تذكرة الفقهاء الجزء ٤

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: 473
المشاهدات: 166537
تحميل: 4891


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166537 / تحميل: 4891
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-5503-44-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لم يلزمه فرضها(١) .

وليس حجّةً علينا.

فروع :

أ : لو أحدث المسافر واستخلف مسافراً آخر ، فللمأموم المسافر القصر ، لأنّهم لم يأتمّوا بمقيم. وإن استخلف مقيماً فكذلك عندنا ، وعند المخالف يجب الإِتمام ، لأنّهم ائتمّوا بمقيم ، وللإِمام الذي أحدث أن يصلّي صلاة المسافر ، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(٢) .

ولو صلّى المسافر خلف مقيم فأحدث واستخلف مسافراً أو مقيماً ، لزمه القصر عندنا.

وقال المخالف : يجب الإِتمام ، لأنّه ائتمّ بمقيم(٣) .

فإن استخلف مسافراً لم يكن معهم في الصلاة ، فله أن يصلّي صلاة السفر عند المخالف أيضاً ، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(٤) .

ب : لو أحرم المسافر خلف مقيم ، أو مَنْ يغلب على ظنّه أنه مقيم ، أو مَنْ يشك هل هو مقيم أو مسافر ، لزمه القصر عندنا‌ ، وعند الجمهور يلزمه الإِتمام وإن قصّر إمامه ، لأنّ الأصل وجوب الصلاة تامّة ، فليس له نيّة قصرها مع الشك في وجوب إتمامها ، ويلزمه إتمامها ، اعتباراً بالنية ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٢٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣.

(٢) المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣.

(٣) المغني ٢ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣ - ١٠٤‌

(٤) المغني ٢ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.

(٥) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩ ، المغني ٢ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٢ ١٠٤‌

٣٦١

وهو باطل عندنا على ما يأتي.

وإن غلب على ظنّه أنّ الإِمام مسافر لرؤية حُلية المسافرين عليه ، فله أن ينوي القصر عند المخالف(١) أيضاً. وإن قصّر إمامه قصّر معه ، وإن أتمّ قصّر هو.

وقال الجمهور : تلزمه متابعته(٢) .

وإذا نوى الإِتمام ، لزمه الإِتمام عند الجمهور - وسيأتي البحث فيه - سواء قصّر إمامه أو أتمّ ، اعتباراً بالنية(٣) .

وإن نوى القصر فأحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر ، لأنّ الظاهر أنّ إمامه مسافر.

ج : لو صلّى المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرّقهم فرقتين فأحدث قبل مفارقة الطائفة الْاُولى واستخلف مقيماً ، لزم الطائفتين القصر‌ عندنا ، وعند الجمهور الإِتمام ، لوجود الائتمام بمقيم(٤) . وإن كان بعد مفارقة الْاُولى ، أتمّت الثانية عندهم ، لاختصاصها بالائتمام بالمقيم(٥)

وإن كان الإِمام مقيماً فاستخلف مسافراً ممّن كان معه في الصلاة ، فعلى الجميع القصر عندنا ، وعند الجمهور يتمّ الجميع ، لأنّ المستخلف قد لزمه الإِتمام باقتدائه بالمقيم(٦) . وإن لم يكن دخل معه في الصلاة وكان استخلافه قبل مفارقة الاُولى ، فعليها الإِتمام عندهم ، لائتمامها بمقيم ، ويقصّر الإِمام والطائفة الثانية(٧) .

وإن استخلف بعد دخول الثانية معه فعلى الجميع التقصير عندنا ، وعند‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، المغني ٢ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.

(٢ - ٦ ) المغني ٢ : ١٣٠ - ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.

(٧) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.

٣٦٢

الجمهور التمام ، وللمستخلف القصر وحده ، لأنّه لم يأتمّ بمقيم(١) .

د : لو ائتمّ المقيم بالمسافر وسلّم المسافر في ركعتين ، أتمّ المقيم صلاته إجماعاً.

ويستحب للإِمام أن يقول بعد تسليمه : أتمّوا فأنا مسافر ، كما قالعليه‌السلام بمكة عام الفتح(٢) ، لئلّا يشتبه على الجاهل عدد الركعات.

ه- : لو أمّ المسافر المقيمين فأتمّ بهم الصلاة عمداً ، بطلت صلاته ، للزيادة ، وصلاة المأمومين ، للمتابعة في صلاة باطلة.

وقال الشافعي وإسحاق وأحمد : تصح صلاة الجميع ، لأنّ المسافر يلزمه الإِتمام بنيته(٣) .

وهو ممنوع.

وقال أبو حنيفة والثوري : تفسد صلاة المقيمين ، وتصح صلاة الإِمام والمسافرين معه ، لأنّ الركعتين الأخيرتين نفل من الإِمام ، فلا يؤمّ بها مفترضين(٤) .

والمقدّمتان ممنوعتان.

و : لو أمّ المسافر مسافرين فنسي فصلّاها تامّة ، فإن كان الوقت باقياً ، أعاد‌ عندنا ، وإلّا صحّت صلاتهم.

وقال الجمهور : تصح مطلقاً ، ولا يجب لها سجود سهو ، لأنّها زيادة لا يبطل الصلاة عمدها ، فلا يجب السجود لسهوها ، كزيادات القراءة في الركوع والسجود(٥) .

ولو ذكر الإِمام بعد قيامه إلى الثالثة ، جلس واجباً ، وحرم عليه الإِتمام.

____________________

(١) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٤.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٩ / ١٢٢٩ ، سنن البيهقي ٣ : ١٥٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥.

(٥) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥.

٣٦٣

وعند الجمهور لا يلزمه الإِتمام ، لأنّ الموجب له نيته ، أو الائتمام بمقيم ، ولم يوجد واحد منهما(١) .

ولو علم المأموم أنّ قيامه لسهو ، لم يلزمه متابعته ، وسبّح به ، وله مفارقته إن لم يرجع ، فإن تابعه ، بطلت صلاته عندنا ، وعندهم لا تبطل ، لأنّها زيادة لا تُبطل صلاة الإِمام فلا تبطل صلاة المأموم. ولأنّه لو فارق وأتمّ ، صحّت صلاته ، فمع موافقته أولى(٢) . وهو ممنوع.

ولو لم يعلم هل قام سهواً أو عمداً ، لم يجز له متابعته ، لأنّها باطلة عندنا.

وقال الجمهور : تجب ، لأنّ حكم وجوب المتابعة ثابت ، فلا يزول بالشك(٣) .

ز : لو دخل مسافر بلداً وأدرك الجمعة فأحرم خلف الإِمام فنوى قصر الظهر ، لم تجز‌ عندنا ، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.

وقال الشافعي : يجب عليه الإِتمام ، لأنّه مؤتمّ بمقيم(٤) .

ح : لو صلّى المسافر بأهل البلد الجمعة فدخل مسافر معه فنوى القصر ، لم يجز ، ووجبت عليه الجمعة عندنا ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : يجب عليه الإتمام ، لأنّ الإمام وإن كان مسافراً ، إلّا أنّه يصلّي صلاة المقيم. وعنه وجه آخر : أنّه يقصّر(٥) .

ط : لو اقتدى بمقيم ثم أفسد صلاته ، لم يجز له التمام‌ ، لأنّها زيادة في الفريضة.

____________________

(١) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٥ - ١٠٦.

(٢ و ٣ ) المغني ٢ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٦.

(٤) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩.

(٥) المجموع ٤ : ٣٥٦.

٣٦٤

وعند أبي حنيفة لا يلزمه الإِتمام ، لأنّ وجوبه بسبب الاقتداء(١) .

وقال الشافعي : لا يجوز القصر ، لأنّه التزم الأربع باقتدائه ، فلا يسقط الفرض بدونها ، وكذا لو أفسد الإِمام صلاته(٢) .

ولو اقتدى بمقيم ثم تبيّن أنّ الإِمام كان محدثاً أو جنباً ، لم يلزمه الإِتمام.

وعند الشافعية إن كانت الصلاة خلف الجنب صلاة انفراد لم يلزمه الإِتمام ، وإن كانت صلاة جماعة ، لزمه ، هذا إذا نوى القصر ، فإن لم ينو ، لزمه الإِتمام عندهم(٣) .

ي : لو اقتدى المسافر بمثله ، فإن نوى الإتمام ، لم يجز‌ ، ووجب عليه القصر عندنا ، وعند الشافعية يجب الإِتمام بنيّته ، قصّر الإِمام أو لا. وإن نوى القصر ، فإن قصّر الإِمام قصّر ، وإن أتمّ أتمّ ، للمتابعة عندهم(٤) .

يا : لو قال : نويت ما نوى إمامي من القصر والإِتمام ، لم يكن له حكم ، ووجب عليه القصر عندنا.

وللشافعية وجهان : وجوب الإِتمام ، لأنّ النية لا تقع موقوفة في الصلاة كما لو كان عليه ظهر أو عصر ، فنوى ما عليه لم تصحّ ، إلّا أنّ هناك لم تنعقد ، لمخالفة إحدى الفريضتين للْاُخرى ، وها هنا كلتاهما فرض الوقت ، والقصر رخصة.

والإِجزاء ، لأنّ صلاته لا تقع على حسب نيته إذا نوى القصر ، وإنّما تقع على حسب صلاة الإِمام ، ولا طريق إلى معرفتها ، فجاز التعليق(٥) .

____________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٤٦٣.

(٢) الاُم ١ : ١٨١ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩‌

(٣) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٣.

(٤) اُنظر : المجموع ٤ : ٣٥٦ وفتح العزيز ٤ : ٤٦١.

(٥) المجموع ٤ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٠.

٣٦٥

يب : لو أحدث الإِمام المسافر فأخبر بما نواه ، قبلوا خبره‌ في القصر والإِتمام ، وإن لم يخبرهم ، قال الشافعي : يجب الإِتمام ، لجواز نيته ، فلا يسقط الفرض إلّا بيقين(١) .

وقال ابن سريج : لا يجب ، لأنّ الظاهر أنّه قصد القصر لوجوبه عند قوم ، وأفضليته عند آخرين ، ولا تترك الفضيلة(٢) .

وهذا عندنا ساقط ، لما تقدّم من عدم تغيّر الفرض.

يج : لو اقتدى بإمام لا يدري أمقيم أو مسافر ، لم يتغيّر فرضه عندنا.

وقال الشافعي : يجب الإِتمام ، لأنّ الأصل في الناس الإِقامة ، والسفر عارض ، فيحمل على الأصل(٣) .

يد : لو اقتدى بمقيم يقضي صلاة الصبح ونوى القصر‌ ، لزمه ، ولم يجز له الإِتمام وإن نواه عندنا.

وقال الشافعي : يجب الإِتمام وإن نوى القصر ، لأنّه وصل صلاته بصلاة المقيمين ، فلزمه حكمهم ، فإن كان قاضي الصبح مسافراً ، لم يلزمه الإِتمام(٤) .

مسألة ٦١٤ : القصر إنّما هو في عدد الركعات لا في غيره‌ ، وهو واجب على ما بيّنّاه ، إلّا في أربعة مواطن : مسجد مكّة ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر على ساكنه السلام ، عند أكثر علمائنا(٥) ، فإنّهم قالوا : الإِتمام في هذه المواضع أفضل وإن جاز القصر ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تتمّ الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ - ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.

(٢) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.

(٣) الْأُم ١ : ١٨١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٢.

(٤) اُنظر : المجموع ٤ : ٣٥٦ وفتح العزيز ٤ : ٤٦١‌

(٥) كما في المعتبر : ٢٥٣. وممّن قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٤١ ، والمحقق في المختصر النافع : ٥١ وشرائع الاسلام ١ : ١٣٥.

٣٦٦

ومسجد الكوفة وحرم الحسينعليه‌السلام »(١) .

وقال الصدوق : يجب القصر ما لم يَنْو المقام عشرة أيام(٢) ، عملاً بالأصل ، وحمل الروايات على أفضلية نية المقام عشرة أيام ، والمقام للتمام ، لأنّ معاوية بن وهب سأل الصادقعليه‌السلام ، عن التقصير في الحرمين والتمام ، فقال : « لا تتمّ حتى تُجمع على مقام عشرة أيام »(٣) .

وقد روي عن الصادقعليه‌السلام : « الإِتمام في أربعة مواطن : حرم الله تعالى ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسينعليهم‌السلام »(٤) .

قال الشيخ : فعلى هذه الرواية يجوز الإِتمام بالكوفة خارج المسجد بالنجف(٥) .

وقال بعض علمائنا : يحمل حرم أمير المؤمنينعليه‌السلام على مسجد الكوفة أخذاً بالمتيقّن(٦) .

فروع :

أ : قال ابن إدريس : إنّما يجوز الإِتمام في نفس المسجد الحرام ، وفي نفس مسجد المدينة ، عملاً بالمتيقّن(٧) .

وقال الشيخ : يستحب الإِتمام في مكّة والمدينة جميعها ، لدلالة الرواية‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٢ / ١٥٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٥ / ١١٩٤ ، ومصباح المتهجّد : ٦٧٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٣ ذيل الحديث ١٢٨٤ ، والخصال : ٢٥٢ ذيل الحديث ١٢٣ ، وحكاه عنه أيضاً المحقّق في المعتبر : ٢٥٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٨ / ١٤٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ / ١١٨١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٠ / ١٤٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ / ١١٩١ ، وكامل الزيارات : ٢٥٠ ، الخصال : ٢٥٢ / ١٢٣.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٤١.

(٦) قال به المحقّق في المعتبر : ٢٥٤.

(٧) السرائر : ٧٦.

٣٦٧

عليه(١) .

ب : قال المرتضى : يستحب الإِتمام في السفر عند قبر كلّ إمام من أئمّة الهدىعليهم‌السلام (٢) .

ومنعه ابن إدريس ، للأصل(٣) ، وهو الأقرب.

ج : قال ابن إدريس : المراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه‌ دون سور البلد ، لأنّ الحائر هو الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه.

وقد ذكر المفيد في الإِرشاد في مقتل الحسينعليه‌السلام ، لمـّا ذكر مَنْ قتل معه من أهله ، فقال : والحائر محيط بهم إلّا العباس ، فإنّه قتل على المسناة(٤) .

د : لو فاتت هذه الصلاة ، احتمل وجوب القصر مطلقاً‌ - سواء صلّاها فيها أو في غيرها ، لفوات محلّ الفضيلة وهو الأداء ، ووجوب القصر إن قضاها في غيرها ، لفوات المكان الذي هو محلّ المزيّة ، والتخيير إن قضاها فيها ، لأنّ القضاء تابع للأداء ، والتخيير مطلقاً بين الإِتمام والقصر ، لأنّ الأداء كذلك.

مسألة ٦١٥ : يستحب أن يقول المسافر عقيب كلّ صلاة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة‌ ، فإنّ ذلك جبران لصلاته على ما روي(٥) .

ولأنّ هذه تقع بدلاً عن الركعات في شدّة الخوف.

ويحتمل : تقييد ذلك عقيب الصلاة المقصورة ، لأنّها محلّ النقص ،

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤١.

(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٧٧.

(٣) السرائر : ٧٧.

(٤) السرائر : ٧٦ - ٧٧ ، وراجع : الإِرشاد - للمفيد - ٢٤٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٤.

٣٦٨

كما قيّدناه نحن في القواعد(١) ، لقول العسكريعليه‌السلام : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة»(٢) .

ويحمل الوجوب على شدّة الاستحباب.

مسألة ٦١٦ : لو سافر بعد الزوال قبل التنفّل ، استحب له قضاء النافلة‌ ولو في السفر ، لحصول السبب ، وهو : الوقت ، وعموم الأمر بقضاء الفائت وإن كان ندباً.

المطلب الثاني : في الشرائط‌

وهي خمسة : قصد المسافة ، والضرب في الأرض ، واستمرار

القصد ، وعدم زيادة السفر على الحضر ، وإباحته.

فهنا مسائل تنظمها خمسه مباحث.

الأول : قصد المسافة‌

مسألة ٦١٧ : المسافة شرط ، فلا يجوز القصر في قليل السفر عند عامة العلماء‌ ، لإِجماع الصحابة على التقدير وإن اختلفوا في القدر.

ولما رواه الجمهور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة بُرُدٍ من مكّة إلى عسفان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلاً »(٤) .

____________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٤.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ١٣٨٧ / ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٠٧ / ٤٩٣ و ٤ : ٢٢٣ / ٦٥٢ ، الاستبصار =

٣٦٩

ولأنّه رخصة للمشقّة ، ولا مشقّة مع القلّة.

وقال داود : يقصّر في قليل السفر وكثيره ، لقوله تعالى( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (١) (٢) ولم يفصّل.

والإِجماع والأحاديث أخصّ.

مسألة ٦١٨ : وإنّما يجب التقصير في ثمانية فراسخ ، فلو قصد أقلّ ، لم يجز التقصير إجماعاً ، إلّا في رواية لنا أنّه يثبت في أربعة فراسخ(٣) .

والمعتمد : الأول.

ولا خلاف عندنا في وجوب التقصير في الثمانية ، لأنّ سماعة سأله عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال : « في مسيرة يوم ، وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ »(٤) .

وسأل أبو أيّوب ، الصادقعليه‌السلام عن التقصير ، قال : « في بريدين أو بياض يوم »(٥) .

وسأل علي بن يقطين ، الكاظمعليه‌السلام ، عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم ، قال : « يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله »(٦)

____________________

= ١ : ٢٢٣ / ٧٨٧.

(١) النساء : ١٠١.

(٢) المجموع ٤ : ٣٢٥ - ٣٢٦ ، رحمة الاُمة ١ : ٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٨ / ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ٢٢٤ / ٧٩٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٧ / ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ / ٧٨٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٨٠٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٧٩٩.

٣٧٠

وفي رواية عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « التقصير في بريد ، والبريد أربعة فراسخ »(١) .

وهي محمولة على إرادة الرجوع ليومه ، لأنّه حينئذٍ قد شغل يومه بالسفر ، فحصلت المشقّة المبيحة للقصر ، وكذا غيرها من الروايات.

وللشافعي أقوال : أحدها : إباحة التقصير في ستة وأربعين ميلاً بالهاشمي ، وهو : مسير ليلتين قاصداً بين سير النقل(٢) ودبيب الأقدام(٣) .

الثاني : ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي - وبه قال عبد الله بن عباس وابن عمر ، ومالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور - لقولهعليه‌السلام : ( يا أهل مكّة لا تقصّروا في أدنى من أربعة بُرُدٍ من مكّة إلى عسفان )(٤) (٥) .

وهو معارض بما روي عنهعليه‌السلام من التقصير في مسير يوم(٦) .

ولأنّ القصر لو لم يثبت لمسير يوم ، لما يثبت مع ما زاد ، لزوال مشقّته براحة الليل.

وقد روي عن الرضاعليه‌السلام : « إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية فراسخ مسير يوم للعامّة(٧) والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسير يوم » قال : « ولو لم يجب في مسير يوم لما‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢٣ / ٦٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٩٠.

(٢) ضرب من السير وهو المداومة عليه. الصحاح ٥ : ١٨٣٤ « نقل ».

(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.

(٤) سنن الدار قطني ١ : ٣٨٧ / ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٧.

(٥) المدونة الكبرى ١ : ١٢٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٦٢ ، المغني ٢ : ٩١ و ٩٢ و ٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ و ٩٥ ، المجموع ٤ : ٣٢٣ و ٣٢٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣ و ٤٥٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.

(٦) نقل ذلك عن عبد الله بن عمر وابن عباس ، اُنظر : سنن البيهقي ٣ : ١٣٧ والمغني ٢ : ٩٣.

(٧) في « ش » والطبعة الحجرية : « للقاصد » بدل « للعامّة ».

٣٧١

وجب في مسير ألف سنة ، لأنّ كل يوم بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم »(١) .

الثالث : مسير يوم وليلة(٢) .

الرابع في القديم : يقصّر فيما جاوز أربعين ميلاً(٣) .

وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح بن حي : لا يقصّر إلّا في ثلاث مراحل : أربعة وعشرين فرسخاً - وبه قال النخعي وسعيد بن جبير وعبد الله بن مسعود وسويد بن غفلة - لأنّ النبيعليه‌السلام ، قال : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن )(٤) وهو يقتضي أن يكون كلّ مسافر له ذلك(٥) .

ولا حجّة فيه عندنا ، للمنع من المسح على الخفّين مطلقاً

ولأنّه يمكنه قطع سفره في ثلاثة أيام إذا كان مرحلتين ويمسح فيها ، فالخبر لبيان مدّة المسح لا حدّ السفر.

وقال الأوزاعي : يقصّر في مسيرة يوم. وهو مروي عن أنس(٦) .

وحكي عن الزهري أنّه قال : مسيرة يوم تام ثلاثين ميلاً(٧) .

مسألة ٦١٩ : الفرسخ ثلاثة أميال اتّفاقاً.

والميل : أربعة آلاف ذراع ، لأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم للإِبل السير العام ، وهو يناسب ما قلناه. وكذا الوضع اللغوي ، وهو : قدر مدّ البصر من‌

____________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٦ الباب ١٨٢ ، الحديث ٩ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١١٣ ، الباب ٣٤ ، الحديث ١.

(٢) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، رحمة الاُمّة ١ : ٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٥.

(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.

(٤) سنن البيهقي ١ : ٢٧٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٥ ، المغني ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المجموع ٤ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٢٥ ، المغني ٢ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.

(٧) حلية العلماء ٢ : ١٩٣.

٣٧٢

الأرض. وفي بعض الروايات : « ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة »(١) .

وقال بعض الشافعية : اثنا عشر ألف قدم ، أو أربعة آلاف خطوة(٢) .

وأمّا الذراع فأربعة وعشرون إصبعاً.

فروع :

لو لم يعلم المسافة وشهد اثنان عَدلان ، وجب القصر ، ولو شكّ ولا بيّنة ، وجب الإِتمام ، لأنّه الأصل ، فلا يعدل عنه إلّا مع اليقين. وكذا لو اختلف المـُخبرون بحيث لا ترجيح.

ولو تعارضت البيّنتان ، وجب القصر ، عملاً ببيّنة الإِثبات.

ب : التقدير تحديد لا تقريب‌ - وبه قال الشافعي(٣) - حتى لو نقصت شيئاً قليلاً ، لم يجز القصر ، لأنّه ثبت بالنصّ لا بالاجتهاد.

ج : الزمان ليس بتقدير ، فلو قطع الثمانية في أيام ، فله القصر‌ فيها.

وكذا لو قطعها في يوم ، فله القصر.

د : البحر كالبرّ ، فلو سافر فيه وبلغت المسافة ، فله القصر‌ وإن كان ربما قطع المسافة في ساعة ، لأنّ الاعتبار بالمسافة لا بالمدّة.

ه- : اعتبار المسافة من حدّ الجدران‌ دون البساتين والمزارع ، وغيبوبة الجدران وخفاء الأذان وإن شرطا في جواز القصر.

مسألة ٦٢٠ : لو قصد نصف المسافة والرجوع ليومه ، وجب القصر ، لوجود المشقّة وشغل اليوم.

ولقول الباقرعليه‌السلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن التقصير ، قال : « في بريد » قلت : بريد؟ قال : « إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ / ٣.

(٢) فتح العزيز ٤ : ٤٥٣.

(٣) المجموع ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.

٣٧٣

يومه »(١) .

وقال الشافعي : لا يجوز له القصر ، لأنّ الذهاب سفر والرجوع سفر آخر ، وكلٌّ منهما أقلّ من المسافة(٢) .

ونمنع التعدّد.

ولو لم يرد الرجوع من يومه ، وجب التمام - وهو قول المرتضى(٣) - لعدم الشرط ، وهو : قصد المسافة.

وقال الشيخ : يتخيّر في قصر الصلاة دون الصوم(٤) .

وقال الصدوقرحمه‌الله : يتخيّر مطلقاً(٥) .

والوجه ما تقدّم.

تذنيب : لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ فقصد التردّد ثلاثاً ، لم يقصّر ، لأنّه بالرجوع انقطع سفره وإن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان ومشاهدة الجدران ، وإلّا لزم القصر لو تردّد في فرسخ واحد ثماني مرّات وأزيد.

ولو كانت المسافة خمساً وقصد الرجوع ليومه ، وجب القصر ، وإلّا فلا.

مسألة ٦٢١ : لو كان لبلد طريقان ، أحدهما مسافة دون الآخر ، فسلك الأقصر ، لم يجز القصر ، سواء علم أنّه القصير أو لا ، لانتفاء المسافة فيه.

وإن سلك الأبعد ، فإن كان لغرض كخوف في القريب ، أو حزونة ، أو قضاء حاجة في البعيد ، أو زيارة صديق ، أو لقاء غريم ليطالبه ، فله القصر‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨.

(٢) المجموع ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٧.

(٣) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٧٣ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥١.

(٤) النهاية : ١٢٢ و ١٦١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٠.

٣٧٤

إجماعاً ، لوجود المقتضي ، وهو : سلوك المسافة.

وإن لم يكن له غرض سوى الترخّص ، وجب القصر أيضاً عندنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، والمزني(١) - لأنّه سفر مباح ، فيترخّص فيه ، كما لو كان له فيه غرض.

والآخر للشافعي : المنع - واختاره أبو إسحاق - لأنّه طوّل الطريق على نفسه لا لغرض سوى الترخّص ، فأشبه ما إذا مشى في المسافة القصيرة يميناً وشمالاً حتى طال سفره(٢) .

ومنعوا الإِباحة ، لقولهعليه‌السلام : ( إنّ الله تعالى يبغض المشّائين من غير إرب )(٣) .

والفرق ظاهر ، فإنّ قاصد الأبعد قصد مسافة ، بخلاف الماشي يميناً وشمالاً ، والإِرب موجود ، وهو : الترخّص المباح.

تذنيب : إذا سلك الأبعد ، قصّر فيه وفي البلد‌ وفي الرجوع وإن كان بالأقرب ، لأنّه مسافر ، وإنّما يخرج عن السفر بالعود إلى وطنه أو حكمه.

ولو سلك الأقصر ، أتمّ في طريقه والبلد وإن قصد الرجوع بالأبعد ، لأنّه لم يقصد أوّلاً مسافة ، والقصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.

نعم يقصّر في الرجوع بالأبعد ، لوجود المقتضي ، وهو : المسافة.

مسألة ٦٢٢ : لا قصر مع انتفاء القصد ، فالهائم لا يترخّص ، وكذا طالب الآبق وشبهه ، لأنّ الشرط عزم قطع المسافة في الابتداء ، وطالب الآبق والغريم لم يقصد المسافة ، بل متى ظفر رجع وهو لا يعرف موضعهما.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٤.

(٢) الام ١ : ١٨٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٣.

(٣) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

٣٧٥

وإن تمادى سفره وزاد عن المسافة ، فإذا وجده وعزم على الرجوع وقد قطع المسافة ، فهو منشئ للسفر من حينه.

وإنما اشترط قصد قطع المسافة ، لأنّ للسفر تأثيراً في العبادة ، فاعتبرت النيّة فيه ، كما تعتبر في العبادات.

فروع :

أ : لو بلغه خبر عبده في بلد فقصده بنيّة إن وجده في الطريق رجع ، فليس له الترخّص‌ ، لعدم يقين القصد.

ب : لو قصد البلدة ثم عزم في الطريق على الرجوع إن وجده ، قصّر‌ إلى وقت تغيّر نيّته ، وبعده إن كان قد قطع مسافة بقي على التقصير ، وإلّا أتمّ.

وللشافعي في الآخر وجهان ، كما لو أنشأ سفراً مباحاً ثم أحدث نيّة المعصية(١) .

ج : الأسير في أيدي المشركين إن عرف مقصدهم وقَصَده ، ترخّص ، وإن عزم على الهرب متى قدر على التخلّص ، لم يترخّص ، ولو لم يعرف المقصد لم يترخّص في الحال ، لعدم علمه بالمسافة.

وإن ساروا به المسافة ، لم يقصّر إلّا في الرجوع.

وحكي عن الشافعي : القصر ، لأنّه يتيقّن طول سفره(٢) .

د : لو سافر بعبده أو ولده أو زوجته ، فإن علموا المقصد وقصدوا السفر ، ترخّصوا.

وإن عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه ، والزوجة عليه متى تخلّصت ، وكذا الولد ، فلا رخصة لهم.

____________________

(١) فتح العزيز ٤ : ٤٥٥ ، المجموع ٤ : ٣٣٢.

(٢) المجموع ٤ : ٣٣٣.

٣٧٦

وإن لم يعلموا المقصد ، لم يترخّصوا ، لانتفاء اختيارهم ، وإنّما سفرهم بسفر غيرهم.

ه- : منتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدار والأذان ، يقصّر‌ إن جزم على السفر - سواء حصلت الرفقة أو لا - إلى شهر.

وإن تردّد في السفر لو لم يحصلوا ، لم يقصّر ، إلّا أن يكون قد قطع المسافة ، فيقصّر إلى شهر.

واشتراط الشيخ أربعة فراسخ(١) ممنوع.

و : لو قصد ما دون المسافة فقطعه ، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه ، وهكذا دائماً ، فلا قصر‌ وإن تجاوز مسافة التقصير ، وكذا لو خرج غير ناوٍ مسافةٍ ، لم يقصّر وإن قطع مسافات كثيرة.

نعم يجب عليه التقصير في العود مع بلوغ المسافة ، لأنّه ينوي المسافة ، وعليه فتوى العلماء.

ولقول الرضاعليه‌السلام ، وقد سأله صفوان : في الرجل يريد أن يلحق رجلاً على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان ، قال : « لا يقصّر ولا يفطر ، لأنّه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وإنّما خرج ليلتحق بأخيه فتمادى به السير »(٢) .

ولو قصد ما دون المسافة أوّلاً ثم قصد ثانياً المسافة ، قصّر حينئذٍ لا قبله.

____________________

(١) النهاية : ١٢٤ - ١٢٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٥ / ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٦.

٣٧٧

البحث الثاني : الضرب في الأرض‌

مسألة ٦٢٣ : الضرب في الأرض شرط في القصر ، ولا يكفي قصد المسافة من دونه إجماعاً ، لأنّ شرط القصر الضرب في الأرض ، لقوله تعالى :( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (١) .

ولأنّ اسم السفر إنّما يتحقّق به لا بالقصد.

ويخالف ما لو دخل إلى بعض البلاد ونوى الإِقامة ، ففي الوقت يصير مقيماً ، لموافقة النية الحالة ، لأنّه نوى الإِقامة وهو مقيم ، وهنا النية لا توافق الحالة ، لأنّ السفر هو الضرب والسير عليها وهو مقيم ، فلم يكن للنية حكم.

مسألة ٦٢٤ : ولا يشترط انتهاء المسافة إجماعاً ، لتعلّق القصر بالضرب وهو يصدق في أوله.

ولا يشترط أيضاً اختلاف الوقت بإجماع العلماء ، إلّا من مجاهد ، فإنّه قال : إذا خرج نهاراً ، فلا يقصّر إلى الليل ، وإن خرج ليلاً ، فلا يقصّر إلى النهار(٢) .

ولا وجه له ، لوجود الشرط بدونه.

مسألة ٦٢٥ : إنّما يباح القصر في الصلاة والصوم إذا توارى عنه جدران البلد أو خفي عنه أذانه‌ ، لأنّ السفر شرط القصر ، ولا يتحقّق في بلده ومع مشاهدة الجدران ، فلا بدّ من تباعد يطلق على مَنْ بلغه أنّه مسافر ، ولا حدّ بعد مفارقة منازله إلّا ذلك.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقصّر على فرسخ من المدينة‌

____________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.

٣٧٨

وفرسخين(١) ، فتكون بياناً.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان ، فقصّر »(٢) .

وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنّه أراد سفراً ، فصلّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد(٣) .

وهو غلط ، لعدم الشرط. ولأنّ هذا الخلاف انقرض ، فيبقى إجماعاً.

وقال عطاء : إذا خرج من بيته ، قصّر وإن لم يخرج من بيوت القرية(٤) .

وهو قول بعض أصحاب الحديث(٥) منّا ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه »(٦) .

ويحمل على بلوغ الموضع الذي لا يشاهد فيه جدران البلد ولا يسمع أذانه ، جمعاً بين الأدلّة.

وقال الشافعي : لا يجوز القصر حتى يفارق البلد الذي هو فيه ومنازله.

ولم يشترط خفاء الجداران والأذان - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق - لأنّ بنيان بلده يقطع استدامة سفره فكذا يمنع الابتداء.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يبتدئ القصر إذا خرج من‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٨٠ / ٦٩٠ ، صحيح البخاري ٢ : ٥٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٤ / ١٢٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٣١ / ٥٤٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٠ / ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ / ٨٦٢.

(٣) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، رحمة الاُمة ١ : ٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٤.

(٤) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، المغني ٢ : ٩٧ - ٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٥.

(٥) حكاه عن بعض الأصحاب أيضاً المحقق في المعتبر : ٢٥٣ ، ولعلّه يقصد الشيخ الصدوق ، وانظر المصدر في الهامش التالي.

(٦) الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٨.

٣٧٩

المدينة(١) (٢) .

وهو محمول على الخروج إلى حيث يخفى الأذان والجدران.

وحكى ابن المنذر عن قتادة ، أنّه قال : إذا جاوز الجسر أو الخندق ، قصّر(٣) .

وقد تقدّم بطلانه.

مسألة ٦٢٦ : وكما أنّ خفاء الأذان والجدران مبدأ السفر كذا هو منتهاه ، فلا يزال مقصّراً حتى يظهر الجدار أو يسمع الأذان ، عند أكثر علمائنا(٤) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان ، فقصّر ، وإذا قدمت من سفرك ، فمثل ذلك »(٥) .

وقال المرتضى : لا يزال مقصّراً حتى يدخل منزله(٦) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يزال المسافر مقصّراً حتى يدخل أهله أو منزله »(٧) .

والمشهور : الأول. وتحمل الثانية على وصول سماع الأذان أو مشاهدة الجدران ، جمعاً بين الأدلّة.

مسألة ٦٢٧ : لا اعتبار بأعلام البلدان ، كالمنائر والقُباب المرتفعة عن اعتدال البنيان‌ ، لأنّ الحوالة في الألفاظ المطلقة إلى المتعارف المعهود.

____________________

(١) مصنف عبد الرزاق ٢ : ٥٢٨ - ٥٢٩ / ٤٣١٥ - ٤٣١٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، المجموع ٤ : ٣٤٧ و ٣٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٣٦ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١١٨ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٩٧ و ٩٨.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٩٤ ، مصنف عبد الرزاق ٢ : ٥٣١ / ٤٣٢٧.

(٤) منهم : المحقق في المعتبر : ٢٥٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٠ / ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ / ٨٦٢.

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٣.

(٧) المعتبر : ٢٥٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ / ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ / ٨٦٤ وفيهما « حتى يدخل بيته ».

٣٨٠