الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ٢

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 343

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 343
المشاهدات: 202670
تحميل: 6665


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202670 / تحميل: 6665
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التوسّل بنبيّنا الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ممّن توسّل بالرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو نبي الله آدمعليه‌السلام عند اقترافه الخطيئة وقبل خلق نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نصّت عليه جملة من الروايات .

وكذا التوسّل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بعثته ، حيث كانت قريش تفزع إليه وتستغيث به في كل ما يصيبها ، بل اليهود من أهل المدينة وخيبر يتوسّلون بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما كانوا يقاتلون مَن يليهم من مشركي العرب من الأوس والخزرج ، كما في جملة من الروايات .

وكذلك استسقاء عبد المطلب به وهو رضيع ، وكذا توسّل به عمه أبو طالب وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلام ، مضافاً إلى الروايات الكثيرة التي تؤكّد هذا المعنى .

الروايات تصرّح بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الشفيع

فقد وردت عدة روايات تشهد على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الشفيع عند ربّه في الدنيا فضلاً عن الآخرة .

توسّل النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحقّه وحق مَن سبقه من الأنبياءعليهم‌السلام

إنّ النبي نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توسّل بحقّه وحق مَن سبقه من الأنبياء لأجل المغفرة لفاطمة بنت أسد (رضي الله عنها) أُمّ الإمام عليعليه‌السلام .

روايات تؤكّد توسل المسلمين بالنبي بعد وفاته

هنالك روايات عدّة تؤكّد على توسّل المسلمين بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته ، وأنّها كانت سيرة قائمة بين المسلمين ، ولم يعترض أحد على ذلك إلاّ بعد أن جاء ابن تيمية بعقائده المخالفة لجميع المذاهب الإسلامية .

فقد ورد في الروايات تعليم عثمان بن حنيف رجلاً على كيفية التوسّل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته ، وكذا توسّل الأعرابي عند قبر النبي ، واستسقاء آخر عند قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونداؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك الرجل الذي رمى بنفسه على قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب منه الاستغفار ، حيث نودي من القبر : إنّه قد غفر لك .

١٤١

أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بالتوسّل

لقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بالتوسّل به وسؤال الله تعالى بجاههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

استشفاع الدوانيقي برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ورد أنّ مالك أمر المنصور الدوانيقي بالاستشفاع برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عائشة تعلّم المسلمين أن يتوسّلوا بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الفصل الثالث : إبطال دعوى أنّ الشيعة الإمامية يجيزون اللعن

اللعن في القرآن والسنّة

الشبهة

إنّ الشيعة يجيزون اللعن

الجواب :

اللعن في اللغة

اللعن : هو الطرد والإبعاد على سبيل السخط ، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة ، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ، ومن الإنسان دعاء على غيره ، قال تعالى :( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١) .

قال ابن منظور في لسان العرب : ( واللعن الإبعاد والطرد من الخير ، وقيل : الطرد والإبعاد من الله ولعنه يلعنه لعناً : طرده وأبعده وقوله تعالى :( بَل لعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ ) أي : أبعدهم وقوله تعالى :( وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) وقيل : اللاعنون كل مَن آمن بالله من الجن والإنس والملائكة واللعين المطرود ، قال الشماخ :

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذئب كالرجل اللعين

أراد مقام الذئب اللعين الطريد كالرجل وكل مَن لعنه الله فقد أبعده عن رحمته واستحق العذاب فصار هالكاً ، واللعين الشيطان صفة غالبة ؛ لأنّه طرد من السماء ، وقيل : لأنّه أبعد عن رحمة الله قال الجوهري : والرجل اللعين شيء ينصب وسط الزرع تستطرد به الوحوش )(٢) .

ــــــــــــــ

(١) هود : ١٨ .

(٢) لسان العرب ، ابن منظور : ج١٣ ص٣٨٧ ـ ٣٨٩ .

١٤٢

فلسفة اللعن

بالتأمّل في المعنى اللغوي لكلمة اللعن ، نجد أنّ هذا المعنى يكتنز في داخله الكثير من الإيحاءات والمؤثّرات ذات الجنبة الإيجابية التي تضفي في ظلالها على النفس الإنسانية ، ومن أهم أثار اللعن هي :

١ـ يخلق في داخل النفس الإنسانية حالة من النفرة والرفض لأعمال هؤلاء الظلمة ، فإنّه من خلال لعن هؤلاء يستحضر الفرد المؤمن أعمال المجرمين والظالمين ، ومن ثمّ تنفر النفس من أعمال وممارسات هؤلاء

٢ـ إنّ اللعن يساهم في ميل النفس نحو الفضائل والابتعاد عن الشرور والمفاسد ، وذلك من خلال استحضار أعمال الظلمة .

٣ـ إنّ السكوت عن إشاعة أعمال الظلمة ولو في غابر التاريخ يساهم في تشجيع غيرهم من الظالمين في ممارسة ومضاعفة الظلم ، فاللعن يساهم في الحدّ من جرائم الظلمة .

٤ـ إنّ حالة الرفض لأعمال هؤلاء الظلمة ـ من خلال اللعن لهم ـ يعدّ إعلاناً للبراءة والرفض لهم ؛ وذلك لأنّ عدم الإعلان عن حالة الرفض قد يكون في بعض الأحيان رضاً بأعمالهم ، أو على أقل التقادير حالة الحياد بين الحق والباطل ، وهي حالة مرفوضة ؛ لأنّ المؤمن لابد أن يكون موقفه مع الحق دائماً وأبداً دون السكوت ؛ ولذا ذمّ القرآن الكريم اليهود المعاصرين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقتلهم الأنبياء مع أنّهم لم يقتلوا الأنبياء ولم يشتركوا بذلك ، وإنّما ذلك لأجل رضاهم بأعمال أجدادهم( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (١) .

٥ـ يعتبر اللعن لوناً من المبارزة والمخاصمة للظلمة ، فهو يعد من أبرز أدوات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ٩١ .

١٤٣

إذن فلسفة اللعن لأولئك المجرمين والظلمة والفاسقين يحمل في طيّاته البراءة والإنكار لأعمالهم وممارساتهم وإنكارها ورفضها وتقبيحها ؛ ولذا يعد الإنكار ، ولو على مستوى القلب ، والبراءة القلبية هي المرتبة الدنيا من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي يتلوها الإنكار اللساني الذي هو المرتبة الوسطى من مراتبه ، وإنكار المنكر لا يختص بالمنكر الحالي وإنّما يشمل ويعم كل منكر ، سواء كان سابقاً أم حالياً ، ومن أوضح مصاديق إنكار المنكر هو اللعن لأعداء الدين المناوئين ، وعلى هذا الأساس يتوجّب علينا البراءة من جميع أعداء الله على مر العصور والدهور قلباً ولساناً .

فتتلخّص فلسفة اللعن لأعداء الله تعالى في إعلان البراءة منهم ، والتنفّر والابتعاد عن جرائمهم وممارساتهم .

اللعن في لغة العصر الحديث

إنّ معنى اللعن في لغة هذا العصر هو التنديد والشجب والاستنكار لكل الأعمال والممارسات التي يقترفها البعض ظلماً وعدواناً ، وهذه سيرة عقلائية لدى كلّ الناس وعلى مختلف المستويات ، فعندما نجد مظلومية ما في أي بقعة من العالم نلحظ أنّ كل ذوي الضمائر الحيّة يشجبون هذه الحالة ويستنكرونها بشدّة ويعلنون إدانتهم لها ، وهذا المعنى هو عين وحقيقة مؤدّى اللعن .

مَن هو الملعون ؟ ولماذا ؟

لا شك ولا ريب أنّ الملعون هو ذلك الظالم والمجرم الذي اقترف الظلامات بحق المستضعفين والأبرياء .

وأمّا لماذا يلعن ؟

نقول : لما تقدّم من أنّ لعنه يُعّد إظهاراً للبراءة من أعماله وجرائمه وتحذير الناس من التقرّب والالتفاف حول كلّ ظالم ، وكذا يعد لعنه ردعاً لكل مَن يريد أن يقتفي أثره في ظلمه وقمعه للمستضعفين

الموقف الشرعي من اللعن

اللعن في نظر القرآن الكريم

ورد اللعن في القرآن المجيد في ( ٣٨ ) مورداً بصورة صريحة وواضحة ، مشفوعة ببيان الأشخاص المشمولين بهذا اللعن و من جملتها :

١٤٤

١ـ الشياطين .

٢ـ الكافرون .

٣ـ الكاتمون للحقائق .

٤ـ الظالمون .

٥ـ المفسدون في الأرض .

٦ـ الكاذبون على الله .

٧ـ مرتكبو الفحشاء كالزنا و نحوه

وهذهِ لمحة إجمالية لما ذكر :

أوّلاً : لعن الشيطان

فقد لعن القرآن الكريم الشيطان ؛ لتمرّده وتكبّره وعصيانه أوامر الله تعالى ، وقد تمثّل لعنه تعالى للشيطان بطرده من رحمته إلى يوم القيامة ، كما في قوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (١) .

ثانياً : لعن الكافرين

لقد كانت حصّة الكافرين من اللعن نسبة كبيرة من الآيات القرآنية ، نستعرض جملة منها :

١ – قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) (٢) حيث لعن الله الكافرين متوعّداً إيّاهم بالعذاب الشديد .

٢ – قال تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) (٣) وفي هذه الآية صراحة واضحة بتوجيه اللعن للكافرين من بني إسرائيل ، على لسان النبي داود وعيسىعليهما‌السلام .

٣ – قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ

ــــــــــــــ

(١) سورة ص : ٧٨ .

(٢) الأحزاب : ٦٤ .

(٣) المائدة : ٧٨ .

١٤٥

والملائكة وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١) وفي هذه الآية توجيه اللعن لأولئك الذين ماتوا وهم كفّار ، ويكونون بذلك مرمى للعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

٤ – قال تعالى :( فَلَمَّا جَاءهُم ما عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢) وهذه الآية توجّه اللعن للذين كفروا بالحق بعدما جاءهم .

٥ – قال تعالى :( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم من دُونِ اللهِ أَوْثَانًا موَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن ناصِرِينَ ) (٣) وهي دالة على ثبوت لعن الكافرين بعضهم لبعض ؛ إذ إنَّ النبي إبراهيمعليه‌السلام يخاطب الكافرين بأنّكم إذا بقيتم على كفركم وجحودكم فسوف يكون مصيركم النار وفي ذلك اليوم يلعن بعضكم بعضاً .

٦ – قال تعالى :( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (٤) وفي هذه الآية نجد الضالين يتعذبون في النار ويدعون الله بلعن رؤسائهم وكبرائهم لعناً كبيراً .

٧ – قال تعالى :( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ) (٥) فنصيب عاد هو لعنة الله إلى يوم القيامة لكفرهم وطغيانهم .

ــــــــــــــ

(١) البقرة : ١٦١ .

(٢) البقرة : ٨٩ .

(٣) العنكبوت : ٢٥ .

(٤) الأحزاب : ٦٦ ـ ٦٨ .

(٥) هود : ٥٩ ـ ٦٠ .

١٤٦

ثالثاً : لعن أهل الكتاب

وهذه طائفة من الآيات الخاصة بلعن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها :

١ – قال الله عزّ وجل :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً منَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) (١) فقد استحق أهل الكتاب ـ الذين آمنوا بالجبت والطاغوت ، ويقتلون المؤمنين بالله ـ لعنة الله تعالى .

٢ – قال الله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِم ميثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ) (٢) فاللعنة الإلهية متوجّهة لبني إسرائيل لتحريفهم الكلم عن مواضعه .

٣ – قال الله سبحانه وتعالى :( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ) (٣) فاليهود استحقوا لعنة الله تعالى ؛ لكذبهم على الله تعالى بوصفه أنّ يديه مغلولتان وغير قادر على التغيير في الخلق .

٤ – قال عزّ اسمه :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) (٤) وهذه الآية تشير أيضاً إلى توجّه لعن الله واللاعنين لأهل الكتاب الذين يكتمون الحق من الآيات والأدلة لهداية الناس .

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٥١ ـ ٥٢ .

(٢) المائدة : ١٣ .

(٣) المائدة : ٦٤ .

(٤) البقرة : ١٥٩ .

١٤٧

رابعاً : لعن الذين يؤذون الله ورسوله

وهذه طائفة أخرى من الآيات الخاصة بلعن مجموعة من الذين يؤذون الله ورسوله ، منها :

١ – قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مهِينًا ) (١) فكل مَن يؤذي الله ورسوله يتوجّه إليه اللعن الإلهي في الدنيا والآخرة .

٢ – قال تعالى :( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٢) فهذا اللعن للمنافقين الذين آذوا الله ورسوله ، فأصمّهم الله وأعمى أبصارهم .

خامساً : لعن قاتل المؤمن عمداً

١ – قال تعالى :( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (٣) فالشخص القاتل للمؤمن عمداً يكون جزاؤه جهنم ولعناً من الله تعالى .

سادساً : لعن الظالمين

١ – قال تعالى :( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٤) هذا نداء في يوم القيامة أن لعنة الله على الظالمين .

ــــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٥٧ .

(٢) محمد :٢٣ .

(٣) النساء :٩٣ .

(٤) الأعراف :٤٤ .

١٤٨

٢ – قال تعالى :( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١) .

٣ – قال تعالى :( يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٢) .

سابعاً : لعن المفسدين في الأرض

قال تعالى :( وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٣) .

ثامناً : لعن الكاذبين

١ ـ قال تعالى :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٤) .

٢ ـ قال تعالى :( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٥) ففي هذه الآية يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحلف بالله والدعاء باللعن على الكاذبين ، وهذا تعليم إلهي للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام المحاجّة وإثبات الحق .

٣ ـ قال تعالى :( وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) (٦) فجعل اللعن طريقاً لإثبات الحق ، حيث جعل اللعن على الكاذبين .

ــــــــــــــ

(١) هود : ١٨ .

(٢) غافر : ٥٢ .

(٣) الرعد : ٢٥ .

(٤) هود : ١٨ .

(٥) آل عمران : ٦١ .

(٦) النور : ٧ .

١٤٩

تاسعاً : لعن أئمّة الكفر

١ ـ قال تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ) (١) .

عاشراً : اللعن على من يتهم المؤمنات

١ ـ قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

الحادي عشر : الشجرة الملعونة في القرآن

١ ـ قال تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ) (٣) والمقصود من الشجرة ليست هي الشجرة النباتية ، وإنّما هي مجموعة من الناس ينتسبون إلى قبيلة أو أب واحد ، وهي شجرة بني أمية كما ورد في الروايات :

منها : ما أخرجه السيوطي عن ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة وأنزل الله في ذلك :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً للنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) يعني : الحكم وولده )(٤) .

ــــــــــــــ

(١) القصص : ٤١ ـ ٤٢ .

(٢) النور : ٢٣ .

(٣) الإسراء : ٦٠ .

(٤) الدر المنثور ، السيوطي : ج٤ ص١٩١ .

١٥٠

ومنها : ما أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً عن يعلى بن مرة قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أريت بني أمية على منابر الأرض وسيتملكونكم فتجدونهم أرباب سوء واهتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك ، فأنزل الله :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) )(١) .

ومنها : ما أخرجه أيضاً السيوطي عن ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن سعيد بن المسيّب رضي الله عنه ، قال : ( رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : إنّما هي دنيا أعطوها ، فقرت عينه وهي قوله :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً للنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) يعني : بلاء للناس وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنّها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لأبيك وجدك إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن )(٢) .

وعن عمرو بن مرة ، قال : ( جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف كلامه ، فقال : ائذنوا له ، حية ، أو ولد حية ، عليه لعنة الله ، وعلى مَن يخرج من صلبه إلاّ المؤمنون ، وقليل ما هم ليشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة ، وذوو مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق )(٣) .

وعن عبد الله بن الزبير ، أنّه قال وهو على المنبر : ( ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام إنّ الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٤) .

ــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج٤ ص١٩١ .

(٢) المصدر نفسه : ج٤ ص١٩١ .

(٣) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج٦ ص٢٧٢ .

(٤) تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج٥٧ ص٢٧١ .

١٥١

الثاني عشر : لعن المنافقين

قوله تعالى :( لَئِن لمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) (١) .

ومن خلال التأمّل في الآيات الأنفة الذكر ، يتضح أنّ اللعن ـ الذي هو الطرد من رحمة الله تعالى ـ سنّة قرآنية إلهيّة على كل مَن يستحقه ، وهم الظلمة والطواغيت والعصاة لأمر الله تعالى ولو في موارد معينة .

اللعن في السنّة الشريفة

لقد طفحت مصادر المسلمين بالروايات النبوية في صدور اللعن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض الناس ، سواء من الأمم السابقة أم من المسلمين الذين ارتكبوا بعض الذنوب منها :

١ـ الرسول يلعن اليهود

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لعن الله اليهود ، حُرّمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها ) (٢) .

٢ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن مَن يلعن والديه

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لعن الله مَن لعن والديه ) (٣) .

وفي حديث آخر :( لعن الله مَن سبّ والديه ) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٦٠ ـ ٦١ .

(٢) صحيح البخاري ، البخاري : ج٤ ص٤٥ ؛ صحيح مسلم ، مسلم النيسابوري : ج٥ ص٤١ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج١ ص٢٥ .

(٣) صحيح مسلم ، مسلم النيسابوري : ج٦ ص٨٥ ؛ مسند أحمد : ج١ص١٠٨ .

(٤) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج١ ص١٠٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج١٠ ص٢٦٥ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج٢ ص١٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج٤ ص٣٥٦ ، وغيرها .

١٥٢

٣ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن السارق

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ) (١) .

٤ـ الرسول يلعن الراشي والمرتشي في الحكم

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لعن الله الراشي والمرتشي ) (٢) .

٥ـ الرسول يلعن الخمر وشاربها

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه ) (٣) .

٦ـ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن بعض الأفراد

وعن أبي هريرة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( لعن الله سبعة من خلقه فرَدَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كل واحد ثلاث مرات ، ثم قال :ملعون ملعون مَن عمل عمل قوم لوط ، ملعون من جمع بين المرأة وابنتها ، ملعون مَن سبّ شيئاً من والديه ، ملعون من أتى شيئاً من البهائم ، ملعون من غيّر حدود الأرض ) (٤) .

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج٨ ص١٥ ؛ صحيح مسلم ، مسلم : ج٥ ص١١٣ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٢ ص٢٥٣ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج٨ ص٢٥٣ ؛ صحيح ابن حبان : ج١٣ ص٥٨ ، وغيرها .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٢ ص٣٨٨ ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج١١ ص٤٦٧ ؛ المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني : ج٨ ص١٤٨ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج٢٣ ص٣٩٨ ، وغيرها .

(٣) سنن أبي داود ، أبو داود السجستاني : ج٢ ص١٨٣ .

(٤) المستدرك ، الحاكم : ج٤ ص٣٥٦ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج٨ ص٢٣٤ ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج٣ ص١٠١ .

١٥٣

٧ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن مَن مثّل بالحيوان

عن ابن عمر قال : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :لعن الله مَن مثّل بالحيوان )(١) .

٨ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن بعض آخر

أخرج أحمد في مسنده عن سالم ، عن أبيه ، قال (سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : اللّهمّ العن فلاناً اللّهمّ العن الحرث بن هشام اللّهمّ العن سهيل بن عمرو اللّهمّ العن صفوان بن أمية )(٢) .

وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمير ، قال : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أُحد :اللّهمّ العن أبا سفيان اللّهم العن الحرث بن هشام اللّهمّ العن سهيل بن عمرو اللّهمّ العن صفوان بن أمية )(٣) .

هذه وغيرها من الأحاديث الشريفة تكشف عن جواز اللعن على الأقل لطائفة أو أفراد معيّنين من مرتكبي الذنوب .

٩ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن الكاذب

أخرج المباركفوري عن سعد بن أبي وقاص قوله : ( لمّا نزلت آية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى

ــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج٦ ص٢٢٨ ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج٣ ص٧٢ ؛ صحيح ابن حبان ، ابن حبان : ج١٢ ص٤٣٤ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج٩ ص٨٧ ، وغيرها .

(٢) مسند احمد ، أحمد بن حنبل : ج٢ ص٩٣ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج٢ ص٧١ .

١٥٤

الْكَاذِبِينَ ) (١) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : ( اللّهمّ هؤلاء أهلي ، ثم( فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) أي نتضرّع في الدعاء [وإلى الله] فنقول : اللّهمّ العن الكاذب في شأن عيسى )(٢) .

١٠ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن عمرو بن العاص

إنّ عمرو بن العاص هجا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتسعين قافية ، وفي رواية أخرى بسبعين بيتاً ، من الشعر ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي لا أحسن الشعر ولكن ألعن عمرو بن العاص بكل قافية لعنة ) (٣) .

١١ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعن الراكب والقائد والسائق

وأخرج صاحب جواهر المطالب أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ذات يومٍ أنّ معاوية يقود أباه وهو على جمل ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اللّهمّ العن الراكب والقائد والسائق ) (٤) .

إذن عندما نطالع الآيات القرآنية والسنّة النبوية التي تعرّضت لذكر اللعن والطوائف أو الأشخاص الذين يحملون صفات تجعلهم من عداد المستحقين للّعن ؛ نجد أنّ آيات القرآن الكريم صريحة بهذه الحقيقة ، فهناك ما يقرب من ثمانية وثلاثين مورداً جاء فيه مادة اللعن ، مضافاً إلى أضعاف هذا العدد في السنّة النبوية ، وكلها جاءت مشفوعة بالأسباب التي أدّت إلى توجّه اللعن إليهم .

وعند التأمّل في ما سلف من الآيات والروايات الواردة في اللعن ، نلمس أنّها في صدد تذكيرنا بضرورة التنفّر من أعمال الظلمة والفاسقين والعصاة ، وإدانة أعمالهم واستهجانها ، ومن هنا نجد أنّ القرآن الكريم عندما يستعرض قصص الأقوام السابقة وما جرى عليها نتيجة اقترافهم للذنوب والمعاصي ونحوها من الحوادث التاريخية يؤكّد أخذ العبرة والاعتبار والموعظة ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) ، فالقرآن ليس كتاباً قصصياً يستعرض الأحداث التاريخية للتسلية ونحوها

هل يجب لعن أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ؟

وفي هذا المقام تحتشد الأدلة الكثيرة لإثبات أنّ أعداء أهل البيت من أبرز المستحقين للّعن ،

ــــــــــــــ

(١) آل عمران : ٦١ .

(٢) انظر : تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ج٨ ص٢٧٨ ؛ تفسير الجلالين ، جلال الدين السيوطي : ص٧٤ .

(٣) انظر : تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج٢٥ ص١٧٨ ؛ والمحصول ، للرازي : ج٤ ص٤٨٩ .

(٤) انظر : المحصول ، للرازي : ج٤ ص٤٨٩ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج٦ ص٢٨٩ ؛ وجواهر المطالب ، ابن الدمشقي : ج٢ ص٢٢٧ .

١٥٥

وسوف نقتصر على بعض الأدلة :

الدليل الأوّل : إيذاء أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيذاء له ولله تعالى

لا ريب أنّ الإيذاء المتوجّه إلى أهل البيت هو إيذاء لله تعالى ورسوله ، وهذا ما يكشف النقاب عنه القرآن نفسه والنصوص النبوية الشريفة التي جاءت مشفوعة ببيان مقامهم السامي عند الله تعالى ورسوله ، فالقرآن الكريم كشف عن مقام أهل البيت في آيات عديدة كآية التطهير وذوي القربى وآية المباهلة وآية الإطعام وآية الولاية ونحوها .

وهذه الآيات الشريفة تبيّن مقامهم السامي عند الله تعالى وأنّهم العباد الصالحون المعصومون المكرّمون فضلاً عمّا ورد في أنّ إيذاء فاطمةعليها‌السلام يكون إيذاءً لله ورسوله ، وأنّ الله تعالى يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( اشتدّ غضب الله على مَن آذاني في عترتي ) (٢) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( مَن آذى عليّاً فقد آذاني ) (٣) ونحوها ، وليس ذلك إلاّ لأنّهمعليهم‌السلام نفس الرسول وعترته وأهل بيته ، الذين طالما نجد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحث الأُمّة على التمسّك(٤) بهم ، وأنّهم أمان للأُمّة(٥) ، وأنّ رَحمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موصولة في الدنيا والآخرة بهم ، فضلاً عن بياناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحث على حبهم ومودتهم ، وأنها فرض أوجبه الله تعالى على الأمة ، والتحذير من بغضهم وعداوتهم وأنّه لا يبغضهم إلاّ منافق(٦) وغيرها ، فإن كل ذلك يكشف عن أنّ إيذاءهم إيذاءً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ــــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، السيوطي : ج١ ص١٠٨ ؛ ذخائر العقبى ، أحمد الطبري : ص٣٩ .

(٢) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج١ ص٦٥٩ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٣ ص٤٨٤ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج٦ ص٢٤ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج٢ ص١٤٧ ؛ التاريخ الكبير ، البخاري : ج٦ ص٣٠٧ ، وغيرها .

(٤) راجع مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج٣ ص٤٨٣ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص٦٥ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٩ ص١٢٩ ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص١٢٢ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج٢ ص١٤٥ ؛ الإصابة ، ابن حجر : ج٤ ص٥٣٤ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج٥ ص١٢٨ .

(٥) انظر : ذخائر العقبى ، الطبري : ص١٧ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٤٢٦ ؛ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج٤٢ ص٣٩٧ ؛ سبل الهدى والرشاد ، الصالحي الشامي : ج١١ ص٧ ، وغيرها .

(٦) انظر : ذخائر العقبى ، الطبري : ص١٨ وص٤٤ وص٩١ ؛ نيل الأوطار ، الشوكاني : ج٧ ص١١٣ ، وغيرها .

١٥٦

وإذا اتضح أنّ إيذاء أهل البيتعليهم‌السلام هو إيذاء الله ورسوله ، فالنتيجة التي تترتّب على ذلك هو استحقاق مؤذي أهل البيتعليهم‌السلام اللعن بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِيناً ) (١) .

إذن هذا دليل قرآني على جواز ، بل وجوب اللعن ، لمَن آذى أهل البيتعليهم‌السلام .

الدليل الثاني : ضرورة لعن أعداء أهل البيتعليهم‌السلام

ويتشكّل هذا الدليل من مقدّمتين :

المقدّمة الأُولى : إنّ المودة لهمعليهم‌السلام واجبة وفرض أوجبه الله تعالى بمقتضى قوله عزّ وجلّ :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

ولا شك أنّ المودة والحب لا يتحقق إلاّ ببغض أعدائهم ؛ لأنّ الحب والبغض القائمين على أساس العقيدة والمبدأ متضادان ، لا يمكن اجتماعهما في محل واحد كالحار والبارد ، وكلّما اقتربت من أحدهما يكون ابتعاد عن الآخر ، فلا يمكن أن يتحقق الحب الحقيقي لأهل البيتعليهم‌السلام والمودة لهم إلاّ بالبغض لأعدائهم والابتعاد عنهم ؛ لأنّ المحبة الكاملة والمودة الواجبة لا تتحقق إلاّ بالنفرة والبغض للضد وبنفس الدرجة ، وإلاّ فحب الآخر ولو بدرجة ضئيلة يساوي بغض الأوّل بنفس الدرجة ، كما قال تعالى :( مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) .

المقدمة الثانية : تقدم أنّ اللعن يحمل في طيّاته معنى الإنكار والتقبيح لأعمال وأفعال وممارسات الشخص الذي يتوجّه اللعنّ إليه .

النتيجة

يتحصل من هاتين المقدمتين جواز اللعن ، بل وجوب لعن ظالمي أهل البيتعليهم‌السلام من أعدائهم ومبغضيهم ؛ لأنّ المودة الواجبة لا تتحقق إلاّ بالنفرة من أعدائهم وشجب أعمالهم وإدانتها ، وهو معنى اللعن .

وهنا يتبين أنّ اللعن ليس جائزاً مطلقاً لكل أحد ومن دون سبب ، وإنّما هو لأعداء الله الذين لعنهم الله تعالى أولاً ورسوله ثانياً .

ــــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٥٧ .

(٢) الشورى : ٢٣ .

١٥٧

الفصل الرابع : إبطال دعوى أنّ الشيعة تقول بتحريف القرآن الكريم

التحريف

الشبهة

إن الشيعة تقول بتحريف القرآن .

الجواب :

التحريف لغةً

التحريف : هو ميل الكلمة عن معناها .

قال ابن منظور : ( وتحريف الكلم عن مواضعه : تغييره ، والتحريف في القرآن والكلمة : تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه ، كما كانت اليهود تغيّر معاني التوراة بالأشباه ، فوصفهم الله بفعلهم ، فقال تعالى :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن موَاضِعِهِ ) ، وقوله في حديث أبي هريرة : ( آمنت بمحرف القلوب ، هو المزيل أي مميلها ومزيغها وهو الله تعالى ) )(١) .

وقال الزبيدي في تاج العروس : ( ( والتحريف التغيير ) والتبديل ومنه قوله تعالى :( ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) وقوله تعالى أيضاً :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) وهو في القرآن والكلمة تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه )(٢) .

أمّا أحمد بن فارس فقد ذكر في مادة ( حرف ) : ( يقال : انحرف عنه ينحرف انحرافاً ، وحرفته أنا عنه ، أي : عدلت به عنه ؛ ولذلك يقال : محارف ، وذلك إذا حورف كسبه ، فيميل به عنه ؛ وذلك كتحريف الكلام وهو عدله عن جهته ، قال الله تعالى :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) )(٣) .

وبهذا يتضح أنّ اللغويين يفسّرون ويعرّفون التحريف بالميل وتغيير الكلمة عن معناها .

ــــــــــــــ

(١) لسان العرب ، ابن منظور : ج٩ ص٤٣ .

(٢) تاج العروس ، الزبيدي : ج٦ ص٦٩ .

(٣) معجم المقابيس في اللغة ، أحمد بن فارس : ص٢٥٥ ، دار الفكر – بيروت .

١٥٨

التحريف اصطلاحاً

ينقسم التحريف اصطلاحاً إلى قسمين رئيسين :

١ـ التحريف المعنوي .

٢ـ التحريف اللفظي .

وأمّا التحريف المعنوي فالمراد منه : هو التحليل والاستنتاج الخاطئ والتبرير لكلام معيّن بما يخالف المقصود الحقيقي للمتكلّم ، وهذا المعنى من التحريف لا يمكن إنكار حصوله في القرآن الكريم ، ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله ، فإنّ أهل البدع والمذاهب الفاسدة خير مثال وشاهد لوقوع مثل هذا النوع من التحريف المعنوي في القرآن الكريم ، لتأويلهم آياته الكريمة على آرائهم وأهوائهم

وقد ذكر القرآن الكريم نفسه هذا اللون من التحريف كما في قوله تعالى :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (١) وكذا قوله تعالى :( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ منْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

فهو تحريف للمعنى الذي يتناسب مع مصالحهم ومنافعهم بعدما علموا أنّ المعنى الحقيقي على خلاف ما يروق لهم .

ــــــــــــــ

(١) النساء : ٤٦ .

(٢) البقرة : ٧٥ .

١٥٩

وقال الزمخشري : (( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن موَاضِعِهِ ) يميلونه عنه ؛ لأنّهم إذا أبدلوه ووضعوا مكانه كلماً غيره ، فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعها الله فيها وأزالوه عنها )(١) .

وقال محمد عبده : ( من التحريف تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وُضع له وهو المتبادر ؛ لأنّه هو الذي حملهم على مجاحدة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار نبوّته ولا يزالون يؤوّلون البشارات إلى اليوم )(٢) .

إذن هذا النوع من التحريف ليس محلاً للنـزاع ولا خلاف بين المسلمين في وقوعه .

وأمّا المراد من التحريف اللفظي : وهو محل النـزاع ، حيث يُتهم الشيعة بالقول بأنّ هذا المصحف الذي بأيدينا ناقص ولا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الزيادة فقد أُجمع على بطلانها .

إلاّ أنّه عند التأمّل نجد أنّ هذه التهمة مجرّد كلام لا واقع له وأنّ صيانة القرآن وعدم تحريفه من ضروريات المذهب الشيعي .

أدلة الشيعة على عدم التحريف

هناك عدّة أدلّة تثبت سلامة القرآن من التحريف ، قرآنية وروائية وعقلية .

ــــــــــــــ

(١) تفسير الكشاف ، الزمخشري : ج١ص٥١٦ .

(٢) تفسير المنار ، محمد رشيد رضا : ج٥ ص١٤٠ .

١٦٠