الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 191544
تحميل: 6436


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191544 / تحميل: 6436
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهذا قضاء إلهي لآباء الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما قال هوعليه‌السلام :( وأما علّة ما وقع من الغيبة ، فإن الله عزّ وجل يقول : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) ، إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ) (٢) .

فالإمام المهديعليه‌السلام لكونه معدّاً سلفاً من قِبل الله تعالى ، ومرصوداً لإبادة الظلم والظالمين ، فإذا كانت في عنقه بيعة ، فكيف يقاتلهم ؟

وإذا بادرهم بالقتال بدل الغيبة مع عدم توفّر شرائط القيام والمواجهة مع الطواغيت ، فسيؤدّي ذلك إلى عدم الوصول لهدفه المرصود له ، ولذا وردت الروايات من الفريقين تقرّر هذا المعنى :

١ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :( إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ؛ فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه ) (٣) .

٢ ـ ما أخرجه الأربلي عن الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام قال :( أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، إلاّ الإمام القائم ، الذي يصلّي روح

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ١٠١ .

(٢) الغيبة ، الطوسي : ص ٢٩٢ ؛ كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٣ ص ٣٤٠ .

(٣) كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ص ٣٠٣ .

١٨١

الله عيسى بن مريم عليه‌السلام خلفه ، فإنّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ، ويغيب شخصه ؛ لئلاّ يكون في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيّدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته ) (١) .

٣ ـ ما أخرجه أيضاً عن الإمام الحسينعليه‌السلام :( القائم منّا ، يخفى عن الناس ولادته ، حتى يقولوا لم يولد بعد ، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة ) (٢) .

٤ ـ عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام :( القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا : لم يولد بعد ، ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة ) (٣) .

٥ ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام :( يقوم القائم وليس لأحد في عنقه بيعة ) (٤) .

٦ ـ عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال :( كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي ، كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : وَلِمَ ذاك يا بن رسول الله ؟ قالعليه‌السلام :لأنّ إمامهم يغيب عنهم ، فقلت وَلِمَ ؟ قالعليه‌السلام :لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف ) (٥) .

مضافاً إلى أنّ وجود الإمامعليه‌السلام ، مع غيبته له الأثر البالغ في إثارة الخوف والرعب في صفوف الظالمين ، وهذا ما نلمسه ونشاهده بالوجدان في تصريحات كبار المسؤولين في دول العالم كأمريكا وغيرها من دول الغرب ، من تخوّفهم من ظهور رجل من حضارة بابل يقضي عليهم ؛ لذا نجد أنّهم حشّدوا قواهم لمواجهته .

ـــــــــــــ

(١) كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٣ ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٣ ص ٣٢٩ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٣ ص ٣٢٣ .

(٤) الإمامة والتبصرة ، ابن بابويه القمّي : ص ١١٦ ؛ الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٣٤٢ .

(٥) علل الشرائع ، الصدوق : ج ١ ص ٢٤٥ ، عيون أخبار الرضا ، الصدوق : ج ٢ ص ٢٤٧ ، بحار الأنوار : ج ٥١ ص ١٥٢ .

١٨٢

سابعاً : الغيبة سرٌّ الهي

في البداية نقول : ما كل ما يعلم يقال : ولا كل ما يقال حان وقته ، ولا كل ما حان وقته حضر أهله .

ومن هنا ينبغي علينا عدم إغفال الجانب الغيبي في الدين ، إذ إنّ الكثير من الأمور لم يطلعنا الله تعالى على حكمتها والغاية منها ، فليس كل ما يفعله الله تعالى نستطيع أن نعرف وجه الحكمة من ورائه ، وإلاّ فما هي الحكمة في حياة نبيّين رفعهما الله تعالى إليه ؟ وما الحكمة من حياة نبيّين يسيران في الأرض ؟ وما الحكمة من نزول عيسىعليه‌السلام مع المهديعليه‌السلام ؟ ولماذا لا يخبرنا القرآن بذلك ؟

فالغيبة سرّ على حدّ أسرار الغيب ، التي لا يكشفها الله تعالى إلاّ لمَن ارتضى من أوليائه ، ويبقى الأمر الذي خفيت الحكمة من ورائه مثاراً للتعجّب والاستغراب ، فهذا موسىعليه‌السلام ، وهو نبي من أنبياء الله تعالى ، كان يظهر التعجّب من عمل الخضرعليه‌السلام ، فكيف بمَن هو مثلنا ، نحن القاصرون عن إدراك كنه الحقائق ، ثم نأتي لنجادل فيها ؟!

هذا وقد تضافرت الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام في أنّ للغيبة حكمة لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، ومَن ارتضى من أوليائه .

فقد جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها ، فسأله

١٨٣

سدير : وَلِمَ ذاك يا بن رسول الله ؟ قالعليه‌السلام :إن الله عزّ وجلّ أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم‌السلام في غيباتهم ، وأنّه لابد له يا سدير من استيفاء عدد غيباتهم ، قال تعالى : ( لَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ ) (١) ،(٢) .

ثم إنّه مع الإيمان بضرورة الإمامة ، والاعتقاد بأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، بمقتضى الأدلّة الثابتة في محلّها ، من الآيات والأحاديث ، لا يبقى مجال للتساؤل ، والتشكيك في وجود الإمام ؛ لكونه غائباً .

فلعلّ في عدم الوقوف على العلّة الأساسية من الغيبة ، سر من أسرار غيب الله تعالى ، لم يطلعنا عليه ، لا سيّما مع إنباء وتصريح الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، كما مرّ ذكره في رواية جابر ، ورواية ابن عباس وغيرها ، وفي رواية أخرى لجابر : قال : قال رسول الله :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقا ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملؤها عدلاً ، كما ملئت جوراً ) (٣) .

وذلك فضلاً عن الروايات المتواترة عن أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، التي جاء فيها ذكر الغيبة ، وقد تقدم ذكر بعضها سابقاً .

وكذا تقدم في بعض الروايات عدم اشتراط كون الحجّة والإمام ظاهراً ، كما ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله : ( اللّهمّ كلاّ ! لا تخلوا الأرض من قائم بحق ، إما ظاهر مشهور ، وإمّا خائب(٤) ، مغمور ، لئلاّ يبطل حجج الله عزّ وجلّ ،

ـــــــــــــ

(١) الانشقاق : ١٩ .

(٢) علل الشرائع ، الصدوق : ج ١ ص ٢٤٥ ؛ كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ص ٤٨٠ ـ ٤٨١ .

(٣) كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٣ ص ٣٢٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٨٦.

(٤) ولعلّ الصحيح كما في كثير من المصادر (خائف) .

١٨٤

وبيّناته )(١) .

وعنهعليه‌السلام قال :اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة إمّا ظاهر مستور ، وإما خائف مغمور ، لأن لا تبطل حجج الله وبيّناته (٢) .

هذا وقد تتضح الحكمة حينما يأتي الوقت المناسب لها ، ولذا نجد أنّ الخضرعليه‌السلام يقول لموسىعليه‌السلام لو صبرت لاتضحت الحكمة .

وقال الله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (٣) .

إذن بعد أن قامت لدينا الأدلّة القاطعة على ضرورة وجود حجّة الله في الأرض ، وآمنّا بأنّه الإمام المهدي الحجّة ابن الحسن العسكري ، وأنّه مولود وقد طوّل الله عمره الشريف بحكمته ، فإنّ النتيجة الحتمية هي الإيمان بغيبته الطويلة ، فإنّ الإمام إمام قام أو قعد ، غاب أو ظهر ، وسواء اطّلعنا على سرّ من أسرار غيبته أم لم نطلع ، ولا غرابة في ذلك بعد أن كانت حياة الأمّة وحركة البشرية حافلة بالأمور التي خفيت علينا أسبابها ، وغابت عنا حكمتها .

ـــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ، ص ٢٠٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٠ ص ٢٦٣ ، ( أخرجها عن ابن الأنباري في المصاحف ، والمرهبي في العلم ، ونصر في الحجّة ) ؛ المعيار والموازنة ، أبو جعفر الإسكافي : ص ٨١ ؛ مناقب أمير المؤمنين ، محمد بن سليمان القاضي: ج ٢ ص ٢٧٥ ؛ دستور معالم الحكم ، ابن سلامة : ص ٨٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ، وانظر كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٠ ص ٢٦٣ ، ( أخرجها عن ابن الأنباري في المصاحف ، والمرهبي في العلم ، ونصر في الحجّة ) ؛ مناقب أمير المؤمنين ، محمد بن سليمان القاضي : ج ٢ ص ٢٧٥ ؛ وانظر دستور معالم الحكم ، ابن سلامة : ص ٨٤ ؛ وانظر ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٤٥٤ .

(٣) المائدة : ١٠١ .

١٨٥

دعوى المهدوية والسفارة

في خاتمة هذا البحث نود إلقاء الضوء على ظاهرة ادعاء المهدوية والسفارة عن الإمام المهديعليه‌السلام كذباً وزوراً ، مستغلّين السذاجة والبساطة وغياب الوعي الديني الذي يعيشها بعض الناس ، مستخدمين في ذلك شتى الوسائل الشيطانية ، من قبيل السحر والشعوذة وتسخير الجن ونحوها ، مضافاً إلى ما يتلقّاه هؤلاء المدّعين للمهدوية والسفارة من دعم كبير من السياسات الاستعمارية ، التي جهدت إلى بروز وانتشار هذه الدعوات .

مدّعي المهدوية والسفارة في التاريخ الإسلامي

ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عدد ممّن ادعوا النيابة والسفارة الخاصة للإمام المهديعليه‌السلام كذباً ، منهم :

١ ـ الرجل المعروف بالشريعي

حيث قال : ( كان الشريعي يكنّى بأبي محمد وكان من أصحاب الإمام أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام وهو أول مَن ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه ولم يكن أهلاً له وكذب على الله وعلى حججهعليهم‌السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمامعليه‌السلام بلعنه والبراءة منه ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد )(١) ، وقد كانت دعوته تقتصر على السذج من الناس الذين لم يتسلحوا بالوعي الديني .

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، الطوسي : ص ٣٩٧ .

١٨٦

٢ ـ محمد بن نصير النميري

حيث قال الشيخ الطوسي : ( كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام ، فلمّا توفّي أبو محمدعليه‌السلام ادعى أنّه صاحب إمام الزمان وادعى له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسنعليه‌السلام ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم )(١) .

٣ ـ أحمد بن هلال الكرخي

حيث كان من أصحاب أبي محمدعليه‌السلام فلمّا اجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان (رض) بنص الإمام الحسنعليه‌السلام في حياته ، وبعد وفاة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام قالت الشيعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة ؟ فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة فقالوا له قد سمعه غيرك ، فقال : أنتم وما سمعتم ، عند ذلك نفته الشيعة وتبرؤوا منه ، ومن ثمّ لعنه وتبرأ منه الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام في التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة مَن لعن )(٢) .

٤ ـ أبو طاهر محمد بن علي بن بلال

وله قصة معروفة حيث إنّه تمسّك بأموال الإمامعليه‌السلام التي كانت عنده وامتنع عن تسليمها ، بذريعة أنّه وكيل الإمام المهديعليه‌السلام ؛ ولذا تبرأت منه

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، الشيخ الطوسي : ص ٣٩٨ ح ٣٦٩ وح ٣٧١ .

(٢) المصدر نفسه .

١٨٧

الشيعة ولعنوه )(١) .

٥ ـ الحسين بن منصور الحلاج

وقد فضحه الله تعالى وأخزاه ، وذلك عندما ادعى الوكالة والنيابة الخاصة للإمام المهديعليه‌السلام كذباً .

٦ ـ محمد بن علي بن أبي العزاقر المعروف بالشلمغاني

كان من أعلام الشيعة وألّف كتباً في التشيّع ولكنّه لمناقشة جرت بينه وبين الحسين بن روح النوبختي أعلى الله مقامه الشريف النائب الثالث للإمام المهديعليه‌السلام خرج عن طوره ، وراح يدّعي دعاوى باطلة ويدّعي أخباراً كاذبة عن الإمامعليه‌السلام إلاّ أنّ الإمامعليه‌السلام لعنه في أحد توقيعاته ومن ثمّ ظهر أمره وشاع كذبه .

وغير ذلك كثيرون ، إذ يصعب بل من المستحيل إحصاء عدد الذين ادعوا المهدوية أو النيابة الخاصة في التاريخ الإسلامي ؛ وذلك لأنّ منهم مَن اقتصرت دعوته على عدد ضئيل من المغفّلين ولم تحصل لهم قوّة وشوكة ، فبقيت أمانيهم وأحلامهم مدفونة في صدورهم ، ولذا أغفل التاريخ ذكر أسمائهم ومدّعياتهم .

الدليل على بطلان دعوى المهدوية والسفارة في عصر الغيبة الكبرى

هناك مدّاً استدلالياً واسعاً لإبطال دعوى المهدوية والسفارة للإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى ، منها : قيام الإجماع على انقطاع النيابة الخاصة للإمام المهديعليه‌السلام ، بل ضرورة المذهب على ذلك :

انقطاع السفارة والنيابة الخاصة للإمام المهدي من ضروريات مذهب الإمامية .

ـــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه .

١٨٨

إنّ مسألة انقطاع النيابة الخاصة والسفارة للإمام المهديعليه‌السلام في عصر الغيبة الكبرى من ضروريات مذهب الشيعة الإمامية التي تعلو على البرهنة والاستدلال ، ومن جملة ما ورد في ذلك التوقيع المبارك( بسم الله الرّحمن الرّحيم : يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم أمامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره ؛ وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي شيعتي مَن يدعي المشاهدة ، إلاّ مَن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم ) (١) .

وقد روي الشيخ الطوسي : ( إنّ كل مَن ادعى الأمر [ أي أمر السفارة للإمام المهديعليه‌السلام ] بعد السمري [ آخر السفراء الأربعة للإمامعليه‌السلام ] رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل وبالله التوفيق )(٢) .

وقد تواترت الروايات على انقطاع النيابة الخاصة عن الإمام إلى حين حصول الصيحة السماوية التي هي من العلامات المحتومة لظهور الإمامعليه‌السلام ، فقبل ظهور الصيحة لا نيابة خاصة ولا سفارة ، وكل مَن ادعى ذلك فهو كاذب مفترٍ .

والمقصود من ادعاء المشاهدة هو السفارة أو النيابة الخاصة في عصر الغيبة الكبرى .

ـــــــــــــ

(١) الغيبة ، الطوسي : ٣٩٥ .

(٢) المصدر نفسه : ص ٤١٢ .

١٨٩

الفهم الصحيح لعلامات الظهور

إنّ بعض علامات الظهور تمتاز بخصوصية معيّنة ، وقد استغلّ أدعياء المهدوية والسفارة الخاصة هذه الخصوصية للحصول على مآربهم وأغراضهم .

عند إجراء مسح ميداني لعلامات الظهور نجد أنّ جملة منها تنطوي على لغة الرمز والإشارة التي تجعل إمكان تطبيق هذه العلامات على أكثر من مصداق وفي كل الأوقات ، من قبيل ما أشار إليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث متظافره أنّ المهدي لا يخرج إلاّ بعد انتشار الظلم والفساد .

ومن الواضح أنّ مثل هذه العلامة للظهور وهي انتشار الظلم والفساد نجدها تنطبق على كثير من الأزمنة إن لم نقل جميعها ، وهذا ما نلمسه من الأسئلة الموجه لأهل البيتعليهم‌السلام وفي زمن حضورهم وقبل مولد الإمام المهديعليه‌السلام حيث كان الناس يسألون الأئمّةعليهم‌السلام بأن الظلم قد انتشر فأين المهدي الموعود ، وغير ذلك من الاستفهامات .

وهذه الحالة وهي ملائمة بعض علامات الظهور لكل زمان استغلها المدعون للمهدوية في حملاتهم الدعائية للتأثير على الناس ، وإغرائهم بأن وقت الظهور بسبب انتشار الظلم والفساد في الأرض .

وعلى هذا الضوء يجب الالتفات إلى مثل هذه الأساليب التي يستغلّها هؤلاء الدجّالين لإضلال الناس وإغرائهم ، لكي لا نكون فريسة سهلة لمثل هذه الدعوات الضالة والمنحرفة التي تستهدف العمل على تشويه حركة الإمامعليه‌السلام .

١٩٠

الخلاصة

١ ـ إنّ الله تعالى قد وعد في كتابه الكريم بإقامة العدل الإلهي في كل ربوع الأرض ، كما في قوله تعالى :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (١) .

٢ ـ إنّ تحقق هذا الهدف يكون على يد الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، بمقتضى كونهم يمثّلون امتداداً للرسالة المحمدية ، وأنّهم المعصومون المطهّرون كما نص على ذلك القرآن الكريم في عدد من الآيات كآية التطهير والمودة والمباهلة ، فضلاً عن السنّة النبوية كحديث الغدير والثقلين وحديث الاثني عشر .

٣ ـ شاءت الحكمة الإلهية أن يكون تحقق هذا الهدف بشكل طبيعي وليس إعجازياً ، وهو ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، إلاّ في الظروف الاستثنائية التي تتوقف على الإعجاز ، وعلى هذا الضوء فلابد من اكتمال جميع الشرائط لكي يتحقق الهدف والغرض الإلهي .

٤ ـ إنّ من أهم العوامل المساهمة في تحقيق واكتمال شرائط إقامة العدل هو غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، فجاءت الغيبة ضمن تخطيط إلهي محكم ، لكي تتولّد شرائط وأجواء مهمة النهوض بالعدل العالمي في دولة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، وقد أشارت لذلك نصوص نبوية وافرة .

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٥ .

١٩١

٥ ـ حيث إنّ استمرار ودوام الإمامة لطف إلهي ، لحفظ الدين وعزّته ، وكذلك للحفاظ على الرسالة الإسلامية من الانحراف والاندراس ؛ لأنّهم عِدل القرآن الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهذا ما أكدته جملة من الروايات التي نصّت على ضرورة وجود الحجّة في الأرض ؛ لأنّه لو لا الحجّة لساخت الأرض بأهلها إلى جانب تأكيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضرورة التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّهم هم الأمان لأهل الأرض ، فعلى هذا الأساس تمثّل الغيبة لطف إلهي ، لحفظ وجود الإمام من خلالها ، وإلاّ يكون الإمام عرضة للقتل ، وبالتالي لا يتحقق الهدف والغاية الإلهية من وجوده المباركعليه‌السلام .

٦ ـ إنّ هوية وحقيقة الغيبة هي خفاء العنوان واستتار الهوية وليس خفاء شخص الإمامعليه‌السلام ، وإن كان ذلك قد يحصل أيضاً إذا اقتضت الضرورة ؛ وذلك لأنّ الغيبة حالة استثنائية يقتصر فيها على القدر الذي ترفع به الضرورة ، وهو خفاء العنوان لا غير ، وقد سلّطت الروايات الضوء على هذه الحقيقة ، مشيرة في بعضها إلى أنّ غيبة الإمامعليه‌السلام كانت سنّة شبيهة بغيبة بعض الأنبياء ، كما هو الحال في غيبة موسى وعيسىعليه‌السلام .

٧ ـ أمّا الفائدة من الإمام الغائب فقد وردت روايات متضافرة في بيان فائدة الإمام في غيبته ، من قبيل روايات الانتفاع بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب(١) ، ونحوها وأخيراً ذكرنا أنّ من جملة فوائد وجود الإمامعليه‌السلام غائباً هو ممارسة دوره بشكل خفي .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ١ ص ٦٧ ج ٣ ص ٢٣٩ ص ٣٩٩ .

١٩٢

الفصل الرابع: بطلان دعوى النص على خلافة أبي بكر

خلافة أبي بكر

الشبهة :

كيف يُعترض على خلافة أبي بكر مع وجود النص عليها من قِبل الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

الجواب :

ليس المهم المدعيات وما ترفع من متبنّيات ، بل المهم طبيعة الأدلة التي يقيمها كل طرف على صحّة موقفه ومتبنّياته ، ومن تلك الدعاوى الباطلة ، هي دعوى البعض بوجود النص على خلافة أبي بكر ، إلاّ أنّ بطلان هذه الدعوى من البديهيات المستغنية عن البرهنة والاستدلال ، لكنّنا ولأجل أن تكون الإجابة واضحة ينبغي أن نقف على جذور هذه الشبهة ودوافعها ، وفي بداية الولوج في المناقشة نذكر :

أوّلاً : الروايات الصحيحة وأقوال الصحابة الصريحة الدالة على عدم النص على أبي بكر :

١ ـ ما ورد عن أبي بكر ، أنّه قال في مرضه الذي مات فيه : ( وددت أنّي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمَن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته ، هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ ) (١) ، ولا ريب إنّ حقيقة التعبير بـ ( وددت أنّي كنت سألته ) ، يكشف عن عدم وجود نص على أبي بكر ، وإلاّ فلا معنى لقوله ( وددت ) .

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك ، محمد بن جرير الطبري : ج ٢ ص ٦٢٠ ؛ وتاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر: ج ٣٠ ص ٤١٨ .

١٩٣

٢ ـ قول أبي بكر : ( إنّ الله بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً ، وللمؤمنين وليّاً ، فمنّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا ، حتى اختار له الله ما عنده ، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم ، متفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً )(١) .

٣ ـ ما صحّ عندهم ، عن عمر أنّه قال : ( ثلاث لأن يكون رسول الله بيّنهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم : الخلافة ، الكلالة ، الربا )(٢) .

٤ ـ ما ورد عن عمر أيضاً ، قوله : ( لأن أكون سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ثلاث أحبّ إليّ من حمر النعم ، من الخليفة من بعده ، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) .

٥ ـ كذلك عن عمر أنّه قال : ( إنّ الله تعالى يحفظ دينه ، وإنّي إن لا أستخلف فإنّ رسول الله لم يستخلف )(٣) .

٦ ـ ما ورد عن عائشة قولها : ( لو كان رسول الله مستخلفاً لأستخلف أبا بكر أو عمر) [ قال الحاكم في مستدركه ] ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )(٤) .

٧ ـ ما روي عن ابن عباس قال : ( قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، استخلف علينا بعدك رجلاً نعرفه وننهي إليه أمرنا ، فإنّا لا ندري ما يكون بعدك ، فقال :

ـــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ج ١ ص ٣٢ .

(٢) السنن الكبرى ، البيهقي : ج ٦ ص ٢٢٥ ؛ ونحوه المصنف ، الصنعاني : ج ١٠ ص ٣٠٢ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٤٧ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج ٨ ص ١٤٩ .

(٤) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٦ ص ٦٣ ؛ المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ٧٨ ؛ وغيرها من المصادر .

١٩٤

إن استعملت عليكم رجلاً فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي ، ومعصيتي معصية الله عزّ وجلّ ، وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه ، كانت لكم الحجّة عليّ يوم القيامة ، ولكن أكلكم إلى الله عزّ وجلّ )(١) .

٨ ـ أخرج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه ( دلائل النبوة ) عن عبد الله بن مسعود ، يحكي عن ليلة الجن إلى أن قال : ( ثم شبك أصابعه في أصابعي ، وقال : إنّي وعدت أن يؤمن بي الجنّ والإنس ، فأمّا الإنس فقد آمنت بي ، وأمّا الجن فقد قال وما أظن أجلي إلاّ قرب ، قلت : يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر ، فأعرض عنّي ، فرأيت أنّه لم يوافقه ، قلت يا رسول الله ألا تستخلف عمر ، فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه ، قلت يا رسول الله : ألا تستخلف عليّاً ، قال :ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة )(٢) ، وهذه الرواية تدل دلالة واضحة وبشكل لا يقبل اللبس على عدم النص على أبي بكر ، بل هي نصّ على العدم .

ثانياً : إنكار علماء السنّة وجود نص دال على خلافة أبي بكر منها :

١ ـ ما ذكره القرطبي في تفسيره : ( والدليل على فقد النصّ وعدمه على إمام بعينه ، هو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو فرض على الأمّة طاعة إمام بعينه ، بحيث لا يجوز العدول عنه إلى غيره لعُلِم ذلك ، لاستحالة تكليف الأُمّة بأسرها طاعة الله في غير معيّن ، ولا سبيل لهم إلى العلم بذلك التكليف ، وإذا وجب العلم به لم

ـــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج ١٣ ص ١٦٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٦٠ ص ١١٠؛ ونظر : كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٦٣٢ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ١٠ ص ٦٧ .

١٩٥

يخل ذلك العلم من أن يكون طريقه أدلة العقول ، أو الخبر ، وليس في العقل ما يدلّ على ثبوت الإمامة لشخص معين ، وكذلك ليس في الخبر ما يوجب العلم بثبوت إمام معيّن وبطل أن يكون معلوماً بأخبار الآحاد ، لاستحالة وقوع العلم به وإذا بطل ثبوت النصّ لعدم الطريق الموصل إليه ، ثبت الاختيار والاجتهاد ثم لا شك في تصميم من عدا الإمامية على نفي النصّ ، وهم الخلق الكثير ، والحجم الغفير )(١) .

٢ ـ ما ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم : ( سُئلت عائشة : مَن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستخلفاً لو استخلفه ؟ قالت : أبو بكر ) ، قال : ( وفيه دلالة لأهل السنّة أنّ خلافة أبي بكر ليست بنصّ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافته صريحاً ، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته ، ولو كان هناك نصّ عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولاً ، ولذكر حافظ النص ما معه ، ولرجعوا إليه ، لكن تنازعوا أولاً ، ولم يكن هناك نصّ ، ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر الأمر )(٢)

وقد قرّره على كل ذلك القاري في كتابه المفاتيح(٣) .

٣ ـ وقال ابن حجر في فتح الباري : ( قال القرطبي في المفهم : لو كان عند أحد من المهاجرين والأنصار نصّ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك ، ولا تفاوضوا فيه ، قال : وهذا هو جمهور أهل

ـــــــــــــ

(١) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ١ ص ٢٦٥ ، ص ٢٦٦ .

(٢) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٥ ص ١٥٤ .

(٣) مرقاة المفاتيح : ج ٩ ص ٣٨٨٥ .

١٩٦

السنّة )(١) .

وقال ابن حجر أيضاً : ( وأفرط المهلب فقال : فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر ، والعجب أنّه قرر بعد ذلك أنه ثبت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف )(٢) .

٤ ـ قال المراغي في تفسيره : ( وأوّل ما تشاور فيه الصحابة الخلافة ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينص عليها حتى انتهى أمرهم إلى تولية أبي بكر )(٣) .

٥ ـ قال الباقلاني في تمهيده : ( وعلمنا بأنّ جمهور الأمّة ، والسواد الأعظم منها ينكر ذلك ـ النصّ ـ ويجحده ويبرأ من الدائن به )(٤) .

٦ ـ قال الخضري في المحاضرات : ( الأصل في انتخاب الخليفة رضا الأمّة ، فمن ذلك يستمدّ قوّته ، هكذا رأى المسلمون عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد انتخبوا أبا بكر الصدّيق اختياراً منهم لا استناداً إلى نصّ ، أو أمر من صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) .

٧ ـ قال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( وقال جمهور أهل السنّة والمعتزلة والخوارج : لم ينص على أحد )(٦) .

٨ ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي : ( فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : ( لو كنت متخذاً

ـــــــــــــ

(١) فتح الباري ، ابن حجر : ج ٧ ص ٢٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٧٧ .

(٣) تفسير المراغي ، المراغي : ج ٩ ص ٤٣ ؛ ونحوه تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ١٦ ص ٣٧ .

(٤) التمهيد ، الباقلاني : ص ٤٤٤ .

(٥) الغدير ، الأميني : ج ٥ ص ٣٥٧ ؛ عن المحاضرات ، الخضيري : ص ٤٦ .

(٦) الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ص ٤٢ .

١٩٧

خليلاً ) ، فإنّهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو سدّ الأبواب )(١) .

٩ ـ وقال النووي أيضاً : ( إنّ المسلمين أجمعوا على أنّ الخليفة إذا حضرته مقدّمات الموت ، وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ، ويجوز له تركه ، فإن تركه فقد اقتدى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا ، وإلاّ فقد اقتدى بأبي بكر )(٢) .

١٠ ـ قال عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق في معرض بيانه عقائد أهل السنّة : ( وقالوا : ليس من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على إمامة واحد بعينه )(٣) .

١١ ـ وقال أبو حامد الغزالي : ( ولم يكن نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام أصلاً ، إذ لو كان لكان أولى بالظهور مَن نصبه آحاد الولاة والأُمراء على الجنود ، ولم يحق ذلك ، فكيف خفي هذا ؟ وإن ظهر ، فكيف اندرس حتى لم ينقل إلينا ؟ فلم يكن أبو بكر إماماً إلاّ بالاختيار والبيعة )(٤) .

ثالثاً : الشواهد القطعية على عدم النص على أبي بكر ، منها :

١ ـ ما اكتنفته السقيفة من أجواء الإرهاب ، والصراع الذي بلغ أوجه إلى درجة أنّه وصل حدّ العنف وإشهار السلاح ، وما احتواه مؤتمر السقيفة من أدلّة ، واحتجاجات بين الأطراف المتنازعة ، وما تضمّنه من عبارات ، من قبيل ( أنتم أحق الناس به ) و( منّا أمير ومنكم أمير ) و( نحن الأُمراء وأنتم الوزراء ) ، وغيرها من العبائر ، ولم نجد أنّ أبا بكر احتجّ بالنص على خلافته ، مع حاجته الماسّة إلى ذلك ، كحجّة دامغة للغلبة على الطرف

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١١ ص ٤٩ .

(٢) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٥ .

(٣) الفرق بين الفرق ، البغدادي : ص ٣٤٠ .

(٤) إحياء علوم الدين ، الغزالي : ج ١ ص ١٣٩ .

١٩٨

الآخر ، وممّا يدلّل على عدم النص أيضاً قول أبي بكر : بايعوا عمر بن الخطاب ، أو ابن عبيدة الجراح ، وقد كشف عمر عن تلك الأجواء في خطبة له يصف فيها أحداث السقيفة ، إذ قال في ختامها : ( فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته )(١) .

٢ ـ تعبير عمر بقوله : إنّ بيعة أبي بكر فلتة ـ فإنّ التعبير بذلك دليل بحد ذاته على عدم النص لأبي بكر ، بأي تفسير فسّرنا معنى الفلتة ، وإلاّ فلماذا تكون بيعة أبي بكر فلتة على حدّ تعبير عمر ؟!! .

٣ ـ اعتراف عمر بالنص لعليعليه‌السلام لا غيره ، وأنّه منع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة ما أراد كتابته حين وفاته .

فعن عمر في حديث له مع ابن عباس ، يذكر فيه أمر الخلافة وحق عليعليه‌السلام فيها ، قال : ( لقد كان في رسول الله من أمره ذرو من قول ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ! وربّ هذه البنية لا تجتمع قريش عليه أبداً )(٢) ، وهو يلتقي مع مقولة أخرى له لابن عباس : ( فما منع قومكم منكم قلت لا أدري : قال لكنّي أدري : يكرهون ولايتكم لهم ، قلت لِم ونحن لهم كالخير ، قال اللّهمّ غفرا يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فيكون بجحاً بجحاً )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٤ ص ٢٧٥ ح ٤٤٣٥ .

(٢) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٢ ص ٢١ .

(٣) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٣ ص ٢٨٨ ؛ ونحوه الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج ٣ ص ٦٣ ؛ ونحوه شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٢ ص ٥٣ .

١٩٩

وفي ثالثة قال : ( ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنّهم استصغروه )(١) .

وفي رابعة قال في عليّعليه‌السلام : ( والله لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمة ، وذو سابقتها ، وذو شرفها .

فقيل له ذلك القائل : فما منعكم عنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : كرهناه على حداثة السن وحبّه بني عبد المطلب )(٢) .

وقد صرّح بذلك أيضاً أبو عبيدة بن الجراج ـ أحد أعضاء الحزب ـ عندما قال لعليعليه‌السلام : ( يا ابن عم إنّك حديث السن ، وهؤلاء ـ يعني أبا بكر وعمر ـ مشيخة قومك فسلّم لأبي بكر هذا الأمر )(٣) .

٤ ـ ما تجلّى بصورة واضحة ، من اعتراف أبي بكر أنّه أراد إكراه علي عليه‌السلام على البيعة لولا وجود فاطمة إلى جنبه ، حيث قال لعمر : ( لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ) (٤) ، وهذا يعني أنّ استيلاءه على السلطة لم يكن بطريقة شرعية ولا منصوص عليها ، وإلاّ لو كان على الحق ، فلماذا يكره عليّاً ، ويتخوّف من وجود فاطمة إلى جنبه ، وهما اللذان لا يفترقان عن الحق ، وقد أعرب علي عليه‌السلام عن إكراهه على البيعة بقوله ، عندما لحق بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يصيح ويبكي وينادي : ( يا ابن أُمّ إنّ القوم استضعفوني ، وكادوا يقتلونني ) (٥) ، مع أنّ عدم شرعية خلافة أبي بكر لخّصها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد إكراهه على البيعة ، قال : ( وإنّ بيعتي لا تحق لهم باطلاً ولا توجب لهم حقّاً ) .

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ٤٥ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١٢ ص ٨٢ .

(٣) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ السقيفة ، الجوهري : ص ٦٣ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١٢ .

(٤) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٠ .

(٥) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١١ ص ١١١ .

٢٠٠