الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 78607
تحميل: 7261

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78607 / تحميل: 7261
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

واما المذهب الشافعي: فكذلك يجري ربا النسيئة بوجود احد شطري العلة عند الشافعية وهي الطعام او الثمن، اتحد الجنس او اختلف، فلاتجوز النسيئة في التمر بالتمر، ولا التمر في القمح، ولاتجوز النسيئة في الذهب بالذهب ولا في الذهب بالفضة، ولاتجوز النسيئة في بيع مطعوم كالقمح في الحديد وفي غير المطعوم بغير المطعوم كالجص في الجص او الجص بغيره. وتجوز النسيئة في بيع المثمن بالمثمن مطعوما او غير مطعوم كالارز في الفضة(١) . وكذلك يختلف المذهبان في تطبيقات ربا النسيئة كما اختلفا في تطبيقات ربا الفضل(٢) .

واما المذهب المالكي: فأيضا يتحقق ربا النسيئة عندهم كالشافعية في النقدين وفي التمر بالتمر والتمر بالسكر لانهما طعام للادمي قابلان للاقتيات والادخار.

موارد الاختلاف بين المذاهب

توجد موارد اختلفت فيها المذاهب من ناحية الربا وعدمه لاختلاف المبنى عندهم فمنها: ان بيع النحاس بالنحاس مثلا او الجص بالجص مع التفاضل لايجوز عند الاحناف والحنابله لوجود علة ربا الفضل وهي الكيل او الوزن مع اتحاد الجنس عند الاحناف، وهي الكيل او الوزن عند الحنابلة مع اعتبارهم اتحاد الجنس شرطا، ولكن هذه المعاملات كلها جائزة عند الشافعية والمالكية لانها ليست بربوية لعدم وجود الطعم عند الشافعية ولا الاقتيات والادخار عند المالكية، ولعدم وجود الثمنية عندهما معا.

ولكن اذا بيع البطيخ بالبطيخ او البيض بالبيض نقدا مع التفاضل، فانه لايجوز عند الشافعية لوجود الطعام الذي هو العلة في الربا بينما يجوز ذلك عند الماكية لعدم قابليتهما للاقتيات وللادخار، وكذلك يجوز عند الاحناف والحنابلة لعدم

____________________

(١،٢) نفس المصدر ص١٩١ - ١٩٢ يراجع للتوسع

٦١

القدر(١) .

وفي ربا النسيئة: فان المكيلات والموزونات غير المطعومة وغير الاثمان تحرم فيها النسيئة عند الاحناف والحنابلة لوجود القدر، اما عند الشافعية فانها لاتحرم وكذلك المالكية لعدم الطعم عند الاول والادخار عند الثاني وعلى العكس من ذلك تحرم النسيئة عند المالكية والشافعية فيما هو غير مقدر ولكنه مطعوم قابل للادخار، ولايحرم عند الحنفية والحنابلة لعدم وجود القدر(٢) .

واما مالا يتحقق فيه القدر والطعم او الثمنية او الادخار كالحيوان بالحيوان فانه يجوز بيعه نسيئة عند الشافعية والمالكية لعدم الطعام او الادخار، ولايجوز ذلك عند الاحناف لوجود اتحاد الجنس الذي هو علة كاملة لربا النسيئة. وعلى العكس من ذلك الحديد فانه لايجوز نيسئة عند الاحناف والحنابلة لانه مقدر ويجوز عند الشافعية والمالكية لانه ليس طعاما ولا قابل للاقتيات والادخار.

تنبيه: ان هذه الامثلة التي ذكرت، وذكر اختلاف المذاهب الاربعة فيها من ناحية كونها ربوية ام لا، انما تصح في بعض الاماكن وفي بعض الاوقات، باعتبار ان البطيخ والبيض مثلا عد عندهم غير موزون ولامكيل، بينما يمكن ان يكون مكيلا او موزونا في مكان آخر أو في نفس المكان ولكن في وقت اخر، وحينئذ تختلف الفتوى حسب اختلاف العادة. وكذلك بالنسبة لبعض امثلة مالايمكن ادخاره في وقت، ويمكن ادخاره في وقت اخر كما في زماننا الذي يمكن فيه ادخار اكثر المطعومات كالبيض مثلا فبما

____________________

(١) أي في ذلك الزمان لم يكن البطيخ موزونا وكذلك البيض، اما في زماننا فبما انهما موزونان فيجري فيهما الربا على مسلك الاحناف.

(٢) نظرية الربا المحرم ص١٧٢ - ١٧٤.

٦٢

قابل للادخار بواسطة الالات الكهربائية.

وربما يعترض على هذا الكلام فيقال: بأننا لانعرف كيف كان يباع كل صنف على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله «فان رجعوا إلى ان يجعلوا لاهل كل بلد عادته حصل في الدين لعبا اذا شاء اهل بلد ان يستحلوا الحرام ردوا كل ما كانوا يبيعونه بكيل إلى الوزن وما كانوا يبيعونه بوزن إلى كيل»(١) .

وهذا الاعتراض وان كان على اصل اعتبار الكيل والوزن الا انه يمكن ان يكون اعتراضا على اختلاف الاوزان والمكاييل من مكان إلى اخر ومن زمان لاخر، ولا أدري كيف يكون هذا اشكالا اذ من يقول باعتبارهما لايفرق بين ان تكون الحنطة او غيرها مكيلة او موزمونة فانها مادة ربوية. نعم لو اعترض بارجاع المكيل إلى المعدود لاخراجه عن الربا فله وجه، ولكن جوابه بان المتبع هو عادة اهل البلد لا ان كل انسان يتبع عمله الشخصي.

ومع هذا كله فان عندها روايات تدل على اعتبار الكيل والوزن عند المتبايعين ففي صحيحة الحلبي «في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم ثم ان صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الأخير بغير كيل فان فيه مثل ما في الاخر الذي ابتعته. قال: لا يصلح الا بكيل. قال: وما كان عن طعام سميت فيه كيلا فانه لايصلح مجازفه هذا مما يكره في بيع الطعام»(٢) . وهي ظاهرة في اعتبار المكيال عند المخاطب وفي عرفه وان لم يكن كذلك في عرف الشارع، باعتبار ان الكراهة هنا بمعنى المبغوضية التي تستوجب التحريم. وعلى هذه الرواية - وهي دليل شرعي حجة - لايلتفت إلى كلام المعترض لا اجتهاد - لو صح

____________________

(١) المحلى ٨/٤٨٤.

(٢) المكاسب/ لشيخنا الانصاري١/١٩٠. والصحيحة عبارة عن كون سلسلة السند كلهم من الثقات العدول الامامية، فهي حجة في اعلى مراتب الحجية عند الامامية.

٦٣

تعبيرنا - في مقابل النص.

اذن صح تنبيهنا على ان الامثلة التي ذكرت انما تصح في بعض الاوقات وفي بعض البلدان حسب اختلاف العادة، والمعتبر لثبوت الحكم هو وجود موضوعه عند العرف وعند المتبايعين، فلو انتفى الموضوع فلا يأت الحكم لانتفاء موضوعه، وقد عرفنا ان الموضوع هو كونه موزونا او مكيلا او مدخرا او مطعوما او قوتا او غير ذلك عند العرف وعنود المتبايعين.

القسم الثاني: ربا القرض

وقد اختلفوا في حرمته، واستدل البعض على حرمته بأمور:

١ - القياس، فانهم قاسوه على الربا المنصوص علته.

٢ - حديث سوار: «كل قرض جر نفعا فهو ربا» او «فهو باب من ابواب الربا».

٣ - قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «القرض صدقة» فلا ينبغي لك ان تأخذ من صاحبك منفعة، حيث ان القرض عبادة وصدقة، فحكم الانتفاع عليه كحكم الاستئجار على سائر امور الدين من الافتاء والوعظ... الخ(١) .

والمقصود من ربا القرض هو ان يشترط في القرض نفع للمقرض، اما اذا لم تكن المنفعة مشروطة في القرض بل جاءت تطوعا من المستقرض، فلا بأس بها لانه قرض لم يجر منفعة، ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «فان خياركم احسنكم قضاءا».

ولكن القياس الذي ذكروه هنا انما نشأ من مشابهة ربا القرض لربا الجاهلية في اخذ المال في مقابل الاجل، وهذه المشابهة سوف نناقشها عند ذكر دليل المشابهة.

____________________

(١) الربا والمعاملات في الاسلام ص٤٥.

٦٤

وأما حديث سوار، فقد نقله علماء العامة عن علي (ع) وقد نقله الامامية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحتمل ان يكون عن علي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ان عليا (ع) لم يصرح به باعتبار ان قوله هو قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون الحديث معتبرا حينئذ(١) . ولكن ذهب بعض من فقهاء العامة إلى ان ربا القرض لم يرد فيه حديث صحيح، والحديث الذي اخرجه صاحب (بلوغ المرام) عن عليعليه‌السلام اسناده ساقط وسوار متروك الحديث(٢) .

واما استدلالهم بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «القرض صدقة» فلا يمكن ان يكون دليلا على حرمة ربا القرض، ويمكن مناقضة ما قيل - من ان القرض عبادة وصدقة فحكم الانتفاع عليه كحكم الاستئجار على سائر امور الدين من الافتاء والوعظ - كبرويا بأن نقول بامكان أخذ الاجرة على اتيان العبادة المستأجر عليها بداعي امتثالها لاعلى نفس الاتيان كي ينافي عباديتها، فيكون اخذ الاجرة - كما افاده في الكفاية - من قبيل الداعي إلى الداعي(٣) وقد افتى بجواز اخذ الاجرة على الواجب الكفائي بهذا النحو السيد الامام الخوئي حفظه الله تعالى(٤) . واما صغرويا فلايمكننا اخذ الاجرة او لنفع على القرض الذي هو عبادة وصدقة لدليل خاص في المقام يأتي عند بحث ربا القرض عند الامامية.

____________________

(١) ولكن هذا الاحتمال غير صحيح لان الامامية يصرحون بان الرواية نبوية، ولو كانت عن الامام علي (ع) لما صرحوا بذلك ولكان لهم بها شأن آخر.

(٢) الربا والمعاملات في الاسلام ص٢١.

(٣) كفاية الاصول/ للاخوند/ ١٩٧.

(٤) المسائل المنتخبة ص٣٥/ مسألة (١٠٢) «الاحوط قصد القربة في التغسيل، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه. ولا بأس بأخذ الاجرة على المقدمات، او أن يكوي التغسيل بقصد القربة، ويكون اخذ الاجرة داعيا إلى ذلك».

٦٥

وقد ذكر السنهوري دليلا علىحرمة ربا القرض فقال: لان الزيادة تشبه الربا والتحرز من حقيقة الربا وعن شبهة الربا واجب. ولكن فيما نرىان الشبه بالمحرم لوحده لايسوغ لنا ان نعطي حكم المحرم للشبيه، الا ان يكون الشبه من جميع الجهات وقد رأينا ان الشبه هنا ليس من جميع الجهات فلايكفي هذا لاعطاء الحرمة لربا القرض. على ان التحرز عن شبهة الربا ليس واجبا دائما، اذ قد تكو شبهة الربا في بعض الموارد حكمية فلايجب التحرز عنها.

ثم ان هذا الدليل الذي ذكره السنهوري - فيما ارى - يعود إلى القياس الذي ذكر كدليل على حرمة ربا القرض حيث قاسوه على الربا المنصوص العلة، وهذا القياس الذي ذكروه وكل قياس عندهم له اركان اربعة هي:

١ - الاصل: وهو الجزئي الاول المعلوم ثبوت الحكم له (كربا الجاهلية) في المثال.

٢ - الفرع: وهو الجزئي الثاني المطلوب اثبات الحكم له (كربا القرض) في المثال.

٣ - الجامع: وهو جهة الشبه بين الاصل والفرع كالزيادة على اصل المال في المثال.

٤ - الحكم: وهو المعلوم ثبوته في الاصل والمراد اثباته في الفرع كالحرمة في المثال.

وهذا القياس بأركانه الاربعة الذي يسمى بعرف المناطقة (التمثيل) لايفيد الا الاحتمال لانه لايلزم من تشابه شيئين في امر أو امور ان يتشابها في الحكم ايضا. نعم كلما قويت وجوه الشبه يقوى عندنا الاحتمال حتى يكون ظنا، وهو في هذه الحالة لايخرج عن القيافة التي لاتغني من الحق شيئا.

نعم قد نستفيد ان الجامع (جهة المشابهة) علة تامة لثبوت الحكم في الاصل،

٦٦

وبما ان العلة لايختلف عنها معلولها، فنستنبط على نحو اليقين ان الحكم ثابت في الفرع لوجود علته التامة. ولكن اثبات ان الجامع هو العلة التامة لثبوت الحكم في المسائل الشرعية ليس لنا طريق اليه - كما قلنا سابقا - الا من ناحية الشارع نفسه كما اذا نص الشارع على العلة بنفسه، وحينئذ يخرج عن اسم القياس باصطلاح الفقهاء ويكون حجة. اما في موردنا فلم ينص الشارع على العلة في ربا الجاهلية، فضلا عن معرفة وجودها في ربا القرض، وحينئذ يكون القياس في هذا المورد غير مفيد الا الاحتمال.

وقد استدل بعض الفقهاء على ان القرض المطلق ليس ببيع استنادا إلى حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله «القرض صدقة» ولكن اذا زيد فيه شرط النفع يصير بيعا لانه يفوت كونه تبرعا فيكون الفضل ايضا ربا.

وقد اورد على هذا القول عدة مؤاخذات، ملخصها هي:

اولا: ان القرض لانسلم انه يصدق عليه انه معاوضة ابتداء وانتهاء لانه لاعوض له في الحال.

ثانيا: ان الشرط خلاف مقتضى العقد لان مبنى القرض على التبرع، واذا كان الشرط خلاف ذلك فانه يفسده، ولكن القرض من العقود التي لاتفسد بالشروط الفاسدة، بل الشرط يكون لغوا والعقد صحيحا، واذا بقي القرض على صحته لم يصر بيعا.

ثالثا: ان الفقهاء يصرحون بان النفع المشروط في القرض شبيه بالربا، فلو قلنا باستحالة القرض بشرط النفع إلى البيع - كما عن القائل - لصار النفع ربا حقيقة لاشبيها بالربا.

والى هنا لم يتم دليل عند العامة على حرمة ربا القرض، ولعله لهذا ذهب بعض الفقهاء منهم لكراهية ربا القرض.

وقد ذهب بعضهم للتفريق بين الزيادة الصريحة في القرض ويقصد بها شرط

٦٧

زيادة الشيء الذي اقترض عند الوفاء وبين المنفعة التي يجرها القرض كما اذا شرط رد الاجود مما اخذ عند الوفاء واعتبر الزيادة الصريحة هي التي حرمها النص القرآني وهي ربا الجاهلية التي هي عبارة عن حقيقة الربا وماهيته، واما القرض الذي جر منفعة فهو الذي يحرمه الحديث المروي، وقد تكلف كثيرا لارجاع كلام الفقهاء في هذه المسألة إلى المنفعة بمعناها الضيق لا الزيادة الصريحة(١) .

وهذا الكلام بالاضافة إلى عدم دليل يدل على هذا التمييز، فان الفرق بين ربا الجاهلية وبين الزيادة الصريحة في القرض واضح كما تقدم مرارا، اذ ان الاول لاتكون الزيادة فيه من اول الامر، وانما تكون عند الوفاء في صورة عدم تمكن المفترض من سداد دينه، اما الثاني فالزيادة فيه عند العقد فليس القرض الذي اشترطت فيه الزيادة الصريحة هو مما حرم بالقرآن الكريم حتى يكون الحديث الشريف في معنى آخر. بالاضافة إلى ان الحديث الشريف عام يشمل كل قرض جر نفعا، سواء كان هذا النفع هو زيادة او صفة كاشتراط رد الاجود او كتابة السفتجة(٢) او غير ذلك، فما هو الدليل على جعل فرق بين الزيادة وبين النفع

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص٢٠٦/٢١٣ وكان من الامران يعبر عن المنفعة التي يجرها القرض كما اذا شرط رد الاجود بالمنفعة بمعناها الواسع لا الضيق، ولكنه تسامح بذلك.

(٢) والسفتجة تكون زيادة حكمية باعتبار ان صاحب العين العظيمة الحمل يدفع العين لاجل ان يتسلمها في بلد آخر. فان كان هذا قرضا فهو قد اقرض مالا وانتفع به، اذ رفعت عنه كلفة نقل المال وهو اجرة الطريق، وان كان بيعا فهو مبادلة مال بمال نسيئة. (هذا ما ذكر كدليل لهم على ان السفتجة مبطلة) راجع نظرية الربا المحرم ص ٢١١ -٢١٢.

وكذلك ذكرت رواية عن عمر تنهى عن ذلك. واما نحن: فنرى في كلام القوم اختلافا واضحا في معنى السفتجة، اذ منهم من يفسر السفتجة بالعين العظيمة الحمل، ومنهم من يفسرها بمطلق الحوالة سواء كانت لعين عظيمة الحمل او لورق او ذهب، ونحن لانوافق

٦٨

الذي هو كرد الاجود؟ ولذا نجد ابن حزم يصرح بان القرض يدخل فيه الربا في صورة «اشتراط اكثر مما اقرض اواقل مما اقرض او اجود مما اقرض او أوفى مما اقرض، وهذا مجمع عليه وهو في الاصناف الستة منصوص عليه.... وهو فيما عداها شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل»(١) .

وهذا الكلام وان كنا لانوافق على قسم منه وهو (اشتراط رد الادون او الانقص) اذ الربا المحرم هو اشتراط الزيادة سواء كانت عينية او حكمية، اما اشتراط النقيصه او الادونية فهو ليس ربا فلايكون محرما، وكل الحوالات التي تكون هي من قبيل اشتراط المحول اعطاء انقص مما اخذ، وهو في حقيقته قرض، اذ ان المحول له هو المقرض، والمحول هو المقترض، ويشترط المقترض رد الانقص ولم يقل احد بحرمته من الفقهاء المعروفين. ولكننا على كل حال: نستفيد من كلام ابن حزم عدم الفرق بين شرط الزيادة او شرط رد الاجود وهو المطلوب. وسوف يأتي تفصيل عند البحث عن القرض الربوي عند الامامية ويتضح انه ليس كل شرط في القرض هو المحرم وانما الشرط الذي يجر نفعا للمقرض عرفا هو المحرم فقط.

____________________

على حرمة السفتجة بمعينيها، اما رواية عمر فليست حجة علينا لانها ليست رواية عن النبي «ص».

واما ماذكر فمناقشته هي بان هذه العملية هي قرض الا انه لم يجر منفعة، وانما هو قرض دفع بعض الضرر على المقرض، ودفع الضرر ليس جرا للنفع كما هو واضح، وحينئذ فان لم يصدق النفع لاتكون العملية القرضية محرمة.

(١) المحلى ٨/٤٩٤ ولانوافق ايضا على كلامه القائل بان الشرط الذي ليس في كتاب الله فهو باطل اذ اكثر الشروط التي يشترطها المتعاملون ليست في كتاب الله تعالى مع الحكم بصحتها عند الفقهاء.

٦٩

الفصل الرابع

وهو يشتمل على بحثين مهمين:

الاول: ما ذكر من التخلص الموضوعي للربا، كبيع العينه وبيع الوفاء، وحط وتعجل، والبيع مع السلف. مع مناقشة من يقول بالحرمة.

الثاني: ما ذكر من التخلص الحكمي للربا كبيع العرايا وبيع المصوغ وبيع مادخلته الصنعة بوجه عام وبيع الدراهم والدنانير المسكوكة مع مناقشة ذلك. ثم ختمنا البحث عند العامة بخاتمة مفيدة.

البحث الاول: التخلص من الربا موضوعا

ذكر بعض الفقهاء وجود عقود ظاهرها مشروع الا انها تعتبر ربوية لبعض الوجوه، فمن تلك العقود:

١ -بيع العينة: وهو عبارة عن ان تباع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها البائع من المشتري بثمن معجل اقل مما باع به. «وقد قال بحرمة هذا البيع مالك واحمد لانها حيلة لربا النسيئة» وقد احتج لهؤلاء «بحديث عائشة حينما اخبرتها ام محبة بانها كانت لها جارية، فباعتها لزيد ابن ارقم بثمانمائة درهم الىعطائة، وانه اراد بيعها، فابتاعتها منه بستمائة، فقالت عائشة بئسما شريت وبئسما اشتريت فأبلغي زيدا انه قد ابطل جهاده مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ان يتوب. فقالت لها: أرأيت ان لم آخذ منه الا رأس مالي؟فقالت: «فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف»(١) .

وقد استدل ابن القيم على تحريم العينة بما روي عن الاوزاعي عن

____________________

(١) نظرية الربا المحرم ص٢٠٣ عن القرطبي ٣/٣٥٩ - ٣٦١.

٧٠

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع» ثم قال: «وهذا الحديث وان كان مرسلا فانه صالح للاعتقاد به بالاتفاق... فانه من المعلوم ان العينة عند من يستعملها انما يسميها بيعا، وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد، ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لاقصد لهما فيه البتة، وانما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعالى»(١) .

ولنا ان نقول: لادلالة فيما نقل عن عائشة على الحرمة، لانه فهم خاص لها حجة عليها، وليس هو اثرا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يكون معتبرا، واما الحديث الذي رواه ابن الاوزاعي فلا يستفاد منه تحريم هذه الطريقة التي ذكرناها، بل يفهم منه انه قد يستحل الربا بالبيع ولكن أي بيع يستحل فيه الربا فيكون حراما؟ فهذا غير واضح من الحديث، بالاضافة إلى ارساله كما ذكر، والاعتضاد غير محقق. واما ماذكره ابن القيم من عدم القصد إلى بيع العينة فهي دعوى من دون دليل، اذ القصد امر نفساني يكشف عنه الانشاء من قبل المتعاملين.

وفيما ارى ان صحة هذا البيع مما ينسجم مع القواعد العامة في البيع اذا اخذنا بظاهره ولم يلزم المشتري بالبيع ثانية(٢) كما هو مفروض البحث هنا، فحينئذ لاتوجد شائبة ربا، وذلك لان العقد الاول الذي توفرت فيه كل شروطه - كما هو الفرض - حتى القصد اليه فهو بيع صحيح وكذلك البيع الثاني. فلم يحصل من البيع الاول لوحده ربا، ولا من العقد الثاني كذلك، نعم حصل من مجموع العقدين نتيجة الربا، وهذا لم يكن محرما في اصل الشريعة، نعم

____________________

(١) نيل الاوطار٥/٢٠٦/٢٠٧ عن نظرية الربا ص٢٠٤.

(٢) واما مع الزام (المشترى بالبيع ثانية) في البيع الاول فهنا بحث طويل عند الامامية حول بطلان هذه المعاملة ولكن لا للربا، وتوجد روايات عن الائمةعليهم‌السلام تدل على البطلان يأتي الكلام عنها مفصلا.

٧١

ظاهر النواهي عن المعاملات الربوية متجهة إلى حصول الربا في معاملة واحدة اذا توافرت شروط معينة، ونحن اذا لاحظنا ما وقع في بيع العينة فلم نجد تلك الشروط التي تقدمت متوافرة، فلم يحصل الربا في المعاملة.

واما قول ابن القيم من انهم اتفقوا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد فهو ان كان يريد من حقيقة الربا تحديده شرعا فهو مصادرة على المطلوب، واما قوله انهم لاقصد لهم بالتبايع فهو اول الكلام لان القصد إلى التبايع الاولي موجود وكذلك الثانوي، وانما كانت عندهم غاية من البيعين، ونهي لاتتنافى مع قصد التبايع، ولذلك نشترط كل الشروط المعتبرة فيهما، واما اذا افترضنا عدم وجود قصد إلى التبايع فالعقد باطل من ناحية عدم القصد لامن ناحية حصول الربا. هذا كله مضافا إلى ان الحيلة التي تجري لاجل الهروب من الحرام إلى الحلال لايوجد دليل على تحريمها خصوصا عند العامة الذين هم اول من قال بالحيل(١) .

نعم ربما نفصل في بيع العينة بين بيعين:

الاول: وهو ما تقدم الذي يكون ظاهره عبارة عن بيعين لم يحصل ارتباط شرعي بينهما، حصل منهما نتيجة الربا القرضي، وحينئذ يكون الحكم ماتقدم من عدم دليل على الحرمة لعدم شمول دليل الربا لما هو ظاهر من البيعين.

الثاني: ان يكون البيع الاول مرتبطا بالبيع الثاني، أي لولا البيع الثاني لما حدث البيع الاول، وحينئذ يكون هذان البيعان صورتهما ما تقدم، ولكن روحهما هو القرض الربوي قد توصلا اليه بهذا الثوب من المعاملة، اذ القرض هو تمليك مع الضمان وهو حاصل من المعاملتين، فلايجوز فيه الزيادة لان ادلة حرمة ربا القرض تشمله.

وهذا التصوير الثاني - وان لم يكن مقصودا لمن حرم بيع العينة من ابناء

____________________

(١) وتوجد روايات تحبذ الحيلة التي يهرب بواسطتها الانسان من الحرام إلى الحلال ولكن في ربا البيع لافي ربا القرض سيأتي ذكرها عند بحث الحيل في ربا الامامية.

٧٢

العامة، حيث ان الادلة التي ذكروها لاتربط بين البيعين على نحو لولا البيع الثاني لما حصل البيع الاول كما هو ظاهر من حديث عائشة - فان كان هو المقصود ففيه شائبة ربا باعتباره قرضا قد البس ثوب البيع(١) .

ولكن هذا الدليل على البطلان ينسج مع الفكرة القائلة ان وراء الالفاظ لبا قد قصده المتعاقدان، والاعتبار باللب، واما على المسلك القائل ان الفاظ المعاملات لا واقع لها الا الانشاء لانها امور اعتبارية لاواقع لها الا الانشاء واما ماورائها فهو داعي للمتعاقدين، فيكون عندنا عقدان قد شرط العقد الثاني في العقد الاول، ولاربط للعقد الاول بالقرض كما لاربط للعقد الثاني كذلك، وحينئذ ينبغي بحث المسألة على مقتضى القاعدة اولا ثم بحثها على مستوى الروايات الواردة في المقام، وهذا ما سنبحثه في بيع العينة عند الامامية.

ثم ان من جملة ما استدل به ابناء العامة على حرمة بيع العينة هو مارواه ابن عمر «ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: اذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا اذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله انزل الله بهم بلاءا فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم»(٢) .

وهذا الحديث لا دلالة فيه على تحريم العينة لانه قد قرن العينة بالاخذ باذناب البقر والاشتغال بالزرع وهو غير محرم، فالسياق لايدل على الحرمة.

ثم انهم قد ذكروا في تسمية هذا العقد بالعينة وجوها) منها ان المشتري يأخذ بدل سلعته عينا أي نقدا حاضرا، ومنها ان البائع يعود اليه عين ماله بعد ان باعه.

____________________

(١) هذا الكلام منا كدليل على البطلان، وتوجد ادلة اخرى على البطلان كالروايات المروية عن اهل البيت (ع) في هذه الصورة يأتي الكلام عنها عند البحث في ربا الامامية.

(٢) نيل الاوطار٥/٣٢٠.

٧٣

٢ - بيع الوفاء:

وهو عبارة عن ان يبيع البائع العين على انه اذا ردّ على المشتري الثمن ردها له، وقد ذكر ان فيه حيلة للربا، لانتفاع المشتري بريع المبيع مدة بقائه في يده، وقد قال بعض الفقهاء بحله لحاجة التخلص من الربا.

وقد ذكر بعضهم ان هذا «من قبيل الرهن لايملكه المشتري، ولاينتفع به الا باذن مالكه وهو (المشتري) ضامن لما اكل من ثمره واتلف من شجره ويسقط الدين بهلاكه»(١) .

ومن العجيب حقا ان يعبر عن هذا انه من قبيل الرهن، مع التصريح بأنه بيع، فالتكلف في هذا القول واضح لمخالفته ظاهر العقد بل وصريحه، ثم مامعنى ان يذكر لفظ (المشتري) اذا قبلنا انه رهن؟!! وكذلك لاينقضي العجب من قولهم ان فيه حيلة للربا لانتفاع المشتري بريع المبيع مدة بقائه في يده، وهل ان بيعا يشترط فيه المشتري خيار الفسخ إلى مدة معينة الا من هذا القبيل؟ ولا ندري لماذا قال بعض الفقهاء بحله لحاجة التخلص من الربا؟ فأي ربا هنا حتى نتخلص منه بهذه المعاملة؟!!.

والحق ان هذه معاملة فيها شرط صحيح لم يخالف كتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي عبارة عن بيع شيء مع اشتراط على المشتري بارجاع المبيع اذا ارجع اليه الثمن في مدة معينة او دائما(٢) ، وهذا هو مايسمى بالبيع الخياري، أي ان الخيار في فسخ العقد موجود للبائع عند اراجع الثمن، وبهذا يتمكن المشتري

____________________

(١) نظرية الرباا المحرم ص٢٠٥.

(٢) ذكر المشهور ان عدم ذكر مدة للشرط يحصل الشرط غرريا و الشرط اذا بطل بطل العقد، ولكن الرأي الصحيح اذا قصد الشرط لكونه غرريا فلايبطل العقد.

٧٤

من التصرف بالمبيع لانه ملكه ملكا متزلزلا بالعقد الذي فيه خيار للبائع.

٣ - حط ويعجل:

قد بين ابن رشد صورة هذه المعاملة فقال «يتعجل الدائن في دينه المؤجل عوضا يأخذه وان كان قيمته اقل من دينه»(١) .

واجاز هذه المعاملة ابن عباس، وزفر من الحنفية، ومنعها جمع منهم ابن عمر من الصحابة ومالك وابو حنيفة والثوري. وقد ذكر في سند من لم يجزها انها «شبيهة بالزيادة مع النظرة المجمع على تحريمها، ووجه شبهها بها انه جعل للزمان مقتدرا من الثمن بدلا منه في الموضعين جميعا».

وفيما اراه ايضا ان هذه المعاملة منسجمة مع القواعد العامة في البيع بشرط لايكون الجنسان ربويين، لانها تقرر ان للاجل قسطا من الثمن، وهي قاعدة مقبولة رفعنا اليد عنها في قضية الربا حيث ان الشارع المقدس في قضية القرض وفي قضية البيع مع شروط معينة(٢) لم يقبل هذه القاعدة، ولكن في غير هذين الموردين تجري هذه القاعدة على حسب مجراها، وهنا «أي في مورد التعجيل يسقط شيئا من ماله» فهو شيء مقبول، ولم يرد فيه نهي ومنع، ولولا ان النهي وارد في صورة الزيادة في مقابل الاجل لما قلنا بالمنع والبطلان. اذن لاحاجة لصحة هذه المعاملة من ايجاد رواية كما فعل المجيزون بما روي عن ابن عباس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما امر با خراج بني النضير جاءه ناس منهم، فقالوا يا نبي الله انك امرت باخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) بداية المجتهد ٢/١٩٨.

(٢) كأن يبيعه منا من الحنطة بمن ونصف نسيئة. واما اذا باعه منا من الحنطة نقدا بمن نسيئة فهنا الاجل له قسط من الثمن على القاعدة فتكون الزيادة حكمية ربوية.

٧٥

«ضعوا وتعجلوا» فلم يكن هذا الحديث مجوزا للمعاملة، وانما القواعد العامة هي القاضية بصحة المعاملة، وهذا شاهد على ذلك.

كما وردت صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) في الرجل يكون عليه دين إلىاجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا وكذا وضع لك بقيته، او يقول: انقدني بعضا وامد لك في الاجل فيما بقي، فقال: لا ارى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عز وجل: فلكم رؤوس اموالكم لاتظلمون ولاتظلمون»(١)

ولكن لنا ان نقول ان عنوان المسألة يختلف عن الدليل الذي ساقه القوم عليها كما يختلف عن الصحيحة التي ذكرناها وذلك: لان المسألة هي في صورة وقوع معاملة الدين المؤجل بعوض، اما دليل القوم فلاينظر إلى وجود معاملة بين الدين وماينقد حالا، اذ يقول «ضعوا وتعجلوا» وهذا ليس معاملة واما هو عبارة عن وفاء المدين بعض دينه مع ابراء ذمته من الزائد وكذلك الصحيحة التي سقناها اذ تقول «انقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته»، وعلى هذا فمدلول الروايتين هو صحة هذه العملية حتى اذا كان مافي الذمة وما يأخذه الدائن هو من جنس واحد لانه، عبارة عن اخذ شيء من الدين قبل الاجل وابراء المدين من الباقي وهو لا بأس به قطعا.

٤ - البيع مع السلف(٢) او الصفقتان في صفقة:

وقد ذكر له عدة معاني، ومن جملة ماذكر من المعاني هو ما ذكره سماك «هو الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنسأ «اي بنسيئة» بكذا وهو بنقد بكذا وكذا»

____________________

(١) وسائل الشيعة ج١٣، باب (٢٢) من ابواب الدين ص١٢٠ حديث(١).

(٢) السلف هو القرض في لغة اهل الحجاز.

٧٦

وقد رويت عدة روايات تنهي عن بيع وسلف وعن شرطين في بيع، وفي حديث اخر عن أبي هريرة قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من باع بيعتين في بيعة فله اوكسهما او الربا» وفي لفظ اخر نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيعتين في بيعة، وفي لفظ حديث اخر نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صفقتين في صفقة، وعن ابن حبان موقوفا(١) « الصفقة في الصفقتين ربا»، وقد روي عن عبد الله بن عمر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عتاب بن اسيد إلى مكة وقال «انههم عن شرطين في بيع وعن بيع وسلف، وعن بيع مالم يقبض وعن ربح مالم يضمن»(٢) .

وقد ذكرت لهذه الاحاديث - كما قلنا - معاني مختلفة، فمنها ماذكره سماك «هو الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنسا (اي بنسيئة) بكذا وهو بنقد بكذا وكذا» وحينئذ اذا كان هذا هو معنى الاحاديث فانها تبطل المعاملة لا للربا كما هو ظاهر من اكثر الاحاديث. نعم رواية ابي هريرة التي ليست حجة عندنا - لما ذكره اصحاب الرجال فيه - ورواية ابن حبان الموقوفة التي ليست بحجة عند الجميع تذكر ان المعاملة ربوبية وباستثناء هذين الراويتين، فالنهي الذي جاء في المعاملة لم تكن فيه لفظة الربا.

ولعل بطلان هذه المعاملات من ناحية فقدانها شرطا من شروط صحة البيع وهو تعيين الثمن، فانه هنا مردد وغير معين، بالاضافة إلى ان البائع لم يقصد ثمنا معينا. هذا كله اذا أنشأ البائع البيع على هذه الصورة، واما اذا لم ينشأ البيع على هذه الصورة، وانما اتفقا على البيع النقدي بالثمن الاقل، او اتفقا على البيع النسيء بالثمن الاكثر ثم بعد ذلك أنشأ البيع مع القصد إلى ثمن

____________________

(١) الموقوف عبارة عن اسقاط الراوي الذي بعده، ويصح ايضا اذا لم يذكر المروي عنه من هو.

(٢) هذه الروايات كلها عن كتاب نظرية الربا المحرم ص٢١٣ - ٢١٥.

٧٧

معين، فان البيع هنا صحيح ولاشائبة للربا اصلا، لان الثمن في مقابل المثمن وان كان الثمن اكثر من قيمة المثمن، فان هذا ليس بربا كما هو واضح.

ثم انه يمكننا ان نذكر معاني اخرى للبيع مع السلف على سبيل الاحتمال وهي:

١ - ان يبيع منه شيئا ليقرضه، او يؤجله في الثمن ليعطيه على ذلك ربحا.

٢ - ان يبيعه اما حالا او سلفا بمائة من دون تعيين احدهما.

٣ - ان اشتري سلفا، وحيئذ لايجوز لي ان ابيع المثمن الذي لم اقبضه.

ولكن المعنى الثالث ساقط اطلاقه، لان البيع على البائع جائز بالتولية وبغيرها بشرط ان لايكون ربا، اما على غير البائع فهو الذي لايجوز الا تولية، وحينئذ يكون اطلاق منع البيع غير صحيح، ويكون المعنى هو المنع من الشراء سلفا وبيعه على غير البائع قبل القبض بغير التولية.

واما المعنى الثاني فهو على خلاف لغة اهل الحجاز الذي يسمون السلف قرضا، ويكون البيع باطلا لعدم تعيين ان البيع نقدا او سلفا. واما المعنى الاول: فان كان شرطا في ضمن عقد، فيجب ان ننظر إلى هذا الشرط، فان كان مخالفا لكتاب الله او لسنة رسوله فهو حرام والا فلا بأس به لانه شرط في ضمن العقد، وليس هذا من القرض الذي جر نفعا، بل و من البيع الذي جر قرضا او نفعا وهو لابأس به. نعم لو كان اعطاء الربح على مجرد التأجيل فهو ربا او بحكم الربا كما دلت عليه روايات أتقضي ام تربي، ولكن الربح في البيع لاجل التأجيل.

اما البيعتين في بيعة: فقد ذكرت لها معاني مخالفة لما تقدم وهي:

١ - فقد فسرها الشافعي على نحوين:

أ - ان يقول بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا.

٧٨

ب - ان يقول بعتك هذا العبد مثلابالف على ان تبيعني او فلان (اي يبيعني فلان) الدار بكذا، او يقول: أبيعك داري هذه بكذا على ان تبيعني غلامك بكذا فاذا وجب لي غلامك وجبت لك داري(١) .

٢ - ان يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر، فلما حل الاجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لان البيع الثاني قد دخل على الاول فيرد اليه اوكسهما وهو الاول(٢) .

فأما التفسير الاول للشافعي فهو المعنى الذي ذكر للبيعتين في بيعة، وقد قلنا فيه ان البيع باطل لتردد الثمن عند العقد، بل لم يحصل قصد إلى احدهم بالخصوص. ولكن التفسير الثاني للشافعي فهو لايبطل المعاملة لانه من قبيل الالتزام في الالتزام ويشمله قوله (ع) «المؤمنون عند شروطهم» او «المسلمون عند شروطهم».

واما المعنى الثاني: فهو وان كان من قبيل بيع مالم يقبض الا ان بيعه على البائع لابأس به كما تقدم، فلايصح ان يكون البيعتين في بيعة المنهي عنه معناها هو هذا، اذن يتعين ان يكون معناها هو ما ذكرناه سابقا.

تنبيهان:

الاول: ان الحرمة التي اطلقت على بيع العينة، والوفاء، وحط وتعجل، والبيع مع السلف من قبل بعض العامة، مع عدم ذكر دليل يعتد به على الحرمة، لاينسجم مع تحليل ربا الفضل بحجج مختلفة وهو الذي فيه دليل واضح على الحرمة، وليتهم قالوا بحرمة ماكان فيه دليل واضح ولم يقولوا بحرمة ماليس فيه

____________________

(١) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج/ للرملي ٣/٤٣٣ وما بعدها. وفتح القدير ٥/٢١٨.

(٢) نظرية الربا المحرم ص٢١٤ هامش (٣).

٧٩

دليل او مشكوك الدليلية حتى يكون قولهم منسجما مع القواعد الاصولية للاستنباط. ومن جملة من قال بحرمة العينة بلا ان يكون له دليل واضح هو ابن القيم، بينما احل ربا الفضل لانه قد حرم حسب مدعاه من باب سد الذريعة.

الثاني: وقد تعرض الامامية لهذا البحث وخلاصة ماذكر فيه هو ان الروايات في صورة بيع الشيء نقدا بكذا ونسيئة بكذا متعارضة، فبعضها تعجل هذا البيع الذي عبرت عنه الروايات «شرطين في بيع» باطلا كما في موثقة عمار(١) عن ابي عبد الله (ع) في حديث «ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث رجلا إلى اهل مكة وامره ان ينهاهم عن شرطين في بيع»، وبعض الروايات تصحح هذا البيع بأقل الثمنين إلى ابعد الاجلين كصحيحة(٢) محمد بن قيس البجلي عن ابي جعفر (ع) قال: قال امير المؤمنين (ع) من باع سلعة فقال ان ثمنها كذا وكذا يدا بيد، وثمنها كذا وكذانظرة، فخذها بأي ثمن شئت واجعل صفقتها واحدة فليس له الا اقلهما وان كانت نظرة، وفي مضمون هذه الروايات موثقة السكوني(٣) .

ثم انه بعد تحكم المعارضة بين الروايات، ذهب السيد المرتضى في الناصريات بواسطة الجمع بين الروايات إلى حمل الروايات الناهية على الكراهة حيث ان الروايات المجوزة تقول ان البيع مشروع «خذها». ولكن هذا الجمع لايمكن المساعدة عليه حيث ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ارسل إلى اهل مكة ينهاهم عن شرطين في بيع، فهذا الاهتمام من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يدل على ان النهي غير قابل للحمل على الكراهة.

وذهب بعض: إلى ان الروايات المجوزة هي في صورة كون البيع قد انشأ حالا، بان باعه بدينار كلي في الذمة، فان قال ونسيئة بكذا فمعناه امهلك سنة

____________________

(١ و٢و٣) الوسائل ١٢/ ٣٦٧ رواية (٣،١،٢) باب (٢) من ابواب احكام العقود.

٨٠