المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية0%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 180879
تحميل: 6431

توضيحات:

المذاهب الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180879 / تحميل: 6431
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والّذي يدلّ على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين الأيّوبي قصيدة سمّاها: (شكاية المتظلّم ونكاية المتألّم) وهي بديعة رثى فيها أصحاب القصر الفاطمي عند زوال ملْكهم.

الإسماعيليّة النزاريّة

قد عرفت أنّ الإسماعيليّة افترقت فِرقتين بين مستعلية ونزاريّة، أمّا الأُولى فقد مضى الكلام فيها، وأمّا الثانية فقد قالوا بإمامة نزار بن معد، وبذلك استمرّ الركب الإمامي بعد وفاة المستنصر بالله، واتفقت النزاريّة قبل الانشقاق على إمامة الأئمّة التالية:

1 - المصطفى بالله نزار بن معد المستنصر.

2 - الإمام جلال الدين حسن بن أعلى محمّد.

3 - الإمام علاء الدين بن الإمام جلال الدين.

4 - الإمام ركن الدين فورشاه بن الإمام علاء الدين.

5 - الإمام شمس الدين بن ركن الدين.

وبعد وفاة الإمام شمس الدين بن ركن الدين ظهر اختلاف من نوع جديد، فالمعلوم أنّه كان للإمام محمّد شمس الدين ثلاثة أولاد، هم: مؤمن شاه، وقاسم شاه، وكياشاه.

فالمؤمنيّة اعترفت بإمامة مؤمن شاه وسارت وراءه وولْده من بعدهن حتّى آخرهم أمير محمد باقر سنة 1210هـ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه وولْده الذين هم أُسرة آغا خان.

٢٦١

النزاريّة المؤمنيّة:

النزاريّة المؤمنيّة الّتي ذهبت إلى إمامة مؤمن بن محمّد ثُمَّ توالت الإمامة في نسله عبر العصور إلى أن انتقلت إلى الإمام محمّد بن حيدر (الأمير الباقر) (1179 - 1210هـ)؛ وهو آخر إمام من أُسرة مؤمن يَحتفظ الإسماعيليّون في سوريا بفرمان مُرسل منه، من بلدة اورنك آباد بالهند إلى الإسماعيليّين في سوريا، وفي عهده توقّف الفرع المؤمني النزاري عن الركب الإمامي، ودخلت الإمامة في الستر خلافاً للفرع الأخر النزاريّة القاسميّة الّتي ذهب إلى استمرار الإمامة إلى يومنا هذا، وبلغت قائمة الأئمّة النزاريّة المؤمنيّة إلى محمّد بن حيدر 22 إماماً.

النزارية القاسمية:

ذهبت النزاريّة القاسميّة إلى إمامة قاسم شاه، وتوالت الإمامة من عصره إلى يومنا هذا إلى أن وصلت النوبة إلى أُسرة آغا خان.

بلغ عدد الأئمّة النزاريّة القاسميّة من عصر نزار بن معد إلى يومنا هذا 31 إماماً.

وأمّا أئمّة الأُسرة الآغاخانيّة الّذين تحملوا عبء الإمامة، فهم:

1 - حسن علي شاه (1219 - 1298هـ)؛ وهو أوّل من لقّب بآغا خان.

2 - علي شاه (1246 - 1302هـ)، ولد في بلدة محلاّت.

٢٦٢

3 - سلطان بن محمّد شاه (1294 - 1380هـ)، المعروف بآغا خان الثالث، ولد في محلّة شهر العسل بكراتشي.

4 - كريم بن عليّ بن محمّد (1938 ـ...) المعروف بآغا خان الرابع.

هؤلاء أئمّة النزاريّة القاسميّة الآغاخانيّة، وهم الفِرقة المنحصرة باستمرار الإمامة في أولاد إسماعيل، وفق المذهب الإسماعيلي، فالله سبحانه يعلم هل تستمر الإمامة بعد رحيله أو تدخل في كهف الغيبة؟!

٢٦٣

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

الإسلام عقيدة وشريعة، والإسماعيليّة كغيرها من المذاهب لها أُصول وفروع.

أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمّهاتها، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي (المتوفّى 363هـ) باسم (دعائم الإسلام).

نعم، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم (تأويل الدعائم) وسيمرّ عليك شيئاً من تأويلاته.

إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم، لأنّ العثور عليها أمر صعب للغاية، وذلك لوجوه:

1 - الظنّة بكتبهم والتستّر عليها وإخفاؤها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين.

2 - اتّخاذ الفلسفة اليونانيّة عماداً وسنداً للمذهب؛ فأدخلوا فيه أشياء كثيرة ممّا لا صلة لها بباب العقائد والأُصول، كالقول بالعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها، وأنّ الصادر الأوّل هو العقل، إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر.

3 - إنّ المذهب الإسماعيلي لم يكن في بدء ظهوره مذهباً متكاملاً، وإنّما تكامل عبر الزمان، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانيّة.

٢٦٤

واعتمدنا في عرض عقائدهم على كتابين:

1 - (راحة العقل)، تأليف: الداعي في عهد الحاكم، أعني: أحمد بن عبد الله الكرماني (352 - كان حياً سنة 411هـ)، الملقّب بحجّة العراقين، وكبير دعاة الإسماعيليّة في عصر الحاكم بالله.

2 - (تاج العقائد ومعدن الفرائد)، تأليف: الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق عليّ بن محمّد الوليد (522 - 612هـ). وهذا الكتاب أسهل فهماً من (راحة العقل)؛ يتضمّن مائة مسألة في معتقدات مذهب الإسماعيليّة.

٢٦٥

1

عقيدتهم في التوحيد

1 - عقيدتهم في توحيده سبحانه أنّه واحد لا مثل له ولا ضد:

يقول الكرماني في المشرع الخامس: إنّه تعالى لا ضدّ له ولا مثل. (1)

وفي تاج العقائد: إنّه تعالى واحد لا من عدد، ولا يعتقد فيه كثرة، أو ازدواج أشكال المخلوقات، واختلاف البسائط والمركّبات. (2)

2 - إنّه سبحانه ليس أيساً:

إنّ الأيس بمعنى الوجود، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي.

وتستنكر الإسماعيليّة وصفه سبحانه بالأيس، وجاء الدليل عليه في كتاب (راحة العقل) وحاصله: إنّه لو كان موصوفاً بالوجود، فبما أنّ الصفة غير الموصوف يحتاج في وصفه به إلى الغير، وهو تعالى غنيّ عمّا سواه.

____________________

(1) راحة العقل: 47.

(2) تاج العقائد ومعدن الفرائد: 21.

٢٦٦

يُلاحظ عليه: أنّ ما جاء به الكرماني يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانيّة في أوساطهم، فهم يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على الواجب، فيبحثون عن مسبِّب العروض، مع أنّه إذا كانت ماهيّته انّيّته، وكان تقدّست أسماؤه عين الوجود، فالاستدلال ساقط من رأسه.

3 - في نفي التسمية عنه:

والمُراد من نفي التسمية عنه هو نفي الماهيّة عنه، وقد استدلّوا على ذلك بقولهم: إنّه تعالى ليس له صورة نفسانيّة ولا عقليّة ولا طبيعيّة ولا صناعيّة، بل يتعالى بعظيم شأنه، وقوّة سُلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته وفنون بريّته، وقد اتّفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه، لا جوهراً ولا عرضاً. (1)

4 - نفي الصفات عنه:

ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه على الإطلاق، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويّته وذاته دون وصفه بصفات حتّى الصفات الجماليّة والكماليّة. مع أنّه سبحانه يوصف نفسه في غير سورة من السور، بصفاته.

____________________

(1) تاج العقائد ومعدن الفوائد: 26، ولكن الجمع بين نفي الأيس عنه سبحانه ونفي التسمية (الماهيّة) أمر محال؛ لأنّ الواقع لا يخلو عن أحد الأمرين: فهو وجود محض، أو وجود ذو ماهيّة، فلاحظ.

٢٦٧

5 - الصادر الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا:

لمّا ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه، لم يكن لهم بدّ من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الأوّل، الّذي هو الموجود الأوّل، وإليه تنتهي الموجودات، وهو الصادر عنه سبحانه بالإبداع، لا بالفيض والإشراق، كما عليه إخوان الصفا. (1)

قال الداعي الكرماني في هذا الصدد: فالإبداع هو الحقّ والحقيقة، وهو الوجود الأوّل، وهو الموجود الأوّل، وهو الوحدة، وهو الواحد، وهو الأزل، وهو الأزلي، وهو العقل الأوّل، وهو المعقول الأوّل، وهو العلم، وهو العالم الأوّل، وهو القدرة، وهو القادر الأوّل، وهو الحياة، وهو الحيّ الأول، ذات واحدة، تلحقها هذه الصفات، يستحقّ بعضها لذاته، وبعضها بإضافة إلى غيره، من غير أن تكون هناك كثرة بالذّات. (2)

____________________

(1) رسائل إخوان الصفا: 3/189.

(2) راحة العقل: 83.

٢٦٨

2

عقيدتهم في العدل

قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف، ويعتقدون أنّه فوق الوصف، وأنّ غاية التوحيد نفي الوصف، وإثبات الهويّة، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الإنسان، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

1 - الإنسان مخيّر لا مسيّر:

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: الإنسان مخيّر، غير مجبور فيما يعتقد لنفسه من علومه وصناعته، ومذاهبه ومعتقداته.

إلى أن قال: ولولا ذلك لَما كانت لها منفعة بإرسال الرُّسل وقبول العلم، وتلقّي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى؛ إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده، ثُمَّ استدلّ بآيات. (1)

____________________

(1) تاج العقائد: 166 - 168.

٢٦٩

2 - القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار:

الإسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقة لا مجازاً، ولكنّها تنفي كونهما سالبين للاختيار.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز، ولهما في الخلق أحوال على ما رتّب الفاعل سبحانه، من غير جبر يُلزم النفوس الآدميّة الدخول إلى النّار أو الجنّة.

إلى أن قال: إذ لو كان كذلك لذهبت النبوّات والأوامر المسطورات في الكتب المنزلة، في ذم قوم على ما اقترفوه ومدح قوم على ما فعلوه. (1) .

____________________

(1) تاج العقائد: 179.

٢٧٠

3

عقيدتهم في النّبوّة

1 - النبوّة أعلى مراتب البشر:

النبوّة عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمّل الوحي.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله، ولا علماً يخرج عن علمه، وإنّه الّذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره، وإنّ السعادة الفلكيّة والأشخاص العالية والمؤثّرات خدم له في زمانه. (1)

3 - الرسالة الخاصّة والعامّة:

ثُمَّ إنّهم يقسّمون الرسالة إلى ضربين: عامّة وخاصّة.

والمراد من الرسالة العامّة هنا هو العقل الغريزي، وهو الرسول الأوّل المعدّ لقبول أمر الرسول الثاني.

وأمّا المراد من الرسالة الخاصّة فهو عبارة عن الرسول المبعوث إلى الناس.

____________________

(1) تاج العقائد: 57 - 58.

٢٧١

أقول: إنّ تسمية العقل الإنساني بالرسول لا يخلو من شيء، والأولى تسميته بالحجّة الباطنة، في مقابل الحجة الظاهرة الّذي هو النبيّ.

4 - في أنّ الأنبياء لا يُولدون من سِفاح:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) لا يلدهم الكفّار، ولا يُولدون من سِفاح. ثُمَّ استدلّ ببعض الآيات. (1)

5 - في صفات الأنبياء:

يقول الداعي الكرماني: المؤيّد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة؛ الّتي هي أسباب في نيل السعادة الأبديّة، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها من جودة الفهم والتصور لِما يشار إليه ويومأ، إلى أن قال: ويكون عظيم النفس، كريماً، محبّاً للعدل، مبغضاً للظلم والجور، مؤثِراً لِما يعود على النفس منفعته من العبادة، مِقداماً في الأُمور، جسوراً عليها، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (2)

6 - في المعجزات الّتي يأتي بها الرُّسل:

إنّ المعجزة عند الإسماعيليّة عبارة عن خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعيّة، من ردّ ما في الطبيعة عن

____________________

(1) تاج العقائد: 51.

(2) راحة العقل: 421 - 422.

٢٧٢

قانونه المعهود لقهر العقول، ودخولها تحت أمر المعقولات، ومن أجله يُعلم أنّه متّصل بالفاعل، الّذي لا يتعذر عليه متى أراد؛ إذ كلّما في العالم لا يتحرّك إلاّ بمادّته وتدبيره. (1)

7 - في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرُّسل:

يفضّل رسول الله على سائر الرُّسل والأنبياء في وجوه؛ أفضلها الوجه التالي: هو أنّه سبحانه جعل شريعته مؤبّدة لا تُنسخ أبداً، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام الساعة، ولم يُقدَّر ذلك لغيره. (2)

8 - في أنّ الشريعة موافقة للحكمة:

إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة، هي والحكمة الشرعيّة سواء؛ لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء وعقلاء، ومحال أن يشرّع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لما تحتاجه العقول، ويكلّف لها بما يُسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطَرها. (3)

9 - في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها

____________________

(1) تاج العقائد: 97.

(2) تاج العقائد: 59 - 60.

(3) تاج العقائد: 101.

٢٧٣

من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك، مضمّنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة، وما يتخصّص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل والنفس، وكلّ من حقّق ذلك كانت معتقداته سالمة. (1)

أقول: هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيليّة المؤوَّلة؛ إذ كلُّ إمام وداع يسرح بخياله، فيضع لكلّ ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقة، يسمّي أحدهما بالشريعة الظاهريّة والآخر بالباطنيّة، من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل، فكلّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيّات، أشبه بذوقيّات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة.

____________________

(1) تاج العقائد: 101.

٢٧٤

4

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

المعاد - بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة، من أُسس الشرائع السماويّة، وهي لا تنفصل عن الإيمان بالله، ولذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على المعاد بعد الموت، ولولا القول به لَما قام للدين عمود ولا اخضرّ له عود.

1 - في أنّ المعاد روحاني لا جسماني:

نعم، اختلفوا في كونه جسمانيّاً أو روحانيّاً، وعلى فرض كونه جسمانيّاً، فهل الجسم المُعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري؟، فالإسماعيليّة على أنّ المعاد روحاني.

قال الكرماني، بعد بيان النشأة الأُولى في الدنيا: ثُمَّ الله ينشأ النشأة الآخرة بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الْأُولَى‏ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ ) (1) ، فهلاّ تتفكّرون وتوازنون وتعلمون أنّ النظام في الخلق والبعث واحد، وأنّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأُولى.

____________________

(1) الواقعة: 62.

٢٧٥

وقال الداعي عليّ بن محمّد الوليد: يُعتقد أنّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره، إلى دار غير هذه الدار، فهذه الدار صوريّة وتلك ماديّة، وما بينهما صوري ومادي. (1)

2 - في التناسخ:

وهو عود الروح - بعد مفارقة البدن - إلى الدنيا عن طريق تعلّقها ببدن آخر، كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح، وله أقسام.

وربّما يُنسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيليّة، ولكن النسبة في غير محلّها.

3 - في الحساب:

الحساب تابع للبعث، وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الّذي هو الملاذ والمسار، والعقاب الّذي هو الألم والعذاب والغم. وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

4 - في الجنّة:

يقول الكرماني: إنّها موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع، وإنّها لا تستحيل ولا تتغيّر، ولا يطرأ عليها حال ولا تتبدّل. (2)

____________________

(1) تاج العقائد: 165.

(2) راحة العقل: 379.

٢٧٦

5 - في الملائكة:

إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة؛ فلا يتعدّى أحد منهم بغير ما وكّل به، وإنّما اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكّلوا به؛ فمنهم من هو في العالم العقلي، ومنهم من هو في العالم الفلكي، ومنهم من هو في العالم الطبيعي.

وقد أخفى الله سبحانه ذوات الملائكة عن النظر، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم، لا يراهم حتّى يصير إمّا في منزلة النبيّ أو يخلص القبول من النبيّ بقرب الدرجة منه.

6 - في الجنِّ:

وتعتقد الإسماعيليّة أنّ الجنّ ذوات أرواح ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة، وتعتقد أنّ الجنَّ صحيح لا ريب فيه، وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر.

ومنهم من هو في أرجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (1)

____________________

(1) تاج العقائد: 46.

٢٧٧

5

عقيدتهم في الإمامة

تحتلّ الإمامة عند الإسماعيليّة مركزاً مرموقاً؛ حيث جعلوها على درجات ومقامات، وزوّدوا الأئمّة بصلاحيّات واختصاصات، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين:

المقام الأوّل: الإمامة المطلقة

إنّ درجات الأئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة، من دون أن تختص بالشريعة الإسلاميّة، بل تعمّ الشرائع السماويّة كلّها، وبما أنّ مذهب الإسماعيليّة أُحيط بهالة من لغموض عبر القرون، لم يكن من الممكن أن يقف أحد عليها إلاّ طبقة خاصّة من علمائهم، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم (ايفانوف) الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع، كما قام الكاتبان الإسماعيليّان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيليّة وبيّناها بوجه واضح خالياً من

الغموض والتعقيد الموجودين في عامّة كتب الإسماعيليّة، وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

٢٧٨

الموارد، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة على كتاب (الإمامة في الإسلام) للكاتب عارف تامر، وإليك بيانه:

درجات الإمامة خمس؛ وهي:

1. الإمام المقِيم.

2. الإمام الأساس.

3. الإمام المتِم.

4. الإمام المستقِر.

5. الإمام المستودَع.

وربّما يضاف إليها رتبتان:الإمام القائم بالقوّة، والإمام القائم بالفعل.

فالمهمّ هو الوقوف على هذه الدرجات.

يعتقد عارف تامر في كتابه (الإمامة في الإسلام) أنّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين، إلاّ طبقة خاصّة من العلماء، أو لا أقلّ في التقيّة والاستتار والكتمان.

1. الإمام المقِيم:

هو الّذي يُقِيْم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدْرِجه في مراتب رسالة النطق، وينعم عليه بالإمدادات، وأحياناً يُطلقون عليه اسم (ربّ الوقت) و(صاحب العصر)، وتُعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقّة وسرّيّة.

٢٧٩

2. الإمام الأساس:

هو الّذي يرافق الناطق في كافّة مراحل حياته، ويكون ساعده الأيمن، وأمين سرّه، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى، والمنفِّذ للأوامر العليا، فمنه تتسلسل الأئمّة المستقرون في الأدوار الزمنيّة، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنيّة القائمة على الطبقة الخاصّة ممّن عَرفوا (التأويل) ووصلوا إلى العلوم الإلهيّة العليا.

3. الإمام المتِم:

هو الّذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور؛ والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمّة، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتمّاً لرسالة الدور، وأنّ قوته تكون معادلة لقوّة الأئمّة الستة الّذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يُطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً؛ أي أنّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الّذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد، ومؤسِّساً لبنيان حديث.

4. الإمام المستقِر:

هو الّذي يملك صلاحيّة توريث الإمامة لوِلْده، كما أنّه صاحب النصّ على الإمام الّذي يأتي بعده، ويسمّونه أيضاً الإمام بالجوهر والمتسلّم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

٢٨٠