الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 191538
تحميل: 6436


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191538 / تحميل: 6436
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثم إنّ مقتضى الحديث الوارد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الذي صحّحه الذهبي ـ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، ومَن عصا عليّاً فقد عصاني ) (١) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فاطمة بضعة منّي مَن أغضبها أغضبني ) (٢) ، وقال أيضاً لفاطمةعليها‌السلام :( إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ) ، قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد )(٣) ، وحيث إنّ أبا بكر وعمر آذيا عليّاً وفاطمةعليها‌السلام ، وقال أيضاً لفاطمة :( إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ) (٤) ، صحّحه الذهبي ، وأجبروا عليّاً على البيعة ، التي حاججهم فيها وأنكرها مراراً ، وهذا يكشف عن بطلان أمرهم ومفارقتهم للحق ، فلو كانوا على حق لما فارقوا علياً ، لا سيّما وأنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي واجدة عليهما ، كما ذكرت ذلك عائشة ، حيث قالت : ( فغضبت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت )(٥) ، وقد قالتعليها‌السلام لهما :( فإني أشهد الله وملائكته

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٢١ ، هذا الحديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٧٠ .

(٢) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٢ ص ٤٣٥ ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٩٧ ، ص ١٤٨ ؛ خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام : النسائي : ص ١٢١ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ٤٠٤ ؛ كشف الخفاء ، العجلوني : ج ٢ ص ٨٦ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ٢ ص ٢٠٨ ؛ وغيرها من المصادر.

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٥٤ .

(٤) ميزان الاعتدال ، للذهبي : ج ١ ص ٥٣٥ وج ٢ ص ٤٩٢ .

(٥) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٢ ص ٢٨٢ ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج ٥ ص ١٥٤؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٦ ؛ السنن الكبرى : ج ٦ ص ٣٠١ .

٢٠١

أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأشكونكما إليه ) (١) .

٥ ـ كشفُ معاوية بطلان خلافة أبي بكر ، وهذا ما نلمسه واضحاً في رسالته لمحمد بن أبي بكر حيث جاء فيها : ( فقد كنّا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب ، وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، فكان أبوك وفاروقه أول مَن ابتزّ حقّه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم أنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ثم أنه بايع لهما وسلّم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ، ولا يطلعانه على سرّهما أبوك مهّد مهاده وبنى لملكه وسادة ، فإن يك ما نحن فيه صواباً ، فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلّمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا ، فأخذنا بمثله ، فعبّ أباك بما بدا لك ، أو دع ذلك ، والسلام على من أجاب )(٢) .

٦ ـ لو فرض وجود نص على أبي بكر ، فإنّه يلزم التناقض مع حشد وافر من الآيات القرآنية والنصوص النبوية ، الدالة على إمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كآية الولاية ، وآية أولي الأمر ، وآية المباهلة ، وآيات البلاغ ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وحديث الطير ، وواقعة الغدير وآياتها التي كان فيها أبوبكر وعمر من أول المهنئين للإمام عليعليه‌السلام ، وحديث

ـــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٣١ .

(٢) مروج الذهب ، المسعودي : ج ٣ ص ٢٢ ؛ أنساب الأشراف ، البلاذري : ص ٣٩٧ ؛ وقعة صفين ، المنقري : ص ١٢٠ ـ ١٢١ ؛ النزاع والتخاصم ، المقريزي : ص ١٠٢ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد: ج ٣ ص ١٩٠ .

٢٠٢

الثقلين ، التي لا شك في دلالتها على ذلك ، وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي : لو كانت هناك نصوص على أبي بكر فهي من وضع البكرية لكي تكون في قِبال ما يستند إليه الشيعة من نصوص على ولاية عليعليه‌السلام (١) .

٧ ـ لا أدري أي معنى للنص على أبي بكر ، مع أنّه لو كان أبو بكر مؤهلاً أن يقود سرية صغيرة للجيش لأمّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائداً لسرية أُسامة بن زيد بدل أن يضعه جندياً عادياً ، وهو ذو الشيبة البيضاء ، تحت إمرة أسامة بن زيد الذي لم يتجاوز عمره العشرين سنة .

٨ ـ احتجاج أبي بكر في السقيفة على أنّ الإمامة من قريش ، فلو كان منصوصاً عليه لاحتج بذلك النص ، وقوله : ( أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم ) ، يكشف عن عدم وجود نص ، وعدم أفضليته على الآخرين ، وعدم أهليته لذلك المقام .

٩ ـ قول عمر لأبي عبيدة بن الجراح : ( ابسط يدك أبايعك ) ، فلو كان هناك نصّ على أبي بكر لما جاز لعمر أن يبايع أبا عبيدة ابن الجراح .

١٠ ـ ذكرنا في الجواب عن حديث الاثني عشر : أنّه ليس له تفسير صحيح ، ولا تطبيق واقعي ، إلاّ على إمامة وولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، أوّلهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام ، كما ثبت ذلك بالأدلة القاطعة ، وعلى هذا الأساس لا معنى لكون أبي بكر منصوصاً عليه ، أو هو الخليفة الشرعي ، بأيّ وجهٍ كان ، وإلاّ فسيكون حديث الاثني عشر خليفة كلّهم من قريش باطلاً ، وبطلانه يتنافى مع صحة الحديث وتسالم الفريقين على نقله في المصادر المعتبرة .

ـــــــــــــ

(١) راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١١ ص ٤٩ .

٢٠٣

رابعاً : معالم تحرك الحزب القرشي :

كانت وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أخطر التجارب والمنعطفات التي مرّ بها المجتمع الإسلامي ، بعد كل التضحيات التي بذلت من أجل الدين ، وبعد كل التوصيات والأوامر القرآنية والنبوية على لزوم اتباع عليّعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه وصي رسول الله ، إلاّ أنّ القوم تمردوا على إرادة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد برز هذا المنحى للتمرد على أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشكل واضح ، عندما تخلف البعض ـ لا سيّما أبو بكر وعمر ـ عن الالتحاق بجيش أسامة ، ومن ثم تبعها تمردهم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنعه من كتابة ما أراد كتابته حين وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فباعتراف عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يكتب كتاباً يوصي فيه بالولاية والخلافة لعلي ، وإنّي علمت ذلك فمنعته ، وهذا الاعتراف الصريح بعصيان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أن الله تعالى يقول :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (١) ، وقد برّز منعه للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين وفاته ، بأن الرسول يهجر ، وهذا خلاف القرآن الكريم ، قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٢) .

والمصيبة الأعظم ، هي تركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته مسجىً على فراشه ، واجتماعهم في سقيفتهم ، يتداولون فيها مستقبلهم السياسي ، والأغرب من ذلك أنّهم لم يكن بينهم وبين واقعة الغدير ـ التي نصّب فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام إماماً ووليّاً ـ إلاّ سبعون يوماً فقط .

ـــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٣٦ .

(٢) النجم : ٣ ـ ٤ .

٢٠٤

وبالتأمّل في سلسلة الأحداث التي كانت في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ نجد أنّ هنالك خيوطاً مرتبطة ومتشابكة فيما بينها ، حيث توجد شواهد تاريخية متضافرة تكشف عن وجود تحرّك قرشي كان يعمل منذ عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يحاول أن يكون له دور متميز في الصحبة والوجاهة والقيادة ، ويسعى لاحتواء الدور القيادي بديلاً عن العترة الطاهرة الذي كان يصرح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافتهم وقيادتهم للأمة من بعده ، ومن أبرز معالم هذا التحرّك الذي يعتبر شاهداً على وجود هذه النزعة لمثل هذا التحرّك هي :

١ ـ النزعة العامة عند أقطاب هذا التوجه لأن يكون لهم دور متميز في المسيرة ، كما في مبادراتهم إلى الظهور والتقدم بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما المبادرات والاقتراحات المثيرة للالتفات التي لم تعهد من أحد من الصحابة والقريبين من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن جملة محاولاتهم الظهور في المواقع التي لا ينبغي لأحد أن يكون له رأي ، كإبداء الرأي في مقابل قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يبدو من بعض المواقف أيضاً أنّهم كانوا يتدخلون فيما ليس من شأنهم التدخل فيه ، كمطالبات عمر المتكررة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإذن له في ضرب الأعناق ، خاصة وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جميع هذه الحالات لا يريد قتل أولئك الأشخاص ، ولم يأذن لهم بواحدة منها ، كما في قول عمر في حق ابن صياد : ( دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال

٢٠٥

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إن يكنه فلن تسلط عليه ، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله )(١) ، وكقوله أيضاً في عبد الله بن ذي الخويصرة عندما قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اعدل يا رسول الله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ويلك مَن يعدل إذا لم أعدل ، قال عمر : دعني أضرب عنقه )(٢) ، وعن أنس قال : جاء رجل من أهل الكتاب فسلّم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( السلام عليكم ، فقال عمر يا رسول الله ألا أضرب عنقه ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح(٣) ، هذا مع أنّ عمر لم يعرف منه في مواطن الجد والضرب إلاّ الهرب كما هو الحال في معركة أُحد ، وبالإسناد عن عبد الرحمان بن رافع أخو بني النجارة قال : انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قد قتل محمد رسول الله قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ! فاستقبل القوم فقاتل حتى قتل(٤) ، والخندق وحنين وغيرها(٥) ، ولم ينقل لنا التاريخ أنّه قتل كافراً في معركة ، أو غزوة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ١ ص ٣٥٩ ، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج ٨ ص ١٩٢ .

(٢) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٤ ص ٣٠٠ ، باب مَن ترك قتال الخوارج للتآلف وأن لا ينفر الناس عنه ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج ٣ ص ١١٢ .

(٣) مجمع الزوائد، الهيثمي : ج ٨ ص ٤١ .

(٤) جامع البيان ، الطبري : ج ٤ ص ١٥٠ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٤ ص ٣٩ ، الدّر المنثور، السيوطي : ج ٢ ص ٨٠ ـ ٨١.

(٥) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ٢٧ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٦ ص ١١٢ ؛ وصحّحه الذهبي في تلخيصه ؛ التفسير الكبير ، الرازي : ج ٩ : ص ٦٧ ؛ الدّر المنثور : السيوطي : ج ٢ ص ٨ .

٢٠٦

٢ ـ النزعة والأمل عندهم في أن يكون لهم دور كدور علي بن أبي طالبعليه‌السلام ومميزاته وخصوصياته التي خصه بها الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه واضحاً في تصرفاتهم وأفعالهم أمام المسلمين ، كمبادرتهم إلى الإتيان بأعمال إعلامية من أجل التمويه بأنهم هم المعنيون في بعض الأحاديث والآيات والمواقف التي هي خاصة بعليعليه‌السلام ، منها :

أ ـ ما كان يتطلّع له أبو بكر وعمر من تقمّص دور الإمام عندما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجماعة من قريش : (لن تنتهوا يا معشر قريش ، حتى يبعث الله رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم .

قال أبو بكر : أنا هو يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، قال له عمر : أنا هو يا رسول الله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا ، ولكنّه خاصف النعل ، قال وفي كف علي نعل يخصفها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

ب ـ أمنية عمر في واقعة خيبر ، عندما كان عليعليه‌السلام أرمد لا يبصر ، فلم يستطع التواجد في بداية المعركة ، وقد قاتل المسلمون يومين ، يوماً كانت الراية فيه بيد أبي بكر ، ويوماً كانت بيد عمر ، فلم يفلحوا في الفتح ، فقال النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لأدفعنّ اللواء غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار يفتح الله عليه ، جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن

ـــــــــــــ

(١) راجع : تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج ١ ص ١٤٤ ؛ ج ٨ ص ٤٣٣ ؛ وقد وثّق رواته الخطيب البغدادي ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٢ ؛ المناقب ، الخوارزمي : ص ١٤٢ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١١٥ .

٢٠٧

يساره ، قال عمر ما تمنيت الإمرة إلاّ يومئذٍ ، فلما كان الغد تطاولت لها ، وفي رواية ( فبات الناس متشوقين ) ، ما إلى ذلك من التعابير والتصريحات التي تكشف عن تمنّي كثير من الصحابة أن تكون الراية له ، وأمّا عمر فقد صرّح بقوله : تطاولت لها(١) ، فلمّا أصبح قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ادعوا إليّ عليّاً رضي الله عنه ، فأوتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه )(٢) ، وقد صحّحها الهيثمي في مجمع الزوائد(٣) .

ج ـ عندما قدم وفد ثقيف على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم : ( لتسلمنّ ، أو لأبعثَنَّ إليكم رجلاً منّي ـ أو قال مثل نفسي ـ فليضربنَّ أعناقكم ، وليسبينّ ذراريكم ، وليأخذن أموالكم ، قال عمر : والله ما اشتهيت الإمارة إلاّ يومئذ فجعلت أنصب صدري ، رجاء أن يقول هو هذا ، فالتفتَ إلى علي فأخذ بيده ، ثم قال : هو هذا ، هو هذا )(٤) ، وفي رواية أخرى قول عمر : ( فو الله ما تمنّيت الإمارة إلاّ يومئذ ، فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول هو هذا )(٥) ، وفي رواية ثالثة : ( فما أحببتُ الإمارة قبل يومئذٍ ، فتطاولت لها واستشرفت )(٦) ، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة : ( أخرجه الطيالسي (رقم ٢٤٤١)

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٥ ص ٧٦ ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١٢١ ؛ طبقات ابن سعد ، ابن سعد : ج ٢ ص ١١٠ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٢ ص ٣٨٤ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤١ ص ٢١٩ وغيرها من المصادر .

(٢) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١٢٠ ؛ وانظر صحيح البخاري ، البخاري : ج ٢ ص ٢٦١ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ١ ص ١٨٥ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٢٤ .

(٤) أنساب الأشراف ، البلاذري : ص ١٢٣ ـ ١٢٤ .

(٥) جواهر المطالب في مناقب الإمام عليعليه‌السلام ، ابن الدمشقي الشافعي : ج ١ ص ٦٠ ؛ ذخائر العقبى : ص ٦٤ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١٥٣ .

(٦) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ؛ القسم الثاني : ص ٧٦٦ .

٢٠٨

ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضاً وهذا سند صحيح على شرط مسلم ، وصححه ابن حبان (٩ / ٤٣ ـ ٤٤) )(١) .

وفي خصائص النسائي : ( فما راعني إلاّ كف عمر في حجزتي من خلفي ، وقال : مَن يعني ؟ قلت إيّاك يعني وصاحبك ، قال : فمَن يعني ؟ قلت خاصف النعل )(٢) ، وفي رواية أخرى : ( ما إيّاك يعني ولا صاحبك ، قال : فمَن يعني : قلت : خاصف النعل )(٣) ، والحديث روي في ينابيع المودّة من عدّة مصادر .

د ـ وعن أبي سعيد الخدري قال : ( كنّا جلوساً ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج إلينا فانقطع شسع نعله ، فرمى به إلى عليعليه‌السلام فقال :إنّ منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله : قال أبو بكر أنا ، قال عمر: أنا ، قال :لا ، ولكن خاصف النعل )(٤) ، وفي رواية أخرى : (أنا هو يا رسول الله قال : لا ، قال عمر أنا هو يا رسول الله قال : لاولكن خاصف النعل )(٥) ، وفي رواية : ( فقال بعضهم أنا هو يا رسول الله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا وقال :

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ؛ القسم الثاني : ص ٧٦٦ .

(٢) خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٨٩ .

(٣) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ١٢٧ ـ ١٢٨ ؛ مناقب أمير المؤمنين : القاضي محمد بن سليمان الكوفي: ج ١ ص ٤٦١ ؛ ونحوه شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٩ ص ١٦٧ ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج ١ ص ١٦٦ .

(٤) خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، النسائي : ص ١٣١ ؛ ونحوه تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر: ج ٤٢ ص ٤٥٣ .

(٥) مستدرك الحاكم ، الحاكم النيسابوري : ج ٢ ص ١٣٨ ، قال فيه : ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه ) ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٨٥ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٨٦ ، قال فيه : ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ) ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٤٣ ؛ المصنف ، الصنعاني : ج ٧ ص ٤٩٧ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ١٣١ ؛ مسند أبي يعلى ، أبي يعلى الموصلي : ج ٢ ص ٣٤١ .

٢٠٩

آخر أنا هو قال :لا ولكن خاصف النعل )(١) ، وقد صحّحه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة(٢) .

هـ ـ وعن عمران بن حصين قال : ( بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشاً ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السَّرِيّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي ، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّموا عليه ، ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ! ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قام الثاني ، فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثم قام إليه الثالث ، فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثم قام الرابع ، فقال مثل ما قالوا ، فأقبل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والغضب يعرف في وجهه ، فقال :ما تريدون من علي ؟ إنّ عليّاً منّي ، وأنا منه ، وهو وليّ كل مؤمن بعدي )(٣) .

وقد لوحظ استمرار هذه النزعة وانعكاسها على حياة الشيخين وأتباعهما ، حتى آخر لحظات حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه الظاهرة تلتقي وتنسجم مع ما افتعله عمر من تشويش على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أحدثه من ضجّة لمنع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الكتاب الذي أراد تدوينه ؛ وذلك يلتقي أيضاً مع ما فعله عمر يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويتناغم كذلك مع ما صرّح به لابن عباس كما سلف .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٤ ص ١٥٨ .

(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ٥ : ص ٦٣٩ ح ٢٤٨٧ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٤٣٧ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٦ ح ٣٧٩٦ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٧ ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٣ ؛ مستدرك الحاكم ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١١٠ ، [ وقال الحاكم : ] ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه ) ؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ٥ ص ٢٦١ ح ٢٢٢٣ .

٢١٠

٣ ـ العلاقات التي كانت قائمة بين قادة التحرّك لم تكن عفوية ، بل كانت هادفة ، ومشفوعة بشيء من الثقافة في مجال الولاية ، بمعنى أنّهم يدركون أنّ الولي الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليعليه‌السلام ، ولا يخفى على المتأمّل البصير كيف كان تركيزهم على حديث أنّ الخلفاء ( كلّهم من قريش ) دون باقي الأحاديث التي هي أخص من ذلك ، كحديث ( كلّهم من بني هاشم ) ، وعلى ضوء ذلك يتضح ما افتعله البعض من ضجّة ، حينما بيّن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن هم الأئمة من بعده ، بحيث ما سُمح للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إيصال كلامه لبعض الحاضرين ، حتى أنّ الراوي ـ جابر بن سمرة ـ عندما لم يسمع الحديث بكامله من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استفهم من بعض الحاضرين ، كأبيه وعمر ، فأثبتوا له الحديث .

وممّا يؤكّد انسجام فكرة التحرّك وسبق التثقيف عليها عند أقطاب هذا الاتجاه وقواعده ، هو ما حصل في السقيفة من احتجاجات إعلامية منسجمة مع بعضها البعض ، مع أنّ تلك الاحتجاجات كانت تعتمد على أمرين بينهما تناقض واضح ، ومع ذلك فإنّهما تمّ عرضهما بأسلوب مهذّب ومنمّق ، يوهم عدم التناقض بينهما ، وهما :

أولاً : ولاية قريش

وثانياً : استبعاد أهل البيتعليهم‌السلام ، وإهمال ذكرهم ، كأن لا وجود ولا دور لهم في مجال القيادة والخلافة .

فأوحوا إلى الذين حضروا مؤتمر السقيفة ، أنّ ورثة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم قريش ، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر ، هذا مع قدرة عالية على توظيفهم السوابق وما قام به الشيخان من الأعمال التمهيدية التي افتعلاها في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومحاولات أخذ دور عليعليه‌السلام ، بشكل منمّق ومنسّق كما تقدم ، وتوظيف قضية هجرة أبي بكر مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّها لا تعني شيئاً من معاني القرب والأفضلية والتقديم على الآخرين ، فكثير ما يتخذ القادة رفقاء لهم في الهجرة مع الأتباع العاديين .

فصُوّر الشيخان وكأنّهما أكثر التصاقاً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليعليه‌السلام ، ولا يخفى ما في ذلك من حسد ...

٢١١

٤ ـ ممّا يشهد بوجود التنسيق المسبق بين أقطاب هذا التحرك ، هو شكل الحكومة التي تمخّضت عن السقيفة ، الخلافة ، قال ابن الأثير : ( لمّا ولي أبو بكر قال له أبو عبيدة : أنا أكفيك المال وقال له عمر : أنا أكفيك القضاء)(١) ، وفي المصطلح المعاصر أنّ الأول تولّى السلطة العليا ، والثاني تولّى السلطة الاقتصادية ، والثالث تولّى السلطة القضائية ، وهذه أهم الوظائف الرئيسية في نظام الحكم الإسلامي ، فإنّ تقسيم هذه المراكز الحيوية في الحكومة الإسلامية بهذا الشكل على هؤلاء الثلاثة الذين قاموا بدور كبير في اجتماع السقيفة ، لا يأتي عن صدفة ، ولم يكن أمراً عفوياً ومرتجلاً .

ـــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج ٢ ص ٤٢٠ .

٢١٢

وممّا يدعم ذلك قول أبي بكر : ( إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاثة فعلتهن ، وودت أنّي تركتهن ، وودت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر وأبا عبيدة فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً )(١) ، وكذلك قول عمر حين حضرته الوفاة : ( لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته )(٢) ، وهذا يلتقي مع رواية أبي مليكة ، قال : ( سئلت عائشة مَن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستخلفاً لو استخلفه ؟ قالت : أبو بكر ، فقيل لها : ثم مَن بعد أبي بكر ؟ قالت : عمر ، ثم قيل لها : مَن بعد عمر ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح )(٣) ، وفي رواية أخرى عن عبد الله بن شقيق قال : ( سئلت عائشة ، أي أصحاب رسول الله كان أحب إليه ؟ قالت : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم أبو عبيدة بن الجراح ، قلت: ثم مَن ؟ فسكتت )(٤)

وكل هذه الشواهد تؤكّد وجود التناغم والتنسيق بينهم ، ويبدو أنّ عائشة كان لها اطّلاع على هذا الأمر ، بل قد تكون شريكة لهم في الحزب وأحد أعضائه .

٥ ـ من الأدلة على وجود التخطيط المسبق ، ما فعله عثمان بن عفّان عندما كتب اسم عمر في الوصية ، كخليفة من بعد أبي بكر ، من دون أن يأمره أبو بكر بذلك ، حيث كان مغمىً عليه ، فمن أين علم عثمان أنّ عمر هو خليفة أبي بكر ، مع أنّه كان مغمىً عليه ، ومن أعجب المفارقات أنّ أبا بكر تُكتب وصيّته وهو مغمىً عليه ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ـ يقال : إنّه ليهجر ، حينما أراد أن يكتب كتاباً للأُمّة لن تضل بعده أبداً !!!

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري : ج ٢ ص ٦١٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٣٠ ص ٤١٨ ، ص ٤٢٠ .

(٢) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٣ ص ٢٩٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٨ ص ٤٠٤ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ١٩٠ .

(٣) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١١٩ ؛ فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ص ٣٠ ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٢٥ ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

(٤) فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ص ٣٠ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٢٦٨ .

٢١٣

٦ ـ قول عليعليه‌السلام لعمر :( احلب يا عمر حلباً لك شطره ، اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً ، ثم قال :والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ) (١) .

٧ ـ ممّا يكشف عن وجود هذا المنحى التحزّبي ، هو أنّ قريشاً التي كانت في مجتمع الجزيرة الذي تحكمه النزعة القبلية كانت ترفض اجتماع القيادة في بيت واحد ، فقريش لم تكن تتحمّل ظهور نبي في بطن من خيار بطونها ، بل أفضلها ، وهم بنو هاشم ؛ لذلك اجتمعت كلمتها على محاربة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف تتحمّل أن يستمر بنو هاشم بالخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما وأنّ قريشاً كان الطابع السياسي فيها قائم على اقتسام مناصب الشرف والسيادة ، ومن هنا لم تكن قريش تريد أن يتميّز البطن الهاشمي عن بقية بطونها ، وأن يتفوق عيها ، وقد سادت هذه الفكرة والعقلية الأجواء السياسية المحمومة في أواخر حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقريشاً مدركة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميّت لا محالة في مرضه هذا ، وقد أخبرهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فلو تركت الأمور على مجراها الطبيعي ، فالخلافة ستؤول إلى عليعليه‌السلام حتماً ، من هنا تحرّك الحزب المناوئ لبني هاشم ، وهذه الفكرة أفصح عنها عمر في محاورته مع ابن عباس قائلاً : ( أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد ؟ قال ابن عباس : فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري ، فإنّ أمير المؤمنين يدري ؟ فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١١ .

(١) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٣ ص ٢٨٩ ؛ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج ٣ ص ٦٣ .

٢١٤

بل نجد أنّ حالة التطلّع إلى السلطة والقيادة كان موجوداً حتى عند القبائل النائية ، فكيف بقريش ، يقول الطبري في تاريخه : ( كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض نفسه في المواسم ـ إذا كانت ـ على قبائل العرب يدعوهم إلى الله وإلى نصرته ـ إلى أن يقول ـ إنّه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم ، يقال له بيحرة بن فراس : والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ، ثم قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على مَن خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ، قال : فقال له : أفتهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا ؟! لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه )(١) .

فإذا كان هذا حال القبائل الصغيرة والمتوسطة والنائية في تطلّعها إلى السلطة والحكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف بقريش وهي تعد نفسها أشرف قبائل العرب ، لا سيّما وأنّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مستقبل الدين الإسلامي ، وأنّه سوف يسود العالم ، وكذلك ما تنبأت به الكهنة والمنجّمون الذين تعتمد عليهم قريش كثيراً ، وقد ذكرت إخباراتهم بمستقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما يؤول إليه الدين الإسلامي ، في كتب السير والتواريخ ؛ لذا كانت اليهود والنصارى كثيراً ما تتوعّد المشركين بالظفر عليهم عند بعثة خاتم النبيين من مكّة المكرّمة ؛ ولذا هاجروا من بلاد الشام ، واستوطنوا الحجاز انتظاراً لبعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أشار القرآن الكريم

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٢ ص ٨٣ ـ ٨٤ .

٢١٥

لذلك بقوله تعالى :( وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) .

٨ ـ عندما تخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وتحصّنوا في دار فاطمةعليها‌السلام : ( أرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب فتجعل له في هذا الأمر نصيباً ، يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب ، حجّة لكم على علي إذا مال معكم ، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلاً )(٢) .

إذن قريش كانت تعلم أنّ مستقبل الدين هو سيادته على جميع البلدان ، وعلى ضوء ذلك يتضح تخطيط الحزب القرشي في الاستحواذ على السلطة وإبعاد بني هاشم عنها ، وأنّه كان في مقدمة أهدافها ، فلم تكن المسألة مسألة نص ، أو تعيين لأبي بكر من قِبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هو أمر دُبّر بليل .

خامساً : سياسات السلطة الحاكمة يكشف عن عدم الشرعية

ما أن سيطر الحزب القرشي على مواقع السلطة في الدولة ، حتى بدت بعض الظواهر والممارسات المنحرفة ، التي اتبعها الحزب ، والتي تكشف عن نواياه الباطلة وغير الشرعية .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٩ .

(٢) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ١٢٤ ـ ١٢٥ ؛ ونحوه الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢١ ؛ السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٤٩ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد المعتزلي : ج ٢ ص ٥٢ .

٢١٦

ومن أبرز تلك السياسات هي موقفهم من بني هاشم .

فإنّ الخطوة الأولى التي ابتدأها الحزب القرشي ، هي إبعاد بني هاشم عن الحكم نهائياً ؛ للقضاء على كل معارضة محتملة مستقبلاً ، حيث اعتمدوا لإنجاز هذا الإجراء عدّة آليات ، منها :

١ ـ اتهام بني هاشم بإحداث وإثارة الفتنة ، التي تؤدّي إلى ضعف الكيان الإسلامي ، كقول أبي بكر في حق عليعليه‌السلام : ( مربّ لكل فتنة )(١) ، وقد ساعدهم على التبجّح بهذا الاتهام الظروف الإسلامية آنذاك ، من وجود الأعداء خارج البلاد كالروم وبلاد فارس واليهود وغيرها ، الذين يهددون الدولة الإسلامية ، مضافاً إلى أحداث الردة وغيرها .

٢ ـ أسلوب الشدّة والعنف مع الإمام عليعليه‌السلام ومَن معه ، بنفس الطريقة التي اتبعوها مع سعد بن عبادة في السقيفة ، حتى بلغ العنف والشدة في عمر أن هدد بحرق بيت عليعليه‌السلام وإن كانت فاطمة فيه ، حيث قال : ( والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على مَن فيها ، فقيل له : يا أبا حفص : إنّ فيها فاطمة ؟ فقال : وإن فوقفت فاطمة (رضي الله عنها) على بابها ، فقالت :لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقاً ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم

ـــــــــــــ

(١) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ١٠٤ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٦ ص ٢١٥ .

٢١٧

نادت بأعلى صوتها : يا أبتي يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ، فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها صرخوا باكين وبقي عمر ومعه قوم فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل ، فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك )(١) ، ومن صور ذلك العنف أيضاً وصف أبي بكر لعليعليه‌السلام بأنّه مرّب لكل فتنة ، وتشبيهه له ( بأُمّ طحال أحب أهلها إليها البغي )(٢) .

٣ ـ إنّ الحزب القرشي ـ وعلى رأسهم أبو بكر ـ لم يشركوا أي شخص من الهاشميين في شأن من شؤون الحكم ، المهمّة خشية أن يصل الهاشميون إلى الخلافة ؛ لذا لم يجعلوا أي واحد منهم والياً على شبر من الدولة الإسلامية ، وخوفاً من افتضاح هذا الأمر دعوا العباس لإعطائه نصيباً في الأمر ؛ وذلك عندما قال المغيرة ابن شعبة : ( الرأي يا أبا بكر أن تلقوا العباس ، فتجعلوا في هذه الإمرة نصيباً يكون له ولعقبه ، وتكون لكما الحجّة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم )(٣) .

٤ ـ تهيئة وإعداد كتلة ضخمة مادية لأهل البيتعليهم‌السلام ومنافسة لهم في الوصول إلى المناصب العالية في الحكم ، ويحتل الأمويون موقع الصدارة في هذا المضمار ؛ لما تميّزوا به من طموحات عالية في السلطة والخلافة ؛ لذا نجدهم قد احتلوا المناصب الإدارية المهمة أيام أبي بكر وعمر ، مضافاً لمبدأ الشورى الذي ابتدعه عمر ، ليعطي الحظ الأوفر لعثمان بن عفان للوصول إلى دفّة الحكم ، وقد أخذت هذه الكتلة تزداد وتتسع يوماً بعد يوم حتى استتبت لها الأمور ؛ وذلك لأنّها لم تكن متمثّلة في شخص واحد ، بل كانت في بيت كبير من قريش ، وبالتالي سوف يكون وصول آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سدّة الحكم متعذّراً ، أو ليس سهلاً على أقل تقدير .

ـــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٣٠ .

(٢) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ج ص ١٠٤ ؛ شرح نهج البلاغة ، أبن أبي الحديد : ج ١٦ ص ٢١٥ .

(٣) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٣٢ .

٢١٨

٥ ـ عزل كل العناصر التي تميل إلى بني هاشم ؛ ولذا عزل أبو بكر خالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي وجّهه لفتح الشام ؛ لأن عمر نبّه أبا بكر إلى نزعة خالد الهاشمية ، وميله لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكّره بموقفه المعارض لهم بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٦ ـ السعي لإضعاف القدرة الاقتصادية خشية أن يستثمرها الإمامعليه‌السلام في الدعوة لاستعادة حقّه الشرعي في الخلافة ؛ لذلك قام أبو بكر بمصادرة فدك من الزهراءعليها‌السلام ؛ لعلمه أنّها كانت سنداً قوياً لعليعليه‌السلام ، لا سيّما وأنّ أبا بكر نفسه اتخذ المال وسيلة من وسائل الإغراء وكسب الأصوات ، وإليك بعض تلك الشواهد :

منها : عندما عاد أبو سفيان إلى المدينة سأل عما جرى أثناء غيبته عنها : ( فقالوا : مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : مَن ولي بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو فصيل ؟! قالوا : نعم ، قال : ما فعل المستضعفان علي والعباس ؟ أما والذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما ، قال أبو بكر ، وذكر الراوي وهو جعفر بن سليمان : أنّ أبا سفيان قال : شيئاً آخر لم تحفظه الرواة ، فلمّا قدم المدينة قال : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم ، فكلّم عمر أبا بكر ، فقال : إنّ

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ، الطبري : ج ٢ ص ٥٨٦ .

٢١٩

أبا سفيان قدم وإنّا لا نأمن شرّه ، فدفع إليه ما في يده فتركه ورضي )(١) .

وكان في يد أبي سفيان في ذلك الحين صدقات كثيرة للمسلمين قد جمعها منهم ؟!

ومنها : مفاوضاتهم مع العباس بن عبد المطلب ، ومحاولة إغرائه عندما قالوا له : ( نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ، يكون لك ولعقبك من بعدك )(٢) .

ومنها : ( لمّا اجتمع الناس على أبي بكر قسّم قسماً بين نساء المهاجرين والأنصار ، فبعث إلى المرأة من بني عدي بن النجار قسماً مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسمه أبو بكر للنساء ، قالت : أتراشونني عن ديني ، والله لا أقبل منه شيئاً فردّته عليه )(٣) .

ومنها : منح أبو بكر مزايا خاصة لابنته عائشة ، إذ إنّه جعل زيادة في عطائها ألفي دينار بعدما جعل عطايا أمهات المؤمنين ستة آلاف دينار لكل واحدة(٤) ، واستمرّت عائشة بأخذ الزيادة في عهد أبيها وعمر الذي أوصى له بالخلافة ممّن بعده .

ـــــــــــــ

(١) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٣٩ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٤٤ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ١٢٥ ؛ الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٤٢ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد المعتزلي : ج ١ ص ٢٢٠ .

(٣) السقيفة وفدك : ص ٥١ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٥٣

(٤) راجع : تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ١٥٣ .

٢٢٠