أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 139747
تحميل: 10132

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139747 / تحميل: 10132
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

 والنهي عن المنكر، وطاعة الله، وطاعة رسوله، بل إنّ كل ما أتى به الرسول هو الفلاح وفيه الفوز والنجاح.

لأنّ رسول الله بَدَأَ دعوته بقوله: (قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا)، ثم جاءت النصوص الواحدة تلو الأُخرى معلنة بأن ما أتى به الرسول هو الفلاح كما في قوله تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) (١) ، و( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ) (٢) ، و( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) ، و( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٤) ، وقوله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٥) إلى غيرها من عشرات الآيات.

وعليه فالفلاح هو كُلُّ ما جاء به الرسول من فرائض أو سنن، وبذلك يكون معنى الحيعلة الثانية في الواقع، هو: هلمّوا إلى اتّباع الرسول وعدم الأخذ عن غيره.

ففيمعاني الأخبار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: لما أُسري برسول الله وحضرت الصلاة فأذَّن جبرئيلعليه‌السلام ، فلمّا قال: الله أكبر، الله أكبر، قالت الملائكة: الله أكبر، الله

____________________

(١) الأعلى: ١٤.

(٢) المؤمنون: ٢.

(٣) النور: ٥١.

(٤) البقرة: ٤، ٥.

(٥) الأعراف: ١٥٧.

٥٠١

أكبر، فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، قالت الملائكة: خلع الأنداد، فلما قال: أشهد أنّ محمداً رسول الله، قالت الملائكة: نبي بُعِث، فلما قال: حي على الصلاة، قالت الملائكة: حثّ على عبادة ربه، فلما قال حي على الفلاح قالت الملائكة: قد أفلح من اتّبعه(١) .

وفيالتوحيد عن الإمام الحسينعليه‌السلام عن أبيه الإمام عليعليه‌السلام في تفسير فصول الأذان: (حي على الفلاح) فانه يقول: سابقوا إلى ما دَعَوْتُكُم إليه وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسَنِيِّ النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار محمّد في مقعد صدق عند مليك مقتدر(٢) .

وفيالكافي عن علي بن إبراهيم، بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام في معنى قوله تعالى:( وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ) والذي مر قبل قليل قال: النور في هذا الموضع عليٌّ أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام (٣) .

وفيعلل الشرائع عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لعمر بن أُذينة: ما ترى هذه الناصبة في أذانهم إلى أن يقول فقال جبرئيل: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فقال جبرئيل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فقالت الملائكة: هي لشيعته أقاموها إلى يوم القيامة(٤) .

وجاء في النصوص الحديثية والتاريخية بأنّ الشيعة كانوا يُعرَفُون بكثرة صلاتهم، وأنّ القوم كانوا يتعرّفون عليهم من خلال الصلاة، وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال:... وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهّد

____________________

(١) معاني الأخبار: ٣٨٧ / باب معنى نوادر المعاني / ح ٢١.

(٢) التوحيد: ٢٣٨ - ٢٤١ / الباب ٣٤ / ح ١.

(٣) الكافي ١: ١٩٤ / باب أن الأئمةعليهم‌السلام نور الله / ح ٢.

(٤) علل الشرائع ٢: ٣١٢ - ٣١٥.

٥٠٢

للجيران من الفقراء...(١) .

وبهذا فقد اتّضح لنا معنى الحيعلتين الأُوليين، فالحيعلة الأُولى فيها إشارة إلى طاعة الله، والحيعلة الثانية إشارة إلى لزوم اتّباع سنة رسوله، فما معنى الحيعلة الثالثة إذن؟

مرّ عليك سابقاً ما جاء عن الأئمة: الباقر والصادق والكاظم بأنّ معناها الولاية، وأنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين القول بإمامة الإمام علي والقول بشرعية الحيعلة الثالثة، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة، بل هناك ترابط بين حذف الحيعلة ووضع (الصلاة خير من النوم) مكانه، فالذي يقول بشرعية (الصلاة خير من النوم) لا يرتضي القول بالحيعلة الثالثة، والعكس بالعكس.

وعليه فالمنظومة المعرفيّة في الأذان مترابطة كمال الارتباط، وإنّ بَتْرَ حلقة منها يخلّ بأصل المنظومة، وذلك للارتباط الوثيق بين الشهادات الثلاث ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢) ، و( أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٣) ، و( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وِالْمُؤمِنُونَ ) (٤) .

نعم، إنّ المشرع فيما هو محتمل ولظروف التقية اكتفى بالبيان الكنائي للولاية في الحيعلة الثالثة مع الإشارة إلى وجود الأهليّة والملاك لتشريعها كشهادة ثالثة وإن لم تشرّع على أنّها جزء بعد الشهادتين رحمة للعالمين. أو قل: شرعت في اللوح المحفوظ ولم تصلنا لأي سبب كان؛ التقية أو غيرها.

ومن هذا المجموع المنظّم نصل إلى أنّ أصول الإسلام بكامله متجسدة في

____________________

(١) صفات الشيعة، للصدوق: ١٢، والكافي ٢: ٧٤ / باب الطاعة والتقوى / ح ٣.

(٢) النساء: ٥٩.

(٣) الأنفال: ٤١.

(٤) التوبة: ١٠٥.

٥٠٣

الأذان، وإنّ تكرار الحيعلات توحي لنا بأنّ المراد من الأذان هو بيان كلّيات العقيدة، إذ النظرة البدوية الأوليّة تنبئُ عن أنّها دعوة للصلاة، ولكن بما بيّنّاه عرفنا أنّ الأمر أسمى من ذلك بكثير، وهو إشارة إلى الأصول الأساسية في الشريعة من التوحيد والنبوة والإمامة بنظر الإمامية ومن هنا تعرف معنى قول المعصوم: (إلى ها هنا التوحيد).

إذن، في الأذان معاني ومفاهيم كثيرة سامية تَلْحَظ بين أجزائها ارتباطاً فكرياً عقائدياً منسجماً يتكون من مجموع الشهادات الثلاث. أما الشهادتان الأولى والثانية فلا كلام فيهما. وأما الشهادة الثالثة، فلما مر في الدليل الكنائي وأنّ الإمام أراد حث عليها ودعا إليها بعامة، وفي الأذان بخاصة.

وهذا هو الذي دعانا للقول بأنّ هناك مناطاً صحيحاً لذكر الولاية في الأذان من باب الشعارية.

وقد مرّ في أخر الدليل الكنائي مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة خصوصاً في هذه الأزمنة مع إقرارنا بوجود معنى الولاية في الأذان من خلال جملة (حيّ على خير العمل) ولو أحببت راجع(١) .

التخريج الثالث: وجود المصلحة

قبل البحث في هذه المسألة لابد من القول بأنّ دعوى المصلحة لتأسيس حكم شرعي ليست صالحة في كل الفروض؛ فما لم يُقطع بوجود المصلحة قطعاً حقيقياً أو تعبدياً لا يجوز تأسيس حكم عليها ونسبته إلى الشارع؛ لأنّه حينئذٍ من التشريع المحرّم الذي يدور مدار الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئاً؛ وعلى هذا الأساس رفض مذهبنا العمل بالاستحسان، وكذلك الشافعي في قوله: (من

____________________

(١) صفحة ٢٢٣.

٥٠٤

استحسن فقد شرّع)(١) .

والتاريخ أنبأنا أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشريع الإسلامي عند بعض العامة اتباعاً لعمر وانقياداً لما فعل وإن استندوا عليه بآيات وروايات في حين أن تلك الآيات والروايات لا تصحح ما يقولون به، وعلى سبيل المثال فإنّ نافلة ليالي شهر رمضان قد صلاّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة فُرادى، لكنّ عمر استحسن أن تُصلّى جماعة واستقبح أن تكون فرادى، والأخبارُ الصحيحة في جامع البخاري وغيره جزمت بأنّ النبيّ خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا فنهاهمصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك(٢) ، لكن لمّا وصلت الخلافة إلى عمر أصرّ على الجماعة مستحسناً إيّاها حتى قال: نِعْمَ البدعة هذه(٣) ؛ فعمر قد استحسن ما قبّحه النبي، وقبّح ما جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي الحقيقة فهذه المرتبة أقبح مراتب البدعية في الدين؛ لوجود نهي نبوي في ذلك. بل حتى مع عدم وجود مثل هذا النهي، فالشريعة لا تجيز لنا الاستحسان ولا ما يسمّى بالمصالح المرسلة والرأي بنحو عامّ، لوجود نهيٍّ فوقانيّ قرآني يمنعنا من العمل بالظن لأنّه لا يغني من الحق شيئاً.

وفيما نحن فيه، فقد يقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة في الأذان هو تشريع قام على أساس الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الرأي...، ممّا هو باطل بأصل الشرع، بل إنّ بطلانه من ضروريات المعرفة الإسلامية المستقاة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

(١) المغني ٦: ١٥١، التقرير والتحبير ٣: ٢٩٦، أدب الطلب: ٢١١.

(٢) صحيح البخاري ١: ٣١٣ / ح ٨٨٢، ١: ٣٨٠ / ح ١٠٧٧، ٢: ٧٠٨ / ح ١٩٠٨، صحيح مسلم ١: ٥٢٤ / ح ٧٦١، مسند أحمد ٦: ١٦٩ / ح ٢٥٤٠١، ٦: ١٧٧ / ح ٢٥٤٨٥.

(٣) صحيح البخاري ٢: ٧٠٧ / ح ١٩٠٦، صحيح بن خزيمة ٢: ١٥٥ / ح ١١٠٠، الجمع بين الصحيحين ١: ١٣١ / ح ٥٧، من أفراد البخاري.

٥٠٥

وتقريب ذلك: أنّ الأذان أصوله معروفة، وأجزاؤه معدودة معينة، وروايات الأذان التي عليها العمل وإن اختلفت في عدد الفصول كما ذكر الشيخ الطوسي إلاّ أنّها متّفقة على عدم دخول الشهادة الثالثة في أجزائه، وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك لم يبق من مسوّغ للإتيان بها إلاّ المصلحة الظنية، وهو باطل؛ لما عرفنا من أنّ كلّ هذه العملية تدور مدار الظن غير الشرعي الذي لا يغني من الحقّ شيئاً. وبناء على ذلك لا يجوز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان !!

ويجاب عن ذلك بأنّ أصل الإشكال صحيح، لكنّه مجمل، إذ لم يفرق الإشكال بين الإدخالين الشّعاري والماهويّ، ومعنى ذلك أنّ الإدخال الماهوي قد قام على أساس المصلحة فيه، ويكفي أنّها ظنّية لتندرج فيما هو محرم؛ إذ ليست المصلحة هنا ناهضة لتشريع جزئية الشهادة الثالثة في الأذان وأنّها داخلة في ماهيته، وحتى مَن استقرب الجزئية من الأصحاب لم يقبل بنهوض هذه المصلحة للقول بالجزئية إلاّ أن يستدل على ذلك بشيء آخر غير المصلحة كالأخبار وغيرها، وهو أيضاً غير مقبول كما مرّ من قبل.

فتحصل أنّ دعوى وجود المصلحة في تشريع الشهادة الثالثة في الأذان على أنّها جزء منه وداخلة في ماهيته من الباطل بمكان؛ إذ لم يدّع أحد من الأصحاب ذلك اكتفاءً بالمصلحة الظنية، وقد يكفي هذا للقول بالبطلان.

إذا تمّ هذا نقول: هل تعدم المصلحة في ذكر الشهادة الثالثة ذكراً شعارياً؟

وهل أنّ التشريع الشعاري يقوم على أساس الاستحسان والمصالح المرسلة والرأي المحرَّم على غرار التشريع الماهوي آنف الذكر أَم لا؟

وقبل ذلك ما هي الأدلّة على وجود المصلحة الشعارية في الأذان للشهادة بالولاية؟

للجواب عن السؤال الثالث نقول: حسبنا الأدلة الصحيحة المارة، بل حسبنا حديث الغدير النبوي الظاهر في وجود المصلحة الشعارية للشهادة بالولاية؛

٥٠٦

فكلنا يعلم بأنّ النبي جمع كل المسلمين ممّن حضر معهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع أثناء عودته إلى المدينة وهم (١٢٠،٠٠٠) ألفاً، ثمّ رفع يد علي بن أبي طالب حتى بان بياض إبطيهماصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان الجوّ حاراً قاسياً ثم قال: (ألست أولى بكم من أنفسكم)؟ قالوا: بلى، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (اللّهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)(١) .

وهنا نتساءل: ما معنى أن يجمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين لإخبارهم بذلك؟ ولماذا يرفع بضبْع علي بن أبي طالب حتى يبين بياض إبطيهماعليه‌السلام ؟

أمّا كان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينتظر حتى يصل المدينة ويخبرهم بذلك بدل أن يجمعهم في ذلك الجوّ القاسي؟ وعدا هذا وذاك ما معنى أن تنزل آية قبل وصولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الغدير تتوعّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن لم يبلّغ ويعلن ويُشْهِدْ بولاية عليّ فإنّه ما بلّغ الرسالة التي ناءَ بكاهلها ثلاث وعشرين سنة؟ إذ ما معنى حصر نزول قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) بالتبليغ بولاية علي إعلاناً وإشهاداً بمحضر كلّ من كان مع النبي آنذاك؟

وما معنى نزول قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٣) بمجرّد أن بلّغ النبي المسلمين بولاية علي في

____________________

(١) مناقب الكوفي ٢: ٤١٥ / ح ٨٩٦، وروى المقدسي حديث الولاية هذا بطرق عدة وبأسانيد صحيحة وبعضها حسنة، انظر الأحاديث المختارة ٢: ٨٧، ١٠٥، ١٠٦، ٧٤/ ح ٣٨١، ٤٧٩، ٤٨٠، ٤٨١، ٥٥٣،و٣: ١٣٩، ١٥١، ٢٠٧، ٢٧٤/ ح ٩٣٧، ٩٤٨، ١٠٠٨، ١٠٧٨. ورواه الحاكم بسبعة طرق، انظر المستدرك ٣: ١١٨، ١١٩، ١٢٦: ١٤٣، ٤١٩، ٦١٣، وصحح الذهبي في ملخصه منها اثنان وسكت عن ثلاثة وضعف اثنان.

(٢) المائدة: ٦٧.

(٣) المائدة: ٣.

٥٠٧

غدير خم؟

بل ما معنى أن ينزل قوله تعالى:( سَأَلَ سَائِلُ بِعَذَاب وَاقِع ) (١) في الفهري الذي شكّك واعترض على عملية تبليغ النبي بولاية علي حتى ورد في الأخبار الصحيحة أنّ الله رماه بحجر بسبب اعتراضه؟ كل ذلك يلفت النظر إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لم يرض لنا دين الإسلام كما هو صريح آية إكمال الدين وإتمام النعمة إلاّ بولاية عليّ، فما معنى هذا؟

بل يظهر أنّ دين الإسلام طبق آية البلاغ ناقص لا يكمل إلاّ بالتبليغ بولاية علي والإعلان عنها، فما معنى كلّ ذلك؟

يستحيل أن يجاب عن هذه الأسئلة وعشرات غيرها من دون الجزم بوجود مصلحة قطعية في عملية التبليغ النبوية والقرآنية للولاية، كما يستحيل أن يجاب بوجود هذه المصلحة من دون الالتزام بأنّها ذات مصلحة شعارية؛ إذ هذا هو معنى الأمر بالتبليغ بها، بحبس الصحابة في ذلك الجو القاسي في غدير خم، وهذا هو معنى بروز بياض إبطي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رفع بضبعي عليّعليه‌السلام ، وهذا هو معنى أنّ الله لا يرتضي الإسلام من أحد من دون التبليغ بالولاية والإعلان عنها، وهذا معنى أنّ الدين كمل بالنظر لذلك، وأنّه ناقص لولا أنّ النبيّ بلّغ بها بأحسن وجه وأتمّ بيان في طول تبليغ الشريعة المقدّسة.

إنّ كل هذا يكشف عن وجود مصلحة شعارية قطعية، لا شك فيها ولا شبهة، ناهضة للفتوى باستحباب أو جواز ذكر الشهادة بالولاية مع الأذان ومع غيره بشرط عدم المانع الشرعي؛ من منطلق الجزم بوجودها يوم الغدير، ومن منطلق أنّ الله لا يرتضي إسلام المسلم كاملاً من دونها، بل من منطلق التبليغ بها والإعلان عنها أسوة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير؛ ولا ريب في أنّ التأسي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في عملية

____________________

(١) المعارج: ١.

٥٠٨

التبليغ بالولاية انطلاقاً من وجود المصلحة من أعظم الأعمال وأشرف الطاعات.

مع ملاحظة أنّ التأسي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما نحن فيه إنّما هو التأسي الشعاري بدليل وجود المصلحة المقطوع بها، على ما تبيّن من محبوبية الإعلان والتبليغ والإشهاد بالولاية، وليس هو التأسي بهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأحكام والماهيّات العبادية المنصوص عليها بأدلّة خاصّة؛ إذ يكفي لإثبات التأسي الشعاري أمثال نص الغدير، وموثّقة سنان بن طريف، وحسنة ابن أبي عمير، وأضراب ذلك من الروايات.

وبهذا يندفع الإشكال القائل: بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤذّن بالشهادة الثالثة في الأذان، فعلينا التأسي بهصلى‌الله‌عليه‌وآله وترك الشهادة الثالثة في الأذان !!

نعم، هذا صحيح إذا أتينا بالشهادة الثالثة في الأذان على نحو الجزئية فلكم القول بلزوم تركه تأسّياً برسول الله. أمّا فيما نحن فيه، فإنّا نتأسى بالرسول شعارياً لأنّه أكد عليها وأجازها وإن لم يأت بها، فلا ينبغي خلط هذا بذاك.

أضف إلى ذلك ما قد ثبت في النصوص الصحيحة التي رواها الفريقان من أنّ النبي كان يمتنع من التعبّد ببعض المباحات، بل ببعض المستحبات خوفاً على الأمّة من الفتنة أو خوفاً من أن يؤاخذ الله الأمّة بذلك، فعلى سبيل المثال ترك النبي صلاة نافلة شهر رمضان في مسجده الشريف خوفاً عليهم من أن تفرض، ومن هذا القبيل ما مر عليك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية. فقد تركصلى‌الله‌عليه‌وآله إرجاع مقام إبراهيم إلى البيت خوفاً من الاختلاف وعدم قبولهم حكمه.

والحاصل: فكما أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ بولاية علي وإمامته يوم غدير خمّ، وترك النصّ عليها في رزيّة يوم الخميس خوفاً على الأمّة من الهلاك والسقوط، فهذا بعينه يجري فيما نحن فيه حذو القذة بالقذة؛ فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أشهد الصحابة في غدير خمّ بولاية عليّ وأعلن عنها وبلغ بها، لكنّه لم يؤذِّن بها شعاريّاً لنفس المانع من النص بها في رزية يوم الخميس، لأنّه لو أذّن بها لاستظهر منها الوجوب وعدم عملهم يدعو إلى الهلاك والسقوط، وقد استمرّ عدم تأذين الأئمة لنفس الشروط

٥٠٩

والظروف والأسباب، فالأئمة وقبلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اكتفوا بالتأكيد على ولاية علي وأنّها شعار يجب الأخذ به في كلّ الأمور.

وبهذا يتضح جواب إشكال القائل بضرورة التأسي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما لم يفعله؛ أي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤذّن بالشهادة الثالثة وينبغي على المسلمين اتّباعه؛ ولنضيف على ذلك أموراً أخرى:

أولاً: بأنّه ليس كلّ ما ترك فعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان واجبَ الترك؛ فهناك ما هو جائز الترك أيضاً، وما كان كذلك يجوز الإتيان به؛ لأنّ سبيله سبيل المباحات كما هو معلوم، والأمثلة على ذلك لا تحصى، ولقد تقدّم أنّ النبي ترك التنفّل جماعةُ في بعض ليالي شهر رمضان كما في صحيح البخاري خشيةً على الأمة من الهلاك، وليس معنى ذلك إسقاط النافلة من التشريع بالإجماع.

وثانياً: إنّ ترك النبي للشهادة الثالثة في الأذان تجري مجرى العلّة التي دفعت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن لا يكتب كتابه في عليّ في رزية يوم الخميس، إذ نصصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: (قوموا عنّي لا ينبغي عند نبي تنازع)، وهي خاصة بشأنه المقدس فيما يلوح من النص (عند نبي تنازع).

وكلّنا يعلم بأنّ النبي قد ترك قتل من حاول اغتياله ليلة العقبة خوفاً على الأمة من الهلاك، مع أنّ الشرع جازم باستحقاقهم القتل، وكذلك الفرار من الزحف في يوم أحد؛ فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك معاقبتهم؛ مع أنّهم يستحقونها بالإجماع، وعلة الترك هي الحفاظ على بيضة الدين، ترك الإتيان بهذا مع التنبيه على أنّ سكوته حجّة في التأسي به في عدم التأذين بالشهادة الثالثة من باب أنّها جزء فقط، أمّا غير ذلك فلا، أي أن سكوته وتركه لها ينفي جزئيتها لا مشروعيتها ومحبوبيتها، كما سيتوضح في النقطة الآتية.

وثالثاً: لا يستقيم الإشكال من الأساس؛ فليس معيار التأسي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ترك العمل بشعارية الشهادة الثالثة في خصوص الأذان؛ ولا أنّه ترك التبليغ بولاية علي

٥١٠

في رزية يوم الخميس؛ إذ الأصل ليس هذا بعد الجزم بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ بولاية علي وأشهد الناس عليها يوم غدير خم؛ فالمعيار هو أصل التبليغ والإعلان والإشهاد؛ وهذا قد حصل قطعاً وجزماً، والقطع بوجود الملاك والمصلحة بذلك التبليغ والإشهاد حاصل لكل المسلمين بلا شبهة ولا كلام وإلاّ استلزم لغويّة ما فعله النبيّ ولا يقول به مسلمٌ.

والحاصل: فنحن نتأسى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل التبليغ والإشهاد والإعلان مما هو معلوم بالضرورة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونشهد بالولاية لعلي مع الأذان لا على أنّها جزءاً بل لأنّها محبوبة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وخصوصاً مع عدم ورود نهي خاص فيها عن المعصومين للقول بها في الأذان.

رابعاً: يمكن القول بأنّ النبيّ خارج عن دائرة الإشهاد بها في الأذان تخصّصاً لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكد بأن الولاية لعلي تكون من بعده، ومعناه لا ولاية لعلي في عهده، لأنه النبي والإمام، وخصوصاً مع علمنا بأن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان فلا ضرورة لذكرها والإجهار بها في عهد رسول الله.

نعم، هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أوضح لنا بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان وغيره شعار يجب التمسك به والحفاظ عليه؛ فقوله الشريف: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) يشير إلى أنّ الخطّ المحمديّ الأصيل سيستمر بعليّ عقيدة وشعاراً، بشهادة ما جاء في مصحف ابن مسعود( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) بعلي ابن أبي طالب صهرك(١) .

ولا يخفى أنّ أبرز مصاديق رفع الذكر في العبادات الإسلامية، خطبة الجمعة، والتشهد، والأذان، كما أثر عن ابن عباس وغيره، وعلى هذا الأساس لا يستبعد أن تكون الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان من باب الشعارية لها مصلحة قطعية، وخصوصاً بعد أن وقفنا على أنّ ربَّ العالمين أشهد الملائكة على هذه الشهادة،

____________________

(١) الروضة في الفضائل: ١٦٨، فضائل لابن شاذان: ١٥١.

٥١١

ووجود اسمهعليه‌السلام على ساق العرش، والكرسي، وعلى جبهة إسرافيل، وغيرها من الأمور التي جاءت في مرسلة القاسم بن معاوية، كلّ هذه الأمور تؤكّد وجود مصلحة للإجهار بها مع الأذان من باب الشعارية، إذ لو لم يكن هناك مصلحة قطعية فيها لما دعا الإمام الكاظم إلى الحثّ عليها والدعوة إليها.

فالإمام في كلامه أشار إلى أهداف الذي حذف الحيعلة الثالثة، داعياً إلى الحث عليها، منوهاً في إمكان الاستفادة منه في الأزمان المتأخرة وخصوصاً في هذه الأزمان والتي تكالبت عليناً الأعداء بالتهم والافتراءات، لأن أعدائنا رمونا بتأليه الإمام علي، أو اعتقادنا بخيانة الأمين جبرئيل في إنزال الوحي، فكل هذه الأمور تدعونا للجهر بالولاية لعلي دفعاً لاتهامات المتهمين وافتراءات المفترين، ولما في ذكر علي من مصلحة قطعية.

وعليه فالأذان ليس إعلاماً للصلاة ودخول الوقت فقط، بل هو كذلك شعار وعلامة لحقائق الإسلام والإيمان، كما جاء في معنى (حي على خير العمل)، وما جاء في رواية سنان بن طريف بأن الله أمر منادياً أن ينادي، وفي الروايات القائلة بأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بالولاية، وما جاء في علي أنّه الأذان يوم الحج الأكبر وغيرها؛ فقد روى حكيم بن جبير، عن علي بن الحسينعليه‌السلام في قوله تعالى( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) قال: الأذان أمير المؤمنين(١) .

وفي رواية أخرى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله سمّى عليّاً من السماء أَذاناً، لأنّه الذي أدّى عن رسول الله براءةَ: أنّه اسم نَحَلَهُ الله من السماء إلى عليّ(٢) .

وجاء عن عليعليه‌السلام أنّه قال: وكنت أنا الأذان في الناس(٣) ، وفي آخر: أنا

____________________

(١) تفسير القمّي ١: ٢٨٢.

(٢) انظر معاني الأخبار: ٢٩٨ / باب معنى الأذان من الله ورسوله، ح ٢.

(٣) علل الشرائع ٢: ٤٤٢ / الباب ١٨٨، ح ١.

٥١٢

المؤذّن في الدنيا والآخرة(١) .

إذن، فالإمام علي هو عين الدين والإعلام الحقيقي له، كما أنّه هو نفس الرّسول في آية المباهلة( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ونرى هذه العينية تنطبق في إبلاغ سورة براءة، فقد قال رسول الله لأبي بكر حينما سأله عن سرّ إرجاعه عن تبليغ سورة براءة بقوله: إنّ الوحي نزل أن لا يبلّغ هذه السورة إلاّ أنت أو رجل منك(٢) .

وبذلك فقد عرفنا من كلّ ما تقدم وجود فصل ثابت في الأذان دالّ على الولاية، وهو الحيعلة الثالثة، وعمر بن الخطاب سعى لحذفه مما دعا الإمام الكاظم على لزوم الحثّ على الولاية والدعوة إليها، أي أنّ الدعوة جاءت للحفاظ على السنّة النبوية في الحيعلة مع بيان مفاهيمها، بأن معنى الولاية كان موجوداً في الأذان ومنه تشريعه في الإسراء والمعراج بصورته الكنائية (حي على خير العمل) وأن التأكيد على الحث عليها كان مما يريده الإمام الصادق كذلك، ولأجل ذلك ترى أتباع ابني الإمام الصادق أي أتباع الإمام الكاظم وهم نحن، وأتباع إسماعيل بن الصادق وهم الإسماعيلية كانوا يؤذنون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها.

وكذا أن فتح معنى الحيعلة كان مرضياً للإمام الباقر والإمام السجاد، ذلك لأن الزيدية تجيز فتح معنى الحيعلة الثالثة وقد صرح الإمام السجاد بأن جملة (حيّ على خير العمل) كان في الأذان الأول، ومن كل هذا السير التاريخي تعرف معنى تشجيع الإمام علي للقائل بالحيعلة الثالثة: (أهلاً بالقائل عدلاً) كل ذلك تعريضاً بعمر الذي حذفها.

وعليه فالنهج الحاكم كان في تضاد مع كل ما يمت إلى أهل البيت بصلة وهذا يدعونا إلى مطلوبية الإصرار والإجهار بها في هذه الأزمنة لكي يُمَيَّزَ بها المؤمن

____________________

(١) معاني الأخبار: ٥٩، في خطبة خطبهاعليه‌السلام في الكوفة بعد منصرفه في النهروان.

(٢) انظر الخصال: ٣٦٩، ٥٥٨، ٥٧٨، المسترشد: ٣٠٢.

٥١٣

عن غيره، وهذه النقطة هي التي دعتنا إلى إفراد هذا التخريج عن سابقه؛ وهذا التخريج ناظر للخارج والعناوين الثانوية، دون التخريج الثاني الناظر للعنوان الأولي والجزم بوجود الملاك بحسب التلازم بين الشهادات الثلاث الوارد في الأخبار المتواترة معنى فهذا في طول ذلك؛ والغرض منه تأكيد المحبوبية والمطلوبية.

التخريج الرابع: دفع المفسدة

قد يلحق صناعياً مثل هذا التخريج بالتخريج الثالث الآنف؛ باعتبار أنّ البحث يدور مدار الملاك وعدمه، وإنّما أفردنا له عنواناً خاصاً بعناية دفع المفسدة علاوة وجود الملاك والمصلحة، فلقد تقدّم وجود ملاك سماوي في عملية التبليغ والإشهاد بالولاية من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومثل هذا ناهض لجواز التبليغ بها شعارياً، بأيّ طريقة كانت وبأي صيغة، في الأذان وفي غيره.

لكنّ هناك أمراً آخر، وهو دفع المفسدة عن الدين وأهله شعارياً؛ وأصل ذلك ثابت في القرآن الكريم وسنة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبلا تطويل حسبنا بعض آيات الكتاب العزيز تدليلاً على هذه المسألة، فلقد ذكر القرآن الكريم عن الأنبياء (سلام الله عليهم) بأنّهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وبالطبع فإنّه لا معنى لاِن يدرج مثل هذا الكلام في كتاب مقدس مثل القرآن إلاّ لغرض واحد هو إيقاف الأمم على حقيقة أنّ الأنبياء مهما علت درجاتهم وتقدّست مادّتهم وطهرت أنفسهم فهم ليسوا إلاّ بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ كناية عن ما يلازم البشرية من لوازم المادة؛ لينفي الله عنهم شبهة الألوهية واحتمال الربانية أو الملائكية أو غيرها من التوهمات المخرجة لهم عن مجرّد البشرية؛ ولقد أخبرنا التاريخ أنّ بعض البشر وهم كثير قد يقعون في براثن هذه الشبهة بقصد وبغير قصد، والقرآن والأنبياء وقفوا بالمرصاد لذلك؛ حفظاً للحدود المقدّسة بين الربوبية

٥١٤

والعبودية.

وهذا هو الذي يفسّر لنا ما دفع بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن يقول في شأن عليعليه‌السلام : (هلك فيك اثنان، محبّ مفرط ومبغض قال)، فالمبغض القال هو الناصبّي الذي يضمر العداء والبغض لمن أمر الله بمودّتهم من أهل البيت الذي طهرهم الله من الرجس تطهيراً.

والمحب المفرط بمقتضى الحديث لا يقل خطورة على الدين وأهله من الناصبّي؛ فالمحبّ المفرط هو الذي يعطي مقاماً لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لا يرتضيه الله ورسوله ووليّه وبقية أهل العصمةعليهم‌السلام ، ولقد ذكر لنا التاريخ أنّ هناك مَن أَلَّه عليّاًعليه‌السلام ففتقوا في الدين فتقاً أثّر كثيراً في مسيرة الدين الإسلامي الصحيح؛ الأمر الذي حدا بالنّواصب لأن يصطادوا في الماء العكر ويتّهموا أهل الحق من شيعة أمير المؤمنين بأنّهم ليسوا من الإسلام والقرآن في شيء، وأنّهم مشركون وكفرة، وأنّ جبرائيل (سلام الله عليه) خان الأمانة، إلى غير ذلك من التّهم والتُرَّهات التي ما زالت تلاك في ألسنة بقايا النواصب وذراري أعداء أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين).

وبذلك نكاد نقطع بأنّ ثبات الشيعة على مرّ العصور على صيغة: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) أو (حجّة الله) دون صيغ الشعارية الأخرى التي من قبيل (محمد وآل محمد خير البريّة) جاءت لدفع المفسدة عن مذهبهم الحق، ولكي لا يُرموا بالغلو والتفويض، وإشارة إلى أنّ عليّاً مهما بلغ من الفضيلة والقدسيّة فلا يعدو (صلوات الله عليه) كونه حجّة الله وولي الله وأشرف عبيد الله من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هاتين الصيغتين أصرح وأوضح للدلالة على الولاية من غيرهما.

وهذا معناه أنّ شعارية الشهادة الثالثة لا تقف على القطع بوجود المصلحة في عملية التبليغ بها كما تواتر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط، بل أيضاً على القطع بدفع مفسدة شبهة الألوهية الملقاة على عاتق الشيعة من قبل النواصب وأعداء أهل البيتعليهم‌السلام

٥١٥

زوراً وبَهْتاً.

وأن الشيعة استحباباً تأتي بالشهادة الثالثة بعنوانها الثانوي، أي لردّ هجمات الخصوم عليها ولكونه كلاماً حقاً وشعاراً مطلوباً ومحبوباً للشارع مؤكدة بعدم جواز الإتيان بها بقصد الجزئية.

وليس من الاعتباط في شيء أن نحتمل قويّاً أنّ أغلب الشيعة قد ثبتوا على صيغة (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) دون غيرها من الصيغ لوردوها في الأحاديث المتواترة في غير الأذان، مراعين ذكر ترتيبها بعد الشهادتين، كما جاءت في الأخبار، ولإِعلام الآخرين أنّهم يعتقدون بأن الله هو الواحد الأحد ولا إله غيره، وأنّ نبيّه ورسوله هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. كلّ ذلك لدفع هذه الشبهة وهذه المفسدة، ولو تأملّنا قليلاً في الأمر أكثر، لوجدنا أنّ إصرار الشيعة على هذه الصيغة بالخصوص لم يكن منشؤه النواصب وأعداء أهل البيتعليهم‌السلام فقط، بل كان هناك أيضاً المفوّضة لعنهم الله الذين أعطوا للأئمةعليهم‌السلام صفات خاصّة فوق حدهم تمسّ بمقام الربوّبية.

ولا بأس بالتنويه هنا إلى أنّ فقهاء العامة قد قبلوا من عمر بن الخطاب زيادة (الصلاة خير من النوم) في الأذان بدعوى دفع مفسدة ترك صلاة الفجر بسبب النوم ولكونه شعاراً لتعظيم حق الصلاة، وقد يتخيل لذلك وجه شرعيّ بنظرهم أو بنظر الباحث الموضوعي؟ لكنّ السبب الذي جعله يخترعها مما لا يمكن قبوله، وكيفية الجعل أيضاً تنافي وتجافي الدليل؛ لأنّه جعلها جزءاً داخلاً في ماهية الأذان، وهذا أوّل البدعة هذاأوّلاً .

وثانياً: إنّه حذف صيغة (حيّ على خير العمل) من الأذان بعد ثبوتها على عهد رسول الله وتأذين الصحابة بها وهذه بدعة ثانية.

وعلى هذا لا يصح أن يقال من أنّ هذا الفعل هو كفعل عمر، ومقايسة الشهادة الثالثة في الأذان بما فعله عمر من حذف الحيعلة الثالثة وإدخال (الصلاة خير من

٥١٦

النوم)، فنحن لم ندخلها في ماهية الأذان، بل نؤكد على جواز الإتيان بها شعارياً، أي عدم الضير بالقول بها مع الأذان.

نعم، قد نؤكد على مطلوبية الإتيان؛ لكثرة هجمات الخصوم علينا، وفقهائنا قد أكدوا على عدم جزئية الشهادة الثالثة ولم يعدوه ضمن الفصول الثابتة، ولو راجعت رسائلهم العملية لرأيت الأذان ثمانية عشر فصلاً والإقامة سبعة عشر فصلاً عندهم، وليس في هذه الفصول الشهادة بالولاية لعلي، وهو خير دليل على نفيهم للجزئية، وبعد هذا فلا يصح نسبة الابتداع إلى الشيعة في الأذان لأنهم يؤكدون على نفي جزئيتها لكنهم في الوقت نفسه يسمحون للقول بها ويؤكدون على مطلوبيتها بعنوانها الثانوي من باب الشعارية وأمثالها من التخاريج الفقهية.

كان هذا مجمل ما أردنا بيانه بهذا الصدد، وقد سعينا أن لا نخرج عن قول المشهور الأعظم من أصحابنا، رافعين خلال ما نكتبه التساؤلات والشبهات المطروحة عنه، غير مدّعين بأنّا قد وفّينا البحث حقه؛ بل اعتقادنا هو أنّ مبحثاً حساساً ومهماً كهذا يحتاج إلى جهد أكثر مما قدمناه، تاركين تكميله وتطويره لإخواننا الأساتذة والفضلاء، سائلين المولى سبحانه أن يتقبّل هذا القليل ويجعله في حسناتي، مكفّراً به عن سَيِّئاتي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وقد وقع الفراغ منه في يوم السبت ٣ جمادى الآخرة ١٤٢٩ هـ

 يوم شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء

 مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام / إيران

٥١٧

٥١٨

الخلاصة:

بدأنا الحديث في هذا الفصل عن معنى الشّعاريّة لغة واصطلاحاً، ووجوب الحفاظ على الشعائر لأنّها طاعة لله ولرسوله، وفيها أثبتنا أنّ الولاية لعلي من أسمى الشعائر الإيمانية، لأنّ الله أمر منادياً أن ينادي بالشهادة الثالثة، ولم يكتفِ سبحانه وتعالى بالمناداة بالشهادتين حتّى ثلَّثهما، وأنّ النداء بهذا في ذلك العالم قبل عالم التكليف ليشير إلى أهمية هذا الموضوع عنده سبحانه بحيث يريده أن يصَبح شعاراً ومعلماً له في عالم الدنيا.

إنّ هذه الرواية وغيرها كانت من أدلتنا على كون الشهادة لعلي من شعائر الإيمان وأنّها محبوبة عند الشارع، ثم تساءلنا عن مدى إمكان ذكر هذه الشعيرة الإيمانية في أمر عبادي كالأذان، موضحين من خلاله كلام السيّدين الحكيم والخوئي (رحمهما الله تعالى)، وأنّ هناك أربعة تخاريج استند على أساسها الفقهاء للقول بالجواز، أو استحباب التأذين بالشهادة الثالثة من باب الشّعاريّة، علاوة على التخاريج الآنفة في الفصول السابقة، والتخاريج الأربع هي:

١ - أصالة الجواز: بعد ثبوت وجود ملاك النداء والإعلان بالشهادة الثالثة في ذلك العالم، وجواز الحثّ عليها والدعوة إليها من قبل الإمام الكاظمعليه‌السلام في عالم الدنيا، ومع ورود شواذّ الأخبار من قبل الأئمة في الشهادة بالولاية، وعدم علمنا سبب ترك الأصحاب لها وقد يكون تقية، فإنّ أصالة الجواز ناهضة للقول بجواز الإتيان بالشهادة الثالثة حسبما وضّحناه سابقاً، خصوصاً لو كان ذكرنا لها شعارياً لا ماهوياً وجزئياً.

٢ - تنقيح المناط والقطع بالملاك: وهذا التخريج مبنيٌّ على عدم وصول النوبة إلى الأصول العملية كأصالة الجواز وغيرها، إذ نقطع بوجود مصلحة للشهادة بها

٥١٩

والنداء لها، كما هو ظاهر صحيحة أبي الربيع القزاز، وموثقة سنان بن طريف، وحسنة ابن أبي عمير، وهذا كاف لجواز الإتيان بها من دون قصد الجزئية خصوصاً في هذه الأزمنة، بتقريب: أنّ الملاك ناهض لتأسيس حكم حتى لو لم يرد ذكره في الشرع إذا قطع بوجوده حقيقة أو تعبداً والحكم حينئذ حجّة، كالحجية المستفادة من الملازمات والمفاهيم والأولويّة؛ فإذا قطعنا بوجود الملاك بالنداء حينما خلق الله السماوات، ويوم الميثاق، ويوم غدير خم وغيرها، أمكن الجزم بعدم البأس بالإتيان بها في العبادات مع عدم المانع، ولا يوجد مانع إلاّ التوقيفية، وهو خاصّ بالإتيان الماهويّ لا الشعاريّ.

٣ - وجود المصلحة: والفرق بين هذا التخريج وما قبله هو أنّ الثاني اعتمد على الملاك المنتزع من النصوص المتواترة والحقائق الشرعية الثابتة، وهذا التخريج الثالث ابتنى علاوة على ما سبق على البعد التاريخي ولحاظ شرائط الزمان والمكان والمصلحة المستفادة من الشعارية، ولأجل ذلك قيّد السيّد الحكيم فتواه:(بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيع فيكون من هذه الجهة راجحاً) ، ونحوه جاء كلام السيّد الخوئي الذي جمع بين التخريجين الثاني والثالث.

٤ - دفع المفسدة: وهذا التخريج قد يدخل ضمن ما سبق، وإنّما أفردناه بعنوان مستقل، لأنّ المصلحةَ غير المفسدة، وبما أنّ خصومنا يتّهموننا بأُلوهية الإمام عليّ، وقولنا بخيانة الأمين جبرئيل، فعلينا ودفعاً لكلّ هذه الأكاذيب أن نجهر بأصواتنا ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) بعد الشهادتين بالتوحيد لله وبالرسالة لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كي نؤكّد بأن الإمام عليّاًعليه‌السلام ما هو عندنا إلاّ ولياً لله، نتّخذه شعاراً لبيان توحيدنا لربّ العالمين، والإشادة برسوله الأمين، وأنّ عليّاً وأولاده المعصومين ما هم إلاّ حجج رب العالمين، نقول بذلك إعلاءً لذكرهم الذي جدّ القوم لطمسه وحذفه من الأذان.

٥٢٠