الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 78583
تحميل: 7256

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78583 / تحميل: 7256
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

الله انه طعامي الذي اشتراه مني، قال: لاتأخذه منه حتى يبيعه ويعطيك، قال: أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي» وهذه المعتبرة تمنع من اخذ ماله ولكن جمعا بينها وبين الروايات المجوزة القائلة «انه ليس غنمك ولابقرك ولا متاعك» يحمل المنع على الكراهة.

٢ - اذا كان البيع كليا، وهو في صورتين:

الاولى: كما اذا باع الانسان مالا (سلما) الى المشتري ثم اراد المشتري أن يبيعه الى البائع قبل حلول أجل السلم او بعده، قبل القبض فهو لايجوز الاتولية، ودليله هو صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام المتقدمة «قال: قال أمير المؤمنين (ع) في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف الى أجل مسمى، فقال له صاحبه: لانجد لك وصيفا خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا، قال: فقال لايأخذ الاوصيفه او ورقه الذي اعطاه اول مرة لايزاد عليه شيئا» ومعناها اذا باعه مع الزيادة او النقيصة يكون البيع فاسدا، وهذا حكم تعبدي على خلاف القاعدة في باب السلم يلتزم به لعدم وجود معارض له من الادلة.

الثانية: كما اذا كان المبيع كليا في الذمة (حالا) واراد المشتري بيعه قبل قبضه على البائع فبيعه صحيح تولية فقط وذلك لاطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة التي يستدل بها للشيخ الطوسي «قال: سألته عن رجل له على آخر تمر او شعير أو حنطة يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: اذا قومه دراهم فسد، لان الاصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم».

وهذه تدل على أن الذي في الذمة (سواء كان سلفا قد اشتراه او حالا ولم يقبضه) اذ الامام (ع) لم يستفصل وانما قال اذا باعه بدراهم فهو فاسد اذا كانت الدراهم أقل من الدراهم الاولية او اكثر. وحينئذ يكون كلام الشيخ الطوسي فيما اذا كان المبيع كليا صحيحا، بمعنى أن الشارع اعطى حكم العوض إلى

٣٠١

عوض العوض.

وأما اذا كانت العين المبيعة شخصية فروايات بيع العينة تقول لابأس أن يشتريها بأقل او بأكثر مما باعها، بالاضافه الى القاعدة التي تقول اذا ملك الانسان المتاع فيجوز له بيعه على نفس البائع او غيره بجنس الثمن الاول او بغيره، مع التفاضل او مع التساوي، قبل الاجل او بعده، فان هذا كله داخل تحت قوله تعالى «أوفوا بالعقود» و«أحل الله البيع».

المسألة الثالثة عشر : الاعتمادات السندية.

ان المراد من الاعتمادات السندية التي هي من اعمال البنوك هو أن يشتري تاجر بضاعة من خارج الدولة، وبعد تمامية العقد يطلب من البنك فتح اعتماد له، فيدفع التاجر الى البنك قسما من قيمة البضاعة، ويقوم البنك بتسديد قيمة البضاعة الى الشركة أو الدولة الخارجية، ويتسلم البنك البضاعة بعدما تسجل باسمه حين التصدير، وعندما تصل الى بلاد التاجر يخبر البنك مالكها الذي اشتراها، فيدفع التاجر الى البنك مابقي من قيمة البضاعة، وبعد ذلك يحول البنك البضاعة الى اسم مالكها. وهذا هو اعتماد الاستيراد، اما اعتماد التصدير فهو عبارة عن طلب المصدر من البنك فتح اعتماد له ليقوم البنك بدوره بتسليم البضاعة المستوردة وقبض ثمنها.

نقول: البنك هنا يتمكن أن يتقاضى عمولة مقطوعة على عمله هذا، لان البنك في الحقيقة يكون مستأجرا للقيام بهذا العمل في مقابل اجر معين او مجعول له جعلا في قبال عمله. واما اذا أخذ البنك عمولة على عمله ثم أخذ فوائدا على المال الذي دفعه خارج البلاد الى حين تسديد التاجر هذا المال فهو ربا، لان البنك يكون قد اقرض صاحب البضاعة مالا بشرط الزيادة في مقابل الاجل. نعم اذا امر المستورد الذي عنده اعتماد البنك بتسديد الدين من مال البنك بشرط

٣٠٢

أن لايطالبه به الى مدة معلومة، فان امتثل البنك هذا الامر فيكون الامر ضامنا للمال بقانون الاتلاف، ولم يكن الامر مدينا الى البنك، وعلى هذا يتمكن البنك أن يأخذ عمولة على عمله هذا وهي التي تسمى بالفائدة.

المسألة الرابعة عشر : الكمبيالات

وهي علىقسمين: الاول: الكمبيالات الحقيقية وهي ما تعبر عن وجود قرض حقيقي بأن يكون الموقع على الكمبيالة مدين الى من أخذ الكمبيالة، فيها اذا أخذ الدائن الورقة ونزلها عند شخص ثالث (اي باعها) بأقل من الدين الذي له على الموقع على الكمبيالة، فذكروا انه لا اشكال فيه اذا لم يكن العوضان من المكيل او الموزون كالعملة الورقية، وقد نقول في توجيهه بأن هذا راجع الى بيع الدين بأقل منه الذي قالوا بجوازه، وحينئذ يكون الشخص الثالث هو الدائن لمن هو موقع على الكمبيالة. ونفس هذا الحكم قد يقال فيما اذا باع الانسان الشيك الذي له على آخر الى مدة على شخص ثالث بأقل من المبلغ بشرط ان يكون صاحب الشيك مدينا حقيقة.

نعم اذا اقترض من له الكمبيالة او الشيك من شخص ثالث مبلغا من المال كمائة دينار ثم دفع له الكمبيالة الحقيقية او الشيك الحقيقي الذي يستحق بموجبهما مائة وعشرين دينارا بعد ستة أشهر كحوالة على الموقع على الكمبيالة او صاحب الشيك فهو ربا محرم اذا كانت هذه العملية ملزمة للمقترض.

ولكننا نقول: ان الروايات المتقدمة التي تمنع من بيع المعدود نسيئة مع الزيادة، تحرم هذه المعاملة، اذ أن المشتري للكمبيالة او الشيك (وهو الشخص الثالث) يكون قد باع المعدود نسيئة بزيادة وهو محرم كما تقدم. وبما أنه لايوجد عندنا رواية تقول بجواز بيع الدين بأقل منه على الشخص الثالث وانما

٣٠٣

قالوا به استنادا الى القواعد العامة لصحة البيع فنلتزم بحرمة هذه المعاملة لما ذكرنا.

نعم عندنا رواية تقول بجواز ان يعجل المديون قضاء الدين بنقيصة، وهي صحيحة محمد بن مسلم(١) عن أبي جعفرعليه‌السلام «في الرجل يكون عليه دين الى اجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته... قال: لا أرى به بأسا مالم يزد على رأس ماله شيئا....».

وحينئذ نلتزم بهذه الرواية اذا كان معناها بيع المعدود نسيئة بزيادة ونخصص الروايات المانعة من بيع المعدود نسيئة بها، ولعله لهذا منع ابن ادريس من بيع الدين على غير المديون.

ولكن الحق ان روايات المنع عن بيع المعدود مع الزيادة نسيئة لاتشمل مانحن فيه، اذ أنها تمنع من أن يحدث الانسان الدين على نفسه بزيادة عما أخذ نقدا، اما مسألة بيع الدين بأقل منه فهي عبارة عن براءة ذمة شخص بشيء اقل مما فيها، وكم فرق بين المسألتين، فاحتمال الفرق هنا لايجوز سريان الحكم في المسألة الاولى الى الثانية، فتكون خارجة تخصصا.

ثم ان من نافلة القول بأن هذه المسألة تختلف عن مسألة «حط وتعجل» الذي تقدم الكلام عنها في الربا عند ابناء العامة، وبما أنها مسنجمة مع القواعد في صحة (بيع الدين بأقل منه) والدليل الذي يقول بأن المشتري للدين لايستحق اكثر مما دفع ضعيف(٢) فلاينبغي التوقف في صحة هذه المعاملة.

____________________

(١) الوسائل ج١٣ باب ٣٢ من ابواب الدين حديث١/١٢٠.

(٢) الدليل الذي ساقوه لعدم استحقاق المشترى اكثر مما دفع هو روايتان: الاولى غيرواضحة الدلالة والثانية واضحة الدلالة الا انها غير حجة لوجود محمد بن الفضيل في السند الذي ضعفه الشيخ في الفهرست. والرواية هي محمد بن الفضيل قال: قلت للرضا عليه

٣٠٤

الثاني: الكمبيالات الصورية الصادرة وهي التي لاتعبر عن دين حقيقي في ذمة الموقع عليها، فبيعها بالاقل ان كان بمعنى ان البائع وكيل عن الموقع على الكمبيالة «في بيع قيمتها في ذمته بأقل» فيكون الموقع على الكمبيالة هو طرف مع المشتري وهذا لايدخل تحت عنوان بيع الدين بأقل منه، وحينئذ يكون عبارة عن بيع المعدود نسيئة مع الزيادة، وقد قلنا فيما سبق بحرمة هذه المعاملة(١) . وان كان البائع عندما ينزل الكمبيالة الصورية بأقل هو الذي يكون مدينا بقدرها الا أن صاحب الكمبيالة الموقع عليها ملتزم بأداء مقدار الدين ان لم يؤد المدين المبلغ اذ أن المقترض أحال البنك على موقع الكمبيالة، وهذا يكون من قبيل الضمان ان لم يؤد المدين، او من قبيل الحوالة علي البريء. وعلى هذا فلا يجوز للبنك أخذ شيء من قيمة الكمبيالة لقاء المدة الباقية لانه ربا.

نعم اذا باع الكمبيالة او الشيك بنفس القدر نقدا فلا دليل على الحرمة. وكذلك اذا قلنا أن تنزيل الكمبيالة عند البنك هو عبارة عن قرض البنك لصاحب الكمبيالة، ولكن نزلها بقدرها فلاربا، ولكن الموجود في الخارج خلافهما.

المسألة الخامسة عشر : خطابات الضمان

اذا تعهد شخص مشروعا لدولة او لشخص آخر كبناء مدارس او بيوت او غير ذلك، فالمتعهد له باكمال العمل قد يشترط على المتعهد مبلغا من المال في حالة عدم انجاز المشروع، ولكي يطمئن المتعهد له بذلك يطالب المتعهد بكفيل

____________________

السلام: رجل اشترى دينا على رجل ثم ذهب الى صاحب الدين، فقال له: ادفع الى ما لفلان عليك فقد اشريته منه. قال: يدفع اليه قيمة مادفع الى صاحب الدين، وبرىء الذي عليه المال من جميع مابقي عليه. الوسائل ج١٣ باب ١٥ من ابواب الدين حديث٢ر٣ ص١٠٠.

(١) الا أن يكون بيع قيمتها في ذمة الموقع بأقل يكون بصورة بيع قيمتها التي هي الف تومان، بخمسة واربعين دينارا عراقيا، فلا حرمة لاختلاف العوضين.

٣٠٥

على الثمن، فالمتعهد يرجع الى البنك ليصدر له مستند ضمان يتعهد فيه البنك للمتعهد له بالمبلغ المذكور عند عدم اتمام العمل من المتعهد. والبنك هنا يأخذ فائدة على تكفله هذا فهل هي جائزة؟.

نقول: ان كل كفيل يقوم بعمل محترم له حق أن يأخذ مقابله مالا. وهنا البنك بما أنه يقوم بعمل محترم وهو كفالة المتعهد باعطاء مبلغ من المال عند عدم اتمام المتعهد المشروع، فيجوز للبنك أخذ عمولة على عمله هذا، وفي الحقيقة ان البنك يكون مستأجرا للمتعهد للقيام بتعهده فيستحق عله عملي أجرا.

المسألة السادسة عشر : تحصيل الكمبيالات والشيكات.

يقوم البنك باخطار الموقع على الكمبيالة فيذكر له قيمتها ورقمها وتاريخ استحقاقها حتى يتهيأ الموقع عليها للدفع، وحينئذ اذا استلم البنك المبلغ يدرجه في حساب عميله الذي له الكمبيالة او يدفعه له نقدا. وكذلك قد يقوم البنك بعملية تحصيل قيمة الشيك من الموقع عليه. فهل يجوز للبنك أن يأخذ عمولة على عمله هذا؟.

نقول: ان العمل الذي يقم به البنك عمل محترم فيجوز له ان يأخذ عمولة مقطوعة، ولكن قد يجب في بعض الاحيان على البنك القيام بهذا العمل من دون اجرة وذلك فيما اذا كان للموقع على الكمبيالة حساب لدى البنك وقد أمر البنك بخصمها من حسابه، ففي هذه الصورة بما ان البنك مدين للموقع على الكمبيالة فيجب عليه تسديد الدين، وحينئذ لايحق له أن يأخذ عمولة على هذا العمل.

المسألة السابعة عشر : الحوالة (خطاب الاعتماد).

قلنا فيما تقدم بجواز الحوالات(١) وكان كلامنا هو في صورة دفع مبلغ من

____________________

(١) تحت عنوان اعطاء المال وأشتراط قبضه بأرض اخرى.

٣٠٦

المال الى زيد في ايران وأخذ حوالة باستلامه في مكة، وهذه الصورة لافرق بينها وبين أخذ شيك من البنك الذي لي عنده رصيد مالي على وكيله في ايران أو في مكة لاتسلم المبلغ في مكة مثلا.

نعم، هنا صورة اخرى يقوم بها البنك وهي ان يصدر البنك شيكا لانسان لم يكن له رصيد مالي في البنك على وكيله في الخارج ليتسلم قيمة الشيك هنا، وحينئذ يأخذ البنك من مستلم الشيك بالاضافة الى قيمته شيئا زائدا، فهل يجوز هذا ام لا؟.

ونحن وان قلنا أن الشيك الذي يصدر لهذا الانسان الذي لم يكن له رصيد مالي في البنك على وكيل البنك في الخارج هو في الحقيقة قرض الا ان البنك اذا حول لهذا الانسان بالعملة الاجنبية فيكون المدين قد اشتغلت ذمته بها. فالبنك له حق الزام المدين الوفاء بها، وحينئذ يجوز للبنك التنازل عن هذا الحق في قبال ان يأخذ شيئا من المال زائدا على قيمة العملة الاجنبية.

على أن تصحيح أخذ الزيادة من قبل البنك يمكن أن يكون ببيع البنك مافي ذمة المدين (من المال الاجنبي) بالمال المحلي. فتكون الزيادة قد حصلت ببيع عملة أجنبية بعملة محلية، وهو جائز بلا كلام.

المسألة الثامنة عشرة : السحب على المكشوف.

قد يعطي البنك اعتبارا معينا لعميله، بمعنى أن يكون للعميل حق السحب اكثر مما عنده من رصيد بنسبة معينة، وذلك اذا حصلت ثقة البنك بهذا العميل. وهذا يسمى ب-(السحب على المكشوف)، ولكن البنك يأخذ فائدة على هذا السحب الذي هو اكثر من الرصيد، فما هو حكم هذه الفائدة؟.

الجواب: ان السحب من دون رصيد هو في الحقيقه قرض لصاحب الحساب فيكون اخذ الفائدة عليه ربا محرما.

٣٠٧

المسألة التاسعة عشر :

قلنا فيما تقدم بجواز أخذ الربا من الكافر الحربي من باب أن دمه وماله مهدور فيجوز أخذ المال منه، واما الكافر الذمي فلايجوز أخذ المال منه، لحفظ دمه وماله بالتزامه بشرائط الذمة، ولكن المراد هنا هو أن البنوك الموجودة في الدول غير الاسلامية هل يمكن أخذ الربا منهم باعتبارهم ليسوا من أهل الذمة؟.

والجواب: ان هذه الدول مادامت لم تلتزم بشرائط الذمة اولم يكن افرادها ملتزمين بشرائط الذمة فلايكون دمهم ومالهم محفوظا ومحترما، وحينئذ يجوز أخذ الربا منهم بايداع أموال الدولة الاسلامية او الافراد المسلمين هناك وأخذ الفوائد منهم(١) ، كما اشرنا الى هذا ايضا في بحث الربا من الناحية الاقتصادية كعلاج لتوفير اموال الدولة الاسلامية وعدم انتهاجها المنهج الربوي بين المسلمين.

المسألة العشرون : الحوالة المصرفية.

قد يكون شخص مدينا لاخر في خارج الدولة او في مكان آخر غير مكان المدين في داخل الدولة، ففي هذه الصورة قد يأمر المدين البنك بتسديد دينه الذي في المكان الاخر، وحينئذ يقوم البنك بهذه المهمة ويأخذ مقدارا من المال في مقابل هذا العمل، فهل يجوز ذلك او هو ربا؟.

نقول: ان المدين اذا كان له رصيد في البنك وقد أمر البنك بتسديد دينه الذي في مكان آخر، فهذا العمل الذي يقوم به البنك عمل محترم يحق له أن يأخذ مقابله المال، واما اذا لم يأمر البنك بتسديد دينه، وانما كتب شيكا للدائن

____________________

(١) اذ دلت الادلة بأن كل من لم يدخل الاسلام ولم يكن ذميا فدمه وماله غير محترم وعليه يجوز أخذ الربا منه.

٣٠٨

على البنك، والبنك هو الذي كتب تحويلا للدائن بالمبلغ الذي في الشيك كوفاء لما في ذمة المدين، فهنا لايجوز للبنك أن يأخذ من المدين مالااضافيا على المال الذي يحمله الشيك.

وأما اذا لم يكن للمدين رصيد في البنك وامر البنك بهذا الامر، فمعناه أن المدين قد اقترض من البنك المقدار الذي يسلمه الى الدائن في الخارج، فان كان المال المسلم الى الخارج عملته تختلف عن عملة المدين، فهنا يجوز للبنك التنازل عن تسديد المدين مافي ذمته من العملة الاجنبية بالعملة المحلية لقاء كمية من المال زائدا على قيمة الدين، اذ قلنا فيما سبق بأن البنك له حق أن لايقبل بالعملة المحلية اذا كان قد أدى دين المدين بالعملة الاجنبية، وقد لانقول ان أمر المدين البنك بتسديد دينه هو عبارة عن قرض المدين من البنك، وانما يكون هذا المدين قد امر البنك بتسديد الدين، فان امتثل فيكون الامر ضامنا بضمان الأتلاف، وحينئذ يأتي ماقلناه من تنازل حق البنك من استلام ما أداه الى الدائن بالعملة الاجنبية في مقابل المال. وأيضا قد ذكرنا سابقا تكييف أخذ الزيادة ببيع ما في ذمة المدين من المال الخارجي بالمال المحلي.

وأما اذا كان المال الذي دفعه البنك الى الدائن هو من العملة المحلية فاذا كان هذا العمل من البنك يوجب أخذ الاجرة عليه كما في كتابة رسالة اوبرقية الى مكان الدائن فيجوز للبنك أخذ الزيادة في مقابل هذا العمل المحترم لافي مقابل المال الذي دفعه، والا فلايجوز أخذ الزيادة لانها عبارة عن دفع مائة مثلا واستلام مائة وعشرة بدون مبرر للزيادة.

٣٠٩

القسم الثاني : الربا اقتصاديا.. تمهيد

ان البحث الاقتصادي عن الربا «الفائدة» لم يكن الا عرضا سريعا لما ذكر في شجبه، وكان القصد منه اطلاع القارىء على نتائج اقوال الاقتصاديين ونظرياتهم حتى يخرج بنتيجة قاطعة توجب صلاحية حذفه من النظام الاقصادي الاصلح للمجتمع البشري، ولذا لم تعمق الدراسة حوله كما عمقت في البحث الفقهي، ولم تناقش اكثر من موارد الخلل في كلام الاقتصاديين. كما اننا حاولنا ان نجمع فيه ماله ارتباط بالبحث الربوي من احكام القانون الوضعي، ليكون امام القارىء للاطلاع والنقد، اذ لم نجد امام علماءالقانون الوضعي اصولا متعمدة يسيرون عليها في وضعهم الحكم حتى يمكن النزال معهم في حلبة النقاش والتوصل الى الحكم الاصلح، وانما ينتهجون سياسة الدولة التي تملي عليهم كتابة القانون.

وقد عرضنا في هذا القسم مقدمة تمهيدية تبين كيفية نشوء الربا في المجتمع وكيفية تطوره، وقد قسمنا البحث بعد هذه المقدمة الى ستة فصول:

الفصل الاول: كيف يكيف الربا اقتصاديا؟.

الفصل الثاني: مضار الربا.

الفصل الثالث: الربا بين مؤيديه ومعارضيه.

الفصل الرابع: الادخار وارتباطه بالربا.

الفصل الخامس: الاعمال المصرفية وبديلها الاسلامي الافضل.

الفصل السادس: الربا في القوانين الغربية.

٣١٠

مقدمة تمهيدية

كيف تطور الربا وكيف نشأ؟.

الربا معروف منذ أقدم العصور، شأنه شأن السرقة والظلم المنبعث من الانسان، وقد جاءت الشرائع السماوية بل والقوانين الوضعية وكتابات الفلاسفة والمصلحين تحذر من ارتكابه، ولنرى الان الربا في عصوره القديمة ثم العصور التالية لها، وباستعراضنا ذلك نرى كيفية تطوره ونشوئه.

١ - الربا في عصوره القديمة:

في مصر: ذكر الاستاذ السنهوري أن الربا كان معروفا عند المصريين القدماء. وأن المؤرخ الاغريقي (تيودور) يحدث «عن قانون وضعه الملك (يوخوريس) من ملوك الفراعنة (الاسرة٢٤) يقضي بأن الربا مهما تطاولت عليه الاجال

٣١١

لايجوز أن يجاوز رأس المال(١) » وهذا يدل على أن الربا كان معروفا عند قدماء المصريين، ويسمح بتحفظ.

في الاغريق والرومان: كان الربا عند الاغريق والرومان شائعا بدون قيد، وكان للدائن ان يسترق المدين ويملكه ان هو لم يوف بدينه بل ويقتله أيضا. فالالتزام كان في القانون الروماني رابطا بين شخصين «وقد كانت هذه الرابطة في بداية الامر تعطي الدائن سلطة واسعة على جسم المدين، بحيث كان في استطاعته أن يتصرف به وان يسترقه بل ويقتله»(٢) ، فلما جاء صولون بتشريعه يقال أنه حدد أقصى ماتبلغه الفوائد بنسبة (١٢ في مائة) من أصل الدين «وجعل جستينان الحد الاقصى يدور بين (١٢ في مائة) للتجار وامثالهم و(٤ في مائة) للنبلاء»(٣) .

وذكر الاستاذ سليمان ندوي في مقدمة كتاب الدكتور أنور اقبال قرشي انه ساهم «بمقال في جريدة الندوة سنة (١٩٠٩) بعنوان «الفائدة والكتب السماوية» أشرت فيها الى ان مفكري الاغريق والرومان حرموا (الفائدة) في زمنهم...»(٤) .

وأمتي الاغريق والرومان بلغتا شأنا عظيما في الحضارة، ونرى كلا منهما يحرم أخذ الفوائد، فهو يدل على ان الربا كان سائدا فمنعته القوانين.

وارسطو: الذي كانت لاحكامه اثرها العظيم على الاجيال فقد ذم الفائدة ذما شديدا، فانه شبه المال بدجاجة عاقر لاتبيض ويقول ارسطو (ان قطعة من النقود لايمكن ان تلد قطعة اخرى) و(النتيجة الواضحة ان الفائدة جائرة)(٥)

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص١. ومصادر الحق٣/١٩٤.

(٢) مصادر الالتزام د. عبد المجيد الحكيم ص٧.

(٣) الاسلام والربا د. انور اقبال قرشي ص١٠.

(٤) الاسلام والربا ص١٠ لم نعثر على جريدة الندوة بالذات.

(٥) الاسلام والربا ص٣٠ عن ارسطو السياسة ج١ الباب العاشر.

٣١٢

ويقول ارسطو أيضا «فالارض يمكن أن تخرج نباتا والدابة يمكن ان تلد دابة مثلها، ولكن كيف يتصور أن يلد الدرهم والدينار درهما أو دينارا آخر، لقد خلقته الطبيعة عقيما ويجب أن يبقى كذلك»(١) . وحجة ارسطو تسمى (بحجة العقم الارسطوطاليسية المستندة الى طبيعة وظيفة النقود كوسيلة للتبادل فقط، مع شجب وظيفتها الاستثمارية «اي استعمالها كرأسمال»)(٢) وقد ذم افلاطون ايضا الفائدة(٣) .

والامبراطورية الرومانية: حرمت الفائدة في اول عهودها، لكنها ظهرت تدريجا مع توسع الامبراطورية ونشوء التجار «غيرأن قيودا شديدة فرضت على معدلات الفائدة وكان تنفيذها يراقب بدقة»(٤) .

٢ - الربا والاديان والسماوية:

ان الشرائع السماوية هي التي وسعت من منطقة الربا في باديء الامر. وذلك:

١ - اليهودية:

ونعرض هنا نصوصا من كتب اليهود: ففي سفر الخروج ((٢٢ و٢٥) ان اقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلاتكن له كالمرابي، لاتضعوا عليه ربا). وفي سفر اللاويين ((٢٥ و٣٥) اذا افتقر اخوك وقصر يده عندك

____________________

(١) الربا والفائدة، علاء الدين خروفه ص٥١ عن قصة الملكية في العالم لعبد الواحد وافي وحسن شحاته ص٨٥.

(٢) محاضرات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي د. ابراهيم كبة ص٢٨٥.

(٣) الاسلام والربا ص٣٠ عن افلاطون كتاب القوانين ج٥ وعن الربا والفائدة لخروفة ٥١.

(٤) الاسلام والربا ص٣٠ عن افلاطون كتاب القوانين ج٥ وعن الربا والفائدة لخروفه ٥١.

٣١٣

فاعضده غريبا او مستوطنا فيعيش معك (٣٦) لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة بل اخشى الهك فيعيش اخوك معك (٣٧) فضتك لاتعطه بالربا وطعامك لاتعطه بالمرابحة). وفي سفر التثنية ((٢٣ - ١٩) لا تقرض أخا: بربا، ربا فضة او ربا شيء مما يقرض بربا (٢٠) للاجنبي تقرض بربا ولكن لاخيك لاتقرض بربا)(١) .

فاليهود حرموا الربا فيما بينهم وجوزوا أن يقرضوا غير اليهودي بربا، ولكن الاسرائيليين بدأوا يأخذون الربا بعد ذلك وكان مقدار الربا في الشهر واحدا في المائة.

وفي الاصحاح (١٨) والعدد الثامن نهى النبي حزقيال عن الربا بقوله «ولم يعط بربا ولم يأخذ مرابحة وكف يده عن الجور واجرى العدل والحق بين الانسان والانسان».

وقال في العددين ١٨، ١٩ من الاصحاح نفسه أيضا «ورفع يده عن الفقير ولم يأخذ ربا ولا مرابحة، بل أجرى أحكامي وسلك فرائضي، فانه لايموت باثم ابيه، حياة يحيا، أما أبوه فلانه ظلم ظلما واغتصب أخاه اغتصابا وعمل غير الصالح فهو ذا يموت باثمه»(٢) .

ب - المسيحية:

ذكرت الاناجيل ٦: ٣٤ و٣٥ من انجيل لوقا «اذا اقرضتم لمن تنتظرون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟... ولكن... افعلوا الخيرات واقرضوا

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص٢ ومصادر الحق في الفقه الاسلامي ص١٩٥.

(٢) نظرية الربا المحرم٣.

٣١٤

غير منتظرين عائد بها واذن يكون ثوابكم جزيلا»(١) . وقد نقل الدكتور محمد عبد الله دراز النص الاول في محاضرته عن الربا التي ألقاها بمؤتمر القانون الاسلامي بباريس واعقبه بقوله: ولقد اجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على أن هذا التعليم الصادر من السيد المسيحعليه‌السلام يعد تحريما قاطعا للتعامل بالربا(٢) .

حتى ان الاباء اليسوعيين الذين يتهمون غالبا بالميل الى الترخص والتسامح في مطالب الحياة وردت عنهم في شأن الربا عبارات صارمة منها قول «سكوبار»: «ان من يقول ان الربا ليس معصية يعد ملحدا خارجا عن الدين» وقول الاب يوني «ان المرابين يفقدون شرفهم في الحياة الدنيا وليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم»(٣) . ويقول سان توماس الاكويني:«ان تقاضي الفوائد عن النقود امر غير عادل، فان هذا معناه استيفاء دين لاوجود له... وذلك ان مالا ينتفع به الا باستهلاكه تختلط فيه منفعة الشيء بالشيء ذاته، فمن يفرض هذا الشيء لايجوز له في الوقت الذي يطالب به أن يطالب بأجر على منفعته، فانه هو ومنفعته شيء واحد وليس من العدل ان يطالب المقرض بالشيء مرتين» (المسألة (٧٨) المادة الاولى في الخاتمة)(٤) فلايجوز أن يحصل بائع الرغيف الاعلى ثمنه، كذلك لايجوز حصول المقرض الاعلى ما أقرضه. وذكر الاستاذ ابراهيم زكي الدين بدوي أن الاكويني يعتبر ممثلا لفكرة رجال الدين المسيحيين

____________________

(١) مصادر الحق في الفقه الاسلامي ٣/١٩٥.

(٢) من الواضح ان النص الاول ليس فيه أية اشارة الى تحريم الربا، بل هو يدل على ان ترك الربا فضل وزيادة ثواب.

(٣) نظرية الربا المحرم ص٤.

(٤) نظرية الربا المحرم ٤ عن السنهوري مصادر الحق٣/٢١٧.

٣١٥

الذين كانوا يعلمون الدين واللاهوت والفلسفة في الجامعات في العصور الوسطى.

«وهناك بعض آباء الكنيسة شجبوا الربا لانه يعني حسب قول أحدهم «المضاربة ببؤس الاخرين»(١) وهذا يعكس الطابع الاستهلاكي لقروض العصور الوسطى في اول العهد الاقطاعي.

والحجة التي استعملها القديس (توما) لشجب الربا «هي تحليله لطبيعة النقود واعتبارها من السلع التي تستهلك بمجرد الاستعمال» فاذا كانت السلعة مستديمة كالدار مثلا فيمكن بيعها ككل ويمكن بيع منافعها كايجارها مثلا. اما اذا كانت السلع تستهلك بالاستعمال كالخبز مثلا فلايمكن بيع منافعها كايجارها من دون اجازة استهلاكها، وقد اعتبر القديس توما «النقود من السلع التي تستهلك بالاستعمال ومعتبرا الاقراض عملية بيع للنقود والمال المسترد هو ثمن النقود المباعة والفوائد هي بدل استعمالها. ولما كانت النقود من السلع التي لايمكن فصل استهلاكها (بيعها) عند استعمالها - كما ذكرنا - فان ما يستحقه المقرض هو ثمن المبيع فقط (اي استرداد المال المقرض) دون ان يستحق أية فوائد عن (استعماله) لان المقترض لايستطيع ممارسة هذا الاستعمال دون (استهلاك) للنقود»(٢) .

ومن هنا ظهر ان حجة الاكويني (مخالفة لحجة ارسطو)(٣) ولكن الدكتور ابراهيم كبة ذكر في محاضراته (ص٢٨٦) هامش اول عن كري (ص٥٧) «أن النصوص الاكوينية نفسها تشير صراحة الى حجة أرسطو وتؤيدها».

فقد ظهر خطأ هذه العبارة مما قدمناه من النص الاكويني وليس مؤيدا

____________________

(١) محاضرات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي ص٢٨٥ نقلا عن (كرى) ص٥٥.

(٢) محاضرات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي ص ٢٨٦ نقلا عن (كرى)ص٥٥.

(٣) هذا هو الظاهر من النصوص المذكورة آنفا وليس مآلهما الى الاتفاق كما ذكر البعض.

٣١٦

لحجة ارسطو، بل مخالفا لها (لارسطو)، فارسطو اعتبر وظيفة النقود اداة للتبادل فقط، اما الاكويني فاعتبر النقود من السلع التي تستهلك بمجرد الاستعمال.

والمسيحية عملت فيما بعد على تضييق منطقة الربا تحت العوامل الاقتصادية فأبيحت الفائدة في بعض الحالات الاستثنائية. وقد اورد السنهوري هذه الاستثناءات عن كتاب (القانون والاخلاق) للاستاذ شكري قرداحي وملخصها:

١ - لايجوز للمقرض ان يتقاضى من المقترض تعويضا عن خسارة اصابته بسبب القرض.

٢ - يجوز للمقرض ان يتقاضى من المقترض تعويضا عما فاته من ربح بسبب القرض. ويشترط المقرض مع المقترض على ذلك مقدما والايجاوز التعويض مقدار صافي الربح الذي كان المقترض يجنيه او استبقى ماله بعد خصم ماكان يتكبده من المصروفات للحصول على هذا الربح، وان يتبين أن المقرض لم تكن عنده وسيلة أخرى للحصول على هذا الربح.

٣ - يجوز للمقرض أن يتقاضى من المقترض ربحا يسيرا لتأمين خطر الضياع الذي يتعرض له المال الذي اقرضه، وهذا الاستثناء لم يتم التسليم به الا في آخر القرن الرابع عشر، نظرا لخطورته ولمخالفته (صراحة)(١) للتعاليم الاولى للكنيسة. ولكن يمكن: ان يقال أن التأمين على خطر الضياع يحصل بالكفالة والضمان وهي طرق مشروعة وصحيحة، او يحصل بالتأمين لدى شركات التأمين بناءا على القول بمشروعيتها. اما تقاضي الربح في مقابل الخطر فغير صحيح لان الخطر ليس مما ينتج الا وليس اداة للكسب فان الكسب له احدى طرق

____________________

(١) اخترنا هذه الكلمة زائدة على معنى التعبير، حيث ان الاستثناءات كلها مخالفة لتعاليم الكنيسة، ولكن هذا الاستثناء جعلنا له ميزة الصراحة في المخالفة.

٣١٧

أربع(١) وهي طرق اقتصادية للكسب:

١ - انبات الارض واحياء مواتها.

٢ - العمل، وهذان الطريقان طبيعيان للكسب.

٣ - المخاطرة ونقل البضائع من الامصار الى الامصار، وهذا يقوم به التجار، والمخاطرة هنا بمعنى الايجار وتحمل المشاق، ويمكن أن تسمى هذه العملية بالايجار لعملية النقل، أو أخذ الاجرة في مقابل عمل شاق.

٤ - الانتظار، وهذا له طريقان كلاهما الىالفساد، اولهما: الاحتكار، فان المحتكر هو الذي يكسب بالانتظار(٢) . ثانيهما: نظام الفائدة، فان كسبه يجيء من الانتظار فقط من غير تحمل تعب العمل مع المخاطرة.

ويمكن أن ندخل الطرق الثلاثة الاولى في المعنى الاعم للعمل، فان الانبات والاحياء عمل والمخاطرة بهذا المعنى عمل أيضا، فالطرق الثلاثة الاول للكسب صحيحة والرابع غير صحيح لان الانتظار والخطر ليسا مما ينتج مالا.

ثم ان الانتظار قد يكون على قسمين:

اولا: الانتظار الذي يكون معه احتكار، فان ارتفاع ثمن السلعة في هذا

____________________

(١) ذكرها محمد أبو زهرة في مقدمة كتاب نظرية الربا المحرم (ز).

(٢) ان المحتكر لايحسب بالانتظار، وانما كسبه بالشيء الذي يحتكره، نعم الانتظار قد يكون سببا لزيادة الكسب، كما ان بائع الفواكه يكسب بالفواكه، وقد يكون سبب زيادة الكسب انتظاره الى الغد عندما تقل الفواكه في السوق. نعم وردت الروايات الصحيحة في حرمة الاحتكار عن امور معينة كالحنطة والشعير والتمر والملح والسمن وغيرها، واما غيرها فلانص في تحريم احتكارها. نعم قد يحرم الفقيه احتكار بعض الاشياء ممالانص فيه اذا ادى احتكاره الى الاخلال بالنظام مثلا.

ملاحظة: ليس غرضنا هو مناقشة مايجيء من اخطاء في عبارات البعض، وانما غرضنا هو عرض فكرة عن الربا عند المسيحية.

٣١٨

المورد يكون منشأه هو الاحتكار، أي أن الزيادة في السلعة جاءت من الانتظار وبما ان الانتظار ليس مما يكسب مالا فهو طريق غير مشروع.

ثانيا: الانتظار الذي لايكون معه احتكار، مثال ذلك ما اذا انتظر صاحب الدار او السلعة، فارتفع ثمن الدار او السلعة من دون احكار، فهنا زيادة الثمن انما جاءت على نفس السلعة من دون احتكار دخل للانتظار في زيادة الثمن، لان المنتظر هنا لم يحتكر، ولم يجعل الاحتكار سببا لزيادة الثمن، وهذا لابأس به. ولكن الحق أن الانتظار في كلا الموردين قد يكون عاملا مساعدا على زيادة الكسب، ولهذا فالصحيح أن يقال: ان حرمة الانتظار الاول جاءت من حرمة الاحتكار وعدم حرمة الانتظار الثاني لعدم وجود الاحتكار المنهي عنه.

٤ - يجوز للمقرض أن يتفق مع المقترض، على شرط جزائي يلتزم بموجبه المقترض اذا لم يسدد القرض في الميعاد، بأن يدفع مبلغا اضافيا جزاء تأخره عن الوفاء. وهنا كذلك تردد رجال الكنيسة في اباحة هذا الشرط ثم انتهوا الى التمييز بين شرط جزائي مبالغ فيه وهو لايجوز وشرط تهديدي لايجاوز الربح اليسير الذي كانت الكنيسة تسمح به في بعض الحالات، وهو صحيح اذا لم يكن الغرض من غير حث المقترض على الوفاء بدينه في الميعاد(١)

أما في الفقه الاسلامي، فالشرط الجزائي صحيح ونافذ. مالم يحط بجميع الاجرة ولكن ذلك في الاجارة والبيع لافي القرض ففي موثقة محمد الحلبي قال «كنت قاعدا عند قاض وعنده أبو جعفر (ع) جالس فجاءه رجلان فقال احدهما: اني

____________________

(١) ولكن اذا كان الغرض من هذه الزيادة هو حث المقترض على الوفاء بدينه في الميعاد فيمكن ان يكون تهديدا ماليا لان التهديد المالي وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني، أما الشرط الجزائي فعلى العكس من ذلك فانه يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني. يراجع احكام الالتزام د. عبد المجيد الحكيم ص٤٦.

٣١٩

تكاريت ابل هذا الرجل ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لانها سوق اخاف ان يفوتني فان احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتسبته كذا وكذا وانه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفه كراه، فلما قام الرجل اقبل اليه ابو جعفر (ع) فقال: شرطه هذا جائز مالم يحط بجميع كراه»(١) . وضرورة عدم حط جميع الكراء (الاجرة) لانه يصبح نقل المتاع مجانا فيكون من قبيل الكسب من دون سبب في القوانين الحديثة وهو غير جائز.

٥ - يجوز للمقرض أخيرا ان يتقاضى من المقترض فائدة حقيقية عن رأس المال اذا كانت القوانين المدنية او العادات تجيز ذلك، فتكون الفائدة مرتكزة على سند شرعي، فالمقرض يحق له تقاضي هذه الفائدة في نظير الخسارة التي لحقته من المقرض والربح الذي فاته، ويشترط في هذه الحالة ان تكون الفائدة معتدلة لامبالغا فيها، وهناك رأي بقي عند التعاليم الاولى للكنيسة فلم تجز هذه الفوائد، ولكن الراي الاول هو الذي تغلب.

وهكذا ضاقت منطقة الربا في المسيحية طبقا لقوانين الكنيسة فأبيحت الفوائد وذلك تحت ضغط العوامل الاقتصادية، والقوانين الوضعية التي تلت النظريات الفقهية التي تبرر تقاضي الفوائد (فقالوا ان النقود من حيث هي معدن لاتنتج شيئا) ولكنها من حيث هي وسائل اثتمان تدخل ضمن عناصر الانتاج، فالعمل هو العنصر الاول للانتاج، ولكن رأس المال هو عنصر ثان لايستغني عنه العمل فاذا كان العمل يستحق جزاءه في صورة الاجر فان راس المال يستحق ايضا جزاءه في صورة الفائدة.

وبهذا كسر قانون الكنيسة الذي كان سائدا حتى القرن الثالث عشر، وكان تقاضي فائدة مامحظورا بشدة، ولكن بانتهاء القرن الثالث عشر ابيحت الفائدة.

____________________

(١) الوسائل ج١٣ باب ١٣ من ابواب الاجارة حديث٢/٢٥٣.

٣٢٠