أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 139713
تحميل: 10131

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139713 / تحميل: 10131
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

 وتوهُّمُ الجاهلِ الجزئيةَ غيرُ صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينهما من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم. بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة، إذ لا يتصوّر اعتقادٌ إلاّ مع دليل، ومعه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعاً وبدعةً كما حقّقنا في موضعه.

 وأمّا القول بكراهتها: فإن أُريد بخصوصها، فلا وجه لها أيضاً. وإن أُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهيّ عنه في خلالهما، فلها وجه لولا المعارِض، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقاً، والأمر بها بعد ذكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام، رواه في (الاحتجاج) عن الصادقعليه‌السلام : قال: (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام )(١) بالعموم من وجه، فيبقى أصل الإِباحة سليماً عن المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد(٢) كما صرّح به في (البحار)(٣) ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضاً.

 قال في (المبسوط): وأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين)عليه‌السلام ، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

____________________

(١) الاحتجاج ١: ٢٣١.

(٢) الشيخ في النّهاية: ٦٩، المبسوط ١: ٩٩، الفاضل في المنتهى ٣: ٣٨٠ / المسألة الخامسة، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى ٣: ٢٠٢، البيان: ١٤٤.

(٣) البحار ٨١: ١١١.

٤٠١

 وقال في (النّهاية) قريباً من ذلك.

 وعلى هذا فلا بُعْد في القول باستحبابها فيه؛ للتسامح في أدلّته. وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب) (١) .

فالشيخ النراقي وبعد عرضه لأهمّ الأقوال في المسألة فَنّدَ جميع الأقوال المطروحة التي لا تتّفق مع رأيه، سواء القائلة بالحرمة، لتوهّم الجاهلين الجزئية، أو لفوت الموالاة، أو لكونها لم ترد في الأذان البياني المنقول عن الأئمّة، وهكذا الحال بالنسبة إلى القائلين بالكراهة، فإنهرحمه‌الله قرّر كلامهم وردّه في سطر واحد، ثم ختم كلامه بإعطاء وجهة نظره، فقال:(وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلّته، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب) .

ثم جاءرحمه‌الله في كتابه(رسائل ومسائل) يستنصر لقول شيخه كاشف الغطاء(٢) اختلاف في الهامش القائل بعدم جزئية الشهادة الثالثة في الأذان، مؤيِّداً ما اقترحه في استبدال جملة (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) ب (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وخليفته بلا فصل وأنه أفضل الناس بعد رسول الله)، مستشكلاً على كلام المجلسي الثاني في(بحار الأنوار) الذي لم يستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة في الأذان، فقال:

 وتحقيق ما أفاده شيخنا الأعظم ومخدومنا الأفهم (أدام الله أيّام إفاداته)، ومتّع أهل الإسلام بطول حياته: من أنّه ليس من الأذان قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) وأمثاله، فهو كذلك، والأحاديث الواردة في بيان الأذان وتعداد فصوله عن أئمّتنا الطاهرين يرشد

____________________

(١) مستند الشيعة ٤: ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٢) لا يخفى عليك أن تقديمنا لكلام النراقي على كاشف الغطاء جاء لتقدم وفاته على وفاة شيخه، وإن كان المنهج العلمي يدعونا أن نأتي بكلام كاشف الغطاء ثم تعليق النراقي عليه، لكنا تركنا ذلك لأتباعنا سن الوفاة في هذا الفصل لا الشيخوخة.

٤٠٢

 إليه، والإجماعُ المحقّق قطعاً يدلّ عليه، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غير المعمول بها، ونسبتها إلى الوضع يؤكّده، والشواهد التي ذكرها شيخنا الفريد يؤيّده، ولم أعثر على من يجوّز كونه من الأذان.

 نعم، قال شيخنا المجلسيقدس‌سره فيالبحار بعد نقل قول الصدوق: (ولا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة به بورود الأخبار بها)، ثمّ نقل عبارات النهاية والمبسوط والمنتهى الّتي نقلها شيخنا (أدام الله بقاءه)، وزاد في عبارةالنهاية : (ومن عمل بها كان مخطئاً)، وهو مردود بأنّه...

 كيف يسمع شهادته بوجود الخبر ولا يسمع بكونه شاذّاً غير معمول به، بل يكون العمل به خطأً، وأيّ حجّة في نقل ذلك الخبر الذي لا يُعلَمُ سنده ولا متنه لينظر في حاله ودلالته، مع كونه مخالفاً للإجماع المقطوع به وتصريح الصدوق بكونه موضوعاً ومع معارضته مع سائر الأخبار المشهورة، بل الصحيحة أيضاً الواردة في فصول الأذان، ولم يقل أَحَدٌ بحجيّة مثل ذلك الخبر.

 وإن كان نظره إلى التسامح في أدلّة السنن، ففيه أنّه إذا لم يكن لها معارض من إجماع وغيره. وأمّا معه، فلا يبقى دليل حتّى يتسامح، مع أنّه كما صرّح به جماعة أنّ التسامح فيها إنّما هو إذا كان الدليل مظنونَ الصدق أو غيرَ مظنون الكذب. ويدلّ عليه أنّ معظم دليل التسامح الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّه (من بلغه شيء من الثواب ففعله التماس ذلك الثواب أو رجاءه فله أجره) ولا يتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الكذب. ولا شكّ

٤٠٣

في حصول الظنّ بالكذب مع تصريح مثل الصدوق بالوضع، وشهادة الجماعة بالشذوذ، بل يحصل العلم بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع.

 ثمّ ما أفاده شيخنا المحقّق (دام ظله) من قوله: (ومن قصد ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام لإظهار شأنه، أو لمجرّد رجحانه لذاته، أو مع ذكر ربّ العالمين أو ذكر سيد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيب على ذلك). فهو أيضاً مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، وبملاحظة الدليلين الأول والآخر يظهر أولويّة التبديل الذي أفاده؛ وذلك لأنّ الولاية وإن كانت من المراتب العظيمة والصفات العليّة إلاّ أنّ لفظها يستعمل في معان كثيرة أحدها المحبّ، فلا يدلّ على المطلوب إلاّ مع القرينة.

 ولو سلّمنا ظهوره في المطلوب فإنّما نسلّمه في الصدر [الأوّل] قبل ورود النصّ بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام . وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلك على المخالفين المنافقين ذكروا للفظ الوليّ المعاني الكثيرة وأثبتوها في كتبهم المضلّة، وأذاعوا بين الناس، بحيث يمكن أن يقال بصيرورة المعنى المطلوب مهجوراً عندهم، بل الظاهر أنّهم في أمثال هذا الزمان سيّما عوامّهم لا يفهمون المعنى المطلوب، فلا يحصل به أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل من الأخبار الواردة في ذكر مولانا مع ربّ العالمين وذكر سيّد المرسلين ما يأمر بذكر أمير المؤمنين، كما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فيالاحتجاج عن القاسم بن معاوية، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، إنه قال: فإذا قال أحدكم:

٤٠٤

لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين.

 بل لا يبعد أن يستفاد أولويّة التبديل في هذا الزمان ممّا ذكره بعض العلماء في وجه أمر النّبي بشهادة (أن لا إله إلاّ الله) دون (إن الله موجود)، من أنّه لم يكن أحد نافياً لوجود الصانع، بل كانوا يثبتون الشريك، فلو أمر بشهادة الوجود لكان يوهم الخلاف فيه.

 فيمكن أن يقال إنّه لمّا كان الشائع في هذا الزمان عند عوامّ المخالفين بل الكفّار من اليهود والنصارى أنّ معنى الوليّ المحبّ، فالإذعان بشهادته يمكن أن يوهم الخلاف بين المسلمين في كونه محبّاً لله.

 وبالجملة: ما أفاده شيخنا سلّمه الله تعالى موافقٌ للاعتبار، نابع من عين شدّة الخلوص والحرص على إظهار شأن إمام الأخيار، وإرغام أنوف مخالفيه عند الخواصّ والعوامّ، وقد سمعتُ استبعادَ بعض لذلك، بل الطعن فيه، وهو إمّا لعدم الاطّلاع على كلام الشيخ الأجلّ الأوحد، أو للعناد(١) ...

وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعية بعيداً عن الطائفية، فيناقشون المشايخ من قبلهم، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة الأخبار الشواذّ عندهم، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة تبعاً للعمومات ما لا ينكره أحد.

فالشيخ النراقي أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن، أمّا القول بكونها جزءاً مستحباً فبعيد جداً عنده.

____________________

(١) رسائل ومسائل ٣: ١٥٥ - ١٥٧.

٤٠٥

هذا، ونحن لا نرتضي استدلال كاشف الغطاء والنراقيرحمهما‌الله في حذف كلمة (الولاية) من الأذان، لأنّ كلمة (الولاية) وردت في غالب رواياتنا، فلا يمكننا أن نتغاضى عما فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة، أو نرفع اليّد عنها، لأنّ معناها معروف عندنا بل وعند العامّة بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم عيد الغدير عن عليعليه‌السلام : (هو أولى بكم من أنفسكم)(١) ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو يستفيدوا منها شيئاً آخر، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول هذه الجملة يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل الله للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول الله، وإن كان الآخرون يحاولون التنكر لها، لكنّهم يعرفون معناها تماماً على الأقلّ من وجهة نظر الإمامية، وذلك كافٍ في إظهار شأنهعليه‌السلام ورجحاته الذاتي، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين.

فلو أذعنّا لِما يتأوّله المعاندون ويحرّفه المحرّفون، للزمنا أن نرفع اليّد عن غالب المشتركات اللفظية الأخرى، كلفظة (الإمام) المخصوصة عندنا بالمعصومين من آل الرسول، مع أنّها لغةً يصحّ إطلاقها على كُلّ من أَمَّ جماعة قوم؛ حقّاً أو باطلاً، وحسبك قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) ، وقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (٣) ، فهذا لا يمنع من استعمالها في خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غير الإمامية بذلك، بعد استقرار استعمالهم لها في ذلك، حتّى صارت مصطلحاً في الإمام المعصوم، بحيث لا يتبادر للذهن

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٣ / ح ٦٢٧٢، قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الذهبي في تعليقه: صحيح.

(٢) الأنبياء: ٧٣.

(٣) القصص: ٤١.

٤٠٦

عند استعمالنا لها إلاّ ذلك، ولو أردنا استعمالها في غير ذلك لزم علينا نصب قرينة مقالية أو حالية، وكذلك بالضبط لفظ المولى والوليّ.

ومن الطريف أن أنقل هنا قصّة حديث لأحد أعلامنا في القرن الأخير وهو السيّد الكلبايكانيرحمه‌الله ، حيث إنّ الاشتراك اللفظي في كلمة (الولي) قد أنقذه من الفتك به في بلد الله الحرام؛ إِذ شرح هو قصته في كتابه(نتائج الأفكار في نجاسة الكّفار) فقال: وقد وقعت في المرّة الأولى من تشرّفي لحجّ بيت الله الحرام قضية لطيفة يناسب ذكرها في المقام، وهي: إنّه عندما تشرّفنا بالمدينة الطيّبة لزيارة قبر النبيّ الأقدس وقبور الأئمةعليهم‌السلام ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فكنّا نصلّي بالناس جماعة في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأذّن مؤذّننا وأجهر بشهادة الولاية، فأفضى المخبِر الدوليّ هذه القضية إلى قاضي القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشيعة قال في أذانه: (أشهد أنّ عليّاً ولي الله)، ولكنّ القاضي أجابه: وأنا أيضاً أقول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) ! فهل أنت تقول: (أشهد أنّ عليّاً عدو الله)؟! فأجابه بقوله: لا والله وأنا أيضاً أقول أنّه ولي الله. وعلى الجملة: فقاضيهم أيضاً قد صَرَّح بأن نقول إنّه وليّ الله، غاية الأمر أنّا لا نقول به في الأذان، وبذلك فقد قضى على الأمر وأُطفِئت نار الفتنة(١) .

٣٠ - حجة الإسلام الشفتي (ت ١٢٦٠ هـ)

قال السيّد محمد باقر الشفتي المشهور ب (حجّة الإسلام الشفتي) في كتابه(مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام) .

 فعلى هذا ظهر لك أنّ الشهادة بثبوت الولاية لمولانا الأميرعليه‌السلام ليس من جزء الأذان، نعم هو من أعظم الإيمان، قال في (الفقيه)

____________________

(١) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: ٢٤٣ بقلم علي الكريمي الجهرمي.

٤٠٧

بعد أن أورد حديث الحضرمي والأسدي المتقدم: (هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا بها في الأذان (محمد وآل محمد خير البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أنّ محمداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً) مرتين، قال: ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حَقاً، وأنّ محمّداً وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان).

 وعن النهاية: وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول أن عليّاً ولي الله حقاً وأنّ محمّداً وآله خير البشر فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً.

 وبالجملة: لم أجد في الأصحاب من ذهب إلى أنّ الشهادة بالولاية من الأجزاء المقوِّمة للأذان ولا المستحبّة له، عدا ما يظهر من العلاّمة المروّج السّمِيِّ المجلسي؛ قال في (البحار): لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاءِ المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال الشيخ في (المبسوط): (وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله).

 قال في (النهاية): (فأمّا ما روى في شواذّ الأخبار من قول (أنّ عليّاً ولي الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر) فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً).

 

٤٠٨

وقال في (المنتهى): (وأمّا ما روي من الشاذّ من قول (أنّ عليّاً ولي الله) و(أنّ محمّداً وآل محمد خير البرية) فمما لا يعوّل عليه).

 قال: ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج)، عن القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى على العرش لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: سبحان الله ! غيّروا كلّ شيء حتى هذا؟! قلت: نعم، قال: إنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين)، ثم ذكرعليه‌السلام كتابة ذلك على الماءِ، والكرسيّ، واللّوح، وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرضين، ورءوس الجبال، والشمس والقمر، ثمّ قالعليه‌السلام : (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمد رسول، الله فليقل: علي أمير المؤمنين). فيدلّ على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

 وفي التأييد ما لا يخفى؛ إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فرداً من أفراد العموم رجحانه ممّا لا ريب فيه، وإنّما الكلام في إيراده في الأذان من حيث الخصوصيّة.

 ومما ذكر يظهر أنّ مَن جمع بين الشهادة بالإمارة والولاية فيقول: (أنّ عليّاً أمير المؤمنين ولي الله) كان أولى، ليحصل الامتثال بكلا النصيّن، فتأمل (١) .

وقال في(تحفة الأبرار) بالفارسية ما ترجمته:

____________________

(١) مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام ١: ٢٤٩.

٤٠٩

وأمّا الشهادة بالولاية لعليّ فليست من الأجزاء اللاّزمة ولا الأجزاء المستحبة، وعليه إطباق الفقهاء إلاّ العلاّمة المجلسي في (بحار الأنوار)؛ حيث ادّعى أنّها من الأجزاء المستحبّة، لكنّ الإنصاف أنّ الحكم بالجزئية ضعيف، لكنّ بما أنّ في (الاحتجاج) حديثاً مضمونه: (أنّ من قال لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليّاً ولي الله)، فلو شهد أحد بالولاية لعليّ بعد الشهادة بالرسالة لمحمد بن عبدالله بقصد امتثال هذا الحديث لا بقصد أنّه جزء الأذان فقد أتى بعمل مستحبّ وراجح مطلقاً، لا بعنوان الأذان.

 لكنّ بعض الأعاظم مثل الشيخ الطوسي والعلاّمة الحليّ قالا بورود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية لعليّ، فلو قال المؤذّن بعد شهادته بالنبوّة لمحمد: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وليّ الله) جمعاً بين الخبرين المحكيَّين لكان كلامه موافقاً لتلك الأخبار، لكن لا بقصد الجزئية، بل بقصد امتثال الخبرين الآنفين (١) .

أقول: وكلامه صريح في المطلوب؛ فهوقدس‌سره جزم بأنّ الإنصاف يقضي بضعف القول بالجزئية، كما يقضي بأنّ الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان؛ إذ لا دليل واضح على ذلك، لكنّ هذا لا يمنع أنّ تكون الشهادة الثالثة مستحبة دائماً وراجحة مطلقاً حسبما جزم بهقدس‌سره أيضاً، بقوله: (وفي التأييد ما لا يخفي إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فرداً من أفراد العموم رجحانه مما لا ريب فيه) والسبب في ذلك هو وجود أدلّة منها خبر القاسم ابن معاوية الذي ينفع لإثبات الاستحباب المطلق انطلاقاً من أنّ الأخذ بالحديث الضعيف برجاء الثواب أمرٌ لا يعترض عليه كلّ علماء الإسلام، سنّة وشيعة. نعم، لا يمكن التمسّك به للقول بالجزئية، وهذا

____________________

(١) تحفة الأبرار الملتقط من آثار الأئمة الأطهار ١: ٤٣٢ - ٤٣٣.

٤١٠

هو معنى كلامه. وعليه، فلو تعبّد المسلم بهذا الحديث بقصد الامتثال رجاءً للثواب فقط، لا بقصد التشريع وتأسيس الأحكام، أُثيب على ذلك.

٣١ - الميرزا إبراهيم الكرباسي (ت ١٢٦١ هـ)

قال الميرزا إبراهيم الكرباسي في(المناهج) عند ذكر كيفية الأذان: الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة، ولكن لو شهد بها بقصد رجحانها بنفسها أو بعد ذكر الرسول كان حسناً(١) .

 وللفقيه الكرباسي رسالة عملية باسم(النخبة) علّق عليها جمع من الأعلام، كالشيخ الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والسيّد إسماعيل الصدر، والشيخ الميرزا حسين الخليلي، ومحمد تقي الشيرازي، والآخوند ملا كاظم الخراساني، والشيخ زين العابدين الحائري، وولده الشيخ حسين وغالب هؤلاء أمضوا ما قاله الكرباسي.

٣٢ - الشيخ محمد حسن النجفي (ت ١٢٦٦ هـ)

قال الشيخ محمد حسن النجفي في(جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) بعد أن ذكر كلام الشيخ الطوسي فيالنّهاية ، وكلام الصدوق فيالفقيه :

قلت: وتبعهما غيرهما على ذلك، ويشهد له خلوّ النصوص عن الإشارة إلى شيء من ذلك، ولعلّ المراد بالشواذّ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوّضة، لكنْ ومع ذلك كلّه فعن المجلسي أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان استناداً

____________________

(١) سر الإيمان، للمقرم: ٥٢.

٤١١

إلى هذه المراسيل التي رُميت بالشذوذ وأنّه ممّا لا يجوز العمل بها، وإلى ما في خبر القاسم بن معاوية المرويّ عن احتجاج الطبرسي، عن الصادقعليه‌السلام : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليقل: علي أمير المؤمنين) وهو كما ترى، إلاّ أنّه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية، عملاً بالخبر المزبور، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب، بل هي كالصلاة على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عند سماع اسمه، وإلى ذلك أشار العلاّمة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه، فقال:

صلِّ إذا ما اسمُ مُحمَّد بدا

عليهِ والآلَ فَصِلْ لِتُحْمدا

وأَكْمِلِ الشَّهادتينِ بالَّتي

قد أُكمِل الدِّينُ بها في الملَّةِ

وأنّها مثلُ الصّلاةِ خارِجَه

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه

بل لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصيّة، والأمر سهل(١) .

 وفي(نجاة العباد) قال:

 يستحبُّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه، وإكمالُ الشهادتين بالشهادة لعليٍّ بالولاية للهِ وإِمرةِ المؤمنين في الأذان وغيره(٢) .

وقد أمضى هذه الفتوى كلُّ من علّق على(نجاة العباد) من الأعلام، كالشيخ مرتضى الأنصاري، والسيّد الميرزا حسن الشيرازي، والسيّد إسماعيل الصدر،

____________________

(١) جواهر الكلام ٩: ٨٦.

(٢) نجاة العباد نسخة خطبة برقم ١٤٧٨، الصفحة ١٠١، موجودة في مؤسسة كاشف الغطاء العامة / النجف الأشرف، وقريب منه في مجمع الرسائل (المحشَّى لصاحب الجواهر) ١: ٣٣٤، وانظر صفحة ٢٢٦ منه كذلك.

٤١٢

والسيّد محمد كاظم اليزدي، والميرزا محمّد مهدي الشهرستاني.

وذكر صاحب الجواهر عين هذه الفتوى في رسالته العملية باللغة الفارسية المطبوعة في إيران سنة ١٣١٣، والتي عليها حاشية الشيخ مرتضى الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والحاج ميرزا حسين الجليلي، وكلّهم أمضوا الفتوى بلا تعقيب.

٣٣ - الشيخ مرتضى الأنصاري (ت ١٢٨١ هـ)

لم يتعرّض الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة إلى بحث الأذان، فلذلك لم نقف على نظره فيه، لكنّ الموجود في رسالته العملية باللّغة الفارسية المسماة ب(النخبة) ما ترجمته:

 الشهادة بالولاية لعليّ ليست جزءاً من الأذان، ولكن يستحب أن يؤتى بها بقصد الرجحان، أمّا في نفسه أو بعد ذكر الرسول. أمّا لو قالها بقصد الجزئية، فحرام(١) .

٣٤ - الشيخ مشكور الحَوَلَاوي (ت ١٢٨٢ هـ)

قال الشيخ مشكور في(كفاية الطالبين) :

ويستحبّ الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية لله تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره(٢) .

وأمضى ذلك ولده الشيخ محمد جواد المتوفّى ١٣٣٤ هـ فيما علَّقه على تلك الرسالة.

____________________

(١) النخبة: ٥٢.

(٢) كفاية الطالبين: ٨٧.

٤١٣

٣٥ - المُلاّ آقا الدربندي (ت ١٢٨٥ هـ)

قال الشيخ الملاّ آقا الدربندي، وهو من تلامذة شريف العلماء، في رسالته الفارسية المطبوعة أيّام حياته ما ترجمته: لا بأس بالشهادة لعليّ بإمرة المؤمنين وقول (أن محمداً وآله خير البرية) إذا لم يكن بقصد الجزئية. أما لو قالها بقصد الجزئية، فإنّه وإن كان حراماً إلاّ أنّه لا يبطل الأذان به.

ونحن نفهم من كلامه بأنّ جملة (أن محمداً وآله خير البرية) كانت تقال على عهده، وأنّ شعار الشيعة لم يقتصر على (أشهد أن عليّاً ولي الله)، وهو يفهمنا ويؤكّد لنا أنّهم كانوا يأتون بها لا على نحو الجزئية لاختلاف صيغها عندهم منذ تشريعها وحتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.

٣٦ - الشيخ علي الزنجاني (ت ١٢٩٠ هـ)

قال الشيخ الملاّ علي الزنجاني في شرحه على القواعد:

 وأمّا الشهادة على ولاية عليعليه‌السلام فليست منه [أي من الأذان] إجماعاً من المسلمين إلاّ بعض المفوّضة كما حكاه فيالفقيه . نعم، إطلاق المرويّ عنالاحتجاج : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين) وما يدلّ على استحبابها دائماً وكونها ذكراً لمن ذكره وزينة للمجالس حتّى باعتراف عائشة كما روي عنها عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ناهضٌ على استحبابها هنا أيضاً في أيّ موضع منه كان، وإن كان بعد الشهادة على الرسالة أولى، وكذا في الإقامة مضافاً إلى الحُسْنِ العقليّ(١) .

____________________

(١) نظام الفرائد: ٣٢٧.

٤١٤

٣٧ - السيّد محمد علي المرعشي الشهرستاني (ت ١٢٩٠ هـ)

أتى السيّد الجدّ محمد علي بن محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الحسيني الشهرستاني في كتابه(شرح التبصرة) بكلام الصدوق فيالفقيه ، وكلامَي الشيخ فيالنّهاية والمبسوط، وكلام العلاّمة فيالتذكرة ، ثمّ وقال:

 ويجوز الإتيان بالشهادة بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان لا على نحو الجزئية، بل لما لها من المحبوبية تيمّناً وتبرّكاً.

٣٨ - السيّد علي بحر العلوم (ت ١٢٩٨ هـ)

قال السيّد علي بن السيّد رضا بن السيّد بحر العلوم في(البرهان القاطع في شرح المختصر النافع):

 وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) و(أمير المؤمنين) وما أشبه ذلك مما يفيد الشهادة بولاية الأئمّة بعد الشهادة بالرسالة، فليس من فصول الأذان والإقامة باتّفاق الفتوى، بل النصّ، ما عدا شاذّ مرويّ عن المفوّضة، واعترف بشذوذه الشيخ فيالمبسوط ، ولعلّ مراده مَن يقول بتفويض الله سبحانه إلى عليّعليه‌السلام لأنّهم الذين يروون هذا الحديث دون المفوّضة المعهودة في مقابل المجبّرة.

 لكنْ فيالبحار بعد حكايتها قال: لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال: ويؤيّده ما رواه فيالاحتجاج عن القاسم بن معاوية في حديث عن الصادقعليه‌السلام في ذيله (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليٌّ أمير المؤمنين) فيدلّ ذلك على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، واستجوده فيالحدائق .

٤١٥

 ومراد المجلسيّرضي‌الله‌عنه من الاستناد بالأخبار التي اعترف بها الشيخ والعلاّمة وغيرهما أنّها وإن كانت شاذّة وهم قالوا (من عمل بها كان مخطئاً)، لكنه من اجتهادهم، وتؤخذ روايتهم وتطرح درايتهم؛ إذ لا بأس بالاستناد إلى الشاذّ في المستحبّات تسامحاً. لكنّ التسامح ممنوعٌ في مثله ممّا منعه جُلُّ الأصحاب، بل كلّهم.

 وأجود منه ما فيالجواهر من أنّه لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص، ومراده من العموم نحو رواية القاسم لورود مثلها في أخبار أُخر كما أومأ المجلسيرضي‌الله‌عنه إليه بقوله: وقد مرّ أمثال ذلك في مناقبهعليه‌السلام . لكن فيه أيضاً أنّ العمومات غير صالحة لشرع الجزئية، بل غايتها استحباب التلفّظ بالشهادة بالولاية حيثما ذَكَرَ الشهادتين، وهو أعمّ من كونه جزءاً، بل سبيل تلك الإخبار سبيل الوارد بأنّه (كلّما ذكر اسم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قل: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد)، و(كلما ذكر الله سبِّحه وقدِّسه) كما ورد في خصوص الأذان والإقامة، ولم يقل أحد بجزئية التسبيح المذكور أو الصلاة على محمد.

 وبالجملة: بالنظر إلى ورود تلك العمومات يستحبّ كلّما ذُكِرَ الشهادتان ذكر الشهادة بالولاية وإن لم ينصّ باستحبابه في خصوص المقام؛ إذ العمومات كافية له، ومنه الأذان والإقامة، فيستحبّ الشهادة بالولاية بعد الشهادتين فيهما لا بقصد جزئيّتها منهما لعدم الدليل على الجزئية، وفاقاًللدرّة حيث قال:

صلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا

عليه والآل فصلِّ تُحْمَدا

وأَكمِلِ الشَّهادتين بالّتي

قد أُكمل الدين بها في الملة

٤١٦

وإِنّها مثل الصلاة خارجه

عن الخصوصِ بالعموم والجِه

أي داخلة بالعموم المذكور وإن خرج عن خصوص حقيقته، وبملاحظة الخروج عن الحقيقة لا يثبت المرجوحية الثابتة لعموم الكلام في خلالهما، وهذه منه بعد الخروج؛ ضرورة استثنائها بتلك العمومات المشار إليها، مضافاً إلى قوّة دعوى عدم انصراف إطلاق الكلام إليها(١) .

٣٩ - السيّد حسين الكوهكري الترك (ت ١٢٩٩ هـ)

قال السيّد الجليل السيّد حسين الترك في رسالته العملية باللّغة الفارسية طبعة إيران ما ترجمته: ويستحبّ بعد الشهادة بالرسالة، الشهادة لعلي بالولاية.

وقال في رسالة أخرى له تحت عنوان(سؤال وجواب) باللّغة الفارسية ما ترجمته: هذه الكلمة الطيّبة ليست جزءً من الأذان والإقامة، ولكنّها تذكر تيمّناً وتبركاً باسمه الشريف.

وبعد هذا العرض السريع لأقوال الفقهاء الذين توفّوا في القرن الثالث عشر الهجري أريد أن أشير إلى أنّي قد تركت الإشارة إلى الكتب التي أُلّفت كشروح على الكتب التي لم تذكر فيها الشهادة بالولاية مثل(مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة) للعاملي المتوفى (١٢٢٦ هـ)، لأنّ ترك أمثال هؤلاء لموضوع الشهادة بالولاية له مبرّره الخاص.

وقد حكى الشيخ علي النمازي في(مستدرك سفينة البحار) عن السيّد محمد

____________________

(١) برهان الفقه ٣: ١١٠.

 

٤١٧

قلي خان المَعْنِيّ (ت ١٢٦٠ هـ) والد صاحب العبقات أنّ له رسالة في أنّ الشهادة بالولاية جزءٌ من الأذان(١) .

وهذا يدلّ على أنّ الشهادة بالولاية كان لها أنصارها من الفقهاء والعلماء في ذلك العصر حتّى ذهب البعض منهم إلى القول بجزئيّتها كوالد صاحب العبقات.

وقد حُكي عن جدّي السيّد محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني صهر الميرزا مهدي الشهرستاني أحد المهادي الأربعة أنّه لمّا سافر إلى الهند في أوائل القرن الثالث عشر سمع أذاناً وفيه الولاية لعليّ بصورة مختلفة عمّا كان يسمعها في العراق وإيران، وأَحْتَمِلُ أنّه سمع ما أنا سمعته في العام المنصرم حين سفري إلى الهند سنة ١٤٢٧ هـ وهو: (أشهد أنّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّاً وليُّ الله ووصيُّ رسول الله وخليفته بلا فصل).

إنّ اختلاف صيغ الأذان في العراق وإيران والهند وعلى مرّ العصور والأزمان والبلدان يؤكّد أنّهم كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء، بل من باب المحبوبية وبقصد القربة المطلقة. ومن هذا القبيل ما نسمع به من أذكار ومقدمات دعائية قبل الأذان وبعده في بعض البلدان الشيعية، فالبعض يستفتح الأذان بهذه الجمل: (أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلّى على محمد وآل محمد، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر)، فهذه الجمل الدعائية ليست زيادات في الأذان كما يريد أن يصوره البعض، بل هي خارجة عن الأذان صورة وحكماً.

وبهذا انتهينا من بيان سير هذه المسألة في هذا القرن، ولا أرى ضرورة ملزِمة لمتابعة المسار كما تابعناه سابقاً في القرنين الرابع عشر والخامس عشر

____________________

(١) مستدرك سفينة البحار ٥: ٢٦٦ باب السين.

٤١٨

الهجريين لأنّها صارت حقيقة معروفة عند الجميع ولا يمكن تجاهلها، بل أكتفي بنقل عبارات بعض أعلام هذين القرنين غير معلِّق عليها، لأنّ فتاوى الأعلام في هذين القرنين كثيرة جداً، وأنّ وظيفتي كانت إيصال سفينة البحث إلى يومنا هذا وقد وصلتْ بحمد الله تعالى، رافعين كل العقبات التي كانت تعيق هذه الدراسة، معطين صورة توافقية بين من يقول بالمنع أو الجواز أو الاستحباب؛ لأنّ رسم أصول المصالحة بين الأطراف في مسألة كهذه تستوجب الاستقراء والاستدلال وهو ما سعينا لتطبيقه في بحثنا.

القرن الرابع عشر الهجري

٤٠ - السيّد الميرزا محمود البروجردي (ت ١٣٠٠ هـ)

قال السيّد الميرزا محمود بن الآقا الميرزا علي نقي بن السيّد جواد أخي السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي البروجردي في كتابه(المواهب السنية في شرح الدرة الغروية) من نظم عمّ والده السيّد مهدي بحر العلوم:

 (وأكمل الشهادتين) شهادتي التوحيد والرسالة (بالتي) بالشهادة التي (قد أكمل الدين بها في الملة) وتمّت على أهله النعمة كالشهادة بالولاية لعليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكذا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خير البرية، لا لأنّ ذلك من أجزاء الأذان وداخل في ماهيته؛ للإجماع الظاهر من كلمات الأصحاب المحكيّ عن صريح جماعة حيث حصروا فصول الأذان في غيره، وللأخبار الماضية الواردة في بيانها، مع أنّ تشريع الأذان كان قبل ظهور ولايتهعليه‌السلام وهذا ممّا لا إشكال فيه...

 وكيف كان فلا إشكال في عدم دخول ذلك في ماهية الأذان، والأقوى أنّه ليس جزءً مستحبّاً له أيضاً؛ لعدم الدليل على الجزئية

٤١٩

مطلقاً، فالإتيان به بقصدها بدعة وتشريع؛ خلافاً لما عنالبحار واستجوده فيالحدائق .

 قلتُ، والخبر (أي خبرالاحتجاج ) لا تأييد فيه لجزئية هذه الشهادة كما لا دلالة فيه، والتحقيق أن يقال: (أنّها مثل الصلاة) على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بين الأذان والإقامة (خارجة) (عن الخصوص) ولا تدخل في ماهيتهما على وجه الجزئية أصلاً، لا وجوباً ولا ندباً، ولكن (بالعموم) المستفاد من خبر الاحتجاج وغيره ممّا لا يحصى ممّا دلّ على فضل ذكرهعليه‌السلام وإظهار ولايته وإمارته وساير مناقبه صلوات الله عليه (والجه) وداخلة، منها النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الله تبارك وتعالى جعل لأخي فضائل لا يحصي عددَها غيرُهُ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو أتى في القيامة بذنوب الثقلين). وفي آخر: (زينوا مجالسكم بذكر علي بن أبي طالب).

 وخبر الاحتجاج لا يفيد أزيد من الرجحان العامّ كما في غيره من غير خصوصيّة للأذان والإقامة أصلا.

وأمّا شهادة الأجلاّء بورود الأخبار فلا تجدي مع رميهم لها بالشذوذ أو الوضع.

وفيالشوارع (١) : أنّ الأصحاب بين محرِّم وغير محرِّم، مع ردّ كلّهم الأخبار الدالّة عليه بالشذوذ والوضع، وعدم حمل أحد منهم إيّاها على الاستحباب، مع أنّ عادتهم ذلك، وذكرهم مستحبات كثيرة له ولو بأخبار ضعاف وهجرهم

____________________

(١) لعلّه شوارع الأحكام للكلباسي صاحب الإشارات (م ١٢٦١) وليست نسخته عندنا.

٤٢٠