالخصوصية ما لم يحصل فصل مخلّ بهيئة الأذان (١) .

قد يتصور البعض بأنّ الشيخ كاشف الغطاء بكلامه هذا كان يعتقد بصحة كلام الشيخ الصدوق، وذلك لقوله:وليس من الأذان قول: (أشهد أن عليّاً ولي الله)... إلى آخره، ثم قوله بعد ذلك:(وإنما هو وضع المفوضة الكفار، المستوجبين الخلود في النار، كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مر)، وهذا التصوّر غير صحيح؛ وذلك لأمور:

الأوّل: إنّ ما قالهرحمه‌الله كان حكاية عن قول الصدوق وليس تبنّياً منه لذلك؛ لقولهرحمه‌الله :(على ما قاله الصدوق) وفي الآخر:(كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار).

الثاني: إنّ الشيخ كاشف الغطاء قد أتى بغالب الصيغ التي قيلت في الشهادة الثالثة وأضاف عليها المزيدَ؛ لقولهرحمه‌الله :(لكنّ صيغة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة، لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل له، أو بقول: أمير المؤمنين، أو بقول: حجّة الله تعالى، أو بقول: أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحوها كان أولى) .

الثالث: إنّهرحمه‌الله مع الشيخ الصدوقرحمه‌الله إن صحّ وضعها من قبل المفوّضة، كما نحن وجميع المسلمون معه، لأنّها ليست من أصل الأذان، لكنّ إفتاء الشيخ بالصيغ المحكيّة عن الصدوق، وإضافته جُمَلاً جديدة عليها تؤكّد سماحه بالإتيان بها لا على نحو الجزئيّة؛ لقوله:(ومن قصد ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجحانه في ذاته أو مع ذكر سيّد المرسلين أثيب على ذلك) .

____________________

(١) كشف الغطاء ٣: ١٤٣ - ١٤٥.

٣٨٦

أمّا قولهرحمه‌الله (لأنّه وضع لشعائر الإسلام، دون الإيمان) فهو صحيح أن كان يعني الإسلام الصحيح الكامل وهو المتمثل بالشهادة بالولاية لعلي، لأن ليس هناك إسلام صحيح كامل دون الولاية باعتقاد الشيخ تبعاً لأئمته، وقد وقفت سابقاً على اعتراض الإمام الحسينعليه‌السلام لمن اعتبر الأذان رؤيا بقولهعليه‌السلام : (الأذان وجه دينكم)، فلا يتحقق الوجيهة للدين إلاّ من خلال الولاية، ولا معنى للدين عند الأئمة إلاّ مع الولاية، ولأجل ذلك نرى الإمام الرضا حينما يروي حديث السلسلة الذهبية يقول: (بشرطها وشروطها وأنا من شروطها)، فقد يكون الشيخرحمه‌الله أراد الوقوف أمام الذين يريدون إدخال الشهادة الثالثة على نحو الجزئية، وأن قوله الآنف جاء لهذا الغرض، لأنّهرحمه‌الله وحسبما عرفت لا يخطِّئ من يأتي بها لرجحانها في ذاتها أو مع ذكر سيد المرسلين، بل يعتقد بأن الذي يأتي بها يثاب على فعلهرحمه‌الله ، لقوله:(فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان في الابتداء، بطل أذانه بتمامه، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد، ولو اختصَّ بالقصد، صحّ ما عداه. ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ...) .

وعليه فالإسلام لا يتحقّق ولا يكمل إلاّ بالولاية لعلي، لأنّ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (١) تشهد بذلك، وذلك لما روي عن الباقر والصادقعليهما‌السلام في تفسير قوله تعالى( فِطْرَتَ اللَّه ) قالا: هو لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين ولي الله. إلى ها هنا التوحيد(٢) .

إذن، الولاية هي كالتوحيد والنبوة؛ إذ لا يمكن فهم الإسلام إلاّ من خلال الله ورسوله ووليه، وقد مرّ عليك أنّ الشارع كان يحبّذ الدعوة إلى الولاية مع الشهادتين في الأذان، لما جاء فيالعلل عن ابن أبي عمير أنّه سال أبا

____________________

(١) الروم: ٣٠.

(٢) تفسير القمي ٢: ١٥٥، وعنه في بحار الأنوار ٣: ٢٧٧. وهذا ما سنتكلم عنه في الفصل الثالث من هذه الدراسة تحت عنوان (الشهادة الثالثة الشعار والعبادة).

 

٣٨٧

الحسن (الكاظم) عن (حيّ على خير العمل) لم تركت؟... فقالعليه‌السلام : إن الذي أمر بحذفها [أي عمر] لا يريد حث عليها ودعوة إليها.

فالشيخرحمه‌الله بكلامه لا يريد المنع من المحبوبية، بل يريد المنع من الجزئية، ومعنى كلامه أن الأذان بدون ذكر الولاية لا يخل به ولا يبطله. بل يمكننا أن نتجاوز هذا الكلام ونقول بإمكان لحاظ معنى الولاية في الأذان لأنّه إعلام وإشعار للصلاة ولا يتحقّق الأذان الصحيح إلاّ من المؤمن الموالي.

ويؤيّد ذلك ما جاء عن الإمام الرضا: (من أقرّ بالشّهادتين فقد أقرّ بجملة الإيمان) لا كلّه، وسبق أن قلنا بأنّ في كلامهعليه‌السلام إشارة إلى أنّ في الأذان معنى الولاية، وبه يكون الأذان هو شعار الإسلام والإيمان معاً، وقد استظهر هذا من الرواية قَبْلَنا جدُّنا لأُمّي التقيّ المجلسيرحمه‌الله الذي مرّ عليك كلامه سابقا.

ومن هنا أُثيرت مسألة بين الفقهاء، هي هل الأذان إعلام، أم شهادة، أم ذكر، أم... فذهب البعض منهم إلى أنّها إعلام، فجوّزوا أذان الكافر لو كان مأموناً، وذهب البعض الآخر إلى أنّها شهادة، فاختلفوا: هل يجوز تأذين الكافر أم لا؟ وعلى فرض أنّ الكافر شهد الشهادتين في الأذان فهل يعتبر مسلماً بهذه الشهادة أم لا؟ فغالب الفقهاء اختاروا العدم(١) لكون ألفاظ الشهادتين في الأذان غير موضوعة لأَِنْ يُعتقد بها، بل الأذان للإعلام بوقت الصلاة، وإن كان هذا الإعلام في غالب الأحيان يقترن بالاعتقاد ويصدر من المعتقِد. وكذا تشهّد الصلاة لم يوضع لذلك، بل لأنّه جزء من العبادة، ولو صدرت عن غافل عن معناها صحّت صلاته لحصول الغرض المقصود منها، بخلاف الشهادتين المجرّدتين، فإنّهما موضوعتان للدلالة على اعتقاد قائلهما.

وقد اشترط البعض لزوم اشتراط الإيمان في المؤذّن، لما روي فيالتهذيب

____________________

(١) انظر في ذلك روض الجنان: ٢٤٢.

٣٨٨

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه سئل عن الأذان: هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قالعليه‌السلام : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف، فإن علم الأذانَ فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يُقتدى به(١) .

وقد علّق الفيض الكاشاني على هذا الخبر بقوله: المراد بالعارف، العارف بإمامة الأئمّة، فإنّه بهذا المعنى في عرفهمعليهم‌السلام . ولعمري، إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئاً كما في الحديث النبوي: من مات ولم يعرف إمام زمانه...(٢)

كلّ هذه النصوص تؤكّد لحاظ معنى الولاية ضمن الأذان، وإن لم يشرّع من قبل الأئمّةعليهم‌السلام على نحو الجزئية.

أمّا قوله: (لأنّ أمير المؤمنين حين نزوله كان رعيَّةً للنبيّ فلا يذكر على المنابر) فهذا ينقضُهُ ذكر الرسول عليّاً من على المنابر وفي أكثر من مناسبة، وحسبك واقعة الغدير في حجّة الوداع واجتماع أكثر من مائة وعشرين ألف مسلم، وخطاب الرسول فيهم خير دليل على وجود ذكر عليّ في عهد رسول الله من على المنابر، وكونه رعيّةً للنبيّ الأكرم لا ينافي ذكره في الأذان، كما أنّ كون النبيّ عبداً لله لا ينافي ذكره في الأذان.

فلو ثبت ذكر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وهو واقع يقيناً من على المنابر، فما المانع أن يذكره الصحابة في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا على نحو الجزئية، وقد كان مثلُهُ ممّا يعمل به بعض الصحابة مثل كدير الضبيّ الذي كان يسلّم على النبي والوصي في صلاته(٣) ، وهناك روايات كثيرة أخرى في مرويّات أهل البيت تُلْزِمُ بذكر الأئمة واحداً بعد الآخر في خطبة الجمعة، كما يشترط الفقهاء ذكر الصلاة

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٧ / باب الأذان والإقامة / ح ١١٠١.

(٢) الوافي ٧: ٥٩١.

(١) الإصابة ٥: ٥٧٦ / ت ٧٣٩١ لكدير الضبي، والمعرفة والتاريخ ٣: ١٠٢، مناقب الكوفي: ٣٨٦ / ح ٣٠٥.

٣٨٩

على النبيّ والآل في تشهد الصلاة، وفي أمور عباديّة أخرى، وكل هذه الأمور تؤكد محبوبية هذا الأمر ومعروفيته وإعلانه عندهم، وبذلك فلا مانع من ذكر اسمه المبارك على المنابر مع كونه رعيّةً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد قال الشيخ كاشف الغطاء في مبحث التشهّد ما يؤكّد وجود معنى الولاية في الصلاة بقوله:... وهو وإن كان بالنسبة إلى المعنى الأصليّ يحصل بإحدى الشهادتين، إلاّ أنّ المراد منه في لسان الشارع والمتشرّعة مجموع الشهادتين بلفظ: (أشهد أن لا إله إلاّ الله)، والأحوط قول: (أشهد أن محمّداً رسول الله)صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير واو، ثمّ الصلاة على النبي وآله بلفظ (اللّهم صلَّي على محمّد وآله).

ثم الأقرب منهما إلى الاحتياط قول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللّهمّ صَلِّ على محمد وآل محمد) محافظاً على العربية والترتيب والموالاة(١) .

كلّ هذا يؤكّد عدم اقتصار الصلاة المأمور بها على التوحيد والنبوّة، بل لابدّ من ذكر الولاية معهما، وإن أجمل المكلّف ما أمر به بالصلاة على محمد وآل محمد(٢) كان أفضل وأحسن(٣) .

____________________

(٢) كشف الغطاء ١: ٢١٦.

(١) إشارة إلى ما رواه الشيخ في التهذيب ٢: ١٣١ / ح ٥٠٦، والصدوق في الفقيه ١: ٣١٧ / ح ٩٣٨ عن أبان بن عثمان عن الحلبي أنّه قال لأبي عبد الله [الصادقعليه‌السلام ]: أسمّي الأئمةعليهم‌السلام ؟ فقال:أجملهم .

(٣) من خلال البحوث المتقدّمة وتبيين كلمات علماء الطائفة، ومن خلال عرضنا وتقييمنا لكلام كاشف الغطاء، يتبين عدم صحة ما قال به الدكتور حسين الطباطبائي المدرسي في كتابه(تطوّر المباني الفكريّة للتشيّع في القرون الثلاثة الأولى) ، حيث ادّعى نقلاً عن الميرزا محمّد الأخباري في رسالة (الشهادة بالولاية) أنّ فقيه الشيعة الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٢٨ هـ) أرسل إلى فتح علي شاه القاجاري (١٢١٢ - ١٢٥٠ هـ) يطلب منه منع الشهادة الثالثة في الأذان. ثم حاول أن يضفي على كلامه الصبغة العلمية فقال: توجد نسخة

٣٩٠

٢٥ - الميرزا القمي (١١٥٢ - ١٢٢١ هـ)

قال الميرزا أبو القاسم القمّي في كتابه(غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام):

____________________

من رسالة كاشف الغطاء هذه في قم تحت اسم:(رسالة في المنع من الشهادة بالولاية في الأذان)، وكتبَ: راجع فهرست (مئة وستون نسخة خطّيّة) لرضا أستادي: ٥٥.

 وبعد التتبّع، والوقوف على الفهرست المذكور، لم نقف لرسالته المدّعاة هذه، وبعد الاتّصال بسماحة الشيخ رضا الأستادي والاستفسار منه، نفى وجود مثل ذلك عنده فضلاً عن أن يكون مذكوراً في فهرسته. وبعد بحث في الفهارس والسؤال من المختصّين لم أقف على رسالة كاشف الغطاء المزعومة.

 على أنّ المدرسي انتهج في كلامه حول الشهادة الثالثة منهج التشويش وعدم دقة العبارات، والانتقائية في نقل أقوال الفقهاء، والبتر للنُصوص المنقولة، وتحكيم بعض الآراء تَحَكُّماً على الآراء الأخرى؛ فأحال إلى كلام الشيخ في النّهاية: ٦٩: (كان مخطئاً) ولم ينقل كلامهرحمه‌الله في المبسوط ١: ٢٤٨: (ولو فعله الإنسان لم يأثم به)، وأحال إلى كتاب (النقض) للقزويني و(المعتبر) للمحقق ولم يأت بكلام السيّد المرتضى في (المسائل الميارفارقيات) وابن البراج في (المهذب) ويحيى بن سعيد في (الجامع للشرائع) مع أنّه يعلم بأن القزويني والمحقق والشهيدين في (الذكرى) و(روض الجنان) و(اللمعة) و(الروضة البهية) والأردبيلي في (مجمع الفائدة والبرهان) والمجلسي في (لوامع صاحب قراني) والسبزواري في (الذخيرة) والفيض في (المفاتيح) وكاشف الغطاء في (كشف الغطاء) وغيرهم لا يمنعون من الإتيان بالشهادة بالولاية إن جيء بها بقصد القربة المطلقة.

 فالشهيد الأوّل حكى في الذكرى والبيان كلام الشيخ الطوسي في عدم الإثم من الإتيان بها، ولم يعلق عليها، وهذا يعني التزامه به، إذ من غير المعقول أن تخلو كتبه الفتوائية عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة ابتلائية يعمل بها الشيعة في عهده وقبل عهده.

 وكذا الحال بالنسبة إلى كلام الشهيد الثاني فقد صرح بعدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئية. أما الإتيان بها لمطلق القربة، فلا حرج عنده لقولهرحمه‌الله : (وبدون اعتقاد ذلك لا حرج) وكذا كلام الآخرين مما أترك تفصيله إلى كتابي هذا فليراجعه.

 فأسال الدكتور لماذا تحيل إلى كتب الشهيدين والسبزواري والأردبيلي ولا تحيل إلى جواهر الكلام، وكتب الوحيد البهبهاني، والمجلسيين، والخوانساري، والشيخ يوسف البحراني، والنراقي، والسيّد علي صاحب الرياض وغيرهم، وما يعني هذا الأمر الانتقائي من قبلك؟ ولولا أنّه ادّعى على كاشف الغطاء ما ادّعى لأعرضنا عنه صفحاً ولطوينا عنه كشحاً.

٣٩١

 وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البريّة) فالظاهر الجواز.

 قال الصدوق: والمفوّضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (أنّ محمّداً وآل محمّد خير البريّة) مرتّين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أنّ محمّداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) مرتّين، ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان(١) .

 وقال الشيخ فيالنّهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول (أنّ عليّاً وليّ الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر)، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً(٢) ، وتقرب من ذلك عبارةالمنتهى (٣) .

 وكذلك قال فيالمبسوط ما يقرب من ذلك، ولكنّه قال: ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله(٤) .

 ويظهر من هؤلاء الأعلام ورود الرواية، فلا يبعد القول بالرجحان، سيّما مع المسامحة في أدلّة السنن، ولكن بدون اعتقاد الجزئية.

 

____________________

(١) الفقيه ١: ٢٩٠ / ح ٨٩٧ بتفاوت يسير، الوسائل ٥: ٤٢٢ / باب كيفية الأذان والإقامة / ح ٦٩٨٦.

(٢) النّهاية: ٦٩.

(٣) المنتهى للعلاّمة ١: ٢٥٥ / باب في الأذان والإقامة.

(٤) المبسوط ١: ٩٩ / الأذان والإقامة وذكر فصولها.

٣٩٢

 وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في الأخبار المطلقة: (متى ذكرتم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكروا آله، ومتى قلتم: محمّد رسول الله، فقولوا: عليّ وليّ الله)(١) والأذان من جملة ذلك.

 ومن جملة تلك الأخبار ما رواه أحمد بن أبي طالب الطبرسي فيالاحتجاج عن الصادقعليه‌السلام ، وفي آخره: (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين)(٢) .

وقال في(مناهج الأحكام): ومما ذكرنا يظهر حال (أشهد أن عليّاً ولي الله)، و(أن محمداً خير البرية). نعم، يمكن القول فيه بالاستحباب إذا لم يقصد الجزئية، لما ورد في الأخبار المطلقة (متى ذكرتم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكروا آلَهُ، ومتى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله) كما نقل عنالاحتجاج ، فيكون مثل الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة بالرسالة(٣) .

وقال في(جامع الشتات) ما ترجمته:

 سؤال: أوجب بعض الفضلاء قولَ (علي ولي الله) في الأذان مرة واحدة، وقال: لا تتركوه، لأنّ عليّاً هو روح الصلاة، وبدونه لا تتحقّق صورة الصلاة.

 الجواب:

( أشهد أن عليّاً ولي الله) ليس جزء الأذان ولا جزء الإقامة، لكن لا

____________________

(١) انظر البحار ٨١: ١١٢.

(٢) غنائم الأيام ٢: ٤٢٢ - ٤٢٣، الاحتجاج ١: ٢٣١.

(٣) مناهج الأحكام (كتاب الصلاة): ١٨٠.

٣٩٣

 نمانع من قوله في الأذان بقصد التيمّن والتبرّك، أو لما ورد في الإتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة، والأحوط تركها في الإقامة لمنافاة ذلك مع الحَدْر والتوالي في الإقامة. أما ما قالوه من الإتيان بها مرّةً في الأذان، فذلك لكي يختلف ما هو الأذان عن غيره ولكي لا يتوّهم فيها الجزئية. أما ما قالوه من أنّ صورة الصلاة لا تتحقّق إلاّ بذكر اسمه فهو غير صحيح(١) .

ويظهر من مجموع كلام الميرزا القمي قوله برجحان الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان، وجواز فعلها عنده سيَّما مع المسامحة في أدلة السنن، وقد يمكن القول باستحبابها إذا لم يقصد الجزئية لما ورد في الأخبار المطلقة، ملخصاً كلامه (ولكن لا نمانع من قوله في الأذان بقصد اليتمن والتبرك، ولما ورد في الإتيان بذكر الولاية عقيب ذكر الرسالة) ثم أفتى بتركها من باب الاحتياط الوجوبيّ في الإقامة، لمنافاتها للموالاة والحدر فيها.

وعلّة ذلك: أنّ بعض العلماء وهم قليلون يتشدّدون في أحكام الإقامة لأنّها من الصلاة في بعض الروايات، وقال البعض بوجوبها الملزِم نظراً لتلك الروايات، وهو قول نادر خلاف ما عليه المشهور الأعظم من الفقهاء.

وقد قالرحمه‌الله قيل ذلك بجواز الزيادة في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية بقوله: وفي بعض الأخبار ما يدل على أن الإقامة مثل الأذان ونقل عن بعض الأصحاب أيضاً القول بأن الإقامة مثل الأذان إلاّ في زيادة (قد قامت الصلاة)؛ ولهذا قيل: لو زيد في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا بأس، وهذا الكلام يجري في تربيع التكبير في أوله أيضاً(٢) .

____________________

(١) جامع الشتات (فارسي) ١: ١٢٢، السؤال رقم ٢٨٠.

(٢) مناهج الأحكام: ١٧٤.

٣٩٤

٢٦ - السيّد علي الطباطبائي (ت ١٢٣١ هـ)

قال السيّد علي بن السيّد محمد علي الطباطبائي في(رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل) وحين كلامه عن مكروهات الأذان: (و) من الكلام المكروه (الترجيع) كما عليه معظم المتأخّرين، بل عامتهم عدا نادر(١) ، وفيالمنتهى وعنالتذكرة أنّه مذهب علمائنا(٢) ، وهو الحجّة؛ مضافاً إلى الإجماع في الخلاف على أنّه غير مسنون(٣) ، فيكره لأمور: قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، وإخلاله بنظامه، وفصله بأجنبيّ بين أجزائه، وكونه شبه ابتداع.

 وقال أبو حنيفة: إنّه بدعة(٤) ، وعنالتذكرة : هو جيّد(٥) ، وفيالسرائر وعن ابن حمزة: أنّه لا يجوز(٦) . وهو حسن إن قصد شرعيّته، كما صرّح به جماعة من المحقّقين(٧) ، وإلاّ فالكراهة متعيّنة؛ للأصل، مع عدم دليل على التحريم حينئذٍ، عدا ما قيل: من أنّ الأذان سنّة متلقّاة من الشارع

____________________

(١) وهو صاحب المدارك ٣: ٢٩٠.

(٢) المنتهى ٤: ٣٧٧، انظر تذكرة الفقهاء ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩، وفيه: يكره الترجيع عند علمائنا.

(٣) الخلاف ١: ٢٨٨ / المسألة ٣٢.

(٤) شرح سنن ابن ماجة ١: ٥٢ / باب الترجيع، جاء فيه: وعند أبي حنيفة ليس بسنة، وتذكرة الفقهاء ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩، قال العلاّمة: وربما قال أبو حنيفة: بدعة.

(٥) التذكرة ٣: ٤٥ / المسألة ١٥٩.

(٦) السرائر ١: ٢١٢، ابن حمزة في الوسيلة: ٩٢.

(٧) منهم: المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢: ١٨٨، وصاحب المدارك ٣: ٢٩٠، والسبزواري في الذخيرة: ٢٥٧، وصاحب الحدائق ٧: ٤١٧.

٣٩٥

 كسائر العبادات، فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرّماً، كما تحرم زيادة: (أنّ محمداً وآله خير البرية)، فإنّ ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنّه ليس من فصول الأذان(١) .

 وهو كما ترى، فإنّ التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهة أصلاً.

 ومنه يظهر جواز زيادة: (أنّ محمداً وآله)... إلى آخره، وكذا (عليّاً وليّ الله)، مع عدم قصد الشرعيّة في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعاً. ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً؛ للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة(٢) .

أراد السيّد الطباطبائيرحمه‌الله بكلامه نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة وهو ما يذهب إليه عامة فقهاء الإمامية. أمّا لو أراد المؤذّن الزيادة مع عدم قصد الجزئية، فهي جائزة عنده، لقوله: (ومنه يظهر جواز زيادة: أنّ محمّداً وآله... إلى آخره، وكذا عليّاً ولي الله، مع عدم قصد الشرعية في خصوص الأذان، وإلاّ فيحرم قطعاً). ثمّ جاء السيّد الطباطبائي ليفرّق بين الشهادة الثالثة وبين الترجيع، فقال عن الترجيع: (لأنّه غير مسنون فيكره لأمور: قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، وإخلاله بنظامه وفصله بأجنبي بين أجزائه، وكونه شبه ابتداع).

في حين قال عن الشهادة بالولاية وعن (أنّ محمّداً وآله خير البرية): (ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضاً، للأصل، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما

____________________

(١) المدارك ٣: ٢٩٠.

(٢) رياض المسائل ٣: ٩٦ - ٩٨.

٣٩٦

بحكم عدم التبادر، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة بالرسالة).

وهناك أمر ثالث يمكننا أن ننتزعه من نصّ صاحب (رياض المسائل) وهو إتيان بعض الشيعة بجملة (أنّ محمّداً وآله خير البرية) في الأذان في عصره، وهذا يؤكّد ما نقوله من أنّ الشيعة كانوا لا يأتون بهذهِ الصيغة على أنّها جزءٌ، لأن المعلوم من الجزئية هو الوقوف على صيغة واحدة لا صِيَغ متعدّدة.

٢٧ - الشيخ محسن الأعسم (ت ١٢٣٨ هـ)

قال الشيخ محسن بن مرتضى الأعسم في كتابه(كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام) المخطوط ما نصه:

تنبيه: لا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول، كالتّشهّد بالولاية للأميرعليه‌السلام وأولاده، وبأنّ محمّداً وآله خير البرية، وإن كان الواقع كذلك، فإنّه لا تلازم بين الواقع وجواز إدخاله في الموظَّف حتَّى لو كان من العقائد اللاّزمة كمحلِّ البحث؛ قال [الصدوق]: المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمد وآله خير البرية)، وفي بعض [الروايات] بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بأنّ علياً وليّ الله، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً) مرّتين.

 وفيالبحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهما بورود الأخبار بذلك. وأمّا قول (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) و(آل محمّد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار فإنّه لا يعمل عليه في الأذان والإقامة.

 وفيالمنتهى نسبة قائل هذا إلى الخطأ؛ قال المجلسي: ويؤيدّه

٣٩٧

الخبر: (قلت لهعليه‌السلام : إنّ هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أُسري به إلى السماء رأى على العرش: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله وأبو بكر الصديق. فقالعليه‌السلام : (سبحانَ الله ! غيَّروا كلّ شيء حتّى هذا؟! إنّ الله كتب على العرش والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرض، ورءوس الجبال: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنين) فيدلّ على استحباب ذلك عموماً في الأذان، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار)، انتهى [كلام المجلسي].

 وبعد ما سمعت من رميِ الأساطين لذلك، وأنّها من روايات المفوّضة كما سمعت عن الصدوقرحمه‌الله ونحوه غيره من حَمَلَةِ الأخبار التابعين للآثار [كالشيخ الطوسي]، فلا وجه للاستدلال بما ذكر حتّى العموم في الخبر المزبور، وإِن احتمل أنّه في الأصل مشروعٌ وسقط للتقيّة(١) .

سلك الشيخ الأعسمقدس‌سره مسلكاً آخر في الكلام عن الشهادة الثالثة كما ترى، وهو ما احتملناه في بعض البحوث الآنفة، فهوقدس‌سره يقول: (وإن احتمل أنّه في الأصل مشروع وسقط للتقية)، ومعنى كلامه أنّ اقتضاء وملاك ومصلحة تشريع الشهادة الثالثة في الأذان موجودة، لكنّ الخوف على دماء الشيعة والحفاظ على المذهب مانعٌ من فعليّة هذا التشريع، وهذا وإن كان صحيحاً بنفسه إلاّ أنّه يتمّ

____________________

(١) كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام للأعسم مخطوط برقم ٩١ الصفحة ١٤٢ وموجود في مؤسسة كاشف الغطاء.

٣٩٨

على فرض الذهاب إلى القول بالجزئية، فيقال: أنّ الشارع لم يشرّع الجزئية لمانع وهو التقية، لكنّه لا يتم بدون اعتقاد الجزئية وهو المعمول عندنا اليوم إذ الشهادة الثالثة على الفرض الأخير لا تعدو كونها ذِكْراً مستحبّاً لا دخل له في ماهيّة الأذان، بل يؤتى بها لمجرّد التبرّك والتيمّن وكونه كلاماً حقاً خارجاً يقال في الأذان أو لحصول ثواب وفضيلة غير أذانية، وهذا لا يتنافى مع المنع من الإتيان بها بقصد الجزئية والأذانية.

٢٨ - الشيخ محمد رضا جدّ محمد طه نجف (ت ١٢٤٣ هـ)

قال الشيخ محمد رضا في(العدّة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية) عند ذكر الأذان:

الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقيّة، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطّرد، نعم، لو قيل لا بقصد الجزئية لم يبعد رجحانه(١) .

فالشيخ لم يستبعد رجحان الإتيان بالشهادة الثالثة لا بقصد الجزئية وقد قوى أن يكون السر في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنما هو تقية.

٢٩ - المولى أحمد بن محمد مهدي النّراقي (ت ١٢٤٥ هـ)

قال الشيخ أحمد بن محمد مهدي النّراقي في كتابه(مستند الشيعة في أحكام الشريعة) :

صرّح جماعة منهم الصدوق (٢) ،والشيخ في (المبسوط) (٣) بأنّ

____________________

(١) الكتاب مخطوط في تسع مجلدات بيد حفيده، انظر: الذريعة ١٥: ٢١٣، معجم المؤلفين ٩: ٣١٧.

(٢) الفقيه ١: ٢٩٠.

(٣) المبسوط ١: ٩٩.

٣٩٩

الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة. وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للأذان، وحرّمها معه(١) . ومنهم من حرّمها مطلقاً؛ لخلوّ كيفيّتهما المنقولة(٢) . وصرّح في (المبسوط) بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء(٣) ، ومفاده الجواز. ونفى المحدّث المجلسي في (البحار) البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان(٤) . واستحسنه بعض من تأخّر عنه(٥) .

 أقول: أمّا القول بالتحريم مطلقاً فهو ممّا لا وجه له أصلاً، والأصل ينفيه، وعمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه. وليس من كيفيّتهما اشتراطُ التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتّى يخالفها الشهادة، كيف؟! ولا يحرم الكلامُ اللّغو بينهما فضلاً عن الحقّ.

____________________

(١) مفاتيح الشرائع ١: ١١٨.

(٢) الذخيرة: ٢٥٤.

(٣) المبسوط ١: ٩٩، وفيه التصريح بأنّه لو فعله الإنسان يأثم به، ولكن الصحيح: لم يأثم به بقرينة ما بعده، ويؤيّده ما حكاه المجلسي في البحار ٨١: ١١١ نقلاً عن المبسوط: ولو فعله الإنسان لم يأثم به. وعموماً فكل من نقل من العلماء كلام الشيخ فإنما نقلها بالنفي، وهو يورث الجزم بنفي الإثم عن مبسوط الشيخ.

(٤) البحار ٨١: ١١١.

(٥) كصاحب الحدائق ٧: ٤٠٤ حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار : وهو جيد.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595