الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 191564
تحميل: 6437


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191564 / تحميل: 6437
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الدليل العقلي على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ الدليل القائم على عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بعينه يكون دليلاً على عصمة خلفاء النبي وهم أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وذلك لأنّ خطورة دور الإمام وكونه حافظاً للشريعة وقيّماً عليها يوازي خطورة الدور النبوي ، فلو كان الإمام غير معصوم ويخطأ ويعصي مع أنّ الله تعالى ورسوله أمرنا باتباعه فهذا يعني تجويز الله لنا بارتكاب المعصية ، وهو محال .

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّةعليهم‌السلام

هنالك عدة آيات قرآنية يستدل بها على العصمة :

منها : قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ ) (١) .

فالآية المباركة تدل بكل وضوح على أنّ مَن ينال منصب الإمامة لابد أن يكون معصوماً قبل تقلّد الإمامة .

كذلك قوله تعالى :( إنّما يريد الله ليذهب ) التي لا يشك في اختصاصها بأهل البيتعليهم‌السلام .

الأدلة الروائية على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

منها : حديث الثقلين :( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .

حيث أكّد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لزوم التمسّك بالكتاب والعترة على هذا الأساس ، فلو لم تكن العترة معصومة ، لا يمكن أن يأمر الرسول بلزوم اتباعها ، مضافاً إلى عدة أحاديث أخرى .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

٢٦١

مقام الوصي

الشبهة :

إنّ منزلة الوصي عند الشيعة تعادل منزلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ الوصي يوحى إليه .

الجواب :

يجدر بالقارئ الكريم أن يلتفت إلى أنّ صاحب هذه الشبهة يحاول أن ينسب إلى الشيعة أمرين :

الأوّل : أنّ الأوصياء أنبياء .

الثاني : أنّ الأوصياء يوحى إليهم .

وينتج عن ذلك هو توريط الشيعة الاثني عشرية واتهامهم بفكرة الغلو ، وبالتالي ارتباطهم بالسبئية ، إلاّ أنّ هذا باطل وغير صحيح ، وسوف نتناول ذلك إجمالاً ، فنقول :

أوّلاً : لو أُريد من كون الأوصياء بمنزلة الأنبياء أنّهم أنبياء ، فهذا ما لا نريده ، ولم يدون في كتاب من كتب الشيعة ؛ ولذا روى الفريقان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعلي :( أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) (١) ، فالرسول الأكرم في هذا الحديث جعل الإمام عليّاًعليه‌السلام

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ باب فضائل عليعليه‌السلام ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٦ ص ١٤٨ ؛ الثقات ، ابن حبان : ج ١ ص ١٤٢ ، المناقب ، الخوارزمي : ص ١٥٢ ؛ ونحوه الدر المنثور ، السيوطي : ج ٤ ص ٣٢٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٢٠ ص ٣٦٠ وج ٢١ ص ٤١٥ وج ٤٢ ص ٥٣ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ١٦ وص ٣٧١ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٣٠٤ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ٢ ص ٥٤ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٧٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ؛ ونحوه السنن الكبرى ، البيهقي: ج ٩ ص ٤٠ ؛ شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٥ ص ١٧٤ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٩ ؛ مسند ابن راهويه : ج ٥ ص ٣٧ ؛ مسند أبي يعلى : ج ٢ ص ٦٦ وص ١٣٢ ؛ وغيرها من المصادر .

٢٦٢

بمنزلة هارون ـ الذي هو نبي من الأنبياء ـ من موسى على أنه لا نبي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يكشف عن أنّ التنزيل بحدّ ذاته لا يعني التنزيل من جميع الجهات حتى من جانب النبوّة ، كما أكّد على ذلك الأئمّةعليهم‌السلام :

١ ـ قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام :( إنّما الوقوف علينا في الحلال فأمّا النبوّة فلا ) (١) .

٢ ـ وعن بريد بن معاوية عن أحدهما ـ أبي جعفر وأبي عبد الله ـعليهما‌السلام ، قال : ( قلت له : ما منزلتكم ؟ ومَن تشبهون ممّن مضى ؟ قال :صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيّين )(٢) .

٣ ـ كذلك عن سدير قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ( وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ، ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٣) .

٤ ـ عن محمد بن مسلم قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :الأئمّة بمنزلة

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٨ .

(٢) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

٢٦٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء ، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

٥ ـ عن أبي أيوب بن الحر ، قال : ( سمعت أبا عبد الله يقول :إنّ الله عزّ ذكره ختم بنبيّكم النبيّين ، فلا نبيّ بعده أبداً ، وختم بكتابكم الكتب ، فلا كتاب بعده أبداً ، وأنزل فيه تبيان كل شيء )(٢) .

ثم كيف يدعي الشيعة أن الأئمة أنبياء ، أو أنهم يوحى إليهم ، وهم يرتلون القرآن بكرة وعشياً :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

أقوال علماء الشيعة

وقال الشيخ المفيد : ( فإن قيل : هل علمتم من دينه أنّه خاتم الأنبياء أم لا ؟

فالجواب : علمنا ذلك من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإن قيل : بما علمتموه ؟ .

فالجواب : علمنا ذلك بالقرآن والحديث ، أمّا القرآن فقوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً )

وأمّا الحديث فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٧٠ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الأحزاب : آية ٤٠ .

٢٦٤

 ( أنتَ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) (١) .

قال الشيخ الطوسيرحمه‌الله : ( مسألة : نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والرسل بدليل قوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) (٢) .

وقال القاضي ابن براج : ( مسألة : نبينا خاتم النبيين والمرسلين بمعنى أنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة ، يقول تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

واستدلّ بذلك أيضاً علي بن يونس العاملي في كتابه الصراط المستقيم(٤) ، وقال الشيخ الطوسي في تفسير هذه الآية( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : ( آخرهم ؛ لأنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة )(٥) .

وقال الشيخ الطبرسي : (( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : وآخر النبيين ختمت النبوة به ، فشريعته باقية إلى يوم الدين ، وهذا فضيلة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختص بها من بين سائر المرسلين )(٦) .

وأقوال علمائنا في ذلك كثيرة جدّاً فوق حدّ الإحصاء .

ـــــــــــــ

(١) النكت الاعتقادية ، المفيد : ص ٣٨ .

(٢) الرسائل العشر ، الطوسي : ص ٩٧ .

(٣) جواهر الفقه ، ابن البراج : ص ٢٤٨ .

(٤) الصراط المستقيم ، علي بن يونس العاملي : ج ١ ص ٦١ .

(٥) التبيان ، الطوسي : ج ٨ ص ٣٤٦ .

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي : ج ٨ ص ١٦٦ .

٢٦٥

الوحي انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أمّا بالنسبة إلى الوحي فإنّه انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يعد من الضروريات والبديهات في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولو تصفّحنا سريعاً ما ورد في الكتب الروائية الشيعية لوجدناها زاخرة بهذا المعنى .

فمن باب المثال لا الحصر ما جاء في ( الوسائل ) عن أبي أيوب الخراز أنّه قال : ( أردنا أن نخرج فجئنا نسلّم على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال :كأنّكم طلبتم بركة الاثنين ؟ قلنا : نعم ، قال : فأيّ يوم أعظم شؤماً من يوم الاثنين ، فقدنا فيه نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتفع الوحي عنا )(١) .

وعن أبي عبد الله بن أبي الكرام قال : تهيّأت للخروج إلى العراق ، فأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام لأسلّم عليه وأودّعه ، فقال : ( أين تريد قلتُ : أريد إلى العراق ، فقال لي : في هذا اليوم ـ وكان يوم الاثنين ـ ؟ فقلتُ : إنّ هذا اليوم يقول الناس : إنّه يوم مبارك فيه وُلد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : والله ما يعلمون أيّ يوم وُلد فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه يوم شؤم ، فيه قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطع الوحي )(٢) .

وعن جامع الأخبار في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشّرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (٣) .

وسيأتي أنّ من معاني الوحي هو ما يحصل في المنام ، كما في الإيحاء إلى أُمّ موسىعليها‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) الوسائل ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٥١ : ح ١ ؛ باب آداب السفر إلى الحج وغيره ، الباب الرابع ( باب كراهة اختيار الاثنين للسفر ) ؛ وكذا الباب السابع : ح ٩ ص ٣٦٠ .

(٢) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٦٠ .

(٣) نقلاً عن بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٥٨ ص ١٧٦ .

٢٦٦

وأخرج البخاري في صحيحه في باب الرؤيا الصالحة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) ، وكذا ذكرها بعدّة أسانيد في باب الرؤيا الصالحة ( جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) كما عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأنس(١) .

أقسام الوحي

ذكر المفسّرون أنّ للوحي أكثر من معنى ، استعملها القرآن الكريم : كالإيحاء إلى النحل وإلى أُمّ موسى ونحوها .

وعلى هذا الأساس ، فلو عُبّر في بعض الروايات بالوحي لا يعني ذلك أنّ المقصود منه هو الوحي الرسالي والنبوّة أبداً ، بل لابد أن يكون المراد غير ذلك ، ومن أقسام الوحي في القرآن الكريم ما يلي :

١ ـ الوحي بمعنى الإلهام : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً ) (٢) ، كما نصّ على ذلك النحّاس ، حيث قال : روي عن الضحّاك أنّه قال : ألهمها ، وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٨ ص ٦٨ ، ص ٧٠ .

(٢) النحل : آية ٦٨ .

٢٦٧

ستره ، فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي )(١) ، وكذا قيل إنّ من الوحي الرحماني بمعنى الإلهام ، قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى ) (٢) .

٢ ـ الوحي بمعنى الخلق : عن السدّي( أَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (٣) ، قال : ( خلق في كل سماء خلقها من الملائكة ، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ، وعن قتادة( وَأَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها )(٤) .

٣ ـ الوحي بمعنى إلقاء القول بخفاء : كما في قوله تعالى :( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ ) (٥) .

٤ ـ الوحي بمعنى الإشارة والكتابة : كما نقل القرطبي في تفسير قوله تعالى :( فَأَوْحَى‏ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (٦) ، عن الكلبي وقتادة وابن منبه : أوحى إليهم أشار ، وعن القتبي : أومأ ، وعن مجاهد : كتب على الأرض ، وأمّا عكرمة فيقول : كتب في كتاب ، والوحي في كلام العرب الكتابة ...(٧) .

٥ ـ الوحي بمعنى الإسرار : كما في قوله تعالى :( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى‏ بَعْضٍ

ـــــــــــــ

(١) معاني القرآن ، النحاس : ج ٤ ص ٨٣ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) فصلت : آية ١٢ .

(٤) جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ٢٤ ص ١٢٥ .

(٥) الأنفال : آية ١٢ .

(٦) مريم : آية ١١ .

(٧) تفسير القرطبي ، القرطبي: ج ١١ ص ٨٥ ؛ وكذا ما في : جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ١٦ ص ٦٨ ؛ وتفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ١١٩ .

٢٦٨

زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (١) .

٦ ـ الوحي بمعنى الإلقاء في الروع : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٢) .

قال الجبائي : ( كان الوحي رؤيا منام ) ، وقال الزجاج : ( معنى أوحينا إلى أُمّ موسى أعلمناها ) ، وقال عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره : ( عن قتادة في قوله وأوحينا إلى أُمّ موسى ، قذف في نفسها )(٣) .

وفي زاد المسير لابن الجوزي : ( فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه إلهام قاله ابن عباس ، والثاني : إنّ جبرائيل أتاها ، وبذلك قاله مقاتل ، والثالث : أنّه كان رؤيا منام )(٤) .

٧ ـ الوحي بمعنى الأمر : كما في قوله تعالى( بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَى‏ لَهَا ) (٥) ، ذكره القرطبي في تفسيره(٦) .

إذن للوحي معان عديدة ، فمن السذاجة حصره بالوحي الرسالي وممّا يؤيّد جميع ما ذكرنا ما جاء في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من

ـــــــــــــ

(١) الأنعام: آية ١١٢ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) تفسير الصنعاني ، عبد الرزاق الصنعاني : ج ٣ ص ٨٧ ؛ وكذلك في : تفسير الطبري : ج ٢ ص ٣٧؛ ومعاني القرآن: النحاس : ج ٥ ص ١٥٧ .

(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج ٦ ص ٨٧ ؛ وهكذا انظر : تفسير القرطبي : ج ٦ ص ٣٦٣؛ ج ١٣: ص ٢٥٠ .

(٥) الزلزلة : آية ٥

(٦) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ٦ : ص ٣٦٣ .

٢٦٩

الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (١) .

والنتيجة : هي أنّ الوحي انقطع والائمّةعليهم‌السلام ليسوا بأنبياء .

الخلاصة

١ ـ إنّ انقطاع النبوّة والوحي الرسالي بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بديهيات وضروريات مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، والتراث الشيعي مليء بالروايات التي تنطق بهذه الحقيقة .

٢ ـ مضافاً إلى ما سبق من وجود الجمّ الغفير من الروايات التي تؤكّد هذه الحقيقة ، فقد أجمع علماؤنا على انقطاع الوحي بعد موت نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه خاتم النبيين .

٣ ـ ورد الوحي في القرآن الكريم على معان عديدة ؛ لذا فإطلاق الوحي ـ لو وجد في بعض الروايات ـ لا يعني ذلك أنّ المراد هو وحي النبوّة والرسالة .

ـــــــــــــ

(١) نقلاً عن بحار الأنوار : المجلسي : ج ٥٨ : ص ١٧٦ .

٢٧٠

تأليه الإمام عند الشيعة

الشبهة :

الشيعة يؤلّهون أئمّتهم ويتخذونهم أرباباً من دون الله .

الجواب :

تمهيد :

أوّلاً : إنّ هذا القول والادعاء باطل لا أساس له من الصحّة أبداً ، فهذه كتب الشيعة ومؤلّفاتهم حَكَمَاً بيننا ، فهي تصرح بأنّ الأئمّةعليهم‌السلام عباد لله تعالى ، بل إنّ سيّدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نال جميع المقامات السامية والرفيعة بالعبودية لله تعالى ، حيث قال الله عزّ وجلّ :( سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى‏ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى‏ الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) .

ومجاميع الشيعة الحديثية مليئة بالروايات الصحيحة والصريحة التي تحذّر من فرق المغالين وعقيدتهم الفاسدة ، وإليك بعضها على سبيل الاختصار :

ـــــــــــــ

(١) الإسراء : آية ١ .

٢٧١

أولاً* : نهي أهل البيتعليهم‌السلام عن الغلو :

١ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( لا ترفعوني فوق حقّي فإنّ الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً ) (١) .

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :( إيّاكم والغلو فينا ، قولوا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ) (٢) .

٣ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً :( أنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممّن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( فمَن ادعى للأنبياء ربوبية وادعى للأئمّة ربوبية أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة ) (٤) .

٥ ـ عن مرازم قال : قال الإمام الصادقعليه‌السلام :( قال للغالية توبوا إلى الله فإنّكم كفّار فسّاق مشركون ) (٥) .

٦ ـ ما عن سدير قال : ( قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة ، يتلون بذلك علينا قرآناً( وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِله ) (٦) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ،

ـــــــــــــ

* للتنويه فقط : نشير هنا إلى أن لا وجود لـ ( ثانياً ) ؛ فإمّا وردت ( أوّلاً ) عن غير قصد ، أو لم تذكر بقيّة النقاط سهواً أو غير ذلك ! [ الشبكة ] .

(١) عيون أخبار الرضا ، الصدوق : ص ٢١٧ .

(٢) الخصال : الصدوق : ص ٦١٤ .

(٣) عيون الأخبار ، الصدوق : ج ١ ص ٢١٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ١ ٢١٧ .

(٥) رجال الكشي : ج ٢ ص ٥٨٧ ح ٥٢٧ .

(٦) الزخرف : ٨٤ .

٢٧٢

وبرئ الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (١) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٢) .

٧ ـ وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :( احذروا على شبابكم من الغلاة لا يفسدونهم فإنّ الغلاة شر خلق الله يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) (٣) .

مواقف علمائنا من الغلاة

١ ـ قال الشيخ الصدوقرحمه‌الله : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة أنّهم كفّار بالله تعالى ، وأنّهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المؤمنون : آية ٥١ .

(٢) الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٦٩ ، ص ٢٧٠ .

(٣) الأمالي ، الطوسي : ص ٢٥٠ .

(٤) الاعتقادات الصدوق : ص ٩٧ .

٢٧٣

٢ ـ قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذريتهعليهم‌السلام إلى الألوهية وهم ضلاّل كفّار ، حكم فيهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّةعليهم‌السلام بالإكفار والخروج عن الإسلام )(١) .

٣ ـ وقال الشيخ كاشف الغطاءرحمه‌الله : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهمعليهم‌السلام فيبرؤن من تلك الفرق براءة تحريم ويبرؤون من تلك المقالات ، ويعدّونها من أشنع الكفر والضلالات ، ليس دينهم إلاّ التوحيد المحض وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق )(٢) .

٤ ـ وقال الشيخ المظفّررحمه‌الله : ( لا نعتقد في أئمّتناعليهم‌السلام ما يعتقده الغلاة والحلوليون( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) (٣) ، بل عقيدتنا الخاصة أنّهم بشر مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وإنّما هم عباد مكرّمون اختصهم الله بكرامته وحباهم بولايته إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوى والشجاعة والكرم والفقه ، وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به ، قال إمامنا الصادقعليه‌السلام :( ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا ، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا ) )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تصحيح الاعتقادات ، المفيد : ص ١٣١ .

(٢) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص ٣٨ ، نشر دار الأعلمي ، ١٣٩٧ هـ .

(٣) الكهف : آية ٥ .

(٤) عقائد الإمامية ، محمد رضا المظفّر : ص ٧٣ ـ ٧٤ .

٢٧٤

وكيف نغالي في أهل البيتعليهم‌السلام وندعي لهم الألوهية ونحن نروي أن الإمام الرضاعليهم‌السلام كان يقول في دعائه :

( اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من الحول والقوّة ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بك ، اللّهم لا تليق الربوبية إلاّ بك ، ولا تصلح الإلهية إلاّ لك ، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك ، والعن المظاهين لقولهم من بريتك ، اللّهمّ إنّا عبيدك لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، اللّهمّ مَن زعم أنّنا أرباب ، فنحن إليك منه براء ) (١) .

ثانياً : إنّ ما تمسّك به المستشكل عبارة عن روايتين ضعيفتين ، أحداهما رواية واردة في البحار ، عن تفسير العياشي ضعيفة السند ، مضافاً إلى جهالة الجعفري إذ لم يذكر له توثيق في كتب الرجال .

وكذا ما في الرواية الأخرى التي وردت في كتاب تأويل الآيات للسيد علي الأسترآبادي ، (عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(٢) فطريق السيد إلى علي بن أسباط مجهول ، فالرواية مقطوعة السند ولا يمكن الاعتماد عليها ، بالإضافة إلى ما في نسبة الكتاب إلى السيد من كلام .

فلا اعتماد على هذه الرواية ولا على أختها في المسائل الفرعية ، فضلاً عمّا إذا كانت من المسائل الاعتقادية .

ـــــــــــــ

(١) الاعتقادات ، المفيد : ص ٩٩ ـ ١٠٠ .

(٢) تأويل الآيات ، الأسترآبادي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٥

ثالثاً : إنّ الإمامية الاثني عشرية لديهم مباني وأُصول أصّلها لهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام يسيرون على طبقها في قبول الرواية أو ردّها ، ومن تلك الأصول هي : إنّ كل ما يخالف العقل الصريح والقرآن الكريم من الروايات يردّ ولا يقبل :

١ ـ فعن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) (١) .

٢ ـ وقد ورد في صحيح محمد بن الحر قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(٢) .

٣ ـ وجاء عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :( إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) (٤) .

٥ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إنّ على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ) (٥) .

٦ ـ عن سدير قال : ( قال أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهم‌السلام :لا تصدق علينا إلاّ ما

ـــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ٢٧ : ص ١١١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١١ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١٠٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٠ .

(٥) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٩ .

٢٧٦

وافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

وغيرها من الروايات التي بهذا المضمون .

ولا شك أنّ تأليه الإمام وجعل المخلوق في مرتبة الخالق ، والفقير في مرتبة الغني ممّا يرفضه صريح العقل ، وصريح القرآن الكريم ، كقوله تعالى :( إِن كُلّ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرّحْمنِ عَبْداً ) (٢) .

وعلى هذا الأساس فإذا جاءتنا رواية يظهر منها تأليه الإمام نردّها ولا نقبلها ولو كانت صحيحة السند ، فضلاً عمّا لو كانت ضعيفة ، خصوصاً فيما لو كانت المسألة من المسائل الاعتقادية ، بل من أساس العقائد .

رابعاً : لو فرضنا جدلاً وجود رواية صحيحة ومقبولة من الناحية الاعتقادية إلاّ أنّه يمكن القول أنّها تستهدف الإشارة إلى أمر دقيق وحسّاس يحتاج إلى المزيد من النباهة والفطنة وإمعان النظر ، إلاّ أنّه قبل الولوج في بيان المقصود والذي تستهدفه الرواية ينبغي الإشارة إلى نقطة أساسية تساهم في توضيح المراد وتحول دون وقوع الالتباس فيه :

وملخّصها :

إنّ القرآن الكريم يؤكّد على وجود إمام هدى وإمام ضلال في هذا العالم ، كما في قوله الله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣) ، ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ

ـــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه : ج ٢٧ : ص ١٢٣ .

(٢) مريم : آية ٩٣ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

٢٧٧

الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ) (٢) فهناك أئمّة هدى وأئمّة كفر وضلال .

ولا شك أنّ إمام الهدى من الله تعالى ، وإمام الضلال من الطاغوت والشيطان .

وعلى ضوء هذه النقطة ، نقول : إنّ الرواية تنبّه على أمر بالغ الخطورة على واقع الإنسان العملي ، حيث إنّها تخاطبه ، وتقول : أيّها الإنسان لا تتخذ في حياتك وفي سلوكك وتعاملك إمامين ، إمام هدى وإمام ضلال ، فإنّ مَن يتخذ ويتبع هذين الإمامين معاً سوف يقع في الشرك بالله تبارك وتعالى من حيث لا يشعر ؛ إذ معنى ذلك هو الإيمان بجاعل أئمّة الهدى وهو الله تعالى ، وجاعل أئمّة الضلال وهو غيره تعالى ، وهو عين الشرك به عزّ وجلّ ، وهذا المعنى بنفسه يلتقي مع قوله تعالى:( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) (٣) ، فالإمامعليه‌السلام يريد أن يشير إلى إنّ نتيجة اتخاذ الإنسان إمامين في آن واحد ( إمام هدى مع إمام ضلال )(٤) ، حصيلته الشرك بالله عزّ وجلّ .

فمَن أراد الالتزام بمبدأ التوحيد وأن لا يتخذ إلهين اثنين ، عليه أن لا يتبع إمامين : إمام حق من الله وإمام باطل من غيره تعالى ؛ لأنّ هذا هو الشرك الذي ينافي مضمون الآية المباركة .

وهذا المعنى بنفسه هو الذي ذكرته بعض الروايات ومنها تلك الرواية

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٤١ .

(٢) التوبة : ١٢ .

(٣) النحل : ٥١ .

(٤) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٨

التي نقلها السيد شرف الدين علي الأسترآبادي : ( عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(١) ، فهذه الرواية تؤكّد المعنى الذي قرّرناه آنفاً ، ولهذا فهم السيد الأسترآبادي من الرواية نفس المعنى الذي فهمناه ، حيث قال في كتابه تأويل الآيات تفسيراً لمعنى الرواية : ( يعني كما أنّه لا يجوز أن يكون إله مع الله سبحانه كذلك لا يجوز أن يكون إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد ؛ لأنّ الهدى والضلال لا يجتمعان في زمن من الأزمان ، والزمان لا يخلو من إمام هدى من الله يهدي الخلق )(٢) .

فعندما نجد بعض الروايات الضعيفة في بعض الكتب ، فليس من الصحيح أن ننسب شيئاً إلى طائفة بكاملها اعتماداً عليها أو على رواية ضعيفة واحدة ، وهذا لا يختص بمذهب الشيعة فقط ، بل كتب أهل السنّة ومنها الكتب المعتبرة كالصحاح والسنن وغيرها ممّا تحتوي على مثل هذه الروايات الضعيفة بشهادة كبار علمائهم بتضعيفها .

الخلاصة

١ ـ إنّ ما ذكر في الشبهة مجرّد ادعاء لا أساس له في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد صرّح وأكّد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما بلغ من مقامات فهو في إطار العبودية ، وفي هذا المقام روايات متضافرة ، فإذا كان هذا الحال مع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الكيفية ، فكيف بأهل البيتعليهم‌السلام وهم يأتون بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدرجة والمقام .

ـــــــــــــ

(١) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٩

٢ ـ إنّ وصف الإمامعليه‌السلام بصفة الألوهية يعد من الغلو ، ولا يخفى موقف أهل البيتعليهم‌السلام من الغلو والمغالين ، حيث تبرّأ أئمّة أهل البيت عن هؤلاء المغالين ، وكل مَن يصفهم بالربوبية والألوهية .

٣ ـ إنّ مواقف علمائنا واضحة تجاه المغالين فقد وصفوهم بأنّهم أنجس من اليهود والنصارى .

٤ ـ لو فرض وجود رواية صحيحة في المقام إلاّ أنّه لا يمكن قبولها لتعارضها مع كتاب الله تعالى ، وقد أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ألاّ نأخذ إلاّ بما وافق القرآن الكريم وترك كل ما خالفه ، فيما إذا لم يكن هناك طريق لتوجيه الرواية الصحيحة المفروض صحتها .

٥ ـ لو فرضنا جدلاً وجود رواية مثل هذه وكانت صحيحة إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّها ترمي الإشارة إلى مطلب آخر حاصله أنّها تحذّر الإنسان من اتخاذه إمامين في آن واحد ، إمام هدى وإمام ضلال ، كما حكى ذلك الحق تعالى بقوله :( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) ؛ لأنّه يؤدّي إلى الشرك والضلال .

٢٨٠