تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 166530
تحميل: 4890


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166530 / تحميل: 4890
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أما لو لم يكن فاسقاً ، ففي إمامته إشكال ينشأ : من نقصه ، وعلوّ منصب الإِمامة.

وعاقّ أبويه لا يصح أن يكون إماماً ، لأنّه مرتكب للكبيرة ، ولو صدر منه كلام سائغ يُؤثِر الغضب اليسير لم يؤثّر في الفسوق ، لأنّ عمر بن يزيد سأل الصادقعليه‌السلام ، عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف ، غير أنّه يُسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً »(١) .

مسألة ٥٧٦ : تجوز إمامة العبد مع الشرائط لمواليه وغيرهم‌ عند أكثر العلماء(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إسمعوا وأطيعوا ولو اُمِّر عليكم عبد حبشي أجدع(٣) ، ما أقام فيكم الصلاة )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآناً(٥) .

ولأنّه يؤذّن للرجال فكان من أهل الإِمامة كالحرّ. ولأنّ الرقّ حق يثبت عليه ، فلم يمنع صحة إمامته ، كالدَّين.

وكره أبو مجلز إمامة العبد(٦) . ونقله الشيخ عن أبي حنيفة(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٦ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٤.

(٢) المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

(٣) الجدع : القطع في الأنف والأُذن والشفة واليد ونحوها. الصحاح ٣ : ١١٩٣ ، القاموس المحيط ٣ : ١١ ، لسان العرب ٨ : ٤١ « جدع ».

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٤٨ / ٢٤٠ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٨٨ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩ / ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٨.

(٦) المجموع ٤ : ٢٩٠ ، المغني ٢ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢١٨ ، وعمدة القاري ٥ : ٢٢٥.

(٧) الخلاف ١ : ٥٤٧ ، المسألة ٢٨٦.

٣٠١

وقال مالك : لا يؤمّ في جمعة ولا عيد(١) .

وحكي عن الأوزاعي : أربعة لا يؤمّون الناس ، فذكر العبد إلّا أن يؤمّ أهله(٢) .

وللشيخ قول في التهذيب : إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلّا أهله ، لقول عليعليه‌السلام : « لا يؤمّ العبد إلّا أهله »(٣) .

وفي السند ضعف ، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولى منه ، لأنّه أكمل.

وحكم المعتق بعضه ، والمكاتب والمدبَّر واُمّ الولد حكم الرقّ.

مسألة ٥٧٧ : يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر وبالعكس ، ولا تفسد به الصلاة - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ الأصل يقتضي الجواز. واشتمال الائتمام لكلٍّ منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف المقيم(٥) فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر ، فليجعل الأوّلتين الظهر ، والأخيرتين العصر »(٦) .

وقال الشافعي : يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم ، لأنّه يلزمه التمام إذا‌

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٦ ، التفريع ١ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

(٢) حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، عمدة القاري ٥ : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ والحديث ١٠٢ ، ورواه أيضاً في الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٣١.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦ ، المسألة ٣١١.

(٥) في المصدر : خلف قوم حضور.

(٦) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٣.

٣٠٢

صلّى خلفه ، ويكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر(١) .

ويمنع جواز التمام ، لأنّ القصر عندنا عزيمة على ما يأتي(٢) .

ولو أتمّ المسافر الإمام الصلاة ، لم يجز عندنا ، خلافاً للجمهور(٣) .

وقال أحمد في رواية : لو أتمّ الإِمام ، لم تجز صلاة المأموم ، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين(٤) .

والأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ ، صحّت صلاته وصلاة المأمومين خلفه ، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها على ما يأتي.

إذا عرفت هذا ، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه ، لمكان المفارقة ، فلو لم تحصل ، زالت الكراهة ، كما في المغرب والغداة.

مسألة ٥٧٨ : يكره أن يأتمّ المتوضّئ بالمتيمّم‌ ، فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه ، إلّا من محمّد بن الحسن ، فإنّه منعه استحباباً(٥) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّى بأصحابه متيمّماً ، وبلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم ينكره(٦) .

وأمّ ابن عباس أصحابه متيمّماً وفيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم ينكروه(٧) .

ولأنّه متطهّر طهارة صحيحة ، فأشبه المتوضّئ.

____________________

(١) حكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١١ ، وانظر : الاُم ١ : ١٦٣.

(٢) يأتي في المسألة ٦١٢.

(٣) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، عمدة القاري ٤ : ٢٤.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٩٢ / ٣٣٤ ، ونقله أيضاً ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢.

(٧) نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ : ٩٣.

٣٠٣

وأمّا الكراهة : فلنقص طهارته.

ولقول عليعليه‌السلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ، ولا صاحب التيمّم المتوضّئين »(١) .

وإنّما قلنا بالكراهة ، لضعف السند.

فروع :

أ : يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة ، لأنّها متطهّرة ، فأشبهت المتيمّم.

وللشافعي وجهان(٢) .

ومنع أبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة(٣) .

وهو ممنوع ، وأجمعوا على أنّه يجوز للغاسل رِجْليه أن يأتمّ بمن مسح على خُفّيه(٤) .

ب : يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنّه متطهّر ، والحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم ، خلافاً لأحمد(٥) .

ج : يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة ، لأنّه كالمتيمّم ، خلافاً لبعض الجمهور(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٣) اللباب ١ : ٨٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٤ ، ونقله أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣.

(٥) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.

(٦) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠ - ٤١.

٣٠٤

وللشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان(١) .

د : لا يجوز للمتوضّئ ولا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنّه غير متطهّر مطلقاً.

ه- : قال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) .

وعندي فيه إشكال ، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعداً ، فلا يجوز الائتمام به ، أو قائماً مومئاً ، فلا يصح الائتمام به ، لإِخلاله بالركوع والسجود.

نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.

وكذلك لا يجوز للقادر على الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. ويصح لكلٍّ من هؤلاء الائتمام بمثله.

و : لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس ، صحّت صلاتها‌ ، لعدم وجوب سترة عليها. فإذا اُعتقت في الأثناء ، فإن كانت السترة قريباً منها ، أخذتها ، وأتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير ، وإن حصل أو احتاجت إلى الاستدبار ، استأنفت ، وتنوي المأمومة المفارقة. وكذا العريان يجد السترة في الأثناء ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العريان إذا وجد السترة ، بطلت صلاته واستأنفها(٤) .

مسألة ٥٧٩ : يكره أن يؤمّ قوماً وهم له كارهون ، لقولهعليه‌السلام : ( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٢) الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣ ، وانظر : المجموع ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٨٢.

(٣) المجموع ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢ و ١٠٣.

(٤) اللباب ١ : ٨٦ - ٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٠.

٣٠٥

باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام أمّ قوماً وهم له كارهون )(١) .

وقال عليعليه‌السلام ، لرجل أمّ قوماً وهم له كارهون : « إنّك لخروط(٢) »(٣) .

والأقرب : أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك ، لم تكره إمامته ، والإِثم على مَنْ كرهه ، وإلّا كرهت.

المطلب الرابع : في ترجيح الأئمّة‌

مسألة ٥٨٠ : إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحد التقدّم عليه ، وتعيّن هو للإِمامة ، لأنّ له الرئاسةَ العامة ، وقال الله تعالى( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) وقال تعالى( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٥) وهو خليفته ، فتكون له هذه المرتبة(٦) .

أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب مَنْ شاء ، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.

إذا ثبت هذا ، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة باُمور :

أ : القراءة.

ب : الفقه.

ج : السنّ.

د : الأقدم هجرةً.

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ و ٤٠٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٣ / ٣٦٠.

(٢) الخروط : الذي يتهوّر في الاُمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد جهلاً وقلّة معرفة. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٣ « خرط».

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ ، كنز العمال ٨ : ٢٧٣ / ٢٢٨٨٩.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) الحجرات : ١.

(٦) في نسخة « ش » : المنزلة.

٣٠٦

ه- : الأصبح وجهاً ، وعند الشافعي عوضه : الأشرف نسباً(١) .

و: صاحب المنزل والمسجد.

وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

مسألة ٥٨١ : إذا تعدّدت الأئمّة ، قدّم مَنْ يختاره المأمومون‌ - لما تقدّم - إذا كان بصفات الإِمام. ولو اختلف المأمومون ، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يقدّم الأقرأ(٢) - وبه قال ابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِنّاً )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن»(٥) .

ولأنّ القراءة ركن في الصلاة ، فكان القادر عليها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.

وقال بعض علمائنا : يقدّم الأفقه على الأقرأ(٦) - وبه قال عطاء ومالك‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٩.

(٢) وهو اختيار المحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضاً عن أكثر الأصحاب.

(٣) المغني ٢ : ١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٣ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٦) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٧٨ ما نصّه : والمخالف إنّما هو من لا نعرفه من علمائنا ويكفيك أنّ الشهيد لم يعرفه حيث قال : ونقل عن بعض الأصحاب وإنّما عرف الخلاف من بعض متأخري المتأخرين.

٣٠٧

والأوزاعي والشافعي وأبو ثور(١) - إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحاً ، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة وهو يحفظها ، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته فكان أولى كالإِمامة الكبرى والحُكْم.

ثم تأوّلوا الخبر : بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.

قال ابن مسعود : كنّا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها ، فكان أقرؤهم لكتاب الله أفقههم(٢) .

والاعتراض : اللفظ عام ، فالعبرة به لا بخصوص السبب ، وتتمّة الحديث تنافيه ، وهو : قولهعليه‌السلام : ( فإن استووا فأعلمهم بالسنّة ).

إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلٌّ منهما وكان أحدهما أجود قراءةً وإعراباً ، فهو أولى ، لأنّه أقرأ ، وإن كان أحدهما أكثر حفظاً ، والآخر أجود قراءةً ، فهو أولى ، والوجه أن المراد من قولهعليه‌السلام : ( أقرؤهم ) : أجودهم قراءةً.

مسألة ٥٨٢ : إذا تساووا في القراءة ، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا(٣) - وهو قول الجمهور(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة )(٥) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧ ، المغني ٢ : ١٦ - ١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٥٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضاً عن الشيخ المفيد.

(٤) المغني ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.

(٥) أوعزنا إلى مصادره في المسألة السابقة (٥٨١).

٣٠٨

ولأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإِتيان بواجباتها وسننها ، وجبرها إن عرض ما يحوج إليه ، والعلم بالسنّة أهمّ من السنّ ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة ، بخلاف السنّ.

وقال المرتضى : يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة(١) ، لما رواه مالك بن الحويرث وصاحبه قال : ( يؤمّكما أكبركما )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا ، فأقدمهم هجرةً ، فإن تساووا ، فأسنّهم ، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة »(٣) .

ولا حجّة في الأول ، لإِمكان علمهعليه‌السلام بتساويهما إلّا في السنّ.

والثاني يدلّ على الجواز ، ونحن نقول به ، والخلاف في الأولويّة.

إذا ثبت هذا ، فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ على الأول ، للحديث ، والأفقه على الثاني ، لتميّزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة.

فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعرف بما سواها ، فالأعلم بأحكام الصلاة أولى ، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة ، بخلاف الآخر.

مسألة ٥٨٣ : إذا تساووا في الفقه ، قدّم أقدمهم هجرةً ، والمراد به : سبق الإِسلام ، أو مَنْ كان أسبق هجرةً من دار الحرب إلى دار الإِسلام ، أو يكون من أولاد مَنْ تقدّمت هجرته ، فيقدّم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

____________________

(١) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ / ٢٩٣ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ / ٥٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣٠٩

وقولهعليه‌السلام : ( لا هجرة بعد الفتح )(١) أراد أنه لا تجب ، لقوة الإِسلام ، والتمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك ، لأنّ الهجرة قربة وطاعة ، فقدّم السابق إليها ، لسبقه إلى الطاعة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّاً »(٢) .

وللشيخ قول : إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه : الأشرف ، فإن تساويا في الشرف ، قدّم الأقدم هجرةً(٣) - وبه قال الشافعي في القديم(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( الأئمّة من قريش )(٥) .

والمراد : الإِمامة الكبرى ، فلا تعتبر في الصغرى كالشجاعة.

مسألة ٥٨٤ : فإن تساووا في الهجرة إمّا لهجرتهما معاً أو لعدمها فيهما ، قدّم الأسنّ ، لحديث الصادقعليه‌السلام (٦) .

ولأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير والإعظام والتقدّم ، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإِمامة.

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ / ١٥٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ و ٢ : ٢١٥ و ٣ : ٢٢ و ٤٦٨ و ٥ : ١٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، متن عمدة الأحكام : ١٠١ - ١٠٢ / ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٥) مسند أحمد ٣ : ١٢٩ و ١٨٣ و ٤ : ٤٢١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣١٠

وهذا قول أكثر العلماء ، وهو قول الشافعي في القديم(١) ، لقولهعليه‌السلام : ( فإن استووا في الهجرة ، فأقدمهم سنّاً )(٢) .

وقال في الجديد : إذا تساووا في الفقه والشرف ، قدّم الأسنّ ، فإن تساووا ، قدّم الأقدم هجرةً(٣) ، لقولهعليه‌السلام ، لمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم )(٤) .

وقد بيّنا أنّه حكاية حال.

مسألة ٥٨٥ : إذا تساووا في ذلك ، قال الشيخان : يقدّم الأصبح وجهاً(٥) . ورواه المرتضى رواية(٦) .

ونقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين ، ثم اختلف الشافعية في تفسيره ، فقال بعضهم : أراد أحسنهم صورة ، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.

وقال آخرون : إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكراً بين الناس(٧) . والأخير أحسن.

إذا ثبت هذا ، فإن تساووا في ذلك كلّه ، قدّم أشرفهم ، أي : أعلاهم نسباً ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدراً ، فإن استووا في هذه الخصال ، قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإِجابة ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ أمَّ قوماً وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم يزل أمرهم‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، معالم السنن للخطابي ١ : ٣٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٢.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧ ، وحكاه عنهما أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٦) جمل العلم والعمل ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٤٠ ، ونقله عن مصباحه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.

٣١١

إلى السفال إلى يوم القيامة )(١) .

والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف ، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن استووا في ذلك كلّه ، فالأقرب القرعة - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان(٣) ، فالإِمامة أولى.

ولأنّهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذّر الجمع ، فأقرع بينهم ، كسائر الحقوق.

وهذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٥٨٦ : صاحب المنزل أولى بالإِمامة فيه‌ من غيره وإن كان فيهم مَنْ هو أقرأ منه وأفقه ، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم وتصح صلاتهم وراءه ، ولا نعلم فيه خلافاً بين العلماء ، لقولهعليه‌السلام : ( لا يؤمّن الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلّا بإذنه )(٤) .

والمراد بالتكرمة : الفراش. وقيل : المائدة.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه»(٥) .

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٢ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٤ ، عقاب الأعمال : ٢٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٤.

(٢) المغني ٢ : ٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، الانصاف ٢ : ٢٤٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨ و ٤٢٩ ، ارشاد الساري ٢ : ٩ ، عمدة القاري ٥ : ١٢٤ ، المغني ١ : ٤٧٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ / ٦٧٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ / ٢٣٥ و ٥ : ٩٩ / ٢٧٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ / ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٩ و ١٢٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ - ٣٢ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.

٣١٢

ولو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه ، فهو أولى ، لأنّه حاكم على صاحب البيت وغيره ، وأمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عتبان(١) بن مالك وأنساً في بيوتهما(٢) .

مسألة ٥٨٧ : إمام المسجد الراتب أولى من غيره‌ ، لأنّه في معنى صاحب البيت والسلطان.

ولقولهعليه‌السلام : ( مَنْ زار قوماً فلا يؤمّهم )(٣) وهو عام في المسجد كالمنزل.

ولأنّ تقديم غيره يورث وحشةً.

والوالي من قبل العادل أحقّ ، لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له ، فمن إمام المسجد أولى.

والولي وإن كان أحقّ من الوالي في الصلاة على الميّت فليس أولى هنا ، لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة ، والسلطان لا يشارك في ذلك ، وهنا يستحقّ بضرب من الولاية على الدار والمسجد ، والسلطان أقوى ولايةً وأعم.

ولأنّ الصلاة على الميّت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنوّ ، وهو مختص بالقرابة.

فروع :

أ : لو أذن السلطان لغيره ، جاز وكان أولى من غيره‌ ، وكذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.

____________________

(١) في النسخة الحجرية والنسختين الخطيتين « ش ، م » المعتمدتين في التحقيق : غسّان. وما أثبتناه هو الصحيح. اُنظر : اُسد الغابة ٣ : ٣٥٩ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٨٦ ، وانظر أيضاً المصادر الحديثية التالية.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٥٥ ( باب الرخصة في التخلّف عن الجماعة بعذر ) و ٤٥٧ / ٦٥٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٠ و ١٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ و ٨٦ ، موطإ مالك ١ : ١٧٢ / ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ / ٦١٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٦.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ / ٥٩٦ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٧ / ٣٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٦.

٣١٣

ب : لو دخل السلطان بلداً فيه خليفة فهو أولى من خليفته ، لعموم ولايته.

ج : لو اجتمع العبد وسيّده في بيت العبد ، فالسيد أولى ، لأنّه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيّده ، فالعبد أولى.

د : لو اجتمع المالك والمستأجر في الدار المؤجرة ، فالمستأجر أولى ، لأنّه أحقّ بالمنفعة والاستيلاء.

ه- : لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه ، فالأقرب : أنّه أولى.

و : كلّ موضع حضره الإِمام الأعظم أو النائب من جهته ، فهو أولى‌ بالصلاة من غيره ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة ما حضروا موضعاً إلّا وأمّوا بالناس.

ز : لو اجتمع المـُكاتب والسيّد في دار المكاتب ، فالمكاتب أولى ، لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.

ح : لو اجتمع المستعير والمالك ، فالأقرب : تقديم المالك ، لأنّ تسلّط المستعير ليس بتامٍ من حيث إنّ للمالك أن يعزله متى شاء.

ط : لو حضر جماعة المسجد ، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتى يحضر أو يستنيب. ولو كان الموضع بعيداً وخافوا فوت أول الوقت ( وأمِنوا الفتنة )(١) صلّوا جماعة.

ي : الخصال المكتسبة ، كالعلم والقراءة والورع أولى من غير المكتسبة‌ كالسنّ وحسن الوجه.

والأورع أولى من الأعلم ، لأنّ الإِمامة سفارة بين الله تعالى وبين خلقه ، وإنّما يقدّم للسفارة مَنْ له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه ، والمنزلة عند الله‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ش » : واتّفق الفقيه.

٣١٤

تعالى للأتقياء ، قال الله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

المطلب الخامس : في الأحكام‌

مسألة ٥٨٨ : لو كان الإِمام ممّن لا يقتدى به ، لم يجز الائتمام به. فإن احتاج إلى الصلاة خلفه ، جاز أن يتابعه في الأفعال ، لكن لا ينوي الاقتداء به ، ويقرأ مع نفسه وإن كانت الصلاة جهرية ، للضرورة ، وتجزئه صلاته ، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. وفي الْاُخرى : يعيد(٢) .

وهو غلط ، لأنّه أتى بأفعال الصلاة وشروطها على الكمال ، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال ، كما لو لم يقصد الموافقة.

مسألة ٥٨٩ : لو كان الإِمام كافراً ، فإن علم المأموم بكفره قبل الصلاة ، أعاد‌ إجماعاً ، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.

وإن علمه في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجباً ، فإن لم يفعل واستمرّ ، وجبت الإِعادة.

وإن علم بعد الفراغ ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا(٣) - وبه قال أبو ثور والمزني(٤) - لأنّه فَعَل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.

والثانية ظاهرة ، وأما الْاُولى : فلأنّه مأمور بالصلاة خلف مَنْ يظنّ إسلامه ، لا مَنْ يعلمه كذلك ، لامتناع الاطّلاع على الباطن ، فيكتفي بإصلاح الظاهر.

____________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥٠ ، المسألة ٢٩٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٦١ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٤) المغني ٢ : ٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.

٣١٥

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمـّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون »(١) .

وقال المرتضى : تجب الإِعادة(٢) - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة ، فلا تصح صلاته ، كما لو أئتمّ بمجنون.

وينتقض : بالمحدث ، فإنه لو أئتمّ به ، صحّت صلاته إجماعاً.

إذا ثَبت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة ، كالزندقة أو لا ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : الفرق ، فأوجب الإِعادة فيما لا يخفى ، كالتهوّد والتنصّر ، دون ما يخفى ، لمشقّة الوقوف عليه(٤) .

مسألة ٥٩٠ : صلاة الكافر لا تكون إسلاماً منه ما لم تسمع منه الشهادتان‌ ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإِسلام ، وسواء صلّى جماعة أو فرادى ، وسواء صلّى في المسجد أو لا - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ الصلاة من فروع الإِسلام ، فلا يصير مسلماً بفعلها ، كالحج والصوم والاعتكاف.

ولقولهعليه‌السلام : ( اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله ، فإذا قالوها ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ / ١٤١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٢.

(٣) الاُم ١ : ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، مختصر المزني : ٢٣ ، المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣ ، الانصاف ٢ : ٢٥٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، صحيح مسلم ١ : ٥٣ / ٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٧٩ ، سنن أبي =

٣١٦

وقال بعض الشافعية : إن صلّى في دار الإِسلام ، فليس بمسلم ، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه ، وإن صلّى في دار الحرب ، فهو مسلم ، لأنّه لا تهمة في حقّه. وهو قول للشافعي(١) أيضاً.

أمّا إذا أظهر التشهّد ، فالوجه : أنّه إسلام ، لأنّ الشهادة صريح في الإِسلام ، وبه قال الشافعي ، وله وجه آخر : أنّه لا يحكم بإسلامه ، لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الحكاية(٢) . وليس بصحيح.

وقال أبو حنيفة : إن صلّى إماماً أو مأموماً في أيّ موضع كان ، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة وقال : لم أسلم ، كان مرتدّاً ، سواء سمع منه التشهّد أو لا ، وكذا إن صلّى منفرداً في المسجد ، وإن أذّن حيث يؤذّن المسلمون ، كان إسلاماً منه ، وإن حجّ وطاف ، كان إسلاماً منه ، وإن صلّى منفرداً في غير المسجد ، لم يكن إسلاماً(٣) .

وقال مالك وأحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال ، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام ، وإلاّ فهو مرتدّ ، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام ، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار ، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون ، فإذا فعلها الكافر ، كان إسلاماً منه ، كالشهادتين(٤) .

والفرق : أنّ الشهادتين صريح في الإِسلام.

وقال محمد بن الحسن : إذا صلى في المسجد منفرداً أو في جماعة ،

____________________

= داود ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ / ٢٦٠٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٢ / ٧ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٥٢٢.

(١) المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧.

(٢) المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣.

(٣) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧ ، المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢ و ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

(٤) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٦ - ٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.

٣١٧

حكم بإسلامه ، وإن صلّى منفرداً في بيته ، لم يحكم بإسلامه(١) .

والبحث في ظهور فسق الإِمام كالبحث في ظهور كفره ، فقال المرتضى : يعيد(٢) ، وبه قال أحمد(٣) .

وقال الشيخ : لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة ، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم ، فتكون مجزئةً(٤) .

ولو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض ، صحّت صلاة الجاهل خاصة وإن كان مستور الحال ، مقبول الشهادة عند الحاكم.

فروع :

أ : الكافر إذا أمَّ المسلمين ، عزّر‌ ، لأنّه غشّهم.

ب : لو صلّى خلف مَنْ أسلم من الكفّار ، فلمـّا فرغ من صلاته قال : لم أكن أسلمت ، وإنّما تظاهرت بالإِسلام ، لم يلزمه قبول قوله‌ ، لكفره ، ولا إعادة عليه.

ج : إذا كان يُعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلّى رجل خلفه ولم يعلم في أيّ الحالَين صلّى خلفه ، لم يُعد‌ ، لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.

مسألة ٥٩١ : لو كان الإِمام جنباً أو مُحدثاً ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدثه ، أو لا ، وتصح صلاة مَنْ خلفه إذا لم يعلم بحدثه - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، ومن التابعين : الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥١ ، المسألة ٢٩٢.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

(٣) المغني ٢ : ٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤ - ٢٥ ، الانصاف ٢ : ٢٥٣.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.

٣١٨

والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور(١) - لأنّ أبا بكرة قال : دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في صلاة الفجر ، فأومأ إليهم أن مكانكم ، ثم ذهب وجاء ورأسه يقطر ، فصلّى بهم(٢) .

وهو يدلّ على أنّهم أحرموا معه ، لأنّه أومأ إليهم ولم يكلّمهم ، لأنّ كلام المصلّي مكروه ، وهذا وإن كان باطلاً عندنا ، لكنّه ذُكر للإِلزام.

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر ، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : « يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنّه على غير طهر »(٣) .

ولأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به ، فلم تبطل صلاته ، كما لو سبق الإِمام الحدث.

وقال الشعبي وابن سيرين وحمّاد وأصحاب الرأي : تبطل صلاة المأمومين أيضاً(٤) .

وقال مالك : إن كان الإِمام غير عالم بحدث نفسه ، صحّت صلاة المأمومين ، وإن كان عالماً ، لم تصح(٥) .

وقال عطاء : إن كان حدثه جنابةً ، بطلت ، وإن كان غير ذلك ، أعادوا‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧١ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ و ٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٩٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ / ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ / ١٦٦٨.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

٣١٩

في الوقت(١) .

واحتجّوا : بأنّ المأموم اقتدى بمن لا صلاة له ، فتبطل صلاته ، كما لو كان الإِمام كافراً أو امرأة.

وقال مالك : إذا علم الإِمام بحدثه فصلّى فسِق ، ولا تصح الصلاة خلف الفاسق(٢) .

والأصل ممنوع ، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.

والفرق مع تسليم الأصل ؛ لأنّه منسوب إلى التفريط بالائتمام بالمرأة والكافر ، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال ، والجنب والمحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.

مسألة ٥٩٢ : لو أحدث الإِمام ، فعلم المأمومون بحدثه ، وجب عليهم مفارقته‌ ، فينوون الانفراد ، فإن تابعوه ، بطلت صلاتهم.

فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها ، فإن كان موضع طهارته قريباً ، أومأ إليهم ومضى وتوضّأ وعاد إلى الصلاة.

وهل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ : من جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام.

وقال الشافعي : ينوون الاقتداء(٣) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.

وإن كان بعيداً ، قال الشافعي في القديم : يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه مَنْ علّل : بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف ، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. ومنهم مَنْ علّل : بأنّهم يصلّون فرادى ليخرجوا من‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.

(٢) المجموع ٤ : ٢٦٠.

(٣) انظر : المجموع ٤ : ٢٦٢.

٣٢٠