حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)14%

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 279

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158900 / تحميل: 8685
الحجم الحجم الحجم
حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

حياة الأمام محمد الجواد (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مِن مُثُلِهِ الْعُلْيا

٦١

٦٢

وتجسّدت في شخصية الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام جميع المثل العليا والنزعات الرفيعة التي يعتزّ بها هذا الكائن الحيّ من بني الإنسان، وكان من بينها ما يلي:

الإمامة:

وتقلّد الإمام أبو جعفرعليه‌السلام الإمامة والزعامة الدينية العامة، وكان عمره الشريف سبع سنين وأشهر، كما تقلّد عيسى بن مريم النبوّة وهو دون هذا السنّ.

لقد بنيت الإمامة على فلسفة عميقة تهدف إلى رفع مستوى الإنسان وتحقيق ما يصبو إليه من إقامة الحقّ والعدل.. ولابدّ لنا من وقفة قصيرة للتحدّث عن بعض شؤونها.

أهدافها:

وعنت الإمامة بتحقيق الأهداف الأصلية التي ينعم في ظلالها الإنسان وكان من بين تلك الأهداف:

أ - إقامة العدل في جميع أنحاء البلاد من دون فرق بين أن يكون العدل اجتماعياً أو سياسياً، فلا تواجه الأمّة في ظلّ الإمامة الرشيدة أي غبن اجتماعي أو فردي، ولا يوجد أي امتياز لقوم على آخرين فالجميع سواء أمام العدل والحقّ، وبإقامة هذا العدل الخالص يكون الإنسان خليفة لله في أرضه ولا تجد الأمّه أي التواء في

٦٣

مسيرتها.

ب - الثورة على الظلم والطغيان، ومناجزة البطش، ومنع سيطرة القويّ على الضعيف، وقد تبنّت الشيعة بصورة إيجابية هذه الجهة، فقد ثارت بثورات متلاحقة ضدّ الظلم والبغي، وحاربت القوى الغادرة، وقد رفعت رؤوس إعلامهم وأئمّتهم على الرماح وهي تنير طريق الحرية والكرامة فقد قتل معاوية جماعة منهم عمرو بن الحمق الخزاعي داعي الحقّ وعلم الحرية والنضال، وبعد قتله رفع رأسه يطاف به في الأقطار والأمصار، وهو ينير للناس طريق الكفاح، وقتل يزيد بن معاوية العترة الطاهرة من أبناء الرسول ورفع رؤوسهم على الرماح وقد خلدت تلك الثورات للإسلام مجداً على امتداد التاريخ فقد عرفت العالم أنّ الإسلام دين الكفاح والثورة على الظلم والبغي والاستبداد.

إنّ الثورات المدوّية التي قامت في الإسلام لم تكن إلاّ بوحي من الإمامة التي استوعبت أفكارها المشرقة قلوب أولئك الثوّار الذين ألغموا قصور الظالمين بعبوات ناسفة أتت على معالم زهوهم وجبروتهم.

ج - صيانة اقتصاد الأمة، وعدم التصرف في الخزينة المركزية إلاّ في الصالح العام، والعمل على تنمية القدرات الاقتصادية في البلاد، وزيادة الدخل الفردي، وتطوير الاقتصاد العامّ بما يضمن رفع البؤس الذي هو رديف الكفر والإلحاد وليس للحاكم وغيره من المسؤولين في جهاز الحكم التلاعب في مقدّرات الدولة أو اصطفاء شيء منها لنفوسهم وذويهم.. وقد كان السبب الرئيسي في الثورة التي أطاحت بحكومة عثمان عميد الأسرة الأمويّة هو تلاعب بني أميّة بأموال الدولة واصطفائها لهم ولمن سار في جهازهم.

د - إشاعة الإيمان بالله الذي تبتني عليه قوى الخير والسلام في الأرض فإنّ

٦٤

الإيمان بالله إذا استقرّ في أعماق النفس ودخائل الذات يستحيل أن يقترف الشخص ظلماً أو جوراً أو اعتداءً على الغير وإنّما يكون مصدر رحمة وخير إلى الناس.

هـ - العمل على تزكية النفوس، وطهارة القلوب وغرس النزعات الكريمة والصفات الفاضلة فيها ليكون فعل الخير والابتعاد عن الشرّ عنصراً من عناصرها ومقوّماً من مقوّماتها، وبذلك يتحقّق للبشرية أهمّ ما تصبو إليه.

و - نشر الأمن العامّ، والقضاء على جميع ألوان الاضطرابات، فيعيش الفرد آمناً مطمئناً لا يلاحقه رعب، ولا يطارده خوف، فتعيش الشاة إلى جانب الذئب لا تخشى منه، ولا تحذره.

هذه بعض الأهداف الرفيعة التي تنشدها الإمامة التي تقول بها الشيعة الإمامية، وهي أسمى قاعدة للتطوّر البشري في جميع مراحل التاريخ.

صفات الإمام:

ولابدّ أن تتوفّر في الإمام الصفات الرفيعة، والمثل الكريمة، ومن بينها ما يلي:

العلم:

وتجمع الشيعة على أنّ الإمام لا يدانيه أحد في سعة علومه ومعارفه وأنّه لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين، والإحاطة بالنواحي السياسية والإدارية وغير ذلك ممّا يحتاج إليه الناس، أمّا الأدلة على ذلك فهي متوفّرة لا يتمكّن أحد أن ينكرها أو يخفيها فالإمام أمير المؤمنين سيد العترة الطاهرة هو الذي فتق أبواباً من العلوم بلغت - فيما يقول العقّاد - اثنين وثلاثين علماً، وهو الذي أخبر عن التقدّم التكنولوجي الذي يظهر على مسرح الحياة، فقد قالعليه‌السلام :

٦٥

يأتي زمان على الناس يرى من في المشرق مَن في المغرب، ومن في المغرب يرى مَن في المشرق، وقالعليه‌السلام : ( يأتي زمان على الناس يسمع مَن في المشرق مَن في المغرب ومَن في المغرب يسمع مَن في المشرق، وتحقّق ذاك بظهور جهاز التلفزيون والراديو، وقالعليه‌السلام : ( يأتي زمان على الناس يسير فيه الحديد، وتحقّق ذلك بظهور القطار والسيارات وغيرهما، وأمثال هذه الأمور التي أخبر عنها، يجدها المتتبّع في الكتب التي تبحث عن هذه الأمور كالغيبة للشيخ الطوسي وبعض أجزاء البحار، وغيرهما ممّا ألِّف في هذا الموضوع.

أمّا الإمام الصادقعليه‌السلام معجزة العلم والفكر في الأرض، فقد أخبر عن تلوّث الفضاء والبحار، وما ينجم عنهما من الأضرار البالغة للإنسان كما أخبر عن وجود الحياة في بعض الكواكب، وهو الذي وضع قواعد التشريح، وخصوصيّة أعضاء الإنسان والعجائب التي في بدنه والتي منها الأجهزة المذهلة، وقد عرض لذلك كتابه المسمّى بتوحيد المفضل ويعتبر المؤسّس الأوّل لعلوم الفيزياء والكيمياء، فقد وضع أصولها على يد تلميذه جابر بن حيّان مفخرة الشرق، ورائد التطوّر البشري في الأرض.

وقد دلّل الجواد على ما تذهب إليه الشيعة في الإمامة، فقد كان وهو في سنّه المبكر قد خاض مختلف العلوم وسأله العلماء والفقهاء عن كلّ شيء فأجاب عنه، ممّا أوجب انتشار التشيّع في ذلك العصر وذهاب أكثر العلماء إلى القول بالإمامة.

لقد احتفّ بالإمام الجواد وهو ابن سبع سنين وأشهر العلماء والفقهاء والرواة وهم ينتهلون من نمير علومه، وقد رووا عنه الكثير من المسائل الفلسفية والكلامية، ويعتبر ذلك من أوثق الأدلّة على ما تذهب إليه الشيعة في الإمامة.

العصمة:

وأمر آخر بالغ الأهمّية تذهب إليه الشيعة في أئمتها وهو عصمتهم من الزيغ،

٦٦

وامتناعهم من الولوج في أي ميدان من ميادين الإثم والباطل وهو حقّ لا شبهة فيه، فإنّ من يمعن النظر في سيرة الأئمة الطاهرين تتجلّى له هذه الحقيقة بوضوح فالإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام - على حدّ تعبيره - لو أعطي الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها على أن يعصي الله في جلب شعيرة يسلبها من فم جرادة ما فعل، أليست هذه هي العصمة؟

أما الإمام الحسين سيد الأحرار فإنّه لو سالم السياسة الأمويّة لما واجه أهوال كربلاء وخطوبها، لقد كانت العصمة من أبرز ذاتيّاتهم، ومن أظهر صفاتهم فقد كانوا يملكون رصيداً قوياً من الإيمان، وطاقات هائلة من التقوى تمنعهم من اقترف أي ذنب من الذنوب.

إنّ العصمة بهذا الإطار لا تنافي العلم، ولا تشذّ عن سنن الحياة، ومن أنكرها في أئّمة أهل البيتعليهم‌السلام فقد انحرف عن الحقّ، ومال إلى الباطل والضلال.. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن إمامته.

عبادته:

كان الإمام الجواد أعبد أهل زمانه، وأشدّهم خوفاً من الله تعالى، وأخلصهم في طاعته وعبادته، شأنه شأن الأئّمة الطاهرين من آبائه الذين وهبوا أرواحهم لله، وعملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى.. أمّا مظاهر عبادة الإمام الجوادعليه‌السلام فهي:

نوافله:

كان الإمام الجواد كثير النوافل، ويقول الرواة: كان يصلي ركعتين يقرأ في كلّ ركعة سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص سبعين مرّة(١) .

وكان كثير العبادة في شهر رجب، وقد روى الريّان بن الصلت قال: صام

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ٥ ص ٢٩٨.

٦٧

أبو جعفر الثانيعليه‌السلام لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب، ويوم سبع وعشرين منه، وصام معه جميع حشمه، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة، تقرأ في كلّ ركعة الحمد وسورة، فإذا فرغت قرأت الحمد أربعاً، وقل هو الله أحد أربعاً والمعوذتين أربعاً، وقلت: لا إله إلاّ الله والله أكبر، وسبحان الله والحمد لله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم أربعاً، الله الله ربّي، ولا أشرك به شيئاً أربعاً، لا أشرك بربّي أحداً أربعاً(١) . وكان يقول: إنّ في رجب لليلة خير ممّا طلعت عليه الشمس، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب، وذكرعليه‌السلام فيها صلاة خاصّة(٢) .

حجّه:

وكان الإمام أبو جعفرعليه‌السلام كثير الحجّ، وقد روى الحسن بن علي الكوفي بعض أعمال حجّه قال: رأيت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام في سنة خمس عشرة ( خ ) ( وعشرين ) ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثمّ مسح وجهه بيده، ثمّ أتى المقام، فصلّى خلفه ركعتين ثمّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت، وكشف الثوب عن بطنه، ثمّ وقف عليه طويلاً يدعو، ثمّ خرج من باب الحناطين وتوجّه، قال: فرأيته في سنة ( ٢١٩ هـ ) ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كلّ شوط فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وقوف الحجر المستطيل وكشف الثوب عن بطنه ثمّ أتى الحجر فقبّله ومسحه وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ثمّ مضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية(٣) .

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ٥ ص ٢٤٣.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٥ ص ٢٤٢.

٣ - وسائل الشيعة: ج ١٠ ص ٢٣٢.

٦٨

وروى عليّ بن مهزيار بعض الخصوصيات في حجّ الإمامعليه‌السلام قال: رأيت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء، وصلّى خلف المقام ثمّ دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر وشرب منه وصبّ على بعض جسده، ثمّ اطلع في زمزم مرّتين، وأخبرني بعض أصحابنا انّه رآه بعد ذلك في سنة فعل مثل ذلك..(١) .

وكان هذا التدقيق من الرواة في نقل هذه الخصوصيّات باعتبار أنّ فعل الإمامعليه‌السلام من السنة التي يتعبّد بها عند الشيعة.

من أدعيته:

للإمام الجواد أدعيّة كثيرة تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى، فمن أدعيته هذا الدعاء: ( يا من لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت تفني المخلوقين، وتبقى أنت، حلمت عمّن عصاك، وفي المغفرة رضاك.. )(٢) .

وكتب إليه محمد بن الفضيل يسأله أن يعلمه دعاءً فكتب إليه هذا الدعاء الشريف تقول: إذا أصبحت وأمسيت:

( الله الله ربّي، الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئاً ) وإن زدت على ذلك فهو خير، ثمّ تدعو بذلك في حاجتك، فهو لكلّ شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء(٣) .

وتمثّل أدعية الأئمة الطاهرين جوهر الإخلاص والطاعة لله فقد اتّصلوا بالله تعالى، وانطبع حبّه في مشاعرهم وعواطفهم، فهاموا بمناجاته والدعاء له.

زهده:

أمّا الزهد في الدنيا فإنّه من أبرز الذاتيات في خُلق أئّمة أهل البيتعليهم‌السلام فقد

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ٩ ص ٥١٥.

٢ - أعيان الشيعة: ج ٢ و ٤ ص ٢٤٥.

٣ - أصول الكافي: ج ٢ ص ٥٣٤.

٦٩

أعرضوا عن زهرة هذه الدنيا، وفعلوا كلّ ما يقربهم إلى الله زلفى.

لقد كان الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام رائد العدالة الكبرى في الأرض في أيام خلافته يلبس أخشن الثياب ويأكل أجشب العيش، ولم يتّخذ من غنائمها وفراً ولم يضع لبنة على لبنة، وعلى ضوء هذه السيرة المشرقة الواضحة سار الأئمة الطاهرون، فقد زهدوا جميعاً في الدنيا وأعرضوا عن رغائبها.

لقد كان الإمام الجوادعليه‌السلام شاباً في مقتبل العمر، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة البالغة مليون درهم. وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الطائفة الشيعية التي تذهب إلى إمامته بالإضافة إلى الأوقاف التي في ( قم ) وغيرها إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها في أموره الخاصّة وإنّما كان ينفقها على الفقراء والمعوزين والمحرومين.. وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فحدّثته نفسه أنّه لا يرجع إلى وطنه يثرب وسوف يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف، وعرف الإمام قصده، فانعطف عليه وقال له:

( يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحب إليَّ ممّا تراني فيه.. )(١) .

إنّه لم يكن من عشاق تلك المظاهر التي كانت تضفيها عليه الدولة، وإنّما كان كآبائه الذين طلّقوا الدنيا، واتّجهوا صوب الله تعالى لا يبغون عنه بديلاً.

كرمه:

كان الإمام أبو جعفرعليه‌السلام من أندى الناس كفّاً وأكثرهم سخاءً، وقد لُقِّب بالجود لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلى الناس وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من

__________________

١ - إثبات الهداة: ج ٦ ص ١٨٥.

٧٠

كرمه كان منها ما يلي:

١ - روى المؤرّخون أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام محمد الجواد وأخبره بما جرى عليهم فأمرعليه‌السلام له بكسوة وأعطاء دنانير ليفرقها على جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم (١). لقد أنقذهم الإمام من المحنة وردّ لهم ما سلب منهم.

٢ - روى العتبي عن بعض العلويّين إنّه كان يهوى جارية في يثرب، وكانت يده قاصرة عن ثمنها فشكا ذلك إلى الإمام الجوادعليه‌السلام فسأله عن صاحبها فأخبره عنه، ولمّا كان بعد أيام سأل العلوي عن الجارية فقيل له: قد بيعت وسأل عن المشتري لها، فقالوا له: لا ندري، وكان الإمام الجواد قد اشتراها سرّاً ففزع العلوي، نحو الإمام، وقد رفع صوته.

( بيعت فلانة ).

فقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً:

( هل تدري من اشتراها ).

( لا ).

وانطق معه الإمام إلى الضيعة التي فيها الجارية، فانتهى إلى البيت الذي فيه الجارية، فأمرهعليه‌السلام بالدخول إلى الدار فأبى العلوي لأنّها دار الغير ولم يعلم أنّ الإمام قد اشتراها، وأصرّ عليه الإمام بالدخول، ولم يلتفت إلى أنّها ملك الإمام، ثمّ إنّه دخل الدار مع الإمام فلمّا رأى الجارية التي يهواها، قالعليه‌السلام له:

أتعرفها؟

____________

١ - الوافي بالوفيات: ج ٤ ص ١٠٥، بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠٩.

٧١

نعم.

هي لك، والقصر والضيعة، والغلة وجميع ما في القصر، فأقم مع الجارية.

وملأ الفرح قلب العلوي وحار في شكر الإمام(١) .

هذه بعض البوادر التي ذكرها المؤرّخون من كرمه وبرّه بالفقراء والمستضعفين ويقول الرواة: إن كرم الإمام ومعروفه قد شمل حتى الحيوانات فقد روى محمد بن الوليد الكرماني قال: أكلت بين يدي أبي جعفر الثانيعليه‌السلام حتى إذا فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من فتات الطعام فقالعليه‌السلام له: ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبعه والقطه(٢) لقد أمرهعليه‌السلام بترك الطعام الذي في الصحراء ليتناوله الطير وسائر الحيوانات التي ليس عندها طعام.

الإحسان إلى الناس:

أما الإحسان إلى الناس والبرّ بهم فإنّه من سجايا الإمام الجواد ومن أبرز مقوماته، وقد ذكر الرواة بوادر كثيرة من إحسانه كان منها ما يلي:

روى أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان(٣) قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم

__________________

١ - مرآة الزمان: ج ٦، ورقة ١٠٥ من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٦ ص ٤٩٩.

٣ - سجستان: بكسر أوله وثانيه، وهي جنوبي هراة، قال محمد بن بحر الرهني: سجستان: إحدى بلدان المشرق، ولم تزل لفاحاً على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن، متوحّدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصحّ منهم معاملة، ولا أقلّ منهم مخاتلة وأضاف في تعداد مآثرها أنّه لُعن عليّ بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منابرها إلاّ مرّة، وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد.. وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على منبرهم، وهو يلعن على منابر الحرمين مكّة والمدينة؟ - المعجم: ج ٣ ص ١٩٠ - ١٩١.

٧٢

فقلت له: وأنا على المائدة: إنّ والينا جعلت فداك يتولاّكم أهل البيت ويحبّكم وعليّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إلي، فقالعليه‌السلام : لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك انّه على ما قلت: من محبّيكم أهل البيت، وكتابك ينفعني واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة:

( أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك، واعلم أنّ الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل.. )(١) .

ولما ورد إلى سجستان عرف الوالي وهو الحسين بن عبد الله النيسابوري إنّ الإمام قد أرسل إليه رسالة فاستقبله من مسافة فرسخين، وأخذ الكتاب فقبّله، واعتبر ذلك شرفاً له، وسأله عن حاجته فأخبره بها، فقال له: لا تؤدِّ لي خراجاً ما دام لي عمل، ثمّ سأله عن عياله فأخبره بعددهم فأمر له ولهم بصلة، وظلّ الرجل لا يؤدّي الخراج ما دام الوالي حيّاً، كما انّه لم يقطع صلته عنه(٢) كلّ ذلك ببركة الإمام ولطفه.

مواساته الناس:

وواسى الإمام الجوادعليه‌السلام الناس في سرّائهم وضرائهم، ويقول المؤرّخون: إنّه قد جرت على إبراهيم بن محمد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي، فكتب إلى الإمام الجوادعليه‌السلام يخبره بما جرى عليه، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة:

( عجّل الله نصرتك على من ظلمك، وكفاك مؤنته، وابشر بنصر الله عاجلاً

__________________

١ - الخردل: نبات حبّه صغير جداً.

٢ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٢٩.

٧٣

إن شاء الله، وبالآخرة أجلاً، وأكثر من حمد الله )(١) .

ومن مواساته للناس تعازيه للمنكوبين والمفجوعين، فقد بعث رسالة إلى رجل قد فجع بفقد ولده، وقد جاء فيها بعد البسملة:

( ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك الله عزوجل إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة، فأعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وربط على قلبك، إنّه قدير، وعجّل الله عليك بالخلف، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله )(٢) ، وأعربت هذه الرسالة الرقيقة عن مدى تعاطف الإمام مع الناس، ومواساته لهم في البأساء والضرّاء.

ومن مواساته للناس أنّ رجلاً من شيعته كتب إليه يشكو ما ألمَّ به من الحزن والأسى لفقد ولده، فأجابه الإمامعليه‌السلام برسالة تعزية جاء فيها:

( أمَا علمت أنّ الله عزوجل يختار من مال المؤمن، ومن ولده أنفسه ليؤجره على ذلك )(٣) .

لقد شارك الناس في البأساء والضراء، وواساهم في فجائعهم ومحنهم، ومدَّ يد المعونة إلى فقرائهم، وضعفائهم، وبهذا البرّ والإحسان فقد احتلّ القلوب والعواطف وأخلص له الناس وأحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحبّ.

هذه بعض مثل الإمام الجواد وقيمه، وقد رفعته إلى المستوى الرفيع الذي بلغه آباؤه الذين فجرّوا ينابيع العلم والحكمة في الأرض، ورفعوا مشعل الهداية والإيمان

__________________

١ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٢٦.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٢ ص ٨٧٤.

٣ - وسائل الشيعة: ج ٢ ص ٨٩٣.

٧٤

بالله تعالى.

لقد كان الإمام الجوادعليه‌السلام من أروع صور الفضيلة والكمال في الأرض، فلم ير الناس في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، فقد كان نسخة لا ثاني لها في فضائله ومآثره التي هي السرّ في إمامته.

لقد عجبت الأوساط الإسلامية بالإمام الجواد فقد هالتهم مواهبه، وملكاته العلمية التي لا تحدّ، وهي مما زادت الشيعة إيماناً ويقيناً بصحّة ما تذهب إليه وتعتقد به من أنّ الإمام لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم واتّقاهم..

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض مثل الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام .

٧٥

٧٦

علومه ومعارفه

٧٧

٧٨

أمّا سعة علوم الإمام ومعارفه فإنّها مذهلة للفكر، فهو - بحقّ - معجزة الإسلام الكبرى لقد خاض مختلف العلوم والفنون، وهو في سنّه المبكر وسأله العلماء والفقهاء، والفلاسفة والمتكلّمون، وعلماء الحديث عن أدقّ المسائل وأعمقها فأجابهم عنها، وقد ذهلوا من ذلك وتحيّروا، وآمن بعضهم بإمامته، ومن الطبيعي أنّه لا تعليل لهذه الظاهرة المحيّرة سوى القول بالإمامة، وهو ما تذهب إليه الشيعة من أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام قد منحهم الله العلم والحكمة وفصل الخطاب، كما منح أولي العزم من أنبيائه ورسله.

ونعرض - بإيجاز - إلى بعض ما أثر عنه من العلوم، وروائع الحكم والآداب وفيما يلي ذلك:

الحديث:

روى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام طائفة من الأحاديث بسنده عن جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما روى كذلك عن جدّه الإمام أمير المؤمنين، وعن جدّه الإمام الصادقعليه‌السلام ، وعن أبيه الإمام الرضاعليه‌السلام وفيما يلي ذلك:

رواياته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

أمّا ما رواه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمجموعة من الأخبار، وهذه بعضها:

١ - روىعليه‌السلام بسنده أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( إنّ فاطمة أحصنت فرجها

٧٩

فحرّمها الله وذرّيتها على النار )(١) .

٢ - روىعليه‌السلام بسنده عن جدّه الإمام أمير المؤمنين أنّه قال: بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن فقال لي: وهو يوصيني: ( يا علي ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة(٢) فإنّ الأرض تطوى بالليل ولا تطوى بالنهار، يا علي أغد بسم الله، فإنّ الله بارك لأمّتي في بكورها.. )(٣) .

٣ - روىعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( من عتب على الزمان طالت معتبته )(٤) .

٤ - روىعليه‌السلام بسنده أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( المرء مخبوء تحت لسانه..)(٥) .

ما يرويه عن الإمام أمير المؤمنين:

وروى عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام طائفة من الأخبار وكان من بينهما ما يلي:

قالعليه‌السلام : قام إلى أمير المؤمنين رجل بالبصرة، فقال: أخبرنا عن الإخوان؟ فقال: الإخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة فأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ، والجناح والأهل، والمال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك، وصاف من صافه، وعاد من عاداه واكتم سرّه، وأعنه، واظهر منه الحسن، واعلم أيّها السائل أنّهم أعزّ من الكبريت الأحمر، وأمّا إخوان المكاشرة فإنّك تصيب

__________________

١ - نزهة الجليس: ج ٢ ص ١١١، الوافي بالوفيات: ج ٤ ص ١٠٦ الأئمّة الاثنا عشر: ص ١٠٣.

٢ - الدلجة: المسير في الليل.

٣ - مرآة الجنان: ج ٢ ص ٨١، نزهة الجليس: ج ٢ ص ١١١، الوافي بالوفيّات: ج ٤ ص ١٠٦، الأئمّة الاثنا عشر: ص ١٠٣.

٤ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٠١.

٥ - نفس المصدر.

٨٠

منهم لذّتك، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، وحلاوة اللسان(١) .

لقد درس الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسية المجتمع، ووقف على دخائل النفوس وميولها واتّجاهاتها، وأعطى صوراً حيّة عن جميع المناحي الاجتماعية، والتي منها الصداقة بين الناس، فقد حلّلها تحليلاً واقعياً بما لا يختلف على امتداد التاريخ وفي مختلف العصور.

رواياته عن الإمام الصادق:

وروى عن الإمام الصادق حديثاً جاء فيه أنّ رجلاً سأل أباه عن مسائل فكان ممّا أجابه به، أن قال: قل لهم: هل كان فيما أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله اختلاف؟ فإن قالوا: لا فقل لهم: فمن حكم بحكم فيه اختلاف فهل خالف رسول الله؟ فيقولون: نعم، فإن قالوا: لا فقد نقضوا أوّل كلامهم، فقل لهم: ما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم، فإن قالوا: مَن الراسخون في العلم؟ فقل: مَن لا يختلف في عمله، فإن قالوا: مَن ذاك؟ فقل: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب ذاك.. إلى أن قال: وإن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحداً فقد ضيّع مَن في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى لو وجدوا له مفسّراً، قال: وما فسّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: بلى قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للأمّة شأن ذلك الرجل، وهو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، إلى أن قال: والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بحكم ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّ وجل، ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت..(٢) .

____________

١ - وسائل الشيعة: ج ٨ ص ٥٨.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٨ ص ١٣١.

٨١

وقد عرض هذا الحديث لموضوع الخلافة، وحفل بأوثق الأدّلة العقلية على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وبطلان ما يذهب إليه المنكرون لإمامته.

روايته عن أبيه:

روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: حدّثني أبو جعفر الثانيعليه‌السلام قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: دخل عمرو ابن عبيد على أبي عبد اللهعليه‌السلام فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية( الذِينَ يجتنُبِونَ كَبَائرَ الإثْمِ والفَواحِشِ ) ثمّ أمسك.

قال له أبو عبد الله: ما أسكتك؟

قال عمرو: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل.

قال أبو عبد الله: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله:( مَن يُشرِكْ باللهِ فقد حرَّم الله عليهِ الجنَّة ) وبعده اليأس من روح الله لأنّ الله عزوجل يقول:( لاَ ييأسُ مِن رَوْح اللهِ إلاَّ القومُ الكافرون ) ثمّ الأمن من مكر الله لأنّ الله عزوجل يقول:( فلا يَأمنُ مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ) ومنها عقوق الوالدين لأنّ الله سبحانه جعل العاق جبّاراً شقياً، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ لأن الله عزوجل يقول:( فجزاؤُهُ جهنَّم خالداً فيها ) وقذف المحصنة لأن الله عزوجل يقول:( لُعنُوا فِي الدنيا والآخرةِ ولهم عذابٌ عظيمٌ ) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عزوجل يقول:( إنما يأكلون في بطُونِهِم ناراً وسيصلون سعيراً ) والفرار من الزحف لأنّ الله عزوجل يقول:( ومَن يُولِّهم يومئذٍ دبُرهُ إلاَّ متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضَبٍ من الله ومأواهُ جهنَّمُ وبئس المصير ) وأكل الربا لأنّ الله عزوجل يقول:( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقومُ الذي يتخبطُهُ الشيطانُ من المسِّ ) والسحر لأن الله عزوجل يقول:( ولقد علموا لمن اشتراه مالهُ في الآخرة من

٨٢

خلاقٍ ) والزنا لأنّ الله عزوجل يقول:( ومن يفعل ذلك يلق آثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ) واليمين الغموس الفاجرة لأنّ الله عزوجل يقول:( الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ) والغلول لأنّ الله عزوجل يقول:( ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة ) ومنع الزكاة المفروضة لأنّ الله عزوجل يقول:( فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) وشهادة الزور، وكتمان الشهادة لأنّ الله عزوجل يقول:( ومن يكتُمها فإنَّه آثم قلبُهُ ) وشرب الخمر لأنّ الله عزوجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً مما فرض الله عزوجل لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من ترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض الله عزّ وجلّ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله، ونقض العهد، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجلّ يقول:( لهُمُ اللعنَةُ ولهُمْ سُوءُ الدار ) قال: فخرج عمرو له صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال: برأيه ونازعكم في الفضل والعلم..(١) .

وحذّر هذا الحديث الشريف من اقتراف الجرائم التي تمسخ ضمير الإنسان، وتهدّد الحياة الاجتماعية بالخطر، وتقف عائقاً في طريق حضارة الإنسان وتقدّمه.

التوحيد:

وأثيرت - في عصر الإمام الجواد - كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، وتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم.. وقد أجاب الإمام الجوادعليه‌السلام عن كثير من تلك الشبه، وفنّدها كان من بينها:

__________________

١ - بحار الأنوار: ج ١٢ ص ١٢٨ - ١٢٩.

٨٣

١ - وفد على الإمام أبي جعفرعليه‌السلام بعض المتضلّعين في علم الفلسفة والكلام فقدّم له السؤال التالي:

( أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو ).

وحلّل الإمامعليه‌السلام سؤاله إلى وجهين، كما حلّل الوجه الثاني منهما إلى وجهين، وقد صحّح بعض تلك الوجوه، وأبطل البعض الآخر منها لأنّها تتنافى مع واقع التوحيد قالعليه‌السلام :

( إنّ لهذا الكلام وجهين: إن كنت تقول: هو هي، أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك.

وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء ( فإن لم تزل ) يحتمل معنيين: فإن قلت: لم تزل عنده في علمه، وهو مستحقّها فنعم وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها: وهجاؤها، وتقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره، بل كان الله، ولا خلق، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه، ويعبدونه، وهي ذكره، وكان الله ولا ذكر، والذكور بالذكر هو الله القديم، الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعنى بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، إنّما يختلف ويأتلف المتجزي، فلا يقال: الله مؤتلف، ولا الله كثير، ولا قليل، ولكنّه القديم في ذاته لأنّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحد لا يتجزّى، ولا متوهّم بالقلّة والكثرة وكلّ متجزّي متوهّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له، فقولك: إنّ الله قدير خبرت انّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه، وكذلك قولك: عالم إنّما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه. فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالماً ).

٨٤

( وألمّ كلام الإمام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أيّة صفة من صفاته تعالى مستلزمة للعدد والكثرة وذلك ما يترتّب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالى، فلا حدوث في صفاته، ولا تجزّئ في ذاته فصفاته عين ذاته، كما دلّل على ذلك في علم الكلام.. أمّا تحليل هذه الفقرات من كلامه فإنّه يستدعي بحوثاً مطوّلة، وقد آثرنا الإيجاز فيها.

وبهر السائل من إحاطة الإمام بهذه البحوث المعقّدة وراح يسأله قائلاً:

( كيف سمّي ربّنا سميعاً.. ).

فأجابه الإمام جواباً رائعاً دفع به الشبهة قائلاً:

( إنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سمّيناه بصيراً لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين، وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة، وأحقر من ذلك.. وموضع الشقّ منها، والعقل والشهوة، والسفاد والحدب على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال، والمفاوز والأودية والقفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيّف. وكذلك سمّي ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوّته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصاً كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزاً فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كيف، ولا نهاية، ولا إخطار محرم على القلوب أن تمثّله، وعلى الأوهام أن تحدّه وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أدات خلقه وسمات بريّته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.. )(١) .

__________________

١ - التوحيد: ص ١٤٢ - ١٤٣.

٨٥

إنّ صفات الله تعالى الإيجابية السلبية وليست على غرار الصفات التي يتّصف بها الممكن الذي يفتقر في وجوده إلى علّة تفيض عليه الوجود، كما يفتقر عدمه إلى علّة بالإضافة إلى أنّ صفات الممكن مثل البصر والسمع إنّما تقوم بجوارح الإنسان ويستحيل عليه ذلك تعالى إذ ليست له جوارح ولا أبعاض.

إنّ من صفات الله تعالى أنه ( لطيف ) وذلك لعلمه بالأشياء اللطيفة كالبعوضة وما هو أصغر وأدقّ منها، وقد ألهمها الله هداها فهي تسير سيراً عجيباً في منتهى الروعة والدقّة، تحافظ على حياتها وعلى نوعيّتها، وتحدب على نسلها فترعاه وتعاهده بالطعام. إنّ هذه الحركات من الحيوانات الصغيرة لتنادي بوجود خالقها العظيم الذي ألهمها هداها.

إنّ من صفات الله تعالى أنّه ( قويّ ) ولكن ليست هذه القوّة كالقوة التي يتّصف بها الإنسان، وهي قوّة البطش والانتقام فإنّ هذه الصفة قابلة للزيادة والنقصان والتغيير ويستحيل أن يتّصف بذلك الله تعالى عن مشابهة مخلوقاته.

إنّ صفات الله تعالى وذاته لا تتحمّلها، الأوهام ولا العقول والأفكار لأنّها إنّما تتصوّر الممكنات الخاضعة لهذا اللون من التصوّر ويمتنع عليه تعالى ذلك كما دلّل عليه في البحوث الفلسفية والكلامية.

وعلى أي حال فقد أثبت الإمام في هذه البحوث أنّه من عمالقة الفلسفة والكلام في الإسلام وإنّا نسأل في أيّة مدرسة درس الإمام علم الفلسفة والكلام حتى صار من أقطاب هذا الفنّ وأجاب بهذه الأجوبة الدقيقة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار الفلاسفة والعلماء، إنّه لا تعليل لذلك سوى ما تقول به الشيعة إنّ الله تعالى منحه العلم والفضل وآتاه الحكم صبياً.

٢ - سأل محمد بن عيسى الإمام أبا جعفرعليه‌السلام عن التوحيد قائلاً: إنّي أتوهّم

٨٦

شيئاً، فأجابه الإمام:

( نعم غير معقول، ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام، وهو خلاف ما يتصوّر في الأوهام إنّما يتصوّر شيء غير معقول ولا محدود.. )(١) .

إنّ وهم الإنسان إنّما يتعلّق بالأمور الخاضعة للوهم والتصوّر أمّا الأمور التي لا تخضع لذلك فإنّه من المستحيل أن يتعلّق بها الوهم والخيال حسب ما قرّر في علم الفلسفة، فالله تعالى في ذاته وصفاته لا يصل له الوهم ولا الخيال لأنّهما إنّما يدركان الأمور الممكنة دون واجب الوجود.

٣ - روى الحسين بن سعيد قال: سئل أبو جعفر الثانيعليه‌السلام يجوز أن يقال لله إنّه شي؟ فقالعليه‌السلام :

( نعم يخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه.. )(٢) .

إنّ الشيئية التي تطلق على الممكنات لا تطلق عليه تعالى إلاّ بشرط تجريده من حدّ التعطيل، وحدّ التشبيه الذين هما من أبرز صفات الممكن.

٤ - سأل أبو هاشم الجعفري عن قوله تعالى:( لاَ تُدرِكُهُ الأبصارَ وهُوَ يُدرِكُ الأبصارَ ) ، فقالعليه‌السلام :

( يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟.. )(٣) .

__________________

١ - التوحيد: ص ١٦٤.

٢ - التوحيد: ص ٦٤.

٣ - التوحيد: ٦٩، نُسِب هذا الحديث إلى الإمام الباقرعليه‌السلام وهو اشتباه.

٨٧

إنّ ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمله من سعة الخيال فضلاً عن إدراكها بالعين الباصرة فإنّ كلاً منهما محدود بحسب الزمان والمكان وذات الله تعالى لا يجري عليها الزمان والمكان فإنّه تعالى هو الذي خلقهما.

وعلى أي حال فإنّ العقول في جميع تصوّراتها محدودة لا يمكن أن تكتشف الأمور التي لا تخضع للحدّ زماناً ومكاناً، يقول الشافعي: ( إنّ للعقل حدّاً ينتهي إليه كما أن للبصر حدّاً ينتهي إليه ).

٥ - سأل أبو هاشم الجعفري الإمام أبا جعفر الجواد قال: ما معنى الواحد؟ فأجابهعليه‌السلام :

( الذي اجتمعت الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزوجل:

( ولَئنِ سألْتَهُم مَن خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ليقُولُنَّ اللهُ. .) (١) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن البحوث الرائعة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام عن التوحيد، وهي تكشف عن مدى ثرواته العلمية الهائلة.

مسائل فقهية:

وتشكّل الأحاديث التي تُروى عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدى فقهاء الشيعة الإمامية؛ لأنّها من السنة التي فسّرت - عندهم - بقول المعصوم وفعله وتقريره، وقد أثرت عنه طائفة كبيرة من الأخبار دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعضها:

الصلاة:

أمّا بحوث الصلاة وفروعها فهي من أوسع أبواب الفقه، وكان من بين تلك

__________________

١ - التوحيد: ص ٤٤.

٨٨

الفروع التي عرض لها الإمام أبو جعفرعليه‌السلام ما يلي:

١ - روى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام في السنجاب(١) ، والفنك(٢) والخزّ(٣) وقلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك، فكتب بخطّه إليّ صلِّ فيها(٤) .

واستدلّ الفقهاء بهذا الخبر ونحوه ممّا ورد في هذا الموضوع على جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات، وهناك روايات أخرى دالّة على المنع من الصلاة فيها، ولسنا بصدد النظر في ترجيح إحدى الطائفتين من هذه الأخبار على الأخرى فإنّ ذلك من شأن الكتب الفقهيّة الاستدلالية وليس هذا الكتاب منها.

٢ - روى قاسم الصيقل قال: كتبت إلى الرضاعليه‌السلام إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأُصلّي فيها، فكتب إليّ اتّخذ ثوباً لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الوحشية الذكية فكتب إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس(٥) .

__________________

١ - السنجاب: حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يُتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون، وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد إلى الشجرة العالية، وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٢ - الفنك: دويبة برية يؤخذ منها الفرو، يقال: إنّ فروها أطيب من جميع أنواع الفراء، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٣ - الخزّ: دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب، ترعى في البر، وتنزل في البحر، لها وبر يُعمل منه الثياب، تعيش في الماء، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٤ - وسائل الشيعة: ج ٣ ص ٢٥٣.

٥ - وسائل الشيعة: ج ٣ ص ٤٨٩.

٨٩

٣ - واستدلّ الفقهاء على جواز الصلاة بالنعل الطاهرة الذكية بما رواه عليّ بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفرعليه‌السلام صلى حين زالت الشمس يوم التروية ستّ ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما(١) وروى عبد الله بن رزين أنّه رأى أبا جعفر الثانيعليه‌السلام يصلي في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند بيت فاطمةعليه‌السلام يخلع نعليه، ويصلي وإنّه رآه في ذلك الموضع الذي كان.

٤ - واستند الفقهاء على جواز مناجاة الله في أثناء الصلاة برواية محمد بن عليّ بن الحسين عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام قال: لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي يناجي به ربه عزوجلّ(٢) .

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام في الصلاة.

الزكاة:

وردت عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام عدّة أخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يلي: استدلّ الفقهاء على جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما روي عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام فقد روى محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أن لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه: أيّما تيسّر يخرج(٣) .

الخمس:

وتلتزم الشيعة الإمامية بلزوم الخمس ووجوبه الذي هو من أهمّ الضرائب

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ٣ ص ٣٠٣.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٧ ص ٢٦٣.

٣ - وسائل الشيعة: ج ٦ ص ١٣١.

٩٠

الإسلامية التي فرضها الله على المسلمين لازدهار اقتصادهم، ومعالجة الفقر والبؤس، ونصف من الخمس المسمّى بحقّ الإمام ينفق على إقامة معالم الشريعة الإسلامية وازدهار الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام، وهو يجب في مواضع - ذكرها الفقهاء - منها ما يفضل عن مؤنة سنة الإنسان له ولعياله من أرباح التجارات، والصناعات والزراعات ونحوها، وقد استدلّ الفقهاء على ذلك بما أثر عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام من الأخبار والتي منها:

١ - روى عليّ بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتبعليه‌السلام بخطّه: الخمس بعد المؤنة(١) .

٢ - روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن مهزيار قال: ( كتب إليه أبو جعفرعليه‌السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة، قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله: إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا قال تعالى:( خُذْ مِن أموالهم صدَقةً تُطهِّرهمْ وتزكِّيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليمٌ *ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذُ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم *وقُلِ اعْمَلُوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم

____________

١ - وسائل الشيعة: ج ٦ ص ٣٤٨.

٩١

تَعمَلُونَ ) (١) .

ولم أوجب عليهم ذلك، في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحوه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة سافسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن موالي، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام قال الله تعالى:( واعلمُوا أَنَّما غنمتُم من شيءٍ فأنَّ للهِ خُمُسهُ وللرَّسُولِ ولذي القُربى واليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ إن كُنتُمْ آمنتم باللهِ وما أنزلنَا على عبدنا يومَ الفرقانِ يومَ التقى الجمعان والله على كلِّ شيءٍ قديرٍ ) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها. والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المرء خير من عمله، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلات في كلّ عام فهو نصف السدس، ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك.. )(٢) .

ومنيت هذه الصحيحة بكثير من الغموض وعدم وضوح المراد منها وقد

__________________

١ - سورة الجمعة: ج ١٠٣ - ١٠٥.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٦ ص ٣٥٠.

٩٢

ذكرت عليها عدّة إشكالات تصدّى بعض المحقّقين من الفقهاء إلى تفنيدها، وذكر المحقّق الفقيه البحراني ما نصّه: فالحقّ ما ذكره جملة من الأصحاب من أنّ الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال(١) .

الحجّ:

واستند فقهاء الشيعة الإمامية في فتاواهم في بعض فروع الحجّ، ومسائله إلى ما أثر عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام فيها، وفيما يلي ذلك:

١ - استند الفقهاء في استحباب الحجّ للصبي بما رواه محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا أثغر(٢) وقد تعرّض الفقهاء إلى كيفيّة حجّه بالتفصيل.

٢ - وأفتى فقهاء الإمامية بأنّ المخالف إذا حجّ ثمّ استبصر لم يعد حجّه إلاّ أن يخلّ بركن عندنا(٣) وقد وردت رواية عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام تقضي بالإعادة فقد روى عليّ بن مهزيار قال: كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفرعليه‌السلام : إنّي حججت وأنا مخالف، وكنت صرورة فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، قال: فكتب إليه: أعد حجّك(٤) وحمل الشيخ الأمر بإعادة الحجّ على الاستحباب(٥) .

٣ - واتّفق فقهاء الإمامية بأنّ حجّ التمتّع أفضل أنواع الحجّ لمن أراد أن يحجّ

__________________

١ - الحدائق الناضرة.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٨ ص ٣٧.

٣ - اللمعة الدمشقية: ج ٢ ص ١٧٧.

٤ - وسائل الشيعة: ج ٨ ص ٤٣.

٥ - نفس المصدر.

٩٣

حجاً مندوباً، وقد استندوا في ذلك إلى ما ورد عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام وغيره من أئمّة العترة الطاهرةعليه‌السلام فقد روى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال: كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي، وكان يقول: ليس يدخل الحاج بشيء أفضل من المتعة(١) .

٤ - من التروك اللازمة في الحجّ التظليل للرجل الصحيح سائراً أمّا المرأة فيجوز لها الظلّ(٢) وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام في ذلك ما رواه بكر بن صالح قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلّل عليّ وعليها؟ فكتبعليه‌السلام : ظلّل عليها وحدها(٣) .

هذه بعض فروع الحجّ التي وردت أحكامها عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام .

النذر:

وسئل الإمام أبو جعفر الجوادعليه‌السلام عن بعض مسائل النذور وفروعه فأجاب عنها، وكان ممّا سئل عنه.

١ - سئل الإمام الجوادعليه‌السلام عن الرجل يقول: عليّ مائة بدنة أو ما لا يطيق، فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذلك من خطوات الشيطان(٤) .

إنّ القدرة على الامتثال - كما يقول الفقهاء - شرط في صحّة التكليف ويستحيل أن يتعلّق بغير المقدور، فمتعلّق النذر في هذه المسألة لمّا كان غير مقدور ولا

__________________

١ - وسائل الشيعة:

٢ - اللمعة: ج ٢ ص ٣٢٤.

٣ - وسائل الشيعة: ج ٩ ص ١٥٣.

٤ - وسائل الشيعة: ج ١٦ ص ٢٢١.

٩٤

يطيقه المكلّف كان النذر باطلاً.

٢ - رفع رجل من بني هاشم رسالة إلى الإمام الجوادعليه‌السلام جاء فيها: ( إنّي كنت نذرت نذراً منذ سنين أن أخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا ممّا يرابط فيه المتطوّعة نحو مرابطتهم بجدّة وغيرها من سواحل البحر، افترى جعلت فداك انّه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني أو افتدي الخروج إلى ذلك بشيء من أبواب البرّ لأصير إليه إن شاء الله؟ ).

فأجابهعليه‌السلام برسالة جاء فيها:

( إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته وإلاّ فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ، وفّقنا الله وإيّاك لما يحب ويرضى.. )(١) .

ولم ينعقد هذا لنذر لأنّ متعلّقة غير راجح، وقد حثّ الإمام على أن يصرف نفقات مرابطته في وجوه البرّ والتي منها الإحسان إلى الفقراء.

كفارة مخالفة العهد:

وأفتى فقهاء الإمامية بأن من حنث ما عاهد عليه الله تجب عليه الكفّارة المخيّرة وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً، وقد استندوا في ذلك إلى ما روي عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرماً أبداً فلمّا رجع عاد إلى المحرم، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : يعتق أو يصوم أو يتصدّق على ستين مسكيناً وما ترك من الأمر أعظم ويستغفر الله ويتوب إليه(٢) .

__________________

١ - تهذيب الأحكام: ج ٨ ص ٣١١.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٦: ص ٢٤٨.

٩٥

الوقف:

سئل الإمام أبو جعفرعليه‌السلام عن بعض مسائل الوقف فأجاب عنها، وعلى ضوء أجوبته أفتى الفقهاء، وكان من بين ما سئل عنه:

١ - إنه سئل عن الوقف الذي يكون على أسرة وهي منتشرة في أنحاء مختلفة في البلاد فهل يجب على متولّي الوقف أن يوصل إليهم حقّهم من واردات الوقف، فأجابعليه‌السلام بعدم لزوم ذلك عليه، وإنّ الوارد يختصّ بمن حضر البلد الذي فيه الوقف، وهذا نصّ السؤال والجواب:

روى عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام أسأله عن أرض وقفها جدّي على المحتاجين من ولد فلان ابن فلان، وهم كثيرون متفرّقون في البلاد، فأجاب: ذكرت الأرض التي وقفها جدّك على فقراء ولد فلان، وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف وليس لك أن تتّبع من كان غائباً(١) .

٢ - روى عليّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقفة؟ فكتبعليه‌السلام : اعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك إليّ، وإنّ ذلك رأي إن شاء الله، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له(٢) وحمل الحرّ العاملي الرواية على عدم قبض الإمام للضيعة كما هو الظاهر منه حتى يصحّ البيع.

٣ - روى عليّ بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أعلمه أنّ إسحاق بن إبراهيم وقف ضيعته على الحجّ، وأمّ ولده وما فضل عنها للفقراء، وإنّ محمد بن

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٣ ص ٣٠٨.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٣ ص ٣٠٤.

٩٦

إبراهيم أشهد على نفسه بمال يفرّق في إخواننا، وإنّ في بني هاشم من يعرف حقّه، يقول بقولنا ممّن هو محتاج، فترى أن يصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصدقة؟ لأنّ وقف إسحاق إنّما هو صدقة..

فكتبعليه‌السلام في الجواب: ( فهمت رحمك الله ما ذكرت من وصية إسحاق بن إبراهيم ( رضي الله عنه )، وما أشهد بذلك محمد بن إبراهيم ( رضي الله عنه )، وما استأمرت به من إيصالك بعض ذلك إلى من كان له ميل ومودّة من بني هاشم ممّن هو مستحقّ فقير، فأوصل ذلك إليهم يرحمك الله، فهم إذا صاروا إلى هذه الخطّة أحقّ من غيرهم لمعنى لو فسّرته لك لعلمته إن شاء الله )(١) .

وأدرج الحرّ العاملي هذه الرواية تحت عنوان ( جواز إعطاء فقراء بني هاشم من الصدقة سوى الزكاة من الوقف على الفقراء )(٢) .

الزواج:

وأثرت عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام في الزواج عدّة أخبار استند إليها الفقهاء في فتواهم، وكان من بينها عدم ولاية العمّ على ابنة أخيه في الزواج فقد روى محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام : ما تقول في صبية زوجها عمّها، فلمّا كبرت أبت التزويج فكتبعليه‌السلام : ( لا تكره على ذلك والأمر أمرها )(٣) .

الطلاق:

وسئل الإمام أبو جعفرعليه‌السلام عن الطلاق المخالف لفقه أهل البيتعليهم‌السلام

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٣ ص ٣٢٢.

٢ - وسائل الشيعة: ج ٩ ص ٢١٣.

٣ - وسائل الشيعة: ج ١٤ ص ٢٠٧.

٩٧

فأجابعليه‌السلام بعدم صحّته إن كان المطلّق ممّن يدين بالولاء لهم، ويسير على وفق ما أثر عنهم، وإن كان المطلّق لا يرى ذلك فطلاقه صحيح، وهذا نصّ جوابه عن هذا السؤال الذي سأله عنه إبراهيم بن محمد الهمداني: ( فهمت ما ذكرت من أمر بنتك وزوجها ( إلى أن قال ) ومن حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولاّنا، ويقول: بقولنا فلا طلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً جهله، وإن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول: بقولنا فاختلعها منه، فإنّه نوى الفراق )(١) .

الرضاع:

وإذا توفّرت في الرضاع الشروط المعتبرة التي ذكرها الفقهاء فيترتّب عليه ما يترتّب على النسب من الآثار الوضعيّة، ففي الحديث: ( الرضاع لحمة كلحمة النسب ) وكان من بين مسائل الرضاع التي عرضت على الإمام أبي جعفرعليه‌السلام وأجاب عنها ما رواه عليّ بن مهزيار قال: سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثانيعليه‌السلام انّ امرأة أرضعت لي صبياً فهل يحلّ لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره، فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها، فقال: لو كن عشراً متفرّقات ما حلّ لك شيء منهنّ، وكنّ في موضع بناتك(٢) .

حلّية زواج الزاني بالمزني بها:

وسئل الإمام أبو جعفر الجوادعليه‌السلام عن الزاني هل له أن يتزوّج بالمزني بها، فأجابعليه‌السلام بالجواز بعد استبرائها، وهذا نصّ السؤال مع جوابه روى الحسن بن عليّ

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٥ ص ٣٢٠.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٤ ص ٢٩٦.

٩٨

بن شعبة عن أبي جعفر محمد بن عليّ الجوادعليه‌السلام أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه، ثمّ يتزوّج بها إن أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً(١) .

حرمان ابن الزنا من الميراث:

من الآثار الخطيرة التي تترتّب على اقتراف جريمة الزنا ان ابن الزنا لا يلحق بأبويه ويحرم من ميراثهما، وقد أثر عن الإمام أبي جعفرعليه‌السلام في ذلك ما رواه محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام معي يسأله عن رجل فجر بامرأة، ثم إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق الله به، فكتب بخطّه وخاتمه: الولد لغية لا يورث(٢) .

الشفعة:

من البحوث الفقهيّة: الشفعة وقد سئل الإمام أبو جعفرعليه‌السلام عن بعض أحكامها فأجاب عنها، فقد روى الثقة الفقيه عليّ بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام عن رجل طلب شفعة فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال وإلاّ فليبع، وبطلت شفعته في الأرض وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة، وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم فإن وافاه وإلاّ فلا شفعة له(٣) ، وقد أدرج الشيخ الحرّ هذا الخبر تحت هذا العنوان: ( باب أنّ

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٥ ص ٤٧٦.

٢ - وسائل الشيعة: ج ١٧ ص ٥٦٧.

٣ - وسائل الشيعة: ج ١٧ ص ٣٢٤.

٩٩

الثمن إذا كان في المصر انتظر به ثلاثة أيام وإن كان في بلد آخر انتظر به قدر الذهاب والعودة وزيادة ثلاثة أيام، فإن زاد بطلت الشفعة ).

الميراث:

وسئل الإمام أبو جعفرعليه‌السلام عن بعض فروع الميراث فأجاب عنها، ونعرض لبعضها:

١ - روى محمد بن علي بن الحسن بإسناده عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام : رجل هلك، وترك ابنته وعمّه، فقال: المال للابنة، قال: وقلت له: رجل مات وترك ابنة له وأخاً له، أو قال: ابن أخيه قال: فسكت طويلاً ثمّ قال: المال للابنة(١) .

٢ - روى عليّ بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام عن دار كانت لامرأة وكانت لها ابن وابنة فغاب الابن في البحر، وماتت المرأة فادّعت ابنتها أنّ أمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها، وليس يعرف للابن خبر، فقال لي: ومنذ كم غاب؟ قلت: منذ سنين كثيرة، قال: ينتظر به غيبة عشرة سنين، ثمّ يشتري(٢) . فقلت: إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال: نعم(٣) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المسائل الفقهية التي أدلى بها الإمام الجوادعليه‌السلام حينما سئل عنها وهي تكشف - بوضوح - عن أنّ الإمامعليه‌السلام قد كان

__________________

١ - وسائل الشيعة: ج ١٧ ص ٤٤٦.

٢ - علّق الشيخ الحرّ على ذلك بقوله: أقول: لا يلزم من جواز البيع بعد عشر سنين الحكم بموته لجواز بيع الحاكم مال الغائب مع المصلحة ذكر ذلك جماعة من علمائنا.

٣ - وسائل الشيعة: ج ١٧ ص ٥٨٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279