إشارة السبق الى معرفة الحق الجزء ١

إشارة السبق الى معرفة الحق0%

إشارة السبق الى معرفة الحق مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 151

  • البداية
  • السابق
  • 151 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19862 / تحميل: 4239
الحجم الحجم الحجم
إشارة السبق الى معرفة الحق

إشارة السبق الى معرفة الحق الجزء 1

مؤلف:
العربية

لا بقادر، ولان لهم بصحة وقوعه مزية على تعذره لولاها لم يكونوا بأحدهما أولى من الآخر، وهي مستندة إلى القدرة المحدثة، لاستحالة كونها ذاتية أو فاعلية، ولان جواز حصول القدرة وإن لا تحصل، وثبوت التفاضل بين القادرين في كونهم كذلك مع استمرار(١) ما هم عليه من حال وشرط دلالة على ثبوت القدرة إذ لا وجه لشئ من ذلك إلا باعتبارها وقدرهم متعلقة(٢) بحدوث أفعالهم، لاتباع تعلقها صحة الحدوث، وهي متقدمة على الفعل، فيصح(٣) كونها مؤثرة فيه ومخرجة له من العدم إلى الوجود، لان تأخرها يستحيل منه ذلك(٤) فكيف يكون به، ومقارنتها تنافي الاختيار، يقتضي كونها(٥) علة في أثرها، وهو ظاهر الفساد، لمنافاته ما دلت عليه الادلة، فصح كونها متقدمة ومتعلقة بالضدين لصحة التصرف في الجهات المختلفة مع تضادها، ولانها ليست بأحدهما أولى من الآخر، فلو لم تكن متعلقة بهما للزم اجتماعهما عند حدوث الفعل، فلا يخفى فساده(٦) ، وإيجابها الصفة وتعلقها بمتعلقها لما هي عليه في نفسها لكونها لا تعلم إلا كذلك، وهي مختلفة لا متضاد ولا متماثل فيها لتعلق كل جزء منها بجزء من المقدور مع اتحاد الوقت(٧) والجنس والمحل، ولاستحالة أن يصح بكل جزء منها غير ما يصح بالآخر، لكونه إيجاد موجود.

____________________

١ - في " ج ": مع استتار.

٢ - في " أ ": إلا باعتبار قدرهم متعلقة.

٣ - في " ج ": ليصح.

٤ - في " أ ": يستحيل معه ذلك.

٥ - في " ج ": كونهما.

٦ - في " أ ": ولا يخفى فساده.

٧ - في " ج ": ومع إتحاد الوقت.

٢١

فأما مع اختلاف ما ذكرناه فلا انحصار لتعلقها، وهي متفقة فيه(وإن اختلف، لانه لا وجه لاختلافها فيه)(١) وشرط مقدورها أن يكون ممكنا في نفسه، لاستحالة تعلقها بما ليس كذلك.

فعلى هذا يكون تكليف الكافر بالايمان ممكنا، لكونه مقدورا له وحسنا، لكونه إرادة حكيم منزه عن كل قبيح.

وقد يكون واجبا في الحكمة لتكامل شروطه، ولا تأثير لتعلق العالمية بأنه لا يختاره، إذ ليست مؤثرة في معلومها ولا مضادة لوقوعه منه، فكان ممكن الوقوع باعتبار تمكنه واقتداره محالا بسوء اختياره، ولو أوجب تعلق العالمية كفر الكافر، لاوجب إيمان المؤمن، فيقبح التكليف، ويسقط مايترتب عليه، وقد كلف الله سبحانه كل من أكمل له شروطه التي هي الحياة والعقل والاقتدار والتمكين ونصب الادلة وإزاحة العلة وشهوة القبيح والنفار عن الحسن والالطاف المعلومة له، لانه مع إكمالها إذا لم يغن(٢) بالحسن عن القبيح، بل جعل ما أمر به شاقا، لكونه مؤلما منفورا عنه وما نهى عنه كذلك، لكونه ملذا مشتهى، فلولا كونه مكلفا كل من أكمل له فعل المشاق وترك الملذ كان عابثا أو مغريا له بالقبيح ويتعالى الله عنهما ولا وجه لكونه باعتبارها غير مكلف، لانه على الصفات المعتبرة في ثبوت كونه كذلك، وحسن هذا التكليف معلوم، لاستناده إلى مكلف حكيم، ولتضمنه التعريض إلى استحقاق المنافع العظيمة التي لاتستحق إلا به، لقبح الابتداء بمثلها، وذلك هو الغرض به، والتعريض للشئ في حكم إيصاله، والمخاطب به

____________________

١ - ما بين القوسين موجود في " أ ".

٢ - في " أ ": لم يعن.

٢٢

من تكاملت له شروطه المشار إليها، وهو من جملة المشاهدة المسماة إنسانا مالا يتم(١) كونه حيا إلا به، ولا اعتبار بما سوى ذلك، كما لا اعتبار بالسمن بعد الهزال، ولا بالزيادة بعد النقصان، لان الحياة حالة في الجملة.

والافعال صادرة عنها، والاحكام متعلقة بها، والادراك واقع ببعض أعضائه(٢) فلولا أن التكليف منها(٣) مابيناه لم يكن لجميع ماذكرناه وجه، كمالا وجه له بالنسبة إلى الشعر منها والظفر.

وما به يتعلق التكليف إما إلزام بفعل، فإيجاب، أو ما هو أولى، فندب، أو ما منع من فعل، فحظر، أو ما الامتناع(٤) منه أولى، فكراهة ومكروه.

وذاك إما عقلي أو سمعي، من أفعال القلوب أو الجوارح الظاهرة، داخل تحت الطاقة والاستطاعة، لكونه مقدورا للمكلف، بشهادة(٥) العقول بقبح تكليف ما لايطاق، سواء كان بفقد(٦) قدرة أو آلة أو شرط من شروطه التي لا يحسن إلا معها، ولكونه مستحيلا بأن لا يكون مقدورا، ولا وجه لقبحه إلا لكونه تكليفا بما لا يطاق، لثبوت حسنه بثبوت الطاقة، وانتفائه بانتفائها، ولا يتعلق بما لا حكم له ولا استحقاق به كالمباح.

ويعتبر في قيام المكلف به، معرفته بمكلفه سبحانه على صفاته جملة

____________________

١ - في " ج ": لم يتم.

٢ - في " ج ": أعضائها.

٣ - في " ج ": فلولا أن المكلف منها.

٤ - في " ج ": وأما منع من فعل فخطر وما الامتناع...

٥ - في " أ ": لشهادة.

٦ - في " أ ": لفقد.

٢٣

وتفصيلا، وبالتكليف على صفته وبكيفية ترتيبه وإيقاعه، وإلا لم يفد قيامه به، ولابد من فاصل بين التكليف وبين مايستحق عليه، لانه لو اتصل به ممازجا أو معاقبا لزم الالجاء المنافي له، وحصول المستحق على الوجه المنافي لما به يستحق محال، فكان انقطاعه واجبا لذلك، وهو إما بالفناء(١) أو بغيره مما تتعلق به المصلحة، وتقتضيه الحكمة، ولا ضد للجواهر إلا الفناء وبوجوده إلا في محل(٢) ينتفى وجودها جملة، ووجود مايتبعها ويختص بها تبعا لانتفائها، وطريق إثباته السمع، وهو إجماع الامة وظواهر الآيات وما هو معلوم من الملة الاسلامية والشريعة النبوية، فيكون عدم الجواهر به حقيقيا لامجازيا، وإعادتها بأعيانها لايفائها، والاستيفاء منها مقدور له سبحانه، ليتميزها(٣) بما لا تعلم إلا عليه، ولا يصح خروجها عنه، لاستحالة خروج المعلوم عن كونه معلوما، ولا تجب إعادة ما زاد من الجملة على ما به يكون الملكف مكلفا، بل ذلك راجع إلى اختيار الحكيم ولا إعادة من لا مستحق له أو عليه.وما علم تعالى أنه يقرب المكلف إلى ما كلف فعلا واجتنابا، أو يكون معه أقرب باختياره هو المسمى باللطف والصلاح، وهو إما عام أو خاص، أو ماهو أخص منهما، إما من فعله تعالى(٤) أو من فعل المكلف لنفسه أو من فعل غيره له إذا كان في المعلوم فعله أو ما يقوم مقامه، والحكمة تقتضي فعله لوجوبه، لانه جار مجرى التمكين والاقدار، وقبح منعه كقبح منعهما، ولان منعه مناقض للغرض

____________________

١ - في " أ ": بالغناء، وكذا فيما يأتي.

٢ - كذا في " ج ": وفي غيرها: لا في محل.

٣ - في " ج ": لتميزها.

٤ - في " أ ": أو من فعله تعالى.

٢٤

المجري بالتكليف إليه، والحكم لايناقض غرضه، لكونه منافيا لحكمته، وشروطه تقدمه على ما هو لطف فيه، وثبوت مناسبته بينهما وخلوه من كل مفسدة، وهو فيما لا يتعلق بالدين غير واجب، إذ لا وجه لوجوب الاصلح الدنياوي، ولا طريق إليه، لاستحالة كونه تعالى في كل حال غير منفك من الاخلال بالواجب، وتقتضيه المفسدة، ولا يجب المنع منها بل الاعلام بها والتمكين من دفعها، لازاحة العلة، واستتمام الغرض بذلك.

ولا وجه في اللطف إذا كان مصلحة في أمر أو لمكلف مفسدة في غيره ولآخر، كما لا وجه لكل مصلحة لا تتم إلا بمفسدة.

ومعرفة الله تعالى واجبة، لكونها أصلا لجميع التكاليف المكتسبة، عقلا وشرعا، لكون اللطف الذي هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب على الطاعة مشروطا بثبوتها، ومتوقفا على حصولها، ولكونها شرطا في شكر نعمه سبحانه تعالى وعبادته، التي هي كيفية في شكره الذي لا يصح إلا بعد صحتها، ولا يثبت حقيقته إلا بعد ثبوتها.

وكلما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا وصلة إليها في دار التكليف إلا بالنظر الحاصل على شروطه، لاستحالة كونها ضرورية أو حاصلة عن طريق يرجع إلى الضرورة، لثبوت الخلاف فيها، وارتفاعه في كل ضروري.

ولسنا في تكليف العلم بالمكلف مضطرا إلى العلم به، أو سمعه(١) ، لتوقف العلم بصحة السمعيات على تقدمها، وأن السمع(٢) مؤكد لوجوبها، فكانت

____________________

١ - في " ج ": أو سمعية.

٢ - في " أ ": وإنما السمع.

٢٥

باعتبار ماذكرناه نظرية واستدلالية، وكان النظر واجبا لوجوبها، وهي على التحقيق أول الواجبات، فيكون ما هو وصلة إليها وسبب فيها كذلك(١) لان ما عدا النظر من جميع الواجبات العقلية والسمعية قد يخلو المكلف منها إما وجوبا أو جوازا، أو لا يخلو من وجوبه عليه، فكان أول الواجبات وصلة وترتيبا.

وإنما يجب عند حصول الخوف والرجاء، وقد يحصل خوف المكلف بسبب لا يتعدى عنه، لتدبره ما هو عليه من أحواله، وما هو فيه من النعم ظاهرا وباطنا، وبسبب خارج عنه، لسماعه اختلاف العقلاء في المذاهب والآراء، مع فقدهما وفقد ما به يحصل كل واحد منهما، لابد من ورود الخاطر عليه، وأولى ما كان كلاما داخل سمعه متضمنا إخافته من إهمال النظر وحثه على استعماله(٢) وتجويز الضرر يقتضي وجوب الاحتراز منه، معلوما كان أو مظنونا، وذلك باعث على النظر ومؤكد لوجوبه، وهو مولد للعلم مع تكامل شروطه، لكونه واقعا بحسبه وتابعا له، يقل بقلته ويكثر بكثرته، فكان مسببا عنه ومتولدا من جهته، ومن لم يولد نظره العلم فلتقصير منه، أما في النظر أو في المنظور فيه أو لانه نظر في الشبهة لا في الدليل، والنظر فيها لا يولد شيئا ولا يفضي بصاحبه إلا إلى الجهل أو الشك، والجهل ليس مسببا ولا متولدا عن النظر، لكونه نقيض العلم وضده، لاستحالة الجمع بين النقيضين.

والمنظور فيه لاكتساب المعرفة الواجبة ما خرج عن مقدور كل قادر بقدرة(٣) مما يختص سبحانه بالاقتدار عليه، ومن الجائز في أصل العقل أن يخلو

____________________

١ - في " أ ": وسبب إليها فيها كذلك.

٢ - في " أ ": وحقه على استعماله.

٣ - في " ج ": مقدرة.

٢٦

العاقل من كل تكليف، لكن ذلك مشروط بأن يغنيه بالحسن عن القبيح، ولا يثبت ذلك إلا بأن يكون مشتهيا للحسن(١) ، نافرا عن القبيح لا بالعكس من ذلك، فبتقديره يكون خلوه من التكليف جائزا، لكونه غير مناف للحكمة، ويكون كمال عقله مع ما يضامه من أصول النعم الباطنة والظاهرة نعمة منه سبحانه عليه، وإحسانا إليه، والعقل يقتضي حسن الابتداء بذلك لاقبحه.

ومما يتفرع على ركن العدل الكلام في الوعد والوعيد، وهو ما يستحق بالتكليف فعلا وتركا، والمستحقات ستة: المدح والذم والثواب والعقاب والشكر والعوض، فالمدح يتميز بكونه دالا على الارتفاع، والذم بكونه دالا على الاتضاع، والثواب بوقوعه مستحقا على وجه التعظيم، والعقاب بوقوعه مستحقا على وجه الاهانة، والشكر بوقوعه اعترافا مقصودا به التعظيم، والعوض بانقطاعه(٢) وتعريه من تعظيم.

ويعتبر في المدح والذم العلم بما به يستحقان، والقصد إلى كل واحد منهما، والوضع العرفي فيهما، ويثبتان بالقول حقيقة وبالفعل مجازا، ويشتملان على أسماء ودعاء، ويستعمل كل واحد منهما بحسب الموجب له مطلقا في موضع، مقيدا في غيره، ويعلمان عقلا، لاقتضاء ضرورته(٣) لهما.

فما به يستحق المدح، إما فعل الواجب لوجه وجوبه، أو الندب لوجه ندبيته، أو اجتناب القبيح لوجه قبحه، أو إسقاط الحقوق لوجهها(٤) لايستحق

____________________

١ - في " أ ": مشتبها للحسن.

٢ - في " ج ": والعوض إنقطاعه.

٣ - في " أ ": بإقتضا ضرورية.

٤ - في " أ ": لوجههما.

٢٧

على ما سوى ذلك، وعلى ما به يثبت استحقاقه ثبت استحقاق الثواب بشرط حصول المشقة في الفعل والترك، أو في سببهما وما به يتوصل إليهما.

وطريق العلم باسحقاقه العقل، لثبوت إلزام المشاق التي لولا ما في مقابلتها من الاستحقاق لم يحسن إلزامها، ولا كان له وجه(١) فبوجوهها تعين اللطف فيها، وبما يقابلها من الاستحقاق تعين فيها وجه الحكمة، ولزم احتمالها والصبر عليها.

وبدوامه السمع لحسن تحمل المشاق للمنافع المنقطعة عقلا، إذ ليس فيه ما يقتضي اشتراط دوامها، فيكون القطع على دوامه وصفاته سمعا(٢) بإجماع جميع الامة، ولا يلزم حمله على المدح، لاشتراكهما في جهة الاستحقاق، لانهما وإن اشتركا في ذلك فقد اختلفا في غيره، ويثبت(٣) أحدهما في موضع يستحيل ثبوت الآخر فيه.

وما به يستحق الذم(٤) أما فعل القبيح أو الاخلال بالواجب لايستحق بغيرهما، ومما به يثبت(٥) استحقاقه ثبت استحقاق العقاب بشرط اختيار المكلف ذلك على ما فيه مصلحته.

وطريق العلم به السمع، لان العقل وإن أجازه ولم يمتنع منه إلا أنه لا قطع به على ثبوت استحقاق، لخلوه من دلالة قطعية على ذلك، ضرورة واستدلالا،

____________________

١ - في " أ ": وإلا كان له وجه.

٢ - في " ج ": سعيا.وفي " أ ": سميعا.والظاهر أن مارقمناه في المتن هو الصحيح.

٣ - في " ج ": وثبت.

٤ - في " أ ": وما به يستحق بالذم.

٥ - في " ج ": وما يثبت.

٢٨

فالمرجع بإثباته قطعا إلى السمع المقطوع على صحته، وهو الاجماع والنصوص القرآنية، ولا يلزم عليه الاغراء(١) لان تجويزه عقلا، والقطع عليه سمعا زاجر لا إغراء معه.

وإذا كان الاصل الذي(٢) هو ثبوت استحقاقه لا يعلم إلا سمعا، فالفرع الذي هو دوامه وانقطاعه أولى بذلك.

وقد أجمعت الامة(٣) على دوام عقاب من مات من العصاة، كافرا، ولا إجماع على دوام عقاب من عداهم من عصاة المؤمنين، فهم على ما كانوا عليه، من ثبوت استحقاق الثواب الدائم وإن استحقوا معه بعصيانهم العقاب، لان انقطاع عقابهم ممكن بتقديمه، ودوام ثوابهم المجمع عليه مانع من انقطاعه، لامكان حصوله معاقبا للاستيفاء منهم، ولا مانع من ذلك كما لا مانع من استحقاقهم المدح في حالهم فيها مستحقون الذم، لوجوب مدحهم بإيمانهم وذمهم بفسقهم، وما تعذر ذلك من فاعل واحد إلا لفقد الآلة لا لفقد(٤) الاستحقاق، فإنه لو كان له لسانان لمدح بأحدهما وذم بالآخر، ولو مدح بلسانه وذم بما يكتب بيده وبالعكس من ذلك لصح(٥) ، وكان جامعا بينهما في حال واحدة، فكما لا تنافي بين ثبوت استحقاقهما إلا على أمر واحد بل على أمرين مختلفين، فكذلك لا تنافي أيضا بين ثبوت استحقاق مايتبعهما من ثواب وعقاب، وكما أجمعت الامة على دوام

____________________

١ - في " أ ": ولا يلزم الاغراء.

٢ - في " ج ": وإذا كان الاصل فيه الذي.

٣ - في " أ ": وقد اجتمعت الامة.

٤ - في " أ ": وما تعذر ذلك من فاعل واحد إلا لفقد.

٥ - في " ج ": يصح.

٢٩

عقاب الكفار، أجمعوا أيضا عدا الوعيدية(١) على إنقطاع عقاب من وصفنا حالهم.

ولاستحالة الجمع بين دائمي الثواب والعقاب، وجب كون المنقطع متقدما على الدائم الذي يحصل بدلا منه ومعاقبا له.

____________________

١ - هم القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا كالمعتزلة ومن تبعهم.

٣٠

الكلام في الاحباط وبطلانه

وقد ثبت بما ذكرناه أن المستحق من الثواب لا ينفيه شئ ولا يسقطه مسقط، لان اسقاطه منافي للحكمة(٢) لكونه مستحقا على الله لا على غيره، فتقدير سقوطه بعد ثبوته مناف لحكمته تعالى.

وإذا صح ذلك بطل التحابط بين الطاعات والمعاصي، وبين المستحق عليهما.

ويبطله أيضا أنه لا تنافي بين ذلك، لكونه متجانسا، فإن جنس ما يقع طاعة أو معصية واحد لا تضاد فيه ولا اختلاف بينهما إلا بالوجوه التي يقع عليها وهي تابعة لاختيار الفاعل وقصده، بل مما يصح تعريها منها.

فإن دخول الدار بإذن صاحبها كدخولها بغير إذنه، وأحد الدخولين(٣) طاعة والآخر معصية، وجنسما واحد لا اختلاف فيه إلا بالوجه الواقع عليه، وكذلك، جنس ما يقع ثوابا أو عقابا واحد، لا مضادة فيه ولا انفصال بينهما(٤) إلا بالشهوة لاحدهما والنفار من الآخر، فإن جنس الالم واللذة واحد.وادراكهما بطريق واحد، ولا افتراق بينهما

_______________________

٢ - في " ج ": مناف للحكم.

٣ - في " ج ": كدخوله بغير إذنه وأحد المدخولين.

٤ - في " ج ": ولا انفعال بينهما.

٣١

إلا بالشهوة والنفار، ولولا ذلك ما إلتذ أحدنا بما يتألم به غيره وبالعكس من ذلك، فإن المبرود يلذ له ما يولم المحرور من النار وغيرها من الحرارات.

وإذا كان جنس المستحق واحدا، وما به يثبت(١) استحقاقه أيضا كذلك لم يعقل دخول التحابط فيه، لانه لا معنى له إلا التنافي الذي لايدخل إلا في المتضادات ولا في المتجانسات(٢) ، على أنه لو صح - وهيهات - لكان بين الموجودات والمستحق معدوم لم يوجد بعد، فكيف يدخل الاحباط؟

____________________

١ - في " ج ": وما به ثبت.

٢ - في " ج ": " لا في المتجانسات " بدون الواو.

٣٢

الكلام في بطلان التكفير(٣)

ولو جمع جامع بين الطاعة والمعصية على حد واحد، لم يثبت له على رأي الوعيدية به استحقاق، وكان بمنزلة من لم يطع ولم يعص، لاله ولا عليه، وهو ظاهر الفساد.

وإذا بطل التحابط فالتكفير أيضا باطل، لان صغائر الذنوب في استحقاق الذم والعقاب عليها ككبائرها، وإن زاد ما يستحق على الكبائر بالنسبة إلى ما يستحق على الصغائر، ولان إثبات الصغير مكفر(٤) لا وزر بها مبني على اثبات الكبيرة محبطة لا أجر معها، فبطلانهما واحد.

ومسقط العقاب على الحقيقة عفو الله أما عند التوبة التي هي تذم التائب

_______________________

٤ - هكذا في النسخ التي بأيدينا.

٣ - ما بين المعقوفين منا.

٣٣

على ما مضى منه من القبيح وعلى أن لا يعود إلى مثله مستقبلا مع الخروج من حق ثبت في الذمة إن كان لله تعالى، فبتلافيه وادائه إن كان مما يؤدى، وقضائه إن كان مما يقضى، وإن كان لبعض العباد فبتأديته وفعل ما يجب في مثله.

وإذا صحت التوبة كانت مقبولة إجماعا، وسقوط العقاب عندها تفضل من الله لا وجوبا، لانه لو وجب على وجه تكون هي المؤثرة في الاسقاط لم يكن له سبحانه بذلك تكرم ولا تمنن ولا اختيار ولا تمدح، مع أن ذلك كله له بقبولها، فيكون الوجوب من حيث استحال خلاف الوعد عليه تعالى لا من حيث كونها مؤثرة في اسقاط ما هو حق له.

وأما عند عفوه ابتداء، والعقل شاهد بحسنه، لانه إذا كان العقاب حقا له لاحق فيه لغيره بل لا يسقط باسقاطه حق الغير جرى حسن اسقاطه مجرى حسن اسقاط الدين، وكان في الحسن أبلغ منه، لكونه محضا، وأكده أن سبحانه لا ينتفع بإستيفاء ولا يستضر بإسقاط، ولا يناط بذلك شئ من وجوه القبح(١) ، وحسن الاحسان مما تشهد به أوائل العقول، والسمع دال على ثبوته، ولا إغراء بذلك لما يقابله(٢) .

وأما عند الشفاعة التي هي قبولها، لا نزاع فيه، كثبوتها ولا وجه لحقيقتها(٣) إذا كانت في زيادة المنافع للاستغناء عنها، ولجواز العكس فيها بأن يعود الشفيع مشفوعا فيه، فتكون حقيقة في إسقاط المضار، وهو الذي يقتضيه العقل، ويؤكده

____________________

١ - في " أ ": من وجوه القبيح.

٢ - في " ج ": لا يقابله.

٣ - في " ج ": فحقيقتها.

٣٤

السمع، ومع فقد جميع ذلك، وخلو المرجى له منه، لابد من إنتهائه إلى الثواب الدائم بعد الاقتصاص منه(١) بالعقاب المنقطع كما بيناه.

والايمان وإن كان في أصل الوضع عبارة عن التصديق إلا أنه يختص شرعا بتصديق ما يجب اعتقاده من وحدانية الله تعالى وعدله ونبوة أنبيائه وإمامة أوليائه، وما يترتب على ذلك من تحليل حلاله وتحريم حرامه وبعثه ومعاده.

فالمؤمن هو المصدق المعتقد لذلك بقلبه لا المظهر له بلسانه من دون إعتبار اعتقاده، فإن كانت موافقة باطنه لظاهره في الصدق والاخلاص معلومة، أما بكونه معصوما أو مشارا إليه بذلك ممن في اشارته الحجة، فمدحه مطلق وإلا فهو مقيد، وإن كان اعتقاده ذلك مستندا إلى معرفة تفصيلية فهو الغاية والاجزاء ما لابد منه(٢) من علم الجملة، وإن كان خاليا من الحجة على كل وجه واقعا على وجه المطابقة لمعتقده(٣) لا ببرهان(٤) قطعي وعلم يقيني، بل مجرد القبول والتسليم، فهو الذي يسمى تقليدا إلا أن صاحبه مقلد لاهل الحق في حقهم، فله بذلك مزية على مقلدي أهل الباطل في باطلهم، وهو عند بعض علماء الطائفة مصيب في اعتقاده، مخطئ في تقليده، فيرتجى له من العفو ما يرجى لغيره من مستضعفي أهل الحق، بناء على أنه لا وجه لتكفير أحد من الطائفة على أي حال كان.والكفر وإن كان في الاصل الجحود المأخوذ من الستر والتغطية، إلا أنه

____________________

١ - في " ج ": بعد الاختصاص.

٢ - في " أ " ولا اجزائه ما لابد منه.

٣ - في " أ ": وإن كان خاليا من الحجة على كل وجه المطابقة لمعتقده.

٤ - في " ج ": لا برهان.

٣٥

اختص شرعا بجحود ما وجب التصديق به، أو جحود ما لايتم الايمان إلا به، فالجاحد لذلك هو الكافر الذي يجب إطلاق دمه، وتجري عليه أحكام أهل الكفر والفسق، وإن كان في الوضع الخروج، إلا أنه اختص شرعا بالخروج من طاعة إلى معصية، فالخارج بذلك مع صحة اعتقاده هو المؤمن الفاسق الذي قد بينا أحكامه، لانه لا منافاة بين ثبوت الايمان ووقوع الفسق، لصحة الجمع بين الطاعة والمعصية والحسنة والسيئة في وقت واحد من فاعل واحد، كمن تصدق بيمينه وسرق بشماله، أو سبح بلسانه ورأى محظورا بطرفه قصدا، وقد أومأنا إلى ذلك متقدما.وجميع ماأشرنا إليه من أحكام الايمان والكفر معلومة مقطوع عليها بالسمع خاصة، وهو إجماع الطئفة المحقة، لخلو العقل من طريق يقطع به على كل واحد منهما.

[الكلام في سؤال القبر ]

وسؤال القبر وما يتبعه - من نعيم أو عذاب - والبعث والنشور والموافقة والحساب والميزان والصراط وتطائر الكتب وشهادة الاعضاء والانتهاء بحسب الاستحقاق إلى جنة يختص نعيمها بالملاذ والمسار، وإلى نار يختص عذابها بالايلام والمضار وما يتبع ذلك ويترتب عليه، حق يجب إعتقاده والقطع عليه، لانه مما لا يتم الايمان إلا به وطريق العلم به إجماع الامة والنصوص القرآنية والنبوية(١) ولا اعتداد بمخالفة من خالف في شئ منه، لسبق الاجماع وتقدمه على خلافه.

____________________

١ - في " ج ": والنبوة.

٣٦

والشكر يستحق على النعم المقصود بها جهات النفع، فإن كان كمال المنعم بها معلوما وبلغت أعلى المبالغ، كنعم الله ونعم أنبيائه وأوليائه، كان شكرها مطلقا، وإلا فهو مقيد، وطريق العلم باستحقاقه ضرورة العقل، لانه من جملة علومه.

والعوض يستحق على الآلام لا على غيرها، ويعلم وجوبه بوجوب الانتصاف الذي لا يتم إلا به، وثبوت الآلام معلوم(١) بوجدانه وإدراكه، والفرق بين حصوله وارتفاعه، ولا يكاد يشتبه الامر فيه على عاقل، فإن كان من فعل الله تعالى فأما مبتدئ لا عن سبب، والوجه فيه لطف بعض المكلفين، أما المفعول به إن كان مكلفا أو غيره وبذلك ثبت الغرض به وانتفى العبث عنه، ولابد فيه من عوض زائد موف(٢) عليه ينغمر(٣) بالنسبة إليه في جانبه، ويحسن لاجله تحمله، وبذلك ثبت العدل به وانتفى الظلم عنه.

أو مسبب فأما في الدنيا، وهو ما حصل عن تعريض المعرضين، وحسنه معلوم بجريان العادة به، وإن خرقها فيه لا لوجه ممتنع، والعرض فيه على المعرض، لانه فاعل المسبب(٤) وأمام في الآخرة فلاوجه له إلا الاستحقاق، وهو المقتضى حسنه، وإن كان من فعل غيره سبحانه، فإما حسن وهو ما كان لاجتناب نفع حسن لايجتلب إلا به، أو دفع ضرر عظيم لا يندفع إلا به، أو لمدافعة متعد(٥) غير مقصود إيلامه، أو لاتباع أمر مشروع وإذن متبوع، أو لاقامة

____________________

١ - في " ج ": وثبوت الالم معلوم.

٢ - في " ج ": " موقوف " بدل " موف ".

٣ - في " أ ": يتغمر.

٤ - في " أ " فاعل السبب.

٥ - في " ج ": أو لمدافعة معتد.

٣٧

حق وأداء مستحق، فكل هذه الوجوه يحسن فيها الالم.

وإما قبيح وهو ماعداها مما لم يكن على وجه منها، وهو الظلم الذي لابد فيه من الانتصاف، وعوضه على فاعله(١) جزء بجزء، لاستحقاقه بمقدار المستحق عليه، وكلما يصح حدوثه يصح التوقيت به، لاستحالته بما لايصح فيه ذلك.

ولا أجل للانسان إلا واحد، وهو الوقت الذي يحدث فيه عليه الحادث من موت أو قتل، فكما أن أجل الموت وقت حصوله، فكذلك أجل الوقت، وبقاء المقتول لولا قتله وموته كلاهما بالنسبة إلى قادرية الله تعالى وحسن اختياره جائز، ولا دلالة على القطع على أحدهما، لاستحالة تعجيزه سبحانه، والتعجيز عليه(٢) بقطع ما لاوجه للقطع به، فيكون الوقف في ذلك مع تجويز(٣) كل واحد منهما كافيا في اعتقاد الحق الذي لابد منه، وما يصح إنتفاع المنتفع به على وجه لا منع فيه عليه هو المسمى رزقا، وبذلك خرج الحرام عن كونه كذلك، ويعين أنه لا رزق إلا الحلال المطلق الذي به المدح، ولاجتلابه توجه الامر.

والسعر وإن كان عبارة عن تقدير البدل، فقد يختلف بالغلاء تارة، وبالرخص أخرى، فإن كان من قبل الله سبحانه فهما من قبيل اللطف، وعوض آلام الغلاء عليه خاصة، وإن كانا من قبل العباد اما بالاكراه أو بفعل أسبابهما(٤) فعوض ما فيه العوض على من هو بسببه.

____________________

١ - هكذا في " ج " وفي غيرها: وعرضه على فاعله.

٢ - في " أ ": والعجز عليه.

٣ - في " ج ": مع تجوز.

٤ - في " ج ": اما بالاكراه لا بفعل أسبابهما.

٣٨

أما الكلام في ركن النبوة

فإن بعثة الانبياء ممكنة، لكونها مقدورة وحسنة، لاستنادها إلى حكيم منزه عن كل قبيح، لانه لما بعثهم وصدقهم بإظهار المعجزات مع استحالة تصديقه الكذابين، وإظهاره المعجزات لغير التصديق، ثبت القطع على حسنها، وربما كانت واجبة من حيث وجب الاعلام بالمصالح والمفاسد التي لا يمكن العلم بها والاطلاع على ما وجب منها فعلا وتركا إلا ببعثتهم، فيكون الوجه فيها ظاهرا، وهو إرشاد المكلفين إلى ما لا سبيل لهم إلى الاسترشاد إليه إلا بهم.

واللطف في الواجب واجب، كما أنه في الندب ندب، وعصمة الانبياء مطلقة بالنسبة إلى جميع الاوقات، وجميع ما منه العصمة واجبة، لانه لو جاز عليهم شئ من القبائح قدح في أدائهم وتبليغهم المقطوع على صدقهم فيه بظهور المعجز عليهم، فكان لايبقى لاحد طريق إلى العلم بصدقهم الذي لولا القطع عليه تعذر الوثوق بهم، والقبول منهم، وذلك مناف للغرض في بعثتهم الذي منافاته تنافي الحكمة، وتناقضها، فكما وجب تنزيههم عن الكذب في الاداء والتبليغ ليصح الرجوع إليهم والاقتداء بهم، فكذلك وجب تنزيههم عن كل قبيح لا تسكن مع تجويزه النفوس إليهم، لنفورها عنهم.

ولا يثبت ذلك التنزيه التام الذي لايبقى للتنفر معه(١) وجه إلا بعصمتهم على الاطلاق، وهو ما أردناه.وبالعلم المعجز الظاهر على يديهم أو نص صادق يثبت القطع على

____________________

١ - في " أ ": للتنفير معه.

٣٩

صدقهم.

وشرط المعجز في دلالته على التصديق أن يكون متعذرا في جنسه أو صفته المخصوصة، لكونه من فعل الله تعالى، أو جار مجرى فعله(١) ، لان الدعوى عليه، فما تصديها إلا إليه خارقا للعادة الجارية بين المبعوث إليهم، لان المعتاد لا إبانة به ولا دلالة فيه مطابقا لدعوى المدعى على وجه التصديق له، لان المتراخى لا قطع به على ذلك، لتجويز(٢) دخول الحيلة فيه.

فإذا حصل على هذه الشروط دل على صدق من ظهر على يديه، واختص به، وسمي لذلك معجزا، لانه إذا وجب في حكمته سبحانه تصديق المدعى عليه، من حيث كان صادقا عليه في دعواه، وكان غاية تصديقه منه بالقول أن يقول: هذا صادق فيما ادعاه علي، فكذلك إذا فعل له ماذكرناه مما يقوم(٣) في تصديق ادعائه مقام قوله إنه صادق فيه، ولا فرق في ذلك بين القول والفعل القائم في إقامة الحجة به مقامه، كما لا فرق بين أن تكون الدعوى نبوة أو إمامة أو غيرهما من مراتب الصلاح، إذ وجه الحكمة في وجوب تصديق الجميع إذا تعلقت المصلحة به واحد، فتجويزه في موضع والمنع منه في آخر لا وجه له.

ومشاهدة المعجز لمن يشاهده يقتضي علمه به، وإلا فالخبر(٤) المتواتر فيه إذ ذاك يفيد العلم، القطع به مع فقد مشاهدته، ولا يتميز الخبر بكونه متواترا(٥) مفيدا ماذكرناه، إلا بأن يكون على شروطه التي هي كون مخبره في الاصل مشاهدا

____________________

١ - في " أ ": أو جاريا مجرى فعله.

٢ - في " أ ": لتجوز.

٣ - في " ج ": مما يقدم.

٤ - في " أ ": وإلا فالمخبر.

٥ - في " ج ": لكونه متواترا.

٤٠