تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 166535
تحميل: 4891


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166535 / تحميل: 4891
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

السلام : ( صلّوا خلف مَنْ قال : لا إله إلّا الله )(١) .

ولأنّ صلاته صحيحة ، فصحّت إمامته ، كالعدل(٢) .

والخاص مقدّم ، والقياس باطل ، لقيام الفرق بين العدل المقبول إخباره والفاسق المردود قوله.

قالت الشافعيّة : المختلفون في المذاهب ثلاثة أقسام : قسم لا نكفّرهم ولا نفسّقهم ، وهُمْ : المختلفون في الفروع كالحنفية والمالكيّة ، ولا يكره الائتمام بهم. وقسم نكفّرهم ، وهم : المعتزلة ، فلا يجوز الائتمام بهم.

وقسم نفسّقهم ولا نكفّرهم ، وهُمْ : الذين يسبّون السلف ، والخطّابية ، وحكم هؤلاء حكم مَنْ يفسق بالزنا وشرب الخمر وغيرهما ، ويكره الائتمام بهم(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون إماماً لمحق أو لمخالف مثله ، ولا بين أن يستند في مذهب إلى شبهة أو تقليد.

مسألة ٥٦٤ : العدالة شرط في الإمام‌ ، فلا تصح خلف الفاسق وإن كان معتقدا للحق ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( لا تؤمَّنَّ امرأة رجلاً ولا فاجر مؤمناً )(٥) .

وقولهعليه‌السلام ، لأبي ذر : ( كيف أنت إذا كان عليك اُمراء يؤخّرون الصلاة عن وقتها؟ ) قال : قلت : فما تأمرني؟ قال : ( صلّ الصلاة لوقتها ،

____________________

(١) الاُم ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٧ ، عمدة القاري ٥ : ٢٣٢ ، وانظر : المغني ٢ : ٢٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٥.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٣.

(٣) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٩ ، المسألة ٢٩٠.

(٤) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١.

٢٨١

فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا تُصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصداً »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام « لا تصلّ إلّا خلف مَنْ تثق بدينه وأمانته »(٣) .

وسأل إسماعيل ، الرضاعليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر اُصلّي خلفه؟ قال : « لا »(٤) .

وحكى المرتضى عن أبي عبد الله البصري أنه موافق لنا ، ويحتجّ على ذلك : بإجماع أهل البيتعليهم‌السلام ، وكان يقول : إنّ إجماعهم حجّة(٥) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : تجوز على كراهة(٦) - وعن أحمد روايتان(٧) - لقولهعليه‌السلام : ( لا تكفّروا أحداً من أهل ملّتكم بالكبائر ، الصلاة خلف كلّ إمام ، والجهاد مع كلّ أمير ، والصلاة على كلّ ميت )(٨) .

ولأنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، صلّيا خلف مروان(٩) . وصلّى ابن‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ / ٦٤٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١١ ، الخصال : ١٥٤ / ١٩٣ ، والتهذيب ٣ : ٣١ / ١٠٩ و ٢٨٢ / ٨٣٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠ و ٢٧٧ / ٨٠٨.

(٥) نقله الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦٠ ، المسألة ٣١٠.

(٦) الاُم ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ - ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٧) المغني ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٦ ، المحرّر في الفقه ١ : ١٠٤ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ - ١٧٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٠.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٥٧ / ٨.

(٩) سنن البيهقي ٣ : ١٢٢.

٢٨٢

عمر مع الحجّاج(١) .

وأخبارنا أخصّ فتقدّم ، مع أنّ حديثهم متروك الظاهر ، فإنّ أمير البغاة أمير ولا يجاهد معه ، والميت منهم لا يصلّى عليه ، والصلاة خلف المعتزلة ينكرها أصحاب الشافعي(٢) ، وتجوز للتقيّة ، كما فعل الإِمامانعليهما‌السلام ، مع مروان.

فروع :

أ : لو كان فسقه خفيّاً وهو عدل في الظاهر‌ ، فالوجه أنّه لا يجوز لمن علم فسقه الائتمام به ؛ لأنّه ظالم عنده ، مندرج تحت قوله تعالى( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) .

ب : لا فرق بين الفرائض اليومية وغيرها من الجمع والأعياد عند علمائنا في اشتراط العدالة.

وقال أحمد : لا تشترط العدالة ، بل يصلّى خلفهم ، لأنّ الله تعالى أوجب الجمعة وهو يعلم أنّ بني العباس سيلونها(٤) .

والوجوب منوط بالإِمام العادل.

وهل تعاد عنده لو صلّاها خلف الفاسق؟ روايتان(٥) .

ولو كان المباشر لها عدلاً والمولّي له غير مرضي الحال لبدعته أو فسقه ، صحّت الجمعة ، ولا تعاد قولاً واحداً.

ج : المخالف في الفروع الاجتهادية باجتهاد يصح أن يكون إماماً.

____________________

(١) سنن البيهقي ٣ : ١٢١.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٤.

(٣) هود : ١١٣.

(٤و٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧.

٢٨٣

ولو علم أنّه يترك واجباً أو شرطاً يعتقده المأموم دون الإِمام ، فالأقوى عندي : عدم جواز الاقتداء به ؛ لأنّه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسداً للصلاة ، فلم يصح ائتمامه ، كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد فيها.

فلا يصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها وإن قرأها ، لأنّه يوقعها على وجه الندب ، فلا تجزئ عن الواجب.

وكذا لا يصح أن يصلّي مَنْ يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلاً خلف مَنْ يعتقد تسويغه مع لبسه لا مطلقاً.

د : لو فعل الإِمام شيئاً يعتقد تحريمه من المختلف فيه ، فإن كان ترك ما يعتقده شرطاً للصلاة أو واجباً فيها ، فصلاته فاسدة‌ ؛ لأنّه مأمور بالعمل باجتهاده.

وصلاة مَنْ يأتمّ به كذلك وإن اعتقد تسويغ الترك ؛ لأنّه صلّى خلف مَنْ يعتقد بطلان صلاته ، ومن شرط الاقتداء إسقاط صلاة الإِمام القضاء.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كنكاح بنته المخلوقة من الزنا ، فإن داوم عليه فهو فاسق لا تجوز الصلاة خلفه ، وإلّا فلا.

وإن كان الفاعل عاميّا وقلّد من يعتقد جوازه ، فلم يكن عليه شي‌ء ، لأن فرضه التقليد.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة كالقران بين السورتين ، بطلت صلاته وصلاة المأموم أيضاً وإن اعتقد تسويغه ؛ لما تقدّم.

مسألة ٥٦٥ : طهارة المولد شرط في الإِمام ، فلا تصح إمامة ولد الزنا عند علمائنا ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ولد الزنا شرّ الثلاثة )(١) وإذا كان شرّه أعظم من شرّ أبويه ، ولا تصح إمامتهما ، فكذا هو.

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة ولد الزنا‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ٢٩ / ٣٩٦٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣١١ ، المستدرك للحاكم ٤ : ١٠٠.

٢٨٤

ولا يؤمّ الناس »(١) .

ولأنه غير مقبول الشهادة ، فلا يصلح للإِمامة ؛ لأنّها تتضمّن معنى الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.

وكرهه الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك(٢) . وسوّغه الثوري وأحمد وإسحاق من غير كراهة(٣) ؛ لقول عائشة : ما عليه من وزر أبويه شي‌ء(٤) .

ولا دلالة فيه.

أمّا مَنْ لا يُعرف أبوه ، ولا عُلم كونه ولد زنا ، فالوجه : صحّة إمامته ، لظهور العدالة وعدم علم المنافي.

نعم إنّه مكروه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ، ومالك(٥) - لأنّ رجلاً كان يؤمّ الناس بالعقيق لا يعرف أبوه ، فنهاه عمر بن عبد العزيز(٦) ، ولم ينكر عليه أحد.

ولأنّ الإِمامة موضع فضيلة ، فلا ينبغي أن يتقدّم مَنْ لا يعرف أبوه لنقصانه.

وقال الثوري وأحمد وإسحاق : لا يكره ، واختاره ابن المنذر ، ورواه عن‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٦ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٤.

(٢) المجموع ٤ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٨ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، زاد المستقنع : ١٧ ، كشاف القناع ١ : ٤٨٤ ، المجموع ٤ : ٢٩٠.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ ، والمستدرك للحاكم ٤ : ١٠٠ وفيه عن عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وانظر : المغني ٢ : ٦٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٩.

(٥) الاُم ١ : ١٦٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٨ ، الميزان للشعراني ١ : ١٧٦.

(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٦ - ٢١٧.

٢٨٥

مالك(١) ؛ لأنّ عائشة قالت : ما عليه من وزر أبويه شي‌ء(٢) .

ونحن نقول بموجبه ؛ إذ ليس عليه إثم الزنا ، لكن الأبوان شرّان باعتبار فعل الزنا وهو عارض لهما ، وهو شرّ باعتبار تولّده عنه.

وكذا تصح إمامة ولد الشبهة.

مسألة ٥٦٦ : يشترط في إمام الرجال والخناثى : الذكورة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل للرجل ولا للخنثى عند علمائنا أجمع - وبه قال عامة الفقهاء(٣) - لقولهعليه‌السلام في خطبته : ( ألا لا تؤمّنّ امرأة رجلاً )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( أخّروهنّ من حيث أخَّرهنّ الله )(٥) .

ولأنّ المرأة لا تؤذّن للرجال ، فلا تكون إمامة لهم كالكافر.

ولأنّهنّ مأمورات بالستر ، والإِمام بالاشتهار ، وهم ضدّان.

وقال أبو ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري : تجوز في صلاة التراويح إذا لم يكن قارئ غيرها ، وتقف خلف الرجال(٦) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، كان يزور اُمّ ورقة بنت نوفل في بيتها ، فجعل لها مؤذّناً يؤذّن لها ، وأمرها أن تؤمّ أهل دارها(٧) . وهذا عام في الرجال والنساء.

والدار قطني روى أنّه أمرها أن تؤمّ بنساء أهل دارها(٨) . ولأنّه محمول عليه ؛ إذ لا يمكن جريانه على عمومه في الفرائض ، فكذا في النوافل ،

____________________

(١) الميزان للشعراني ١ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من الصفحة ٢٨٤.

(٣) المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١.

(٥) مصنف عبد الرزاق ٢ : ١٤٩ / ٥١١٥ ، كشف الخفاء ١ : ٦٩ / ١٥٦ ، تمييز الطيب من الخبيث : ١٦ / ٤٦ ، التذكرة في الأحاديث المشتهرة : ٦٢ ، وفيها عن ابن مسعود.

(٦) حلية العلماء ٢ : ١٧٠ ، المجموع ٤ : ٢٥٥ ، وانظر : المغني ٢ : ٣٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٢.

(٧) سنن أبي داود ١ : ١٦١ - ١٦٢ / ٥٩٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٠.

(٨) سنن الدار قطني ١ : ٢٧٩ / ٢.

٢٨٦

فتختص بالنساء.

فروع :

أ : يصلّي الرجال بالنساء ذوات محارمه ، وإن كنّ أجنبيات ولا رجل معهنّ ، فكذلك.

وكرهه الشافعي(١) ؛ لأنّهعليه‌السلام ، نهى عن أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية(٢) .

ب : لا يجوز أن يكون الخنثى المشكل إماماً للرجل‌ ؛ لجواز أن تكون امرأةً ، ولا يؤمّ خنثى مثله ، ولا أن يأتم بامرأة.

ج : لو صلّى رجل أو خنثى خلف خنثى ، فبان الإِمام رجلاً ، لم تجزئه صلاته ؛ لأنّه دخل دخولاً منهيّاً عنه ، والنهي يقتضي الفساد ، وكان حالة الدخول شاكّاً في صلاته. وهو أحد قولي الشافعي. وفي الآخر : لا تجب ؛ لأنّه ظهر أنّه ممّن تجوز الصلاة خلفه(٣) .

د : إذا وقف للصلاة ، جاز للرجال والنساء الاقتداء به ، سواء نوى استتباع الرجال والنساء ، أو استتباع الرجال خاصة ، او استتباع النساء خاصة ، أو لم يَنْو استتباع أحد - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ كلَّ طائفة تصح صلاتها خلف الإِمام إذا نوى استتباعها جاز وإن لم يَنْوها ؛ قياساً على الرجال.

وقال أبو حنيفة : إن نوى استتباع الفرقتين ، جازت صلاتهما معا خلفه.

وكذا إن نوى استتباع النساء خاصّة. وإن نوى استتباع الرجال خاصة ، لم يجز للنساء الصلاة خلفه(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥.

(٢) المستدرك للحاكم ١ : ١١٤ ، ومجمع الزوائد ٥ : ٢٢٥ نقلاً عن الطبراني في الأوسط.

(٣) المجموع ٤ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، وقوله : لا تجب. أيّ : لا تجب إعادة الصلاة.

(٤) المجموع ٤ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، الوجيز ١ : ٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٨١.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ٣٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٨١.

٢٨٧

مسألة ٥٦٧ : لا يؤمّ القاعد القيّام‌ عند علمائنا أجمع ، فلو أمّ قاعدٌ قائماً ، بطلت صلاة المأموم - وهو قول محمد بن الحسن ومالك في إحدى الروايتين(١) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يؤمنّ أحد بعدي جالساً )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحّاء »(٣) .

ولأنّ القيام ركن ، فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه ، كسائر الأركان.

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري وأبو ثور ومالك في الرواية الْاُخرى : يصلّون خلفه قياماً وهو قاعد ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّى في مرض موته جالساً وأصحابه قياماً(٤) (٥) .

ولا يجوز حمل غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عليه ؛ لشرفه وعظم منزلته. ولأنّه أراد منع إمامة غيره في تلك الصلاة.

وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر : يصلّون خلفه جلوساً ؛ لأنّ أبا هريرة روى عنهعليه‌السلام : ( إنّما جُعل الإِمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا‌

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، المدونة الكبرى ١ : ٨١ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٣ - ٢١٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، اللباب ١ : ٨٢ ، المغني ٢ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، عمدة القارئ ٥ : ١٩١.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٣٩٨ / ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٠ ، والفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٥٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٤ / ٩٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ٨٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، شرح فتح القدير ١ : ٣٢٠ ، عمدة القارئ ٥ : ١٩٠ - ١٩١ ، المجموع ٤ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٨ ، المغني ٢ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦.

٢٨٨

عليه وإذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً أجمعون )(١) (٢) .

ولو سلّم ، حُمل على عموم العذر.

فروع :

أ : إذا كان الإِمام الراتب مريضاً لا يقدر على القيام ، لم يجز أن يؤمّ بالقيّام‌ ، لكن يستحب أن يستخلف غيره إجماعاً ؛ ليخرج عن الخلاف.

ب : لو صلّوا خلف القاعد قياماً ، بطلت صلاتهم عندنا‌ ، وكذا إن صلّوا جلوساً ، لإِخلالهم بالركن.

وأبطل أحمد صلاتهم قياماً خلفه في رواية(٣) .

وهي من أغرب الأشياء.

ج : شرط أحمد في إمامة القاعد للقادر على القيام أمرين : أن يكون القاعد إمام الحي ، وأن يكون مرضه يرجى زواله(٤) .

ولا وجه للشرطين ، بل الحقّ البطلان في الجميع على ما تقدّم.

د : لو صلّى قائماً فاعتلّ فجلس ، أتمّوا الصلاة قياما‌ منفردين عنه ، فإن استخلف أو استخلفوا صلّوا جماعة ، وإلّا انفردوا ، ولا يجوز لهم الائتمام به ، خلافاً للجمهور.

وسوّغ أحمد هنا قيامهم ، لأنّ القيام هو الأصل ، فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالشارع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها(٥) .

ه : لو استخلف بعض الأئمة في وقتنا ثم زال عذره فحضر‌ ، فهل يجوز‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨٤ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ / ٤١٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ / ٦٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٩٧ و ١٥٦.

(٢) المغني ٢ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٦١ ، المجموع ٤ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٠ ، الإنصاف ٢ : ٢٦١.

(٤) المغني ٢ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٦٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥١ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الإنصاف ٢ : ٢٦٢.

٢٨٩

أن يفعل كفعل النبيعليه‌السلام مع أبي بكر(١) إن صلّى قاعداً؟ لم يجز عندنا وقد سبق.

وعن أحمد روايتان : المنع ، لاختصاصهعليه‌السلام به ، لأنّه مخالف للقياس ، فإنّ انتقال الإِمام مأموماً وانتقال المأمومين من إمام إلى آخر إنّما يجوز مع العذر. والجواز(٢) .

و : يجوز للعاجز عن القيام أن يؤمّ مثله إجماعاً‌ ، ولا يشترط كونه إماماً راتباً ، ولا ممّن يرجى زوال عذره(٣) إجماعاً.

ز : لا يجوز أن يكون المومئ إماماً للقائم والقاعد‌ - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(٤) - لأنه أخلّ بركن لا يسقط في النافلة ، فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالْاُمّي.

ولأنّه يصلّي بغير ركوع وسجود ، فلا يجوز أن يكون إماماً لمن يصلّي بركوع وسجود ، كما لو صلّى صلاة الجنازة.

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّه فِعْلٌ أباحَهُ المرض ، فلم يغيّر حكم الائتمام ، كالقاعد إذا أمّ القائم(٥) .

ح : لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة القادر عليه‌ كالمضطجع ، ومَنْ‌

____________________

(١) اُنظر : صحيح البخاري ١ : ١٧٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٢ / ٤١٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٤.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥١.

(٣) هذا هو الصحيح. وفي نسختي « ش وم » : ولا ممّن يرجى زوال بُرئه.

(٤) الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٥ ، اللباب ١ : ٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤.

(٥) المجموع ٤ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٠ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢.

٢٩٠

لا يتمكّن من ركوع أو سجود ، وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي(١) ، خلافاً للشافعي(٢) ، والتقريب ما تقدّم(٣) .

ط : لا يجوز أن يؤمّ المقيّد المطلقين ؛ لعجزه عن القيام ، ولا صاحب الفالج الأصحّاء كذلك ؛ للحديث(٤) ، ويجوز أن يؤمّ الأعرج.

ى : تجوز إمامة أقطع اليدين أو الرِّجْل أو الثلاثة‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - للعموم. وفي الْاُخرى : لا تصح ؛ لأنه يخلّ بالسجود على بعض أعضاء السجود ، فأشبه العاجز عن السجود(٥) . والفرق ظاهر.

ولا تجوز إمامة أقطع الرِجْلين ، وتجوز إمامة الخصيّ والجندي.

مسألة ٥٦٨ : لا يجوز أن يأتمّ القارئ بالأمّي في الجهرية والإِخفاتية‌ عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله(٦) .

ونعني بالاُمّي مَنْ لا يحسن قراءة الفاتحة أو لا يحسن القراءة.

وقال الشافعي : الاُمّي مَنْ لا يحسن الفاتحة أو بعضها ولو كلمة واحدة(٧) .

وقالت الحنفية : الاُمّي مَنْ لا يحسن من القرآن ما يصلّي به(٨) ؛ لأنّ‌

____________________

(١) بلغة السالك ١ : ١٥٦ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٦٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤٠ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٢.

(٣) تقدم في الفرع السابق.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤ ، وتقدّم الحديث في صدر المسألة.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣١ - ٣٢.

(٦) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، القوانين الفقهية : ٦٩ ، الاُم ١ : ١٦٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٧) المجموع ٤ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٨.

(٨) اللباب ١ : ٨٢.

٢٩١

القراءة واجبة مع القدرة ، ومع الائتمام بالْاُمّي تخلو الصلاة عن القراءة ، وقالعليه‌السلام : ( لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب )(١) .

ولأنّ الإِمام يتحمّل القراءة عن المأموم ، ومع عجزه لا يتحقّق التحمّل.

وقال أبو ثور والمزني وابن المنذر والشافعي في القديم : يجوز مطلقاً - وهو مروي عن عطاء وقتادة - لأنّ القراءة ركن في الصلاة فجاز أن يكون العاجز عنه إماماً للقادر كالقاعد يؤمّ القائم(٢) .

والأصل ممنوع ، والفرق : أنّ القيام لا مدخل له في التحمّل ، بخلاف القراءة.

وللشافعي قول ثالث : الجواز في صلاة الإِخفات دون الجهر(٣) .

والفرق : أنّ المأموم عنده لا تجب عليه القراءة في الجهرية ، وتجب في الإِخفاتية(٤) .

فروع :

أ : لو صلّى القارئ خلف الْاُمّي ، بطلت صلاة المأموم خاصة‌ - وبه قال الشافعي في الجديد ، وأبو يوسف ومحمد وأحمد(٥) - لأنّه أمَّ مَنْ لا يجوز له أن يأتمّ به ، فتبطل صلاة المؤتمّ خاصة ، كالمرأة تؤمّ الرجل.

____________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢١٦ - ٨٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٣ - ٨٣٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٢١ - ١٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧ بتفاوت يسير في الجميع.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٦٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٣) المجموع ٤ : ٢٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢٣٩ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٧٩ ، المجموع ٣ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٣ : ٣٠٩.

(٥) المجموع ٤ : ٢٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

٢٩٢

وقال أبو حنيفة : تبطل صلاتهما معا(١) .

وعلّل أبو حازم : بأنّه أفسد صلاة الْاُمّي ؛ لأنّه يمكنه أن يقتدي بالقارئ فيؤدّي صلاته بقراءة(٢) .

وهذا يدلّ على أنّه لا يصلّي وحده.

ونحن نقول بموجبه إن كان القارئ مرضيّاً عنده.

وعلّل الكرخي : بأنّ الْاُمّي لـمّا أحرم معه ، صح إحرامه معه ، فلمّا دخل معه لزمه القراءة عنه ، فإذا عجز عنها ، بطلت صلاته(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ هذا الْاُمّي بإحرامه لا تجب عليه القراءة لنفسه ، فكيف يجب أن يتحمّل عن غيره؟!

ب : يجوز أن يؤمّ الْاُمّي مثله بشرط عجز الإِمام عن التعلّم أو ضيق الوقت ، لاستوائهما في الأفعال.

ج : الْاُمّي يجب عليه الائتمام بالقارئ المرضي مع القدرة وعدم التعلّم ، وليس له أن يصلّي منفرداً ، هذا هو الأقوى عندي ، لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فيجب عليه.

وقال الشافعي : لا يجب(٤) لأنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن ؛ فقال : ( قُلْ : سبحان الله والحمد لله )(٥) ولم يأمره بالائتمام بالقارئ.

ونحن نقول بموجبه ، إذ الواجب عليه حالة الانفراد ذلك ، ودليل‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٨ ، المجموع ٤ : ٢٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٥ ، المغني ٢ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧.

(٢و٣) حلية العلماء ٢ : ١٧٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٨٠ ، المجموع ٣ : ٣٧٤ و ٣٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ٣٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٩ - ١٦٠.

(٥) سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٤٣.

٢٩٣

الجماعة مستفاد ممّا قلناه.

د : لو أمَّ الاُمّي قارئاً واُمّياً ، أعاد القارئ خاصة. و الْاُمّي إن وجد قارئاً مرضيّاً وإلّا فلا. ولو أمّ قارئاً واحداً ، بطلت صلاة المؤتمّ على ما قلناه.

وقال أحمد : تبطل صلاة الإِمام أيضاً ، لأنّه نوى الإِمامة وقد صار فذّاً(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ نية الإِمامة لا تخرجه عن الإِتيان بصلاة المنفرد.

ولأنّه ينتقض بما لو مات المأموم أو أبطل صلاته.

ه : لو كان أحدهما يحسن الفاتحة ، والآخر السورة ، فالأقرب : ائتمام الآخر بمن يحسن الفاتحة‌ ؛ للإِجماع على وجوبها وأولويتها لو عجز عنهما.

ولو جوّزنا انقلاب المأموم إماماً لإِمامه ، ائتم الثاني بالأول ، فإذا قرأ الفاتحة ، نوى الأول الايتمام بالثاني.

ولو كان معهما ثالث لا يحسن شيئاً ، اقتدى بمن يعرف الفاتحة ، فإن لم يكن مرضيّاً ، اقتدى بمن يعرف السورة وجوباً على إشكال.

ولو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة والآخر سورة كملاً ، احتمل تخيّر ائتمام أحدهما بالآخر ، وأولوية إمامة مَنْ يحسن بعض الفاتحة.

و : لو ائتم القارئ بالاُمّي ولم يعلم حاله في الإِخفاتية ، صحّت صلاته ؛ لأن الظاهر أنّه لا يتقدّم إلّا وهو بشرائط الإِمامة. وكذا في الجهرية لو خفيت عليه القراءة.

وهو يشكل باشتراط العدالة ، وعلم المأموم بها.

ز : لو أمّ الأخرس مثله ، جاز ؛ لتساويهما في الأفعال ، فصار كالاُمّي بمثله.

____________________

(١) المغني ٢ : ٣٣.

٢٩٤

وقال أحمد : لا تجوز ؛ لأنّه ترك ركناً - وهي القراءة - لعذر مأيوس من زواله ، فلا تصح ، كالعاجز عن الركوع والسجود(١) .

ونمنع الحكم في الأصل إن تساويا ، نعم لا يجوز أن يؤمّ بالصحيح.

ح : تصح إمامة الأصمّ ، لأنّه لا يخلّ بشي‌ء من واجبات الصلاة ولا شروطها.

وقال بعض الجمهور : لا تجوز ، لأنّه لا يمكن تنبيهه إذا سها بتسبيح ولا إشارة(٢) .

واحتمال العارض لا يمنع صحة الصلاة ، كالمجنون حال إفاقته.

ط : هل يجوز أن يؤمّ الأخرس الأمّي؟ يحتمل الجواز ، لأنّ التكبير لا يتحمّله الإِمام ، وهما سواء في القراءة. والمنع ؛ لأنّ الْاُمّي قادر على النطق بالتكبير ، بخلاف الأخرس.

ي : لو كان كلٌّ منهما يحسن بعض الفاتحة ، فإن اتّحد ، صحّ ائتمام أحدهما بالآخر ، وإلّا فلا ، لأنّ كلّ واحد منهما اُمّي في حقّ صاحبه.

مسألة ٥٦٩ : اللحن إن فعله القارئ عمدا ، بطلت صلاته ، سواء أحال المعنى ، كمن يكسر كاف « إيّاك » أو لا ، كمن يفتح همزة « إيّاك » لأنّه ليس بقرآن ، فإنّ القرآن هو العربي ، واللحن ليس بعربي ، فحينئذٍ لا يصح أن يكون إماماً للمُتقن.

وإن فعل ذلك سهواً ، لم تبطل صلاته ولا صلاة مَنْ خلفه.

وإن كان جاهلاً ، فإن أمكنه التعلّم واتّسع الزمان ، لم تصح صلاته ولا صلاة من خلفه ، وإن لم يتمكن أو ضاق الزمان ، صحّ أن يكون إماما لمثله.

وهل يصح أن يكون إماماً للمُتقن؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّه يتمكّن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فلا يجوز العدول إلى الفاسد. والجواز ، لأنّها صلاة‌

____________________

(١و٢) المغني ٢ : ٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٩.

٢٩٥

صحيحة ، فصحّ الائتمام فيها.

والشيخ - قال : تكره إمامة مَنْ يلحن في قراءته ، سواء كان في الحمد أو غيرها ، أحال المعنى أو لم يُحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فإن كان يحسن ويتعمّد اللحن ، فإنّه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلك(١) .

وقال الشافعي : إن أمكنه الصواب ، لم تصح صلاته ولا صلاة مَنْ خلفه ، وإن لم يمكنه ، صحّت صلاته(٢) .

وقال أحمد : تكره إمامة اللحّان الذي لا يحيل المعنى ، وتصحّ صلاته بمن لا يلحن ، لأنّه أتى بفرض القراءة(٣) .

مسألة ٥٧٠ : لا يصح أن يؤمّ مؤوف(٤) اللسان صحيحة ، لأنّ الصحيح تلزمه القراءة ، لتمكّنه ، ومع عجز الإِمام لا يصحّ التحمّل.

ويصح أن يؤمّ مثله إذا تساويا في النطق ، لأنّهما تساويا في الأفعال ، فصحّت الإِمامة كالقارئين.

والتحقيق : أنّه إن تمكّن من إصلاح لسانه ، وجب ، فإن أهمل ، لم تصح صلاته مع سعة الوقت ولا صلاة مَنْ خلفه ، وإلّا فلا.

فروع :

أ : لو أبدل الأعجمي حرفاً مع تمكّنه من التعلّم ، لم يصح ، كمن يبدّل الحاء في « الحمد » بالخاء أو بالهاء ، أو يبدّل الميم في « المستقيم » بالنون ، ولا تصح إمامته ، وكذا العربي.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٣.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٨ - ٢٦٩ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٩.

(٣) المغني ٢ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨ ، زاد المستقنع : ١٧ ، الانصاف ٢ : ٢٧٢.

(٤) المؤوف : الذي فيه آفة وهي : عاهة أو نقص. لسان العرب ٩ : ١٦ ، الصحاح ٤ : ١٣٣٣ « أوف ».

٢٩٦

ب : مَنْ لا يفصح ببعض الحروف ، كالصاد والقاف ، لا تصح إمامته ، لأنّه اُمّي بالنسبة إلى المفصح ، ويجوز أن يؤمّ مثله.

ج : لو أبدل الضاد من « المغضوب » و « الضالّين » وغيرهما بالظاء ، لم تصح صلاته مع إمكان التعلّم.

وقال بعض الشافعية : تجوز ، لتقارب المخرج(١) ، وليس بمعتمد.

د : تكره إمامة التمتام ، وهو : الذي يردّد التاء ثم يأتي بها ، والفأفاء ، وهو : الذي يردّد الفاء ثم يأتي بها‌ ، لأنّهما يأتيان بالحروف على الكمال ، والزيادة لا تضرّهما ، لأنّهما مغلوبان عليها ، ولكن يكره تقديمهما ، لمكان هذه الزيادة.

ه- : لا يجوز أن يؤمّ الأرت ولا الألثغ ولا الأليغ.

ونعني بالأرت : الذي يبدّل حرفاً بحرف.

والألثغ : الذي يعدل بحرف إلى حرف.

وقال الفرّاء : اللَثْغَة بطرف اللسان هو : الذي يجعل الراء على طرف لسانه لا ماً ، ويجعل الصاد ثاءً. والأرت : وهو الذي يجعل اللام تاءً.

وقال الأزهري ، الأليغ : بالياء المنقطة تحتها نقطتين ، هو : الذي لا يبيّن الكلام(٢) .

وإنّما لم تصح إمامة هؤلاء ، لأنّ مَنْ لا يحسن حرفاً اُمّي بالنسبة إلى عارفة.

ولو كانت له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدّله بغيره ، جاز أن يكون إماماً للقارئ.

مسألة ٥٧١ : وفي إمامة الأجذم والأبرص الصحيحَ قولان‌ لعلمائنا :

____________________

(١) فتح العزيز ٣ : ٣٢٦.

(٢) تهذيب اللغة ٨ : ١٩٩ « لغا ».

٢٩٧

المنع ، اختاره الشيخ والمرتضى ، لعدم انقياد النفس إلى طاعتهما(١) . وقول الصادقعليه‌السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي »(٢) .

وقال بعض علمائنا : بالجواز(٣) ، لأنّ عبد الله بن يزيد سأل الصادقعليه‌السلام ، عن المجذوم والأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال : « نعم » قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : « نعم ، وهل كتب الله البلاء إلّا على المؤمن؟ »(٤) .

وحمله الشيخ في التهذيب على الضرورة بأن لا يوجد غيرهما ، أو أن يكونا إمامين لأمثالهم(٥) .

مسألة ٥٧٢ : لا يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين‌ - وبه قال مالك وأبو مجلز(٦) - لأنّه لا يعرف محاسن الإِسلام وتفاصيل أحكامه.

ولقوله تعالى( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٧) .

وكذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة على التفصيل.

ولم يكرهه عطاء والثوري وإسحاق والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ؛

____________________

(١) النهاية : ١١٢ ، المبسوط ١ : ١٥٥ ، الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١٢ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩١ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٩ ، وحكاه عن مصباح السيد المرتضى ، المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ / ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦.

(٣) قاله المحقق في المعتبر : ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٣ الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧ ذيل الحديث ٩٣.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٣٦ ، المغني ٢ : ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، والمجموع ٤ : ٢٧٩.

(٧) التوبة : ٩٧.

٢٩٨

لقولهعليه‌السلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم )(١) (٢) .

ولا نزاع فيه ، لكن وجود هذا الوصف فيه بعيد.

أمّا الأعرابي إذا كان قد وصل إليه ما يكفيه اعتماده في التكليف ، وتديّن به ، ولم يكن ممّن تلزمه المهاجرة وجوباً ، جاز أن يكون إماماً ، لوجود الشرائط في حقّه.

مسألة ٥٧٣ : يجوز أن يكون الأعمى إماماً لمثله وللبُصَراء‌ بلا خلاف بين العلماء ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، استخلف ابن اُمّ مكتوم يؤمّ الناس وكان أعمى(٣) .

قال الشعبي : غزا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثلاث عشرة غزوة كلّ ذلك يقدّم ابن اُمّ مكتوم يصلّي بالناس(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يصلّي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجّهونه »(٥) .

وعن عليعليه‌السلام : « لا يؤمّ الأعمى في الصحراء إلّا أن يوجّه إلى القبلة »(٦) .

ولأنّ العمى فقد حاسة لا يختلّ به شي‌ء من شرائط الصلاة ، فأشبه الأطروش.

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٢٩٠ و ٢٩١ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٤ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٢) المجموع ٤ : ٢٧٩ ، المغني ٢ : ٥٩ - ٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٦.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٢ / ٥٩٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٨.

(٤) المغني ٢ : ٣١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤ ، والمقنع : ٣٥.

٢٩٩

وهل البصير أولى؟ يحتمل ذلك ، لأنّه يتوقّى النجاسات ، والأعمى لا يتمكّن من ذلك.

ويحتمل العكس ، لأنّه أخشع في صلاته من البصير ، لأنّه لا يشغله بصره عن الصلاة.

وكلاهما للشافعية ، ونصّ الشافعي على التساوي(١) . وهو أولى ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قدّم الأعمى كما قدّم البصير.

مسألة ٥٧٤ : قال أصحابنا : الأغلف لا يصح أن يكون إماماً. وأطلقوا القول في ذلك ، لما رواه زيد عن آبائهعليهم‌السلام ، عن عليعليه‌السلام ، قال : « الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه إلّا أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه »(٢) .

والوجه : التفصيل ، وهو : أنّه إن كان متمكّناً من الاختتان وأهمل ، فهو فاسق لا يصلح للإِمامة ، وإلّا فليس بفاسق ، وصحّ أن يكون إماماً. والرواية تدلّ على هذا التفصيل. والظاهر أنّ مراد الأصحاب التفصيل أيضاً.

مسألة ٥٧٥ : تكره إمامة المحدود بعد توبته ، لأن فسقه وإن زال بالتوبة إلّا أنّ نقص منزلته وسقوط محلّه من القلوب لم يزل ، فكره لذلك وإن لم يكن محرّماً.

أمّا السفيه فإن كان فاسقاً ، لم تصح إمامته ، لما روي عن أبي ذر قال : إنّ إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً(٣) .

____________________

(١) الاُم ١ : ١٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٨ - ٣٢٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٨ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١٠٧ ، علل الشرائع : ٣٢٧ ، الباب ٢٢ ، المقنع : ٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٣ ، علل الشرائع : ٣٦٢ ، الباب ٢٠ ، الحديث ١.

٣٠٠