المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية0%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 180874
تحميل: 6431

توضيحات:

المذاهب الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180874 / تحميل: 6431
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، قال: ثُمَّ تكلّم بكلام خفي علَيّ، قال فقلت لأبي: ما قال؟،[، فقال أبي:إنّه] قال: «كلّهم من قريش». (1)

3 - أخرج مسلم عنه أيضاً، يقول: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» ، ثُمَّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟[، فقال أبي:إنّه] قال: «كلّهم من قريش». (2)

4 - أخرج مسلم عنه أيضاً، قال: انطلقت إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومعي أبي، فسمعته يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة»، فقال كلمة صمَّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟[، فقال أبي:إنّه] قال: «كلّهم من قريش». (3)

5 - أخرج مسلم عنه أيضاً، قال: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلمي، يقول: «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش». (4)

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنّ الأئمّة بعد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنا عشر، وقد جاء فيها سماتهم وصفاتهم وعددهم، غير أنّ المهم هو تعيين مصاديقها والإشارة إلى أعيانها وأشخاصها، ولا تعلم إلاّ بوجود السمات الواردة في هذه الأحاديث فيهم، وأمّا السمات الواردة فيها، فإليك مختصرها:

1 - لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة.

2 - لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً.

3 - لا يزال الدين قائماً.

____________________

(1 - 4) صحيح مسلم: 6/3 - 4.

١٨١

وقد وردت سمات أخرى في أحاديث أُخرى، لم نذكرها هنا اختصاراً، وهي:

4 - لا يزال أمر أُمّتي صالحاً.

5 - لا يزال أمر هذه الأُمة ظاهراً.

6 - حتّى يمضي فيهم اثنا عشر.

7 - ما وليهم اثنا عشر خليفة، كلُّهم من قريش.

8 - عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل. (1)

وهذه السمات والخصوصيّات لا توجد مجتمعة إلاّ في الأئمّة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين. وتلك الأحاديث من أنباء الغيب ومعجزات النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، خصوصاً إذا ضمّت إليها أحاديث الثقلين والسفينة، وكون أهل بيت النبيّ أماناً لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.

فالأئمّة الاثنا عشر المعروفون بين المسلمين، أوّلهم عليّ أمير المؤمنين وآخرهم المهدي، تنطبق عليهم تلك العلائم.

مقتضى الكتاب في صيغة القيادة بعد الرسول:

قد نزلت آيات في مجال القيادة بعد الرسول؛ أوضحها آية الولاية في سورة المائدة، فنحن نأتي بها مع ما يتقدّمها؛ حتّى تتّضح دلالتها: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ

____________________

(1) راجع بحوث في الملل والنحل: 6/58 - 60.

١٨٢

أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (1) .

وقبل الاستدلال بالآية، نذكر شأن نزولها.

روى المفسّرون عن أنس بن مالك وغيره، أنّ سائلاً أتى المسجد وهو يقول: من يُقرض المليّ الوفي، وعليّ راكع يشير بيده للسائل: اخلع الخاتم من يدي، فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيل بـ: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .

وإليك تفصيل الآية:

1 - الولي والمولى والأولى بمعنى واحد، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل». وقال: «يا عليّ، أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي» ، ولو أُطلق على الناصر والمحبّ، فهو كإطلاق المولى عليهما.

وقد عرفت أنّه ليس للمولى إلاّ معنى واحد وهو الأولى، فلو أُطلق على الناصر والمحبّ؛ فلأجل أنّ المحبّ أولى بالدفاع عن محبوبه والتزامه بنصرته، والصديق أولى بحماية صديقه، فتفسير الوليّ بالمحبّ والناصر والصديق من باب خلط المتعلّق بالمفهوم.

2 - لو كان المراد من الولي هو الناصر وما أشبهه يلزم الاكتفاء بقوله: ( إِنّمَا

____________________

(1) المائدة: 54 - 56.

١٨٣

وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) من دون حاجة إلى التقييد بإيتاء الزكاة حال الركوع.

3 - لو كان الوليّ بمعنى الناصر أو المحبّ يلزم وحدة الوليّ والمولى عليه في قوله: ( وَالّذِينَ آمَنُوا ) ، وما هذا إلاّ لأنّ كلّ مؤمن ناصر لأخيه المؤمن ومحبّ له، مع أنّ ظاهر الآية أنّ هناك ثلاثة أولياء، هم: الله، رسوله، المؤمنون بالشروط الثلاثة؛ ولا يتحقّق ذلك إلاّ بتقسيم الوليّ الزعيم والمتصرّف في شؤون المولّى عليه، فهؤلاء الثلاثة أولياء وغيرهم مولّى عليهم.

4 - فإذا كانت الحال كذلك، فلماذا أفرد الوليّ، ولم يجمعه؟ والجواب عنه واضح: وهو أنّه أفرده لإفادة أنّ الولاية لله على طريق الأصالة، وللرسول والمؤمنين على سبيل التبع، ولو قيل: إنّما أولياؤكم الله ورسوله والّذين آمنوا، لم يكن في الكلام أصل وتبع.

5 - إنّ قوله: ( الّذِينَ يُقِيمُونَ ) ، بدل من ( الّذِينَ آمَنُوا ) ، كما أنّ الواو في قوله ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) للحال، وهو حال من قوله ( َيُؤْتُونَ الزّكَاةَ ) ؛ معنى ذلك أنّهم يؤتونها حال ركوعهم في الصلاة.

6 - إذا كان المراد من قوله: ( الّذِينَ آمَنُوا ) هو الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، فلماذا جِيء بلفظ الجماعة؟

والجواب: جِيء بها ليُرغّب الناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه؛ ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية؛ من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء؛ حتّى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة، لم يؤخّروه إلى الفراغ منها.

١٨٤

7 - إنّما ذَكَر من صفات الوليّ من الّّذين آمنوا إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ لأنّهما ركنان عظيمان للإسلام؛ ووظيفتان رئيسيّتان للقائد، وهو أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة.

وعلى كل حال، فتقييد الوليّ من المؤمنين بالأوصاف الثلاثة، وتقييد إيتاء الزكاة بحال الركوع يجعل الكلّي مخصصاً في فرد واحد؛ وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام).

ونحن نكتفي من البرهنة على خلافة الإمام بهذه الآية، وهناك آيات استدلّ بها الأصحاب على ولاية الإمام ونفي ولاية الغير، أوضحنا مداليلها في مؤلّفاتنا الكلاميّة.

١٨٥

الفصل الخامس:

ما هو السرُّ

في مخالفة الجمهورنصَّ الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

لقد ظهرت الحقيقة بأجلى صورها، وثبت أنّ الرسول لم يرحل عن أُمّته إلاّ بعد أن نصب عليّاً للخلافة والقيادة، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: إنّه لو كان الحق كما نطقت به النصوص كتاباً وسنّة، فلماذا أعرض الجمهور عمّا أُمروا أن يتمسّكوا به؟

والإجابة عن الشبهة سهلة لمن راجع التاريخ وسيرة الصحابة في عصر الرسول وبعده، فإنّ القرآن الكريم رغم أمره باتّباع الرسول وعدم التقدّم عليه، ورغم أمره بالتّسليم له وأنّ الإيمان رهنه، ورغم أنّه يندد ببعض المسلمين الّذين كانوا يتمنّون طاعة الرسول لهم في بعض المواقف، وقال: ( وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتّمْ ) (1) . رغم كلّ ذلك، نُشاهد رجالاً يقفون أمام النبيّ في غير واحد من المواقف، ويخالفونه بعنف وقوّة، ويقدّمون الاجتهاد والمصالح الشخصيّة على أوامر الرسول في مواطن كثيرة، وإليك نزراً يسيراً منها، وبالإلمام بها تسهل

____________________

(1) الحجرات: 7.

١٨٦

عليك الإجابة عن السّر في مخالفة عدّة من الأصحاب لأمر النبيّ في مسألة الوصاية والقيادة.

1 - اختلافهم مع النبيّ في الأنفال والأسرى:

انتصر المسلمون في غزوة بدر وجمع غير واحد من المسلمين ما في معسكر العدو، فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا، وقال الّذين يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لو لا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى أصبتم ما أصبتم، وقال الّذين يحرسون رسول الله: ما أنتم بأحقّ به منّا، والله لقد رأينا أن نَقتل العدو إن منحنا الله أكتافهم، وقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، فخفنا على رسول الله كرّة العدو فقمنا دونه، فما أنتم بأحقّ به منّا، فنزل قوله سبحانه: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للّهِ‏ِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) (1) .

وأمّا اختلافهم في الأسرى، فيكفي في ذلك قوله سبحانه: ( مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى‏ حَتّى‏ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيَما أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (2) .

وهذه الآية تُعرب عن أنّهم اختلفوا إلى حدّ كانوا مستحقّين لنزول العذاب، لو لا سبق كتاب من الله.

____________________

(1) الأنفال: 1.

(2) الأنفال: 67 - 68.

١٨٧

2 - مخالفتهم لأمر الرسول في أُحد:

ورد رسول الله أُحد حين بلغه أنّ أبا سفيان يريد شنّ هجوم على المدينة، واستقبل الرسول المدينة، وجعل جبل العينين عن يساره، ونصب خمسين رجلاً نبّالاً على جبل عينين، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، وقال له:« انضح الخيل عنّا بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتينَّ من قبلك».

ولمّا صار الانتصار حليف المسلمين، وأخذ العدو بالانسحاب عن ساحة القتال، مولّياً نحو مكّة، خالف الرماة أمر الرسول، وأخْلَوا مكانهم طمعاً في الغنائم، فكلّما نصحهم أميرهم بالبقاء وعدم ترك العينين خالفوه.

ولمّا رأى العدو المنهزم أنّ جبل العينين قد أضحى خالياً من الرماة، وكان جبل العينين يقع على ضفّتين يتخلّلهما معبر، فاستغلّ العدو الفرصة، فأدار خالد بن الوليد من معه من وراء المسلمين، فورد المعسكر من هذا المعبر على حين غفلة منهم، فوضع السيوف فيهم فقتل منهم لفيفاً، إلى أن تحوّل النصر إلى هزيمة، وكان ذلك نتيجة مخالفة المسلمين لوصية الرسول، وتقديماً للاجتهاد على النصّ، والرأي الخاطئ على الدليل، وكم له نظير في حياة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبعد وفاته!!

3 - مخالفتهم في صلح الحديبية:

دخلت السنة السادسة للهجرة، واشتاق النبي إلى زيارة بيت الله، فأعدّ العدّة للعمرة ومعه جمع من أصحابه، وليس معهم من السلاح إلاّ سلاح المسافر، فلمّا وصلوا إلى أرض الحديبيّة، مُنعوا من مواصلة السير، فبعد تبادل الرسل بينه

١٨٨

وبين رؤساء قريش اصطلحوا على وثيقة ذكرها أصحاب السيرة في كتبهم، فكانت نتيجة تلك الوثيقة رجوع النبيّ إلى المدينة ومجيئه في العام القابل للزيارة، وقد ذكر فيها شروط للصلح أثارت حفيظة بعض المسلمين، حتّى أنّ عمر بن الخطّاب وثب فأتى أبابكر فقال: أليس برسول الله؟!، قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟!، قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟!، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنيّة في ديننا!! (1)

فقد زعم الرجل أنّ البنود الواردة في صلح النبيّ تعني إعطاء الدنيّة في الدين!!، حتّى أنّ النبيّ أخبرهم حين الشخوص من المدينة؛ أنّ الله سبحانه أراه في المنام أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فلمّا انصرفوا ولم يدخلوا مكة، قالوا: ما حلقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام، فأنزل الله سبحانه قوله: ( لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ ) (2) .

ولو أراد المتتبّع أن يتعمّق في السير والتفاسير، يجد أنّ مخالفة القوم للرسول لم تكن مختصّة بموضوع دون موضوع.

4 - مخالفتهم في تجهيز جيش أُسامة:

اتّفق المؤرّخون على أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أمر بتجهيز جيش أُسامة، فقال: «جهّزوا جيش أُسامة، لعن الله من تخلّف عنه» ، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأُسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: قد اشتدّ مرض النبيّ، فلا تسع قلوبنا

____________________

(1) السيرة النبويّة: 2/316 - 317.

(2) الفتح: 27.

١٨٩

مفارقته والحال هذه، فنصبر حتّى ننظر أيّ شيء يكون من أمره. (1)

وكتب الطبري يقول: لقد ضُرب بعث أُسامة، فلم يستتب لوجع رسول الله، وقد أكثر المنافقون في تأمير أُسامة، فخرج النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) على الناس عاصباً رأسه من الصداع لذلك، وقال:« وقد بلغني أنّ أقواماً يقولون في إمارة أُسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً بالإمارة وانّه لخليق لها، فأنفذوا بعد أُسامة».

فخرج أُسامة، فضرب بالجرف وأنشأ الناس في العسكر، ونجم طليحة وتمهّل الناس، وثقُل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فلم يستتم الأمر، ينظرون أوّلهم آخرهم حتّى توفّى الله عزّ وجلّ نبيّه. (2)

5 - مخالفتهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في إحضار القلم والدواة:

عن ابن عبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وجعه، قال: «ائتوني بدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده» ، قال عمر: إنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثُر اللّغط، قال(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع».

فخرج ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وبين كتابه. (3)

____________________

(1) الملل والنحل: 1/29 - 30.

(2) تاريخ الطبري: 2/430 - 431.

(3) صحيح البخاري: 1/30 باب كتابة العلم، الطبقات الكبرى: 2/242، وجاء فيه: فقال بعض من كان عنده: إنّ نبيّ الله ليهجُر.

١٩٠

إنّ الراوي نقل الرواية بالمعنى كي يخفّف من شدّة الصدمة الّتي تحصل فيما لو نقل الرواية بألفاظها، والشاهد على ما نقول أنّ البخاري نفسه روى الرواية بشكل آخر أيضاً، فروى عن ابن عبّاس أنّه كان يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثُمَّ بكى حتّى بلَّ دمعه الحصى، قلت: يابن عباس، ما يوم الخميس؟، قال: اشتدّ برسول الله وجعه، فقال: ائتوني بكتف اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع، فقالوا: ما له؟، أهجر، استفهموه.

فقال: «ذروني، فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه» ، فأمرهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة خير إمّا أن سكت عنها وإمّا أن قالها فنسيتها. (1)

ولعل الثالثة الّتي نسيها الراوي هو الّذي كان أراد النبيّ أن يكتبه حفظاً لهم من الضلال، ولكن ذكره شفاهاً عوض كتابته، لكن السياسة اضطرت المحدّثين إلى ادّعاء نسيانه.

ولعلّ النبيّ أراد أن يكتب في مرضه تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، وتشهد بذلك وحدة لفظهما؛ حيث جاء في الثاني: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي».

وقد فهم الخليفة ما يريده رسول الإسلام، وحدّث به بعد مدّة من الزمن لابن عبّاس، فقال له يوماً: يا عبد الله إنّ عليك دماء البدن إن كتمتها، هل بقي في نفس عليّ شيء من الخلافة؟

____________________

(1) صحيح البخاري: 4/99، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.

١٩١

قال ابن عبّاس: قلت: نعم، قال: أو يزعم أنّ رسول الله نصّ عليه؟، قلت: نعم.

فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تُثبت حجة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه، فأمسك. (1)

والعجب أنّ أحمد أمين، مع ما يكنّ للشيعة من عداء وقسوة، يعترف بما ذكرنا صراحة، ويقول:

أراد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في مرضه الّذي مات فيه أن يعيّن من يلي الأمر بعده، ففي الصحيحين، البخاري ومسلم، أنّ رسول الله لمّا أصفرّ قال: «هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده»، وكان في البيت رجال منهم عمر بن الخطّاب، فقال عمر: إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من قال: قرّبوا إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من قال: القول ما قاله عمر، فلمّا أكثروا اللّغو والاختلاف عنده (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: (قوموا)، فقاموا، وترك الأمر مفتوحاً لمن شاء، جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة. (2)

هذه نماذج من مخالفة القوم لصريح النصوص الصادرة عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكلّ ذلك يُعرب عن فقدانهم روح التسليم للنبيّ ولأحكامه، فلم يكونوا

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 3/17.

(2) يوم الإسلام: 41.

١٩٢

ملتزمين بما لا يوافق أهواءهم وأغراضهم من النصوص.

نعم ربّما يوجد بينهم من كان أطوع للنبيّ من الظّل لذي الظّل، ولكنّ المتنفّذين لم يكونوا متعبّدين بالنصوص، فضلاً عن تعبّدهم بالإشارات والرموز، وربّما كانوا يقابلون النبيّ بكلمات عنيفة لا يقابَل بها من هو أقلّ منه شأناً.

١٩٣

الفصل السادس:

نصوص الخلافة والركون إلى الأمر الواقع

وهناك سؤال يطرحه كلّ من يؤمن بتواتر النصوص ووضوح دلالتها؛ لمّا يُشاهد المعارضة بينها وبين الأمر الواقع في السقيفة وما بعدها، وانثيال كثير من المهاجرين والأنصار إلى غير عليّ، فيقع في الحيرة والتعجّب، فيقول: لو كانت النصوص النبويّة على هذا المستوى، فلماذا أعرض عنها المسلمون؟!، ولماذا لم يطلب الإمام حقّه الشرعي؟!، ولماذا رضي بالأمر الواقع ولم ينبس فيه ببنت شفة؟!، وهذا هو الّذي نحاول الإجابة عنه في المقام، فنقول:

إنّ المهمّ هو بيان السرّ الّذي دفع الإمام إلى ترك المطالبة بحقّه بالقدرة والعنف، وأمّا إعراض المهاجرين والأنصار، أو في الحقيقة إعراض الرؤوس منهم، عن النصّ، وانثيال غيرهم إليهم، فليس هذا أمراً عجباً؛ فقد أعرضوا عن كثير من النصوص واجتهدوا تجاهها، كما تقدم البحث عن موارده، وإليك تشريح ما هو المهم:

إنّ الإمام لم يسكت طول حياته عن بيان حقّه وإرشاد الناس إليه، بل أظهر عدم رضاه بالأمر الواقع، وهو تعبير آخر عن غصب حقّه، يقف عليه كلّ من قرأ مأساة السقيفة في كتب التاريخ.

فلم يكن للإمام قدرة على المطالبة بحقّه. وعلى فرض وجودها، كانت

١٩٤

المصلحة تكمن يومذاك في إداء الأمر إلى متقمّصيها، وعدم المطالبة بها بالقهر والقوّة، وإليك ما يدلّ على ذينك الأمرين من خلال دراسة التاريخ:

1 - هذا ابن قتيبة يسرد تاريخ السقيفة وما فيه من مآسي، يقول: إنّ عليّاً (عليه السّلام) أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول: «أنا عبد الله وأخو رسول الله»، فقيل له: بايع، فقال (عليه السّلام): «أنا أحق بهذا الأمر منكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ، وتأخذوه منّا أهل البيت غصباً؟!، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمد فيكم، فسلّموا إليكم الإمارة، وأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، فانصفوا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون».

فقال له عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له عليّ: «احلب حلباً لك شطره، وشدّ له اليوم، يردده عليك غداً - ثُمَّ قال: - والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أُبايعه».

فقال له أبوبكر: فإن لم تبايع فلا أُكرهك، فقال أبو عبيدة بن الجراح لعليّ (عليه السّلام): يا ابن عم، إنّك حديث السنّ، وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واستطلاعاً، فسلِّم لأبي بكر، فانّك إن تعش ويطل لك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

فقال عليّ (عليه السّلام): «الله الله يا معشر المهاجرين لا تُخرجوا سلطان محمد

١٩٥

في العرب من داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به؛ لأنّا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المتطلّع لأمر الرعيّة، الدافع عنهم الأُمور السيّئة، القاسم بينهم بالسويّة، والله إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بُعداً». (1)

فأي بيان أروع من هذا البيان، وأي بلاغ أصرح منه، فقد فنّد خلافة المتقمّص ببيان فقده مؤهّلاتها، وهي الأُمور التالية:

1 - ما كان فينا القارئ لكتاب الله.

2 - الفقيه في دين الله.

3 - العالم بسنن رسول الله.

4 - المتطلّع لأمر الرعيّة.

5 - الدافع عنهم الأُمور السيّئة.

6 - القاسم بينهم بالسويّة.

ومعنى ذلك أنّ المتقمّص ومؤيديه فاقدون لهذه الصلاحيّات.

2 - لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين أنباء السقيفة قال (عليه السّلام): ما قالت الأنصار؟، قالوا: قالت منّا أمير ومنكم أمير، فقال: «هلاّ احتججتم عليهم بأنّ رسول الله

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1/11 - 12.

١٩٦

وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟» ، قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟!، فقال (عليه السّلام): «لو كانت الإمامة فيهم، لم تكن الوصيّة»، ثُمَّ قال: «فماذا قالت قريش؟» قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقال (عليه السّلام): «احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة». (1)

3 - الإمام لم يكتف بهذه الجمل في بادئ الأمر، بل استمر على بيان الحق بأساليب مختلفة، منها:

احتجاجه بحديث الغدير في يوم الشورى سنة 23:

قال عامر بن واثلة: كنت على الباب يوم الشورى مع عليّ (عليه السّلام)، فسمعته يقول: «لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا أعجميّكم تغيير ذلك»، ثُمَّ قال:

«أنشدكم الله، أفيكم من وحّد الله قبلي» ، قالوا: لا، إلى أن قال: «فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب غيري؟، قالوا: اللّهم لا». (2)

4 - كما ناشد يوم الرحبة سنة 35، روى الأصبغ قال: نشد عليّ الناس في الرحبة: «من سمع النبيّ يوم غدير خم ما قال، إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله يقول»؛ فقام بضعة عشر رجلاً، منهم: أبو أيّوب الأنصاري، وسهل بن

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 67.

(2) الصواعق المحرقة: 75، المناقب، للخوارزمي: 135 برقم 152.

١٩٧

حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله يقول: «ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه، وأعن من أعانه». (1)

لم تكن المناشدة، منحصرة بهذين الموردين، بل ناشد الإمام في غير واحد من المواقف الأُخرى، كما ناشدت زوجته الصدّيقة الطاهرة بحديث الغدير، وبعدهما الحسنان السبطان، وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر.

هذه شواهد باهرة على عدم سكوته ولا رضاه بالأمر الواقع، بل استمرّ على هذا إلى أُخريات حياته، ويتّضح هذا بالرجوع إلى خطبته المعروفة بالشقشقيّة الّتي ألقاها في آخر خلافته.

وأمّا عدم القيام بأخذ الحق بالقوّة؛ فلأجل أنّ القيام فرع القدرة، ولم يكن يومذاك أيّ مِنْعة وقدرة للإمام، ويكفي في ذلك كلامه في خطبته الأخيرة: «فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربه». (2)

ولكن حتّى لو افترضنا وجود القدرة، فإنّ مصالح الإسلام كانت تكمن في المسالمة وإدلاء الأمر إليهم، يشير إليه الإمام تارة بالكناية وأُخرى بالتصريح؛ حيث يقول: «أيّها الناس، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، هذا ماء آجن، ولقمة

____________________

(1) أسد الغابة: 3/307 و5/205.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 3.

١٩٨

يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه،فإنّ أقلّ يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللّتيّا والّتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطَويِّ البعيدة). (1)

وقد أوضح ما ذكره مجملاً في هذه الخطبة الّتي ألقاها بعد وفاة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بخطبته الّتي ألقاها بعد رجوع الناس إليه، وصرّح بأنّ مسالمته الخلفاء لأجل أخطار كانت تحدق بالمسلمين بعد موت النبيّ، فقال (عليه السّلام): «إنّ الله سبحانه بعث محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين، فلمّا مضى (عليه السّلام) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته، ولا أنّهم منحّوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام؛ يدعون إلى محق دين محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم؛ الّتي إنّما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه». (2)

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 5.

(2) نهج البلاغة: قسم الكتب 62.

١٩٩

الفصل السابع:

في عقائد الشيعة الإماميّة

إنّ عقائد الشيعة الإماميّة، ليست حصيلة الاحتكاك بالثقافات الأجنبيّة، ولا ما أنتجته البحوث الكلاميّة طوال القرون، وإنّما هي عقائد مأخوذة من الذكر الحكيم أوّلاً، والسنّة النبويّة ثانياً، وخُطب الإمام عليّ وكلمات العترة الطاهرة المأخوذة من النبيّ ثالثاً، فلأجل ذلك يحدد تاريخ عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمتهم الطاهرين.

وهذا لا يعني أنّ الشيعة تتعبّد بالنصوص في أُصولها من دون تحليل وتفكير، بل يعني أنّ أُصول العقائد الواردة في المصادر المذكورة، أخذها علماؤهم منها وحرّروها بأوضح الوجوه، ودعموها بالبرهنة. نعم لا يعتمدون في مجال العقيدة على آحاد الروايات؛ بل يشترط فيها أن تكون متواترة، أو محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم واليقين؛ إذ ليس المطلوب في باب الاعتقاد مجرد العمل؛ بل المطلوب هو الإذعان والإيمان، ولا يحصل بآحاد الروايات.

وإليك عقائدهم في هذا الباب الّتي لخّصها الشيخ الطوسي ضمن خمسين مسألة في كتابه (العقائد الجعفريّة):

1 - معرفة الله واجبة على كلّ مكلّف؛ بدليل أنّه منعم فيجب معرفته.

٢٠٠