أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان13%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156837 / تحميل: 12405
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

 وتوهُّمُ الجاهلِ الجزئيةَ غيرُ صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينهما من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم. بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة، إذ لا يتصوّر اعتقادٌ إلاّ مع دليل، ومعه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعاً وبدعةً كما حقّقنا في موضعه.

 وأمّا القول بكراهتها: فإن أُريد بخصوصها، فلا وجه لها أيضاً. وإن أُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهيّ عنه في خلالهما، فلها وجه لولا المعارِض، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقاً، والأمر بها بعد ذكر التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام، رواه في (الاحتجاج) عن الصادقعليه‌السلام : قال: (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل: عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام )(١) بالعموم من وجه، فيبقى أصل الإِباحة سليماً عن المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد(٢) كما صرّح به في (البحار)(٣) ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضاً.

 قال في (المبسوط): وأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين)عليه‌السلام ، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

____________________

(١) الاحتجاج ١: ٢٣١.

(٢) الشيخ في النّهاية: ٦٩، المبسوط ١: ٩٩، الفاضل في المنتهى ٣: ٣٨٠ / المسألة الخامسة، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى ٣: ٢٠٢، البيان: ١٤٤.

(٣) البحار ٨١: ١١١.

٤٠١

 وقال في (النّهاية) قريباً من ذلك.

 وعلى هذا فلا بُعْد في القول باستحبابها فيه؛ للتسامح في أدلّته. وشذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب) (١) .

فالشيخ النراقي وبعد عرضه لأهمّ الأقوال في المسألة فَنّدَ جميع الأقوال المطروحة التي لا تتّفق مع رأيه، سواء القائلة بالحرمة، لتوهّم الجاهلين الجزئية، أو لفوت الموالاة، أو لكونها لم ترد في الأذان البياني المنقول عن الأئمّة، وهكذا الحال بالنسبة إلى القائلين بالكراهة، فإنهرحمه‌الله قرّر كلامهم وردّه في سطر واحد، ثم ختم كلامه بإعطاء وجهة نظره، فقال:(وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلّته، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيراً يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب) .

ثم جاءرحمه‌الله في كتابه(رسائل ومسائل) يستنصر لقول شيخه كاشف الغطاء(٢) اختلاف في الهامش القائل بعدم جزئية الشهادة الثالثة في الأذان، مؤيِّداً ما اقترحه في استبدال جملة (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) ب (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وخليفته بلا فصل وأنه أفضل الناس بعد رسول الله)، مستشكلاً على كلام المجلسي الثاني في(بحار الأنوار) الذي لم يستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة في الأذان، فقال:

 وتحقيق ما أفاده شيخنا الأعظم ومخدومنا الأفهم (أدام الله أيّام إفاداته)، ومتّع أهل الإسلام بطول حياته: من أنّه ليس من الأذان قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) وأمثاله، فهو كذلك، والأحاديث الواردة في بيان الأذان وتعداد فصوله عن أئمّتنا الطاهرين يرشد

____________________

(١) مستند الشيعة ٤: ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٢) لا يخفى عليك أن تقديمنا لكلام النراقي على كاشف الغطاء جاء لتقدم وفاته على وفاة شيخه، وإن كان المنهج العلمي يدعونا أن نأتي بكلام كاشف الغطاء ثم تعليق النراقي عليه، لكنا تركنا ذلك لأتباعنا سن الوفاة في هذا الفصل لا الشيخوخة.

٤٠٢

 إليه، والإجماعُ المحقّق قطعاً يدلّ عليه، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غير المعمول بها، ونسبتها إلى الوضع يؤكّده، والشواهد التي ذكرها شيخنا الفريد يؤيّده، ولم أعثر على من يجوّز كونه من الأذان.

 نعم، قال شيخنا المجلسيقدس‌سره فيالبحار بعد نقل قول الصدوق: (ولا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة به بورود الأخبار بها)، ثمّ نقل عبارات النهاية والمبسوط والمنتهى الّتي نقلها شيخنا (أدام الله بقاءه)، وزاد في عبارةالنهاية : (ومن عمل بها كان مخطئاً)، وهو مردود بأنّه...

 كيف يسمع شهادته بوجود الخبر ولا يسمع بكونه شاذّاً غير معمول به، بل يكون العمل به خطأً، وأيّ حجّة في نقل ذلك الخبر الذي لا يُعلَمُ سنده ولا متنه لينظر في حاله ودلالته، مع كونه مخالفاً للإجماع المقطوع به وتصريح الصدوق بكونه موضوعاً ومع معارضته مع سائر الأخبار المشهورة، بل الصحيحة أيضاً الواردة في فصول الأذان، ولم يقل أَحَدٌ بحجيّة مثل ذلك الخبر.

 وإن كان نظره إلى التسامح في أدلّة السنن، ففيه أنّه إذا لم يكن لها معارض من إجماع وغيره. وأمّا معه، فلا يبقى دليل حتّى يتسامح، مع أنّه كما صرّح به جماعة أنّ التسامح فيها إنّما هو إذا كان الدليل مظنونَ الصدق أو غيرَ مظنون الكذب. ويدلّ عليه أنّ معظم دليل التسامح الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّه (من بلغه شيء من الثواب ففعله التماس ذلك الثواب أو رجاءه فله أجره) ولا يتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الكذب. ولا شكّ

٤٠٣

في حصول الظنّ بالكذب مع تصريح مثل الصدوق بالوضع، وشهادة الجماعة بالشذوذ، بل يحصل العلم بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع.

 ثمّ ما أفاده شيخنا المحقّق (دام ظله) من قوله: (ومن قصد ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام لإظهار شأنه، أو لمجرّد رجحانه لذاته، أو مع ذكر ربّ العالمين أو ذكر سيد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيب على ذلك). فهو أيضاً مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، وبملاحظة الدليلين الأول والآخر يظهر أولويّة التبديل الذي أفاده؛ وذلك لأنّ الولاية وإن كانت من المراتب العظيمة والصفات العليّة إلاّ أنّ لفظها يستعمل في معان كثيرة أحدها المحبّ، فلا يدلّ على المطلوب إلاّ مع القرينة.

 ولو سلّمنا ظهوره في المطلوب فإنّما نسلّمه في الصدر [الأوّل] قبل ورود النصّ بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام . وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلك على المخالفين المنافقين ذكروا للفظ الوليّ المعاني الكثيرة وأثبتوها في كتبهم المضلّة، وأذاعوا بين الناس، بحيث يمكن أن يقال بصيرورة المعنى المطلوب مهجوراً عندهم، بل الظاهر أنّهم في أمثال هذا الزمان سيّما عوامّهم لا يفهمون المعنى المطلوب، فلا يحصل به أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل من الأخبار الواردة في ذكر مولانا مع ربّ العالمين وذكر سيّد المرسلين ما يأمر بذكر أمير المؤمنين، كما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فيالاحتجاج عن القاسم بن معاوية، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، إنه قال: فإذا قال أحدكم:

٤٠٤

لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين.

 بل لا يبعد أن يستفاد أولويّة التبديل في هذا الزمان ممّا ذكره بعض العلماء في وجه أمر النّبي بشهادة (أن لا إله إلاّ الله) دون (إن الله موجود)، من أنّه لم يكن أحد نافياً لوجود الصانع، بل كانوا يثبتون الشريك، فلو أمر بشهادة الوجود لكان يوهم الخلاف فيه.

 فيمكن أن يقال إنّه لمّا كان الشائع في هذا الزمان عند عوامّ المخالفين بل الكفّار من اليهود والنصارى أنّ معنى الوليّ المحبّ، فالإذعان بشهادته يمكن أن يوهم الخلاف بين المسلمين في كونه محبّاً لله.

 وبالجملة: ما أفاده شيخنا سلّمه الله تعالى موافقٌ للاعتبار، نابع من عين شدّة الخلوص والحرص على إظهار شأن إمام الأخيار، وإرغام أنوف مخالفيه عند الخواصّ والعوامّ، وقد سمعتُ استبعادَ بعض لذلك، بل الطعن فيه، وهو إمّا لعدم الاطّلاع على كلام الشيخ الأجلّ الأوحد، أو للعناد(١) ...

وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعية بعيداً عن الطائفية، فيناقشون المشايخ من قبلهم، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة الأخبار الشواذّ عندهم، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة تبعاً للعمومات ما لا ينكره أحد.

فالشيخ النراقي أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن، أمّا القول بكونها جزءاً مستحباً فبعيد جداً عنده.

____________________

(١) رسائل ومسائل ٣: ١٥٥ - ١٥٧.

٤٠٥

هذا، ونحن لا نرتضي استدلال كاشف الغطاء والنراقيرحمهما‌الله في حذف كلمة (الولاية) من الأذان، لأنّ كلمة (الولاية) وردت في غالب رواياتنا، فلا يمكننا أن نتغاضى عما فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة، أو نرفع اليّد عنها، لأنّ معناها معروف عندنا بل وعند العامّة بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم عيد الغدير عن عليعليه‌السلام : (هو أولى بكم من أنفسكم)(١) ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو يستفيدوا منها شيئاً آخر، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول هذه الجملة يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل الله للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول الله، وإن كان الآخرون يحاولون التنكر لها، لكنّهم يعرفون معناها تماماً على الأقلّ من وجهة نظر الإمامية، وذلك كافٍ في إظهار شأنهعليه‌السلام ورجحاته الذاتي، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين.

فلو أذعنّا لِما يتأوّله المعاندون ويحرّفه المحرّفون، للزمنا أن نرفع اليّد عن غالب المشتركات اللفظية الأخرى، كلفظة (الإمام) المخصوصة عندنا بالمعصومين من آل الرسول، مع أنّها لغةً يصحّ إطلاقها على كُلّ من أَمَّ جماعة قوم؛ حقّاً أو باطلاً، وحسبك قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) ، وقوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (٣) ، فهذا لا يمنع من استعمالها في خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غير الإمامية بذلك، بعد استقرار استعمالهم لها في ذلك، حتّى صارت مصطلحاً في الإمام المعصوم، بحيث لا يتبادر للذهن

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٣ / ح ٦٢٧٢، قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قال الذهبي في تعليقه: صحيح.

(٢) الأنبياء: ٧٣.

(٣) القصص: ٤١.

٤٠٦

عند استعمالنا لها إلاّ ذلك، ولو أردنا استعمالها في غير ذلك لزم علينا نصب قرينة مقالية أو حالية، وكذلك بالضبط لفظ المولى والوليّ.

ومن الطريف أن أنقل هنا قصّة حديث لأحد أعلامنا في القرن الأخير وهو السيّد الكلبايكانيرحمه‌الله ، حيث إنّ الاشتراك اللفظي في كلمة (الولي) قد أنقذه من الفتك به في بلد الله الحرام؛ إِذ شرح هو قصته في كتابه(نتائج الأفكار في نجاسة الكّفار) فقال: وقد وقعت في المرّة الأولى من تشرّفي لحجّ بيت الله الحرام قضية لطيفة يناسب ذكرها في المقام، وهي: إنّه عندما تشرّفنا بالمدينة الطيّبة لزيارة قبر النبيّ الأقدس وقبور الأئمةعليهم‌السلام ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فكنّا نصلّي بالناس جماعة في مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأذّن مؤذّننا وأجهر بشهادة الولاية، فأفضى المخبِر الدوليّ هذه القضية إلى قاضي القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشيعة قال في أذانه: (أشهد أنّ عليّاً ولي الله)، ولكنّ القاضي أجابه: وأنا أيضاً أقول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) ! فهل أنت تقول: (أشهد أنّ عليّاً عدو الله)؟! فأجابه بقوله: لا والله وأنا أيضاً أقول أنّه ولي الله. وعلى الجملة: فقاضيهم أيضاً قد صَرَّح بأن نقول إنّه وليّ الله، غاية الأمر أنّا لا نقول به في الأذان، وبذلك فقد قضى على الأمر وأُطفِئت نار الفتنة(١) .

٣٠ - حجة الإسلام الشفتي (ت ١٢٦٠ هـ)

قال السيّد محمد باقر الشفتي المشهور ب (حجّة الإسلام الشفتي) في كتابه(مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام) .

 فعلى هذا ظهر لك أنّ الشهادة بثبوت الولاية لمولانا الأميرعليه‌السلام ليس من جزء الأذان، نعم هو من أعظم الإيمان، قال في (الفقيه)

____________________

(١) نتائج الأفكار في نجاسة الكفّار: ٢٤٣ بقلم علي الكريمي الجهرمي.

٤٠٧

بعد أن أورد حديث الحضرمي والأسدي المتقدم: (هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا بها في الأذان (محمد وآل محمد خير البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أنّ محمداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً) مرتين، قال: ولا شكّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حَقاً، وأنّ محمّداً وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان).

 وعن النهاية: وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول أن عليّاً ولي الله حقاً وأنّ محمّداً وآله خير البشر فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً.

 وبالجملة: لم أجد في الأصحاب من ذهب إلى أنّ الشهادة بالولاية من الأجزاء المقوِّمة للأذان ولا المستحبّة له، عدا ما يظهر من العلاّمة المروّج السّمِيِّ المجلسي؛ قال في (البحار): لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاءِ المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال الشيخ في (المبسوط): (وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله).

 قال في (النهاية): (فأمّا ما روى في شواذّ الأخبار من قول (أنّ عليّاً ولي الله) و(أنّ محمّداً وآله خير البشر) فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً).

 

٤٠٨

وقال في (المنتهى): (وأمّا ما روي من الشاذّ من قول (أنّ عليّاً ولي الله) و(أنّ محمّداً وآل محمد خير البرية) فمما لا يعوّل عليه).

 قال: ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج)، عن القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى على العرش لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: سبحان الله ! غيّروا كلّ شيء حتى هذا؟! قلت: نعم، قال: إنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين)، ثم ذكرعليه‌السلام كتابة ذلك على الماءِ، والكرسيّ، واللّوح، وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرضين، ورءوس الجبال، والشمس والقمر، ثمّ قالعليه‌السلام : (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمد رسول، الله فليقل: علي أمير المؤمنين). فيدلّ على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

 وفي التأييد ما لا يخفى؛ إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فرداً من أفراد العموم رجحانه ممّا لا ريب فيه، وإنّما الكلام في إيراده في الأذان من حيث الخصوصيّة.

 ومما ذكر يظهر أنّ مَن جمع بين الشهادة بالإمارة والولاية فيقول: (أنّ عليّاً أمير المؤمنين ولي الله) كان أولى، ليحصل الامتثال بكلا النصيّن، فتأمل (١) .

وقال في(تحفة الأبرار) بالفارسية ما ترجمته:

____________________

(١) مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام ١: ٢٤٩.

٤٠٩

وأمّا الشهادة بالولاية لعليّ فليست من الأجزاء اللاّزمة ولا الأجزاء المستحبة، وعليه إطباق الفقهاء إلاّ العلاّمة المجلسي في (بحار الأنوار)؛ حيث ادّعى أنّها من الأجزاء المستحبّة، لكنّ الإنصاف أنّ الحكم بالجزئية ضعيف، لكنّ بما أنّ في (الاحتجاج) حديثاً مضمونه: (أنّ من قال لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليّاً ولي الله)، فلو شهد أحد بالولاية لعليّ بعد الشهادة بالرسالة لمحمد بن عبدالله بقصد امتثال هذا الحديث لا بقصد أنّه جزء الأذان فقد أتى بعمل مستحبّ وراجح مطلقاً، لا بعنوان الأذان.

 لكنّ بعض الأعاظم مثل الشيخ الطوسي والعلاّمة الحليّ قالا بورود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية لعليّ، فلو قال المؤذّن بعد شهادته بالنبوّة لمحمد: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وليّ الله) جمعاً بين الخبرين المحكيَّين لكان كلامه موافقاً لتلك الأخبار، لكن لا بقصد الجزئية، بل بقصد امتثال الخبرين الآنفين (١) .

أقول: وكلامه صريح في المطلوب؛ فهوقدس‌سره جزم بأنّ الإنصاف يقضي بضعف القول بالجزئية، كما يقضي بأنّ الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان؛ إذ لا دليل واضح على ذلك، لكنّ هذا لا يمنع أنّ تكون الشهادة الثالثة مستحبة دائماً وراجحة مطلقاً حسبما جزم بهقدس‌سره أيضاً، بقوله: (وفي التأييد ما لا يخفي إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فرداً من أفراد العموم رجحانه مما لا ريب فيه) والسبب في ذلك هو وجود أدلّة منها خبر القاسم ابن معاوية الذي ينفع لإثبات الاستحباب المطلق انطلاقاً من أنّ الأخذ بالحديث الضعيف برجاء الثواب أمرٌ لا يعترض عليه كلّ علماء الإسلام، سنّة وشيعة. نعم، لا يمكن التمسّك به للقول بالجزئية، وهذا

____________________

(١) تحفة الأبرار الملتقط من آثار الأئمة الأطهار ١: ٤٣٢ - ٤٣٣.

٤١٠

هو معنى كلامه. وعليه، فلو تعبّد المسلم بهذا الحديث بقصد الامتثال رجاءً للثواب فقط، لا بقصد التشريع وتأسيس الأحكام، أُثيب على ذلك.

٣١ - الميرزا إبراهيم الكرباسي (ت ١٢٦١ هـ)

قال الميرزا إبراهيم الكرباسي في(المناهج) عند ذكر كيفية الأذان: الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة، ولكن لو شهد بها بقصد رجحانها بنفسها أو بعد ذكر الرسول كان حسناً(١) .

 وللفقيه الكرباسي رسالة عملية باسم(النخبة) علّق عليها جمع من الأعلام، كالشيخ الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والسيّد إسماعيل الصدر، والشيخ الميرزا حسين الخليلي، ومحمد تقي الشيرازي، والآخوند ملا كاظم الخراساني، والشيخ زين العابدين الحائري، وولده الشيخ حسين وغالب هؤلاء أمضوا ما قاله الكرباسي.

٣٢ - الشيخ محمد حسن النجفي (ت ١٢٦٦ هـ)

قال الشيخ محمد حسن النجفي في(جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) بعد أن ذكر كلام الشيخ الطوسي فيالنّهاية ، وكلام الصدوق فيالفقيه :

قلت: وتبعهما غيرهما على ذلك، ويشهد له خلوّ النصوص عن الإشارة إلى شيء من ذلك، ولعلّ المراد بالشواذّ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوّضة، لكنْ ومع ذلك كلّه فعن المجلسي أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان استناداً

____________________

(١) سر الإيمان، للمقرم: ٥٢.

٤١١

إلى هذه المراسيل التي رُميت بالشذوذ وأنّه ممّا لا يجوز العمل بها، وإلى ما في خبر القاسم بن معاوية المرويّ عن احتجاج الطبرسي، عن الصادقعليه‌السلام : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليقل: علي أمير المؤمنين) وهو كما ترى، إلاّ أنّه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية، عملاً بالخبر المزبور، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب، بل هي كالصلاة على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عند سماع اسمه، وإلى ذلك أشار العلاّمة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه، فقال:

صلِّ إذا ما اسمُ مُحمَّد بدا

عليهِ والآلَ فَصِلْ لِتُحْمدا

وأَكْمِلِ الشَّهادتينِ بالَّتي

قد أُكمِل الدِّينُ بها في الملَّةِ

وأنّها مثلُ الصّلاةِ خارِجَه

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه

بل لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصيّة، والأمر سهل(١) .

 وفي(نجاة العباد) قال:

 يستحبُّ الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه، وإكمالُ الشهادتين بالشهادة لعليٍّ بالولاية للهِ وإِمرةِ المؤمنين في الأذان وغيره(٢) .

وقد أمضى هذه الفتوى كلُّ من علّق على(نجاة العباد) من الأعلام، كالشيخ مرتضى الأنصاري، والسيّد الميرزا حسن الشيرازي، والسيّد إسماعيل الصدر،

____________________

(١) جواهر الكلام ٩: ٨٦.

(٢) نجاة العباد نسخة خطبة برقم ١٤٧٨، الصفحة ١٠١، موجودة في مؤسسة كاشف الغطاء العامة / النجف الأشرف، وقريب منه في مجمع الرسائل (المحشَّى لصاحب الجواهر) ١: ٣٣٤، وانظر صفحة ٢٢٦ منه كذلك.

٤١٢

والسيّد محمد كاظم اليزدي، والميرزا محمّد مهدي الشهرستاني.

وذكر صاحب الجواهر عين هذه الفتوى في رسالته العملية باللغة الفارسية المطبوعة في إيران سنة ١٣١٣، والتي عليها حاشية الشيخ مرتضى الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والحاج ميرزا حسين الجليلي، وكلّهم أمضوا الفتوى بلا تعقيب.

٣٣ - الشيخ مرتضى الأنصاري (ت ١٢٨١ هـ)

لم يتعرّض الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة إلى بحث الأذان، فلذلك لم نقف على نظره فيه، لكنّ الموجود في رسالته العملية باللّغة الفارسية المسماة ب(النخبة) ما ترجمته:

 الشهادة بالولاية لعليّ ليست جزءاً من الأذان، ولكن يستحب أن يؤتى بها بقصد الرجحان، أمّا في نفسه أو بعد ذكر الرسول. أمّا لو قالها بقصد الجزئية، فحرام(١) .

٣٤ - الشيخ مشكور الحَوَلَاوي (ت ١٢٨٢ هـ)

قال الشيخ مشكور في(كفاية الطالبين) :

ويستحبّ الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية لله تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره(٢) .

وأمضى ذلك ولده الشيخ محمد جواد المتوفّى ١٣٣٤ هـ فيما علَّقه على تلك الرسالة.

____________________

(١) النخبة: ٥٢.

(٢) كفاية الطالبين: ٨٧.

٤١٣

٣٥ - المُلاّ آقا الدربندي (ت ١٢٨٥ هـ)

قال الشيخ الملاّ آقا الدربندي، وهو من تلامذة شريف العلماء، في رسالته الفارسية المطبوعة أيّام حياته ما ترجمته: لا بأس بالشهادة لعليّ بإمرة المؤمنين وقول (أن محمداً وآله خير البرية) إذا لم يكن بقصد الجزئية. أما لو قالها بقصد الجزئية، فإنّه وإن كان حراماً إلاّ أنّه لا يبطل الأذان به.

ونحن نفهم من كلامه بأنّ جملة (أن محمداً وآله خير البرية) كانت تقال على عهده، وأنّ شعار الشيعة لم يقتصر على (أشهد أن عليّاً ولي الله)، وهو يفهمنا ويؤكّد لنا أنّهم كانوا يأتون بها لا على نحو الجزئية لاختلاف صيغها عندهم منذ تشريعها وحتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.

٣٦ - الشيخ علي الزنجاني (ت ١٢٩٠ هـ)

قال الشيخ الملاّ علي الزنجاني في شرحه على القواعد:

 وأمّا الشهادة على ولاية عليعليه‌السلام فليست منه [أي من الأذان] إجماعاً من المسلمين إلاّ بعض المفوّضة كما حكاه فيالفقيه . نعم، إطلاق المرويّ عنالاحتجاج : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين) وما يدلّ على استحبابها دائماً وكونها ذكراً لمن ذكره وزينة للمجالس حتّى باعتراف عائشة كما روي عنها عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ناهضٌ على استحبابها هنا أيضاً في أيّ موضع منه كان، وإن كان بعد الشهادة على الرسالة أولى، وكذا في الإقامة مضافاً إلى الحُسْنِ العقليّ(١) .

____________________

(١) نظام الفرائد: ٣٢٧.

٤١٤

٣٧ - السيّد محمد علي المرعشي الشهرستاني (ت ١٢٩٠ هـ)

أتى السيّد الجدّ محمد علي بن محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الحسيني الشهرستاني في كتابه(شرح التبصرة) بكلام الصدوق فيالفقيه ، وكلامَي الشيخ فيالنّهاية والمبسوط، وكلام العلاّمة فيالتذكرة ، ثمّ وقال:

 ويجوز الإتيان بالشهادة بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان لا على نحو الجزئية، بل لما لها من المحبوبية تيمّناً وتبرّكاً.

٣٨ - السيّد علي بحر العلوم (ت ١٢٩٨ هـ)

قال السيّد علي بن السيّد رضا بن السيّد بحر العلوم في(البرهان القاطع في شرح المختصر النافع):

 وأمّا قول (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) و(أمير المؤمنين) وما أشبه ذلك مما يفيد الشهادة بولاية الأئمّة بعد الشهادة بالرسالة، فليس من فصول الأذان والإقامة باتّفاق الفتوى، بل النصّ، ما عدا شاذّ مرويّ عن المفوّضة، واعترف بشذوذه الشيخ فيالمبسوط ، ولعلّ مراده مَن يقول بتفويض الله سبحانه إلى عليّعليه‌السلام لأنّهم الذين يروون هذا الحديث دون المفوّضة المعهودة في مقابل المجبّرة.

 لكنْ فيالبحار بعد حكايتها قال: لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها، قال: ويؤيّده ما رواه فيالاحتجاج عن القاسم بن معاوية في حديث عن الصادقعليه‌السلام في ذيله (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فليقل: عليٌّ أمير المؤمنين) فيدلّ ذلك على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، واستجوده فيالحدائق .

٤١٥

 ومراد المجلسيّرضي‌الله‌عنه من الاستناد بالأخبار التي اعترف بها الشيخ والعلاّمة وغيرهما أنّها وإن كانت شاذّة وهم قالوا (من عمل بها كان مخطئاً)، لكنه من اجتهادهم، وتؤخذ روايتهم وتطرح درايتهم؛ إذ لا بأس بالاستناد إلى الشاذّ في المستحبّات تسامحاً. لكنّ التسامح ممنوعٌ في مثله ممّا منعه جُلُّ الأصحاب، بل كلّهم.

 وأجود منه ما فيالجواهر من أنّه لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص، ومراده من العموم نحو رواية القاسم لورود مثلها في أخبار أُخر كما أومأ المجلسيرضي‌الله‌عنه إليه بقوله: وقد مرّ أمثال ذلك في مناقبهعليه‌السلام . لكن فيه أيضاً أنّ العمومات غير صالحة لشرع الجزئية، بل غايتها استحباب التلفّظ بالشهادة بالولاية حيثما ذَكَرَ الشهادتين، وهو أعمّ من كونه جزءاً، بل سبيل تلك الإخبار سبيل الوارد بأنّه (كلّما ذكر اسم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قل: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد)، و(كلما ذكر الله سبِّحه وقدِّسه) كما ورد في خصوص الأذان والإقامة، ولم يقل أحد بجزئية التسبيح المذكور أو الصلاة على محمد.

 وبالجملة: بالنظر إلى ورود تلك العمومات يستحبّ كلّما ذُكِرَ الشهادتان ذكر الشهادة بالولاية وإن لم ينصّ باستحبابه في خصوص المقام؛ إذ العمومات كافية له، ومنه الأذان والإقامة، فيستحبّ الشهادة بالولاية بعد الشهادتين فيهما لا بقصد جزئيّتها منهما لعدم الدليل على الجزئية، وفاقاًللدرّة حيث قال:

صلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا

عليه والآل فصلِّ تُحْمَدا

وأَكمِلِ الشَّهادتين بالّتي

قد أُكمل الدين بها في الملة

٤١٦

وإِنّها مثل الصلاة خارجه

عن الخصوصِ بالعموم والجِه

أي داخلة بالعموم المذكور وإن خرج عن خصوص حقيقته، وبملاحظة الخروج عن الحقيقة لا يثبت المرجوحية الثابتة لعموم الكلام في خلالهما، وهذه منه بعد الخروج؛ ضرورة استثنائها بتلك العمومات المشار إليها، مضافاً إلى قوّة دعوى عدم انصراف إطلاق الكلام إليها(١) .

٣٩ - السيّد حسين الكوهكري الترك (ت ١٢٩٩ هـ)

قال السيّد الجليل السيّد حسين الترك في رسالته العملية باللّغة الفارسية طبعة إيران ما ترجمته: ويستحبّ بعد الشهادة بالرسالة، الشهادة لعلي بالولاية.

وقال في رسالة أخرى له تحت عنوان(سؤال وجواب) باللّغة الفارسية ما ترجمته: هذه الكلمة الطيّبة ليست جزءً من الأذان والإقامة، ولكنّها تذكر تيمّناً وتبركاً باسمه الشريف.

وبعد هذا العرض السريع لأقوال الفقهاء الذين توفّوا في القرن الثالث عشر الهجري أريد أن أشير إلى أنّي قد تركت الإشارة إلى الكتب التي أُلّفت كشروح على الكتب التي لم تذكر فيها الشهادة بالولاية مثل(مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة) للعاملي المتوفى (١٢٢٦ هـ)، لأنّ ترك أمثال هؤلاء لموضوع الشهادة بالولاية له مبرّره الخاص.

وقد حكى الشيخ علي النمازي في(مستدرك سفينة البحار) عن السيّد محمد

____________________

(١) برهان الفقه ٣: ١١٠.

 

٤١٧

قلي خان المَعْنِيّ (ت ١٢٦٠ هـ) والد صاحب العبقات أنّ له رسالة في أنّ الشهادة بالولاية جزءٌ من الأذان(١) .

وهذا يدلّ على أنّ الشهادة بالولاية كان لها أنصارها من الفقهاء والعلماء في ذلك العصر حتّى ذهب البعض منهم إلى القول بجزئيّتها كوالد صاحب العبقات.

وقد حُكي عن جدّي السيّد محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني صهر الميرزا مهدي الشهرستاني أحد المهادي الأربعة أنّه لمّا سافر إلى الهند في أوائل القرن الثالث عشر سمع أذاناً وفيه الولاية لعليّ بصورة مختلفة عمّا كان يسمعها في العراق وإيران، وأَحْتَمِلُ أنّه سمع ما أنا سمعته في العام المنصرم حين سفري إلى الهند سنة ١٤٢٧ هـ وهو: (أشهد أنّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّاً وليُّ الله ووصيُّ رسول الله وخليفته بلا فصل).

إنّ اختلاف صيغ الأذان في العراق وإيران والهند وعلى مرّ العصور والأزمان والبلدان يؤكّد أنّهم كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء، بل من باب المحبوبية وبقصد القربة المطلقة. ومن هذا القبيل ما نسمع به من أذكار ومقدمات دعائية قبل الأذان وبعده في بعض البلدان الشيعية، فالبعض يستفتح الأذان بهذه الجمل: (أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلّى على محمد وآل محمد، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر)، فهذه الجمل الدعائية ليست زيادات في الأذان كما يريد أن يصوره البعض، بل هي خارجة عن الأذان صورة وحكماً.

وبهذا انتهينا من بيان سير هذه المسألة في هذا القرن، ولا أرى ضرورة ملزِمة لمتابعة المسار كما تابعناه سابقاً في القرنين الرابع عشر والخامس عشر

____________________

(١) مستدرك سفينة البحار ٥: ٢٦٦ باب السين.

٤١٨

الهجريين لأنّها صارت حقيقة معروفة عند الجميع ولا يمكن تجاهلها، بل أكتفي بنقل عبارات بعض أعلام هذين القرنين غير معلِّق عليها، لأنّ فتاوى الأعلام في هذين القرنين كثيرة جداً، وأنّ وظيفتي كانت إيصال سفينة البحث إلى يومنا هذا وقد وصلتْ بحمد الله تعالى، رافعين كل العقبات التي كانت تعيق هذه الدراسة، معطين صورة توافقية بين من يقول بالمنع أو الجواز أو الاستحباب؛ لأنّ رسم أصول المصالحة بين الأطراف في مسألة كهذه تستوجب الاستقراء والاستدلال وهو ما سعينا لتطبيقه في بحثنا.

القرن الرابع عشر الهجري

٤٠ - السيّد الميرزا محمود البروجردي (ت ١٣٠٠ هـ)

قال السيّد الميرزا محمود بن الآقا الميرزا علي نقي بن السيّد جواد أخي السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي البروجردي في كتابه(المواهب السنية في شرح الدرة الغروية) من نظم عمّ والده السيّد مهدي بحر العلوم:

 (وأكمل الشهادتين) شهادتي التوحيد والرسالة (بالتي) بالشهادة التي (قد أكمل الدين بها في الملة) وتمّت على أهله النعمة كالشهادة بالولاية لعليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكذا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خير البرية، لا لأنّ ذلك من أجزاء الأذان وداخل في ماهيته؛ للإجماع الظاهر من كلمات الأصحاب المحكيّ عن صريح جماعة حيث حصروا فصول الأذان في غيره، وللأخبار الماضية الواردة في بيانها، مع أنّ تشريع الأذان كان قبل ظهور ولايتهعليه‌السلام وهذا ممّا لا إشكال فيه...

 وكيف كان فلا إشكال في عدم دخول ذلك في ماهية الأذان، والأقوى أنّه ليس جزءً مستحبّاً له أيضاً؛ لعدم الدليل على الجزئية

٤١٩

مطلقاً، فالإتيان به بقصدها بدعة وتشريع؛ خلافاً لما عنالبحار واستجوده فيالحدائق .

 قلتُ، والخبر (أي خبرالاحتجاج ) لا تأييد فيه لجزئية هذه الشهادة كما لا دلالة فيه، والتحقيق أن يقال: (أنّها مثل الصلاة) على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بين الأذان والإقامة (خارجة) (عن الخصوص) ولا تدخل في ماهيتهما على وجه الجزئية أصلاً، لا وجوباً ولا ندباً، ولكن (بالعموم) المستفاد من خبر الاحتجاج وغيره ممّا لا يحصى ممّا دلّ على فضل ذكرهعليه‌السلام وإظهار ولايته وإمارته وساير مناقبه صلوات الله عليه (والجه) وداخلة، منها النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الله تبارك وتعالى جعل لأخي فضائل لا يحصي عددَها غيرُهُ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو أتى في القيامة بذنوب الثقلين). وفي آخر: (زينوا مجالسكم بذكر علي بن أبي طالب).

 وخبر الاحتجاج لا يفيد أزيد من الرجحان العامّ كما في غيره من غير خصوصيّة للأذان والإقامة أصلا.

وأمّا شهادة الأجلاّء بورود الأخبار فلا تجدي مع رميهم لها بالشذوذ أو الوضع.

وفيالشوارع (١) : أنّ الأصحاب بين محرِّم وغير محرِّم، مع ردّ كلّهم الأخبار الدالّة عليه بالشذوذ والوضع، وعدم حمل أحد منهم إيّاها على الاستحباب، مع أنّ عادتهم ذلك، وذكرهم مستحبات كثيرة له ولو بأخبار ضعاف وهجرهم

____________________

(١) لعلّه شوارع الأحكام للكلباسي صاحب الإشارات (م ١٢٦١) وليست نسخته عندنا.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595