حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)14%

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 279

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158654 / تحميل: 8667
الحجم الحجم الحجم
حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

أما اسم السيدة اُمّ الإمام الجوادعليه‌السلام فقد اختلف الرواة فيه، وهذه بعض الأقوال:

١ - اسمها الخيزران، سماها به الإمام الرضاعليه‌السلام وكانت تسمى درّة(١) .

٢ - اسمها سكينة النوبية، وقيل المريسية(٢) ، وقيل: إنها ممن تنتمي إلى مارية القبطية زوجة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

٣ - اسمها ريحانة(٤) .

٤ - اسمها سبيكة(٥) .

وأهملت بعض المصادر اسمها، واكتفت بالقول إنها أمّ ولد(٦) وعلى أي حال فإنه ليس من المهم في شيء الوقوف على اسمها، ومن المؤسف أنّ المصادر التي بأيدينا لم تشر إلى أي جانب من جوانب حياتها.

الوليد العظيم:

وأحاط الإمام الرضاعليه‌السلام السيدة الكريمة جاريته بكثير من الرعاية والتكريم، فقد استشف من وراء الغيب أنها ستلد له ولداً قد اختاره الله للإمامة وللنيابة العامة عن النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أحد أوصيائه الاثني عشر، وقد اخبر الإمام الرضا بذلك

__________________

١ - بحر الأنساب: ج ٢ ص ١٩ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين، دلائل الإمامة: ٢٩، ضياء العالمين: ج٢، مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية.

٢ - الفصول المهمة: ص ٢٥٢، تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص ٣٢١.

٣ - المقنعة: ص ٤٨٢.

٤ - دلائل الإمامة: ص ٢٠٩.

٥ - الإرشاد: ص ٣٥٦.

٦ - عمدة الطالب: ص ١٨٨.

٢١

أعلام أصحابه.

وعهد الإمام الرضاعليه‌السلام إلى شقيقته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بأن تقوم برعاية جاريته، وتلازمها حتى تلد(١) وقامت السيدة حكيمة بما طلب منها الإمام الرضا، ولما شعرت الجارية بالولادة أمرعليه‌السلام شقيقته بأن تحضر مع القابلة لولادتها، وقامعليه‌السلام فوضع مصباحاً في البيت(٢) وظلّعليه‌السلام يرقب الوليد العظيم.. ولم تمض إلاّ لحظات حتى ولدت جاريته علماً من أعلام الفكر والجهاد في الإسلام.

سرور الإمام الرضا:

وغمرت الإمام الرضاعليه‌السلام موجات من الأفراح والسرور بوليده المبارك، وطفق يقول:

( قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدست أمّ ولدته )(٣) .

والتفتعليه‌السلام إلى أصحابه فبشّرهم بمولوده قائلاً:

( إنّ الله قد وهب لي من يرثني، ويرث آل داود )(٤) .

وقد عرفهم بأنه الإمام من بعده.. وقد استقبل الإمام الرضا الوليد العظيم بمزيد من الغبطة؛ لأنه المنتظر للقيادة الروحية والزمنية لهذه الأمة وكان في المجلس

__________________

١ - دلائل الإمامة: ص ٢٠٩.

٢ - مختصر البحار في أحوال الأئمة - لنور الدين - مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء.

٣ - بحار الأنوار: ج ١٢، ص ١٠٣.

٤ - بحار الأنوار: ج ١٢، ص ١٠٤.

٢٢

شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي(١) وقد شارك أهل البيت في أفراحهم ومسراتهم بولادة الإمام أبي جعفرعليه‌السلام .

مراسيم الولادة:

وأسرع الإمام الرضاعليه‌السلام إلى وليده المبارك فأخذه وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية، فأذّن في إذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في المهد(٢) .

كنيته:

وكنّى الإمام الرضاعليه‌السلام ولده الإمام محمد الجواد بأبي جعفر، وهي ككنية جدّه الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ويفرق بينهما فيقال: للإمام الباقر أبو جعفر الأول، وللإمام الجواد أبو جعفر الثاني.

ألقابه:

أما ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة، وسمو ذاته وهي:

١ - الجواد: لُقِّب بذلك لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس.

٢ - التقي: لقب بذلك لأنه اتقى الله وأناب إليه، واعتصم به، فلم يستجب لأي داع من دواعي الهوى، فقد امتحنه المأمون بشتّى ألوان المغريات فلم ينخدع، فأناب إلى الله وآثر طاعته على كل شيء.

٣ - القانع.

__________________

١ - جامع الرواة: ج ٢ ص ٣١١.

٢ - مختصر البحار في أحوال الأئمة.

٢٣

٤ - المرتضى(١) .

٥ - الرضي.

٦ - المختار.

٧ - المتوكل.

٨ - الزكي(٢) .

٩ - باب المراد: وقد عُرِف بهذا اللقب عند عامة المسلمين التي آمنت بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهيّة التي يلجأ إليها الملهوفون وذوو الحاجة لدفع ما ألّم بهم من مكاره الدهر وفجائع الأيام.

هذه بعض ألقابه الكريمة، وكلّ لقب منها يشير إلى إحدى صفاته الرفيعة، ونزعاته الشريفة التي هي من مواضع الاعتزاز والفخر لهذه الأمة.

ملامحه:

أما ملامحه فكانت كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياءعليهم‌السلام فكانت أسارير التقوى بادية على وجه الكريم، وقد وصفته بعض المصادر بأنه ( كان أبيض معتدل القامة )(٣) ونص بعض المؤرخين على أنه كان شديد السمرة، وأثبتت ذلك رواية شاذة(٤) إلاّ أن الأستاذ الإمام الخوئي دلل على أنها من الموضوعات(٥) وقد أعرضنا عن ذكرها لشذوذها وعدم صحّتها.

__________________

١ - النجوم الزاهرة: ج ٢ ص ٢٣١، الفصول المهمة: ص ٢٥٢.

٢ - دلائل الإمامة: ص ٢٠٩.

٣ - نوار الأبصار: ص ١٤٦، الفصول المهمة لابن الصباغ: ص ٢٥٢.

٤ - المكاسب - كتاب القيافة.

٥ - مصباح الفقاهة: ص ٣٨٤.

٢٤

سنة ولادته:

والمشهور بين المؤرّخين أنّ ولادة الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام كانت في ١٩ من شهر رمضان سنة ١٩٥ هـ(١) ، وقيل: إنّ ولادته كانت في الخامس من رمضان سنة ١٧٥ هـ وهو اشتباه محض فإنّه من المقطوع به أنّه لم يولد في تلك السنة، وإنّما ولد في سنة ١٩٥ هـ حسبما أجمع عليه الرواة والمؤرّخون.

نقش خاتمه:

أمّا نقش خاتمه فيدلّ على مدى انقطاعه إلى الله، فقد كتب عليه ( العزّة لله )(٢) ، لقد آمن بأن العزّة إنما هي لله تعالى وحده خالق الكون وواهب الحياة.

نشأته:

نشأ الإمام محمد الجوادعليه‌السلام في بيت النبوة والإمامة ذلك البيت الذي أعزّ الله به المسلمين وقد ترعرععليه‌السلام في ظلاله وهو يتلقّى المثُل العليا من أبيه، وقد أفاض عليه أشعة من روحه العظيمة، وقد تولى بذاته تربيته، فكان يصحبه في حلّه وسفره، ويطعمه بنفسه، وقد روى يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام

__________________

١ - النجوم الزاهرة: ج ٢ ص ٢٣١، الفصول المهمة: ص ٢٥٢، الإرشاد: ص ٣٥٦.

٢ - دلائل الإمامة: ص ٢٠٩، وجاء في مكارم الأخلاق: ص ٩٢، عن محمد بن عيسى قال: سمعت الموفق يقول: كنت قدام أبي جعفر الثاني، وأراني خاتماً في إصبعه، فقال لي: أتعرف هذا الخاتم؟ فقلت له: نعم أعرف نقشه، فأمّا صورته فلا، وكان خاتم فضّه كله، وحلقته وفصّه فصّ مدوّر وكان عليه مكتوباً ( حسبي الله ) وفوقه وأسفله وردة، فقلت له: خاتم من هذا؟ فقال: خاتم أبي الحسن، فقلت له: وكيف صار في يدك؟ قال: لمّا حضرته الوفاة دفعه لي وقال: لا تخرجه من يدك إلاّ إلى عليّ ابني.

٢٥

وهو بمكة، وكان يقشّر موزاً، ويطعم أبا جعفر، فقلت له: جعلت فداك، هذا المولود المبارك؟ قالعليه‌السلام : نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا منه(١) .

إن هذا اللون من التربية المطعّم بالحبّ والتكريم له أثره البالغ في التكوين النفسي وازدهار الشخصية حسبما قرّره علماء التربية والنفس.

ذكاؤه وعبقريته:

وملك الإمام محمد الجوادعليه‌السلام في سنه المبكر من الذكاء والعبقرية ما يثير الدهشة ويملك النفس إكباراً وإعجاباً وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من ذكائه كان من بينها ما يلي:

١ - ما رواه أميّة بن علي قال: كنت مع أبي الحسن الرضا بمكة في السنة التي حجّ فيها مودّعاً البيت الحرام عندما أراد السفر إلى خراسان وكان معه ولده أبو جعفر الجواد، فودّع أبو الحسن البيت، وعدل إلى المقام فصلّى عنده، وكان أبو جعفر قد حمله أحد غلمان الإمام يطوف به وحينما انتهى إلى حجر إبراهيم جلس فيه وأطال الجلوس، فانبرى إليه موفق الخادم، وطلب منه القيام معه فأبى عليه، وهو حزين، قد بان عليه الجزع، فأسرع موفق إلى الإمام الرضاعليه‌السلام وأخبره بشأن ولده، فأسرع إليه، وطلب منه القيام فأجابه بنبرات مشفوعة بالبكاء والحسرات قائلاً:

( كيف أقوم؟ وقد ودّعت يا أبتي البيت وداعاً لا رجوع بعده.. ). وسرت موجة من الألم في نفس الإمام الرضاعليه‌السلام فالتمس منه القيام معه فأجابه إلى ذلك(٢)

__________________

١ - تنقيح المقال: ج ٣ ص ٣١٧، بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١١٧.

٢ - كشف الغمة: ج ٣ ص ١٥٢.

٢٦

ودلت هذه البادرة على مدى ذكائه، فقد أدرك من وداع أبيه للبيت الحرام أنه الوداع الأخير له، لأنّه رأى ما عليه من الوجل والأسى مما أوحى إليه أنّه النهاية الأخيرة من حياته، وفعلاً قد تحقق ذلك فإنّ الإمام الرضاعليه‌السلام بعد سفره إلى خراسان لم يعد إلى الديار المقدسة، وقضى شهيداً مسموماً على يد المأمون العباسي.

٢ - ومن بوادر ذكائه ما حدّث به المؤرخون أن المأمون قد اجتاز في موكبه الرسمي في بعض شوارع بغداد على صبيان يلعبون، وكان الإمام الجواد واقفاً معهم فلما بصروا بموكب المأمون فرّوا خوفاً منه سوى الإمام الجواد فإنه بقي واقفاً فبهر منه المأمون، وكان لا يعرفه، فقال له:

( هلا فررت مع الصبيان ...؟ ).

فأجابه الإمام بمنطقه الرائع الذي ملك به عواطف المأمون قائلاً:

( يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك والظنّ بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له.. ).

وعجب منه المأمون وسأله عن نسبه فأخبره به فترحّم على أبيه(١) وسنعرض لهذه الجهة في البحوث الآتية.

٣ - ومن آياته نبوغه المذهل انّه في سنه المبكر قد سأله العلماء والفقهاء عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها.. ولا مجال لتعليل هذه الظاهرة إلاّ بالقول إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البيتعليهم‌السلام طاقات مشرقة من العلم لم يمنحها إلاّ إلى أولي العزم من أنبيائه ورسله.

__________________

١ - أخبار الدول: ص ١١٥.

٢٧

إشادة الإمام الرضا بالجواد:

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام يشيد دوماً بولده الإمام الجواد، ويدلّل على فضله ومواهبه وقد بعث الفضل بن سهل إلى محمد بن أبي عباد كاتب الإمام الرضاعليه‌السلام يسأله عن مدى علاقة الإمام الرضاعليه‌السلام بولده الجوادعليه‌السلام ، فأجابه: ما كان الرضا يذكر محمداً إلا بكنيته، يقول: كتب لي أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفرعليه‌السلام وكان آنذاك بالمدينة، وهو صبي، وكانت كتب أبي جعفر ترد إلى أبيه وهي في منتهى البلاغة والفصاحة(١) .

وحدّث الرواة عن مدى تعظيم الإمام الرضا لولده الجواد، فقالوا: إنّ عباد بن إسماعيل، وابن أسباط كانا عند الإمام الرضا بمنى إذ جيء بأبي جعفر فقالا له:

( هذا المولود المبارك..؟ ).

فاستبشر الإمام وقال:

( نعم هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه.. )(٢) .

وهناك طائفة كثيرة من الأخبار قد أثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهي تشيد بفضائل الإمام الجوادعليه‌السلام وتدلّل على عظيم مواهبه وملكاته.

إكبار وتعظيم:

وأحيط الإمام الجواد منذ نعومة أظفاره بهالة من التكريم والتعظيم من قبل الأخيار والمتحرّجين في دينهم فقد اعتقدوا أنّه من أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي فرض الله مودّتهم على جميع المسلمين، وقد ذكر الرواة أنّ علي بن جعفر الفقيه الكبير، وشقيق

__________________

١ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠٤، إثبات الهداة: ج ٦ ص ١٦١.

٢ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠٤.

٢٨

الإمام موسى بن جعفر، وأحد أعلام الأسرة العلوية في عصره، كان ممّن يقدّس الإمام الجوادعليه‌السلام ويعترف له بالفضل والإمامة، فقد روى محمد بن الحسن بن عمارة قال: كنت عند عليّ بن جعفر جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه - يعني الإمام أبا الحسن موسى - إذ دخل أبو جعفر محمد بن عليّ الرضاعليه‌السلام مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يده وعظّمه، والتفت إليه الإمام الجواد قائلاً:

( اجلس يا عمّ رحمك الله.. ).

وانحنى عليّ بن جعفر بكل خضوع قائلاً:

( يا سيدي، كيف أجلس وأنت قائم..؟ ).

وانصرف الإمام الجوادعليه‌السلام ورجع عليّ بن جعفر إلى أصحابه فأقبلوا عليه يوبخونه على تعظيمه للإمام مع حداثة سنّه قائلين له:

أنت عمّ أبيه، وأنت تفعل به هذا الفعل..؟ ).

فأجابهم عليّ بن جعفر جواب المؤمن بربّه ودينه، والعارف بمنزلة الإمامة قائلاً:

( اسكتوا إذا كان الله - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة - يعني الإمامة - وأهّل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، نعوذ بالله ممّا تقولون. بل أنا عبد له.. )(١) .

ودلّل علي بن جعفر على أن الإمامة لا تخضع لمشيئة الإنسان وإرادته ولا تنالها يد الجعل الإنساني، وإنما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لها من يشاء من عباده من دون فرق بين أن يكون الإمام صغيراً أو كبيراً.

__________________

١ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١١٧، أصول الكافي: ج ١ ص ٣٨٠.

٢٩

انطباعات عن شخصيّته:

وملكت مواهب الإمام محمد الجوادعليه‌السلام عواطف العلماء فسجّلوا إعجابهم وإكبارهم له في مؤلّفاتهم، وفيما يلي بعض ما قالوه:

١ - الذهبي:

قال الذهبي: ( كان محمد يلقّب بالجواد، وبالقانع، والمرتضى، وكان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد.. )(١) .

٢ - ابن تيميّة:

قال ابن تيمية: ( محمد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء، ولهذا سمّي بالجواد )(٢) .

٣ - الصفدي:

قال الصفدي: ( كان محمد يلقّب بالجواد، وبالقانع، وبالمرتضى، وكان من سروات آل بيت النبوة.. وكان من الموصوفين بالسخاء، ولذلك لقّب بالجواد.. )(٣) .

٤ - ابن الجوزي:

قال السبط بن الجوزي: ( محمد الجواد كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والجود )(٤) .

٥ - محمود بن وهيب:

قال الشيخ محمود بن وهيب: ( محمد الجواد هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً

__________________

١ - تاريخ الإسلام: ج٨، ورقة ١٥٨ ( مصوّر ).

٢ - منهاج السنة: ج ٢ ص ١٢٧.

٣ - الوافي بالوفيات: ج ٤ ص ١٠٥.

٤ - تذكرة الخواص: ص ٣٢١.

٣٠

وأجلّ اخوته قدراً وكمالاً.. )(١) .

٦ - الزركلي:

قال خير الدين الزركلي: ( محمد بن الرضي بن موسى الكاظم، الطالبي، الهاشمي، القرشي، أبو جعفر، الملقّب بالجواد، تاسع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية كان رفيع القدر كأسلافه ذكياً، طليق اللسان، قويّ البديهة.. )(٢) .

٧ - كمال الدين:

قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة: ( أما مناقب أبي جعفر الجواد فما اتّسعت حلبات مجالها، ولا امتدّت أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل القدوم عليه كزيارة حمامه فلم تطل بها مدّته ولا امتدّت فيها أيامه )(٣) .

٨ - عليّ بن عيسى الأربلي:

وأدلى علي بن عيسى الأربلي بكلمات أعرب فيها عن عميق إيمانه وولائه للإمام الجواد قال: ( الجواد في كلّ أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة.. فاق الناس بطهارة العنصر، وزكاء الميلاد، وافترع قلّة العلاء فما قاربه أحد ولا كاد مجده، عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب، ومنصبه يشرف على المناصب، إذا أنس الوفد ناراً قالوا: ليتها ناره، لا نار غالب له إلى المعالي سمو، وإلى الشرف رواح وغدو، وفي السيادة إغراق وعلوّ وعلى هام السماك ارتفاع وعلوّ، وعن كلّ رذيلة بعد، وإلى كلّ فضيلة دنو، تتأرج المكارم من أعطافه ويقطر المجد من أطرافه، وترى أخبار السماح عنه، وعن أبنائه وأسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه،

____________

١ - جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ص ١٤٩.

٢ - الأعلام: ج ٧ ص ١٥٥.

٣ - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ج ٢ ص ٧٤.

٣١

والويل لمن رغب في خلافه، إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي كان له صفاياها، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها، يباري الغيث جوداً وعطية، ويجاري الليث نجدة وحمية، ويبذ السير سيرة رضية(١) .

هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار المؤلّفين، وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وعبقرياته وما اتّصف به من النزعات الشريفة التي تحكي صفات آبائه الذين رفعوا مشعل الهداية في الأرض.

__________________

١ - كشف الغمة: ج ٣ ص ١٦٠.

٣٢

فِي ظِلال أبِيهِ

٣٣

٣٤

عاش الإمام محمد الجواد في ظلال أبيه فترة قصيرة من الزمن لا تتجاوز السبع سنين، وكان بهذا السن يملك من الذكاء والعبقريات ما يثير الدهشة كما أنّ من المؤكّد انه قد انطبعت في دخائل نفسه مثل أبيه، وقيمه الخالدة التي كانت مشعلاً للهداية واليقظة والإحساس في المجتمع الإسلامي ونتحدّث - بإيجاز - عن بعض شؤون الإمام الرضاعليه‌السلام ومدى حبّه للإمام الجواد، وغير ذلك ممّا يرتبط بالموضوع.

مكارم أخلاقه:

أما أخلاق الإمام الرضاعليه‌السلام فإنّها نفحة من روح الله، وهي تضارع أخلاق جده الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد حدث إبراهيم بن العباس عن سموّ أخلاقهعليه‌السلام بقوله:

( ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ما جفا أحداً قطّ، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين جليسه، ولا اتّكى قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكه، وكان يُجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة في السرِّ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة.. ).

وهذه الأخلاق كأخلاق جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي طوّر حياة الإنسان، وأنقذ الأمم والشعوب من حياة التيه والتأخّر إلى حياة حافلة بالعزة والكرامة.

٣٥

لقد روى المؤرخون صوراً رائعة من مكارم أخلاقه فقد رووا أنّه لما كان في خراسان وتقلد ولاية العهد، التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلامية بعد الخلافة فلم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، وقد احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحداً بتهيأته، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يعرفه فلمّا دخل الحمام كان فيه جندي فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ودخل الحمام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فذعر الجندي ووقع على الإمام يقبّل أقدامه، ويقول:

( هلا عصيتني إذ أمرتك.. ).

فتبسّم الإمام في وجهه وقال له برفق ولطف:

( إنها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه.. )(١) .

ومن معالي أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبوّاب(٢) وقد أراد بذلك القضاء على التمايز بين الناس، وإفهام المجتمع أنهم جميعاً على صعيد واحد، وقد اثر عنه من الشعر في ذلك قوله:

لبست بالعفّة ثوب الغنى

صرت أمشي شامخ الرأس

لست إلى النسناس مستأنساً

نّني آنس بالناس(٣)

إذا رأيت التيه من ذي الغنى

تهت على التائه باليأس(٤)

__________________

١ - نور الأبصار: ص ١٣٨.

٢ - المناقب: ج ٤ ص ٣٦١.

٣ - النسناس: دابة وهمية على شكل الإنسان.

٤ - التيه: الكبر.

٣٦

ما إن تفاخرت على معدم

ولا تضعضعت لإفلاس(١)

ودلّل الإمام بهذا الشعر على مدى ما يتمتّع به من مكارم الأخلاق التي هي امتداد مشرق لأخلاق آبائه الذين أسّسوا الفضائل والمكارم في دنيا العرب والإسلام.

زهده:

وزهد الإمام الرضاعليه‌السلام في جميع رغائب الحياة، ومباهج الدنيا، واتّجه صوب الله تعالى، وحينما تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة ولم يقم لها أي وزن، وقد اعتبر مشي الرجال خلف الرجل فتنة للتابع، ومذلّة للمتبوع فلم يرغب في موكب رسمي وكان من أبغض الأشياء وأشدها كراهية عنده أن يقابل بما يقابل به الملوك والخلفاء من مظاهر العظمة والأبّهة، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد قال: كان جلوس الرضاعليه‌السلام على حصيرة في الصيف وعلى مسح(٢) في الشتاء ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيا(٣) ويقول الرواة إنّه التقى به سفيان الثوري، وكان الإمام قد لبس ثوبا من خز، فأنكر عليه الثوري ذلك وقال له: لو لبست ثوباً أدنى من هذا؟ فأخذ الإمام يده برفق وأدخلها كمّه، فإذا تحت ذلك الثوب مسح، وقالعليه‌السلام له: ( يا سفيان الخز للخلق، والمسح للحقّ.. )(٤) .

لقد كان الزهد في الدنيا من أبرز الذاتيّات في خُلق أهل البيتعليهم‌السلام فقد اتّصلوا بالله، وانقطعوا إليه، ورأوا أن غيره زخرف لا يُوصل إلى الحقّ.

سخاؤه:

ولم يكن في الدنيا شيء أحبّ إلى الإمام الرضاعليه‌السلام من الإحسان إلى الناس

__________________

١ - المناقب: ج ٤ ص ٣٦١.

٢ - المسح: الكساء من الشعر.

٣ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص١٧٨، المناقب: ج ٤ ص ٣٦٠.

٤ - المناقب: ج ٤ ص ٣٦٠.

٣٧

والبر بهم، فقد كان السخاء من عناصره ومقوّماته، وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من كرمه وجوده كان منها ما يلي:

١ - إنّه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، وصادف ذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل وقال له: إنّ هذا لمغرم، فأجابه الإمام:

( بل هو المغنم، لا تحدث مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً ).

إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقير، والإحسان إلى الضعيف ابتغاء مرضاة الله، وإنما المغرم أن ينفق الإنسان أمواله بغير وجه مشروع، خصوصاً الإنفاق على ما لا يعود على المجتمع بفائدة.

٢ - ومن كرمه أنه وفد عليه رجل فسلّم عليه، وقال له: أنا رجل من محبّيك ومحبي آبائك، مصدري من الحجّ، وقد نفذت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدّقت بالذي تعطيني عنك، فقامعليه‌السلام ودخل حجرة في داره، ولم يلبث أن أخرج يده، وقال له: خذه هذه المائتي دينار، فاستعن بها في أمورك ونفقتك، ولا تتصدّق بها عني، وانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام، والتفت بعض الحاضرين إلى الإمام فقال له: لِمَ سترت نفسك عن الرجل وأخرجت يدك فناولته المال، ولم تره؟ فقالعليه‌السلام :

( إنما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه، لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسيّئة مخذول، أما سمعت قول الشاعر:

متى آته يوماً لأطلب حاجة

عت إلى أهلي ووجهي بمائه(١)

٣ - ومن بوادر سخائه أنّه مرّ به فقير فقال له:

__________________

١ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ٢٨.

٣٨

( أعطني على قدر مروّتك )، فأجابه الإمام:

( لا يسعني ذلك.. ).

والتفت الفقير إلى أنّه قد أخطأ في كلامه فقال:

( أعطني على قدر مرؤتي.. ).

وقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً:

( إذن نعم.. ).

وأمر له بمائتي دينار(١) .

إنّ مروءة الإمام لا تحدّ فلو أعطاه ما في الأرض فليس على قدر مروّته ورحمته التي هي امتداد ذاتي لرحمة الرسول الأعظم.

هذه بعض البوادر من كرمه وجوده التي لم يقصد بها إلاّ إدخال السرور على القلوب البائسة الحزينة التي أثقلتها مرارة الحياة وبؤسها.

علمه:

كان الإمامعليه‌السلام أعلم أهل زمانه وأفضلهم، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين، وقد تحدّث عبد السلام الهروي وهو ممّن رافق الإمام عن سعة علمهعليه‌السلام فقال:

( ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة، والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، وأقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في ( الروضة ) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا دعيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ المسألة فأجيب عنها.. )(٢) .

__________________

١ - المناقب: ج ٤ ص ٣٦١ - ٣٦٢.

٢ - كشف الغمة: ج ٣ ص ١٠٧.

٣٩

وقال إبراهيم بن العباس:

( ما رأيت الرضا يسأل عن شيء قطّ إلا علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيب فيه، وكان كلامه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كلّ ثلاثة أيام ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمته، ولكن ما مررت بآية قطّ إلاّ فكّرت فيها، وفي أي شيء نزلت وفي أي وقت فلذلك صرت أختمه في كلّ ثلاثة أيام.. )(١) .

لقد كان الإمام الرضاعليه‌السلام من عمالقة الفكر والعلم في الإسلام، وهو ممّن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية، والتحدّث عن قدراته العلمية يستدعي دراسة خاصة ومطوّلة عسى أن نوفّق لها إن شاء الله.

عبادته:

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام من أعبد الناس، وأخلصهم في طاعته لله، وما ترك نافلة من النوافل ولا مستحباً من المستحبات، وقد فعل كلّ ما يقرّبه إلى الله زلفى، وقد حدّث رجاء بن أبي الضحاك عن مدى عبادته، وكان قد رافق الإمام في سفره من يثرب إلى خراسان، قال: والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه )(٢) .

لقد أخلص الإمام الرضا في عبادته وطاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص فقد خُلِق للطاعة وخُلِق للعبادة، وتجرّد عن مباهج الدنيا وزينتها واتّجه صوب الله تعالى.

هيبته:

أمّا هيبته فكانت تعنو لها الجباه، فقد بدت عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك،

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٨٠.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٧٩.

٤٠

وكان من هيبته إنّه إذا جلس للناس أو ركب لم يقدر أحد أن يرفع صوته من عظيم هيبته(١) .

آراء وكلمات:

وأدلى فريق من العلماء والمؤلّفين بكلمات عن الإمام الرضاعليه‌السلام وهي تعرب عن إكبارهم وتعظيمهم له وفيما يلي بعضها:

١ - المأمون:

وأعرب المأمون في كثير من المناسبات عن إعجابه بشخصيّة الإمام الرضاعليه‌السلام وهذه بعض كلماته:

أ - قال المأمون لأسرته حينما لامته على عقده ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام : ( أمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن فما بايع له إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق على ظهرها - أي ظهر الأرض - أبين فضلاً، ولا أطهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضي في الخاصّة والعامّة، ولا أشدّ في ذات الله منه.. )(٢) .

ب - قال المأمون: ( الإمام الرضا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم )(٣) . ولهذه الصفات الرفيعة الماثلة فيه قالت الشيعة بإمامته، وانّه ممّن فرض الله طاعتهم ومودّتهم على الناس.

٢ - إبراهيم بن العبّاس:

وكان إبراهيم بن العباس ممّن رافق الإمامعليه‌السلام وقد تحدث عن معالي أخلاقه، وكان مما قاله فيه: ( وكان كثير المعروف والصدقة في السرِّ، وأكثر ذلك يكون منه في

____________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٧٩.

٢ - حياة الإمام الرضاعليه‌السلام : ص ١٤٣.

٣ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٨٣.

٤١

الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا تصدّقه )(١) .

٣ - عارف تامر:

قال عارف تامر: ( يعتبر الإمام الرضا من الأئمة الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره.. )(٢) .

وكثير من أمثال هذه الكلمات التي عبّرت عمّا تميّز به الإمام من الصفات الرفيعة التي لم يتّصف بها أحد سوى آبائه الذين رفعوا علم الهداية في الأرض.

مدح الشعراء:

ونظم الشعراء الكثير من الشعر في معالي صفات الإمام الرضاعليه‌السلام ومكارم أخلاقه وفيما يلي بعضهم:

١ - الصولي:

وهام الصولي(٣) إعجاباً بالإمام فراح يقول:

ألا أنّ خير الناس نفساً ووالداً

هطاً وأجداداً عليّ المعظّم

أتتنا به للحلم والعلم ثامناً

اماً يؤدّي حجّة الله تكتم(٤)

__________________

١ - حياة الإمام الرضاعليه‌السلام : ص ١٤٣.

٢ - الإمامة في الإسلام: ص ١٢٥.

٣ - الصولي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن العباس الصولي كان كاتباً بليغاً، وشاعراً مجيداً، ومن شعره:

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها

فرجت وكان يظنّها لا تفرج

 ومن كلامه: مثل أصحاب السلطات مثل قوم علوا جبلاً ثم وقعوا منه فكان أقربهم إلى التلف أبعدهم في الارتقاء.. يروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، توفي بسر من رأى، في منتصف شهر شعبان سنة ( ٢٤٣ هـ ) جاء ذلك في الكنى والألقاب: ج٢ ص ٤٣٢ - ٤٣٣.

٤ - مناقب آل أبي طالب: ج ٤ ص ٣٣٢.

٤٢

٢ - أبو نواس:

وتنسب هذه الأبيات الرائعة إلى أبي نواس، وقد قالها حينما عوتب على تركه لمدح الإمام الرضا فقال:

قيل لي أنت أوحد الناس طراً

فنون من المقال النبيه

لك من جوهر الكلام نظام

مر الدر في يدي مجتنبه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

لخصال التي تجمعن فيه

قلت: لا أهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه(١)

٣ - عبد الملك بن المبارك:

قال الشاعر عبد الله بن المبارك في مدح الإمام:

هذا عليّ والهدي يقوده

من خير فتيان قريش عوده(٢)

لقد أجمع المسلمون بجميع طبقاتهم على إكبار الإمامعليه‌السلام وتعظيمه، والاعتراف له بالفضل.

إرغام الإمام على ولاية العهد:

وأرغم المأمون الإمام الرضاعليه‌السلام على قبول ولاية العهد، وأكرهه على ذلك فهدّده بالقتل إن لم يستجب له، أما الأسباب التي دعته إلى هذا الإجراء فهي:

أولاً: النزاع الذي كان بينه وبين أخيه، مما أدى إلى اندلاع نار الحرب بينهما وانضمام معظم الأسرة العباسية إلى الأمين الذي كان أحبّ إليهم من المأمون، فأراد تقوية مركزه السياسي، وبسط نفوذه، فعقد ولاية العهد إلى زعيم العلويين وسيّدهم الإمام الرضاعليه‌السلام الذي يكنّ له المسلمون أعظم الولاء والتقدير، ويرون في شخصيّته

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ص ١٤٢ - ١٤٣.

٢ - المناقب: ج ٤ ص ٣٦٢.

٤٣

امتداداً لشخصيّة جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثانياً : ثورة أبي السرايا.

ثالثا : تصاعد المدّ الشيعي الذي أخذ بالاتّساع، فشمل أغلب أنحاء الدولة، فأراد المأمون بعهده للإمامعليه‌السلام أن يتخلّص من حركات الشيعة كما يقول ابن خلدون(١) .

هذه بعض الأسباب التي دفعت المأمون إلى عقده لولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام وكان على علم بأنّها صورية لا واقع لها، وممّا يدلّل على ذلك أنّه شرط عليه ( أن لا يولّي أحداً، ولا يعزل أحداً، ولا ينقض رسماً ولا يغيّر شيئاً ممّا هو قائم، ويكون في الأمر مشيراً من بعيد )(٢) ومن الطبيعي أنّه لو كان يعلم بصحّة نيّة المأمون، وسلامة اتّجاهه لما وقف هذا الموقف السلبي من حكومته، وتعاون معه في جميع المجالات.

خطبة المأمون:

ولمّا بايع الناس الإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد اعتلى المأمون المنبر فخطب الناس وممّا جاء في خطابه:

( أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ البكم لبرؤا بإذن الله عزوجل.. )(٣) .

محافل الأفراح:

وأوعز المأمون إلى جميع ولادته وعمّاله على الأقاليم الإسلامية بإقامة المهرجانات

__________________

١ - تاريخ ابن خلدون: ج ٤ ص ٩.

٢ - و ٣ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٤٧.

٤٤

العامّة، وإظهار معالم الزينة في البلاد، كما أمر الخطباء بإذاعة فضائل الإمامعليه‌السلام والتحدّث عن مآثر أهل البيتعليهم‌السلام وأقام في بلاطه مهرجاناً عامّاً حضرته جميع الأوساط الشعبية، وقد أجلس الإمام إلى جانبه فقام العباس الخطيب فخطب خطبة بليغة، وختمها بقوله:

لابدّ للناس من شمس ومن قمر

فأنت شمس وهذا ذلك القمر (١)

وتمّت بذلك هذه البيعة التي فرح بها العالم الإسلامي، وأعلن المسلمون تأييدهم لها فقد أيقنوا أنّها ستحقّق جميع آمالهم ورغباتهم.

مع الإمام الجواد:

ولابدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن بعض شؤون الإمام الجوادعليه‌السلام مع أبيه الإمام الرضاعليه‌السلام .

قيامه بشؤون أبيه:

وبالرغم من حداثة سنّ الإمام الجوادعليه‌السلام فقد كان هو القائم بشؤون أبيه ورعاية أموره خصوصاً ما كان منها بالمدينة(٢) .

ويقول المؤرّخون: إنّه كان يأمر الموالي، وينهاهم، ولا يخالفه أحد في ذلك وكان الإمام الرضاعليه‌السلام مسروراً بقيام ابنه بمهامه وشؤونه.

رسالة الإمام الرضا إلى الجواد:

وحينما كان الرضاعليه‌السلام في خراسان بعث إليه برسالة جاء فيها:

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٤٦.

٢ - ضياء العالمين: ج ٢، من مخطوطات مكتبة الحسينية الشوشترية.

٤٥

( يا أبا جعفر بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً، فأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلاّ من الباب الكبير، وإذا ركبت فاصحب معك ذهباً وفضّة ثمّ لا يسألك أحد إلاّ أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين ديناراً ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين ديناراً، والكثير إليك، إنّي أريد أن يرفعك الله فانفق ولا تخشى من ذي العرش اقتاراً.. )(١) .

إنّ سجية الأئمة الطاهرين الكرم والإحسان إلى الناس، والبرّ بالضعفاء والفقراء، لقد لفت الإمام الرضاعليه‌السلام انتباه ولده إلى ما يصنعه الموالي معه من إخراجه من الباب الصغيرة في الدار لئلاّ يراه الفقراء حتى ينعم عليهم، وقد أمرهعليه‌السلام بالخروج من الباب الكبيرة حيث يزدحم عليها الضعفاء والمحرومون. وعهد إليه أن يقوم بإكرامهم والانعام عليهم وقد كانت هذه الظاهرة إحدى العناصر الذاتية في أخلاق أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

نصّه على إمامة الجواد:

ونصّ الإمام الرضاعليه‌السلام على إمامة ولده الجواد، ونصبه خليفة من بعده ومرجعاً عاماً للمسلمين ليرجعوا إليه في شؤونهم الدينية، وقد روى النصّ على إمامته جمهور كبير من الرواة كان منهم:

١ - محمد المحموري:

روى محمد المحموري عن أبيه قال: كنت واقفاً على رأس الإمام الرضاعليه‌السلام بطوس فقال له بعض أصحابه:

( إنّ حدث حدّث فإلى من؟ ).

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ٨.

٤٦

وإنما سأله عن الإمام من بعده حتى يدين بطاعته والولاء له، فقالعليه‌السلام له:

( إلى ابن أبي جعفر.. ).

وكان الإمام أبو جعفرعليه‌السلام في مرحلة الطفولة، فقال له:

( إني استصغر سنّه!! ).

فردّ عليه الإمام هذه الشبهة قائلاً:

( إن الله بعث عيسى بن مريم قائماً في دون السنّ، التي يقوم فيها أبو جعفر.. )(١) .

وحفل جواب الإمام الرضاعليه‌السلام بالدليل الحاسم فإنّ الله تعالى بعث عيسى نبيّاً وآتاه العلم صبياً وهو دون سنّ الإمام أبي جعفر، والنبوّة والإمامة من منبع واحد لا يناطان بالصغير والكبير وإنّما أمرهما بيد الله تعالى فهو الذي يختار لهما من أحبّ من عباده.

٢ - صفوان بن يحيى:

وممّن روى النصّ على إمامة الجواد صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا: قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عن القائم بعدك؟ فتقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقرّ عيوننا، فإن كان كون، فإلى من؟ فأشار الإمام إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه وعمره إذ ذاك ثلاث سنين، فقلت: هو ابن ثلاث سنين؟!! قالعليه‌السلام : وما يضرّ من ذلك، فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين(٢) .

٣ - معمر بن خلاد:

وروى معمر بن خلاد النصّ من الرضاعليه‌السلام على إمامة ولده الجواد قال: سمعته

__________________

١ - الدرّ النظيم، ورقة ٢١٨ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

٢ - الفصول المهمة لابن الصباغ: ص ٢٥١، أصول الكافي: ج ١ ص ٣٧٩.

٤٧

يقول لأصحابه: وقد ذكر شيئاً ثمّ قال لهم: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني.. إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة(١) بالقذة(٢) .

٤ - عبد الله بن جعفر:

ومن رواة النصّ على إمامة الجواد عبد الله بن جعفر قال: دخلت على الإمام الرضا أنا وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر قائم قد أتى له ثلاث سنين، فقلنا: جعلنا الله فداك، ونعوذ بالله إن حدث حدث فمن يكون بعدك؟ قالعليه‌السلام : ابني هذا، وأومأ إلى ولده الإمام الجواد - فقلنا له: وهو في هذا السنّ؟! قالعليه‌السلام : نعم إنّ الله تبارك وتعالى احتجّ بعيسى وهو ابن سنتين(٣) .

٥ - محمد بن أبي عباد:

وممّن سمع النصّ على الإمام الجواد من أبيه محمد بن أبي عباد قال: سمعت الإمام الرضاعليه‌السلام يقول: ( أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي )(٤) .

إلى غير ذلك من النصوص التي أثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام وهي تلعن إمامة الجواد من بعده، وأنه أحد خلفاء الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمته.

غدر المأمون بالرضا:

وبعدما استنفذت الأغراض السياسية للمأمون في بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام رأى أن يغدر

__________________

١ - القذة: بضمّ القاف وفتح الذال ويش السهم، يقال: حذو القذة بالقذّة إذا تساويا في المقدار حيث يقدر كلّ واحد منهما على قدر صاحبه ويقطع ويضرب مثلاً للشيئين يتساويان.

٢ - الفصول المهمة: ص ٢٥١، بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠٣.

٣ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١١٧.

٤ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠٤، إثبات الهداة: ج ٦ ص ١٦١.

٤٨

به، ويفتك بحياته، وعلينا أن نتحدّث - بإيجاز - عن الأسباب التي دعته إلى اقتراف هذه الجريمة وهي:

١ - الحسد:

وأترعت نفس المأمون بالحسد للإمام الرضاعليه‌السلام وكان سبب ذلك ما ظهر للناس من فضل الإمام وعلمه، وقد روى المؤرّخون أنّ المأمون أوعز إلى علماء الأقطار الإسلامية بالقدوم إلى خراسان لامتحان الإمام، وقد خاضوا معه مختلف المسائل الفلسفية والكلامية والبحوث الطبّية وغيرها، وقد خرجوا من عنده وهم يقولون بإمامته ويذيعون فضله وينشرون معارفه، ولما استبان للمأمون ذلك أوعز إلى محمد بن عمرو الطوسي بطرد الناس عن مجلس الإمام(١) وقد كشف النقاب عن هذه الجهة أبو الصلت الهروي عندما سأله أحمد بن عليّ الأنصاري فقال له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبّته له وما جعل له من ولاية العهد؟ فأجابه أبو الصلت:

( إنّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنّه راغب في الدنيا، فيسقط محلّه من نفوسهم فلمّا لم يظهر منه ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه المتكلّمين من البلدان طمعاً في أن يقطعه واحد فيسقط محلّه عند العلماء، ويشتهر نقصه عند العامّة، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فوق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجّة، وكان الناس يقولون: والله أنّه أولى بالخلافة من المأمون، وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتدّ حسده(٢) .

__________________

١ - عيون أخبار الرضا: ج ٢ ص ١٧٢.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٣٩.

٤٩

إنّ الحسد من أخبث الأمراض النفسية وهو يفرز جميع الرذائل فقد ألقى الناس في شرّ عظيم وهو - من دون شكّ - قد دفع المأمون إلى اغتيال الإمام والفتك به.

٢ - إرضاء العبّاسيّين:

وذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ المأمون إنما سمّ الإمام إرضاءً لعواطف بني العبّاس ومداراة لهم(١) فقد قامت قيامتهم حينما صار الإمام ولي عهد المأمون وخافوا على الخلافة أن تنتقل إلى آل عليّعليه‌السلام وقد أراد المأمون أن يزيل ما في نفوسهم فاغتال الإمامعليه‌السلام بعد أن تّمت أهدافه السياسيّة.

٣ - عدم محاباة الإمام للمأمون:

ولعلّ من أوثق الأسباب التي دفعت المأمون إلى اغتيال الإمام هو أنّ الإمام كان لا يُحابي المأمون، ولا يداريه، وكان دوماً يوصيه بتقوى الله وطاعته، ويحذّره العقاب في الدار الآخرة، وقد أدلى بهذه الجهة أبو الصلت الهروي، قال: كان الرضا لا يُحابي المأمون من حقّ، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله، فيغيظه ذلك ويحقده عليه، ولا يظهره له فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله وقتله(٢) .

٤ - صلاة العيد:

ومن الأسباب التي أدّت إلى حقد المأمون على الإمام حديث صلاة العيد فقد طلب من الإمام أن يصلي صلاة العيد فامتنع الإمام من إجابته وأصرّ عليه المأمون فأجابه الإمام إلى ذلك إلاّ أنّه شرط عليه أن يصلّي بالناس كما كان جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي بهم ووافق المأمون على ذلك وأمر القوّاد وسائر الناس أن يبكّروا إلى دار الإمام، وخرج الناس بجميع طبقاتهم في الصبح الباكر وجلسوا في الطرقات، وأشرفوا من السطوح وهم يتطلّعون إلى خروج الإمام، وقام الإمام في الصبح

__________________

١ - عيون التواريخ: ج ٣، ورقة ٢٢٧.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٣٩.

٥٠

فاغتسل لصلاة العيد، وتعمّم بعمامة بيضاء ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً منها بين كتفيه، وأمر مواليه أن يفعلوا مثل ذلك، وخرجعليه‌السلام حافياً وبيده عكّاز وكان لا يسير خطوة إلاّ رفع رأسه فكبّر، وقد تخيّل إلى الناس أنّ الهواء وحيطان البيوت تجاوبه.

وكان القوّاد وسائر الناس قد تزيّنوا ولبسوا السلاح وتهيّأوا بأحسن هيئة كما كانوا يفعلون مع ملوكهم، وواصل الإمام مسيرته بتلك الهيئة التي تعنو لها الجباة، وقد رفع صوته قائلاً:

( الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا.. ).

ورفع الناس أصواتهم يدعون بدعائه، وهم يبكون، وقد تذكّروا في الإمام ما كان يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبان لهم ضلال أولئك الحكّام وأنّهم على غير الحق، وصارت مرو ضجّة واحدة، وسقط القوّاد من دوابهم ويقول بعض المؤرخين أن السعيد منهم من كان يعرف أحداً فيعطيه دابته ليوصلها إلى أهله.

وكان الإمام إذا سار عشر خطوات وقف فكبّر الله أربعاً، وتابعه الناس في ذلك، وقد علا منهم البكاء فقد رأوا في الإمام امتداداً ذاتياً لشخصيّة جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المحرّر الأكبر للإنسانية المعذّبة، وقد وصف البحري خروج الإمام إلى الصلاة بقوله:

ذكروا بطلعتك النبي فهلّلواّ

لماطلعت من الصفوف وكبّروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابساً

نور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومشيت مشية خاشع متواضع

لله لا يزهو ولا يتكبّر

ولو أنّ مشتاقاً تكلّف غير ما

في وسعه لمشى إليك المنبر(١)

____________

١ - مناقب آل أبي طالب: ج ٤ ص ٣٧٢.

٥١

وبلغ المأمون ما عليه الناس من الإكبار والتعظيم للإمام، فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلّى على هذا الحال افتتن الناس به، فالرأي أن تسأله أن يرجع، فأرسل إليه المأمون أن يرجع فرجع الإمام(١) .

هذه بعض البوادر التي ذكرها المؤرّخون لحقد المأمون على الإمام وقد خاف على ملكه وسلطانه فصمّم على اقتراف أخطر جريمة في الإسلام، وهي تصفية الإمامعليه‌السلام جسدياً.

اغتيال المأمون للإمام:

ولمّا ضاق المأمون ذرعاً من الإمام عمد إلى اغتياله فاستدعاه وقدّم له عنقوداً من العنب كان قد سمّ بعضه فناوله له وقال: يا بن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا؟ فردّ عليه الإمام:

( ربما كان عنب أحسن منه في الجنة ).

وطلب المأمون من الإمام أن يأكل منه، فتريّب الإمام، وقال له: ( تعفيني منه؟ ).

فنهره المأمون وصاح به:

( لابدّ من ذلك، وما يمنعك منه لعلّك تتهمنا بشيء؟ ).

وأرغم الإمام على تناوله، فأكل ثلاث حبّات، ورمى بالعنقود، وقد أثّر السم به في الوقت فقام من المجلس، فقال له المأمون:

( إلى أين ).

فرمقه الإمام بطرفه وقال له بنبرات حزينة مرتعشة:

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ١٥٠ - ١٥١، نور الأبصار: ص ١٤٣.

٥٢

( إلى حيث وجّهتني - يعني إلى الموت - )(١) .

وتفاعل السمّ في بدنه، وأحاطت به آلام الموت، فأرسل إليه المأمون رسولاً وقال له: قل له: ما توصيني به؟ وعرض على الإمام ذلك فقالعليه‌السلام : قل له: ( يوصيك أن لا تعطي أحداً ما تندم عليه )(٢) .

وعرض الإمام بذلك إلى ما أعطاه المأمون له من ولاية العهد وما ألزم به نفسه أمام الله والأمّة ثمّ خلس بعد ذلك، والتفت الإمام إلى أبي الصلت قائلاً:

( يا أبا الصلت قد فعلوها.. )(٣) .

يشير بذلك إلى اغتيال المأمون له، وأخذ الإمام في تلك الفترة الرهيبة يعاني آلام السم، فقد تقطّعت أمعاؤه، وذابت حشاشته إلى جنّة المأوى:

ودنا الموت سريعاً من الإمام ليخمد تلك الشعلة المشرقة التي أضاءت الحياة الفكرية والاجتماعية في دنيا العرب والإسلام، وكان الإمام في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بذكر الله لم تصدّه عنه آلام الموت، ولفظ أنفاسه الأخيرة مشفوعة بتوحيد الله وتمجيده، وقد ارتفعت روحه العظيمة إلى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والأوصياء تحفّها ملائكة الله ورضوانه، لقد ارتفعت روح الإمام إلى الله بعد أن أدّى رسالته الإصلاحية العظيمة في الذبّ عن دين الله، وحماية مبادئه وأهدافه.

المأمون ينعى الإمام:

وكتم المأمون موت الإمام الرضا يوماً وليلة، ثمّ أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادقعليه‌السلام

__________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ج ٢ ص ٢٤٣.

٢ - عيون التواريخ: ج ٣، ورقة ٢٢٧.

٣ - الإرشاد: ص ٣٥٥.

٥٣

وجماعة من آل أبي طالب، يأمرهم بالحضور عنده فلمّا مثلوا أمامه نعى إليهم الإمام، وأظهر لهم الحزن الشديد والأسى العميق وقام معهم إلى جثمان الإمام فأطلعهم عليه وأنّه لم يُضرب بسيف أو يُطعن برمح ثمّ خاطب الجثمان العظيم قائلاً:

( يعزّ عليّ يا أخي أن أراك في هذه الحالة، وقد كنت آمل أن أقدم قبلك فأبى الله إلاّ ما أراد.. )(١) .

تجهيز الجثمان العظيم:

وقام المأمون بتجهيز جثمان الإمام فغسله، وأدرجه في أكفانه وكتب إلى جميع أنحاء خراسان للفوز بتشييعه.

وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع جثمان الإمام، فكان يوماً مشهوداً لم تشهد خراسان بمثله، وتقدّم المأمون أمام النعش وجعل يخاطب الجثمان ليسمعه الناس قائلاً:

( أي المصيبتين عليّ أعظم فقدي إيّاك أم اتّهام الناس لي.. ).

في مقرّه الأخير:

وجيئ بالجثمان تحت هالة من التهليل والتكبير، فواراه المأمون في مقرّه الأخير بجوار هارون الرشيد، وقد وارى أنصع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أمدّت الناس بعناصر الوعي والفكر.. لقد دفن الإمام في تلك البقعة الطاهرة، وأصبح مرقده الشريف في خراسان مناراً للكرامة الإنسانية وهو أعزّ حرم وأمنعه في الإسلام، فما يعرف الناس ضريحاً لولي من أولياء الله له مثل تلك الحشمة والعزّة

__________________

١ - الإرشاد: ص ٣٥٥.

٥٤

والكرامة، وقد استشفّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من وراء الغيب أنّ بعض أوصيائه سيدفن في خراسان فأعلن ذلك، وذكر ما يحظى به زائره من الكرامة والمثوبة عند الله، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ستدفن بضعة منّي بخراسان، ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنبه.. )(١) . وقد نظم بعض الشعراء هذا الحديث الشريف ببيتين من الشعر وقد رُسِما على جدران المشهد الشريف وهما:

من سرّه أن يرى قبراً برؤيته

يفرّج الله عمّن زاره كربه

فليأت ذا القبر إنّ الله أسكنه

سلالة من رسول الله منتجبه(٢)

وأثرت عن الإمام الجواد زيارة خاصّة لأبيه هذا نصّها:

( السلام عليك من إمام عصيب، وإمام نجيب، وبعيد قريب، ومسموم غريب.. )(٣) .

فضل زيارته:

وأثرت عن الإمام الجواد عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب وهذه بعضها:

١ - روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت محمد بن علي الرضاعليه‌السلام يقول: ما زار أبي أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار.. )(٤) .

__________________

١ - الحدائق الوردية: ج ٢ ص ٢١٩.

٢ - في أنوار اليقين من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء جاء هذا البيت:

فليأت طوساً فإنّ الله أسكنها

سلالة من رسول الله منتجبه

٣ - حياة الإمام الرضاعليه‌السلام : ص ٤٣٢.

٤ - وسائل الشيعة ج ١٠ ص ٤٣٧.

٥٥

٢ - روى عليّ بن أسباط قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ما لمن زار أباك بخراسان؟ فقالعليه‌السلام : الجنة والله الجنة(١) .

٣ - روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لأبي جعفر: قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى؟ فقال لي مكانك، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه، فقال: زوّار أبي عبد الله كثيرون، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون(٢) .

تعازي المسلمين للإمام الجواد:

وحينما وافا النبأ المؤلم أهالي يثرب بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام هرعوا إلى الإمام الجواد فجعلوا يعزّونه بمصابه الأليم، ويشاركونه الأسى واللوعة، كما وفدت من سائر الأقطار وفود كثيرة، وهي ترفع تعازيها للإمام، وممّن وفد عليه الشاعر الكبير عبد الله بن أيّوب الخريبي، وكان من المتّصلين بالإمام الرضاعليه‌السلام والمنقطعين إليه، وقد رفع إلى الإمام الجواد هذه الأبيات الرقيقة:

يا بن الذبيح ويا بن أعراق الثرى

طابت أرومته وطاب عروقا

يا بن الوصي وصي أفضل مرسل

أعني النبي الصادق المصدوقا

ما لفّ في خرق القوابل مثله

أسد يلفّ مع الخريق خريقا

يا أيّها الحبل المتين متى أغد

يوماً بعقوبة أجده وثيقا

أنا عائذ بك في القيامة لائذ

أبغي لديك من النجاة طريقا

لا يسبقني في شفاعتكم غدا

أحد فلست بحبّكم مسبوقا

 __________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٠ ص ٤٣٧.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٠ ص ٤٤٢.

٥٦

يا بن الثمانية الأئمّة غربوا

وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا

إنّ المشارق والمغارب أنتم

جاء الكتاب بذالكم تصديقا(١)

كما وفدت عليه جمهرة أخرى من الشيعة وهي ترفع له تعازيها الحارّة وتواسيه بمصابه العظيم.

حيرة الشيعة:

وتحيّرت الشيعة كأشدّ ما تكون الحيرة في شؤون الإمامة بعد وفاة الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقد كان سنّ الإمام الجواد ست سنين وأشهر(٢) ممّا أدّى إلى اضطراب بعضهم ووقوع النزاع في صفوفهم فقد رأى بعضهم أنّ من كان بهذا السن لا يكون إماماً، وإنّ الإمامة لابدّ أن يتقلّدها الرجل الكبير، واجتمع فريق من الشيعة في بيت من بيوتهم، وكان من بينهم الريّان بن الصلت، ويونس، وصوفان بن يحيى، ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجّاج، وخاضوا مسألة الإمامة فجعلوا يبكون فقال لهم يونس: دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي - يعني الإمام الجواد - فردّ عليه الريّان بن الصلت قائلاً:

( إن كان أمر من الله جلّ وعلا، فابن يومين مثل ابن مائة سنة، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه، وهذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه.. )(٣) .

وكان هذا هو الجواب الحاسم المركّز على الواقع المشرق الذي تذهب إليه

__________________

١ - مقتضب الأثر: ص ٥١.

٢ - في كثير من المصادر أنّ عمر الإمام الجواد كان سبع سنين وأشهر.

٣ - دلائل الإمامة: ص ٢٥٠، فرق الشيعة: ص ٥٩.

٥٧

الشيعة الإمامية من أنّ كبر السن وصغره لا مدخليّة لهما في الترشيح لمنصب الإمامة الذي يضارع منصب النبوّة في أكثر خصوصيّاته، فإنّ أمرهما بيد الله تعالى فهو الذي يهبهما لمن يختار من عباده.

وفود الفقهاء والعلماء:

ووفدت إلى يثرب جمهرة من كبار العلماء والفقهاء وقد انتدبوا من قِبل الأوساط الشيعية في بغداد وغيرها من الأمصار وذلك للتعرّف على معرفة الإمام بعد وفاة الإمام الرضا وكان عددهم فيما يقول المؤرّخون ثمانين رجلاً، ولما انتهوا إلى يثرب قصدوا دار الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ففرش لهم بساط أحمر، وخرج إليهم عبد الله ابن الإمام موسىعليه‌السلام فجلس في صدر المجلس، مُضفياً على نفسه المرجعيّة للأمّة وانّه الإمام بعد الإمام الرضاعليه‌السلام وقام رجل فنادى بين العلماء: هذا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن أراد السؤال فليسأل، فقام إليه أحد العلماء فسأله: ( ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟.. ).

فأجابه عبد الله بجواب يخالف فقه أهل البيتعليهم‌السلام قائلاً:

( طُلِّقت ثلاثاً دون الجوزاء.. ).

وذهل العلماء والفقهاء من هذا الجواب الذي شذّ عمّا قرّره الأئمة الطاهرون من أنّ الطلاق يقع واحداً، ولا نعلم - لِمَ استثنى عبد الله الجوزاء عن بقية الكواكب؟

وانبرى إليه أحد الفقهاء فقال له:

( ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ ).

فأجابه على خلاف ما شرع الله قائلاً:

( تقطع يده، ويجلد مائة جلدة ).

وبهت الحاضرون، وضجّ بعضهم بالبكاء من هذه الفتاوى التي خالفت أحكام

٥٨

الله، وحاروا في أمرهم وبينما هم في حيرة وذهول إذ فُتِح باب من صدر المجلس، وخرج موفق، ثمّ أطل عليهم الإمام أبو جعفر وهو بهيبته التي تعنو لها الجباه، وقام الفقهاء والعلماء إجلالاً وإكباراً له، وانبرى شخص فعرّفهم بأنّه الإمام بعد أبيه، والحجّة الكبرى على المسلمين فقام إليه صاحب السؤال الأوّل فقال له:

( ما تقول: فيمن قال: لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟ ).

فأجابه الإمامعليه‌السلام :

( يا هذا اقرأ كتاب الله تبارك وتعالى:( الطلاّقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسانٍ ) وهي في الثالثة.. ).

وبهر الحاضرون من مواهب الإمام، وقد أيقنوا أنّهم وصلوا إلى الغاية التي ينشدونها، ورفع السائل إلى الإمام فتيا عمّه في المسألة فالتفتعليه‌السلام إليه قائلاً:

( يا عمّ اتّق الله، ولا تفتِ وفي الأمة من هو أعلم منك.. ).

واطرق عبد الله برأسه إلى الأرض، ولم يدرِ ماذا يقول، وقام إلى الإمام صاحب المسألة الثانية فقال له:

( ما تقول: فيمن أتى بهيمة؟ ).

فقالعليه‌السلام : ( يعزّر، وتحمى ظهر البهيمة، وتُخرج من البلد لئلاً يبقى على الرجل عارها ).

وعرض السائل على الإمام فتوى عمّه، فأنكر عليه أشدّ الإنكار وقال له متأثّراً:

( لا إله إلا الله، يا عبد الله إنّه لعظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك: لِمَ أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك؟ ).

وأخذ عبد الله يلتمس له المعاذير قائلاً:

( رأيت أخي الرضا، وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب ).

فأنكر عليه الإمام وصاح به:

٥٩

( إنّما سئل الرضا عن نبّاش نبش امرأة ففجر بها، وأخذ ثيابها فأمر بقطعه للسرقة، وجلده للزنا، ونفيه للمثلة بالميّت )(١) .

وسأله العلماء والفقهاء عن مسائل كثيرة في مختلف أبواب الفقه، وقد بلغت فيما يقول المؤرّخون ثلاثين ألف مسألة، وصرّح بعضهم أنه سئل في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنهاعليه‌السلام (٢) ، ونحن لا نتصوّر إمكان ذلك في مجلس واحد، وذلك لعدم سعة الوقت، والصحيح إنّه سئل عن ثلاثين ألف مسألة في نوب متفرقة أزمنة متعدّدة.

وعلى أي حال فقد أيقن العلماء بإمامته ورجعوا إلى أمصارهم وهم يذيعون إمامة الجواد وينقلون إلى المسلمين سعة علومه ومعارفه وانّه المعجزة الكبرى للإسلام حيث انّه بهذا السنّ، وقد بلغ من العلوم والمعارف ما لا يحدّ ولا يوصف.

ومن الجدير بالذكر انّ بعض الشيعة كانوا قد سألوا الإمام الرضاعليه‌السلام عن مسائل فأجابهم عنها فخفّوا إلى الإمام الجواد بعد وفاة أبيه، فسألوه عنها ليمتحنوه في ذلك فأجابهم عنها حسب جواب أبيه، وقد روى أبو خراش النهدي قال: كنت حضرت مجلس الرضا فأتاه رجل فقال له: جعلت فداك أمّ ولد لي، وهي صدوق أرضعت جارية لي بلبن ابني أيحرم عليَّ نكاحها؟ فقالعليه‌السلام : لا رضاع بعد فطام، ثمّ سأله عن الصلاة في الحرمين فقالعليه‌السلام : إن شئت قصرت وإن شئت أتممت، قال: فحججت بعد ذلك، فدخلت على أبي جعفر فسألته عن المسائل فأجابني بعين ما أجاب به أبوه(٣) . وعلى أي حال فقد رجعت الشيعة إليه، وقالت بإمامته، ولم يشذّ أحد منهم ويقول بإمامة غيره.

__________________

١ - الدرّ النظيم: ورقة ٢١٨ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٨ ص ٥١١ - ٥١٢.

٣ - الدرّ النظيم: ورقة ٢١٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279