تذكرة الفقهاء الجزء ١

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: 403
المشاهدات: 212066
تحميل: 7429


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 212066 / تحميل: 7429
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-5503-34-5
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عليه وآله فأمرها أن تغتسل لكلّ صلاة(1) ، وهو محمول على الكثرة ، وتحمل الصلاة على الواحدة وما ماثلها كالظهرين والعشاء‌ين.

وقالت عائشة : تغتسل كلّ يوم غسلاً ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وروي عن ابن عمر(2) ، فإن سعيد بن المسيب روى أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر(3) قال مالك : إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنّما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه ، يعني أنّه بالطاء غير المعجمة فابدلت بالظاء المعجمة(4) .

وقال بعضهم : تجمع بين كلّ صلاة جمع بغسل وتغتسل للصبح لحديث حمنة(5) ، وسيأتي ، وبه قال عطاء ، والنخعي(6) وهو مذهبنا في القسم الثالث ، وهو الدم الكثير ، وسيأتي.

مسألة 91 : وإن كثر الدم حتى غمس القطنة ولم يسل وجب عليها الغُسل لصلاة الغداة خاصة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وتغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(7) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجز

__________________

1 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ـ 90 صحيح مسلم 1 : 263 / 334 ، سنن الترمذي 1 : 229 / 129 ، سنن النسائي 1 : 181 ـ 182 ، سنن أبي داود 1 : 77 / 289 ـ 291 ، سنن الدارمي 1 : 196 و 221 ، سنن البيهقي 1 : 327.

2 ـ المجموع 2 : 536 ، المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390.

3 ـ سنن ابي داود 1 : 81 / 301 ، المجموع 2 : 536 ، المغني 1 : 408 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 81 ، ذيل الحديث 301 ، المغني 1 : 408.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 221 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174 ، سنن البيهقي 1 : 338.

6 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 400.

7 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 224 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.

٢٨١

الكرسف فعليها الغُسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة »(1) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليها ثلاثة أغسال(2) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر ولا تحني ، وتضم فخذيها في المسجد »(3) وهو محمول على السيلان.

مسألة 92 : وإن سال الدم فعليها ثلاثة أغسال ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وتؤخر الظهر وتقدم العصر ، وغسل للمغرب والعشاء كذلك ، وغسل لصلاة الغداة ، وإن كانت متنفلة اغتسلت غسل الغداة لها ولصلاة الليل ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال عطاء ، والنخعي(4) ـ لما تقدم في حديث الصادقعليه‌السلام (5) ، ورواه الجمهور في حديث حمنة(6) ، وسيأتي.

واكثر الجمهور ـ كالشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ قالوا : على المستحاضة الوضوء لكلّ صلاة ، ولا يجب الغُسل وإن كثر دمها(7) ، لقولهعليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( إنّما ذلك عرق وليست بالحيضة ،

__________________

1 ـ الكافي 3 : 89 / 4 ، التهذيب 1 : 170 / 485.

2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 65.

3 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

4 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ـ 400.

5 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

6 ـ سنن الترمذي 1 : 222 و 225 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، أبي داود 1 : 76 ـ 77 / 287 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174.

7 ـ المجموع 2 : 541 ، فتح العزيز 2 : 435 ، المغني 1 : 408 ، مسائل أحمد : 25 ، المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، اللباب 1 : 46 ، بداية المجتهد 1 : 60 ، المحلى 1 : 252.

٢٨٢

فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، وتوضئي لكلّ صلاة )(1) ، وهو محمول على القسم الاول.

وقال عكرمة ، وربيعة ، ومالك : إنّما عليها الغُسل عند انقضاء حيضها ، وليس عليها للاستحاضة وضوء(2) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فاغتسلي وصلي )(3) ولم يذكر الوضوء لكلّ صلاة ، وهو حوالة على العموم.

فروع :

أ ـ يجب على هذه تغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.

ب ـ قال المفيد : تصلّي هذه بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معاً على الاجتماع ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء ، وكذا في صلاة الليل والغداة(4) .

__________________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 204 / 624 ، سنن أبي داود 1 : 80 / 298 ، سنن الدارقطني 1 : 212 / 35 ـ 38 ، سنن البيهقي 1 : 343 ، المستدرك للحاكم 1 : 175 ، صحيح البخاري 1 : 87 ، صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، مسند أحمد 6 : 83 ، الموطأ 1 : 61 / 104 ، سنن النسائي 1 : 122 و 185 و 186 ، سنن الترمذي 1 : 217 / 125.

2 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، عمدة القارئ 3 : 277.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، سنن ابن ماجة 1 : 203 / 621 ، سنن النسائي 1 : 122 و185 ـ 186 ، سنن أبي داود 1 : 74 / 282 ، الموطأ 1 : 61 / 104 سنن البيهقي 1 : 343 ، سنن الدارقطني 1 : 206 / 1 و 2 ، وفيها : فاغسلي عنك الدم وصلي.

4 ـ المقنعة : 7.

٢٨٣

واقتصر الشيخ على الاغتسال ، وكذا المرتضى ، وابنا بابويه(1) .

وابن إدريس أوجب الوضوء لكلّ صلاة(2) وهو حسن ، وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك ، وقول بعضهم : إنّ الباقرعليه‌السلام قال : « فلتغتسل ولتستوثق من نفسها ، وتُصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت »(3) والتفصيل قاطع للشركة(4) ، لا حجة فيه ، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغُسل وعدمه.

ج ـ قال بعض علمائنا : إذا اجتمع الوضوء والغسل توضأت للاستباحة واغتسلت لرفع الحدث ، تقدم الوضوء أو تأخر ، إذ الحدث باق مع التقدم ، ومع التأخر يرتفع الحدث بالغسل(5) . والحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في علية رفع الحدث.

مسألة 93 : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم والتوقي منه لأنّه حدث دائم كالسلس ، لا يمنع الصوم والصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إنّ كانت تتيمم ، وتحشوه بخرقة ، أو قطنة ، فإن كان الدم قليلاً يندفع به فلا بحث ، وإلّا تلجمت مع ذلك بأن تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها والاُخرى وراء‌ها وتشدهما بتلك الخرقة.

وهو واجب إلّا مع التضرر بالشد ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحمنة بنت جحش : ( أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ) قالت : هو أكثر

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67 ، الناصريات : 224 مسألة 45 ، الفقيه 1 : 50.

2 ـ السرائر : 30.

3 ـ التهذيب 1 : 169 / 483.

4 و 5 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 66.

٢٨٤

من ذلك ، قال : ( فتلجمي ) قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : ( فاتخذي ثوباً )(1) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « تحتشي وتستثفر »(2) ، والاستثفار والتلجم واحد. وإذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الاُخرى ، وللشافعي وجهان(3) .

تذنيب : صاحب السلس ومن به البطن يجب عليهما الاستظهار في منع النجاسة بقدر الإمكان ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كان الرجل يقطر منه الدم والبول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطناً ثم علقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ، ثم صلّى ، يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ، بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح »(4) .

وقال بعض المتأخرين منّا : لا يجب على من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كلّ صلاة ، وإن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل ، والتعدي قياس(5) . وليس بجيد ، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.

مسألة 94 : لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، لقولهعليه‌السلام لحمنة : ( توضئي

__________________

1 ـ سنن الترمذي 1 : 221 / 128 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، مسند أحمد 6 : 381 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 و 174 ، سنن البيهقي 1 : 338.

2 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

3 ـ المجموع 2 : 534.

4 ـ الفقيه 1 : 38 / 146 ، التهذيب 1 : 348 / 1021.

5 ـ هو المحقق في المعتبر : 67.

٢٨٥

لكل صلاة )(1) ، ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(2) ولأن الدم ناقض وهو متجدد فتنتقض الطهارة به ، وسقط اعتباره بالنسبة إلى الصلاة الواحدة دفعا للمشقة ، وخلاصا عن تكليف ما لا يطاق.

وقال الشافعي : تتوضأ لكلّ صلاة فريضة ، ولا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة ، وتُصلّي مع الفريضة النوافل(3) ، لقولهعليه‌السلام في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(4) وهو حجة لنا.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : تجمع بين فريضتين في وقت واحد(5) ، وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة ، لأنّهعليه‌السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( توضئي لوقت كلّ صلاة )(6) ولا حجة فيه ، إذ وقت كلّ صلاة ما يفعل فيه.

__________________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 204 / 624 ، سنن أبي داود 1 : 80 / 298 ، سنن الدارقطني1 : 212 / 35 ، سنن البيهقي 1 : 345 ، والحديث في المصادر عن فاطمة بنت أبي حبيش.

2 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

3 ـ المجموع 2 : 535 و 541 ، فتح العزيز 2 : 435 ، مغني المحتاج 1 : 112 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، الشرح الكبير 1 : 392.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 80 / 297.

5 ـ شرح فتح القدير 1 : 159 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، المغني 1 : 390 ، الشرح الكبير 1 : 392 ، المجموع 2 : 535.

6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.

٢٨٦

وقال ربيعة ، ومالك ، وداود : لا وضوء على المستحاضة(1) ، لأنّهعليه‌السلام قال لاُم حبيبة بنت جحش : ( إنّ هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق ، فاغتسلي وصلي )(2) ولم يأمرها بالوضوء. ويعارضه ما تقدم ، والإهمال للعلم بالحكم.

وقال الأوزاعي ، والليث : تجمع بطهارتها بين الظهر والعصر لأنّ لها أن تجمع بين نوافل ، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة(3) . والحكم في الأصل ممنوع.

فروع :

أ ـ صاحب السلس والمبطون يتوضآن لكلّ صلاة ، ولا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد ، لوجود الحدث.

ب ـ المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه ، وإن لم يتمكن توضأ وصلّى ، فإن فجأه الحدث ، قيل : يتطهر ويبني(4) ، والأقوى عدم الالتفات كالسلس.

ج ـ قال الشيخ في المبسوط : ولو توضأت بعد وقت الصلاة غير

__________________

1 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المجموع 2 : 535 ، شرح النووي لصحيح مسلم 1 : 388 ، عمدةالقارئ 3 : 277 ، سبل السلام 1 : 100 ، المحلى 1 : 253 ، المغني 1 : 389.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ـ 90 ، صحيح مسلم 1 : 263 / 334 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 626 ، سنن ابي داود 1 : 73 / 281 و 77 / 288 ، سنن البيهقي 1 : 348 و 349 و 350 ، المستدرك للحاكم 1 : 173 ، مسند أحمد 6 : 83 ، سنن النسائي 1 : 121 و 181 و 182 ، سنن الترمذي 1 : 229 / 129.

3 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 127 ـ 128.

4 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 43.

٢٨٧

متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح ، لأنّ المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كلّ صلاة(1) ، وهو يعطي المقارنة.

وقال أصحاب الشافعي : إنّ أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة والخروج إلى المسجد ، وانتظار الصلاة جاز ، وإن كان لغير ذلك فوجهان : المنع لأنّه لا حاجة بها إلى ذلك ، والجواز لأنّه قد جوّز لها تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، فهذا تأخير مأذون فيه(2) .

د ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا توضأت للفرض جاز أن تصلّي معه ماشاء‌ت من النوافل(3) ، وبه قال الشافعي(4) ، وفيه نظر ، فإن الدم حدث ، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه ، وهو الصلاة الواحدة ، ولقول الصادق : « توضأت وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(5) .

هـ ـ لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح ، وبه قال الشافعي(6) إذ لاضرورة إليه.

ولو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلى أن خرج الوقت ، قال بعض الشافعية : لا يصح أن تصلّي بذلك الوضوء ـ وهو مذهبنا ـ وجوز بعضهم ، لأنّ الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت(7) .

و ـ لو توضأت ودخلت في الصلاة وخرج الدم قبل دخولها أو بعده ،

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.

2 ـ المجموع 2 : 537 ، فتح العزيز 2 : 435 ، السراج الوهاج : 31 ، شرح النووي لصحيح مسلم 1 : 389.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.

4 ـ المجموع 2 : 535 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 388 ـ 389.

5 ـ الكافي 3 : 88 ـ 89 / 2 ، التهذيب 1 : 106 ـ 107 / 277.

6 ـ المجموع 2 : 537 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 389.

7 ـ المجموع 2 : 537 ـ 538 ، المهذب للشيرازي 1 : 53

٢٨٨

فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشدّ والطهارة ، وإن كان لغلبة الدم وقوته لم تجب إعادة الصلاة ، لعدم الاحتراز من ذلك ، وبه قال الشافعي(1) .

ز ـ لو توضأت والدم بحاله ، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة ، قال الشيخ : تستأنف الوضوء(2) ـ وبه قال الشافعي(3) ـ ، لأنّ دمها حدث ، وقد زال العذر فظهر حكم الحدث ، فإن صلّت والحال هذه أعادت ، لعدم الطهارة ، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.

ولو انقطع في أثناء الصلاة ، قال في المبسوط والخلاف : لا يجب الاستئناف ، لأنّها دخلت دخولا مشروعا(4) ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الاستئناف بعد الطهارة وغسل ما بها من الدم لأنّ عليها نجاسة ، وقد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة ، فوجب عليها استئناف الطهارة(5) ، وهو الاصح عندهم.

ح ـ إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة ويمسك أخرى ، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة والصلاة وجب إيقاعهما فيه ، وانتظرته ما لم يخرج الوقت ، وإن ضاق جاز لها أن تتوضأ وتُصلّي حال جريانه ، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز ، فإن اتصل انقطاعه بطلت صلاتها ـ وهو قول الشافعية(6) ـ لأنّا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة ، ولهم وجه آخر.

ولو كان دمها متصلاً فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع ،

__________________

1 ـ فتح العزيز 2 : 437.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.

3 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 2 : 439.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68 ، الخلاف 1 : 252 ، مسألة 222.

5 ـ المجموع 2 : 539.

6 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 1 : 441.

٢٨٩

فدخلت في الصلاة ولم تعد الطهارة ، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة والصلاة ، فالوجه عندي عدم البطلان ، والشيخ أبطلهما(1) ـ وهو قول الشافعية(2) ـ ، لأنّ ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة ، فلم تفعل وإن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة ، فقد لزمها بظاهره إعادةالطهارة فإذا لم تفعل وصلّت لم تصح صلاتها.

ط ـ قال أبو حنيفة : المستحاضة ، ومن به السلس ، والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كلّ صلاة ، فيصلون به ما شاء‌وا من الفرائض والنوافل ، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم ، وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة اُخرى عند أبي حنيفة ، ومحمد(3) .

وقال زفر : ينتقض بدخول الوقت لا غير(4) ، وقال أبو يوسف : ينتقض بأيهما كان(5) .

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر ، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة ، ومحمد ، ويبطل عند زفر وأبي يوسف.

ولو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض ، وقياس قول زفر ، أنها لا تنتقض ، وعندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.

مسألة 95 : إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الاغسال ، والوضوء

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.

2 ـ المجموع 2 : 540 ، فتح العزيز 2 : 441.

3 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، شرح فتح القدير 1 : 159 ، شرح العناية 1 : 159 ، المجموع 2 : 535 ، فتح العزيز 2 : 437 ، فتح الباري 1 : 325 ، الباب 1 : 46 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 388 ، نيل الأوطار 1 : 347 ، المحلى 1 : 253.

4 ـ شرح فتح القدير 1 : 160 ، شرح العناية 1 : 160.

5 ـ شرح فتح القدير 1 : 161 ، شرح العناية 1 : 161.

٢٩٠

والتغيير للقطنة ، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ويجوز لها استباحة كلّ شيء يستبيحه الطُهر كالصلاة ، والطواف ودخول المساجد وحل الوطء.

ولو لم تفعل كان حدثها باقيا ولم يجز أن تستبيح شيئاً مما يشترط فيه الطهارة.

أما الصلاة فظاهر ، وأما الصوم فإن أخلت بالاغسال مع وجوبها بطل ، ووجب عليها الإعادة ، ولا كفارة إلّا مع فعل المفطر ، ولو لم يجب الاغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها ، لعدم اشتراطه بالوضوء.

وأما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا : يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

وقال المفيد : لا يجوز لزوجها وطؤها إلّا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق ، وغسل الفرج بالماء(1) . والأقرب الكراهة ، لقوله تعالى :( فإذا تطهّرن فأتوهن ) (2) يريد من الحيض ، ولأن حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها(3) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلّا أيام قرئها »(4) .

أما الجمهور فاختلفوا ، فقال الشافعي : يجوز وطئ المستحاضة ، ولم يشترط غسلاً ولا وضوء‌اً ، وبه قال أكثر أهل العلم(5) لحديث حمنة(6) .

__________________

1 ـ المقنعة : 7.

2 ـ البقرة : 222.

3 ـ سنن ابي داود 1 : 83 / 310 ، سنن البيهقي 1 : 329.

4 ـ الكافي 3 : 90 / 5.

5 ـ الاُم 1 : 63 ، المجموع 2 : 372 ، بداية المجتهد 1 : 63 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 386 ، نيل الأوطار 1 : 356 واُنظر سنن البيهقي 1 : 329.

6 ـ سنن أبي داود 1 : 83 / 130 ، سنن البيهقي 1 : 329.

٢٩١

وقال الحكم ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وأحمد بن حنبل : لا يحل وطؤها مطلقاًً إلّا أن يخاف على نفسه العَنَت ، لأنّه أذى فأشبه الحيض(1) ، وهو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض ، بل يشبه دم البواسير.

فروع :

أ ـ لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أول النهار وصامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم ، ولا للصلاة إن كان البرء ، ولو كان لا له وجب ، ولو كانت تعلم عوده ليلا ، أو قبل الفجر وجبت الاغسال الثلاثة.

ب ـ لو كان الدم قليلاً فأخلت بالوضوء أو فعلته وصامت ، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغُسل عنده للصلاة والصوم ، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم ، إذ لم تفعل ما هو شرطه ، والصحة لانعقاده أولا فلا تؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة ، وإن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة اذ قد فعلتها ، وفي وجوبه للصوم نظر.

ج ـ لو أخلت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاء‌ين بطلت الصلاة ، والوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.

المطلب الثاني : في أقسام المستحاضات

مقدمة : قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام ، فإن زاد الدم على ذلك فقد استحيضت المرأة وامتزج حيضها بطهرها ، ولعُسر التمييز بينهما وضع

__________________

1 ـ المغني 1 : 387 ، الشرح الكبير 1 : 401 ، المجموع 2 : 372 ، بداية المجتهد 1 : 63 ، تفسير القرطبي 3 : 86 ، المحلى 2 : 218 ، نيل الأوطار 1 : 356 ، شرح النووي لصحيح مسلم2 : 387.

٢٩٢

الشارع قوانين لذلك ، ومداره على سنن ثلاث وضعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن جماعة سألوا الصادقعليه‌السلام عن الحيض فقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، حتى أنّه لم يدع لاحد مقالا فيه بالرأي.

أما إحدى السنن : الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثم استحاضت فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها وقدر حيضها ، وقال : إنّما هو عرق ، فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتُصلّي ، قال الصادقعليه‌السلام : هذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.

ثم قال : وأما سنة التي كانت لها أيام متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، وزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإن سنّتها غير ذلك ، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إني استحيض فلا أطهر ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، فكانت تغتسل في كلّ صلاة.

وقال الصادقعليه‌السلام : كان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، فلهذا احتاجت إلى أن تميز إقبال الدم من إدباره ، وتغير لونه من السواد إلى غيره.

ثم قال : وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الاُولى والثانية ، وذلك انَّ امرأة تسمى حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلّى الله

٢٩٣

عليه وآله فقالت : إني استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كرسفاً ، فقالت : إنّه أشد من ذلك إني أثجه ثجا ، فقال لها : تلجمي وتحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً وأخري الظهر وعجلي العصر ، واغتسلي غسلاً وأخري المغرب وعجلي العشاء ، واغتسلي غسلاً »(1) .

مسألة 96 : إذا انقطع الدم لعشرة ـ وهو مما يمكن أن يكون حيضاً ـ فهو حيض إجماعاً ، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إمّا أن تكون مبتدأة أو ذات عادة ، فهنا بحثان :

الأول : المبتدأة ، فإن كان لها تمييز عملت عليه ، ويشترط فيه اختلاف لون الدم ، وأن ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة ، ولا يزيد على عشرة ، وأن يتجاوز المجموع العشرة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد(2) ـ لقولهعليه‌السلام : ( إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فاذا أدبرت فاغسلي عنك الدم )(3) وفي رواية : ( فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر توضئي إنّما هو عرق )(4) وقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حار محتدم له حرقة ، ودم الاستحاضة فاسد بارد »(5) .

__________________

1 ـ الكافي 3 : 83 / 1 ، التهذيب 1 : 381 / 1183.

2 ـ المجموع 2 : 403 ـ 404 ، فتح العزيز 2 : 448 ، بداية المجتهد 1 : 54 و 55 ، المغني ، 1 : 358 ـ 359 ، الشرح الكبير 1 : 358 ـ 359.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 262 / 333 ، سنن الترمذي 1 : 217 / 125 ، سنن أبي داود 1 : 74 / 282 ، سنن النسائي 1 : 124 ، الموطأ 1 : 61 / 104 ، سنن ابن ماجة 1 : 203 / 621 ، سنن الدارقطني 1 : 206 / 2.

4 ـ سنن النسائي 1 : 123 ، سنن الدارقطني 1 : 206 ـ 207 / 3.

5 ـ الكافي 3 : 91 ـ 92 / 3 ، التهذيب 1 : 151 / 431.

٢٩٤

وقال أصحاب الرأي : لا اعتبار بالتمييز(1) ، واختلفوا ، فقال أبو حنيفة : حيضها عشرة أيام من كلّ شهر ، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة وطهر ، فيجعل عشرة من ذلك حيضاً لوجود الدم في ميقاته(2) .

وقال زفر : يؤخذ بالاقل لأنّه اليقين(3) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالاقل ، وفي الحِلَّ للأزواج والصوم والصلاة بالأكثر احتياطاً(4) .

فإن فقدت التمييز ، قال علماؤنا ترجع إلى عادة نسائها كالاخت والعمة وبنتيهما ، فإن فقدن أو اختلفن ، قال الشيخ في الخلاف : ترجع إلى الروايات(5) . وقال المرتضى : تترك الصلاة ثلاثة أيام في كلّ شهر إلى عشرة(6) .

و قال الصدوق : فأكثر جلوسها عشرة أيام(7) .

وقال الشيخ : ترجع إلى أقرانها من بلدها ، فإن فقدن او اختلفن فإلى الروايات(8) ، وبالرجوع إلى النساء قال عطاء ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد في رواية(9) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.

____________

1 ـ المغني 1 : 359 ، حلية العلماء 1 : 223.

2 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 153 ، شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402 ، فتح العزيز 2 : 448 ، اللباب 1 : 46.

3 ـ المجموع 2 : 402.

4 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 154 ، شرح فتح القدير 1 : 155 ، المجموع 2 : 402.

5 ـ الخلاف 1 : 234 ، مسألة : 200.

6 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 55.

7 ـ الفقيه 1 : 51.

8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 46 ـ 47.

9 ـ المغني 1 : 377 و 378 ، الشرح الكبير 1 : 357.

٢٩٥

وسأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنَّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة أيام »(1) وقال الباقرعليه‌السلام : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر على ذلك بيوم »(2) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : تُردّ إلى أقل الحيض يوم وليلة ، وتقضي صلاة أربعة عشر يوماً ، فإنها تترك الصلاة إلى أكثره ، وبه قال أحمد في إحدى الروايات ، وأبو ثور ، وزفر ، لأنّه المتيقن ، وما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك(3) .

والثاني : تُردّ إلى غالب عادة النساء ست أو سبع ، وبه قال عطاء والثوري والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات(4) ، لأنّ حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة ، فجئت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أستفتيه فوجدته في بيت اختي زينب ، فقلت : يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة ، وإنه لحديث ما منه بد ، وإني لاستحي منه ، فقال : ( ما هو يا بنتاه؟ ) قالت : إني امرأة استحاض حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها؟ فقال : ( أثقب لك الكرسف؟ ) فقلت : هو أشد من ذلك ، فقال : ( تلجمي ) فقلت : هو أشد من ذلك. فذكرت الخبر إلى أن قال : ( إنّها ركضة من ركضات الشيطان ، تحيضي فيعلم الله ستاً أو سبعاً ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعة وعشرين ليلة وأيامها ، أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي

__________________

1 ـ الكافي 3 : 79 / 3 ، التهذيب 1 : 380 / 1181 ، الاستبصار 1 : 138 / 471.

2 ـ التهذيب 1 : 401 / 1252 ، الاستبصار 1 : 138 / 472.

3 ـ المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، الاُم 1 : 61 ، المجموع 2 : 398 و 402 ، فتح العزيز 2 : 458 ، الوجيز 1 : 26 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 391.

4 ـ المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، المجموع 2 : 398 و 402 الاُم 1 : 61.

٢٩٦

فإنه يجزيك )(1) وظاهره أنها كانت مبتدأة لأنّه لم ينقل أنّه سألها عن حالها قبل ذلك ، ولو كانت معتادة لوجب ردها إلى عادتها.

وقال مالك : تقعد عادة لداتها(2) ، وتستظهر بثلاثة أيام(3) . وقال أبو حنيفة : تحيض أكثر الحيض(4) . وعن مالك : تقعد خمسة عشر يوماً ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّه لا يجوز لها ترك الصلاة إلى الأكثر ، فلا يلزمها القضاءبالشك(5) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في الصوم والصلاة بالاقل ، وفي وطئ الزوج بالأكثر(6) .

فروع :

أ ـ لا يشترط في التمييز التكرار ، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود ، وفي آخر خمسة ، وفي آخر سبعة ، كان ما تراه بصفة الحيض في كلّ شهر حيضا.

ب ـ لو رأت الأسود والأحمر وتجاوز ، فالأسود حيض والأحمر طهر ، ولو رأت الأحمر والأصفر ، فالأحمر حيض والأصفر طهر ، سواء كان ما شابه الحيض أول أو أوسط أو آخر ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر : اعتبار

__________________

1 ـ سنن ابي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 ـ 224/ 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، سنن الدار قطني 1 : 214 / 48 ، المستدرك للحاكم 1 : 172.

2 ـ لداتها : أترابها ومفردها لدة كعدة ، تاج العروس : 1 : 325 ، النهاية لابن الاثير 4 : 246 مادة « لدا ».

3 ـ المدونة الكبرى 1 : 49 ، حلية العلماء 1 : 221 ، فتح العزيز 2 : 461.

4 ـ شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402 ، المغني 1 : 380 ، الشرح الكبير 1 : 361 ، حلية العلماء 1 : 221.

5 ـ المغني 1 : 378 ، الشرح الكبير 1 : 357 و 363 ، المدونة الكبرى 1 : 49.

6 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 154 ، شرح فتح القدير 1 : 158 ، المجموع 2 : 402.

٢٩٧

التقديم(1) .

ولو رأت ثلاثاً ثم انقطع يوم العاشر ، أو ما دونه ، كان الدمان وما بينهما من النقاء حيضاً كالجاري ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة »(2) .

ج ـ لو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أحمر ، ثم اصفر ، وتجاوز ، فالحيض الأسود ، ولو رأت ثلاثة أصفر ، وتركت الصلاة والصوم إلى العاشر ، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضاً ، حتى تأخذ في الأسود عشرا ، فإن انقطع فالأسود حيض وما تقدمه طهر ، فإن تجاوز فلا تمييز لها.

د ـ العادة قد تحصل من التمييز ، فلو مر بها شهران ورأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الاشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين ، ولا تنظر إلى اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

هـ ـ قال في المبسوط : لو رأت المبتدأة أولاً دم الاستحاضة خمساً ، ثم أطبق الأسود إلى بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة والباقي استحاضة(3) ، وهو مشكل ، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة ، والأقرب أنّه لا تمييز لها كما تقدم.

ثم قال : لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة ، والباقي بصفة الحيض ، واستمر فثلاثة من أوّله حيض ، وعشرة طهر ، وما رأته بعد ذلك من

__________________

1 ـ المجموع 2 : 407 ، فتح العزيز 2 : 453 ، الوجيز 1 : 26 ، مغني المحتاج 1 : 113 ، حلية العلماء 1 : 223.

2 ـ التهذيب 1 : 156 / 448 ، الاستبصار 1 : 130 / 449.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 46.

٢٩٨

الحيضة الثانية(1) وفيه إشكال ، إذ لا تمييز هنا ، إلّا أن تقصد اعتبار الأقل ، لأنّه المتيقن.

قال : ولو رأت ثلاثة دم الحيض ، وثلاثة دم الاستحاضة ، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة ، فالكل حيض ، وإن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضاً ، والستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها وصومها(2) . والأقرب أنّه لا تمييز لها.

و ـ إذا لم يكن للمبتدأة تمييز ولا أقارب ولا أقران ، تحيضت في كلّ شهر بستة أو سبعة على المشهور ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لحمنة : تحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة »(3) وقد تقدم خلاف الجمهور.

وفي قول لنا : تترك الصلاة والصوم في الأول أكثر أيام الحيض ، وفي الثاني أقلّه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثم تصلّي عشرين يوماً ، وإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً »(4) وهما متقاربتان.

ولنا قولان آخران ، أحدهما : أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض. والثاني : أكثره ، والأقرب الاول.

ز ـ هل المراد بقولهعليه‌السلام : ( ستة أيام أو سبعة )(5) التخيير؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه ويتغلب أنّه حيضها؟ قيل : بالأول عملا

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 47.

2 ـ المبسوط 1 : 50.

3 ـ الكافي 3 : 86 ـ 87 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.

4 ـ التهذيب 1 : 381 / 1182 ، الاستبصار 1 : 237 / 469.

5 ـ الكافي 3 : 87 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.

٢٩٩

بمقتضى الظاهر(1) وقيل : بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب وتركه(2)

ح ـ للشافعية وجهان في الرجوع إلى النساء ، أحدهما : نساء زمانها في الدنيا كلها ، وأصحهما : اعتبار عادة نساء عشيرتها وقومها ، لأنّ الحيض يعود إلى الجبلة والطبع ، فتكون هي كعشيرتها ، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها ، لأنّها إليهن أقرب(3) وقد بيّنا مذهبنا.

ط ـ الايام التي تجلسها من لا تمييز لها ، الأقرب أنها من أول الدم ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوماً »(4) مع احتمال التخيير على ضعف.

ي ـ إذا رددناها إلى الأقل فالثلاثة حيض بيقين ، وما زاد على العشرة طُهر بيقين ، وما بينهما هل هو طُهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على طهر المعتادة ، والثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها ، وتُصلّي وتصوم وتقضيه(5) .

وإن رددناه إلى الست أو السبع ، فالاقل حيض بيقين ، والزائد على الأكثر طُهر بيقين ، وما زاد على الأقل إلى الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على زمان عادة المعتادة ، والثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الايام لاحتمال أنها طهر ولم تصلّ ، وفيما زاد على الست والسبع إلى العشر قولان(6) ، وكلا القولين في التقادير عندي محتمل.

يا ـ شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً ، ولا

__________________

1 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 56.

2 ـ حكاه المحقق أيضاً في المعتبر : 56.

3 ـ المجموع 2 : 399 ، فتح العزيز 2 : 458 ـ 459.

4 ـ التهذيب 1 : 381 / 1183 ، الاستبصار 1 : 137 / 469.

5 ـ المجموع 2 : 400 ، فتح العزيز 2 : 465 ـ 466 ، مغني المحتاج 1 : 114.

6 ـ المجموع 2 : 400 ، فتح العزيز : 465 ـ 466.

٣٠٠