حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)28%

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 279

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158653 / تحميل: 8667
الحجم الحجم الحجم
حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[وأفضل عترته] أولهم [حيازةً للمكارم وهم] أهل العباء المطهّرون من أنجاس الأرجاس، المبرّؤون من أوزار الميل إلى الدنيا والأدناس (1) المفضّلون على خيار الثقلين الجن والإنس (2) [وهم]: علي أمير المؤمنين ممهّد قواعد الإمامة، حامل لواء الحمد يوم القيامة، كاسف النير الأعظم الزاهر الجلي بباهر نوره وبهائه، وكاشف الحلي بهمّته العالية ولطف تدبيره ويمن آرائه، خضم الجود والسخاء ولهم الأمام حالتي العسر والرخاء (3) الإمام الذي هو في ظلم الجهالة والضلالة نبراس، وفي لجم المبارزة والطعان هرماس خناس (4) ولمدائن العلوم والحكم اليقينية فضائله أساس (5) وما في قربه من رسول الله ومفاخره التي لا يحيط بها وهم وحد وقياس، عند ذي رأى ودين شبهة وشك وريبة والتباس.

وزوجه الزهراء البتول قرّة عين الرسول، وولداه السبطان سيّدا شباب أهل الجنّة الحسنان.

ثم العترة الطاهرة النقيّة، والأُسرة العلية العلوية؛ وآخرهم المهدي، خلاصة الماء والطين وموقف خلق الرحمان علي أسرار الدين الإمام الذي هو من العلم بطينٌ، ومن صيت معاليه في أذن الملك والملكوت طنينٌ (6) حجة الله تعالى على البرية، الطاهرة الشريفة الزكية نفسه من كل رذيلة ودنية، والمتحلّية ذاته بكل فضيلة جليلة، ومنقبة سنيّة يسعى لمزيد المراد من التكوين والخلق، والمقصود من الإيجاد والإبداع بالحق، صلوات الله سبحانه على محمد وآله، خصوصاً على المهدي القائم وذوى قرابة وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحابته ما تصلصلت على دوحات الحمى الحمام الودق، وتسلسلت من نسمات العشا الحمام الزرق، ما يزوى بأزهار الضايعة روائحها (7) وتردى على الأقمار الطالعة لوائحها، من طرائف النكت الغريبة، ولطائف النتف العجيبة، وزواهر المآثر المنيفة، وصفايا المزايا الشريفة.

ومن أين للشمس المنيرة مالها؟! وهيهات [من] أن ينال أحد منالها! أو

____________________

(1) والأدنى (خ ل).

(2) وفي نسخة طهران: (والناس...).

(3) كذا في الأصل.

(4) وفي نسخة طهران: وفي قحم المبارزة والطعان هرماس خباس...

(5) هذا هو الظاهر، وفي بعض النسخ: فواضله...

(6) وفي نسخة طهران: (في آذان الملك والملكوت...).

(7) وفي نسخة طهران: (ما يزري بأزهار الصابغة...).

٢١

يطمع وهم في أن يتصوّر مثالها، أو يطالع حسّ أو نفس جمالها وكمالها؟!

وجعلت هذا المجموع مشتملاً على أبواب محدود (1) على اثني عشر في مثلها عدتها. وجمعتها لنفسي المذنبة، يوم تبلى السرائر، وتتلى الصحائف عن كل محذور وقايتها، وعن المخاوف عدتها.

[والكتاب منقسم على سمطين، و] يتضمّن (السمط الأوّل منه) اثنين وسبعين باباً في فضائل أمير المؤمنين علي [بن أبي طالب] أبي الأولياء وباب مدينة العلم.

ويحتوي (السمط الآخر) على اثنين وسبعين باباً في مناقب أهل البيت الطاهرين، ومعادن الصدق، ومنابع الكرم والحلم.

وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل سعيي في نظم هذه الدرر، وجمع هذه الغرر خالصاً لوجهه الكريم، وينفعني بها وسائر إخواني وأصحابي بمنّه العظيم، ولطفه العميم، ويثبت ببركتهم لساني بالقول الثابت عند تزلزل الكلام، وقدمي على الصراط بمحبّتهم يوم تزول [فيه] الأقدام، ويدخلني والمسلمين جميعاً بولايتهم دار السلام، إنّه غاية المرام، وهو سبحانه ولي الفضل والإنعام، فمنه كل خير وهو القادر عليه، والاستعانة منه والمصير إليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

____________________

(1) وفي نسخة: (على أبواب مجذور). وفي نسخة طهران: (على أبواب محدود)؟

٢٢

السمط الأوّل

[وهو] محتوٍ على فاتحة وخاتمة واثنين وسبعين باباً.

فالفاتحة في بيان أنّ الصلاة على النبي محمد وآله أشرف الأعمال، وأكملها نصاباً، وأفضل الطاعات، وأجزلها ثواباً، وأسرعها قبولاً، وأشدّها استحباباً، وأسدّها منهجاً، وأسرعها إلى الإجابة باباً، وملك السعادة الأبدية لصاحبها المواظب عليها مسلّم، وهي للخلاص من الدركات سبب ومكفأة، وإلى درك الدرجات العالية مرقاة وسلّم (1) .

والأبواب كلّها في ذكر مناقب الإمام الذي هو لمدينة العلم باب، وبتفضيله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، أبي الحسن والحسين وارث الرسل ومولى الثقلين.

أخو خاتم الرسل الكرام محمّد

رسول إله العالمين مطهّر

علي وصيّ المصطفى ووزيره

أبو السادة الغرّ البهاليل حيدر

والخاتمة في كلمات مرويّة عن عالي جنابه، وفوائد مأثورة عن حضرته، وزواهر جواهر مستخرجة من عبابه، على محمد وعليه الصلاة والسلام، ما حنّ صاحب شوق، وصاحت ذات طوق، وطما طيار (2) وجنّ ليل وسال سيل.

____________________

(1) قال ابن عساكر في ترجمة عبد الجبار بن أبي الشجاع تحت الرقم (585) من معجم الشيوخ: أخبرنا عبد الجبار ابن أبي شجاع بن عبد الجبار أبو خلف الرازي الشافعي المتكلّم بقراءتي عليه بالرّي أنبأنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الخبازي الحافظ، أنبأنا أبو علي الحافظ وأبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن الفضل المقري وغيرهم قالوا: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي حدثنا عبادين الوليد البصري حدثنا أبو بلال الأشعري حدثنا مندل بن علي العنزي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلت بن زفر: عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من عبدٍ صلّى عليّ وعلى أهل بيتي إلاّ حشره الله تعالى معنا غداً يوم القيامة .

(2) وفي نسخة طهران: (وطما طيار، وجنّ ليل ووضح نهار...).

٢٣

[وأمّا] الفاتحة

[فهي] فاتحة فتوح فائحة الأزهار، وسانحة وضوح سائجة الأنهار: 1 - أخبرنا العدل عِزّ الدين محمد بن علي بن أبي البدر البغدادي رحمه الله (بقراءتي عليه) بمنزل (زرود) - منصرفنا من حجّ بيت الله الحرام زيد شرفاً وقدساً، بكرة يوم الجمعة الثامن عشر من شهر الله الحرام ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة - قلت له: أخبرك الشيخ عبد اللطيف بن محمد بن علي بن حمزة بن قايس (1) القبيطي أبو طالب بسماعك عليه بقراءة الحافظ محمد بن النجار في شعبان سنة خمس وثلاثين وستمائة بالمستنجدية؟ فأقرّ به (2) قال: أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، قال أنبأنا أبو محمد عبد الرحمان بن أحمد الدوني عن القاضي أبي نصر الكسار، عن أبي بكر أحمد بن محمد السني عن الإمام أبي عبد الرحمان أحمد بن شعيب النسائي: قال: أنبأنا إسحاق بن منصور، قال: أنبأنا محمد بن يوسف قال: أنبأنا يونس بن أبي إسحاق: عن بريد (3) بن أبي مريم، عن أنس بن مالك قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَن صلّى عليّ (صلاة) واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات (4) وحُطّت عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات .

____________________

(1) وفي نسخة السماوي وطهران: (فارس القبيطي).

(2) كذا في الأصل، وفي نسخة طهران: (بالمستنصرية، فأقرّ به، قال: أخبرنا أبو زرعة...).

(3) هذا هو الصواب الموافق لما في باب الفضل في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من سنن النسائي: ج 3 ص 50. وفي الأصل: يزيد...

(4) إلى هنا رواه مسلم في باب (الصلاة بعد التشهّد) من كتاب الصلاة من صحيحه: ج 2 ص 17، عن يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، قالوا: حدثنا إسماعيل - وهو ابن جعفر - عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة: أنّ رسول الله...

٢٤

2 - وبالإسناد [المتقدّم] إلى أبي عبد الرحمان النسائي قال: أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في حديثه عن أبيه عن عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة، قال: سألت زيد بن خارجة (1) قال: أنا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد (2) .

____________________

(1) من قوله: (عن موسى بن طلحة - إلى قوله: - خارجة) كان قد حذف من الأصل وكان فيه أيضاً تصحيفات أكملناه وصحّحناه من سنن النسائي: ج 3 ص 49 - 50.

(2) ورواه أيضاً في ترجمة عبيد بن أبيه تحت الرقم: (6000) من تاريخ بغداد: ج 8 ص 381، وعنه في فضائل الخمسة: ج 1، ص 139.

٢٥

فضيلة

ما خُصّ بها أحد من الأنبياء، ومنقبة جاوزت حدّ العدّ، والإحصاء.

3 - أخبرنا الشيخ الإمام المفتي في حرم الله تعالى محب الدين أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الطبري المكي - بقراءتي (عليه) بمكة المعظّمة بالحرم الشريف تجاه الكعبة المقدّسة زيدت قدساً، قدام قبّة الصخرة زيدت شرفاً، يوم السبت بعد صلاة العصر الرابع عشر من شهر الله الحرام ذي الحجّة سنة تسع وسبعين وستمائة - وعدهنّ في يدي، قال: أنبأنا قاضي الحرم الشريف إسحاق بن أبي بكر الطبري وعدهن في يدي قال: أنبأنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلي وعدهن في يدي، قال: أنبأنا الشيخ أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي وعدهن في يدي، قال: أنبأنا جدّي وعدهن في يدي قال: أنبأنا الشيخ أبو بكر بن خلف وعدهن في يدي قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله (1) ابن محمد بن حمدويه بن نعيم الحاكم، وعدهن في يدي، وقال عدهن في يدي أبو بكر بن أبي حازم الحافظ بالكوفة وقال لي: عدهن في يدي حرب بن الحسن الطحان (2) وقال لي: عدهن في يدي يحيى بن المساور الحناط، وقال لي: عدهن في يدي عمرو بن خالد، وقال لي: عدهن في يدي، زيد بن علي بن الحسين وقال لي: عدهن في يدي علي بن الحسين، وقال لي: عدهن في يدي أبي الحسين بن علي وقال لي عدهنّ في يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، عدّهنّ في يدي جبرئيل عليه السلام، وقال لي جبرئيل هكذا نزلت بهنّ من عند ربّ العالمين:

____________________

(1) وهو الحاكم النيسابوري والحديث رواه في كتاب معرفة علوم الحديث ص 32 ط 1، ورواه عنه في كنز العمّال: ج 1، ص 21 ط 1، ورواه أيضاً في ذيل إحقاق الحق ج 9 ص 569 كما رواه عنه أيضاً في فضائل الخمسة: ج 1، ص 215.

(2) وفي نسخة طهران: (حارث بن الحسن الطحان).

٢٦

اللّهمّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمد وآلِ محمّد كما باركت على إبراهيم وآلِ إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ ترحّم على محمدٍ وآل محمد، كما ترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ تحنّن على محمد وآل محمد، كما تحنّنت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ وسلّم على محمدٍ وعلى آل محمد كما سلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد (1) .

____________________

(1) والحديث رواه في سند زيد كما في شرحه الروض النضير: ج 5 ص 461، ورواه أيضاً ابن الجوزي في الحديث: (16) من كتاب المسلسلات من نسخة قيمة عليها توقيعة.

٢٧

فضيلة

منجحة لذوي الرجاء، منجحة للدعاء، رافعة إلى السماء، وهي: أنّ الصلاة على النبي والآل وسيلة إلى إجابة السؤال ووصلة لإصابة الآمال: 6 - أخبرنا الشيخ الإمام جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد - (و) عرف بمذكويه القزويني بقراءتي عليه بها في الخانقاه المكي الإمامي رحمة الله [على] بانيه ضحوة يوم الأحد الثاني من شهر ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة - قلت له: أخبرك الشيخ ضياء الدين عبد الوهاب بن علي بن علي المعروف بابن سكينة إجازة؟ قال: نعم قال: أنبأنا الشيخ الإمام جمال السنة أبو عبد الله محمد بن حمويه الجويني قدّس الله روحه إجازة؛ قال: انبأنا إسماعيل بن عبد الغافر، قال أنبأنا السيد أبو المعالي إسماعيل بن الحسن الحسيني قال: أنبأنا الشيخ أبو سعد أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الكوفي قال: أنبأنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام قال: أنبأنا أبي عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَن صلّى على محمّدٍ وعلى آل محمّدٍ مئة مرّة قضى الله تعالى له مئة حاجة (1) .

____________________

(1) وفي الحديث الأوّل من المئة الشريحية الموجودة في المجموعة (314) من المكتبة الظاهرية مسنداً عن علي عن النبي صلّى الله عليهما وعلى آلهما: ما من دعاء إلاّ بينه وبين السماء حجاب حتى يصلّى على محمد وعلى آله، فإذا صلّى على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انخرق الحجاب واستجيب الدعاء، وإذا لم يصلّ على النبي صلّى الله عليه لم يستجب الدعاء .

٢٨

فضيلة

ما حظي بها أحد من الأنبياء ومنقبة تستصغر في جنبها جميع الأشياء: 7 - أنبأنا الإمام نجم الدين عثمان بن الموفق، والشيخ مجد الدين عبد الله بن محمود رحمهم الله قالا: أنبأنا الشيخ السند رضي الدين المؤيد بن محمد بن علي إجازة؛ قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي إجازة قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (1) ، أنبأنا أبو بكر ابن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، أنبأنا أبو بكر النيسابوري، أنبأنا أبو الأزهر، أنبأنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، أنبأنا أبي عن ابن إسحاق قال: وحدثني في الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - إذا المرء المسلم صلّى عليه في صلاته - محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري أخي بلحارث الخزرجي: عن أبي مسعود الأنصاري عقبة بن عمرو قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن عنده فقال يا رسول الله: أمّا السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا في صلواتنا؟ قال: فصمت رسول الله صلّى الله عليه وآله حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال: إذا صلّيتم عليّ فقولوا: اللّهمّ صلِّ على محمد النبي الأُمّي وعلى آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأُمّي وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد .

قال علي (بن عمر الحافظ) هذا الإسناد حسن متصل.

8 - وبهذا الإسناد إلى الإمام أبي بكر أحمد البيهقي الحافظ قال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، أنبأنا

____________________

(1) رواه في السنن الكبرى ج 2 ص 378. وللحديث طرق ومصادر كثيرة جداً تجدها في باب كيفية الصلاة على النبي من كتاب الصلاة من الجوامع الحديثية كمصنف ابن أبي شيبة، ومسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 268، وسنن البيهقي والدار قطني، وغيرها من الجوامع، وسنألّف في ذلك رسالة بعون الله تعالى.

٢٩

يحيى بن بكير، أنبأنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يحيى ابن السياق عن رجل من بني الحارث: عن ابن مسعود عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: إذا تشهّد أحدكم في الصلاة، فليقل اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، وبارك على محمد وعلى آلِ محمد، وترحّم على محمد وعلى آلِ محمد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنّك حميد مجيد .

٣٠

فضيلة

أخرى في معناها جارية مجراها

منجحة لذوي الرجاء، منجحة للدعاء رافعة إلى السماء وهي أنّ الصلاة على النبي والآل وسيلة إلى إجابة السؤال وصلة لإصابة الآمال.

9 - أخبرني الشيخ الإمام مجد الدين أبو الفضل عبد الله بن محمود بن مودود بقراءتي عليه ببغداد، بالرباء الصالحي العلائي (1) بالمأمونية شرقيّ دجلة يوم (2) الثلاثاء الثامن [من شهر] شعبان سنة إحدى وسبعين وستمائة، قال: أنبأنا والدي الشيخ الإمام شهاب الدين محمود إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أنبأنا الشيخ الإمام محمد بن إسماعيل بن علي بن أبي الصيف (3) اليماني في منارة الحرم الشريف زاده الله تعالى تشريفاً وتعظيماً في ذي الحجّة سنة ست وسبعين وخمسمائة (4) قال: أنبأنا الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب بن علي القرطبي بقراءتي عليه قال: أنبأنا الشيخ الإمام أبو القاسم خلف بن عبد الملك الأنصاري، قال: أنبأنا أبو محمد بن عناب - ومن أصله نقلته - قال: أنبأنا أبو حفص عمر بن عبيد الله الذهلي قال: أنبأنا القاضي أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن قطيس (5) قال: أنبأنا (6) أبو محمد عبد الله بن إسماعيل بن حرب، قال: أنبأنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن حيوية، قال: حدّثنا أبو بكر (البزّار) أحمد بن عمرو

____________________

(1) في الرباط الصاحبي العلائي (خ ل).

(2) وبعده كان في الأصل المطبوع: (وخمسمئة). ولم يحضرني الآن شيء من الأصول المخطوطة كي ألاحظها، والظاهر من السياق أنّه لم يحذف ها هنا شيء وأنّ لفظ (خمسمئة) زائد.

(3) وفي المحكي عن نسخة السماوي: أبي الضيف.

(4) وفي المحكي عن نسخة السماوي: ستمئة...

(5) وفي المحكي عن نسخة السماوي: فطيس...

(6) وفي المحكي عن نسخة السماوي: حدثنا.

٣١

البصري قال: أنبأنا زياد بن يحيى قال: أنبأنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، قال: أنبأنا هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين: عن عبد الرحمان بن بشر بن مسعود: عن أبي مسعود، قال: لما نزلت هذه الآية ( إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً ) [33 - الأحزاب: 56] قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة [عليك] فقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: (قولوا اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على [إبراهيم وعلى] آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) .

قال أبو بكر [البزّار]: وهذا الحديث رواه أيّوب عن عبد الوهاب، عن هشام، عن ابن سيرين عن عبد الرحمان بن بشر بن مسعود (1) مرسلاً. ولم يقل (عن أبي مسود) إلاّ عبد الوهاب عن هشام.

وبالإسناد [المتقدّم] إلى أبي القاسم خلف الأنصاري، قال: وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمان بن محمد - فيما قرئ عليه وأنا أسمع - قال: قرئ على أبي وأنا أسمع، قال: أنبأنا خلف بن يحيى، أنبأنا عبد الله بن يوسف بن وضاح، أنبأنا ابن أبي شيبة، قال: أنبأنا هشيم، قال: أنبأنا يزيد بن أبي زياد، قال: أنبأنا عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة، قال: لمّا نزلت هذه الآية ( إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ ) الآية، قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد (2) .

قال يزيد: [و] كان عبد الرّحمان بن أبي ليلى يقول: وعلينا معهم.

____________________

(1) وفي المحكي عن نسخة السماوي (بشير بن مسعود).

(2) ورواه أيضاً البخاري في آخر باب: (يزفون النسلان في المشي) من كتاب بدء الخلق من صحيحه: ج 4 ص 178 قال: حدثنا قيس بن حفص وموسى بن إسماعيل، قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو قرة مسلم بن سالم الهمداني قال: حدثني عبد الله بن عيسى [أنّه] سمع عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلت: بل فاهدها لي. فقال سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ الله قد علّمنا كيف نسلّم عليكم. قال: قولوا: اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد .

٣٢

أخبرنا بقيّة المشيخة مسند الشام شرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي بقراءتي عليه بها أو بسماعي، قيل له: أخبرك الإمام رضي الدين المؤيد ابن علي المقري الطوسي كتابة، قال: أنبأنا جدّي لأُمّي أبو العباس محمد بن محمد بن العباس العصاري الطوسي، المعروف بعباسة، سماعاً عليه، قال: أنبأنا القاضي أبو سعيد الفرّخزادي قال: أنبأنا الأستاذ الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبيّ قال: أنبأنا أبو منصور الحمشاوي (1) أخبرني أبو منصور أحمد بن الحسين بن أحمد، أنبأنا أبو العباس محمد بن همام، أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن زرين، أنبأنا حسّان - يعني ابن حسان - أنبأنا حمّاد بن سلمة، عن أحمد بن حميد الطويل: عن علي بن زيد بن جدعان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال لفاطمة عليها السلام: آتيني بزوجك وابنيك [قالت:] فجاءت بهم وألقى عليهم كساءً ثم رفع يده عنهم، وقال: اللّهمّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنّك حميد مجيد .

قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فاجتذبه وقال: إنّك على خير .

12 - أخبرني العلاّمة نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني وغيره - رحمهم الله - إجازة بروايتهم عن شيخ الإسلام شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي قدّس الله روحه إجازة، قال: أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان المعروف بابن البطي سماعاً عليه، قال: أنبأنا أبو الفضل حمد بن أحمد، أنبأنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني قال: أنبأنا علي بن أحمد المصيصي قال: أنبأنا أحمد بن خليد الحلبي قال: أنبأنا أبو توبة الربيع بن نافع، قال: أنبأنا يزيد بن معاوية، عن يزيد بن أبي مالك: عن أبي الأزهر، عن واثلة بن الأسقع قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله:

____________________

(1) وفي نسخة السماوي والسيد علي نقي: (المحمشاوي). والحديث رواه بأسانيد تحت الرقم: (747) وتواليه من شواهد التنزيل ج 2 ص 76 ط 1.

ورواه أيضاً ابن عساكر تحت الرقم: (100) وما حوله من ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق.

(2) كذا في الأصل المطبوع، وفي نسخة السيد علي نقي (يزيد بن زمعة).

وببالي أنّي رأيت الحديث في المعجم الكبير أو في ترجمة أبي توبة أو ترجمة (واثلة) من تاريخ دمشق.

٣٣

اللّهمّ قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم، اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم؛ فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم .

قاله: صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا جمع فاطمة وعليّاً والحسن والحسين تحت ثوبه.

فقال واثلة: وكنت واقعاً على الباب، فقلت: وعليّ يا رسول الله بأبي أنت وأمّي؟ فقال: اللّهمّ وعلى واثلة (1).

____________________

(1) ورواه أيضاً الطبراني والديلمي كما في كنز العمال: ج 7 ص 92 و 217 ورواه عنه في فضائل الخمسة: ج 1، ص 222.

٣٤

فائدة

قال: الإمام العلاّمة فخر الدين محمد بن عمر الرازي (1) - سقى الله عياذ الغفران ضريحه وأناله بكرمه محض لطفه وصريحه -: جعل الله أهل بيت نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم مساوياً له في خمسة أشياء: ( الأوّل ) في المحبّة قال: الله تعالى ( فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) [3 آل عمران: 31] وقال: لأهل بيته: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) [الشورى: 23].

( والثاني ) في تحريم الصدقة قال عليه السلام: حرمت الصدقة عليّ وعلى أهل بيتي.

( والثالث ) في الطهارة قال الله تعالى: ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى‏ * إِلاّ تَذْكِرَةً... ) [طه: 1 - 2] وقال لأهل بيته: ( وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [33 - الأحزاب: 33].

( والرابع ) في السلام [قال للنبي: السلام] عليك أيّها النبي. وقال في أهل بيته: ( سَلاَمٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ ) [الصافات 130].

( والخامس ) في الصلاة على الرسول وعلى الآل كما في آخر التشهّد.

____________________

(1) ورواه أيضاً عن الرازي في الصواعق المحرقة ص 19، وعنه في فضائل الخمسة: ج 1، ص 219، والظاهر أنّ الكلام تلخيص لما ذكره الرازي في تفسير آية المودّة من تفسيره.

٣٥

الباب الأوّل

فضيلة

باسقة الأشجار وعريقها، ومفخرة لدنة الأغصان وريقها (1) وهي: مَن كانت له حاجة إلى الله فليسأل بهم أهل البيت، وليجزم بالإجابة من غير اللو أو الليت.

1 - أخبرني الشيخ العدل بهاء الدين محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البرزالي - بقراءتي عليه ببستانه بسفح جبل قاسيون ممّا يلي عقبة دمر ظاهر مدينة دمشق المحروسة - قلت: له أخبرك الشيخ أحمد بن المفرج بن علي بن المفرج بن علي ابن المفرج الأموي إجازة؟ فأقرّ به.

حيلولة: وأخبرنا الشيخ الصالح جمال الدين أحمد بن محمد بن محمد المعروف بـ (مذكويه) القزويني وغيره إجازة بروايتهم عن الشيخ الإمام إمام الدين أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني إجازة.

قالوا: أنبأنا الشيخ العالم عبد القادر ابن أبي صالح الجليلي قال: أنبأنا أبو البركات هبة الله بن موسى الثقفي قال: أنبأنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي (2) قال: أنبأنا الحسن بن محمد بن موسى بـ (تكريت). قال: أنبأنا محمد بن فرحان، قال: أنبأنا محمد بن يزيد القاضي [قال:] حدثنا قتيبة [قال:] حدثنا الليث بن سعد: عن العلاء بن عبد الرحمان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ هل خلقت أحداً من

____________________

(1) كذا في نسخة السيد علي نقي.

(2) كذا في الأصل المطبوع، وفي نسخة طهران والسيد علي نقي: (السقطي). وفي المحكي عن نسخة السماوي: (النفسي).

٣٦

طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمَن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك. هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين.

آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة (1) من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا أبالي.

يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم وبهم أهلكهم (2) فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل .

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: نحن سفينة النجاة، مَن تعلّق بها نجا، ومَن حاد عنها هلك، فمَن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت .

____________________

(1) كذا في الأصل المطبوع، وفي نسخة طهران: (حبّة).

(2) كذا في نسخة طهران والسيد علي نقي، وفي نسخة: (بهم أنجي وأهلك).

٣٧

فضيلة

في أحسن قول هو مجلية لكل عطية ونول، ومطردة لكل بليّة وهول، ومكسبة لكل قوّة وحول.

2 - أخبرنا الشيخان: علي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي بقراءتي عليه بالجامع المظفري بالصالحية - بسفح جبل قاسيون ظاهر مدينة دمشق ضحوة يوم الجمعة الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة (1) - والإمام عزّ الدين عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي قراءة عليه بنساية (2) الصالحية ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة من السنة المذكورة، قيل لكل واحد منهما: أخبرك الشيخ أبو العباس أحمد بن يوسف ابن أبي الحسن ابن أبي الغنائم ابن صرمى البغدادي إجازة؟ فأقرّ به، قال: أنبأنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي (3) قراءة علية في يوم الاثنين والعشرين من المحرّم سنة سبع وأربعين وخمسمئة، أنبأنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله ابن عمر بن محمد بن المنتاب (4) قراءة عليه - بصف التودية في الماذيان في الغلة المعروفة بغلة البصري (5) الصيرفي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وثلاثمئة - حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبيد الله الدقاق المعروف بابن السماك قراءة عليه في سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة في مسجد الجامع، أنبأنا أبو نصر محمد بن إبراهيم السمرقندي حدثني أبو عثمان سعد

____________________

(1) كذا في نسخة السيد علي نقي، وفي نسخة طهران: (من شهر ربيع الآخر، سنة خمس وتسعين).

(2) كذا في نسخة السيد علي نقي.

(3) وفي نسخة: (الأموي).

(4) كذا في نسخة السيد علي نقي وطهران.

(5) كذا في الأصل المطبوع، وفي نسخة طهران: بصف التوذي في النخلة المعروفة بنخلة البصري...

٣٨

ابن هاشم بن مزيد بطريه [كذا] أنبأنا أبو أحمد أيوب بن نصر بن موسى، أنبأنا حماد بن عمرو، عن السري بن خالد.

حيلولة: قال أبو نصر: وحدثنا أبو علي الحسين بن حميد بن موسى بمصر، أنبأنا زهير بن عباد، أنبأنا محمد بن أيوب، حدثني أبو البختري وهب بن وهب القرشي كلاهما: عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده عليهم السلام، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم - واللفظ لأبي علي - أنّه قال: لعلي بن أبي طالب: إذا هالك أمر فقل: اللّهمّ إنّي أسألك بحق محمد وآل محمد، أسألك أن تكفيني شرّ ما أخاف وأحذر، فإنّك تكفي ذلك الأمر .

3 - من كتاب الأمالي لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله؛ وكتب إلي الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن مطهّر الحلّي [قال]: أخبرنا الشيخ الإمام مهذب الدين أبو عبد الله الحسين ابن أبي الفرج ابن ردة النيلي، عن الشيخ محمد بن الحسين بن علي بن عبد الصمد التميمي، عن جديه (1) عن أبيهما علي وعن المفيد أبي علي، عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي قال: أنبأنا أبو العباس (2) قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني قال: أنبأنا مخلد بن شداد قال: أنبأنا محمد بن عبيد الله، عن أبي سخيلة قال: حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذرّ فكنّا عنده ما شاء الله، فلمّا حان منّا حفوف قلنا: يا أبا ذرّ إنّي أرى أموراً قد حدثت وإنّي خائف على الناس الاختلاف فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: الزم كتاب الله وعلي بن أبي طالب عليه السلام فأشهد أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: (عليٌّ أوّل مَن آمن بي، وأوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر [وهو] الفاروق [يفرق] بين الحق والباطل) .

4 - أنبأني أبو اليمين (3) عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر الدمشقي بمكة شرّفها الله تعالى قال: أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي كتابة، أنبأنا عبد

____________________

(1) قال في الأصل المطبوع: هكذا السند في غاية المرام أيضاً عن الكتاب ولعلّ الصحيح عن جدّه علي وعن المفيد أبي علي كليهما. وكذا سقط الواسطة بين الطوسي وابن عقدة فإنّه يروى عن جماعة عن أبي المفضل عن ابن عقدة؛ فلاحظ.

(2) وهو الحافظ ابن عقدة، ورواه أيضاً عنه في الحديث: (120) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 1، ص 76 ط 1، قال: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي أنبأنا أبو الحسين عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو عمر ابن مهدي، أنبأنا أبو العباس ابن عقدة، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني أنبأنا مخلد بن شداد...

وكان في أصلي من فرائد السمطين تصحيفات أصلحناها من تاريخ دمشق.

(3) كذا في الأصل المطبوع، وفي نسخة طهران (أبو اليمن) أقول: ومثلها في أغلب موارد النقل عنه في هذا الكتاب؛ فراجع.

٣٩

الجبار بن محمد الحواري البيهقي، أنبأنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي قال: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن يوسف، أنبأنا محمد بن حامد بن الحرث التميمي (1) ، أنبأنا الحسن بن عرفة، أنبأنا علي بن قدامة، عن ميسرة بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لعلي صلوات الله عليه: خُلقت أنا وأنت من نور الله تعالى .

____________________

(1) كذا في نسخة، وفي نسخة: (أنبأ محمد بن خالد بن الحرث...).

ثم إنّ قريباً من هذا المعنى رواه ابن عساكر تحت الرقم: (181) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 1، ص 145، ط 1.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

به وأجابه بالمثل، فأمر السفاك بقتله، فقتل(١) ويذكر أبو فراس الحمداني في شافيّته نكث العباسيين لبيعتهم للعلويين بقوله:

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن

أباهم العلم الهادي وأمّهم

لا بيعة ردعتكم عن دمائهم

ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

 لقد بايع العباسيون بالإجماع العلوي الثائر محمد ذا النفس الزكية إلاّ أنهم نكثوا بيعتهم، وخاسوا بعدهم فقتلوه وقتلوا كلّ من كان متّصلاً به من العلويّين وغيرهم.

اختلاس العباسيين للسلطة:

واختلس العباسيون السلطة من العلويين، فقد أوعزوا إلى دعاتهم في بداية الثورة برفع شعار الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن يموهوا بكلّ حذر على الجماهير بأنّ الخلافة بأنّ الخلافة لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولا نصيب فيها لغيرهم، وفي سبيل هذه الدعوى الغالية ضحّى المسلمون بأفلاذ أكبادهم، فقد أيقن المسلمون وآمنوا أنّ لا منقذ لهم، ولا محرّر لهم من جور الأمويّين وظلمهم سوى أهل البيت حماة العدل، ودعاة الحقّ في الإسلام، يقول السيد مير علي: ( وكانت كلمة أهل البيت هي السحر الذي يؤلّف بين قلوب مختلف طبقات الشعب، ويجمعهم حول الراية السوداء.. )(٢) .

وتستّر العباسيون تحت هذا الظلال الوارف الذي جمع ما بين العواطف والمشاعر وأخذوا يردّدون الشعارات التي تردّدها الجماهير وهي أن لا حاكم للمسلمين سوى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وانطلقت الأمة في مسارها وهي تدكّ حصون الظالمين وتبيد دعاتهم وجيوشهم، ولمّا تمّ النصر وإذا بالعبّاسيين قد زحفوا إلى دست الحكم واحتلّوا منصب أهل البيتعليهم‌السلام وسرقوا جهود الجماهير.

____________

١ - تاريخ ابن الأثير.

٢ - رواح الإسلام: ص ٣٠٨.

٢٠١

خيبة آمال المسلمين:

وخابت آمال المسلمين حينما تسلم العباسيون قيادة الأمة، فلم تتغير أيّة جهة من معالم السياسة الأمويّة، فقد عاد الجور، وانفتح باب الظلم على مصراعيه يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: ( ولكن ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين قد أصبح وهماً من الأوهام، فشراسة المنصور والرشيد وجشعهم، وجور أولاد علي بن عيسى وعبثهم بأموال المسلمين يذكّرنا بالحجّاج وهشام ويوسف بن عمر الثقفي، وعمّ الاستياء أفراد الشعب بعد أن استفتح عبد الله المعروف بالسفاح، وكذلك المنصور بالإسراف في سفك الدماء على نحو لم يعرف من قبل )(١) وقد صوّر شعراء ذلك العصر مدى خيبة المسلمين وضياع آمالهم في الحكم العباسي، يقول أبو عطاء السندي:

يا ليت جور بني مروان عاد لنا

يا ليت عدل بني العباس في النار

 وقال عطاء يذكر ارتفاع الأسعار:

بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم

فقد قام سعر التمر صاعاً بدرهم

 وقال أحمد بن أبي نعيم:

لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأ

مّة والٍ من آل عبّاس

وقال أبو دلامة في المنصور:

وكنّا نرجي من أمير زيادة

فزاد لنا فيها بطول القلانس

 وقال سليم العدوي:

حتى متى لا نرى عدلاً نسر به

ولا نرى لولاة الحقّ أعوانا

مستمسكين بحقّ قائمين به

إذا تلوّن أهل الجور ألوانا

 __________________

١ - نظرية الإمامة: ص ٣٨١.

٢٠٢

ياللرجال لداء لا دواء له

وقائد ذي عمى يقتاد عميانا

ويقول دعبل الخزاعي:

ألم تر للأيام ما جر جورها

على الناس من نقض وطول شتات

ومن دول المستهترين ومن غدا

بهم طالباً للنور من الظلمات

وقال سديف:

إنّا لنأمل أن ترتد الفتنا

بعد التباعد والشحناء والإحن

وتنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن

 ولمّا سمع الطاغية المنصور بهذين البيتين كتب إلى عامله عبد الصمد أن يدفنه حيّاً ففعل(١) .

لقد انهارت الأماني التي كانت تأمل بها الشعوب الإسلامية، وتبدّدت أحلامهم إلى سراب، فقد كان الحكم العبّاسي قائماً على الجبروت والطغيان، ومتعطّشاً إلى سفك الدماء، وربّما كانت معالم الحياة السياسية في العهد الأموي خيراً منها بكثير في العهد العباسي الأوّل فقد كانت لبني أمية من الفواضل ما لم تكن للمنصور الدوانيقي السفاك على حدّ تعبير الإمام الصادقعليه‌السلام .

اضطهاد العلويّين:

واضطهدت أكثر الحكومات العباسية رسمياً العلويين، وقابلتهم بمنتهى القسوة والشدّة، وقد رأوا من العذاب ما لم يروه في العهد الأموي وأوّل من فتح باب الشر والتنكيل بهم الطاغية فرعون هذه الأمة المنصور الدوانيقي(٢) وهو القائل: ( قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمد )(٣) وهو

__________________

١ - العمدة لابن رشيق: ج ١ ص ٧٥ - ٧٦.

٢ - تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ٢٦١.

٣ - الأدب في ظلّ التشيّع: ص ٦٨.

٢٠٣

صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين(١) . وقد ادّخرها الفاجر لآخرته ليقدّمها هدية إلى جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالويل له يوم حشره ونشره.. وقد قال أبو القاسم الرسي العلوي حينما هرب من سجنه:

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كلّ أرض فلمى قصر من الطلب

وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابن بنت نبيّ(٢)

وهو الذي وضع أعلام العلويين في سجونه الرهيبة حتى قتلتهم الروائح الكريهة وردم على بعضهم السجون حتى توفّوا، لقد اقترف هذا الطاغية السفَاك جميع ألوان التصفية الجسدية مع العلويين، وعانوا في ظلال حكمه من صنوف الإرهاب والتنكيل ما لا يوصف لفضاعته وقسوته.

أما موسى الهادي فقد زاد على سلفه المنصور، وهو صاحب واقعة فخ التي لا تقل في مشاهدها الحزينة عن واقعة كربلاء، وقد ارتكب فيها هذا السفاك من الجرائم ما لم يُشاهد مثله، فقد أوعز بقتل الأطفال وأعدام الأسرى، وظلّ يطارد العلويين، ويلحّ في طلبهم فمن ظفر به قتله، ولكن لم تطل أيام هذا الجلاّد حتى قصم الله ظهره.

أما هارون الرشيد فهو لم يقلّ عن سلفه في عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام والتنكيل بهم وهو القائل: ( حتام أصبر على آل بني أبي طالب، والله لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم، ولأفعلنّ وأفعلنّ )(٣) وهو الذي سجن الإمام الأعظم موسى بن جعفرعليه‌السلام حفنة من السنين، ودسّ إليه السمّ حتى توفي في سجونه، لقد جهد الرشيد في ظلم العلويين وإرهاقهم، فعانوا في عهده جوّاً من الإرهاب لا يقلّ فضاعة عمّا عانوه في

__________________

١ - تاريخ الطبري: ج ١٠ ص ٤٤٦.

٢ - النزاع والتخاصم للمقريزي: ص ٥١.

٣ - حياة الإمام موسى بن جعفر: ج ٢ ص ٤٧.

٢٠٤

أيام المنصور.

ولما آلت الخلافة إلى المأمون رفع عنهم المراقبة، وأجرى لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته، ولكن لم يدم ذلك طويلاً فإنّه بعد ما اغتال الإمام الرضاعليه‌السلام بالسمّ، أخذ في مطاردة العلويين، والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه.

وعلى أيّ حال فإن من أعظم المشاكل السياسية التي أُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وذرّيته وتقطيع أوصالهم بيد الزمرة العباسية الخائنة التي لا تقلّ في قسوتها وشرورها عن بني أمية، فقد انتهى الأمر بأبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم كانوا يتضوعون جوعاً حتى بلغ الحال بالقاسم بن إبراهيم أنّه كان يطبخ الميتة ويأكلها لفقره وسوء حاله(١) . إلى غير ذلك من المآسي التي حلّت بهم، ومن الطبيعي أنّها قد كوت قلب الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، وأخلدت له الأسى والحزن.

مشكلة خلق القرآن:

لعلّ من أعقد المشاكل السياسية التي أُبتلي بها المسلمون في ذلك العصر هي محنة خلق القرآن فقد أشاعت الفتن والخطوب في البلاد، فقد أظهر المأمون هذه المسألة في سنة ( ٢١٢ هـ ).

وقد أمتحن بها العلماء امتحاناً شديداً، وأرهقوا إلى حدّ بعيد فمن لا يقول بمقالة المأمون سجنه أو نفاه أو قتله(٢) وقد حمل الناس على ما يذهب إليه بالقوّة والقهر.

إنّ هذه المسألة تعتبر من أهمّ الأحداث الخطيرة التي حدثت في ذلك العصر، وقد تعرّض الفلاسفة والمتكلّمون إلى بسطها وإيضاح غوامضها ولولا خوف الإطالة

__________________

١ - الحدائق الوردية: ج ٢ ص ٢٢٠.

٢ - عصر المأمون.

٢٠٥

والخروج عن الموضوع لتحدّثنا عنها بالتفصيل.. إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن الحياة السياسية في عصر الإمام الجوادعليه‌السلام .

الحياة الاقتصادية:

وجهد الإسلام على تطوير الحياة الاقتصادية وازدهارها، واعتبر الفقر كارثة مدمّرة يجب القضاء عليه بكافة الطرق والوسائل، وألزم ولاة الأمور والمسؤولين أن يعملوا جاهدين على تنمية الاقتصاد العام، وزيادة دخل الفرد، وبسط الرخاء والرفاهية بين الناس ليسلم المسلمون من الشذوذ والانحراف الذي هو - على الأكثر - وليد الفقر والحرمان، وكان من بين ما عنى به أنّه حرّم على ولاة الأمور إنفاق أموال الدولة في غير صالح المسلمين، ومنعهم أن يصطفوا منها لأنفسهم وأقربائهم، ومن يمتّ إليهم، ولكن ملوك بني العباس قد جافوا ما أمر به الإسلام في هذا المجال فاتّخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً، وأنفقوا أموال المسلمين على شهواتهم وملاذهم من دون أن يتحرّجوا في ذلك، وقد أدّت هذه السياسية الملتوية إلى أزمات حادّة في الاقتصاد العام، فقد انقسم المجتمع إلى طبقتين: الأولى الطبقة الراقية في الثراء التي لا عمل لها إلاّ التبطّل واللهو، والأخرى الطبقة الكادحة التي تزرع الأرض، وتعمل في الصناعة، وتشقى في سبيل أولئك السادة من أجل الحصول على فتات موائدهم، وترتّب على فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية انعدام الاستقرار في الحياة السياسية والاجتماعية على السواء(١) ونحدّث - بإيجاز - عن شؤون الحياة الاقتصادية في ذلك العصر:

واردات الدولة:

أما واردات الدولة الإسلامية في العصر العباسي الذي عاش فيه الإمام أبو جعفر

__________________

١ - الإدارة الإسلامية في عزّ العرب: ص ٨٢.

٢٠٦

الجوادعليه‌السلام فقد كانت ضخمة للغاية، فقد أحصى ابن خلدون الخراج في عهد المأمون فكان مجموعه ما يزيد على ٤٠٠ مليون درهم(١) ، وقد بلغ من سعة المال ووفرته أنّه كان لا يُعدّ، وإنما كان يوزن، فكانوا يقولون: إنه بلغ ستة أو سبعة آلاف قنطار من الذهب(٢) ، وقد حسب عامل المعتصم على الروم خراجها فكان أقلّ من ثلاثة آلاف ألف، فكتب إليه المعتصم يعاتبه، وممّا جاء في عتابه: ( إنّ أخسّ ناحية عليها أخس عبيدي خراجها أكثر من خراج أرضك )(٣) . ومن المؤسف أنّ هذه الأموال الوفيرة لم تنفق على تقدم المسلمين وتطوير حياتهم، وإنما كان الكثير منها يصرف على الشهوات والملذّات، وقد عكست تلك الأموال الهائلة ترف بغداد في ذلك العصر ذلك الترف الذي تحكيه قصص ( ألف ليلة وليلة ) التي مثّلت حياة اللهو في ذلك العصر.

التهالك على جمع المال:

وتهالك الناس في ذلك العصر على جمع المال بكلّ وسيلة سواءً كانت مشروعة أم غير مشروعة، فقد أصبح المال هو المقياس في قيم الرجال، وأخذ يتردّد في الأمثلة الجارية في بغداد ( المال مال، وما سواه محال ) وتوسّل الناس إلى جمعه بكلّ طريق لا يعفون عن محرم، ولا يتورّعون عن خبيث، وأصبح الخداع والغشّ هو الوسيلة في جمعه(٤) .

تضخّم الثروات:

وتضخّمت الثروات الهائلة عند بعض الناس خصوصاً في بغداد التي هي

__________________

١ - المقدمة: ص ١٧٩ - ١٨٠.

٢ - المقدمة.

٣ - أحسن التقاسيم للمقدسي: ص ٦٤ ( طبع ليدن ).

٤ - مقدمة البخلاء: ص ٢٤.

٢٠٧

عاصمة العالم الإسلامي، فقد وجدت فيها طبقة رأسمالية كانت تملك الملايين، وكذلك البصرة فقد ضمّت طبقة كبيرة من أهل الثراء العريض فقد كانت البصرة ثغر العراق والمركز التجاري الخطير الذي يصل بين الشرق والغرب، وتستقبل متاجر الهند، وجزر البحار الشرقية، ومن أجل ذلك سمّيت البصرة أرض الهند وأمّ العراق(١) .

نفقات المأمون في زواجه:

وكان من ألوان ذلك الإسراف والبذخ في أموال المسلمين هو ما أنفقه المأمون من الأموال الطائلة المذهلة في زواجه بالسيدة بوران فقد أمهرها ألف ألف دينار، وشرط عليه أبوها الحسن بن سهل أن يبني بها في قريته الواقعة ( بفم الصلح ) فأجابه إلى ذلك، ولما أراد الزواج سافر إلى ( فم الصلح ) ونثر على العسكر الذي كان معه بألف ألف دينار وكان معه في سفره ثلاثون ألفاً من الغلمان الصغار والخدم الصغار والكبار وسبعة آلاف جارية وعرض العسكر الذي كان معه فكان أربع مائة ألف فارس، وثلاثمائة ألف راجل.. وكان الحسن بن سهل يذبح لضيوفه ثلاثين ألف رأس من الغنم، ومثليها من الدجاج، وأربع مائة بقرة، وأربعمائة جمل وسمّى الناس هذه الدعوة ( دعوة الإسلام ) ولكن هذا ليس من الإسلام في شيء، فإنّ الإسلام قد احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في بيت مال المسلمين فحرم إنفاق أي شيء في غير صالحهم.

وحينما بنى المأمون ببوران نثروا من سطح دار الحسن بن سهل بنادق عنبر فاستخفّ بها الناس، وزهدوا فيها، ونادى شخص من السطح قائلاً: كلّ من وقعت بيده بندقة فليكسرها فإنّه يجد فيها رقعة، وما فيها له وكسر الناس البنادق فوجدوا فيها رقاعاً في بعضها تحويل بألف دينار وفي أخرى خمسمائة دينار إلى أن تصل إلى

__________________

١ - مقدمة البخلاء: ص ٢٤.

٢٠٨

المائة دينار، وفي بعضها فرس وفي بعضها عشرة أثواب من الديباج، وفي بعضها خمسة أثواب، وفي بعضها غلام، وفي بعضها جارية، وحمل كلّ من وقعت بيده رقعة إلى الديوان واستلم ما فيها(١) كما أنفق على قادة الجيش فقط خمسين ألف ألف درهم(٢) ويقول الباهلي مهنّئاً للحسن وابنته وللمأمون:

بارك الله للحسن

ولبوران في الختن

يا بن هارون قد

ظفرت ولكن بنت من(٣)

ولمّا كانت ساعة الزفاف أجلست بوران على حصير منسوج من الذهب ودخل عليها المأمون ومعه عمّاته وجمهرة من العبّاسيّات فنثر الحسن بن سهل على المأمون وزوجته ثلاثمائة لؤلؤة وزن كلّ واحدة مثقال، وما مدّ أحد يده لالتقاطها، وأمر المأمون عمّاته بالتقاطها، ومدّ يده فأخذ واحدة منها ( فالتقطتها العباسيات ) وقال المأمون: قاتل الله أبا نواس كأنّه حضر مجلسنا هذا حيث قال في وصف الخمرة:

كان صغرى وكبرى من فواقعها

حصباء در على أرض من الذهب(٤)

لقد أنفق الحسن والمأمون هذه الأموال الطائلة على زواجه، وهي من بيت مال المسلمين، وقد أمر الله بإنفاقه على مكافحة الفقر ومطاردة البؤس والحرمان.

ومن الجدير بالذكر أنّ هارون الرشيد لمّا تزوّج بالسيّدة زبيدة صنع وليمة لم يسبق مثلها في الإسلام، فقد جعل الهبات غير محصورة، فكانت أواني الذهب مملوءة بالفضّة، وأواني الفضّة مملوءة بالذهب ونوافج المسك وقِطع العنبر(٥) وكان

__________________

١ - الطبري: ج ٧ ص ١٤٩، وابن الأثير: ج ٤ ص ٢٠٦.

٢ - تزيين الأسواق للأنطاكي: ج ٣ ص ١١٧.

٣ - الحدائق الوردية: ج ٢ ص ٢٢٠.

٤ - حضارة الإسلام.

٥ - الإسلام والحضارة العربية.

٢٠٩

هذا هو الإسراف والتبذير الذي حرّمه الإسلام حفظاً على الاقتصاد العامّ في البلاد.

هبات وعطايا:

ووهب ملوك بني العباس أموال المسلمين بسخاء إلى المغنّين والمغنّيات والخدم والعملاء، فقد غنّى إبراهيم بن المهدي العباسي محمد الأمين صوتاً فأعطاه ثلاثمائة ألف ألف درهم فاستكثرها إبراهيم، وقال له: يا سيدي لو قد أمرت لي بعشرين ألف ألف درهم فقال له الخليفة: هي هي إلاّ خراج بعض الكور(١) ، وغنّى ابن محرز عند الرشيد بأبيات مطلعها ( واذكر أيام الحمى ثمّ انثن ) فاستخفّ به الطرب فأمر له بمائة ألف درهم، وأعطى مثل ذلك للمغني دحمان الأشقر(٢) ولمّا تقلّد المهدي العباسي الخلافة وزّع محتويات إحدى خزانات بيت المال بين مواليه وخدمه(٣) إلى غير ذلك من الهبات والهدايا التي كانت من الخزينة المركزية التي ألزم الإسلام بإنفاقها على المشاريع الحيوية التي تزدهر بها البلاد.

اقتناء الجواري:

وبدل أن يتّجه ملوك بني العباس إلى إصلاح البلاد وتنميتها الاقتصادية فقد اتّجهوا بنهم وجشع إلى اقتناء الجواري، والمغالاة في شرائها، فقد جلبت إلى بغداد الجواري الملاح من جميع أطراف الدنيا، فكان فيهنّ الحبشيات، والروميّات، والجرجيات، والشركسيات، والعربيات من مولدات المدينة والطائف واليمامة ومصر ذوات الألسنة العذبة، والجواب الحاضر، وكان بينهنّ الغانيات اللاتي يعزفن بما عليهن من اللباس الفاخر وما يتّخذن من العصائب التي ينظمنها بالدرّ والجواهر،

__________________

١ - الإسلام والحضارة العربية: ج ٢ ص ٢٣١.

٢ - المستطرف: ص ١٨٢ - ١٨٤.

٣ - تاريخ بغداد: ج ٥ ص ٣٩٣.

٢١٠

ويكتبن عليهنّ بصفائح الذهب(١) وقد كان عند الرشيد زهاء ألفي جارية، وعند المتوكل أربعة آلاف جارية(٢) وقد زار الرشيد في يوم فراغه البرامكة فلمّا أراد الانصراف خرجت جواريهم فاصطففن مثل العساكر صفّين صفّين، وغنين وضربن بالعود ونقرن على الدفوف إلى أن طلع مقاصير القصر(٣) وكان عند والدة جعفر البرمكي مائة وصيفة لباس كلّ واحدة منهنّ وحليّها غير لبوس الأخرى وحليّها(٤) لقد كان اقتناء الجواري بهذه الكثرة من نتائج وفرة المال وكثرته عند هذه الطبقة الرأسمالية التي حارت في كيفيّة صرف ما عندها من الأموال.

التفنّن في البناء:

وتفنّن ملوك بني العباس في بناء قصورهم، فأشادوا أضخم القصور التي لم يشيّد مثلها في البلاد وقد بنوا في بغداد قصر الخلد تشبيهاً له بجنّة الخلد التي وعد الله فيها المتقين، وكان من أعظم الأبنية الإيوان الذي بناه الأمين، وقد وصفه المؤرخون بأنّه جعله كالبيضة بياضاً ثمّ ذهب بالإبريز المخالف بينه باللازورد، وكان ذا أبواب عظام ومصاريع غلاظ تتلألأ فيه مسامير الذهب التي قمعت رؤوسها بالجوهر النفيس وقد فرش بفرش كأنّه صبغ بالدم وقد نقش بتصاوير من الذهب، وتماثيل العقيان، ونضّد فيه العنبر الأشهب والكافور المصعد(٥) وقد أنفق جعفر البرمكي على بناء داره نحواً من عشرين مليون درهم(٦) ، وقد تفنّن الناس في بناء القصور وقد وصفها

____________

١ - حضارة الإسلام: ص ٩٨.

٢ - الأغاني: ج ٩ ص ٨٨.

٣ - حضارة الإسلام في دار الإسلام: ص ٩٦.

٤ - الجهشياري: ص ٢٤٦.

٥ - طبقات الشعراء لابن المعتزّ: ص ٢٠٩.

٦ - تاريخ الطبري: ج ١٠ ص ٩٢.

٢١١

ابن الجهم بقوله:

صحون تسافر فيها العيون

وتحسر عن بعد أقطارها

وقبّة ملك كأنّ النجو

م تصغي إليها بأسرارها

فوارة ثأرها في السماء

فليست تقصر عن ثأرها

إذا أوقدت نارها بالعراق

أضاء الحجاز سنا نارها

ترد على المزن ما أنزلت

على الأرض من صوب أقطارها

لها شرفات كأنّ الربيع

كساها الرياض بأنوارها(١)

وبلغ البذخ والترف في ذلك العصر أنّ كثيراً من أبواب الدور في بغداد كانت من الذهب في حين أنّ الأكثرية الساحقة كانت تشكو الجوع والحرمان.

أثاث البيوت:

وحفلت قصور العباسيين بأنواع الأثاث وأفخرها في العالم، ويقول المؤرخون: إنّ السيدة زبيدة قد اصطفت بساطاً من الديباج جمع صورة كلّ حيوان من جميع الأجناس، وصورة كلّ طائر من الذهب، وأعينها اليواقيت والجواهر يقال إنها أنفقت على صنعه مليون دينار(٢) ، كما اتّخذت الآلة من الذهب المرصّع بالجوهر، والأبنوس، والصندل عليها الكلاليب من الذهب الملبّس بالوشي والديباج، والسمور، وأنواع الحرير، كمثل اتّخاذها شمع العنبر، واصطناعتها الخفّ مرصّعاً بالجوهر واتّخاذها الشاكرية(٣) .

أما مجالس البرامكة فكانت مذهلة، فكان الرشيد إذا حضر مجالس البرامكة

__________________

١ - ضحى الإسلام: ج ١ ص ١٢٧.

٢ - حضارة الإسلام: ص ٩٥، نقلاً عن المستطرف: ص ٩٦.

٣ - حضارة الإسلام: ص ٩٥.

٢١٢

وهو بين الآنية المرصّعة والخزائن المجزعة، والمطارح من الوشي والديباج والجواري يرفلن في الحرير والجوهر، ويستقبلنه بالروائح التي لا يدري لطيبها ما هي، خيّل إليه أنّه في الجنة بين الجمال والجوهر والطيب(١) .

الثياب:

وكان من نتائج بذخ العباسيين وترفهم ما ذكره ابن خلدون أنه كانت دور في قصورهم لنسج الثياب تسمّى دور الطراز، وكان القائم عليها ينظر في أمور الصنّاع وتسهيل آلاتهم وإجراء أرزاقهم(٢) .

ألوان الطعام:

وتعدّدت ألوان الطعام بسبب تقدّم الحضارة فقد روى طيفور عن جعفر بن محمد الأنماطي أنّه تغذّى عند المأمون فوضع على المائدة ثلاث مائة لون من الطعام(٣) ونظراً لتعدّد ألوان الطعام فقد فسدت أسنانهم ممّا اضطرّهم إلى شدّها بالذهب للعلاج(٤) .

مخلفات العباسيين من الأموال:

وخلّف ملوك بني العباس ووزرائهم من الأموال ما لا يحصى، وفيما يلي بعض ما تركوه:

١ - مخلفات المنصور:

وترك الطاغية البخيل المنصور الدوانيقي من الأموال التي سرقها من المسلمين

__________________

١ - حضارة الإسلام: ص ٩٦.

٢ - المقدمة: ص ٢٦٧.

٣ - تاريخ بغداد لطيفور: ص ٣٦.

٤ - التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية لصالح أحمد: ص ١٧٧.

٢١٣

ما يقرب من ( ٦٠٠ ستمائة مليون درهم ) و ( ١٤ أربعة عشر مليون دينار )(١) وقد كدّس هذه الأموال الهائلة في خزائنه وترك الفقر والبؤس يهيمنان على جميع أنحاء البلاد الإسلامية.

٢ - مخلّفات الرشيد: من المال ما يقدّر بنحو ( ٩٠٠ تسعمائة مليون درهم )(٢) .

٣ - مخلفات الخيزران:

وتوفيت الخيزران أمّ الرشيد، فكانت غلّتها ألف ألف وستّين ألف درهم(٣) .

٤ - مخلّفات عمرو بن سعدة:

وترك عمرو بن سعدة أحد وزراء المأمون ما يقرب من ثمانية ملايين دينار فأخبروا المأمون بذلك في رقعة فكتب عليها ( هذا قليل لمن اتّصل بنا، وطالت خدمته لنا فبارك الله لولده فيه )(٤) .

ومعظم هذه الأموال قد اختلست من المسلمين، ونهبت من الخزينة المركزية.

وقد خالفوا بذلك ما أمر به الإسلام من الاحتياط الشديد في أموال المسلمين وعدم صرفها وإنفاقها إلاّ في صالحهم.. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الحياة الاقتصادية في عصر الإمامعليه‌السلام .

حياة اللهو والطرب:

وعاش أكثر خلفاء بني العباس عيشة لهو وطرب ومجون، ليس فيها ذكر لله ولا لليوم الآخر، لقد قضوا أيامهم في هذه الحياة التافهة التي تمثّل السقوط والانحطاط، يقول الشاعر في بعض خلفائهم:

__________________

١ و ٢ - أمراء الشعر العربي: ص ٤٥.

٣ - الإسلام والحضارة العربية: ج ٢ ص ٢٣٠.

٤ - الإسلام والحضارة العربية: ج ٢ ص ٢٣١.

٢١٤

خليفة في قفص

بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له

كما تقول الببغا

 وقد روى أحمد بن صدقة قال: دخلت على المأمون في يوم السعانين(١) وبين يديه عشرون وصيفة جلباً روميات مزنرات قد تزيّنّ بالديباج الرومي وعلّقن في أعناقهنّ صلبان الذهب، وفي أيديهنّ الخوص والزيتون، فقال المأمون: ويلك يا أحمد قد قلت في هؤلاء أبياتاً فغنّي فيها ثمّ أنشده:

ظباء كالدنانير

ملاح في المقاصير

جلاهنّ السعانين

علينا في الزنانير

وقد رزقن أصداغاً

كأذناب الزرازير

وأقبلن بأوساط

كأوساط الزنابير

 فغنّاه بها فلم يزل يشرب، وترقص الوصائف بين يديه أنواع الرقص(٢) . وقد حفلت كتب التاريخ والأدب بالشيء الكثير من مجونهم وطربهم وانشغالهم عن النظر في أمور المسلمين بالدعارة والفجور.

وكان من مظاهر الحياة اللاهية لعبهم بالنرد والشطرنج، والعناية بتربية الحمام والمغالاة في أثمانه(٣) كما تهارشوا بالديوك والكلاب(٤) ولعبوا بالميسر وقد انتشر ذلك حتى في حانات الفقراء(٥) .

__________________

١ - يوم السعانين: عيد للنصارى.

٢ - الأغاني: ج ١٩ ص ١٣٨.

٣ - حياة الحيوان: ج ٣ ص ٩١.

٤ - الأغاني: ج ٦ ص ٧٥.

٥ - حياة الحيوان: ج ٥ ص ١١٥.

٢١٥

ومن المؤسف أنّ الطرب والمجون قد سرى إلى بعض المحدّثين الذين يجب أن يتّصفوا بالإيمان والاستقامة فقد ذكر الخطيب البغدادي عن المحدث محمد بن الضوء إنّه ليس بمحلّ لأن يؤخذ عنه العلم؛ لأنه كان من المتهتّكين بشرب الخمر والمجاهرة بالفجور، وكان أبو نواس يزوره في الكوفة في بيت خمّار يقال له جابر(١) .

التقشّف والزهد:

وبجانب حياة اللهو والطرب التي عاشها الناس في عصر الإمام أبي جعفرعليه‌السلام فقد كانت هناك طائفة من الناس قد اتّجهت إلى الزهد والتقشّف ونظرت إلى مباهج الحياة نظرة زهد واحتقار، فكان من بينهم إبراهيم بن الأدهم وهو ممّن ترك الحياة الناعمة وأقبل على طاعة الله وكان يردّد هذا البيت:

اتّخذ الله صاحباً

ودع الناس جانبا

 وكان يلبس في الشتاء فرواً ليس تحته قميص(٢) مبالغة منه في الزهد وكان ممّن عُرِف بالتقشّف معروف الكرخي فكان يبكي وينشد في السحر:

أي شيء تريد منّي الذنوب

شغفت بي فليس عنّي تغيب

ما يضرّ الذنوب لو اعتقتني

رحمةً بي فقد علاني المشيب(٣)

وكان من زهّاد ذلك العصر بشر بن الحارث وهو القائل:

قطع الليالي مع الأيام في خلق

والقوم تحت رواق الهمّ والقلق

أحرى وأعذر لي من أن يقال غداً

إنّي التمست الغنى من كفّ مختلق

قالوا: قنعت بذا؟ قلت: القنوع غنى

ليس الغنى كثرة الأموال والورق

 __________________

١ - الأوراق: ص ٦١.

٢ - حلية الأولياء: ج ٧ ص ٣٦٧ - ٣٧٣.

٣ - حلية الأولياء: ج ٢ ص ١٨١.

٢١٦

رضيت بالله في عسري وفي يسري

فلست أسلك إلاّ أوضح الطرق(٨٢)

ومن الطبيعي أنّ هذه الدعوة إلى الزهد إنّما جاءت من إفراط ملوك العباسيين والطبقة الرأسمالية في الدعارة والمجون وعدم عفافهم عمّا حرّمه الله من الملاهي. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الجوادعليه‌السلام .

__________________

١ - صفة الصفوة: ج ٢ ص ١٨٩.

٢١٧

٢١٨

في عصر المأمون

٢١٩

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279