رسالة المحقق الكركي الجزء ٢

رسالة المحقق الكركي0%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 271

رسالة المحقق الكركي

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
تصنيف:

الصفحات: 271
المشاهدات: 26251
تحميل: 3630


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 271 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26251 / تحميل: 3630
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء 2

مؤلف:
العربية

الحمد لله، والصلاة على محمد وآله.

اختلف كلام الاصحاب في أن الغائب اذا أراد أن يطلق زوجته، وقد خرج عنها في طهر قد قربها فيه كم يتربص لهاثم يطلقها؟ فقال الشيخ في النهاية: انه يتربص بها شعرا ثم يطلقها، فيقع الطلاق وان كانت حائضا.(٢) وفي موضع آخر منها: انها متى كانت طاهرا طهرا لم يقاربها فيه بجماع طلقها متى شاء، وان كانت طاهرا طهرا قربها فيه بجماع فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة اشهر.(٢) واطلق المفيد وسلار جواز طلاق الغائب متى أراد(٣) .وقريب من ذلك ابن أبي عقيل، وعلي بن بابويه(٤) .

____________________

(١) النهاية: ٥١٦

(٢) النهاية: ٥١٧.

(٣) المقنعة: ٨١، المراسم: ١٦١.

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف: ٥٨٧.

(*)

١٦١

واعتبر ابن البراج في التي خرج عنها زوجها في طهر قد قربها فيه أن يمضي لهاما بين شهر إلى ثلاثة اشهر.(١) وعبارة أبي الصلاح مطلقة به أيضا،(٢) وابن حمزة قدر بشهر فصاعدا،(٣) واعتبر ابن الجنيد في طلاق زوجة الغائب العلم بيراء‌ة رحمها من الحمل، وقدر مدة التربص بثلاثة اشهر.(٤) وقال محمد بن بابويه: ان اقصى مدة التربص خمسة اشهر أوستة، وأوسطة ثلاثة، وأدناه شهر.(٥) ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات: ففي رواية اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام : التحديد بخمسة اشهر، ستة اشهر، وادون في ذلك ثلاثة اشهر(٦) وفي رواية عنه عن أبي عبداللهعليه‌السلام : شهر.(٧) وفي صحيحة جميل بن دراج عن الصادقعليه‌السلام : اعتبار ثلاثة اشهر.

(٨) وفي صحيحة محمد بن مسلم عن احدهماعليهما‌السلام : ان الغائب يجوز

____________________

(١) المهذب ٢: ٢٨٧.

(٢) الكافى في الفقيه: ٣١٣.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٧.

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف: ٧ ٥٨.

(٥) الفقيه ٣: ٣٢٥ باب طلاق الغائب ذيل الحديث ١٥٧٢.

(٦) الفقيه ٣: ٥ ٣٢ حديث ١٥٧٣، التهذيب ٨: ٦٢ حديث ٢٠٤، الاستبصار ٣: ٢٩٥ حديث ١٠٤٣.

(٧) الكافي ٦: ٨٠ حديث ٣ باب النساء اللاتى يطلقن على كل حال.

(٨) التهذيب ٨: ٢ ٦ حديث ٢٠٣.

(*)

١٦٢

طلاقه على كل حال.(١) وفي صحيحة اسماعيل الجعفي عن الباقرعليه‌السلام : " خمس يطلقهن الرجل على كل حال " وعد منهن زوجة الغائب(٢) .

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : ان الغائب اذا علم أن امرأته يوم طلقها كانت حائضا يقع الطلاق.(٣) وقد جمع الشيخ بين هذه الاخبار بالحوالة على اختلاف عادة النساء في الحيض(٤) ، فمن علم من حال امرأته انها تحيض في كل شهر حيضة جاز له أن يطلق بعد شهر، ومن يعلم أنها لا تحيض الا في أزيد من ذلك انتظر تلك الزيادة فالمراعى في جواز ذلك مضي حيضة وانتقالها إلى طهر لم يقربها فيه بجماع.

وبمعنى هذا أفتى ابن ادريس، قال: ان الشيخ رجع عن اطلاق النهاية إلى هذا التحقيق في الاستبصار.

(٥) وافتى العلامة في المختلف باعتبار ثلاثة اشهر كقول ابن الجنيد(٦) .والذي يقتضيه النظر الصحيح والوقوف مع القوانين الاصولية هو مختار الشيخ في الاستبصار، وذلك لان الاخبار الدالة على وجوب التربص مدة ليصح الطلاق لا يجوز اجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي، ولا اطراح بعضها، فلم يبق الا الجمع بينها بالحمل على أن المراد مراعاة زمان يعلم الزوج الغائب

____________________

(١) الكافي ٦: ٨٠ حديث ٧ باب النساء اللاتى يطلقت على كل حال.

حديث ١٦١٥، التهذيب ٨: ٦١ حديث ١٩٨، الاستبصار ٣: ٢٩٤ حديث ١٣٩.

(٢) الكافى ٦: ٧٩ حديث ١ باب: النساء اللاتى يطلقن على كل حال، الفقيه ٣: ٣٣٤

(٣) التهذيب ٨: ٦٢ حديث ٢٠١، الاستبصار ٣: ٢٩٤ حديث ١٠٤٠.

(٤) الاستبصار ٣: ٢٩٥ ذيل الحديث ١٠٤٣، السرائر: ٣٢٧.

(٥) الاستبصار ٣: ٢٩٥ ذيل الحديث ١٠٤٣، السرائر: ٣٢٧.

(٦) المختلف: ٥٨٧.

(*)

١٦٣

حصول الحيض بعد طهر الجماع والانتقال عنه إلى الطهر، وأن الاختلاف منزل على اختلاف عادات النساء في حصول الحيض باعتبار شهر أو ثلاثة أو خمسة أو ستة.فقد اشتركت اخبار التربص في أن الانتقال من طهر إلى آخر شرط صحة الطلاق من الغائب ولو ظنا مستفادا من عادة المرأة ان كانت معلومة، والا فمن غالب عادات النساء.ودلت روايه أبي بصير على أنه لو طلقها وعلم يوم طلقها أنها كانت طامثا يجوز الطلاق.ولا ريب أن ما اشتركت فيه هذه الاخبار مختص بعموم الخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال.اذا تقرر ذلك فالبحث هنا يقع في مسائل:

الاولى: اذا تربص الغائب بالطلاق إلى مضي شهر حيث تكون عادة زوجته الحيض في كل شهر مرة ثم طلق، فتبين بعد ذلك تخلف العادة وأنها لم تحض، وأن الطلاق وقع في الطهر الذي جامعها فيه فالظاهر عدم صحته.لانتفاء شرط الصحة، وهو حصول استبراء الرحم.بخلاف ما لو بانت حائضا، لرواية أبي بصير السالفة، مع احتمال الصحة، لوقوعه على الوجه المعتبر شرعا فيجب اعتباره.وفيه منع، لان الشرط مفقود، والاذن له في الطلاق استنادا إلى ظن الانتقال لا يقتضي الحكم بالصحة اذا ظهر بطلان الظن.

الثانية: لو خرج في طهر لم يقربها فيه لم يجب التربص قطعا، للعلم ببراء‌ة الرحم في الحمل فيطلق متى أراد.

الثالثة: لو تربص المدة المعتبرة حيث تجب كشهر مثلا، ثم أخبره من يعتبر خبره شرعا بحيضها فطلقها حينئذ لم يصح، لان ظاهر الاخبار يقتضي العلم بطهرها وقت الطلاق أو ظنه، ولعموم الدلائل الدالة على المنع من طلاق الحائض خرج منه الصغيرة والثلاث الاخر قطعا وزوجة الغائب بعد التربص اذا ظهر كونها حائضا

١٦٤

عند الطلاق، لرواية أبي بصير السالفة،(١) فيبقى الباقي على أصله.

الرابعة: قال العلامة فخر الدين في شرح القواعد: ان الغائب اذا طلق بعد الطهر الثانى عالما بأنها حائض حين الطلاق صح طلاقها واستدل على ذلك بأن فيه جمعا بين الاخبار(٢) وما ادعاه غير واضح، وما استدل به مردود، لان الاخبار بعضها على جواز التطليق على كل حال، وبعضها دل على اعتبار مدة التربص، وهي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق، فيختص العموم بأن الزوجة الغائب انما يجوز طلاقها اذا غلب على الظن بمضي المدة المذكورة كونها طاهرا.

وكأنعليه‌السلام قال: وزوجة الغائب على كل حال اذا غلب على الظن كونها طاهرا طهرا لم يقربها فيه، وحينئذ فلا دلالة فيه على ما يدعيه أصلا.

فان قيل: يمكن الجمع بين الاخبار بوجه آخر، وهو أن يقال: الاخبار الدالة على التربص دلت على اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بكونها طاهرا وقت الطلاق وعدمه فيقيد بذلك عموم الاخبار العامة فيصير هكذا: وزوجة الغائب على كل حال اذا تربص بها المدة التي تنتقل معها من طهرالى آخر، وحينئذ فيعم ذلك ما اذا علم حيضها حين الطلاق بعد الطهر الثاني.

قلنا: هذا مردود لوجوه:

الاول: انه اذا دار الحال في التقدير في النصوص بين أمرين أو أمور وجب تقدير ما كان ألصق بالمقام، واللائح أن اعتبار الطهارة ألصق بالمقام، لان زوجة الغائب لما اعتبر فيها الاستبراء وظن الانتقال عن الحيض إلى الطهر، ولم يكتف بظن الانتقال إلى الحيض، أفاد ذلك أن أحكام زوجة الحاضر لاحقة لها، لكن لخفائه

____________________

(١) التهذيب ٨: ٦٢ حديث ١، ٢، الاستبصار ٤: ٢٩٤ حديث ١٠٤٠،

(٢) ايضاح الفوائد ٣: ٣٠٤ (*)

١٦٥

بسبب البعد اكتفي عن معرفة حالها بحسب الواقع بما يفيده معرفة عادتها.

الثاني: انا لو سلمنا أن كلا من التقديرين ممكن، فلابد من مرجح يعين التقدير الاخر الذي يبقى معه العموم، ليخص به عمومات الكتاب والسنة الدالة على المنع من طلاق الحائض.ولا ريب انه ليس هناك مرجح، ومع انتفائه فكيف يجوز الاقدام على الحكم بجواز طلاق من يعلم كونها حائضا مع قيام الدلائل الدالة على المنع وانتفائه العارض، ولا ريب أن الاقدام على حل ما دل ظاهر الكتاب والسنة على تحريمه بمثل هذا التحمل على شفا.

الثالث: انه لو جمع بين الاخبار بالدليل الذى يدل على مدعاه، لزم القول بأن من علم بالحيض قبل الطهر الاول يجب الحكم بصحة طلاقه ليتناول العموم لهذا الرد بزعمه.

فان قيل: هذا الفرد خرج بالاجماع.

قلنا: أي اجماع يدعى والمفيد وجماعة يجوزون طلاق الغائب مطلقا.اذا عرفت ذلك فاعلم أن القول بصحة الطلاق على هذا الوجه قول عري عن الدليل، بعيد عن الاحتياط، مشتمل على ارتكاب تخصيص عمومات الكتاب والسنة بما ليس بشئ وانما هو وهم محض وخيال واه، وعبارات الاصحاب مشعرة بخلاف ما ذكره.

قال في القواعد: ولوخرج مسافرا في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها وان صادف الحيض.(١) والمفهوم من المصادفة عدم العلم.

وفي التحرير: ولو طلق غير المدخول بها، أو التي غاب عنها قدرا يعلم انتقالها فيه من طهر إلى آخر جاز طلاقها مطلقا وان اتفق في الحيض.(٢)

____________________

(١) قواعد الاحكام ٢: ٦٢.

(٢) تحرير الاحكام ٢: ٥٢.

(*).

١٦٦

والمفهوم من الاتفاق نحو المفهوم من المصادفة.

وفي الشرائع: أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها به من طهر إلى آخر ثم طلق صح، ولو اتفق في الحيض(١) .ولم يحضرني في عبارة أحد من المعتبرين التصريح بالجواز مع العلم بالحيض.والله الموفق للسداد.

____________________

(١) شرائع الاسلام ٣: ١٤.

(*)

١٦٧

(٢٤) رسالة في سماع الدعوى

١٦٨

١٦٩

هل يشترط في سماع الدعوى وقوعها من المدعي بصورة الجزم، أم يكفي اسماعها تصريحه فيها بكون منشؤها الظن أو التهمة؟ فيه اوجه ثلاثة:

أحدها: يشترط، لان الدعوى توجب سلطنة على الغير بطلب الاقرار أو الانكار، ثم التحليف والرد، وذلك ضرر حقه أن ينتفي الا حيث دل الدليل على ثبوته، ولان شأن الدعوى أن يعقبها يمين المدعي، أو القضاء بالنكول.وكلاهما منتف.

أما الاول، فلا متناع الحلف على الظن.

وأما الثاني، فلان الغريم لا يستحل مال المد على عليه مع عدم تيقنه الاستحقاق ولبعده عن شبه الدعوى، اذ السابق إلى الفهم من الدعوى أنها القول الجازم.

الثاني: عدم الاشتراط عملا بعموم قوله: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم "،

____________________

(١) النساء: ٦٥.

(*) ونحوه من عمومات القرآن.

وباطلاق قولهعليه‌السلام

١٧٠

" البينة على المدعى واليمين على من أنكر "،(١) ولان في عدم قبول الدعوى على هذا الوجه ضررا عظيما، لانه حينئذ يمتنع أن يدعي الشخص بقوله وكيله وبخطه.وكذا يمتنع دعوى الطفل بعد بلوغه ورشده، والمجنون بعد افاقته، مستندا إلى قول الاب أو الجد له، أو الحاكم، أو قيمه، أو المتصرف حسبة، أو خط أحدهم.وقد قالعليه‌السلام : " لا ضرر ولاضرار في الاسلام ".(٢) وقدروى الشيخ في التهذيب أن علياعليه‌السلام سمع دعوى ولد على جماعة بدم أبيه وماله، لانه خرج معهم في سفره.ومعلوم انتفاء الجزم عن هذه الدعوى.

الثالث: السماع في ما يخفي عادة دون غيره.

أما الاول، فلانه في محل الضرورة، اذ لولاه لادى إلى ضياع الحق وعدم التوصل إلى اثباته، حملا لدلائل السماع على ما يخفى.ووجه هذا التخصيص أن محل الضرورة هو الدعوى بما يخفى عادة، كالسرقة والقتل اذ لا طريق للمدعي إلى تحصيل الجزم، ولا تقصير منه فيه، فوجب القول بالسماع حذرا من لزوم الضرر.بخلاف ما لا يخفى، اذ لا ضرورة هاهنا.وطروء النسيان مستند إلى تقصيره، فلا يثبت له سلطنة الدعوى في هذه الحالة.وهذا الاخير لا بأس به وهو المحكي عن ابن نما.ولا يخفى ضعف دلائل الوجه الاول، لانا قد بينا الدليل في محل النزاع، ونمنع كون شأن الدعوى أن يتعقبها يمين المدعي، أو القضاء بالنكول على جهة العموم، لتخلفه في مثل دعوى الحاكم والوصي، وغيره لا يقدح.اذا تقرر ذلك، فالمراد بما يخفى عادة: ما يخفى على المدعي من الافعال

____________________

(١) انظر: الكافي ٧: ١ ٤٥ باب أن البينة على المدعى، التهذيب ٦: ٢٢٩ حديث ٥٥٣، السنن الكبرى للبيهقى ١٠: ٢٥٢ كتاب الدعوى والبيانات.

(٢) الفقيه ٤: ٢٤٣ حديث ٧٧٧.

(*)

١٧١

في غالب الاحوال، أما لكون ذلك الفعل مبينا على الاخفاء وقد يطلع عليه نادرا كسرقة ماله، وقتل من يرثه، أو لبعده عنه على وجه يمتنع في العادة اطلاعه عليه كتصرف وكيله في موضع بعيد عنه، وتصرفات مورثه ووليه حيث لا يعلم ذلك الا بقول أحدهم أو رسالته أو خطه، فان هذا مثل الاول وابلغ منه في كونه يخفى عادة، وكونه في محل الضرورة فتسمع الدعوى به على هذا الحال.ولا ريب أن دلائل سماع الدعوى على هذا الوجه قائمة في هذه الصور كقيامها في التي قبلها بغير تفاوت.

وقد ذكر شيخنا الشهيد في قواعده: ان الحاكم لو ادعى بخط ميت لا وارث له سمعت الدعوى، وكان له الاستحلاف والحبس، وهذا بعض صور النزاع.(١)

____________________

(١) القاعد والفوائد ١: ٤١٣ قاعدة ١٥٢.

(*)

١٧٢

(٢٥) تعيين المخالفين لاميرالمؤمنينعليه‌السلام

١٧٣

١٧٤

الحمد لله حق حمده، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين.

أمابعد، قد برز الامر العالي المطاع - أعلاه الله تعالى وانفذه في الاقطار بتعيين المخالفين لاميرالمؤمنين وسيد الوصيين عليه من الله تعالى افضل الصلوات واكمل التحيات، والاشارة إلى شئ من احوال مخالفيهم، الموجبة لاستحقاقهم الطعن واللعن من المؤمنين، والخلود في العذاب المقيم يقوم الناس لرب العالمين.فقابله هذا الفقير بالاجابة والقبول، وكتبت ما لابد منه في تحقيق المأمول ابتغاء لوجه الله الكريم، وطمعا في الفوز بالثواب الجسيم والاجر العظيم، وتقربا لسيد المرسلين، والى أهل بيته الذين افترض الله سبحانه مودتهم وعداوة اعدائهم على الخلق.

فنقول وبالله التوفيق: ان المنحرفين عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام والمخالفين والمظاهرين على عداوته خلق كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم من بعدهم، وقد تعرض العلماء لذكر كثير منهم في كتب التأريخ والحديث، وكتب اسماء الرجال وغيرها.وروى المحدثون من أهل السنة أن معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله لعنا لا يحصى

١٧٥

كان يختلق الاحاديث الشنيعة في حق أميرالمؤمنين صلوات الله عليه وينسبها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستشهد عليها قوما من الصحابة، حتى انه في مرة من المرات شهد له على بعض مفترياته اربعمائة رجل من الصحابة، فيستحقون اللعن بذلك، لانه مروي بالاسانيد المعتبرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : " من آذى شعرة منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى "،(١) وقد قال الله تعالى: " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخره ".(٢) والذين ينبغي أن نذكرهم ها هنا هم الرؤساء والرؤوس من اعدائه دون الاتباع والاذناب.

فنقول: لاريب في عداوة أبي بكر بن أبي قحافة التيمي لاميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وبقدمه وعداوته لكافة أهل البيتعليهم‌السلام ، وكتب الحديث والتأريخ مشحونة بذلك من طرق المؤمنين والمخالفين.

وكذا ابن عمه طلحة بن عبدالله التيمي، وهو ممن ظاهر عثمان على أميرالمؤمنينعليه‌السلام يوم الشورى.

وقدقال بعض المحققين: ان أميرالمؤمنينعليه‌السلام عناه بقوله في الخطبة الشقشقية: " فصعا رجل منهم لضغنه ".(٣) فجعله صاحب ضغن وحقد وعداوة لاميرالمؤمنينعليه‌السلام .وقد كمل ذلك بمحاربته اياه يوم الجمل مع عائشة لا يلوي ولا يرعوي.ومن رؤوس اعدائه عمربن الخطاب العدوي القرشي، وهو اللفظ الغليظ

____________________

(١) نحوه في مستدرك الصحيحين ٣: ١٢٢، وكنز العمال ٦: ١٥٢، والصواعق.

المحرقة: ٧٣، وغيرها من المصادر.

(٢) الاحزاب: ٥٧.

(٣) انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلى ١: ١٨٧ و ١٨٩.

(*)

١٧٦

الجأش(١) الجاني، وأمر عداوته ايذائه لعلي وفاطمة وأهل البيتعليهم‌السلام اشهر من الشمس.ومن تابعيه على ذلك ابنه عبيدالله، وكذا ابنه عبدالله وان ستر عداوته ببعض الستر.ومن رؤوس اعدائه عثمان بن عفان الاموي، وعمه الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله وعدوه ورأس المنافقين، وولده مروان و بنوه عبدالملك واخوته وذريتهم عليهم جميعا لعنة الله.نعم نسكت عن عمربن عبدالعزيز، ونكل أمره إلى الله تعالى والى أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، لانه تظاهر في أيام ولايته بمحبة أميرالمؤمنين، والاعتراف بتفضيله وتقديمه، فلانقول فيه خيرا ولا شرا.ومن رؤوس المنافقين أبوسفيان بن حرب الاموي لعنه الله، وابنه معاوية، وولده يزيد وذريتهم.وينقل عن معاوية بن يزيد ميله إلى أهل البيت وانكاره الشديد على ابيه، وتبرؤه من فعله، ولهذا يلقب بالراجع إلى الله فنسكت عنه لذلك.والحاصل ان بني امية قاطبة ملعونون مطرودون، وبذلك وردت النصوص عن أهل البيتعليهم‌السلام .وقد ذكر المفسرون ان قوله تعالى: " والشجرة الملعونة "(٢) في القرآن المرادبها: شجرة بني امية.(٣) ومن رؤوس المنافقين عمروبن العاص القرشي الهاشمي، وهو الذي ظاهر معاوية على حرب أميرالمؤمنينعليه‌السلام ثمانية عشر شهرا، وتظاهر بعداوته،

____________________

(١) الجأش: جأش القلب: وهو رواعة اذا اضطرب عند الفزع.الصحاح ٣: ٩٩٧ " جأش ".

(٢) الاسراء: ٦٠.

(٣) انظر مجمع البيان ٣: ٤٢٤، البرهان في تفسير القرآن ٢: ٤٢٥.

(*)

١٧٧

وهو مشاهير أولاد الزنا.(١) ومنهم الوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وفحش عداوتهما لاميرالمؤمنينعليه‌السلام قد نطقت به كتب السير والاخبار، واشتهر فبلغ في الوضوح إلى مرتبة وجود النهار.ومن رؤوس المنافقين سعد بن أبي وقاص القرشي من بني زهرة، وعداوته لاميرالمؤمنين وانحرافه عنه ووقوفه بايذائهعليه‌السلام يوم الشورى، وميله إلى عبدالرحمن بن عوف، وهبته اياه نصيبه من المنازعة على الخلافة، ومظاهرته لعثمان اشهر من الشمس وقد ذكر جمع من المحققين أن أميرالمؤمنينعليه‌السلام عناه بقوله في الخطبة الشقشقية: " فضغا رجل منهم لضغنه "(٢) فنسب اليه الضغن والعداوة.وذكروا انه ورث قسطا كبيرا من عداوة أهل البيتعليهم‌السلام من اخواله بني امية، ودان بها وظهرت عنه حتى ارتفع عنها جلباب اللبس والشك، فلعنة الله عليه وعلى من لا يلعنه.

ومن رؤوس المنافقين واعلامهم واساطينهم عبدالرحمن بن عوف القرشي، من بني زهرة بن كلاب، وعداوته لاهل البيتعليهم‌السلام مما لايخفى على الاجانب والاقارب، وبذل جهده واستفرغ وسعه يوم الشورى في صرف الامر عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وتد فيه نظره في سلوك طرق العداوة ولادنى أمر لا يدفع حتى كاشفه

____________________

(١) امه نابة بنت حرملة، مشهورة بالزنا، وكانت صاحبة راية في مكة، ذكرت ذلك اروى بنت الحارث في مجلس معاوية، ولم يرد عليها احد.

وفي مجمع البحرين ٥: ١٧ " نبغ ": ومنه ابن النابغة لعمرو بن العاص، لظهورها وشهرتها في البغي.

(٢) انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ١٨٨، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني ١: ٢٦٢.

(*)

١٧٨

أميرالمؤمنين بما فعل وما اراد ودعا عليه وعلى عثمان.ومنهم سعد بن أبي العاص.ومن رؤسائهم أبوعبيدة الجراح، وهو أول من حزن وهم حين أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بولاية عليعليه‌السلام بغدير خم، وتحضض وتحرص الاول والثاني على أخذ الخلافة من أهل البيتعليهم‌السلام .

ومن رؤساء اعداء أميرالمؤمنينعليه‌السلام الزبير بن العوام القرشي من بني أسد، وقد كان في أول أمره محبا لاميرالمؤمنينعليه‌السلام ، ثم انتقل على عداوته ونكث بيعته، ومحاربته يوم الجمل مع عائشة بنت أبي بكر اخت زوجته اسماء بنت أبي بكر، وتحريض الناس من أهل البصرة وغيرهم على حربه، وقتله شئ لا يمكن اخفاؤه ولا استاره.وواقفه في ذلك راعى ابنه الرجس النجس الخبيث اللعين عبدالله، وفي الحقيقة هو عدو الله وعدو رسوله وعدو أهل بيتهعليهم‌السلام ، ولا يستحي من ذلك ولا يستره ولا يداحى فيه ولا يداهن به، ولم يزل مجدا في ذلك إلى أن قتل في ايام بني مروان فلعنة الله على القاتل والمقتول.

وأما خالد بن الوليد عليه من الله تعالى لعنات تتوالي وتتوارد وتترادف إلى يوم العرض على الله تعالى، فان هذا الجلف(١) الجاني والعلج(٢) الغسوم(٣) لا تأخذه في عداوة أميرالمؤمنينعليه‌السلام لومة لائم ولا يضيق من سكرة حنقه على أهل البيتعليهم‌السلام آنا من آناء الدهر.

____________________

(١) الجلف: الصحاح ٤: ٩ ١٣٣ " جلف ".

(٢) رجل علج، بكسر الام: أى شديد.

الصحاح ١: ٣٣٠ " علج ".

(٣) الغسم: السواد واختلاط الظلمة.

الصحاح ٥: ١٩٩٦، القاموس المحيط ٤: ١٥٦ " غسم ".

(*)

١٧٩

وهذا اللعين الفاجر هو الذي تظاهر بعداوة أميرالمؤمنينعليه‌السلام في أيام حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك غضب عليه غضبا شديدا، وقال خالد اللعين شيئا عن عليعليه‌السلام ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " لايحبه الامؤمن، ولا يبغصه الا منافق ".(١) وتعرض بقولهعليه‌السلام ذلك بخالد اللعين، فهو منافق لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .وقد روى جمع من أهل السنة أن أبابكر وعمر اتفقا مع خالد على ان يغدر بأميرالمؤمنينعليه‌السلام وهو مشغول بالصلاة فيقتله، فصرفهم الله تعالى عن ذلك.وحال خالد اللعين غني عن الشرح والبيان، لا ينكره أحد من ارباب السير ونقلة الاخبار والاثار.

ومن المجدين في عداوة أميرالمؤمنينعليه‌السلام من الصحابة عبدالله بن قيس الاشعري، المكنى بأبي موسى الاشعري، وهو عدو الله ورسوله وعدو أهل البيت، صاحب الغفلة العظيمة يوم الحكمين في حرب صفين، وبفعلته لعنة الله عليه والملائكة والناس اجمعين، اذ بفعلته تزلزل ركن الدين وتضعضعت أركان المؤمنين.وقد روى أهل السنة في كتبهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اخبارا كثيرة في الطعن عليه، والقدح في دينه، والتصريح بنفاقه، وكم له من يوم شر وفتنة في الدين.ومن المنحرفين عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام أنس بن مالك، منكر شهادته يوم الغدير.وأبوهريرة المشهور بالاكاذيب في الدين.

____________________

(١) انظر: سنن الترمذى ٢: ٣٠١، سنن النسائى ٢: ٢٧١، سنن ابن اجة: ٢ ١، مسند احمد بن حنبل ١: ٨٤، تأريخ بغداد ٢: ٢٥٥، حلية الاولياء ٤: ١٨٥، كنزل العمال ٦: ٣٩٤، وغيرها من المصادر الكثيرة.

(*)

١٨٠